الجمعة، 6 مايو 2022

كتاب 18 و 19 فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)

 

  كتاب :18. فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)
 باب الجهاد ماض مع البر و الفاجر

...
44 - باب الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"
2852- حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عامر حدثنا عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيلُ معقُودٌ في نواصيهًا الخيرُ إلى يومِ القيَامةِ: الأجرُ وَالمغنَمُ".
قوله: "باب الجهاد ماض مع البر والفاجر" هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه بنحوه أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا عن أبي هريرة، ولا بأس برواته، إلا أن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة. وفي الباب عن أنس أخرجه سعيد بن منصور وأبو داود أيضا وفي إسناده ضعف. قوله: "لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخيل معقود إلخ" سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، وفسره بالأجر والمغنم، المغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد، ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عادلا فدل على أن لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر. وفي الحديث الترغيب في الغزو على الخيل، وفيه أيضا بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة، لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون، وهو مثل الحديث الآخر "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق" الحديث. واستنبط منه الخطابي إثبات سهم للفرس يستحقه الفارس من أجله، فإن أراد السهم الزائد للفارس على الراجل فلا نزاع فيه، وإن أراد أن للفرس سهمين غير سهم راكبه فهو محل النزاع ولا دلالة من الحديث عليه، وسيأتي القول فيه قريبا إن شاء الله تعالى. "تنبيه": حكى ابن التين أنه وقع في رواية أبي الحسن القابسي في لفظ الترجمة "الجهاد ماض على البر والفاجر" قال: ومعناه أنه يجب على كل أحد. قلت: إلا أنه لم يقع في شيء من النسخ التي وقفنا عليها، وقد وجدته في نسخة قديمة من رواية القابسي كالجماعة، والذي يليق بلفظ الحديث ما وقع في سائر الأصول بلفظ: "مع" بدل "على" والله أعلم. "تكملة": روى حديث: "الخيل معقود في نواصيها الخير" جمع من الصحابة غير من تقدم ذكره، وهم ابن عمر وعروة وأنس

(6/56)


وجرير، وممن لم يتقدم سلمة بن نفيل وأبو هريرة عند النسائي وعتبة بن عبد عند أبي داود وجابر وأسماء بنت يزيد وأبو ذر عند أحمد والمغيرة وابن مسعود عند أبي يعلى وأبو كبشة عند أبي عوانة وابن حبان في صحيحيهما وحذيفة عند البزار وسوادة بن الربيع وأبو أمامة وعريب - وهو بفتح المهلة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة - المليكي والنعمان بن بشير وسهل بن الحنظلية عند الطبراني وعن علي عند ابن أبي عاصم في الجهاد. وفي حديث جابر من الزيادة "في نواصيها الخير والنيل" وهو بفتح النون وسكون التحتانية بعدها لام وزاد أيضا: "وأهلها معانون عليها، فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة" ، وقوله: "وأهلها معانون عليها" في رواية سلمة بن نفيل أيضا.

(6/57)


باب مناحتبس فرسا في سبيل الله
...
45 - باب مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى [60 الأنفال]: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}
2853- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قوله: "باب من احتبس فرسا في سبيل الله لقوله عز وجل: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} أي بيان فضله، وروى ابن مردويه في التفسير من حديث ابن عباس في هذه الآية قال: "إن الشيطان لا يستطيع ناصية فرس". قوله: "حدثنا علي بن حفص" هو المروزي، قال البخاري في التاريخ: لقيته بعسقلان سنة سبع عشرة. قلت: وما أخرج عنه غير هذا الحديث وآخر في مناقب الزبير موقوفا وآخر في آخر كتاب القدر قرنه وفيه ببشر بن محمد، وقد تعقب ابن أبي حاتم تسميته على البخاري في الجزء الذي جمع فيه أوهامه وقال: الصواب أنه ابن الحسين بن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة بوزن عظيم قال: وقد لقيه أبي بعسقلان سنة سبع عشرة. قلت: فيحتمل أن يكون حفص اسم جده، وقد وقع للبخاري نسبة بعض مشايخه إلى أجدادهم. قوله: "أخبرنا طلحة بن أبي سعيد" هو المصري نزيل الإسكندرية وكان أصله من المدينة، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، بل قال أبو سعيد بن يونس: ما روى حديثا مسندا غيره. قوله: "وتصديقا بوعده" أي الذي وعد به من الثواب على ذلك، وفيه إشارة إلى المعاد كما أن في لفظ الإيمان إشارة إلى المبدأ. وقوله: "شبعه" بكسر أوله أي ما يشبع به، وكذا قوله: "ريه" بكسر الراء وتشديد التحتانية ووقع في حديث أسماء بنت يزيد الذي أشرت إليه في الباب الماضي "ومن ربطها رياء وسمعة" الحديث وقال فيه: "فإن شبعها وجوعها إلخ خسران في موازينه" قال المهلب وغيره: في هذا الحديث جواز وقف الخيل للمدافعة عن المسلمين، ويستنبط منه جواز وقف غير الخيل من المنقولات ومن غير المنقولات من باب الأولى. وقوله: "وروثه" يريد ثواب ذلك لا أن الأرواث بعينها توزن، وفيه أن المرء يؤجر بنيته كما يؤجر العامل، وأنه لا بأس بذكر الشيء المستقذر بلفظه للحاجة لذلك. وقال ابن أبي جمرة: يستفاد من هذا الحديث أن هذه الحسنات تقبل من صاحبها لتنصيص الشارع على أنها في ميزانية، بخلاف غيرها فقد لا تقبل فلا تدخل الميزان، وروى ابن ماجه من حديث تميم الداري مرفوعا: "من ارتبط فرسا في سبيل الله ثم عالج علفه بيده كان له بكل حبة حسنة".

(6/57)


باب اسم الفرس و الحمار
...
46 - باب اسْمِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ
2854- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَخَلَّفَ أَبُو قَتَادَةَ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَوْا حِمَارًا وَحْشِيًّا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ أَبُو قَتَادَةَ فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَرَادَةُ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَتَنَاوَلَهُ فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ ثُمَّ أَكَلَ فَأَكَلُوا فَنَدِمُوا فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ قَالَ هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا".
2855- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ اللُّحَيْفُ ". قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمُ: "اللُّخَيْفُ".
2856- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ آدَمَ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا".
[الحديث 2856 – أطرافه في: 5967، 6267، 6500، 7373]
2857- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لَنَا يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ فَقَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا".
قوله: "باب اسم الفرس والحمار" أي مشروعية تسميتهما، وكذا غيرهما من الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها. وقد اعتنى من ألف في السيرة النبوية بسرد أسماء ما ورد في الأخبار من خيله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من دوابه، وفي الأحاديث الواردة في هذا الباب ما يقوي قول من ذكر أنساب بعض الخيول العربية الأصيلة لأن الأسماء توضع للتمييز بين أفراد الجنس. وذكر البخاري في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث أبي قتادة في قصة صيد الحمار الوحشي، وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج، والغرض منه قوله فيه: "فركب فرسا يقال له الجرادة " وهو بفتح الجيم وتخفيف الراء، والجراد اسم جنس. ووقع في السيرة لابن هشام أن اسم فرس أبي قتادة الحزوة

(6/58)


أي بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها واو، فإما أن يكون لها اسمان، وإما أن أحدهما تصحف والذي في الصحيح هو المعتمد. ومحمد بن أبي بكر شيخ البخاري فيه هو المقدمي، وحكى أبو علي الجياني أنه وقع في نسخة أبي زيد المروزي "محمد بن بكر" وهو غلط. حديث سهل وهو ابن سعبد الساعدي. قوله: "يقال له اللحيف" يعني بالمهملة والتصغير، قال ابن قرقول: وضبطوه عن ابن سراج بوزن رغيف. قلت: ورجحه الدمياطي، وبه جزم الهروي وقال: سمي بذلك لطول ذنبه، فعيل بمعنى فاعل، وكأنه يلحف الأرض بذنبه. قوله: "وقال بعضهم اللخيف" بالخاء المعجمة، وحكوا فيه الوجهين، وهذه رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل وهو أخو أبي بن عباس، ولفظه عند ابن منده "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن سعد والد سهل ثلاثة أفراس، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن لزاز - بكسر اللام وبزايين الأولى خفيفة - والظرب بفتح المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة، واللخيف" وحكى سبط ابن الجوزي أن البخاري قيده بالتصغير والمعجمة قال: وكذا حكاه ابن سعد عن الواقدي وقال: أهداه له ربيعة بن أبي البراء مالك بن عامر العامري وأبوه الذي يعرف بملاعب الأسنة انتهى. ووقع عند ابن أبي خيثمة: أهداه له فروة بن عمرو. وحكى ابن الأثير في النهاية أنه روى بالجيم بدل الخاء المعجمة، وسبقه إلى ذلك صاحب المغيث ثم قال: فإن صح فهو سهم عريض النصل كأنه سمي بذلك لسرعته. وحكى ابن الجوزي أنه روى بالنون بدل اللام من النحافة. الثالث: حديث معاذ بن جبل قوله: "عن عمرو بن ميمون" هو الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو من كبار التابعين، وسيأتي أنه أدرك الجاهلية في أخبار الجاهلية. وأبو إسحاق الراوي عنه هو السبيعي. والإسناد كله كوفيون إلا الصحابي، وأبو الأحوص شيخ يحيى بن آدم فيه كنت أظن أنه سلام بالتشديد وهو ابن سليم وعلى ذلك يدل كلام المزي، لكن أخرج هذا الحديث النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي عن يحيى بن آدم شيخ شيخ البخاري فيه فقال: "عن عمار بن زريق عن أبي إسحاق" والبخاري أخرجه ليحيى بن آدم عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، وكنية عمار بن زريق أبو الأحوص فهو هو، ولم أر من نبه على ذلك. وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة وأبو داود عن هناد بن السري كلاهما عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، وأبو الأحوص هذا هو سلام بن سليم فإن أبا بكر وهنادا أدركاه ولم يدركا عمارا والله أعلم. قوله: "كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير" بالمهملة والفاء مصغر مأخوذ من العفر وهو لون التراب كأنه سمي بذلك للونه والعفرة حمرة يخالطها بياض، وهو تصغير أعفر أخرجوه عن بناء أصله كما قالوا سويد في تصغير أسود، ووهم من ضبطه بالغين المعجمة وهو غير الحمار الآخر الذي يقال له يعفور، وزعم ابن عبدوس أنهما واحد وقواه صاحب الهدي، ورده الدمياطي فقال: عفير أهداه المقوقس ويعفور أهداه فروة بن عمرو وقيل بالعكس. ويعفور بسكون المهملة وضم الفاء هو اسم ولد الظبي كأنه سمي بذلك لسرعته. قال الواقدي: نفق يعفور منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، وبه جزم النووي عن ابن الصلاح، وقيل طرح نفسه في بئر يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقع ذلك في حديث طويل ذكره ابن حبان في ترجمة محمد بن مرثد في الضعفاء، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غنمه من خيبر، وأنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له أنه كان ليهودي وأنه خرج من جده ستون حمارا لركوب الأنبياء فقال: ولم يبق منهم غيري، وأنت خاتم الأنبياء، فسماه يعفورا. وكان يركبه في حاجته ويرسله إلى الرجل فيقرع بابه برأسه فيعرف أنه أرسل إليه، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر أبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره، قال ابن حبان: لا أصل له، وليس سنده

(6/59)


بشيء. قوله: "أن تعبدوه ولا تشركوا" في رواية الكشميهني: "أن تعبدوا" بحذف المفعول. قوله: "فيتكلوا" بتشديد المثناة. وفي رواية الكشميهني بسكون النون، وقد تقدم شرح ذلك في أواخر كتاب العلم، وسيأتي هذا الحديث في الرقاق من طريق أنس بن مالك عن معاذ ولم يسم فيه الحمار، ونستكمل بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. وتقدم في العلم من حديث أنس بن مالك أيضا لكن فيما يتعلق بشهادة أن لا إله إلا الله، وهذا فيما يتعلق بحق الله على العباد فهما حديثان، ووهم الحميدي ومن تبعه حيث جعلوهما حديثا واحدا. نعم وقع في كل منهما منعه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بذلك الناس لئلا يتكلموا، ولا يلزم من ذلك أن يكونا حديثا واحدا. وزاد في الحديث الذي في العلم "فأخبر بها معاذ عند موته تأثما" ولم يقع ذلك هنا والله أعلم. الحديث الرابع: حديث أنس في فرس أبي طلحة، وقد تقدم في أواخر الهبة مع شرحه، وهو ظاهر فيما ترجم به هنا.

(6/60)


47 - باب مَا يُذْكَرُ مِنْ شُؤْمِ الْفَرَسِ
2858- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ".
2859- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ".
[الحديث 2859 – طرفه في: 5095]
قوله: "باب ما يذكر من شؤم الفرس" أي هل هو على عمومه، أو مخصوص ببعض الخيل؟ وهل هو على ظاهره، أو مؤول؟ وسيأتي تفصيل ذلك. وقد أشار بإيراد حديث سهل بعد حديث ابن عمر إلى أن الحصر الذي في حديث ابن عمر ليس على ظاهره، وبترجمة الباب الذي بعده وهي "الخيل لثلاثة" إلى أن الشؤم مخصوص ببعض الخيل دون بعض وكل ذلك من لطيف نظره ودقيق فكره. قوله: "أخبرني سالم" كذا صرح شعيب عن الزهري بإخبار سالم له، وشذ ابن أبي ذئب فأدخل بين الزهري وسالم محمد بن زبيد بن قنفذ، واقتصر شعيب على سالم وتابعه ابن جريج عن ابن شهاب عند أبي عوانة وكذا عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري كما سيأتي في الطب، وكذا قال أكثر أصحاب سفيان عنه عن الزهري، ونقل الترمذي عن ابن المديني والحميدي أن سفيان كان يقول: لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم انتهى. وكذا قال أحمد عن سفيان: إنما نحفظه عن سالم. لكن هذا الحصر مردود فقد حدث به مالك عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما، ومالك من كبار الحفاظ ولا سيما في حديث الزهري، وكذا رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه أخرجه مسلم والترمذي عنه، وهو يقتضي رجوع سفيان عما سبق من الحضر. وأما الترمذي فجعل رواية ابن أبي عمر هذه مرجوحة، وقد تابع مالكا أيضا يونس من رواية ابن وهب عنه كما سيأتي في الطب، وصالح بن كيسان عند مسلم وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي كلهم عن الزهري عنهما، ورواه إسحاق ابن راشد عن الزهري فاقتصر على حمزة أخرجه النسائي، وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة من طريق عقيل وأبو عوانة من طريق شبيب بن

(6/60)


سعيد كلاهما عن الزهري، ورواه القاسم بن مبرور عن يونس فاقتصر على حمزة أخرجه النسائي أيضا. وكذا أخرجه أحمد من طريق رباح بن زيد عن معمر مقتصرا على حمزة، وأخرجه النسائي من طريق عبد الواحد عن معمر فاقتصر على سالم، فالظاهر أن الزهري يجمعهما تارة ويفرد أحدهما أخرى، وقد رواه إسحاق في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال: عن سالم أو حمزة أو كلاهما، وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري أخرجه مسلم من طريق عتبة بن مسلم عنه والله أعلم. قوله: "إنما الشؤم" بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوا. قوله: "في ثلاث" يتعلق بمحذوف تقديره كائن قاله ابن العربي، قال: والحصر فيها بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة انتهى. وقال غيره: إنما خصت بالذكر لطول ملازمتها، وقد رواه مالك وسفيان وسائر الرواة بحذف "إنما" لكن في رواية عثمان بن عمر "لا عدوى ولا طيرة، وإنما الشؤم في الثلاثة" قال مسلم لم يذكر أحد في حديث ابن عمر "لا عدوى " إلا عثمان بن عمر. قلت: ومثله في حديث سعد بن أبي وقاص الذي أخرجه أبو داود، لكن قال فيه، "إن تكن الطيرة في شيء" الحديث، والطيرة والشؤم بمعنى واحد كما سأبينه في أواخر شرح الطب إن شاء الله تعالى، وظاهر الحديث أن الشؤم والطيرة في هذه الثلاثة، قال ابن قتيبة: ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن لا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة. قلت: فمشى ابن قتيبة على ظاهره، ويلزم على قوله أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره، قال القرطبي: ولا يظن به أنه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر وينفع بذاته فإن ذلك خطأ وإنما عني أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره، قلت: وقد وقع في رواية عمر العسقلاني - وهو ابن محمد ابن زيد بن عبد الله بن عمر - عن أبيه عن ابن عمر كما سيأتي في النكاح بلفظ: "ذكروا الشؤم فقال: إن كان في شيء ففي" ولمسلم: "إن يك من الشؤم شيء حق" وفي رواية عتبة بن مسلم: "إن كان الشؤم في شيء" وكذا في حديث جابر عند مسلم وهو موافق لحديث سهل بن سعد ثاني حديثي الباب، وهو يقتضي عدم الجزم بذلك بخلاف رواية الزهري، قال ابن العربي: معناه إن كان خلق الله الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة فإنما يخلقه في هذه الأشياء، قال المازري: بحمل هذه الرواية إن يكن الشؤم حقا فهذه الثلاث أحق به، بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها. وجاء عن عائشة أنها أنكرت هذا الحديث، فروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن محمد بن راشد عن مكحول قال: قيل لعائشة إن أبا هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في ثلاثة" فقالت: لم يحفظ، إنه دخل وهو يقول: "قاتل الله اليهود، يقولون الشؤم في ثلاثة" فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله. قلت: ومكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع، لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان "أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة في الفرس والمرأة والدار" فغضبت غضبا شديدا وقالت: ما قاله، وإنما قال: "إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك" انتهى. ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك، وقد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك، وسياق الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها يبعد هذا التأويل. قال ابن العربي: هذا جواب ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة، وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه انتهى.

(6/61)


وأما ما أخرجه الترمذي من حديث حكيم بن معاوية قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا شؤم، وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس" ففي إسناده ضعف ثم مخالفته للأحاديث الصحيحة. وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر سمعت من يفسر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه، وشؤم الدار جار السوء. وروى أبو داود في الطب عن ابن القاسم عن مالك أنه سئل عنه فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا. قال المازري: فيحمله مالك على ظاهره، والمعنى أن قدر الله ربما اتفق ما يكره عند سكنى الدار فتصير في ذلك كالسبب فتسامح في إضافة الشيء إليه اتساعا. وقال ابن العربي: لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار، وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل. وقيل: معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبية ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب. قلت: وما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك أولى، وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عن اعتقاده، فأشير إلى اجتناب مثل ذلك. والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلا أن يبادر إلى التحول منها، لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم. وأما ما رواه أبو داود وصححه الحاكم من طريق إسحاق بن طلحة عن أنس "قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا وأموالنا، فتحولنا إلى أخرى فقل فيها ذلك، فقال: ذروها ذميمة". وأخرج من حديث فروة بن مسيك بالمهلة مصغرا ما يدل على أنه هو السائل، وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين، وله رواية بإسناد صحيح إليه عند عبد الرزاق، قال ابن الحربي ورواه مالك عن يحيى بن سعيد منقطعا قال: والدار المذكورة في حديثه كانت دار مكمل بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم بعدها لام - وهو ابن عوف أخو عبد الرحمن ابن عوف - قال: وإنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها، وليس كما ظنوا، لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقا لظهور قضائه، وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم. قال ابن العربي: وأفاد وصفها بكونها ذميمة جواز ذلك، وأن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير أن يعتقد أن ذلك كان منها، ولا يمتنع ذم محل المكروه وإن كان ليس منه شرعا كما يذم العاصي على معصيته وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى. وقال الخطابي: هو استثناء من غير الجنس، ومعناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير، فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره فليفارقه. قال: وقيل: إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم المرأة أن لا تلد، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليه. وقيل المعنى ما جاء بإسناد ضعيف رواه الدمياطي في الخيل "إذا كان الفرس ضروبا فهو مشئوم، وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشئومة، وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشئومة". وقيل: كان قوله ذلك في أول الأمر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} الآية، حكاه ابن عبد البر، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، لا سيما مع إمكان الجمع ولا سيما وقد ورد في نفس هذا الخبر نفي التطير ثم إثباته في الأشياء المذكورة. وقيل: يحمل الشؤم على قلة الموافقة وسوء الطباع، وهو كحديث سعد بن أبي وقاص رفعه "من سعادة المرء المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الهنيء. ومن شقاوة

(6/62)


المرء المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء" أخرجه أحمد. وهذا يختص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض، وبه صرح ابن عبد البر فقال: يكون لقوم دون قوم، وذلك كله بقدر الله. وقال المهلب ما حاصله: أن المخاطب بقوله: "الشؤم في ثلاثة" من التزم التطير ولم يستطع صرفه عن نفسه، فقال لهم: إنما يقع ذلك في هذه الأشياء التي تلازم في غالب الأحوال، فإذا كان كذلك فاتركوها عنكم ولا تعذبوا أنفسكم بها، ويدل على ذلك تصديره الحديث بنفي الطيرة. واستدل لذلك بما أخرجه ابن حبان عن أنس رفعه: "لا طيرة، والطيرة على من تطير، وإن تكن في شيء ففي المرأة" الحديث، وفي صحته نظر لأنه من رواية عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس، وعتبة مختلف فيه، وسيكون لنا عودة إلى بقية ما يتعلق بالتطير والفأل في آخر كتاب الطب حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى. "تكميل": اتفقت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة، ووقع عند ابن إسحاق في رواية عبد الرزاق المذكورة: قال معمر قالت أم سلمة "والسيف" قال أبو عمر: رواه جويرية عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عن أم سلمة، قلت: أخرجه الدار قطني في "غرائب مالك" وإسناده صحيح إلى الزهري، ولم ينفرد به جويرية بل تابعه سعيد بن داود عن مالك أخرجه الدار قطني أيضا قال: والمبهم المذكور هو أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، سماه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري في روايته. قلت: أخرجه ابن ماجه من هذا الوجه موصولا فقال: "عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أنها حدثت بهذه الثلاثة وزادت فيهن والسيف" وأبو عبيدة المذكور هو ابن بنت أم سلمة أمه زينب بنت أم سلمة، وقد روى النسائي حديث الباب من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري فأدرج فيه السيف وخالف فيه في الإسناد أيضا. قوله: "عن أبي حازم" هو سلمة بن دينار. قوله: "إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن" كذا في جميع النسخ، وكذا هو في الموطأ، لكن زاد في آخره: "يعني الشؤم" وكذا رواه مسلم، ورواه إسماعيل بن عمر عن مالك ومحمد بن سليمان الحراني عن مالك بلفظ: "إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة إلخ" أخرجهما الدار قطني، لكن لم يقل إسماعيل في شيء، وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني من رواية هشام بن سعد عن أبي حازم قال: "ذكروا الشؤم عند سهل بن سعد فقال" فذكره، وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه.

(6/63)


48 - باب الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ، وَقَوْلُ الله عزَّ وجلَّ [8 النحل] {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
2860- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا وَآثَارُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ. فأمَّا الرَّجلُ الَّذي هي عليه وزر، فهوَ رَجُلٌ

(6/63)


رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِئَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ فَهِيَ وِزْرٌ عَلَى ذَلِكَ. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
قوله: "باب الخيل لثلاثة" هكذا اقتصر على صدر الحديث، وأحال بتفسيره على ما ورد فيه، وقد فهم بعض الشراح منه الحصر فقال: اتخاذ الخيل لا يخرج عن أن يكون مطلوبا أو مباحا أو ممنوعا، فيدخل في المطلوب الواجب والمندوب، ويدخل في الممنوع المكروه والحرام بحسب اختلاف المقاصد. واعترض بعضهم بأن المباح لم يذكر في الحديث لأن القسم الثاني الذي يتخيل فيه ذلك جاء مقيدا بقوله: "ولم ينس حق الله فيها" فيلتحق بالمندوب قال: والسر فيه أنه صلى الله عليه وسلم غالبا إنما يعتني بذكر ما فيه حض أو منع، وأما المباح الصرف فيسكت عنه لما عرف أن سكوته عنه عفو. ويمكن أن يقال: القسم الثاني هو في الأصل المباح إلا أنه ربما ارتقى إلى الندب بالقصد، بخلاف القسم الأول فإنه من ابتدائه مطلوب. والله أعلم. قوله: "وقول الله عز وجل {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} الآية" أي أن الله خلقها للركوب والزينة، فمن استعملها في ذلك فعل ما أبيح له، فإن اقترن بفعله قصد طاعة ارتقى إلى الندب، أو قصد معصية حصل له الإثم، وقد دل حديث الباب على هذا التقسيم. قوله: "عن زيد بن أسلم" الإسناد كله مدنيون. قوله: "الخيل لثلاثة" في رواية الكشميهني: " الخيل ثلاثة " ووجه الحصر في الثلاثة أن الذي يقتنى الخيل إما أن يقتنيها للركوب أو للتجارة، وكل منهما إما أن يقترن به فعل طاعة الله وهو الأول، ومعصيته وهو الأخير، أو يتجرد عن ذلك وهو الثاني. قوله: "في مرج أو روضة" شك من الراوي، والمرج موضع الكلأ، وأكثر ما يطلق على الموضع المطمئن، والروضة أكثر ما يطلق في الموضع المرتفع، وقد مضى الكلام على قوله: " أرواثها وآثارها" قبل بابين. قوله: "فما أصابت في طيلها" بكسر الطاء المهملة وفتح التحتانية بعدها لام هو الحبل الذي تربط به ويطول لها لترعى، ويقاد له طول بالواو المفتوحة أيضا كما تقدم في أول الجهاد، وتقدم تفسير الاستنان هناك. وقوله: "ولم يرد أن يسقيها" فيه أن الإنسان يؤجر على التفاصيل التي تقع في فعل الطاعة إذا قصد أصلها وإن لم يقصد تلك التفاصيل، وقد تأوله بعض الشراح فقال ابن المنير: قيل إنما أجر لأن ذلك وقت لا ينتفع بشربها فيه فيغتم صاحبها بذلك فيؤجر، وقيل: إن المراد حيث تشرب من ماء الغير بغير إذنه فيغتم صاحبها لذلك فيؤجر، وكل ذلك عدول عن القصد. قوله: "رجل ربطها فخرا" هكذا وقع بحذف أحد الثلاثة وهو من ربطها تغنيا، وسيأتي بتمامه بهذا الإسناد بعينه في علامات النبوة، وتقدم تاما من وجه آخر عن ماك في أواخر كتاب الشرب، وقوله: "تغنيا" بفتح المثناة والمعجمة ثم نون ثقيلة مكسورة وتحتانية أي استغناء عن الناس تقول تغنيت بما رزقني الله تغنيا وتغانيت تغانيا واستغنيت استغناء كلها بمعنى، وسيأتي بسط ذلك في فضائل القرآن في الكلام على قوله: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". وقوله: "تعففا" أي عن السؤال، والمعنى أنه يطلب بنتاجها أو بما يحصل من أجرتها ممن يركبها أو نحو ذلك الغني عن الناس والتعفف عن مسألتهم، ووقع في رواية سهيل عن أبيه عند مسلم: "وأما الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تعففا وتكرما وتجملا، وقوله: "ولم ينس حق الله في رقابها" قيل المراد حسن ملكها وتعهد شبعها وريها والشفقة عليها في الركوب، وإنما خص رقابها بالذكر

(6/64)


لأنها تستعار كثيرا في الحقوق اللازمة ومنه قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وهذا جواب من لم يوجب الزكاة في الخيل وهو قول الجمهور. وقيل: المراد بالحلق إطراق فحلها والحمل عليها في سبيل الله هو قول الحسن والشعبي ومجاهد، وقيل المراد بالحق الزكاة وهو قول حماد وأبي حنيفة، وخالفه صاحباه وفقهاء الأمصار. قال أبو عمر: لا أعلم أحدا سبقه إلى ذلك. قوله: "فخرا" أي تعاظما، وقوله: "ورياء" أي إظهارا لطاعة والباطن بخلاف ذلك. ووقع في رواية سهيل المذكورة "وأما الذي هي عليه وزر فالذي يتخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء للناس". قوله: "ونواء لأهل الإسلام" بكسر النون والمد هو مصدر تقول ناوأت العدو مناوأة ونواء، وأصله من ناء إذا نهض ويستعمل في المعاداة، قال الخليل: ناوأت الرجل ناهضته بالعداوة، وحكى عياض عن الداودي الشارح أنه وقع عنده "ونوى" بفتح النون والقصر قال: ولا يصح ذلك، قلت حكاه الإسماعيلي عن رواية إسماعيل بن أبي أويس، فإن ثبت فمعناه: وبعدا لأهل الإسلام، أي منهم. والظاهر أن الواو في قوله ورياء ونواء بمعنى. "أو" لأن هذه الأشياء قد تفترق في الأشخاص وكل واحد منها مذموم على حدته، وفي هذا الحديث بيان أن الخيل إنما تكون في نواصيها الخير والبركة إذا كان اتخاذها في الطاعة أو في الأمور المباحة، وإلا فهي مذمومة. قوله: "وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم" لم أقف على تسمية السائل صريحا، وسيأتي ما قيل فيه في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى. قوله: "عن الحمر فقال: ما أنزل على فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة" بالفاء وتشديد المعجمة سماها جامعة لشمولها لجميع الأنواع من طاعة ومعصية، وسماها فاذة لانفرادها في معناها، قال ابن التين: والمراد أن الآية دلت على أن من عمل في اقتناء الحمير طاعة رأى ثواب ذلك، وإن عمل معصية رأى عقاب ذلك، قال ابن بطال: فيه تعليم الاستنباط والقياس، لأنه شبه ما لم يذكر الله حكمه في كتابه وهو الحمر بما ذكره من عمل مثقال ذرة من خير أو شر إذ كان معناهما واحدا، قال: وهذا نفس القياس الذي ينكره من لا فهم عنده. وتعقبه ابن المنير بأن هذا ليس من القياس في شيء، وإنما هو استدلال بالعموم وإثبات لصيغته، خلافا لمن أنكر أو وقف. وفيه تحقيق لإثبات العمل بظواهر العموم وأنها ملزمة حتى يدل دليل التخصيص، وفيه إشارة إلى الفرق بين الحكم الخاص المنصوص والعام الظاهر، وأن الظاهر دون المنصوص في الدلالة.

(6/65)


49 - باب مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْغَزْوِ
2861- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ قَالَ أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ فَقُلْتُ لَهُ حَدِّثْنِي بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ أَبُو عَقِيلٍ لاَ أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلْنَا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيُعَجِّلْ قَالَ جَابِرٌ فَأَقْبَلْنَا وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ لِي أَرْمَكَ لَيْسَ فِيهِ شِيَةٌ وَالنَّاسُ خَلْفِي فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ قَامَ عَلَيَّ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا جَابِرُ اسْتَمْسِكْ فَضَرَبَهُ بِسَوْطِهِ ضَرْبَةً فَوَثَبَ الْبَعِيرُ مَكَانَهُ فَقَالَ أَتَبِيعُ الْجَمَلَ قُلْتُ نَعَمْ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فِي طَوَائِفِ أَصْحَابِهِ فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي نَاحِيَةِ الْبَلاَطِ فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا

(6/65)


جَمَلُكَ فَخَرَجَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ وَيَقُولُ الْجَمَلُ جَمَلُنَا فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَعْطُوهَا جَابِرًا ثُمَّ قَالَ اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ".
قوله: "باب من ضرب دابة غيره في الغزو" أي إعانة له ورفقا به. قوله: "حدثنا مسلم" هو ابن إبراهيم، وتقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في المظالم مختصرا وساقه هنا تاما، وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في الشروط. قوله: "أم عمرة" في رواية الكشميهني: "أو" بدل "أم". قوله: "فليعجل" في رواية الكشميهني: "فليتعجل". قوله: "أرمك" براء وكاف وزن أحمر، والمراد به ما خالط حمرته سواد. قوله: "ليس فيها شية" بكسر المعجمة وفتح التحتانية الخفيفة أي علامة، والمراد أنه ليس فيه لمعة من غير لونه. ويحتمل أن يريد ليس فيه عيب، ويؤيده قوله: "والناس خلق، فبينا أنا كذلك إذ قام عليَّ" لأنه يشعر بأنه أراد أنه كان قويا في سيره لا عيب فيه من جهة ذلك حتى كأنه صار قدام الناس. فطرأ عليه حينئذ الوقوف. قوله: "إذ قام علي" أي وقف فلم يسر من التعب.

(6/66)


باب الركوب على الدابة الصعبة و الفحولة من الخيل
...
50 - باب الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ الصَّعْبَةِ وَالْفُحُولَةِ مِنْ الْخَيْلِ
وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ الْفُحُولَةَ لِأَنَّهَا أَجْرَى وَأَجْسَرُ
2862- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ فَرَكِبَهُ وَقَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا".
قوله: "باب الركوب على الدابة الصعبة" بسكون العين أي الشديدة. قوله: "والفحولة" بالفاء والمهملة جمع فحل والتاء فيه لتأكيد الجمع كما جوزه الكرماني، وأخذ المصنف ركوب الصعبة من ركوب الفحل لأنه في الغالب أصعب ممارسة من الأنثى، وأخذ كونه فحلا من ذكره بضمير المذكر. وقال ابن المنير: هو استدلال ضعيف، لأن العود يصح على اللفظ ولفظ الفرس مذكر وإن كان يقع على المؤنث وعكسه الجماعة، فيجوز إعادة الضمير على اللفظ وعلى المعنى، قال: وليس في حديث الباب ما يدل على تفضيل الفحولة إلا أن نقول أثنى عليه الرسول وسكت عن الأنثى فثبت التفضيل بذلك. وقال ابن بطال: معلوم أن المدينة لم تخل عن إناث الخيل، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا جملة من أصحابه أنهم ركبوا غير الفحول، إلا ما ذكر عن سعد بن أبي وقاص، كذا قال وهو محل توقف وقد روى الدار قطني أن فرس المقداد كان أنثى. قوله: "وقال راشد بن سعد" هو المقرأ بفتح الميم وتضم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة، تابعي وسط شامي، مات سنة ثلاث عشرة ومائة، وما له في البخاري سوى هذا الأثر الواحد. قوله: "كان السلف" أي من الصحابة فمن بعدهم. وقوله: "أجرأ وأجسر" بهمز "أجرأ" من الجراءة وبغير همز من الجري، و"أجسر" بالجيم والمهملة من الجسارة، وحذف المفضل عليه اكتفاء بالسياق أي من الإناث أو المخصية. وروى أبو عبيدة في "كتاب الخيل" له عن عبد الله بن محيريز نحو هذا الأثر وزاد: "وكانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات" وروى الوليد بن مسلم في الجهاد له من طريق عبادة بن نسى

(6/66)


بنون ومهملة مصغرا وابن محيريز "أنهم كانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات ولما خفي من أمور الحرب ويستحبون الفحول في الصفوف والحصون ولما ظهر من أمور الحرب". وروى عن خالد ابن الوليد أنه كان لا يقاتل إلا على أنثى لأنها تدفع البول وهي أقل صهلا، والفحل يحبسه في جريه حتى ينفتق ويؤذي بصهيله. ثم ذكر المصنف حديث أنس في فرس أبي طلحة وقد تقدم قريبا وأن شرحه سبق في كتاب الهبة، وأحمد بن محمد شيخه فيه هو المروزي ولقبه مردويه واسم جده موسى. وقال الدار قطني هو الذي لقبه شبويه واسم جده ثابت، والأول أكثر.

(6/67)


51 - باب سِهَامِ الْفَرَسِ
2863- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا وَقَالَ مَالِكٌ يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ وَالْبَرَاذِينِ مِنْهَا لِقَوْلِهِ [8 النحل]: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} وَلاَ يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ.
[الحديث 2863 – طرفه في: 4228]
قوله: "باب سهام الفرس" أي ما يستحقه الفارس من الغنيمة بسبب فرسه. قوله: "وقال مالك: يسهم للخيل والبراذين" جمع برذون بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة والمراد الجفاة الخلقة من الخيل، وأكثر ما تجلب من بلاد الروم ولها جلد على السير في الشعاب والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية. قوله: "لقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}" قال ابن بطال: وجه الاحتجاج بالآية أن الله تعالى امتن بركوب الخيل، وقد أسهم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم الخيل يقع على البرذون والهجين بخلاف البغال والحمير، وكأن الآية استوعبت ما يركب من هذا الجنس لما يقتضيه الامتنان، فلما لم ينص على البرذون والهجين فيها دل على دخولها في الخيل. قلت: وإنما ذكر الهجين لأن مالكا ذكر هذا الكلام في الموطأ وفيه: "والهجين"، والمراد بالهجين ما يكون أحد أبويه عربيا والآخر غير عربي، وقيل الهجين الذي أبوه فقط عربي، وأما الذي أمه فقط عربية فيسمى المقرف. وعن أحمد: الهجين البرذون. ويحتمل أن يكون أراد في الحكم. وقد وقع لسعيد بن منصور وفي المراسيل لأبي داود عن مكحول "أن النبي صلى الله عليه وسلم هجن الهجين يوم خيبر وعرب العراب، فجعل للعربي سهمين وللهجين سهما" ، وهذا منقطع، ويؤيده ما روى الشافعي في "الأم" وسعيد بن منصور من طريق علي بن الأقمر قال: "أغارت الخيل فأدركت العراب وتأخرت البراذن، فقام ابن المنذر الوادعي فقال: لا أجعل ما أدرك كمن لم يدرك، فبلغ ذلك عمر فقال: هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به، أمضوها على ما قال. فكان أول من أسهم للبراذين دون سهام العراب" وفي ذلك يقول شاعرهم:
ومنا الذي قد سن في الخيل سنة ... وكانت سواء قبل ذاك سهامها
وهذا منقطع أيضا، وقد أخذ أحمد بمقتضى حديث مكحول في المشهور عنه كالجماعة، وعنه إن بلغت البراذين مبالغ العربية سوى بينهما وإلا فضلت العربية، واختارها الجوزجاني وغيره. وعن الليث: يسهم للبرذون والهجين

(6/67)


دون سهم الفرس. قوله: "ولا يسهم لأكثر من فرس " هو بقية كلام مالك وهو قول الجمهور. وقال الليث وأبو يوسف وأحمد وإسحاق: يسهم لفرسين لا لأكثر، وفي ذلك حديث أخرجه الدار قطني بإسناد ضعيف عن أبي عمرة قال: "أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرسي أربعة أسهم ولي سهما، فأخذت خمسة أسهم" قال القرطبي: ولم يقل أحد إنه يسهم لأكثر من فرسين إلا ما روي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت، ولصاحبه سهما أي غير سهمي الفرس. قوله: "عن عبيد الله" هو ابن عمر العمري. قوله: "جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما" أي غير سهمي الفرس فيصير للفارس ثلاثة أسهم، وسيأتي في غزوة خيبر أن نافعا فسره كذلك ولفظه: "إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن معه فرس فله سهم" ولأبي داود عن أحمد عن أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر بلفظ "أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه" وبهذا التفسير يتبين أن لا وهم فيما رواه أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر فيما أخرجه الدار قطني بلفظ: "أسهم للفارس سهمين" قال الدار قطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري: وهم فيه الرمادي وشيخه. قلت: لا، لأن المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به، وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال: "للفرس" وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن ابن أبي شيبة، وكأن الرمادي رواه بالمعنى. وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معا بلفظ: "أسهم للفرس" وعلى هذا التأويل أيضا يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي أخرجه الدار قطني وقد رواه علي ابن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ: "أسهم للفرس" وتمسك بظاهر هذه الرواية بعض من احتج لأبي حنيفة في قوله: إن للفرس سهما واحدا ولراكبه سهم آخر، فيكون للفارس سهمان فقط، ولا حجة فيه لما ذكرنا. واحتج له أيضا بما أخرجه أبو داود من حديث مجمع بن جارية بالجيم والتحتانية في حديث طويل في قصة خيبر قال: "فأعطى للفارس سهمين وللراجل سهما، وفي إسناده ضعف؛ ولو ثبت يحمل على ما تقدم لأنه يحتمل الأمرين، والجمع بين الروايتين أولى، ولا سيما والأسانيد الأولى أثبت ومع رواتها زيادة علم، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود من حديث أبي عمرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين ولكل إنسان سهما فكان للفارس ثلاثة أسهم" وللنسائي من حديث الزبير "أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له أربعة أسهم سهمين لفرسه وسهما له وسهما لقرابته" ، قال محمد بن سحنون: انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار، ونقل عنه أنه قال: أكره أن أفضل بهيمة على مسلم، وهي شبهة ضعيفة لأن السهام في الحقيقة كلها للرجل. قلت: لو لم يثبت الخبر لكانت الشبهة قوية لأن المراد المفاضلة بين الراجل والفارس فلولا الفرس ما ازداد الفارس سهمين عن الراجل، فمن جعل للفارس سهمين فقد سوى بين الفرس وبين الرجل، وقد تعقب هذا أيضا لأن الأصل عدم المساواة بين البهيمة والإنسان، فلما خرج هذا عن الأصل بالمساواة فلتكن المفاضلة كذلك، وقد فضل الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الأحكام فقالوا: لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها، فإن قتل عبدا مسلما لم يؤد فيه إلا دون عشرة آلاف درهم. والحق أن الاعتماد في ذلك على الخبر، ولم ينفرد أبو حنيفة بما قال فقد جاء عن عمر وعلي وأبي موسى، لكن الثابت عن عمر وعلي كالجمهور من حيث المعنى بأن الفرس يحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها، وبأنه يحصل بها من الغني في الحرب مالا يخفى، واستدل به على أن المشرك إذا حضر الوقعة

(6/68)


وقاتل مع المسلمين يسهم له، وبه قال بعض التابعين كالشعبي، ولا حجة فيه إذ لم يرد هنا صيغة عموم، واستدل للجمهور بحديث: "لم تحل الغنائم لأحد قبلنا" وسيأتي في مكانه. وفي الحديث حض على اكتساب الخيل واتخاذها للغزو لما فيها من البركة وإعلاء الكلمة وإعظام الشوكة كما قال تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} واختلف فيمن خرج إلى الغزو ومعه فرس فمات قبل حضور القتال، فقال مالك: يستحق سهم الفرس. وقال الشافعي والباقون: لا يسهم له إلا إذا حضر القتال، فلو مات الفرس في الحرب استحق صاحبه وإن مات صاحبه استمر استحقاقه وهو للورثة. وعن الأوزاعي فيمن وصل إلى موضع القتال فباع فرسه: يسهم له، لكن يستحق البائع مما غنموا قبل العقد والمشترى مما بعده، وما اشتبه قسم. وقال غيره: يوقف حتى يصطلحا. وعن أبي حنيفة: من دخل أرض العدو راجلا لا يقسم له إلا سهم راجل ولو اشترى فرسا وقاتل عليه. واختلف في غزاة البحر إذا كان معهم خيل، فقال الأوزاعي والشافعي: يسهم له. "تكميل": هذا الحديث يذكره الأصوليون في مسائل القياس في مسألة الإيماء، أي إذا اقترن الحكم بوصف لولا أن ذلك الوصف للتعليل لم يقع الاقتران، فلما جاء سياق واحد أنه صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين وللراجل سهما دل على افتراق الحكم.

(6/69)


52 - باب مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْحَرْبِ
2864- حدثنا قتيبة حدثنا سهل بن يوسف عن شعبة عن أبي إسحاق "قال رجلٌ للبراء بن عازب رضي الله عنه: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ قال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرَّ، إن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفر، فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".
[الحديث 2864 – أطرافه في: 2874، 2930، 3042، 4315، 4316، 4317]
قوله: "باب من قاد دابة غيره في الحرب" ذكر فيه حديث البراء بن عازب "أن هوازن كانوا قوما رماة" الحديث، والغرض منه قوله فيه: "وأبو سفيان - وهو ابن الحارث بن عبد المطلب - أخذ بلجامها" وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة حنين من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى.

(6/69)


باب الركاب و الغرز للدابة
...
53 - باب الرِّكَابِ وَالْغَرْزِ للدَّابَّةِ
2865- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ".
قوله: "باب الركاب والغرز للدابة" قيل الركاب يكون من الحديد والخشب، والغرز لا يكون إلا من الجلد، وقيل هما مترادفان، أو الغرز للجمل والركاب للفرس. وذكر فيه حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل رجله في الغرز أهلَّ" الحديث، وهو ظاهر فيما ترجم له من الغرز، وأما الركاب فألحقه به لأنه في معناه. وقال ابن

(6/69)


54- باب رُكُوبِ الْفَرَسِ الْعُرْيِ
2866- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "اسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ".
قوله: "باب ركوب الفرس العري" بضم المهملة وسكون الراء، أي ليس عليه سرج ولا أداة، ولا يقال في الآدميين إنما يقال عريان قاله ابن فارس، قال: وهي من النوادر انتهى. وحكى ابن التين أنه ضبط في الحديث بكسر الراء وتشديد التحتانية، وليس في كتب اللغة ما يساعده. ذكر فيه حديث أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبلهم على فرس عري ما عليه سرج في عنقه سيف" وهو طرف من الحديث الذي تقدم في أنه استعار فرسا لأبي طلحة، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أخرى عن حماد بن زيد وفي أوله "فزع أهل المدينة ليلة، فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس بغير سرج" وفي رواية له "وهو على فرس لأبي طلحة" وقد سبق في "باب الشجاعة في الحرب" في حديث أوله "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس" بعض هذا الحديث، وقد سبق شرحه في الهبة، وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والفروسية البالغة فإن الركوب المذكور لا يفعله إلا من أحكم الركوب وأدمن على الفروسية، وفيه تعليق السيف في العنق إذا احتاج إلى ذلك حيث يكون أعون له، وفي الحديث ما يشير إلى أنه ينبغي للفارس أن يتعاهد الفروسية ويروض طباعه عليها لئلا يفجأه شدة فيكون قد استعد لها.

(6/70)


55 - باب الْفَرَسِ الْقَطُوفِ
2867- حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مَرَّةً فَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ كَانَ يَقْطِفُ أَوْ كَانَ فِيهِ قِطَافٌ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ وَجَدْنَا فَرَسَكُمْ هَذَا بَحْرًا فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يُجَارَى".
قوله: "باب الفرس القطوف" أي البطيء المشي، قال أبو زيد وغيره: قطفت الدابة تقطف قطافا وقطوفا، والقطوف من الدواب المقارب الخطو وقيل الضيق المشي. وقال الثعالبي: إن مشي وثبا فهو قطوف، وإن كان يرفع يديه ويقوم على رجليه فهو سبوت، وإن التوى براكبه فهو قموص، وإن منع ظهره فهو شموس. ذكر فيه حديث أنس "أن أهل المدينة فزعوا مرة فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة كان يقطف" الحديث، وقوله: "يقطف" بكسر الطاء وبضمها وقد سبق شرحه في الهبة، وقوله: "أو كان فيه قطاف" شك من الراوي، وسيأتي في "باب السرعة والركض" من طريق محمد بن سيرين عن أنس بلفظ: "فركب فرسا لأبي طلحة بطيئا". وقوله: "لا يجارى" بضم أوله زاد في نسخة الصغاني "قال أبو عبد الله أي لا يسابق" لأنه لا يسبق في الجري، وفيه بركة النبي صلى الله عليه وسلم لكونه ركب ما كان بطيئا فصار سابقا، وسيأتي في رواية محمد بن سيرين المذكورة "فما سبق بعد ذلك اليوم".

(6/70)


56 - باب السَّبْقِ بَيْنَ الْخَيْلِ
2868- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "أَجْرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضُمِّرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ سُفْيَانُ بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ وَبَيْنَ ثَنِيَّةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ
قوله: "باب السبق بين الخيل" أي مشروعية ذلك والسبق بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر وهو المراد هنا، وبالتحريك الرهن الذي يوضع لذلك.

(6/71)


57 - باب إِضْمَارِ الْخَيْلِ لِلسَّبْقِ
2869- حدثنا أحمد بن يونس حدثنا الليث عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي لم تضمر، وكان أمدها من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان سابق بها" . قال أبو عبد الله: أمدا: غاية. {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} [19 الحديد].
ثم قال: "باب إضمار الخيل للسبق" إشارة إلى أن السنة في المسابقة أن يتقدم إضمار الخيل وإن كانت التي لا تضمر لا تمتنع المسابقة عليها.

(6/71)


58 - باب غَايَةِ السَّبْقِ لِلْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ
2870- حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا معاوية حدثنا أبو إسحاق عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد ضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع. فقلت لموسى: فكم كان بين ذلك؟ قال: ستة أميال أو سبعة. وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها مسجد بني زريق. قلت: فكم بين ذلك؟ قال: ميل أو نحوه. وكان ابن عمر ممن سابق فيها".
ثم قال: "باب غاية السباق للخيل المضمرة" أي بيان ذلك وبيان غاية التي لم تضمر، وذكر في الأبواب الثلاثة حديث ابن عمر في ذلك. وقوله في الطريق الأولى "من الحفياء" بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ومد: مكان خارج المدينة من جهة(1) ويجوز القصر، وحكى الحازمي تقديم الياء التحتانية على الفاء وحكى عياض ضم أوله وخطأه، وقوله فيها " أجرى " قال في التي تليها "سابق" وهو بمعناه. وقال فيها "قال ابن عمر وكنت فيمن
ـــــــ
(1) بياض في الأصل. ولعله: "من جهة سافلتها" كما في مادة "النقيع" من معجم ما استعجم، للبكري.

(6/71)


باب ناقة النبي صلى الله عليه و سلم
...
59 - باب نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا خَلاَتْ الْقَصْوَاءُ.
2871- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "كَانَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهَا الْعَضْبَاءُ".
[الحديث 2871 – طرفه في: 2872]
2872- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ لاَ تُسْبَقُ قَالَ حُمَيْدٌ أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ. فَقَالَ: "حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ".
طَوَّلَهُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: "باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم" كذا أفرد للناقة في الترجمة إشارة إلى أن العضباء والقصواء واحدة. قوله: "وقال ابن عمر: أردف النبي صلى الله عليه وسلم أسامة على القصواء" هو طرف من حديث وصله المصنف في الحج، وقد تقدم شرحه في حجة الوداع. قوله: "وقال المسور: ما خلأت القصواء" هو طرف من الحديث الطويل الماضي مع شرحه في كتاب الشروط وفيه ضبط القصواء. قوله: "حدثنا معاوية" هو ابن عمرو الأزدي وأبو إسحاق هو الفزاري. قوله: "طوله موسى عن حماد عن ثابت عن أنس" أي رواه مطولا، وهذا التعليق وقع في رواية المستملي وحده هنا، وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي وحماد هو ابن سلمة، ووقع في رواية من عدا الهروي بعد سياق رواية زهير، وقد وصله أبو داود عن موسى بن إسماعيل المذكور وليس سياقه بأطول من سياق زهير بن معاوية عن حميد، نعم هو أطول من سياق أبي إسحاق الفزاري فتترجح رواية المستملي، وكأنه اعتمد رواية أبي إسحاق لما

(6/73)


وقع فيها من التصريح بسماع حميد من أنس، وأشار إلى أنه روى مطولا من طريق ثابت ثم وجده من رواية حميد أيضا مطولا فأخرجه والله أعلم. قوله: "لا تسبق، قال حميد أو لا تكاد تسبق" شك منه، وهو موصول بالإسناد المذكور، وفي بقية الروايات بغير شك، وقوله: "أن لا يرتفع شيء من الدنيا" وفي رواية موسى بن إسماعيل "أن لا يرفع شيئا" وكذا للمصنف في الرقاق، وكذا قال النفيلي عن زهير عند أبي داود. وفي رواية شعبة عند النسائي: "أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا" وقوله: "فجاء أعرابي فسبقها" في رواية ابن المبارك وغيره عن حميد عند أبي نعيم "فسابقها فسبقها". وفي رواية شعبة "سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي"، ولم أقف على اسم هذا الأعرابي بعد التتبع الشديد. قوله: "على قعود" بفتح القاف ما استحق الركوب من الإبل، قال الجوهري هو البكر حتى يركب وأقل ذلك أن يكون ابن سنتين إلى أن يدخل السادسة فيسمى جملا. وقال الأزهري: لا يقال إلا للذكر، ولا يقال للأنثى قعودة وإنما يقال لها قلوص، قال: وقد حكى الكسائي في "النوادر" قعودة للقلوص وكلام الأكثر على خلافه. وقال الخليل: القعودة من الإبل ما يقعده الراعي لحمل متاعه، والهاء فيه للمبالغة. قوله: "حتى عرفه" أي عرف أثر المشقة. وفي رواية المصنف في الرقاق "فلما رأى ما في وجوههم وقالوا سبقت العضباء"، الحديث. والعضباء بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة ومد هي المقطوعة الأذن أو المشقوقة. وقال ابن فارس: كان ذلك لقبا لها لقوله تسمى العضباء. ولقوله: "يقال لها العضباء" ولو كانت تلك صفتها لم يحتج لذلك. وقال الزمخشري: العضباء منقول من قولهم ناقة عضباء أي قصيرة اليد، واختلف هل العضباء هي القصواء أو غيرها، فجزم الحربي بالأول وقال: تسمى العضباء والقصواء والجدعاء، وروى ذلك ابن سعد عن الواقدي. وقال غيره بالثاني وقال: الجدعاء كانت شهباء وكان لا يحمله عند نزول الوحي غيرها، وذكر له عدة نوق غير هذه تتبعها من اعتنى بجمع السيرة. وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها، وفيه التزهيد في الدنيا للإشارة إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع. وفيه الحث على التواضع. وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وعظمته في صدور أصحابه.

(6/74)


60- بابُ الغَزو عَلى الحمير
قوله: "باب الغزو على الحمير" كذا في رواية المستملى وحده بغير النسفي هذه الترجمة للتي بعدها فقال: "باب الغزو على الحمير، وبغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء" ولم يتعرض لذلك أحد من الشراح وهو مشكل على الحالين، لكن في رواية المستملى أسهل لأنه يحمل على أنه وضع الترجمة وأخلى بياضا للحديث اللائق بها فاستمر ذلك، وكأنه أراد أن يكتب طريقا لحديث معاذ: "كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير". وقد تقدم قريبا في باب "اسم الفرس والحمار". وكونه كان راكبه يحتمل أن يكون في الحضر وفي السفر فيحصل مقصود الترجمة على طريقة من لا يفرق بين المطلق والعام والله أعلم. وأما رواية النسفي فليس في حديثي الباب إلا ذكر البغلة خاصة. ويمكن أن يكون أخلى آخر الباب بياضا كما قلنا في رواية المستملى، أو يؤخذ حكم الحمار من البغلة. وقد أخرج عبد بن حميد من حديث أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم خيبر على حمار مخطوم بحبل من ليف" . وفي سنده مقال.

(6/74)


باب بغلة النبي صلى الله عليه و سلم البيضاء ، قاله أنس
...
61 - باب بَغْلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ، قَالَهُ أَنَسٌ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ

(6/74)


62 - باب جِهَادِ النِّسَاءِ
2875- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا
2876- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ

(6/75)


طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ نِسَاؤُهُ عَنْ الْجِهَادِ فَقَالَ: "نِعْمَ الْجِهَادُ الْحَجُّ".
قوله: "باب جهاد النساء" ذكر فيه حديث عائشة "جهادكن الحج"، وقد تقدم في أول الجهاد، ومضى شرحه في كتاب الحج وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه النسائي بلفظ: "جهاد الكبير - أي العاجز الضعيف - والمرأة الجج والعمرة". قوله فيه "وقال عبد الله بن الوليد" هو العدني، وروايته موصولة في "جامع سفيان" وقوله في الطريق الأخرى "وعن حبيب بن أبي عمرة" هو موصول من رواية قبيصة المذكورة والحاصل أن عنده فيه عن سفيان إسنادين، وقد وصله الإسماعيلي من طريق هناد بن السري عن قبيصة كذلك وقال ابن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء، ولكن ليس في قوله: "جهادكن الحج" أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد. قلت: وقد لمح البخاري بذلك في إيراده الترجمة مجملة وتعقيبها بالتراجم المصرحة بخروج النساء إلى الجهاد.

(6/76)


63 - باب غَزْوِ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ
2877، 2878- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا ثُمَّ ضَحِكَ فَقَالَتْ لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الأَخْضَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ أَوْ مِمَّ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَتْ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أَنْتِ مِنْ الأَوَّلِينَ وَلَسْتِ مِنْ الْآخِرِينَ قَالَ قَالَ أَنَسٌ فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ فَلَمَّا قَفَلَتْ رَكِبَتْ دَابَّتَهَا فَوَقَصَتْ بِهَا فَسَقَطَتْ عَنْهَا فَمَاتَتْ".
قوله: "باب غزو المرأة في البحر" ذكر فيه حديث أنس في قصة أم حرام، وقد تقدم قريبا في "باب فضل من يصرع في سبيل الله" ويأتي شرحه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وقوله في آخره: "قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت" ظاهره أنها تزوجته بعد هذه المقالة، ووقع في رواية إسحاق عن أنس في أول الجهاد بلفظ: "وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم". وظاهره أنها كانت حينئذ زوجته، فإما أن يحمل على أنها كانت زوجته ثم طلقها ثم راجعها بعد ذلك وهذا جواب ابن التين، وإما أن يجعل قوله في رواية إسحاق "وكانت تحت عبادة" جملة معترضة أراد الراوي وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال، وظهر من رواية غيره أنه إنما تزوجها بعد ذلك وهذا الثاني أولى لموافقة محمد بن يحيى بن حبان عن أنس على أن عبادة تزوجها بعد ذلك كما سيأتي بعد اثني عشر بابا وقوله في آخره: "فركبت البحر مع بنت قرظة" هي زوج معاوية واسمها فاختة وقيل كنود، وكانت تحت عتبة ابن سهل قبل معاوية ويحتمل أن يكون معاوية تزوج الأختين واحدة بعد أخرى، وهذه

(6/76)


رواية ابن وهب في موطآته عن ابن لهيعة عمن سمع، قال: ومعاوية أول من ركب البحر للغزاة، وذلك في خلافة عثمان وأبوها قرظة بفتح القاف والراء والظاء المعجمة هو ابن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف، وهي قرشية نوفلية، وظن بعض الشراح أنها بنت قرظة بن كعب الأنصاري فوهم، والذي قلته صرح به خليفة بن خياط في تاريخه وزاد أن ذلك كان سنة ثمان وعشرين، والبلاذري في تاريخه أيضا وذكر أن قرظة بن عبد عمرو مات كافرا فيكون لها هي رؤية، وكذا لأخيها مسلم بن قرظة الذي قتل يوم الجمل مع عائشة. "تنبيهان" يتعلقان بهذا الإسناد: أحدهما: وقع في هذا الإسناد "حدثنا أبو إسحاق هو الفزاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري" هكذا هو في جميع الروايات ليس بينهما أحد وزعم أبو مسعود في "الأطراف" أنه سقط بينهما "زائدة بن قدامة" وأقره المزي على ذلك وقواه بأن المسيب بن واضح رواه عن أبي إسحاق الفزاري عن زائدة عن أبي طوالة، وقد قال أبو علي الجياني: تأملته في "السير لأبي إسحاق الفزاري" فلم أجد فيها زائدة، ثم ساقه من طريق عبد الملك بن حبيب عنه عن أبي طوالة ليس بينهما زائدة، ورواية المسيب بن واضح خطأ، وهو ضعيف لا يقتضي بزيادته على خطأ ما وقع في الصحيح، ولا سيما وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن معاوية بن عمرو شيخ شيخ البخاري فيه كما أخرجه البخاري سواء ليس فيه زائدة، وسبب الوهم من أبي مسعود أن معاوية بن عمرو رواه أيضا عن زائدة عن أبي طوالة، فظن أبو مسعود أنه عند معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن زائدة، وليس كذلك بل هو عنده عن أبي إسحاق وزائدة معا، جمعهما تارة وفرقهما أخرى، أخرجه أحمد عنه عاطفا لروايته عن أبي إسحاق على روايته عن زائدة، وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن معاوية بن عمرو عن زائدة وحده به، وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن جعفر الصائغ عن معاوية فوضحت صحة ما وقع في الصحيح ولله الحمد. ثانيهما: هذا الحديث، رواه عن أنس إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن يحيى بن حبان وأبو طوالة، فقال إسحاق في روايته عن أنس "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام" وقال أبو طوالة في روايته: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنت ملحان" وكلاهما ظاهر في أنه من مسند أنس، وأما محمد بن يحيى فقال: "عن أنس عن خالته أم حرام"، وهو ظاهر في أنه من مسند أم حرام وهو المعتد، وكأن أنسا لم يحضر ذلك فحمله عن خالته، وقد حدث به عن أم حرام عمير بن الأسود أيضا كما سيأتي بعد أبواب، وقد أحال المزي برواية أبي طوالة في مسند أنس على مسند أم حرام ولم يفعل ذلك في رواية إسحاق بن أبي طلحة فأوهم خلاف الواقع الذي حررته، والله الهادي.

(6/77)


64 - باب حَمْلِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي الْغَزْوِ دُونَ بَعْضِ نِسَائِهِ
2879- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ الْحَدِيثِ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ يَخْرُجُ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلَ أنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ".

(6/77)


قوله: "باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه" ذكر فيه طرفا من حديث عائشة في قصة الإفك وهو ظاهر فيما ترجم له. وسيأتي شرح حديث الإفك تاما في التفسير، وفيه التصريح بأن حمل عائشة معه كان بعد القرعة بين نسائه.

(6/78)


باب غزو النساء و قتالهن مع الرجال
...
65 - باب غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ
2880- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ وَقَالَ غَيْرُهُ تَنْقُلاَنِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلاَنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ".
[الحديث 2880 – أطرافه في: 2902، 3811، 4064]
قوله: "باب عزو النساء وقتالهن مع الرجال" وقع في هذه الترجمة حديث الربيع بنت معوذ، وسيأتي بعد باب وفي حديث أم عطية الذي مضى في الحيض وفي حديث ابن عباس عند مسلم: "كان يغزو بهن فيداوين الجرحى" الحديث. ووقع في حديث آخر مرسل أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: "كان النساء يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد ويسقين المقاتلة ويداوين الجرحى" ولأبى داود من طريق حشرج بن زياد عن جدته أنهن خرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين وفيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهن عن ذلك فقلن: خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ونداوي الجرحى ونناول السهام ونسقى السويق" ، ولم أر في شيء من ذلك التصريح بأنهن قاتلن، ولأجل ذلك قال ابن المنير: بوب على قتالهن وليس هو في الحديث، فإما أن يريد أن إعانتهن للغزاة غزو وإما أن يريد أنهن ما ثبتن لسقى الجرحى ونحو ذلك ألا وهن بصدد أن يدافعن عن أنفسهن، وهو الغالب انتهى وقد وقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس "أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين فقالت: اتخذته إن دنا منى أحد من المشركين بقرت به بطنه" ويحتمل أن يكون غرض البخاري بالترجمة أن يبين أنهن لا يقاتلن وإن خرجن في الغزو، فالتقدير بقوله: "وقتالهن مع الرجال" أي هل هو سائغ، أو إذا خرجن مع الرجال في الغزر ويقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك؟ ثم ذكر المصنف حديث أنس "لما كان يوم أحد انهزم الناس" الحديث، والغرض منه قوله فيه: "ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان" وقد أخرجه في المغازي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وقوله: "خدم سوقهما" بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وهي الخلاخيل، وهذه كانت قبل الحجاب، ويحتمل أنها كانت عن غير قصد للنظر، وقوله: "تنقزان" بضم القاف بعدها زاي، و"القرب" بكسر القاف وبالموحدة جمع قربة، وقوله: "وقال غيره تنقلان القرب" يعني باللام دون الزاي وهي رواية جعفر بن مهران عن عبد الوارث أخرجها الإسماعيلي، وقوله: "تنقزان" قال الداودي: معناه تسرعان المشي كالهرولة. وقال عياض: قيل معنى تنقزان تثبان، والنقز: الوثب والقفز، كناية عن سرعة السير، وضبطوا القرب بالنصب وهو مشكل على هذا التأويل بخلاف رواية تنقلان، قال: وكان بعض الشيوخ يقرؤه برفع القرب على أن الجملة حال، وقد خرج رواية النصب على نزع الخافض كأنه قال تثبان بالقرب، قال: وضبطه بعضهم تنقزان بضم أوله

(6/78)


أي تحركان القرب لشدة عدوهما، وتصح على هذا رواية النصب وقال الخطابي: أحسب الرواية، "تزفران" بدل تنقزان، والزفر حمل القرب الثقال كما في الحديث الذي بعده.

(6/79)


66 - باب حَمْلِ النِّسَاءِ الْقِرَبَ إِلَى النَّاسِ فِي الْغَزْوِ
2881- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ "إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ فَقَالَ عُمَرُ أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "عُمَرُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ". قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ تَزْفِرُ تَخِيطُ.
[الحديث 2881 – طرفه في: 4071]
قوله: "باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو" أي جواز ذلك. قوله: "قال ثعلبة بن أبي مالك" في رواية بن وهب عن يونس عند أبي نعيم في "المستخرج" عن ثعلبة القرظي بضم القاف وفتح الراء بعدها معجمة مختلف في صحبته. قال ابن معين: له رواية. وقال ابن سعد قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من بني قريظة فعرف بهم وحالف الأنصار. قلت: وكانت اليهودية قد فشت في اليمين فلذلك صاهرهم أبو مالك، وكأنه قتل في بني قريظة فقد ذكر مصعب الزبيري أن ثعلبة ممن لم يكن أثبت قوله فترك، وكان ثعلبة إمام قومه، وله حديث مرفوع عند ابن ماجة، لكن جزم أبو حاتم بأنه مرسل، وقد صرح الزهري عنه بالإخبار في حديث آخر سيأتي في "باب لواء النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: "فقال له بعض من عنده" لم أقف على اسمه. قوله: "يريدون أم كلثوم" كان عمر قد تزوج أم كلثوم بنت علي وأمها فاطمة ولهذا قالوا لها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد ولدت في حياته وهي أصغر بنات فاطمة عليها السلام. قوله: "أم سليط" كذا فيه بفتح المهملة وكسر اللام وزن رغيف، ولم أر لها في كتب من صنف في الصحابة ذكرا إلا في الاستيعاب فذكرها مختصرة بالذي هنا، وقد ذكرها ابن سعد في طبقات النساء وقال: هي أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة من بني مازن، تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة عمرو بن قيس من بني عدى بن النجار فولدت له سليطا وفاطمة، يعني فلذلك يقال لها أم سليط، وذكر أنها شهدت خيبر وحنينا، وغفل عن ذكر شهودها أحدا وهو ثابت بهذا الحديث، وذكر في ترجمة أم عمارة الأنصارية شبيها بهذه القصة من وجه آخر عن عمر لكن فيه: "فقال بعضهم أعطه صفية بنت أبي عبيد زوت عبد الله بن عمر" وقال فيه أيضا: "لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني" فهذا يشعر بأن القصة تعددت. قوله: "تزفر" بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء أي تحمل وزنا ومعنى. قوله: "قال أبو عبد الله: تزفر تخيط" كذا في رواية المستملي وحده، وتعقب بأن ذلك لا يعرف في اللغة وإنما الزفر الحمل وهو بوزنه ومعناه، قال الخليل: "زفر بالحمل زفرا نهض به" والزفر أيضا القربة نفسها وقيل إذا كانت مملوءة ماء، ويقال للإماء إذا حملن الترب زوافر، والزفر أيضا البحر الفياض، وقيل: الزافر: الذي يعين في حمل القربة. قلت: وقع

(6/79)


عند أبي نعيم في "المستخرج" بعد أن أخرجه من طريق عبد الله بن وهب عن يونس قال عبد الله تزفر تحمل. وقال أبو صالح كاتب الليث: تزفر تخرز. قلت: فلعل هذا مستند البخاري في تفسيره، وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في غزوة أحد إن شاء الله تعالى.

(6/80)


67 - باب مُدَاوَاةِ النِّسَاءِ الْجَرْحَى فِي الْغَزْوِ
2882- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْقِي وَنُدَاوِي الْجَرْحَى وَنَرُدُّ الْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ "
[الحديث 2882 – طرفاه في: 2883، 5679]

(6/80)


باب رد النساء الجرحى و القتلى
...
68 - باب رَدِّ النِّسَاءِ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى
2883- حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت: "كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة".
قوله: "باب مداواة النساء الجرحى" أى من الرجال وغيرهم "في الغزو".
ثم قال بعده: "باب رد النساء الجرحى والقتلى" كذا للأكثر، وزاد الكشميهيني: "إلى المدينة". قوله: "عن الربيع" بالتشديد، وأبوها معوذ بالتشديد أيضا والذال المعجمة لها ولأبيها صحبة. قوله: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي" كذا أورده في الأول مختصرا، وأورده في الذي بعده وسياقه أتم وأوفى بالمقصود، وزاد الإسماعيلي من طريق أخرى خالد بن ذكوان "ولا نقاتل" وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة. قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس، ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم. وقال الأوزاعي: تدفن كما هي. قال ابن المنير: الفرق بين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.

(6/80)


69 - باب نَزْعِ السَّهْمِ مِنْ الْبَدَنِ
2884- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ انْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ".
[الحديث 2884 – طرفاه في: 4323، 6382]

(6/80)


70 - باب الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
2885- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهِرَ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَيْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلاَحٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ جِئْتُ لِأَحْرُسَكَ وَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 2885- طرفه في: 7231]
2886- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ.
[الحديث 2886 – طرفاه في: 2887، 6435]
2887- وَزَادَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ".
قال أبو عبد الله: لم يرفعْه إسرائيل ومحمَّد بن جُحادة عن أبي حصَين. وَقَالَ: "تَعْسًا" فكَأَنَّهُ يَقُولُ: فَأَتْعَسَهُمْ اللَّهُ. "طُوبَى" فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ، وَهِيَ يَاءٌ حُوِّلَتْ إِلَى الْوَاوِ، وَهِيَ مِنْ يَطِيبُ.
قوله: "باب الحراسة في الغزو في سبيل الله" أى بيان ما فيها من الفضل. وذكر فيه حديثين: أحدهما: عن عائشة. قوله: "أخبرنا يحيى بن سعيد" هو الأنصاري، وعبد الله بن عامر بن ربيعة هو العنزي له رؤية ولأبيه صحبة.

(6/81)


قوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم سهر، فلما قدم المدينة قال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة" هكذا في هذه الرواية ولم يبين زمان السهر، وظاهره أن السهر كان قبل القدوم والقول بعده، وقد أخرجه مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد وقال فيه: "سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال" فذكره، وظاهره أن السهر والقول مها كانا بعد القدوم، وقد أخرجه النسائي من طريق أبي إسحاق الفزاري عن يحيى بن سعيد بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يسهر من الليل" وليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا كان سعد أيضا ممن سبق، وقد أخرجه أحد عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد بلفظ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه، قالت فقلت: ما شأنك يا رسول الله" الحديث وقد روى الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}" وإسناده حسن واختلف في وصله وإرساله. قوله: "جئت لأحرسك" في رواية الليث المذكورة " فقال وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: "فنام النبي صلى الله عليه وسلم" زاد المصنف في التمني من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد "حتى سمعنا غطيطه" وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو، وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا، وإنما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك، وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا اشتد البأس كان أمام الكل وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن وقد قال إبراهيم عليه السلام "ولكن ليطمئن قلبي" وقال عليه الصلاة والسلام "اعقلها وتوكل" قال ابن بطال: نسخ ذلك كما دل عليه حديث عائشة؛ وقال القرطبي: ليس في الآية ما ينافي الحراسة كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره ما يمنع الأمر بالقتال وإعداد العدد، وعلى هذا فالمراد العصمة من الفتنة والإضلال أو إزهاق الروح والله أعلم. قوله: "وزاد لنا عمرو" ابن مرزوق هكذا، وعمرو هو من شيوخ البخاري وقد صرح بسماعه منه في مواضع أخرى، وجميع الإسناد سواء مدنيون، وفيه تابعيان عبد الله بن دينار وأبو صالح، والمراد بالزيادة قوله في آخره: "تعس وانتكس إلخ " وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي مسلم الكجي وغيره عن عمرو بن مرزوق وسيأتي مزيدا لهذا في التمني إن شاء الله تعالى. قوله: "تعس عبد الدينار" الحديث سيأتي بهذا الإسناد والمتن في كتاب الرقاق ونذكر شرحه هناك إن شاء الله تعالى، والغرض منه هنا قوله في الطريق الثانية "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه" الحديث لقوله: "إن كان في الحراسة كان في الحراسة". قوله: "تعس" بفتح أوله وكسر المهملة ويجوز فتحها وهو ضد سعد، تقول تعس فلان أي شقي. وقيل: معنى التعس الكب على الوجه، قال الخليل: التعس أن يعثر فلا يفيق من عثرته. وقيل: التعس الشر. وقيل: البعد. وقيل: الهلاك. وقيل: التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه. وقيل: تعس أخطأ حجته وبغيته. وقوله: "وانتكس" بالمهملة أي عاوده المرض، وقيل إذا سقط اشتغل بسقطته حتى يسقط أخرى وحكى عياض أن بعضهم رواه "انتكش" بالمعجمة وفسره بالرجوع، وجعله دعاء له لا عليه، والأول أولى. قوله: "وإذا شيك فلا انتقش" شيك: بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها كاف، وانتقش: بالقاف والمعجمة، والمعنى إذا أصابته الشوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش، تقول نقشت الشوك إذا استخرجته وذكر ابن قتيبة أن بعضهم رواه بالعين المهملة بدل القاف، ومعناه صحيح لكن مع ذكر الشوكة

(6/82)


تقوى رواية القاف ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي "وإذا شيت" بمثناة فوقانية بدل الكاف وهو تغيير فاحش، وفي الدعاء بذلك إشارة إلى عكس مقصوده لأن من عثر فدخلت في رجله الشوكة فلم يجد من يخرجها يصير عاجزا عن الحركة والسعي في تحصيل الدنيا وفي قوله: "طوبى لعبد إلخ " إشارة إلى الحض على العمل بما يحصل به خير الدنيا والآخرة. قوله: "أشعث" صفة لعبد وهو مجرور بالفتحة لعدم الصرف و "رأسه " بالرفع الفاعل، قال الطيبي "أشعث رأسه مغبرة قدماه" حالان من قوله: "لعبد" لأنه موصوف وقال الكرماني: يجوز الرفع ولم يوجهه وقال غيره: ويجوز في أشعث الرفع على أنه صفة رأس، أي رأسه أشعث، وكذا قوله: "مغبرة قدماه". قوله: "إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة" هذا من المواضع التي اتحد فيها الشرط والجزاء لفظا لكن المعنى مختلف، والتقدير إن كان المهم في الحراسة كان فيها، وقيل معنى "فهو في الحراسة" أي فهو في ثواب الحراسة، وقيل هو للتعظيم أي إن كان في الحراسة فهو في أمر عظيم، والمراد منه لازمه أي فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلا بخويصة عمله وقال ابن الجوزي: المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو، فإن أنفق له السير سار؛ فكأنه قال: إن كان في الحراسة استمر فيها، وإن كان في الساقة استمر فيها. قوله: "إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع" فيه ترك حب الرياسة والشهرة وفضل الخمول والتواضع، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. قوله: "فتعسا كأنه يقول فأتعسهم الله" وقع هذا في رواية المستملي، وهي على عادة البخاري في شرح اللفظة التي توافق ما في القرآن بتفسيرها، وهكذا قال أهل التفسير في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ} . قوله: "طوبى" فعلى من كل شيء طيب وهي ياء حولت إلى الواو وهو من يطيب" كذا في رواية المستملي أيضا والقول فيه كالقول في الذي قبله. وقال غيره: المراد الدعاء له بالجنة، لأن طوبى أشهر شجرها وأطيبه، فدعا له أن ينالها، ودخول الجنة ملزوم نيلها. "تكميل": ورد في فضل الحراسة عدة أحاديث ليست على شرط البخاري، منها حديث عثمان مرفوعا: "حرس ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها" أخرجه ابن ماجة والحاكم، وحديث سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا: "من حرس وراء المسلمين متطوعا لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم" أخرجه أحمد، وحديث أبي ريحانه مرفوع "حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله" أخرجه النسائي، ونحوه للترمذي عن ابن عباس، وللطبراني من حديث معاوية بن حيدة، ولأبي يعلى من حديث أنس وإسنادها حسن وللحاكم عن أبي هريرة نحوه.

(6/83)


71 - باب فَضْلِ الْخِدْمَةِ فِي الْغَزْوِ
2888- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "صَحِبْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَكَانَ يَخْدُمُنِي وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ جَرِيرٌ إِنِّي رَأَيْتُ الأَنْصَارَ يَصْنَعُونَ شَيْئًا لاَ أَجِدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ أَكْرَمْتُهُ".
2889- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ

(6/83)


أَخْدُمُهُ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ" قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا".
2831- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُنَا ظِلًّا الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ".
قوله: "باب الخدمة في الغزو" أي فضلها، سواء كانت من صغير لكبير أو عكسه أو مع المساواة، وأحاديث الباب الثلاثة يؤخذ منها حكم هذه الأقسام، وثلاثتها عن أنس. قوله: "حدثنا محمد بن عرعرة" بمهملتين، وقد ذكر الطبراني في "الأوسط" أنه تفرد به عن شعبة، وهو من كبار شيوخ البخاري ممن روى عنه الباقون بواسطة. قوله: "صحبت جرير بن عبد الله" في رواية مسلم عن نصر بن على عن محمد بن عرعرة "خرج مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر". قوله: "فكان يخدمني وهو أكبر من أنس" فيه التفات أو تجريد، لأنه قال: "من أنس" ولم يقل مني. وفي رواية مسلم عن محمد بن المثنى عن ابن عرعرة "وكان جرير أكبر من أنس" ولعل هذه الجملة من قول ثابت، وزاد مسلم عن نصر بن علي "فقلت لا تفعل". قوله: "يصنعون شيئا" في رواية نصر "يصنعون برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا" أي من التعظيم وأبهم ذلك مبالغة في تكثير ذلك. قوله: "لا أجد أحدا منهم إلا أكرمته" في رواية نصر "آليت - أي حلفت - أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته" وفي رواية للإسماعيلي من وجه آخر عن ابن عرعرة "لا أزال أحب الأنصار" وفي هذا الحديث فضل الأنصار وفضل جرير وتواضعه ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها المصنف في غير مظنتها، وأليق المواضع بها المناقب. حديث أنس أيضا: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه" وسيأتي بأتم من هذا السياق بعد بابين. حديث أنس أيضا: وعاصم هو ابن سليمان، ومورق بتشديد الراء المكسورة، وهما تابعيان في نسق والإسناد كله بصريون. قوله: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم" زاد مسلم من وجه آخر عن عاصم "في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال فنزلنا منزلا في يوم حار". قوله: "أكثرنا ظلا من يستظل بكسائه" في رواية مسلم: "وأكثرنا ظلا صاحب الكساء" وزاد: "ومنا من يتقي الشمس بيده". قوله: "فأما الذين صاموا فلم يصنعوا شيئا" في رواية مسلم "فسقط الصوام" أي عجزوا عن العمل. قوله: "وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب" أي أثاروا الإبل لخدمتها وسقيها وعلفها. وفي رواية مسلم: "فضربوا الأخبية وسقوا الركاب". قوله: "بالأجر" أي الوافر، وليس المراد نقص أجر الصوام بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام، فلذلك قال: "بالأجر كله" لوجود الصفات المقتضية لتحصيل الأجر منهم، قال ابن أبي صفرة: فيه أن أجر الخدمة في الغزو أعظم من أجر الصيام. قلت: وليس ذلك على العموم وفيه الحض على المعاونة في الجهاد، وعلى أن الفطر في السفر أولى من الصيام وأن الصيام في السفر جائز خلافا لمن قال لا ينعقد وليس في الحديث بيان كونه

(6/84)


إذ ذاك كان صوم فرض أو تطوع وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها المصنف أيضا في غير مظنها لكونه لم يذكره في الصيام واقتصر على إيراده هنا والله أعلم.

(6/85)


72 - باب فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتَاعَ صَاحِبِهِ فِي السَّفَرِ
2891- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ".
قوله: "باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر" ذكر فيه حديث أبي هريرة، وهو ظاهر فيما ترجم له، لأنه يتناول حالة السفر من هذا الإطلاق بطريق الأولى، والسلامي تقدم تفسيره في الصلح في بعض الكلام عليه، ويأتي بقيته بعد خمسين بابا في "باب من أخذ بالركاب". وقوله: "حدثنا إسحاق بن نصر" هو ابن إبراهيم بن نصر نسب لجده السعدي وهو بالمهملة الساكنة وفتح أوله وقيل بالضم والمعجمة، وقوله: "كل يوم" منصوب على الظرفية. وقوله: "يعين" يأتي توجيه وقوله: "يحامله" أي يساعده في الركوب، وفي الحمل على الدابة قال ابن بطال: وبين في الرواية الآتية في "باب من أخذ بالركاب" أن المراد من أعان صاحب الدابة عليها حيث قال: "ويعين الرجل على دابته" قال: وإذا أجر من فعل ذلك بدابة غيره فإذا حمل غيره على دابة نفسه احتسابا كان أعظم أجرا. وقوله: "دل الطريق" بفتح الدال أي بيانه لمن احتاج إليه، وهو بمعنى الدلالة.

(6/85)


73 - باب فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجلَّ [20 أل عمران]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
2892- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا".
قوله: "باب فضل رباط يوم في سبيل الله، وقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} الآية" الرباط بكسر الراء وبالموحدة الخفيفة ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم، قال ابن التين: بشرط أن يكون غير الوطن، قاله ابن حبيب عن مالك. قلت: وفيه نظر في إطلاقه فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو، ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور، فبين المرابطة والحراسة عموم وخصوص وجهي، واستدلال المصنف بالآية اختيار لأشهر التفاسير، فعن الحسن البصري وقتادة " اصبروا" على طاعة الله {وَصَابِرُوا} أعداء الله في الجهاد {وَرَابِطُوا} في سبيل الله. وعن محمد بن

(6/85)


74 - باب مَنْ غَزَا بِصَبِيٍّ لِلْخِدْمَةِ
2893- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ الْتَمِسْ غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي وَأَنَا غُلاَمٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ثُمَّ قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ

(6/86)


رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ نَظَرَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا بِمِثْلِ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ".
قوله: "باب من غزا بصبي للخدمة" يشير إلى أن الصبي لا يخاطب بالجهاد ولكن يجوز الخروج به بطريق التبعية ويعقوب المذكور في الإسناد هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني وعمرو هو ابن أبي عمرو مولى المطلب، وسأذكر معظم شرحه في غزوة خيبر من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وقد اشتمل على عدة من أحاديث الاستعاذة ويأتي شرحها في الدعوات، وقصة صفية بنت حيي والبناء بها ويأتي شرح ذلك في النكاح، وقوله صلى الله عليه وسلم لأحد "هذا جبل يحبنا ونحبه" وقوله عن المدينة "اللهم إني أحرم ما بين لابتيها" وقد تقدم شرحه في أواخر الحج، وقد تقدم من أصل الحديث شيء يتعلق بستر العورة في كتاب الصلاة لكن ذلك القدر ليس في هذه الرواية، والغرض من الحديث هنا صدره، وقد استشكل من حيث أن ظاهره أن ابتداء خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم من أول ما قدم المدينة لأنه صح عنه أنه قال: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين" وفي رواية: "عشر سنين" وخيبر كانت سنة سبع فيلزم أن يكون إنما خدمه أربع سنين قاله الداودي وغيره، وأجيب بأن معنى قوله لأبي طلحة "التمس لي غلاما من غلمانكم " تعيين من يخرج معه في تلك السفرة فعين له أبو طلحة أنسا، فينحط الالتماس على الاستئذان في المسافرة به لا في أصل الخدمة فإنها كانت متقدمة فيجمع بين الحديثين بذلك وفي الحديث جواز استخدام اليتيم بغير أجرة لأن ذلك لم يقع ذكره في هذا الحديث، وحل الصبيان في الغزو كذا قاله بعض الشراح وتبعوه، وفيه نظر لان أنسا حينئذ كان قد زاد على خمسة عشر لأن خيبر كانت سنة سبع من الهجرة وكان عمره عند الهجرة ثمان سنين، ولا يلزم من عدم ذكر الأجرة عدم وقوعها. قوله: "هذا جبل يحبنا ونحبه" قيل هو على الحقيقة ولا مانع من وقوع مثل ذلك بأن يخلق الله المحبة في بعض الجمادات، وقيل هو على المجاز والمراد أهل أحد، على حد قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وقال الشاعر:
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا

(6/87)


75 - باب رُكُوبِ الْبَحْرِ
2894، 2895- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرَامٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا فِي بَيْتِهَا فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ قَالَ عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتِ مِنْهُمْ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَيَقُولُ أَنْتِ مِنْ الأَوَّلِينَ فَتَزَوَّجَ بِهَا عُبَادَةُ

(6/87)


بْنُ الصَّامِتِ فَخَرَجَ بِهَا إِلَى الْغَزْوِ فَلَمَّا رَجَعَتْ قُرِّبَتْ دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا".
قوله: "باب ركوب البحر" كذا أطلق الترجمة، وخصوص إيراده في أبواب الجهاد يشير إلى تخصيصه بالغزو، وقد اختلف السلف في جواز ركوبه، وتقدم في أوائل البيوع قول مطر الوراق: ما ذكره الله إلا بحق، واحتج بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وفي حديث زهير بن عبد الله يرفعه: "من ركب البحر إذا ارتج فقد برئت منه الذمة" وفي رواية: "فلا يلومن إلا نفسه" أخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" وزهير مختلف في صحبته، وقد أخرج البخاري حديثه في تاريخه فقال في روايته: "عن زهير عن رجل من الصحابة" وإسناده حسن وفيه تقييد المنع بالارتجاج، ومفهومه الجواز عند عدمه، وهو المشهور من أقوال العلماء، فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء ومنهم من فرق بين الرجل والمرأة وهو عن مالك، فمنعه للمرأة مطلقا، وهذا الحديث حجة للجمهور، وقد تقدم قريبا أن أول من ركبه للغزو معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان، وذكر مالك أن عمر كان يمنع الناس من ركوب البحر حتى كان عثمان فما زال معاوية يستأذنه حتى أذن له. قوله: "عن يحيى" هو ابن سعيد الأنصاري وقد سبق الحديث قريبا وأن شرحه سيأتي في كتاب الاستئذان.

(6/88)


باب من استعان بالضعفاء و الصالحين في الحرب
...
76 - باب مَنْ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْبِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ "قَالَ لِي قَيْصَرُ سَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ ضُعَفَاءَهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ".
2896- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ".
2897- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَأْتِي زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنْ النَّاسِ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ صَاحِبَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ".
[الحديث 2897 – طرفاه في: 3594، 3649]
قوله: "باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب" أي ببركتهم ودعائهم. قوله: "وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان" أي ابن حرب فذكر طرفا من الحديث الطويل وقد تقدم موصولا في بدء الوحي، والغرض منه قوله في الضعفاء "وهم أتباع الرسل" وطريق الاحتجاج به حكاية ابن عباس ذلك وتقريره له ثم ذكر في الباب حديثين. قوله: "حدثنا محمد بن طلحة" أي أبو مصرف. وقوله: "عن طلحة" أي ابن مصرف وهو والد محمد بن طلحة الراوي عنه، و"مصعب بن سعد" أي ابن أبي وقاص، و قوله: "رأى سعد" أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه ثم أن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعبا يدرك زمان هذا القول، لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه، وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي فأخرجه من طريق معاذ بن هانئ

(6/88)


حدثنا محمد بن طلحة فقال فيه: "عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر المرفوع دون ما في أوله، وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه: "أنه ظن أن له فضلا على من دونه" الحديث، ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ولفظه: "ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين" أخرجه أبو نعيم في ترجمته في "الحلية" من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن عمرو بن مرة وقال: غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام. قوله: "رأى" أي ظن وهي رواية النسائي. قوله: "على من دونه" زاد النسائي: "من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي بسبب شجاعته ونحو ذلك. قوله: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" في رواية النسائي: "إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم، بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم" وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد والنسائي بلفظ: "إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم" قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا. وقال المهلب: أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفى الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة، وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال: "قال سعد يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره؟" فذكر الحديث، وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن سهام القاتلة سواء فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه، وبهذا يظهر السر في تعقب المصنف له بحديث أبي سعيد الثاني. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار، وجابر هو ابن عبد الله، وروايته عن أبي سعيد من رواية الأقران. قوله: "يغزو فئام" بكسر الفاء ويجوز فتحها وبهمزة على التحتانية ويجوز تسهيلها أي جماعة، وسيأتي شرحه في علامات النبوة وفضائل الصحابة، قال ابن بطال: هو كقوله في الحديث الأخر "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" لأنه يفتح للصحابة لفضلهم ثم للتابعين لفضلهم لتابعهم لفضلهم، قال ولذلك كان الصلاح والفضل والنصر للطبقة الرابعة أقل فكيف بمن بعدهم والله المستعان.

(6/89)


77 - باب لاَ يَقُولُ فُلاَنٌ شَهِيدٌ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ".
2898- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقَالَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى

(6/89)


سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
[الحديث 2898 – أطرافه في: 4202، 4207، 6493، 6607]
قوله: "باب لا يقال فلان شهيد" أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: "تقولون في مغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدا، ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد" وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء بفتح المهملة وسكون الجيم ثم فاء عن عمر، وله شاهد في حديث مرفوع أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن الصلت عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعدون الشهيد؟ قالوا: من أصابه السلاح، قال: كم من أصابه السلاح وليس بشهيد ولا حميد، وكم من مات على فراشه حتف أنفه عند الله صديق وشهيد" وفي إسناده نظر، فإنه من رواية عبد الله بن خبيق بالمعجمة والموحدة والقاف مصغر عن يوسف بن أسباط الزاهد المشهور، وعلى هذا فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد، بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال. قوله: "قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم بمن يكلم في سبيله" أى يجرح، وهذا طرف من حديث تقدم في أوائل الجهاد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة باللفظ الأول، ومن طريق الأعرج عنه باللفظ الثاني، ووجه أخذ الترجمة منه يظهر من حديث أبي موسى الماضي "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" ولا يطلع على ذلك إلا بالوحي، فمن ثبت أنه في سبيل الله أعطى حكم الشهادة، فقوله: "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" أي فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله، فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله. حديث سهل بن سعد في قصة الذي بالغ في القتال حتى قال المسلمون: ما أجزأ أحد ما أجزأ، ثم كان آخر أمره أن قتل نفسه، وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي حيث ذكره المصنف، ووجه أخذ الترجمة منه أنهم شهدوا رجحانه في أمر الجهاد، فلو كان قتل لم يمتنع أن يشهدوا له بالشهادة، وقد ظهر منه أنه لم يقاتل لله وإنما قاتل غضبا لقومه، فلا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد لاحتمال أن يكون مثل هذا، وإن كان مع ذلك يعطى حكم الشهداء في الأحكام الظاهرة، ولذلك أطبق السلف على تسمية المقتولين في بدر وأحد وغيرهما شهداء، والمراد بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب والله أعلم. وروي سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك قال: لا يخرج معنا إلا مقوى فخرج رجل على بكر ضعيف فوقص فمات، فقال الناس: الشهيد الشهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال ناد إن الجنة لا يدخلها عاص" وفيه إشارة إلى أن الشهيد لا يدخل النار لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنه من أهل النار" ولم يتبين منه إلا

(6/90)


قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر، لكن يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على كفره في الباطن أو أنه استحل قتل نفسه وقد يتعجب من المهلب حيث قال: إن حديث الباب ضد ما ترجم به البخاري لأنه قال: "لا يقال فلان شهيد" والحديث فيه ضد الشهادة، وكأنه لم يتأمل مراد البخاري، وهو ظاهر كما قررته بحمد الله تعالى.

(6/91)


78 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [60 الأنفال]: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}
2899- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ قَالُوا كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ".
[الحديث 2899 – طرفاه في: 3373، 3507]
2900- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ صَفَفَنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ".
[الحديث 2900 – طرفاه في: 3984، 3985]
قوله: "باب التحريض على الرمي وقول الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الآية" لمح بما جاء في تفسير القوه في هذه الآية أنها الرمي، وهو عند مسلم من حديث عقبة بن عامر ولفظه: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ألا إن القوة الرمي ثلاثا" ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر رفعه: "أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله فارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا" الحديث، وفيه: "ومن ترك الرمي بعد علمه رغبة عنه فإنه نعمة كفرها" ولمسلم من وجه آخر عن عقبة رفعه: "من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصى" ورواه ابن ماجه بلفظ: "فقد عصاني" قال القرطبي: إنما فسر القوة بالرمي وإن كانت القوة تظهر بأعداد غيره من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة، لأنه قد يرمي رأس الكتيبة فيصاب فيهزم من خلفه وذكر المصنف في الباب حديثين. أحدهما: حديث سلمة بن الأكوع قوله: "مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم" أي من بني أسلم القبيلة المشهورة، وهي بلفظ أفعل التفضيل من السلامة. قوله: "ينتضلون" بالضاد المعجمة أى يترامون، والتناضل الترامي للسبق، وفضل فلان فلانا إذا غلبه. قوله: "وأنا مع بني فلان" في حديث أبي هريرة في نحو هذه القصة عند ابن حبان والبزار "وأنا مع ابن الأذرع" انتهى، واسم ابن الأذرع محجن، وقع ذلك من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي في هذا الحديث عند الطبراني قال فيه: "وأنا مع محجن بن الأذرع" ومثله في مرسل عروة أخرجه السراج عن قتيبة عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه، وهو صحابي معروف له حديث آخر في الأدب المفرد للبخاري وفي أبي داود والنسائي وابن خزيمة، وقيل اسم ابن الأذرع سلمة حكاه ابن منده قال: والأدرع

(6/91)


لقب واسمه ذكوان والله أعلم. قوله: "قالوا كيف نرمي وأنت معهم" اسم قائل ذلك منهم نضلة الأسلمي ذكره ابن إسحاق في المغازي عن سفيان بن فروة الأسلمي عن أشياخ من قومه من الصحابة قالوا "بينا محجن بن الأذرع يناضل رجلا من أسلم يقال له نضلة"، فذكر الحديث وفيه: "فقال نضلة وألقى قوسه من يده: والله لا أرمي معه وأنت معه". قوله: "وأنا معكم كلكم" بكسر اللام، ووقع في رواية عروة "وأنا مع جماعتكم" والمراد بالمعية معية القصد إلى الخير، ويحتمل أن يكون قام مقام المحلل فيخرج السبق من عنده ولا يخرج كما تقدم، ولا سيما وقد خصه بعضهم بالإمام قال المهلب يستفاد منه أن من صار السلطان عليه في جملة المناضلين له أن لا يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم حيث أمسكوا لكون النبي صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر خشية أن يغلبوهم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب فأمسكوا عن ذلك تأدبا معه انتهى وتعقب بأن المعنى الذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا بل الظاهر أنهم أمسكوا لما استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم معهم وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر وقد وقع في رواية حمزة ابن عمرو عند الطبراني "فقالوا من كنت معه فقد غلب" وكذا في رواية ابن إسحاق "فقال نضلة: لا نغلب من كنت معه" واستدل بهذا الحديث على أن اليمن من بني إسماعيل، وفيه نظر لما سيأتي في مناقب قريش من أنه استدلال بالأخص على الأعم وفيه أن الجد الأعلى يسمى أبا، وفيه التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وتطييب قلوب من هم دونه وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة، والعمل بمثلها وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم. حديث أبي أسيد بضم الهمزة، ووقع في رواية السرخسي وحده بفتحها، وهو خطأ وقوله: "إذا أكثبوكم" ، كذا في نسخ البخاري بمثلثة ثم موحدة، والكثب بفتحتين القرب، فالمعنى إذا دنوا منكم وقد استشكل بأن الذي يليق بالدنو المطاعنة بالرمح والمضاربة بالسيف، وأما الذي يليق برمي النبل فالبعد، وزعم الداودي أن معنى أكثبوكم كاثروكم، قال: وذلك أن النبل إذا رمى في الجمع لم يخطئ غالبا ففيه ردع لهم، وقد تعقب هذا التفسير بأنه لا يعرف، وتفسير الكثب بالكثرة غريب، والأول هو المعتمد وقد بينته رواية أبي داود حيث زاد في آخره: "واستبقوا نبلكم" وفي رواية له " ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم" فظهر أن معنى الحديث الأمر بترك الرمي والقتال حتى يقربوا لأنهم إذا رموهم على بعد قد لا تصل إليهم وتذهب في غير منفعة، وإلى ذلك الإشارة بقوله: "واستبقوا نبلكم" وعرف بقوله: "ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم" أن المراد بالقرب المطلوب في الرمي قرب نسبى بما بحيث تنالهم السهام لأقرب قريب بحيث يلتحمون معهم، والنبل بفتح النون وسكون الموحدة جمع نبلة ويجمع أيضا على نبال وهي السهام العربية اللطاف. "تنبيه": وقع في إسناد هذا الحديث اختلاف سأبينه إن شاء الله تعالى في غزوة بدر.

(6/92)


79 - باب اللَّهْوِ بِالْحِرَابِ وَنَحْوِهَا
2901- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ دَخَلَ عُمَرُ فَأَهْوَى إِلَى الْحَصَى فَحَصَبَهُمْ

(6/92)


بِهَا فَقَالَ: "دَعْهُمْ يَا عُمَرُ " وَزَادَ عَلِيٌّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ " فِي الْمَسْجِدِ".
قوله: "باب اللهو بالحراب ونحوها" أي من آلات الحرب، وكأنه يشير بقوله ونحوها إلى ما روى أبو داود والنسائي وصححه ابن جبان من حديث عقبة بن عامر مرفوعا: "ليس من اللهو - أي مشروع أو مطلوب - إلا تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله" . حديث أبي هريرة "بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث، ولم يقع في هذه الرواية ذكر الحراب وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما تقدم بيانه في "باب أصحاب الحراب في المسجد" من كتاب الصلاة وذكرنا فوائده هناك، وفي كتاب العيدين. قال ابن التين يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم أنه رآهم، أو ظن أنه رآهم واستحيا أن يمنعهم، وهذا أولى لقوله في الحديث: "وهم يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم". قلت: وهذا لا يمنع الاحتمال المذكور أولا، ويحتمل أن يكون إنكاره لهذا شبيه إنكاره على المغنيتين، وكان من شدته في الدين ينكر خلاف الأولى، والجد في الجملة أولى من اللعب المباح. وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان بصدد بيان الجواز. وقوله: "زاد علي حدثنا عبد الرزاق، وقع في رواية الكشميهني: "زادنا على".

(6/93)


80 - باب الْمِجَنِّ وَمَنْ يَتَّرِسُ بِتُرْسِ صَاحِبِهِ
2902- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتُرْسٍ وَاحِدٍ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ فَكَانَ إِذَا رَمَى تَشَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ".
2903- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: "لَمَّا كُسِرَتْ بَيْضَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِهِ وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَكَانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي الْمِجَنِّ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُهُ فَلَمَّا رَأَتْ الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِهِ فَرَقَأَ الدَّمُ".
2904- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
[الحديث 2904 – أطرافه في: 3094، 4033، 4885، 5357، 5358، 6728، 7305]
2905- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ ح حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا

(6/93)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي".
[الحديث 2905 – أطرافه في: 4058، 4059، 6184]
قوله: "باب المجن" في رواية ابن شبوية "الترسة" جمع ترس، والمجن بكسر الميم وفتح الجيم وتثقيل النون أي الدرقة، قال ابن المنير: وجه هذه التراجم دفع من يتخيل أن اتخاذه هذه الآلات ينافي التوكل، والحق أن الحذر لا يرد القدر، ولكن يضيق مسالك الوسوسة لما طبع عليه البشر. قوله: "ومن يترس بترس صاحبه" أي فلا بأس به، ثم ذكر فيه أربعة أحاديث. حديث أنس "كان أبو طلحة يترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد" الحديث، أورده مختصرا من هذا الوجه، وسيأتي بأتم من هذا السياق في المناقب في غزوة أحد، قيل إن الرامي يحتاج إلى من يستره لشغله يديه جميعا بالرمي، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يترسه بترسه. حديث سهل وهو ابن سعده "لما كسرت بيضة النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه" الحديث، والغرض منه قوله: "وكان على يختلف بالماء في المجن" وقد تقدمت له طريق أخرى قريبا، ويأتي الكلام عليه في غزوة أحد إن شاء الله تعالى. حديث عمر "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله" الحديث، ذكر منه طرفا، وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب فرض الخمس وفي الفرائض، والغرض منه قوله هنا "ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة، لأن المجن من جملة آلات السلاح" كما روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن ابن عمر "أنه كانت عنده درقة فقال: لولا أن عمر قال لي: احبس سلاحك لأعطيت هذه الدرقة لبعض أولادي". حديث عليّ في قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص "ارم فداك أبي وأمي" وسيأتي شرحه مستوفي في المناقب وفي غزوة أحد. وقوله فيه: "حدثنا قبيصة" هو ابن عقبة، وسفيان هو الثوري. وزعم أبو نعيم في "المستخرج" أن لفظ قبيصة هنا تصحيف ممن دون البخاري وأن الصواب حدثنا قتيبة، وعلى هذا فسفيان هو ابن عيينة لأن قتيبة لم يسمع من الثوري، لكن لا أعرف لإنكاره معنى إذ لا مانع أن يكون عند السفيانين، وقد أخرجه المصنف في الأدب من طريق يحيى القطان عن سفيان الثوري، ووقع في رواية النسفي هنا عن مسدد عن يحيى أيضا، ودخول هذا الحديث هنا غير ظاهر لأنه لا يوافق واحدا من ركني الترجمة، وقد أثبت ابن شبويه في روايته قبله لفظ: "باب" بغير ترجمة. وله مناسبة بالترجمة التي قبله من جهة أن الرامي لا يستغنى عن شيء يقي به عن نفسه سهام من يراميه، وفي حديث على جواز التفدية، وسيأتي بسط ذلك بأدلته وبيان ما يعارضه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى.

(6/94)


81 - باب الدَّرَقِ
2906- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا".
2907- قَالَتْ وَكَانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا

(6/94)


قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَيَقُولُ دُونَكُمْ بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: حَسْبُكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَاذْهَبِي. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ أَحْمَدُ: عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فَلَمَّا غَفَلَ".
قوله: "باب الدرق" جمع درقة أي جواز اتخاذ ذلك أو مشروعيته. قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس كما جزم به المزي في "الأطراف" وأغفل ذلك في "التهذيب" وهذا الحديث قد تقدم في أول العيدين عن أحمد عن ابن وهب، وبينت هناك الاختلاف في أبيه، وهو المراد بقوله في هذا الباب: "قال أحمد" يعني عن ابن وهب بهذا السند، وقوله فيه: "فقال دعهما، فلما غفل غمزتها فخرجتا" في رواية أبي ذر "عمد" بدل "غفل" وكذا في رواية أبي زيد المروزي، قال عياض: ورواية الأكثر هي الوجه.

(6/95)


82 - باب الْحَمَائِلِ وَتَعْلِيقِ السَّيْفِ بِالْعُنُقِ
2908- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا ثُمَّ قَالَ وَجَدْنَاهُ بَحْرًا أَوْ قَالَ إِنَّهُ لَبَحْرٌ".
قوله: "باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق" الحمائل بالمهملة جمع حميلة وهي ما يقلد به السيف. حديث أنس وقد تقدم في "باب الفرس العرى" و"باب الشجاعة في الحرب" وسياقه هنا أتم، وسبق شرحه في الهبة، والغرض منه هنا قوله: "وفي عنقه السيف" فدل على جواز ذلك. وقوله: "لم تراعوا" وقع في رواية الحموي والكشميهني مرتين. قال ابن المنير: مقصود المصنف من هذه التراجم أن يبين زي السلف في آلة الحرب وما سبق استعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أطيب للنفس وأنفى للبدعة.

(6/95)


83 - باب مَا جَاءَ فِي حِلْيَةِ السُّيُوفِ
2909- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: "لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمْ الذَّهَبَ وَلاَ الْفِضَّةَ إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيَتُهُمْ الْعَلاَبِيَّ وَالْآنُكَ وَالْحَدِيدَ".
قوله: "باب ما جاء في حلية السيوف" أي من الجواز وعدمه. قوله: "سمعت سليمان بن حبيب" هو المحاربي قاضي دمشق في زمن عمر بن عبد العزيز وغيره ومات سنة عشرين أو بعدها، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث. قوله: "لقد فتح الفتوح قوم" وقع عند ابن ماجه لتحديث أبي أمامة بذلك سبب وهو " دخلنا على أبي أمامة فرأى في سيوفنا شيئا من حلية فضة، فغضب وقال: "فذكره، وزاد الإسماعيلي في روايته أنه دخل عليه بحمص وزاد فيه: "لأنتم أبخل من أهل الجاهلية، إن الله يرزق الرجل منكم الدرهم ينفقه في سبيل الله بسبعمائة ثم أنتم

(6/95)


باب من علق سيفه بالشجر فب السفر عند القائلة
...
84 - باب مَنْ عَلَّقَ سَيْفَهُ بِالشَّجَرِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ
2910- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي فَقُلْتُ اللَّهُ ثَلاَثًا وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ".
[الحديث 2910 – أطرافه في: 2913، 4134، 4135، 4136]
قوله: "باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة" ذكر فيه حديث جابر في قصة الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم. والغرض منه قوله: "فنزل تحت شجرة فعلق بها سيفه" وسيأتي شرحه في كتاب المغازي.

(6/96)


85 - باب لُبْسِ الْبَيْضَةِ
2911- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ

(6/96)


باب من لم يكسر السلاح عند الموت
...
86 - باب مَنْ لَمْ يَرَ كَسْرَ السِّلاَحِ عِنْدَ الْمَوْتِ
2912- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَةً بَيْضَاءَ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً".
قوله: "باب من لم ير كسر السلاح وعقر الدواب عند الموت" كأنه يشير إلى رد ما كان عليه أهل الجاهلية من كسر السلاح وعقر الدواب إذا مات الرئيس فيهم، وربما كان يعهد بذلك لهم قال ابن المنير: وفي ذلك إشارة إلى انقطاع عمل الجاهلي الذي كان يعمله لغير الله وبطلان آثاره وخمول ذكره، بخلاف سنة المسلمين في جميع ذلك انتهى ولعل المصنف لمح بذلك إلى من نقل عنه أنه كسر رمحه عند الاصطدام حتى لا يغنمه العدو أن لو قتل وكسر جفن سيفه وضرب بسيفه حتى قتل كما جاء نحو ذلك عن جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة، فأشار إلى أن هذا شيء فعله جعفر وغيره عن اجتهاد، والأصل عدم جواز إتلاف المال، لأنه يفعل شيئا محققا في أمر غير محقق. وذكر فيه حديث عمرو بن الحارث الخزاعي "ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم - أي عند موته - إلا سلاحه" الحديث وقد تقدم في الوصايا، وسيأتي شرحه في المغازي. وزعم الكرماني أن مناسبته للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم مات وعليه دين ولم يبع فيه شيئا من سلاحه ولو كان رهن درعه. وعلى هذا فالمراد بكسر السلاح بيعه. ولا يخفى بعده.

(6/97)


باب تفرق الناس عن الإمام عند القائبة و الاستظلا ل بالشجر
...
87 - باب تَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْ الإِمَامِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ وَالِاسْتِظْلاَلِ بِالشَّجَرِ
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ وَأَبُو سَلَمَةَ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ ح وحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ بِهِ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي فَقَالَ: فمَنْ يَمْنَعُكَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ. فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ".
قوله: "باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر" ذكر فيه حديث جابر الماضي قبل بابين

(6/97)


88 - باب مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ. وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي"
2914- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى بَعْضٌ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: "إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ".
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ".
قوله: "باب ما قيل في الرماح" أي في اتخاذها واستعمالها أي من الفضل. قوله: "ويذكر عن ابن عمر إلخ" هو طرف من حديث أخرجه أحمد من طريق أبي منيب - بضم الميم وكسر النون ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة - الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة عن ابن عمر بلفظ: "بعثت بين يدي الساعة مع السيف، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم" وأخرج أبو داود منه قوله: "من تشبه بقوم فهو منهم" حسب من هذا الوجه، وأبو منيب لا يعرف اسمه وفي الإسناد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف في توثيقه، وله شاهد مرسل بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتمامه، وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح، وإلى حل الغنائم لهذه الأمة وإلى أن رزق النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها لا في غيرها من المكاسب، ولهذا قال بعض العلماء أنها أفضل المكاسب، والمراد بالصغار وهو بفتح المهملة وبالمعجمة بذل الجزية. وفي قوله: "تحت ظل رمحي" إشارة إلى أن ظله ممدود إلى أبد الآباد، والحكمة في الاقتصار على ذكر الرمح دون غيره من آلات الحرب كالسيف أن عادتهم جرت بجعل الرايات في أطراف الرمح، فلما كان ظل الرمح أسبغ كان نسبة الرزق إليه أليق وقد تعرض في الحديث الآخر لظل السيف كما سيأتي قريبا من قوله صلى الله عليه وسلم:

(6/98)


"الجنة تحت ظلال السيوف" فنسب الرزق إلى ظل الرمح لما ذكرته أن المقصود بذكر الرمح الراية، ونسبت الجنة إلى ظل السيف لأن الشهادة تقع به غالبا ولأن ظل السيف يكثر ظهوره بكثرة حركة السيف في يد المقاتل؛ ولأن ظل السيف لا يظهر إلا بعد الضرب به لأنه قبل ذلك يكون مغمودا معلقا. حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي بإسنادين لمالك، وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج، والغرض منه قوله: "فسألهم رمحه فأبوا".

(6/99)


باب ما قيل في درع النبي صبى الله عليه و سلم و القميص في الحرب
...
89 - باب مَا قِيلَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمِيصِ فِي الْحَرْبِ
وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
2915- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم – وَهُوَ فِي قُبَّةٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}.
وَقَالَ وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ "يَوْمَ بَدْرٍ".
[الحديث 2915 – أطرافه في: 3953، 4875، 4877]
2916- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ" . وَقَالَ يَعْلَى: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ "دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ". وَقَالَ مُعَلًّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ وَقَالَ: "رَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ".
2917- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ اضْطَرَّتْ أَيْدِيَهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا فَكُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ فَسَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلاَ تَتَّسِعُ".
قوله: "باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم" أي من أي شيء كانت؟ وقوله: "والقميص في الحرب" أي حكمه وحكم لبسه. قوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما خالد احتبس أدراعه في سبيل الله" هو طرف من حديث لأبي هريرة تقدم شرحه في كتاب الزكاة، والأدراع جمع درع وهو القميص المتخذ من الزرد، وأشار المصنف بذكر هذا الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كما لبس الدرع فيما ذكره في الباب ذكر الدرع ونسبه إلى بعض الشجعان من الصحابة فدل على مشروعيته وأن لبسها لا ينافي التوكل. ثم ذكر فيه أحاديث: الأول: حديث ابن عباس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، والغرض منه قوله، وهو في الدرع، وقوله فيه: "حدثنا عبد الوهاب" هو ابن عبد المجيد الثقفي، وقوله: "وقال وهيب" يعني ابن

(6/99)


خالد "حدثنا خالد: يوم بدر" يعني أن وهيب بن خالد رواه عن خالد وهو الحذاء شيخ عبد الوهاب فيه عن عكرمة عن ابن عباس فزاد بعد قوله وهو في قبة "يوم بدر" وقد رواه محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الوهاب كذلك كما سيأتي في المغازي، وكذلك قال إسحاق بن راهويه عن عبد الوهاب الثقفي، فلعل محمد ابن المثنى شيخ البخاري لم يحفظها، ورواية وهيب وصلها المؤلف في تفسير سورة القمر، ويأتي بيان ما استشكل من هذا الحديث في غزوة بدر، وهو من مراسيل الصحابة لأن ابن عباس لم يحضر ذلك، وسيأتي ما فيه هناك. حديث عائشة "توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة". قوله: "وقال يعلى حدثنا الأعمش: درع من حديد" يعني أن يعلى وهو ابن عبيد رواه عن الأعمش بالإسناد المذكور فزاد أن الدرع كانت من حديد، وقد وصله المؤلف في السلم كذلك. قوله: "وقال معلى عن عبد الواحد" يعني أن معلى بن أسد رواه عن عبد الواحد بن زياد فقال فيه أيضا: "رهنه درع من حديد" وقد وصله المصنف في الاستقراض، وتقدم الكلام على شرحه مستوفى في كتاب الرهن. ثالثها: حديث أبي هريرة في البخيل المتصدق وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الزكاة، والغرض منه هنا ذكر الجبتين، فإنه روى بالموحدة وهو المناسب لذكر القميص في الترجمة، وروى بالنون وهو المناسب للدرع، وقد تقدم بيان اختلاف الرواة في ذلك هناك والجبة بالموحدة ما قطع من الثياب مشمرا قاله في المطالع، ومحل استشهاده للترجمة - وإن كان الممثل به في المثل لا يشترط وجوده فضلا عن مشروعيته - من جهة أنه مثل بدرع الكريم فتشبيه الكريم المحمود بالدرع يشعر بأن الدرع محمود، وموضع الشاهد منه درع الكريم لا درع البخيل، وكأنه أقام الكريم مقام الشجاع لتلازمهما غالبا وكذلك ضدهما.

(6/100)


90 - باب الْجُبَّةِ فِي السَّفَرِ وَالْحَرْبِ
2918- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمٍ هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ: "انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَقِيتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتُ فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ".
قوله: "باب الجبة في السفر والحرب" ذكر فيه حديث المغيرة في قصة المسح على الخفين. حديث المغيرة في قصة المسح على الخفين وفيه: "وعليه جبة شامية" وفيه: "فذهب يخرج يديه من كميه وكانا ضيقين" وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم الكلام على الحديث مستوفى في "باب المسح على الخفين" من كتاب الطهارة.

(6/100)


91 - باب الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ
2919- حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا خالد حدثنا سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير من حكة كانت بهما".
[الحديث 2919 – أطرافه في: 2920، 2921، 2922، 5839]

(6/100)


92 - باب مَا يُذْكَرُ فِي السِّكِّينِ
2923- حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل من كتف يحتز منها ثم دعي إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ". حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري وزاد "فألقى السكين".
قوله: "باب ما يذكر في السكين" ذكر فيه حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة" الحديث، وفي الطريق الأخرى "فألقى السكين" وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة.

(6/102)


93 - باب مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّومِ
2924- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَهُوَ نَازِلٌ فِي سَاحَةِ حِمْصَ وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ قَالَ عُمَيْرٌ فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا". قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ، ثُمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ. فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لاَ".
قوله: "باب ما قيل في قتال الروم" أي من الفضل واختلفت في الروم فالأكثر أنهم من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم، واسم جدهم قيل روماني وقيل هو ابن ليطا بن يونان بن يافث بن نوح. قوله: "عن خالد بن معدان" بفتح الميم وسكون المهملة، والإسناد كله شاميون، وإسحاق بن يزيد شيخ البخاري فيه هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي نسب لجده. قوله: "عمير بن الأسود العنسي" بالنون والمهملة، وهو شامي قديم يقال اسمه عمرو، وعمير بالتصغير لقبه، وكان عابدا مخضرما، وكان عمر يثنى عليه، ومات في خلافة معاوية، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث عند من يفرق بينه وبين أبي عياض عمرو بن الأسود، والراجح التفرقة وأم حرام بمهملتين تقدم ذكرها في أوائل الجهاد في حديث أنس، وقد حدث عنها أنس هذا الحديث أتم من هذا السياق وأخرج الحسن بن سفيان هذا الحديث في مسنده عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة بسند البخاري وزاد في آخره: "قال هشام رأيت قبرها بالساحل". قوله: "يغزون مدينة قيصر" يعني القسطنطينية، قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر وتعقبه ابن التين وابن المنير بما حاصله: أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا يختلف أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم مغفور لهم مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقا فدل على أن المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم وأما قول ابن التين يحتمل أن

(6/102)


94 - باب قِتَالِ الْيَهُودِ
2925- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِيَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".
[الحديث 2925 – طرفه في: 3593]
2926- حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله".
قوله: "باب قتال اليهود" ذكر فيه حديثي ابن عمر وأبي هريرة في ذلك، وهو إخبار بما يقع في مستقبل الزمان. قوله: "الفروي" بفتح الفاء والراء منسوب إلى جده أبي فروة، وإسحاق هذا غير إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة الضعيف، وهو - أعني إسحاق بن عبد الله - عم والد هذا وإسحاق هذا ربما روى عنه البخاري بواسطة وهذا الحديث مما حدث به مالك خارج الموطأ، ولم ينفرد به إسحاق المذكور بل تابعه ابن وهب ومعن ابن عيسى وسعيد بن داود والوليد بن مسلم أخرجها الدار قطني في "غرائب مالك" وأخرج الإسماعيلي طريق ابن وهب فقط. قوله: "تقاتلون" فيه جواز مخاطبة الشخص والمراد غيره ممن يقول ويعتقد اعتقاده، لأنه من المعلوم أن الوقت الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم لم يأت بعد، وإنما أراد بقوله: "تقاتلون" مخاطبة المسلمين ويستفاد منه أن الخطاب الشفاهي يعم المخاطبين ومن بعدهم، وهو متفق عليه من جهة الحكم وإنما وقع الاختلاف فيه في حكم الغائبين: هل وقع بتلك المخاطبة نفسها، أو بطريق الإلحاق؟ وهذا الحديث يؤيد من ذهب إلى الأول وفيه إشارة إلى بقاء دين الإسلام إلى أن ينزل عيسى عليه السلام، فإنه الذي يقاتل الدجال، ويستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال على ما ورد من طريق أخرى، وسيأتي بيانها مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى.

(6/103)


95 - باب قِتَالِ التُّرْكِ
2927- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ

(6/103)


96 - باب قِتَالِ الَّذِينَ يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ
2929- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ قَالَ سُفْيَانُ وَزَادَ فِيهِ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً صِغَارَ الأَعْيُنِ ذُلْفَ الأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ".
قوله: "باب قتال الذين ينتعلون الشعر" ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور من وجه آخر. قوله: "قال سفيان

(6/104)


وزاد فيه أبو الزناد" هو موصول بالإسناد المذكور، وأخطأ من زعم أنه معلق، وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن عبادة عن سفيان بالإسنادين معا. قوله: "رواية" هو عوض عن قوله: "عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن عباد عن سفيان بلفظ: "عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ووقع في الباب الذي قبله من وجه آخر عن الأعرج بلفظ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وزاد فيه: "حمر الوجوه " ولم يذكر " صغار الأعين " وقوله: "ذلف الأنوف " أي صغارها، والعرب تقول أملح النساء الذلف، وقيل الذلف الاستواء في طرف الأنف، وقيل قصر الأنف وانبطاحه، وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في علامات النبوة إن شاء الله تعالى.

(6/105)


97 - باب مَنْ صَفَّ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ وَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَاسْتَنْصَرَ
2930- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ بِسِلاَحٍ فَأَتَوْا قَوْمًا رُمَاةً جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ".
قوله: "باب من صف أصحابه عند الهزيمة" أي صف من ثبت معه بعد هزيمة من انهزم. وذكر فيه حديث البراء في قصة حنين، وهو ظاهر فيما ترجم له، ووقع في آخره: "ثم صف أصحابه وذلك بعد أن نزل واستنصر" والمراد بقوله: واستنصر أي استنصر الله بعد أن رمى الكفار بالتراب، وسيأتي شرح ذلك مستوفى في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى.

(6/105)


98 - باب الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْهَزِيمَةِ وَالزَّلْزَلَةِ
2931- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَلاَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ".
[الحديث 2931 – أطرافه في: 4111، 4533، 6396]
2932- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِي الْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ".

(6/105)


99 - باب هَلْ يُرْشِدُ الْمُسْلِمُ أَهْلَ الْكِتَابِ أَوْ يُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ؟
2936- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَقَالَ: "فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ".
[الحديث 2936 – طرفه في: 2940]
قوله: "باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب" المراد بالكتاب الأول التوراة والإنجيل، وبالكتاب الثاني ما هو أعم منهما ومن القرآن وغير ذلك. وأورد فيه طرفا من حديث ابن عباس في شأن هرقل، وقد ذكره بعد بابين من وجه آخر عن ابن شهاب بطوله؛ وإسحاق شيخه فيه هو ابن منصور، وهذه الطريق أهملها المزي في الأطراف وإرشادهم منه ظاهر، وأما تعليمهم الكتاب فكأنه استنبطه من كونه كتب إليهم بعض القرآن بالعربية وكأنه سلطهم على تعليمه إذ لا يقرءونه حتى يترجم لهم ولا يترجم لهم حتى يعرف المترجم كيفية استخراجه، وهذه المسألة مما اختلف فيه السلف فمنع مالك من تعليم الكافر القرآن، ورخص أبو حنيفة، واختلف قول الشافعي والذي يظهر أن الراجح التفصيل بين من يرجى منه الرغبة في الدين والدخول فيه مع الأمن منه أن يتسلط بذلك إلى الطعن فيه، وبين من يتحقق أن ذلك لا ينجح فيه أو يظن أنه يتوصل بذلك إلى الطعن في الدين والله أعلم. ويفرق أيضا بين القليل منه والكثير كما تقدم في أوائل كتاب الحيض.

(6/107)


100 - باب الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ
2937- حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: "قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إن دوسا عصت وأبت،

(6/107)


101 - باب دَعْوَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعَلَى مَا يُقَاتَلُونَ عَلَيْهِ
وَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ
2938- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ".
2939- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى حَرَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ".
قوله: "باب دعوة اليهود والنصارى" أي إلى الإسلام، و قوله: "وعلى ما يقاتلون" إشارة إلى أن ما ذكر في الباب الذي بعده عن على حيث قال: "تقاتلوهم يكونوا مثلنا " وفيه أمره صلى الله عليه وسلم له بالنزول بساحتهم ثم دعائهم إلى الإسلام ثم القتال، ووجه أخذه من حديثي الباب أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يتوجه إلى مقاتلهم. قوله: "وما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر" قد ذكر ذلك في الباب مسندا، وقوله والدعوة قبل القتال كأنه يشير إلى حديث ابن عون في إغارة النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق على غرة، وهو متخرج عنده في كتاب الفتن وهو محمول عند من يقول باشتراط الدعاء قبل القتال على أنه بلغتهم الدعوة، وهي مسألة خلافية: فذهب طائفة منهم عمر بن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى الإسلام قبل القتال، وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر قبل انتشار دعوة الإسلام، فإن وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعى، نص عليه الشافعي وقال مالك: من قربت داره قوتل بغير دعوة لاشتهار الإسلام، ومن بعدت داره فالدعوة أقطع للشك وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي أحد كبار التابعين قال: كنا ندعو وندع. قلت: وهو منزل على الحالين

(6/108)


المتقدمين. ثم ذكر في الباب حديثين: أحدهما: حديث أنس في اتخاذ الخاتم، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب اللباس. ثانيهما: حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث كتابه إلى كسرى" وسيأتي شرحه في أواخر المغازي وفيه أن المبعوث به كان عبد الله بن حذافة السهمي، ونذكر هناك ما يتعلق بكسرى وما المراد بعظيم البحرين وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة وأن الكتابة تقوم مقام النطق وفيه إرشاد المسلم إلى الكافر وأن العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل ولهذا مزق كسرى الكتاب ولم يتعرض للرسول.

(6/109)


102 - باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَالنُّبُوَّةِ، وَأَنْ لاَ يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى [79 آل عمران]: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
2940- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلاَمِ وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلاَهُ اللَّهُ فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لِأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
2941- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّأْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تِجَارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّأْمِ فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا قَالَ مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَقُلْتُ هُوَ ابْنُ عَمِّي وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي فَقَالَ قَيْصَرُ أَدْنُوهُ وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لِأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنْ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ قُلْتُ لاَ فَقَالَ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لاَ قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَأَشْرَافُ

(6/109)


النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لاَ قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لاَ وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَلَمْ يُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ لاَ أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي غَيْرُهَا قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ قُلْتُ كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى قَالَ فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ قَالَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ. فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ فَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لاَ يَسْخَطُهُ أَحَدٌ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ يَغْدِرُونَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلًا وَيُدَالُ عَلَيْكُمْ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ قَالَ وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلاَمٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ

(6/110)


الأَرِيسِيِّينَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [64 آل عمران] قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلاَ أَدْرِي مَاذَا قَالُوا وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ يَخَافُهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الإِسْلاَمَ وَأَنَا كَارِهٌ".
2942- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لاَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّه لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ فَقَالَ نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لاَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
[الحديث 2942 – أطرافه في: 3009، 3701، 4210]
2943- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا".
2944- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا ...".
2945- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن حميد عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى خيبر فجاءها ليلا وكان إذا جاء قوما بليل لا يغير عليهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت زفر بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين".
2946- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ

(6/111)


اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قوله: "باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ} الآية" أورد فيه أحاديث. وأما قوله تعالى :{مَا كَانَ لِبَشَرٍ} فالمراد من الآية الإنكار على من قال: {كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} ومثلها قوله تعالى :{يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} الآية، وقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية. حديث ابن عباس في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، وفيه حديث عن أبي سفيان بن حرب وقد تقدم بطوله في بدء الوحي والكلام عليه مستوفى، وهو ظاهر فيما ترجم به، ويأتي شيء من الكلام عليه في تفسير سورة آل عمران إن شاء الله تعالى. حديث سهل بن سعد في إعطاء على الراية يوم خيبر، وسيأتي شرحه في المغازي، والغرض منه قوله: "ثم ادعهم إلى الإسلام". حديث أنس في ترك الإغارة على من سمع منهم الأذان، ذكره من وجهين، وسيأتي وشرحه في غزوة خيبر أيضا، وهو دال على جواز قتال من بلغته الدعوة بغير دعوة، فيجمع بينه وبين حديث سهل الذي قبله بأن الدعوة مستحبة لا شرط، وفيه دلالة على الحكم بالدليل لكونه كف عن القتال بمجرد سماع الأذان، وفيه الأخذ بالأحوط في أمر الدعاء لأنه كف عنهم في تلك الحالة مع احتمال أن لا يكون ذاك على الحقيقة، ووقع هنا "فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيهم" ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم: "فأتيناهم حين بزغت الشمس" ويجمع بأنهم وصلوا أول البلد عند الصبح فنزلوا فصلوا فتوجهوا، وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرسه حينئذ في زقاق خيبر كما في الرواية الأخرى فوصل في آخر الزقاق إلى أول الحصون حين بزغت الشمس. حديث أبي هريرة "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" ، الحديث، وهو ظاهر فيها ترجم له أولا حيث قال: "وعلام تقاتلون" وقد مضى شرحه في كتاب الإيمان في الكلام على حديث ابن عمر، لكن في حديث ابن عمر زيادة إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقد وردت الأحاديث بذلك زائدا بعضها على بعض، ففي حديث أبي هريرة الاقتصار على قول لا إله إلا الله، وفي حديثه من وجه آخر عند مسلم: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا سول الله" وفي حديث ابن عمر ما ذكرت، وفي حديث أنس الماضي في أبواب القبلة "فإذا صلوا واستقبلوا وأكلوا ذبيحتنا" قال الطبري وغيره: أما الأول فقاله في حالة قتاله لأهل الأوثان الذين لا يقرون بالتوحيد، وأما الثاني فقاله في حالة قتال أهل الكتاب الذين يعترفون بالتوحيد ويجحدون نبوته عموما أو خصوصا وأما الثالث ففيه الإشارة إلى أن من دخل في الإسلام وشهد بالتوحيد وبالنبوة ولم يعمل بالطاعات أن حكمهم أن يقاتلوا حتى يذعنوا إلى ذلك، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في أبواب القبلة. قوله: "رواه عمر وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم" أي مثل حديث أبي هريرة، أما رواية عمر فوصلها المؤلف في الزكاة، وأما رواية ابن عمر فوصلها المؤلف في الإيمان

(6/112)


103 - باب مَنْ أَرَادَ غَزْوَةً فَوَرَّى بِغَيْرِهَا وَمَنْ أَحَبَّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ
2947- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن

(6/112)


عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب رضي الله عنه وكان قائد كعب من بنيه قال: "سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها".
2948- حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدو كثير فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبه عدوهم وأخبرهم بوجهه الذي يريد".
2949- وعن يونس عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك رضي الله عنه كان يقول: "لقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس".
2950- حدثني عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس".
قوله: "باب من أراد غزوة فورى بغيرها ومن أحب الخروج إلى السفر يوم الخميس" أما الجملة الأولى فمعنى "ورى" ستر وتستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره، وأصله من الوري بفتح ثم سكون وهو ما يجعل وراء الإنسان لأن من ورى بشيء كأنه جعله وراءه، وقيل هو في الحرب أخذ العدو على غرة وقيده السيرافي في شرح سيبويه بالهمزة قال: وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة وكأنهم سهلوها. وأما الخروج يوم الخميس فلعل سببه ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس" وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغر ابن شريط بفتح المعجمة أوله. وكونه صلى الله عليه وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه، وسيأتي بعد باب أنه خرج في بعض أسفاره يوم السبت. ثم أورد المصنف أطرافا من حديث كعب بن مالك الطويل في قصة غزوة تبوك ظاهرة فيما ترجم له، وروى سعيد بن منصور عن مهدي بن ميمون عن واصل مولى أبي عتيبة قال: "بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر أحب أن يخرج يوم الخميس". وقوله في الطريق الثانية "وعن يونس عن الزهري" هو موصول بالإسناد الأول عن عبد الله وهو ابن المبارك عن يونس، ووهم من زعم أن الطريق الثانية معلقة، وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن المبارك عن يونس بالحديثين جميعا بالوجهين، نعم توقف الدار قطني في هذه الرواية التي وقع فيها التصريح بسماع عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك من جده وقد أوضحت ذلك في المقدمة. والحاصل أن رواية الزهري للجملة الأولى هي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وروايته للجملة الثانية المتعلقة بيوم الخميس هي عن عمه عبد الرحمن بن كعب بن مالك،

(6/113)


وقد سمع الزهري منهما جميعا، وحدث يونس عنه بالحديثين مفصلا، وأراد البخاري بذلك دفع الوهم واللبس عمن يظن فيه اختلافا، وسيأتي مزيد بسبط لذلك في المغازي إن شاء الله تعالى.

(6/114)


104 - باب الْخُرُوجِ بَعْدَ الظُّهْرِ
2951- حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرخون بهما جميعا".
قوله: "باب الخروج بعد الظهر" ذكر فيه حديث أنس وقد تقدم في الحج، وكأنه أورده إشارة إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكورها، لا يمنع جواز التصرف في غير وقت البكور، وإنما خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط، وحديث: "بورك لأمتي في بكورها" أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان من حديث صخر الغامدي بالغين المعجمة، وقد اعتنى بعض الحفاظ بجمع طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسا.

(6/114)


105 - باب الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ
وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
2952- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلاَ نُرَى إِلاَّ الْحَجَّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ عَائِشَةُ فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ".
قوله: "باب الخروج آخر الشهر" أي ردا على من كره ذلك من طريق الطيرة، وقد نقل ابن بطال أن أهل الجاهلية كانوا يتحرون أوائل الشهور للأعمال، ويكرهون التصرف في محاق القمر. قوله: "وقال كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس بقين" هو طرف من حديث وصله المصنف في الحج. حديث عمرة عن عائشة في ذلك، وقد مضى الكلام عليهما في كتاب الحج، وفيه استعمال الفصيح في التاريخ وهو ما دام في النصف الأول من الشهر يؤرخ بما خلا، وإذا دخل النصف الثاني يؤرخ بما بقي، وقد استشكل قول ابن عباس وعائشة "أنه خرج لخمس بقين" لأن ذا الحجة كان أوله الخميس للاتفاق على أن الوقفة كانت الجمعة فيلزم من ذلك أن يكون خرج يوم الجمعة، ولا يصح ذلك لقول أنس في الحديث الذي قبله "أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم خرج" وأجيب بأن الخروج كان يوم السبت، وإنما قال الصحابة "لخمس بقين" بناء على العدد، لأن ذا القعدة كان أوله الأربعاء فاتفق أن جاء ناقصا، فجاء أول ذي الحجة الخميس، فظهر أن الذي كان بقي من الشهر

(6/114)


106 - باب الْخُرُوجِ فِي رَمَضَانَ
2953- حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال حدثني الزهري عن عبيد الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر".
قال سفيان: قال الزهري: أخبرني عبيد الله عن ابن عباس ... وساق الحديث
قوله: "باب الخروج في رمضان" ذكر فيه حديث ابن عباس في ذلك، وقد مضى شرحه في كتاب الصيام، وأراد به رفع وهم من يتوهم كراهة ذلك.

(6/115)


107 - باب التَّوْدِيعِ
2954- وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ وَقَالَ لَنَا: "إِنْ لَقِيتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ قَالَ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحَرِّقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا بِالنَّارِ وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ فَإِنْ أَخَذْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا".
[الحديث 2954 – طرفه في: 3016]
قوله: "باب التوديع" عند السفر أي أعم من أن يكون من المسافر للمقيم أو عكسه، وحديث الباب ظاهر للأول، ويؤخذ الثاني منه بطريق الأولى، وهو الأكثر في الوقوع. قوله: "وقال ابن وهب إلخ" وصله النسائي والإسماعيلي من طريقه، وسيأتي موصولا للمصنف من وجه آخر ويأتي شرحه هناك بعد اثنين وأربعين بابا، وفيه تسمية من أبهم في هذا.

(6/115)


108 - باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ
2955- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ".
[الحديث 2955 – طرفه في: 7144]
قوله: "باب السمع والطاعة للإمام" زاد في رواية الكشميهني ما لم يأمر بمعصية، والإطلاق محمول عليه كما مر

(6/115)


109 - باب يُقَاتَلُ مِنْ وَرَاءِ الإِمَامِ وَيُتَّقَى بِهِ
2956- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ".
2957- وَبِهَذَا الإِسْنَادِ "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ".
[الحديث 2957 – طرفه في: 7137]
قوله: "باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به" يقاتل بفتح المثناة، ولم يزد البخاري على لفظ الحديث. والمراد به المقاتلة للدفع عن الإمام، سواء كان ذلك من خلفه حقيقة أو قدامه، ووراء يطلق على المعنيين. قوله: "نحن الآخرون السابقون" الحديث طرف من حديث سبق بيانه في كتاب الجمعة، وسبق في الطهارة أن عادته في إيراد هذه النسخة - وهي شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - أن يصدر بأول حديث فيها ويعطف الباقي عليه لكونه سمعها هكذا، وأن مسلما في نسخة معمر عن همام عن أبي هريرة سلك طريقا نحو هذه، فإنه يقول في أول كل حديث منها: فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيت وكيت" . وتكلَّف ابن المنير فقال: وجه مطابقة الترجمة لقوله: "نحن الآخرون السابقون" الإشارة إلى أنه الإمام وأنه يجب على كل أحد أن يقاتل عنه وينصره، لأنه وإن تأخر في الزمان لكنه متقدم في أخذ العهد على كل من تقدمه أنه إن أدرك زمانه أن يؤمن به وينصره، فهم في الصورة أمامه وفي الحقيقة خلفه فناسب ذلك قوله: "يقاتل من ورائه لأنه أعم من أن يراد بها الخلف أو الأمام. وبالإسناد السابق "من أطاعني فقد أطاع الله " وقوله فيه: "وإن قال بغيره فإن عليه منه" كذا هنا، قيل استعمل القول بمعنى الفعل حيث قال: "فإن قال بغيره" كذا قال بعض الشراح، وليس بظاهر فإنه قسيم قوله: "فإن أمر" فيحمل على أن المراد وأن أمر، والتعبير عن الأمر بالقول لا إشكال فيه. وقيل معنى "قال" هنا حكم، ثم قيل إنه مشتق من القيل بفتح القاف وسكون التحتانية وهو الملك الذي ينفذ حكمه بلغة حمير، وقوله: "فإن عليه منه" أي وزرا وحذف في هذه الرواية على طريق الاكتفاء لدلالة مقابلة عليه، وقد ثبت في غير هذه الرواية كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ويحتمل أن يكون "من" في قوله: "فإن عليه منه" تبعيضية، أي فإن عليه بعض ما يقول. وفي رواية أبي زيد المروزي "منة" بضم الميم وتشديد النون بعدها هاء تأنيث، وهو تصحيف بلا ريب؛ وبالأول جزم أبو ذر. وقوله: "إنما الإمام جنة" بضم الجيم أي سترة، لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويكف أذى بعضهم عن بعض، والمراد بالإمام كل قائم بأمور الناس والله أعلم. وسيأتي بقية شرحه في كتاب الأحكام.

(6/116)


110 - باب الْبَيْعَةِ فِي الْحَرْبِ أَنْ لاَ يَفِرُّوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى الْمَوْتِ
لِقَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ [18 الفتح] {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}
2958- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "رَجَعْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا كَانَتْ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ فَسَأَلْتُ نَافِعًا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ لاَ بَلْ بَايَعَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ".
2959- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا كَانَ زَمَنُ الْحَرَّةِ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْمَوْتِ فَقَالَ لاَ أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 2959 – طرفه في: 4167]
2960- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ يَا ابْنَ الأَكْوَعِ أَلاَ تُبَايِعُ قَالَ قُلْتُ قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيْضًا فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ".
[الحديث 2960 – أطرافه في: 4169، 7206، 7208]
2961- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "كَانَتْ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا.
فَأَجَابَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الْآخِرَهْ، فَأَكْرِمْ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ".
2962، 2963- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَخِي فَقُلْتُ بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ مَضَتْ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا فَقُلْتُ عَلاَمَ تُبَايِعُنَا قَالَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالْجِهَادِ".
[الحديث 2962 – أطرافه في: 3078، 4305، 4307]
[الحديث 2963 – أطرافه في: 3079، 4306، 4308]
قوله: "باب البيعة في الحرب على أن لا يفروا. وقال بعضهم: على الموت" كأنه أشار إلى أن لا تنافي بين

(6/117)


الروايتين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين، أو أحدهما يستلزم الآخر. قوله: "لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ} الآية" قال ابن المنبر: أشار البخاري بالاستدلال بالآية إلى أنهم بايعوا على الصبر، ووجه أخذه منها قوله تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} والسكينة الطمأنينة في موقف الحرب، فدل ذلك على أنهم أضمروا في قلوبهم أن لا يفروا فأعانهم على ذلك، وتعقب بأن البخاري إنما ذكر الآية عقب القول الصائر إلى أن المبايعة وقعت على الموت، ووجه انتزاع ذلك منها أن المبايعة فيها مطلقة، وقد أخبر سلمة بن الأكوع - وهو ممن بايع تحت الشجرة - أنه بايع على الموت، فدل ذلك على أنه لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار، لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: "بل بايعهم على الصبر" أي على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا، والله أعلم. وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن - والد سعيد - لابن عمر على خفاء الشجرة، وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: "كانت رحمة من الله" أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى. ويحتمل أن يكون معنى قوله رحمة من الله أي كانت الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها. حديث ابن عمر "رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا - أي النبي صلى الله عليه وسلم - تحتها" أي في عمرة الحديبية. قوله: "فسألنا نافعا" قائل ذلك هو جويرية بن أسماء الراوي عنه، وقد تعقبه الإسماعيلي بأن هذا من قول نافع وليس بمسند، وأجيب بأن الظاهر أن نافعا إنما جزم بما أجاب به لما فهمه عن مولاه ابن عمر فيكون مسندا بهذه الطريقة. حديث عبد الله بن زيد أي ابن عاصم الأنصاري المازني. قوله: "لما كان زمن الحرة" أي الوقعة التي كانت بالمدينة في زمن يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين كما سيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: "إن ابن حنظلة" أي عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الذي يعرف أبوه بغسيلي الملائكة، والسبب في تلقيبه بذلك أنه قتل بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة، وعلقت امرأته تلك الليلة بابنه عبد الله بن حنظلة، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين وقد حفظ عنه. وأتى الكرماني بأعجوبة فقال: ابن حنظلة هو الذي كان يأخذ البيعة ليزيد بن معاوية، والمراد به نفس يزيد لأن جده أبا سفيان كان يكنى أيضا أبا حنظلة فيكون التقدير أن ابن أبي حنظلة، ثم حذف لفظ أي تخفيفا أو يكون نسب إلى عمه حنظلة بن أبي سفيان استخفافا واستهجانا واستبشاعا بهذه الكلمة المرة انتهى. ولقد أطال رحمه الله في غير طائل، وأتى بغير الصواب. ولو راجع موضعا آخر من البخاري لهذا الحديث بعينه لرأي فيه ما نصه "لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة، فقال عبد الله بن زيد: علام يبايع حنظلة الناس؟" الحديث. وهذا الموضع في أثناء غزوة الحديبية من كتاب المغازي، فهذا يرد احتماله الثاني، وأما احتماله الأول فيرده اتفاق أهل النقل على أن الأمير الذي كان من قبل يزيد بن معارية اسمه مسلم بن عقبة لا عبد الله بن حنظلة، وأن ابن حنظلة كان الأمير على الأنصار، وأن عبد الله بن مطيع كان الأمير على من سواهم وأنهما قتلا جميعا في تلك الوقعة. والله المستعان. قوله: "لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيه إيماء إلى أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وليس بصريح، ولذلك عقبه المصنف بحديث سلمة بن الأكوع لتصريحه فيه بذلك. قال ابن المنير:

(6/118)


والحكمة في قول الصحابي إنه لا يفعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان مستحقا للنبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم أن يقيه بنفسه، وكان فرضا عليهم أن لا يفروا عنه حتى يموتوا دونه، وذلك بخلاف غيره. ثالثها: حديث سلمة فقوله: "فقلت له يا أبا مسلم"، هي كنية سلمة بن الأكوع، والقائل "فقلت" الراوي عنه وهو يزيد بن أبي عبيد مولاه، وهذا الحديث أحد ثلاثيات البخاري، وقد أخرجه في الأحكام أيضا ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. قال ابن المنير: الحكمة في تكراره البيعة لسلمة أنه كان مقداما في الحرب فأكد عليه العقد احتياطا. قلت: أو لأنه كان يقاتل قتال الفارس والراجل فتعددت البيعة بتعدد الصفة. رابعها: حديث أنس "كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا" وهو ظاهر فيما ترجم به، وقد تقدم موصولا في أوائل الجهاد، ويأتي الكلام عليه في المغازي إن شاء الله تعالى. خامسها: حديث مجاشع وهو ابن مسعود، وأخوه اسمه مجالد بجيم، وسيأتي الكلام عليه في المغازي في غزوة الفتح إن شاء الله تعالى.

(6/119)


111 - باب عَزْمِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ
2964- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا مُؤْدِيًا نَشِيطًا يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لاَ نُحْصِيهَا فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ إِلاَّ أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَسَى أَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلاَّ مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللَّهَ وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلًا فَشَفَاهُ مِنْهُ وَأَوْشَكَ أَنْ لاَ تَجِدُوهُ وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا أَذْكُرُ مَا غَبَرَ مِنْ الدُّنْيَا إِلاَّ كَالثَّغْبِ شُرِبَ صَفْوُهُ وَبَقِيَ كَدَرُهُ".
قوله: "باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون" المراد بالعزم الأمر الجازم الذي لا تردد فيه، والذي يتعلق به الجار والمجرور محذوف تقديره مثلا محله، والمعنى وجوب طاعة الإمام محله فيما لهم به طاقة. قوله: "قال عبد الله" أي ابن مسعود، وهذا الإسناد كله كوفيون. قوله: "أتاني اليوم رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "مؤديا" بهمزة ساكنة وتحتانية خفيفة أي كامل الأداء أي أداة الحرب، ولا يجوز حذف الهمزة منه لئلا يصير من أودى إذا هلك. وقال الكرماني: معناه قويا، وكأنه فسره باللازم. وقوله: "نشيطا" بنون وبمعجمة من النشاط. قوله: "نخرج مع أمرائنا" كذا في الرواية بالنون من قوله نخرج، وعلى هذا فالمراد بقوله رجلا أحدنا، أو هو محذوف الصفة أي رجلا منا، وعلى هذا عول الكرماني لأن السياق يقتضي أن يقول مع امرأته، وفيه حينئذ التفات. ويحتمل أن يكون بالتحتانية بدل النون وفيه أيضا التفات. قوله: "لا نحصيها" أي لا نطيقها لقوله تعالى :{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} وقيل لا ندري أهي طاعة أم معصية، والأول مطابق لما فهم البخاري فترجم به، والثاني موافق لقول ابن مسعود "وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه" ، أي من تقوى الله أن لا يقدم المرء على ما يشك فيه حتى يسأل من عنده علم فيدله على ما فيه شفاؤه. وقوله: " شك نفسه في شيء" من المقلوب، إذ التقدير: وإذا شك نفسه في شيء، أو ضمن شك معنى لصق، والمراد بالشيء ما يتردد في جوازه وعدمه. وقوله: "حتى يفعله" غاية لقوله: "لا يعزم" أو للعزم الذي

(6/119)


يتعلق به المستثنى وهو مرة. والحاصل أن الرجل سأل ابن مسعود عن حكم طاعة الأمير فأجابه ابن مسعود بالوجوب بشرط أن يكون المأمور به موافقا لتقوى الله تعالى. قوله: "ما غبر" بمعجمة وموحدة مفتوحتين أي مضى، وهو من الأضداد يطلق على ما مضى وعلى ما بقي، وهو هنا محتمل للأمرين. قال ابن الجوزي: هو بالماضي هنا أشبه كقوله: "ما أذكر". والثغب بمثلثة مفتوحة ومعجمة ساكنة ويجوز فتحها. قال الفزاز: وهو أكثر، وهو الغدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق، وقيل هو ما يحتفره السيل في الأرض المنخفضة فيصير مثل الأخدود فيبقى الماء فيه فتصفقه الريح فيصير صافيا باردا، وقيل هو نفرم في صخرة يبقى فيها الماء كذلك؛ فشبه ما مضى من الدنيا بما شرب من صفوه، وما بقي منها بما تأخر من كدره. وإذا كان هذا في زمان ابن مسعود وقد مات هو قبل مقتل عثمان ووجود تلك الفتن العظيمة فماذا يكون اعتقاده فيما جاء بعد ذلك وهلم جرا؟ وفي الحديث أنهم كانوا يعتقدون وجوب طاعة الإمام، وأما توقف ابن مسعود عن خصوص جوابه وعدوله إلى الجواب العام فللإشكال الذي وقع له من ذلك، وقد أشار إليه في بقية حديثه، ويستفاد منه التوقف في الإفتاء فيما أشكل من الأمر كما لو أن بعض الأجناد استفتى أن السلطان عينه في أمر مخوف بمجرد التشهي وكلفه من ذلك ما لا يطيق، فمن أجابه بوجوب طاعة الإمام أشكل الأمر لما وقع من الفساد، وأن أجابه بجواز الامتناع أشكل الأمر لما قد يفضي به ذلك إلى الفتنة، فالصواب التوقف عن الجواب في ذلك وأمثاله. والله الهادي إلى الصواب.

(6/120)


112 - باب كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ
2965- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَرَأْتُهُ "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ".
2966- "ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".
قوله: "باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس" أي لأن الرياح تهب غالبا بعد الزوال فيحصل بها تبريد حدة السلاح والحرب وزيادة في النشاط. أورد فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى بمعنى ما ترجم به؛ لكن ليس فيه: "إذا لم يقاتل أول النهار" وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه، فعند أحمد من وجه آخر عن موسى بن عقبة بهذا الإسناد "أنه كان صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس" ولسعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن أبي أوفى "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل إذا زالت الشمس ثم ينهض إلى عدوه" وللمصنف في الجزية من حديث النعمان بن مقرن "كان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات" وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من وجه آخر وصححاه، وفي روايتهم "حتى

(6/120)


تزول الشمس وتهب الأرواح وينزل النصر" فيظهر أن فائدة التأخير لكون أوقات الصلاة مظنة إجابة الدعاء، وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك والله أعلم. وقد أخرج الترمذي حديث النعمان بن مقرن من وجه آخر عنه لكن فيه انقطاع، ولفظه يوافق ما قلته قال: "غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل، فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت الشمس قاتل، فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل، وكان يقال: عند ذلك تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم". "تنبيه": وقع في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه زيادة في الدعاء، وسيأتي التنبيه عليها في "باب لا تتمنوا لقاء العدو" مع بقية الكلام على شرحه إن شاء الله تعالى.

(6/121)


113 - باب اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإِمَامَ لِقَوْلِهِ [62 النور] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
2967- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَتَلاَحَقَ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ فَقَالَ لِي مَا لِبَعِيرِكَ قَالَ قُلْتُ عَيِيَ قَالَ فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيْ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ فَقَالَ لِي كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ قَالَ قُلْتُ بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ قَالَ أَفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ فَاسْتَحْيَيْتُ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَبِعْنِيهِ فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنْ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلاَمَنِي قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا فَقَالَ هَلاَ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوْ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَيَّ". قَالَ الْمُغِيرَةُ هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْسًا.
قوله: "باب استئذان الرجل" أي من الرعية "الإمام" أي في الرجوع أو التخلف عن الخروج أو نحو ذلك.
قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} قال ابن التين: هذه الآية احتج بها الحسن على أنه ليس لأحد أن يذهب من العسكر حتى يستأذن الأمير، وهذا عند سائر الفقهاء كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال، والذي يظهر أن الخصوصية في عموم وجوب الاستئذان، وإلا فلو كان ممن عينه الإمام فطرأ له ما يقتضي التخلف أو الرجوع فأنه يحتاج إلى الاستئذان. ثم أورد فيه حديث جابر في قصة

(6/121)


جمله وقد تقدم شرحه في كتاب الشروط، والغرض منه هنا قوله: "إني عروس فاستأذنته فأذن لي" وسيأتي الكلام على ما يتعلق بتزويجه في النكاح. "تنبيه": قوله في آخر هذا الحديث: "قال المغيرة: هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا" هذا موصول بالإسناد المذكور إلى المغيرة، وهو ابن مقسم الضبي أحد فقهاء الكوفة، ومراده بذلك ما وقع من جابر من اشتراط ركوب جملة إلى المدينة. وأعرب الداودي فقال: مراده جواز زيادة الغريم على حقه، وأن ذلك ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد تعقبه ابن التين بأن هذه الزيادة لم ترد في هذه الطريق هنا، وهو كما قال.

(6/122)


باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه. فيه جابرعن النبي صلى الله عليه و سلم
...
114 - باب مَنْ غَزَا وَهُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسِهِ. فِيهِ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه" بكسر العين أي بزوجته، وبضمها أي بزمان عرسه. وفي رواية الكشميهني: "بعرس" وهو يؤيد الاحتمال الثاني. قوله: "فيه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير إلى حديثه المذكور في الباب قبله وأن ذلك في بعض طرقه، وسيأتي في أوائل النكاح من طريق سيار عن الشعبي بلفظ: "فقال ما يعجلك؟ قلت: كنت حديث عهد بعرس" الحديث.

(6/122)


باب من اختار الغزو بعد البناء. فيه أبُو هريرة عن الَنبي صلى الله عليه و سلم
...
115 - باب مَنْ اخْتَارَ الْغَزْوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب من اختار الغزو بعد البناء فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير إلى حديثه الآتي في الخمس من طريق همام عنه فقال: "غزا نبي من الأنبياء. فقال: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة ولما يبن بها" الحديث وسيأتي شرحه هناك، وترجم عليه في النكاح "من أحب البناء بعد الغزو" وساق الحديث. والغرض هنا من ذلك أن يتفرغ قلبه للجهاد ويقبل عليه بنشاط، لأن الذي يعقد عقده على امرأة يبقى متعلق الخاطر بها، بخلاف ما إذا دخل بها فإنه يصير الأمر في حقه أخف غالبا، ونظيره الاشتغال بالأكل قبل الصلاة. "تنبيهان" أحدهما: أورد الداودي هذه الترجمة محرفة ثم اعترضها، وذلك أنه وقع عنده "باب من اختار الغزو قبل البناء"، فاعترضه بأن الحديث فيه أنه اختار البناء قبل الغزو. قلت: وعلى تقدير صحة ما وقع عند الداودي فلا يلزمه الاعتراض، لأنه أورد الترجمة مورد الاستفهام فكأنه قال: ما حكم من اختار الغزو قبل البناء هل يمنع كما دل عليه الحديث، أو يسوغ؟ ويحمل الحديث على الأولوية. ثانيهما: قال الكرماني كأنه اكتفى بالإشارة إلى هذا الحديث لأنه لم يكن على شرطه. قلت: ولم يستحضر أنه أورده موصولا في مكان آخر كما سيأتي قريبا. والجواب الصحيح أنه جرى على عادته الغالبة في أنه لا يعيد الحديث الواحد إذا اتحد مخرجه في مكانين بصورته غالبا، بل يتصرف فيه بالاختصار ونحوه في أحد الموضعين.

(6/122)


116 - باب مُبَادَرَةِ الإِمَامِ عِنْدَ الْفَزَعِ
2968- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا".
قوله: "باب مبادرة الإمام عند الفزع" ذكر فيه حديث أنس في ركوب النبي صلى الله عليه وسلم فرس أبي طلحة. وقد تقدم

(6/122)


باب السرعة و الركض في الفزع
...
117 - باب السُّرْعَةِ وَالرَّكْضِ فِي الْفَزَعِ
2969- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "فَزِعَ النَّاسُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَهُ فَقَالَ لَمْ تُرَاعُوا إِنَّهُ لَبَحْرٌ فَمَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ".
قوله: "باب السرعة والركض في الفزع" ذكر فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر، وقد تقدم، ومحمد المذكور في إسناده هو ابن سيرين.

(6/123)


باب الخروج في الفزع و حده
...
118 - باب الْخُرُوجِ فِي الْفَزَعِ وَحْدَهُ
قوله: "باب الخروج في الفزع وحده" كذا ثبتت هذه الترجمة بغير حديث، وكأنه أراد أن يكتب فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر فاخترم قبل ذلك. قال الكرماني: ويحتمل أن يكون اكتفى بالإشارة إلى الحديث الذي قبله، كذا قال وفيه بعد، وقد ضم أبو علي بن شبويه هذه الترجمة إلى التي بعدها فقال: "باب الخروج في الفزع وحده والجعائل إلخ " وليس في أحاديث باب الجعائل مناسبة لذلك أيضا، إلا أنه يمكن حمله على ما قلت أولا. قال ابن بطال: جملة ما في هذه التراجم أن الإمام ينبغي له أن يشح بنفسه لما في ذلك من النظر للمسلمين، إلا أن يكون من أهل الغناء الشديد والثبات البالغ فيحتمل أن يسوغ له ذلك، وكان في النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما ليس في غيره، ولا سيما مع ما علم أن الله يعصمه وينصره.

(6/123)


119 - باب الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلاَنِ فِي السَّبِيلِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ الْغَزْوَ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَكَ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي قُلْتُ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيَّ قَالَ إِنَّ غِنَاكَ لَكَ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ عُمَرُ إِنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِيُجَاهِدُوا ثُمَّ لاَ يُجَاهِدُونَ فَمَنْ فَعَلَهُ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِمَالِهِ حَتَّى نَأْخُذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ وَضَعْهُ عِنْدَ أَهْلِكَ.
2970- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَقَالَ زَيْدٌ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آشْتَرِيهِ فَقَالَ لاَ تَشْتَرِهِ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ".
2971- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لاَ تَبْتَعْهُ وَلاَ

(6/123)


120 - باب الأَجِيرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يُقْسَمُ لِلْأَجِيرِ مِنْ الْمَغْنَمِ
وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ فَبَلَغَ سَهْمُ الْفَرَسِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ فَأَخَذَ مِائَتَيْنِ وَأَعْطَى صَاحِبَهُ مِائَتَيْنِ.
2973- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَحَمَلْتُ عَلَى بَكْرٍ فَهُوَ أَوْثَقُ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي فَاسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا فَقَاتَلَ رَجُلًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ وَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَهَا فَقَالَ أَيَدْفَعُ يَدَهُ إِلَيْكَ فَتَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ".
قوله: "باب الأجير" للأجير في الغزو حالان: إما أن يكون استؤجر للخدمة أو استؤجر ليقاتل، فالأول قال الأوزاعي وأحمد إسحاق: لا يسهم له. وقال الأكثر: يسهم له لحديث سلمة "كنت أجيرا لطلحة أسوس فرسه" أخرجه مسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم له. وقال الثوري: لا يسهم للأجير إلا أن قاتل، وأما الأجير إذا استؤجر ليقاتل فقال المالكية والحنفية: لا يسهم له. وقال الأكثر: له سهمه. وقال أحمد: واستأجر الإمام قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة. وقال الشافعي: هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد، أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة. قوله: "وقال الحسن وابن سيرين يقسم للأجير من المغنم" وصله عبد الرزاق عنهما بلفظ: "يسهم للأجير" ووصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ: "العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطوا من الغنيمة". قوله: "وأخذ عطية بن قيس فرسا على النصف إلخ" وهذا الصنيع جائز عند من يجيز المخابرة. وقال بصحته هنا الأوزاعي وأحمد خلافا للثلاثة، وقد تقدمت مباحث المخابرة في كتاب المزارعة. حديث صفوان بن يعلى عن أبيه، وهو يعلى بن أمية قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك" الحديث، وسيأتي شرحه في القصاص؛ والغرض منه قوله: "فاستأجرت أجيرا" قال المهلب: استنبط البخاري من هذا الحديث جواز استئجار الحر في الجهاد، وقد خاطب الله المؤمنين بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية فدخل الأجير في هذا الخطاب، قلت: وقد أخرج الحديث أبو داود من وجه آخر عن يعلى بن أمية أوضح من الذي هنا ولفظه: "أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو وأنا شيخ ليس لي خادم، فالتمست أجيرا يكفيني وأجرى له سهمي، فوجدت رجلا، فلما دنا الرحيل أتاني فقال: ما أدرى ما سهمك وما يبلغ، فسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن، فسميت له ثلاثة دنانير" الحديث. وقوله في هذه الرواية: "فهو أوثق أعمالي"؛ في رواية السرخسي أحمالي بالمهملة، وللمستملي بالجيم، والذي قاتل الأجير هو يعلى بن أمية نفسه كما رواه مسلم من حديث عمران بن حصين. "تنبيهان": الأول وقع في رواية المستملي بين أثر عطية بن قيس وحديث يعلى بن أمية "باب

(6/125)


استعارة الفرس في الغزو"، وهو خطأ لأنه يستلزم أن يخلو باب الأجير من حديث مرفوع، ولا مناسبة بينه وبين حديث يعلى بن أمية، وكأنه وجد هذه الترجمة في الطرة خالية عن حديث فظن أن هذا موضعها. وإن كان كذلك فحكمها حكم الترجمة الماضية قريبا وهي "باب الخروج في الفزع وحده" وكأنه أراد أن يورد فيه حديث أنس في قصة فرس أبي طلحة أيضا فلم يتفق ذلك، ويقوى هذا أن ابن شبويه جعل هذه الترجمة مستقلة قبل "باب الأجير" بغير حديث، وأوردها الإسماعيلي عقب باب الأجير وقال: لم يذكر فيها حديثا. ثانيهما: وقع في رواية أبي ذر تقديم "باب الجعائل" وما بعده إلى هنا وأخر ذلك الباقون وقدموا عليه "باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم". والخطب فيه قريب.

(6/126)


121 - باب مَا قِيلَ فِي لِوَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
2974- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيُّ "أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ".
2975- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا فِي صَبَاحِهَا. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أَوْ قَالَ لَيَأْخُذَنَّ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ فَقَالُوا هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
[الحديث 2975 – طرفاه في: 3702، 4209]
2976- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلْزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "هَا هُنَا أَمَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ".
قوله: "باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم" اللواء بكسر اللام والمد هي الراية، ويسمى أيضا العلم، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه. وقال أبو بكر بن العربي: اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح. وقيل اللواء دون الراية، وقيل اللواء العلم الضخم. والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب. وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم بالألوية وأورد حديث جابر "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض" ثم ترجم للرايات وأورد حديث البراء "أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء مربعة من نمرة" وحديث ابن عباس "كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض" أخرجه الترمذي وابن ماجه. وأخرج الحديث أبو داود والنسائي أيضا، ومثله لابن عدي من

(6/126)


حديث أبي هريرة، ولأبي يعلى من حديث بريدة، وروى أبو داود من طريق سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم "رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء" ويجمع بينها باختلاف الأوقات، وروى أبو يعلى عن أنس رفعه: "أن الله أكرم أمتي بالألوية" ، إسناده ضعيف، وروى الشيخ من حديث ابن عباس "كان مكتوبا على رايته: لا إله إلا الله محمد رسول الله" وسنده واه. وقيل: كانت له راية تسمى العقاب سوداء مربعة، وراية تسمى الراية البيضاء، وربما جعل فيها شيء أسود. قوله: "عن ثعلبة بن أبي مالك" تقدم ذكره في "باب حمل النساء القرب في الغزو". قوله: "أن قيس بن سعد" أي ابن عبادة الصحابي ابن الصحابي وهو سيد الخزرج ابن سيدهم، وسيأتي للمصنف من حديث أنس في الأحكام أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة. قوله: "وكان صاحب لواء النبي صلى الله عليه وسلم" أي الذي يختص بالخزرج من الأنصار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه يدفع إلى رأس كل قبيلة لواء يقاتلون تحته. وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث ابن عباس "أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت تكون مع علي، وراية الأنصار مع سعد ابن عبادة" الحديث. قوله: "أراد الحج فرجل" هو بتشديد الجيم وأخطأ من قالها بالمهملة، واقتصر البخاري على هذا القدر من الحديث لأنه موقوف وليس من غرضه في هذا الباب وإنما أراد منه أن قيس بن سعد كان صاحب اللواء النبوي ولا يتقرر في ذلك إلا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا القدر هو المرفوع من الحديث تاما وهو الذي يحتاج إليه هنا، وقد أخرج الإسماعيلي الحديث تاما من طريق الليث التي أخرجها المصنف منها فقال بعد قوله فرجل أحد شقي رأسه "فقام غلام له فقلد هديه، فنظر قيس هديه وقد قلد فأهل بالحج ولم يرجل شق رأسه الآخر" وأخرجه من طريق أخرى عن الزهري بتمامه نحوه، وفي ذلك مصير من قيس بن سعد إلى أن الذي يريد الإحرام إذا قلد هديه يدخل في حكم المحرم. وقرأت في كلام بعض المتأخرين أن بعض الشارحين تحير في شرح القدر الذي وقع في البخاري، وتكلف له وجوها عجيبة، فلينظر المراد بالشارح المذكور فإني لم أقف عليه. ثم رأيت ما نقله المتأخر المذكور في كلام صاحب "المطالع" وأبهم الشارح الذي تحير وقال: أنه حمل الكلام ما لا يحتمله. وذكر الدمياطي في الحاشية أن البخاري ذكر بقية الحديث في آخر الكتاب وليس في الكتاب شيء من ذلك. حديث سلمة بن الأكوع في قصه علي يوم خيبر، وسيأتي شرحه في كتاب المغازي، والغرض منه قوله: "لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله" فإنه مشعر بأن الراية لم تكن خاصة بشخص معين بل كان يعطيها في كل غزوة لمن يريد، وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ: "إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله" الحديث، وهذا مشعر بأن الراية واللواء سواء. حديث نافع بن جبير "سمعت العباس - أي ابن عبد المطلب - يقول للزبير أي ابن العوام: هاهنا أمرك النبي صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية" وهو طرف من حديث أورده المصنف في غزوة الفتح، وسيأتي شرحه مستوفى هناك، وأبين هناك إن شاء الله تعالى ما في سياقه من صورة الإرسال والجواب عن ذلك، وأبين تعيين المكان المشار إليه وأنه الحجون، وهو بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة، قال الطبري: في حديث على أن الإمام يؤمر على الجيش من يوثق بقوته وبصيرته ومعرفته، وسيأتي بقية شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى. وقال المهلب: وفي حديث الزبير أن الراية لا تركز إلا بإذن الإمام، لأنها علامة على مكانه فلا يتصرف فيها إلا بأمره. وفي هذه الأحاديث استحباب اتخاذ الألوية في الحروب. وأن اللواء يكون مع الأمير

(6/127)


أو من يقيمه لذلك عند الحرب، وقد تقدم حديث أنس "أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب" الحديث، ويأتي تمام شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى أيضا.

(6/128)


122 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ". وَقَوْلِهِ عَزَّ وجلَّ [151 آل عمران]: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} قَالَهُ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
2977- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا".
[الحديث 2977 – أطرافه في: 6998، 7013، 7273]
2978- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ فَارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ".
قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "نصرت بالرعب مسيرة شهر" وقول الله عز وجل: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} قاله جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير إلى حديثه الذي أوله "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي" فإن فيه: "ونصرت بالرعب مسيرة شهر" وقد تقدم شرحه في التيمم، ووقع في الطبراني من حديث أبي أمامة "شهرا أو شهرين" وله من حديث السائب بن يزيد "شهرا أمامي وشهرا خلفي" وظهر لي أن الحكمة في الاقتصار على الشهر أنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار التي حوله أكثر من ذلك، كالشام والعراق واليمن ومصر، ليس بين المدينة النبوية للواحدة منها إلا شهر فما دونه، ودل حديث السائب على أن التردد في الشهر والشهرين إما أن يكون الراوي سمعه كما في حديث السائب، وإما أنه لا أثر لتردده، وحديث السائب لا ينافي حديث جابر، وليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو. حديث أبي هريرة الذي أوله "بعثت بجوامع الكلم" وفيه: "ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض" وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى. وجوامع الكلم القرآن فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك. ومفاتيح خزائن الأرض المراد منها ما يفتح لأمته من بعده من الفتوح، وقيل المعادن، وقول أبي هريرة "وأنتم تنتثلونها" بوزن تفتعلونها - من النثل بالنون والمثلثة - أي تستخرجونها، تقول نثلت البئر إذا استخرجت ترابها. حديث أبي سفيان في قصة هرقل ذكر طرفا منها، وقد تقدم بهذا الإسناد بطوله في بدء الوحي، والغرض منه هنا قوله: "أنه يخافه ملك بني الأصفر" لأنه كان بين المدينة وبين المكان الذي كان قيصر ينزل فيه مدة شهر أو نحوه.

(6/128)


123 - باب حَمْلِ الزَّادِ فِي الْغَزْوِ
وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل [197 البقرة]: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}
2979- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي وَحَدَّثَتْنِي أَيْضًا فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "صَنَعْتُ سُفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَتْ فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا نَرْبِطُهُمَا بِهِ فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ وَاللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إِلاَّ نِطَاقِي قَالَ فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِيهِ بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ وَبِالْآخَرِ السُّفْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ".
[الحديث 2979 – طرفاه في: 3907، 5388]
2980- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ".
2981- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ فَصَلَّوْا الْعَصْرَ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ بِسَوِيقٍ فَلُكْنَا فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا وَصَلَّيْنَا".
2982- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَفَّتْ أَزْوَادُ النَّاسِ وَأَمْلَقُوا فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَادِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ".
قوله: "باب حمل الزاد في الغزو وقول الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}" أشار بهذه الترجمة إلى أن حمل الزاد في السفر ليس منافيا للتوكل، وقد تقدم في الحج في تفسير الآية من حديث ابن عباس ما يؤيد ذلك. ثم ذكر فيه أربعة أحاديث: أحدها: حديث أسماء بنت أبي بكر في تسميتها ذات النطاقين، والغرض منه قولها "فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به" فإنه ظاهر في حمل آلة الزاد في السفر، وسيأتي الكلام على شرحه في أبواب الهجرة. والنطاق بكسر النون ما تشد به المرأة وسطها ليرتفع به ثوبها من الأرض عند المهنة. ثانيها: حديث جابر "كنا نتزود لحوم الأضاحي " الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى. ثالثها: حديث

(6/129)


سويدم بن النعمان وفيه: "فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالأطعمة" وفي رواية مالك "بالأزواد" وقد تقدم في الطهارة مع الكلام عليه، وقوله في هذه الرواية: "فلكنا" بضم اللام أي أدرنا اللقمة في الفم، وقوله: "وشربنا" قال الداودي: لا أراه محفوظا إلا إن كان أراد المضمضمة، كذا قال، ويحتمل أن يكون بعضهم استف السويق وبعضهم جعله في الماء وشربه فلا إشكال. حديث سلمة وهو ابن الأكوع "خفت أزواد الناس وأملقوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحو إبلهم" الحديث. وهو ظاهر فيما ترجم به، وقوله: "أملقوا" أي فنى زادهم، ومعنى أملق افتقر، وقد يأتي متعديا بمعنى أفنى. قوله: "فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم" أي بسبب نحر إبلهم، أو فيه حذف تقديره فاستأذنوه في نحر إبلهم. قوله: "ناد في الناس يأتون" أي فهم يأتون، ولذلك رفعه، وزاد في الشركة "فبسط لذلك نطع" وقد تقدم أن فيه أربع لغات فتح النون وكسرها وفتح الطاء وسكونها. قوله: "وبرك" بالتشديد أي دعا بالبركة وقوله: "عليهم" في رواية الكشميهني: "عليه" أي على الطعام، ومثله في الشركة. قوله: " فاحتثى الناس" بمهملة ساكنة ثم مثناة ثم مثلثة أي أخذوا حثية حثية، وقوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد" إلى آخر الشهادتين" أشار إلى أن ظهور المعجزة مما يؤيد الرسالة. وفي الحديث حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجابته إلى ما يلتمس منه أصحابه، وإجراؤهم على العادة البشرية في الاحتياج إلى الزاد في السفر، ومنقبة ظاهرة لعمر دالة على قوة يقينه بإجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى حسن نظره للمسلمين. على أنه ليس في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لهم على نحر إبلهم ما يتحتم أنهم يبقون بلا ظهر، لاحتمال أن يبعث الله لهم ما يحملهم من غنيمة ونحوها، لكن أجاب عمر إلى ما أشار به لتعجيل المعجزة بالبركة التي حصلت في الطعام. وقد وقع لعمر شبيه بهذه القصة في الماء، وذلك فيما أخرجه ابن خزيمة وغيره، وستأتي الإشارة إليه في علامات النبوة، وقول عمر "ما بقاؤكم بعد إبلكم" أي لأن توالي المشي ربما أفضى إلى الهلاك، وكأن عمر أخذ ذلك من النهي عن الحمر الأهلية يوم خيبر استبقاء لظهورها، قال ابن بطال: استنبط منه بعض الفقهاء أنه يجوز للإمام في الغلاء إلزام من عنده ما يفضل عن قوته أن يخرجه للبيع لما في ذلك من صلاح الناس، وفي حديث سلمة جواز المشورة على الإمام بالمصلحة وإن لم يتقدم منه الاستشارة.

(6/130)


124 - باب حَمْلِ الزَّادِ عَلَى الرِّقَابِ
2983- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا فَفَنِيَ زَادُنَا حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً قَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْنَ كَانَتْ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنْ الرَّجُلِ قَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا".
قوله: "باب حمل الزاد على الرقاب" أي عند تعذر حمله على الدواب. ذكر فيه حديث جابر في قصة العنبر مقتصرا على بعضه، والغرض منه قوله: "ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا" وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر المغازي.

(6/130)


125 - باب إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ أَخِيهَا
2984- حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا عثمان بن الأسود حدثنا بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها "أنها قالت: يا رسول الله يرجع أصحابك بأجر حج وعمرة ولم أزد على الحج فقال لها اذهبي وليردفك عبد الرحمن فأمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم فانتظرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة حتى جاءت".
2985- حدثني عبد الله حدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أردف عائشة وأعمرها من التنعيم".
قوله: "باب إرداف المرأة خلف أخيها" ذكر فيه حديث عائشة في ارتدافها في العمرة خلف أخيها عبد الرحمن وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر في ذلك، وقد تقدم الكلام عليهما مستوفى في كتاب الحج، ويشبه أن يكون وجه دخوله هنا حديث عائشة المتقدم "جهادكن الحج".

(6/131)


126 - باب الِارْتِدَافِ فِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ
2986- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال: "كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بها جميعا الحج والعمرة".
قوله: "باب الارتداف في الغزو والحج" ذكر فيه حديث أنس "كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما" وقد تقدم شرحه في الحج.

(6/131)


127 - باب الرِّدْفِ عَلَى الْحِمَارِ
2987- حدثنا قتيبة حدثنا أبو صفوان عن يونس بن يزيد عن بن شهاب عن عروة عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف عليه قطيفة وأردف أسامة وراءه".
[الحديث 2987 – أطرافه في: 4566، 5663، 5964، 6207]
2988- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ

(6/131)


128 - باب مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ
2989- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلاَمَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ
قوله: "باب من أخذ بالركاب ونحوه" أي من الإعانة على الركوب وغيره. قوله: "حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق" كذا هو غير منسوب، وقد تقدم في "باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر" عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق لكن سياقه مغاير لسياقه هنا، وتقدم في الصلح عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق مقتصرا على بعضه، وهو أشبه بسياقه هنا فليفسر به هذا المهمل هنا. قوله: "كل سلامى" بضم المهملة وتخفيف اللام أي أنملة، وقيل كل عظم مجوف صغير، وقيل هو في الأصل عظم يكون في فرسن البعير واحده وجمعه سواء، وقيل جمعه سلاميات: وقوله: "كل يوم عليه صدقة" بنصب كل على الظرفية وقوله: "عليه" مشكل، قال ابن مالك: المعهود في "كل" إذا أضيفت إلى نكرة من خبر وتمييز وغيرهما أن تجيء على وفق المضاف كقولة تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وهنا جاء على وفق "كل" في قوله: "كل سلامى عليه صدقة" وكان القياس أن يقول عليها صدقة، لأن السلامى مؤنثة، لكن دل مجيئها في هدا الحديث على الجواز، ويحتمل أن يكون ضمن السلامى معنى العظم أو المفصل فأعاد الضمير عليه كذلك، والمعنى على كل مسلم مكلف بعدد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى على سبيل الشكر له بأن جعل عظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط. وخصت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنائع التي اختص بها الآدمي. قوله: "يعدل" فاعله الشخص المسلم المكلف وهو مبتدأ على تقدير العدل نحو "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" وقد قال سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ}. قوله : "ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها" هو موضع الترجمة، فإن قوله: "فيحمل عليها" أعم من أن يريد يحمل عليها المتاع أو الراكب.

(6/132)


وقوله: "أو يرفع عليها متاعه" إما شك من الراوي أو تنويع، وحمل الراكب أعم من أن يحمله كما هو أو بعينه في الركوب فتصح الترجمة. قال ابن المنير: لا تؤخذ الترجمة من مجرد صيغة الفعل فإنه مطلق، بل من جهة عموم المعنى، وقد روى مسلم من حديث العباس في غزوة حنين قال: "وأنا آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث. قوله: "ويميط الأذى عن الطريق" تقدم في "باب إماطة الأذى عن الطريق" من هذا الوجه معلقا، وحكى ابن بطال عن بعض من تقدمه أن هذا من قول أبي هريرة موقوف، وتعقبه بأن الفضائل لا تدرك بالقياس، وإنما تؤخذ توقيفا من النبي صلى الله عليه وسلم.

(6/133)


129 - باب السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ
2990- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ".
قوله: "باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو" سقط لفظ: "كراهية" إلا للمستملي فأثبتها، وبثبوتها يندفع الإشكال الآتي. قوله: "وكذلك يروى عن محمد بن بشر عن عبيد الله" هو ابن عمر(1) "عن نافع عن ابن عمر" وتابعه ابن إسحاق عن نافع. أما رواية محمد بن بشر فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ولفظه: "كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو". وقال الدار قطني. والبرقاني: لم يروه بلفظ الكراهة إلا محمد بن بشر. وأما متابعة ابن إسحاق فهي بالمعنى لأن أحمد أخرجه من طريقه بلفظ: "نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو" والنهي يقتضي الكراهة لأنه لا ينفك عن كراهة التنزيه أو التحريم. قوله: "وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن" أشار البخاري بذلك إلى أن المراد بالنهي عن السفر بالقرآن السفر بالمصحف خشية أن يناله العدو لا السفر بالقرآن نفسه، وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه لم يقل أحد إن من يحسن القرآن لا يغزو العدو في دارهم، وهو اعتراض من لم يفهم مراد البخاري. وادعى المهلب أن مراد البخاري بذلك تقوية القول بالتفرقة بين العسكر الكثير والطائفة القليلة، فيجوز في تلك دون هذه، والله أعلم. حديث مالك في ذلك وهو بلفظ: "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو" وأورده ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك وزاد: "مخافة أن يناله العدو" رواه ابن وهب عن مالك فقال: "خشية أن يناله العدو" وأخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك فقال: قال مالك أراه "مخافة" فذكره،
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: هو ابن عمر بواسطة، لا أنه ابن عمر نفسه، كما في القسطلاني.

(6/133)


قال أبو عمر: كذا قال يحيى بن يحيى الأندلسي ويحيى بن بكير، وأكثر الرواة عن مالك جعلوا التعليل من كلامه ولم يرفعوه؛ وأشار إلى أن ابن وهب تفرد برفعها، وليس كذلك لما قدمته من رواية ابن ماجه، وهذه الزيادة رفعها ابن إسحاق أيضا كما تقدم، وكذلك أخرجها مسلم والنسائي وابن ماجه من طريق الليث عن نافع، ومسلم من طريق أيوب بلفظ: "فإني لا آمن أن يناله العدو" فصح أنه مرفوع وليس بمدرج، ولعل مالكا كان يجزم به، ثم صار يشك في رفعه فجعله من تفسير نفسه. قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في الكبير المأمون عليه: فمنع مالك أيضا مطلقا، وفصل أبو حنيفة، وأدار الشافعية الكراهة مع الخوف وجودا وعدما. وقال بعضهم كالمالكية، واستدل به على منع بيع المصحف من الكافر لوجود المعنى المذكور فيه وهو التمكن من الاستهانة به، ولا خلاف في تحريم ذلك وإنما وقع الاختلاف هل يصح لو وقع ويؤمر بإزالة ملكه عنه أم لا؟ واستدل به على منع تعلم الكافر القرآن: فمنع مالك مطلقا، وأجاز الحنفية مطلقا، وعن الشافعي قولان، وفصل بعض المالكية بين القليل لأجل مصلحة قيام الحجة عليهم فأجازه، وبين الكثير فمنعه. ويؤيده قصة هرقل حيث كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات، وقد سبق في "باب هل يرشد بشيء من هذا" وقد نقل النووي الاتفاق على جواز الكتابة إليهم بمثل ذلك. "تنبيه": ادعى ابن بطال أن ترتيب هذا الباب وقع فيه غلط من الناسخ، وأن الصواب أن يقدم حديث مالك قبل قوله: "وكذلك يروى عن محمد بن بشر إلخ" قال: وإنما احتاج إلى المتابعة لأن بعض الناس زاد في الحديث: "مخافة أن يناله العدو" ولم تصح هذه الزيادة عند مالك ولا عند البخاري انتهى. وما ادعاه من الغلط مردود، فإنه استند إلى أنه لم يتقدم شيء يشار إليه بقوله كذلك، وليس كما قال لأنه أشار بقوله: "كذلك" إلى لفظ الترجمة كما بينه من رواية المستملي، وأما ما ادعاه من سبب المتابعة فليس كما قال، فإن لفظ الكراهية تفرد به محمد بن بشر، ومتابعة ابن إسحاق له إنما هي في أصل الحديث لكنه أفاد أن المراد بالقرآن المصحف لا حامل القرآن.

(6/134)


130 - باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ
2991- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "صَبَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا هَذَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَلَجَئُوا إِلَى الْحِصْنِ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ وَأَصَبْنَا حُمُرًا فَطَبَخْنَاهَا فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ".
قوله: "باب التكبير عند الحرب" أي جوازه أو مشروعيته. وذكر فيه حديث أنس في قصة خيبر وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر خربت خيبر " وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب المغازي، والذي نادى بالنهي عن لحوم الحمر الأهلية هو أبو طلحة كما وقع عند مسلم، وقوله: "تابعه علي عن سفيان " يعني علي بن المديني شيخه، وسيأتي في علامات النبوة.

(6/134)


131 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّكْبِيرِ
2992- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ".
[الحديث 2992 – أطرافه في: 4205، 6384، 6409، 6610، 7386]
قوله: "باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير" أورد فيه حديث أبي موسى "كنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا" الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى. قوله: "اربعوا" بفتح الموحدة أي ارفقوا، قال الطبري: فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين. انتهى. وتصرف البخاري يقتضي أن ذلك خاص بالتكبير عند القتال، وأما رفع الصوت في غيره فقد تقدم في كتاب الصلاة حديث ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على العهد النبوي إذا انصرفوا من المكتوبة، وتقدم البحث فيه هناك.

(6/135)


132 - باب التَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا
2993- حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا".
[الحديث 2993 – طرفه في: 2994]
قوله: "باب التسبيح إذا هبط واديا" وأورد فيه حديث جابر "كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا".

(6/135)


133 - باب التَّكْبِيرِ إِذَا عَلاَ شَرَفًا
2994- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا تَصَوَّبْنَا سَبَّحْنَا".
2995- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَفَلَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ الْغَزْوِ يَقُولُ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ قَالَ صَالِحٌ فَقُلْتُ لَهُ أَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ لاَ".

(6/135)


134 - باب يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الإِقَامَةِ
2996- حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا".
قوله: "باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة" أي إذا كان سفره في غير معصية. قوله: "أخبرنا العوام" هو ابن حوشب بمهملة ثم معجمة وزن جعفر. قوله: "سمعت أبا بردة" هو ابن أبي موسى الأشعري. قوله: "واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر" أي مع يزيد، ويزيد بن أبي كبشة هذا شامي، واسم أبيه حيويل بفتح المهملة وسكون التحتانية وكسر الواو بعدها تحتانية أخرى ساكنة ثم لام، وهو ثقة ولي خراج السند لسليمان بن عبد الملك ومات في خلافته، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع. قوله: "فكان يزيد يصوم في السفر"، في رواية هشيم عن العوام بن حوشب "وكان يزيد بن أبي كبشة يصوم الدهر" أخرجه الإسماعيلي. قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية هشيم عن العوام عند أبي داود "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول غير مرة ولا مرتين". قوله: "إذا مرض العبد أو سافر" في رواية هشيم "إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عن ذلك مرض" . قوله: "كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا" هو من اللف والنشر المقلوب، فالإقامة في مقابل السفر والصحة في مقابل المرض، وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها كما ورد ذلك صريحا عند أبي داود من طريق

(6/136)


العوام بن حوشب بهذا الإسناد في رواية هشيم، وعنده في آخره : "كأصلح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم" ووقع أيضا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: "إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إلى" أخرجه عبد الرزاق وأحمد وصححه الحاكم، ولأحمد من حديث أنس رفعه: "إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله، فإن شفاه غسله وطهره، وإن قبضه غفر له ورحمه" ولرواية إبراهيم السكسكي عن أبي بردة متابع أخرجه الطبراني من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده بلفظ: "إن الله يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه" الحديث، وفي حديث عائشة عند النسائي: " ما من امرئ تكون له صلاة من الليل يغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة" قال ابن بطال: وهذا كله في النوافل، وأما صلاة الفرائض فلا تسقط بالسفر والمرض والله أعلم. وتعقبه ابن المنير بأنه تحجر واسعا، ولا مانع من دخول الفرائض في ذلك، بمعنى أنه إذا عجز عن الإتيان بها على الهيئة الكاملة أن يكتب له أجر ما عجز عنه، كصلاة المريض جالسا يكتب له أجر القائم انتهى. وليس اعتراضه بجيد لأنهما لم يتواردا على محل واحد، واستدل به على أن المريض والمسافر إذا تكلف العمل كان أفضل من عمله وهو صحيح مقيم. وفي هذه الأحاديث تعقب على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والإثم خاصة من غير أن تكون محصلة للفضيلة، وبذلك جزم النووي في "شرح المهذب" وبالأول جزم الروياني في "التلخيص"، ويشهد لما قال حديث أبي هريرة رفعه: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر، لا ينقص ذلك من أجره شيئا" أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وإسناده قوي. وقال السبكي الكبير في "الحلبيات": من كانت عادته أن يصلي جماعة فتعذر فانفرد كتب له ثواب الجماعة؛ ومن لم تكن له عادة لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد يكتب له ثواب قصده لا ثواب الجماعة، لأنه وإن كان قصده الجماعة لكنه قصد مجرد، ولو كان يتنزل منزلة من صلى جماعة كان دون من جمع والأولى سبقها فعل، ويدل للأول حديث الباب، وللثاني أن أجر الفعل يضاعف وأجر القصد لا يضاعف بدليل "من هم بحسنة كتبت له حسنة واحدة" كما سيأتي في كتاب الرقاق، قال ويمكن أن يقال: إن الذي صلى منفردا ولو كتب له أجر صلاة الجماعة لكونه اعتادها فيكتب له ثواب صلاة منفرد بالأصالة وثواب مجمع بالفضل. انتهى ملخصا.

(6/137)


135 - باب السَّيْرِ وَحْدَهُ
2997- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ" قَالَ سُفْيَانُ: الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ
2998- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ

(6/137)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ".
قوله: "باب السير وحده" ذكر فيه حديثين: أحدهما: حديث جابر في انتداب الزبير وحده، وقد تقدم في "باب هل يبعث الطليعة وحده" وتعقبه الإسماعيلي فقال: لا أعلم هذا الحديث كيف يدخل في هذا الباب، وقرره ابن المنير بأنه لا يلزم من كون الزبير انتدب أن لا يكون سار معه غير متابعا له. قلت: لكن قد ورد من وجه آخر ما يدل على أن الزبير توجه وحده، وسيأتي في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن الزبير ما يدل على ذلك، وفيه: "قلت يا أبت رأيتك تختلف، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأتيني بخبر بني قريظة فانطلقت" الحديث. قوله: "قال سفيان الحواري الناصر" هو موصول عن الحميدي عنه. ثانيهما: حديث ابن عمر. قوله: "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده" ساقه على لفظ أبي نعيم، وقوله: "ما أعلم" أي الذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك.
والوحدة بفتح الواو ويجوز كسرها ومنعه بعضهم. "تنبيهان": أحدهما قال المزي في "الأطراف": قال البخاري حدثنا أبو الوليد عن عاصم بن محمد به. وقال بعده "وأبو نعيم عن عاصم" ولم يقل حدثنا أبو نعيم، ولا في كتاب حماد بن شاكر حدثنا أبو نعيم انتهى. والذي وقع لنا في جميع الروايات عن الفربري عن البخاري "حدثنا أبو نعيم" وكذلك وقع في رواية النسفي عن البخاري فقال: "حدثنا أبو الوليد" فساق الإسناد ثم قال: "وحدثنا أبو الوليد وأبو نعيم قالا حدثنا عاصم" فذكره، وبذلك جزم أبو نعيم الأصبهاني في "المستخرج" فقال بعد أن أخرجه من طريق عمرو بن مرزوق عن عاصم بن محمد "أخرجه البخاري عن أبي نعيم وأبي الوليد" فلعل لفظ حدثنا في رواية أبي نعيم سقط من رواية حماد بن شاكر وحده. ثانيهما ذكر الترمذي أن عاصم بن محمد تفرد برواية هذا الحديث، وفيه نظر لأن عمر بن محمد أخاه قد رواه معه عن أبيه أخرجه النسائي. قال ابن المنير: السير لمصلحة الحرب أخص من السفر، والخبر ورد في السفر فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد كإرسال الجاسوس والطليعة، والكراهة لما عدا ذلك. ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة، وقد وقع في كتب المغازي بعث كل من حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير وبسبسة(1) في عدة مواطن وبعضها في الصحيح، وتقدم في الشروط شيء من ذلك؛ ويأتي في باب الجاسوس بعد قليل.
ـــــــ
(1) هو بسبسة بن عمرو الجهني. ورد في صحيح مسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم بعثه عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان

(6/138)


136 - باب السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ
وقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيتعَجَّلْ".
2999- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَحْيَى يَقُولُ وَأَنَا أَسْمَعُ فَسَقَطَ عَنِّي عَنْ مَسِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ فَكَانَ يَسِيرُ

(6/138)


الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ".
3000- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا".
3001- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ".
قوله: "باب السرعة في السير" أي في الرجوع إلى الوطن. قوله: "وقال أبو حميد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني متعجل إلخ " هو طرف من حديث سبق في الزكاة بطوله، وتقدم الكلام عليه هناك. ذكر فيه ثلاثة أحاديث. أحدها: حديث أسامة بن زيد في سير العنق، وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج، وقوله: "قال سئل أسامة بن زيد كان يحيى يقول وأنا أسمع فسقط عني" القائل ذلك هو محمد بن المثنى شيخ البخاري، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار والدورقي وغيرهما عن يحيى بن سعيد وقال فيه: "سئل أسامة وأنا شاهده". ثانيها: حديث ابن عمر في جمعه بين الصلاتين لما بلغه وجع صفية بنت أبي عبيد وهي زوجته، وقد تقدم في أواخر أبواب العمرة بهذا الإسناد مع الكلام عليه. ثالثها: حديث أبي هريرة "السفر قطعة من العذاب" وقد تقدم شرحه في أواخر أبواب العمرة، وقوله: "نهمته" بفتح النون على المشهور أي رغبته، قال المهلب: تعجله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليريح نفسه ويفرح أهله، وتعجله إلى المزدلفة ليعجل الوقوف بالمشعر الحرام، وتعجل ابن عمر إلى زوجته ليدرك من حياتها ما يمكنه أن تعهد إليه بما لا تعهد إلى غيره.

(6/139)


137 - باب إِذَا حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فَرَآهَا تُبَاعُ
3002- حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يبتاعه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تبتعه ولا تعد في صدقتك".
3003- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَابْتَاعَهُ أَوْ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لاَ تَشْتَرِهِ وَإِنْ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ

(6/139)


يَعُودُ فِي قَيْئِهِ".
قوله: "باب إذا حمل على فرس فرآها تباع" ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك، وحديث عمر نفسه، وقد تقدما قريبا وبيان مكان شرحهما. وقوله: "ابتاعه أو أضاعه" شك من الراوي، ولا معنى لقوله: "ابتاعه" لأنه لم يشتره وإنما عرضه للبيع، فيحتمل أن يكون في الأصل باعه فهو بمعنى عرضه للبيع. والله أعلم.

(6/140)


138 - باب الْجِهَادِ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ
3004- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
[الحديث 3004 – طرفه في: 5972]
قوله: "باب الجهاد بإذن الأبوين" كذا أطلق، وهو قول الثوري، وقيده بالإسلام الجمهور، ولم يقع في حديث الباب أنهما منعاه، لكن لعله أشار إلى حديث أبي سعيد الآتي. قوله: "سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم في حديثه" تقدم القول في ذلك في "باب صوم داود" من كتاب الصيام، وقد خالف الأعمش شعبة فرواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب ابن أبي ثابت عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو، فلعل لحبيب فيه إسنادين، ويؤيده أن بكر بن بكار رواه عن شعبة عن حبيب عن عبد الله بن باباه كذلك. قوله: "جاء رجل" يحتمل أن يكون هو جاهمة بن العباس بن مرداس، فقد روى النسائي وأحمد من طريق معاوية بن جاهمة "أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئت لأستشيرك، فقال هل لك من أم؟ قال نعم. قال: الزمها" الحديث، ورواه البيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة بن ركانة عن معاوية بن جاهمة السلمي عن أبيه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنه في الجهاد" فذكره. وقد اختلف في إسناده على محمد بن طلحة اختلافا كثيرا بينته في ترجمة جاهمة من كتابي في الصحابة. قوله: "فيهما فجاهد" أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما، ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى، لأن صيغة الأمر في قوله: "فجاهد" ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما، وليس ذلك مرادا قطعا، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو تعب البدن والمآل، ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا، وفيه أن بر الوالد قد يكون أفضل من الجهاد، وأن المستشار يشير بالنصيحة المحضة، وأن المكلف يستفضل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه فدل على ما هو أفضل منه في حقه، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك. ولمسلم وسعيد بن منصور من طريق ناعم مولى أم سلمة عن عبد الله بن عمرو في نحو هذه القصة قال: "ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو "ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما" وأصرح من ذلك حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ: "ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما" وصححه ابن حبان. قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين،

(6/140)


لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن. ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال، قال: الصلاة. قال ثم مه؟ قال الجهاد. قال: فإن لي والدين، فقال آمرك بوالديك خيرا. فقال والذي بعثك بالحق نبيا لأجاهدن ولأتركنهما، قال: فأنت أعلم" وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين، وهل يلحق الجد والجدة بالأبوين في ذلك؟ الأصح عند الشافعية نعم والأصح أيضا أن لا يفرق بين الحر والرقيق في ذلك لشمول طلب البر، فلو كان الولد رقيقا فأذن له سيده لم يعتبر إذن أبويه، ولهما الرجوع في الإذن إلا إن حضر الصف، وكذا لو شرطا أن لا يقاتل فحضر الصف فلا أثر للشرط، واستدل به على تحريم السفر بغير إذن لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث تعيين السفر طريقا إليه فلا منع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف. وفي الحديث فضل بر الوالدين وتعظيم حقهما وكثرة الثواب على برهما، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى.

(6/141)


139 - باب مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الإِبِلِ
3005- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا "أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ".
قوله: "باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل" أي من الكراهة، وقيده بالإبل لورود الخير فيها بخصوصها. قوله: "عن عبد الله بن أبي بكر" أي ابن محمد بن عمرو بن حزم، وعباد بن تميم هو المازني، وهو وشيخه والراوي عنه أنصاريون مدنيون، وعبد الله وعباد تابعيان. قوله: "أن أبا بشير الأنصاري أخبره" ليس لأبي بشير وهو بفتح الموحدة ثم معجمة في البخاري غير هذا الحديث الواحد، وقد ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه، وقيل اسمه قيس بن عبد الحرير بمهملات مصغر ابن عمرو، ذكر ذلك ابن سعد وساق نسبه إلى مازن الأنصاري، وفيه نظر لأنه وقع في رواية عثمان بن عمر عن مالك عند الدار قطني نسبة أبي بشير ساعديا، فإن كان قيس يكنى أبا بشير أيضا فهو غير صاحب هذا الحديث، وأبو بشير المازني هذا عاش إلى بعد الستين وشهد الحرة وجرح بها ومات من ذلك. قوله: "في بعض أسفاره" لم أقف على تعيينها. قوله: "قال عبد الله حسبت أنه قال" عبد الله هو ابن أبي بكر الراوي، وكأنه شك في هذه الجملة، ولم أرها من طريقه إلا هكذا. قوله: "فأرسل" قال ابن عبد البر: في رواية روح بن عبادة عن مالك "أرسل مولاه زيدا" قال ابن عبد البر: وهو زيد بن حارثة فيما يظهر لي. قوله: "في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة" كذا هنا بلفظ: "أو" وهي للشك أو للتنويع، ووقع في رواية أبي داود عن القعنبي بلفظ: "ولا قلادة" وهو من عطف العام على الخاص، وبهذا جزم المهلب، ويؤيد الأول ما روى عن مالك أنه سئل عن القلادة فقال: ما سمعت بكراهتها إلا في الوتر، وقوله وتر بالمثناة في جميع الروايات، قال ابن الجوزي: ربما صحف من لا علم له بالحديث فقال وبر بالموحدة. قلت: حكى ابن التين أن

(6/141)


الداودي جزم بذلك وقال: هو ما ينتزع عن الجمال يشبه الصوف، قال ابن التين: فصحف. قال ابن الجوزي: وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال: أحدها أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي لئلا تصيبها العين بزعمهم، فأمروا بقطعها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من أمر الله شيئا، وهذا قول مالك. قلت: وقع ذلك متصلا بالحديث من كلامه في الموطأ وعند مسلم وأبي داود وغيرهما، قال مالك: أرى أن ذلك من أجل العين، ويؤيده حديث عقبة بن عامر رفعه: "من علق تميمة فلا أتم الله له" أخرجه أبو داود أيضا، والتميمة ما علق من القلائد خشية العين ونحو ذلك، قال ابن عبد البر: إذا اعتقد الذي قلدها أنها ترد العين فقد ظن أنها ترد القدر وذلك لا يجوز اعتقاده. ثانيها: النهي عن ذلك لئلا تختنق الدابة بها عند شدة الركض، ويحكى ذلك عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وكلام أبي عبيد يرجحه فإنه قال: نهى عن ذلك لأن الدواب تتأذى بذلك ويضيق عليها نفسها ورعيها، وربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير. ثالثها: أنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس حكاه الخطابي وعليه يدل تبويب البخاري، وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أم حبيبة أم المؤمنين مرفوعا: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس" وأخرجه النسائي من حديث أم سلمة أيضا، والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فقد أخرجه الدار قطني من طريق عثمان بن عمر المذكور بلفظ: "لا تبقين قلادة من وتر ولا جرس في عنق بعير إلا قطع". قلت: ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك، إلا على القول الثالث فلم تجر العادة بتعليق الأجراس في رقاب الخيل، وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي وهب الحساني رفعه: "اربطوا الخيل وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار" فدل على أن لا اختصاص للإبل، فلعل التقييد بها في الترجمة للغالب. وقد حمل النضر بن شميل الأوتار في هذا الحديث على معنى الثأر فقال: معناه لا تطلبوا بها ذحول الجاهلية، قال القرطبي: وهو تأويل بعيد. وقال الثوري: ضعيف. وإلى نحو قول النضر جنح وكيع فقال: المعنى لا تركبوا الخيل في الفتن، فإن من ركبها لم يسلم أن يتعلق به وتر يطلب به. والدليل على أن المراد بالأوتار جمع الوتر بالتحريك لا الوتر بالإسكان ما رواه أبو داود أيضا من حديث رويفع بن ثابت رفعه: "من عقد لحيته أو تقلد وترا فإن محمدا بريء منه" فإنه عند الرواة أجمع بفتح المثناة، والجرس بفتح الجيم والراء ثم مهملة معروف، وحكى عياض إسكان الراء، والتحقيق أن الذي بالفتح اسم الآلة وبالإسكان اسم الصوت. وروى مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه: "الجرس مزمار الشيطان" وهو دال على أن الكراهية فيه لصوته لأن فيها شبها بصوت الناقوس وشكله، قال النووي وغيره: الجمهور على أن النهي للكراهة وأنها كراهة تنزيه، وقيل للتحريم، وقيل يمنع منه قبل الحاجة، ويجوز إذا وقعت الحاجة. وعن مالك تختص الكراهة من القلائد بالوتر، ويجوز بغيرها إذا لم يقصد دفع العين. هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، فأما ما فيه ذكر الله فلا نهي فيه فإنه إنما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسمائه وذكره، وكذلك لا نهي عما يعلق لأجل الزينة ما لم يبلغ الخيلاء أو السرف. واختلفوا في تعليق الجرس أيضا. ثالثها يجوز بقدر الحاجة، ومنهم من أجاز الصغير منها دون الكبير. وأغرب ابن حبان فزعم أن الملائكة لا تصحب الرفقة التي يكون فيها الجرس إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها.

(6/142)


140 - باب مَنْ اكْتُتِبَ فِي جَيْشٍ فَخَرَجَتْ امْرَأَتُهُ حَاجَّةً أَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ هَلْ يُؤْذَنُ لَهُ؟
3006- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

(6/142)


أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ".
قوله: "باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر هل يؤذن له" ؟ ذكر فيه حديث ابن عباس في ذلك. حديث ابن عباس، وفيه قوله: "اذهب فاحجج مع امرأتك" وقد سبق الكلام عليه في أواخر أبواب المحصر من الحج، ويستفاد منه أن الحج في حق مثله أفضل من الجهاد لأنه اجتمع له مع حج التطوع في حقه تحصيل حج الفرض لامرأته وكان اجتماع ذلك له أفضل من مجرد الجهاد الذي يحصل المقصود منه بغيره، وفيه مشروعية كتابة الجيش ونظر الإمام لرعيته بالمصلحة.

(6/143)


141 - باب الْجَاسُوسِ
وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل [1 الممتحنة]: {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}. التَّجَسُّسُ: التَّبَحُّثُ.
3007- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا حَاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ صَدَقَكُمْ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". قَالَ سُفْيَانُ: وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا.
[الحديث 3007 – أطرافه في: 3081، 3983، 4274، 4890، 6259، 6939]
قوله: "باب الجاسوس" بجيم ومهملتين أي حكمه إذا كان من جهة الكفار، ومشرعيته إذا كان من جهة المسلمين. قوله: "والتجسس: التبحث" هو تفسير أبي عبيدة. قوله: "وقول الله عز وجل :{لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الآية" مناسبة الآية إما لما سيأتي في التفسير أن القصة المذكورة في حديث الباب كانت سبب نزولها، وإما لأن ينتزع

(6/143)


منها حكم جاسوس الكفار، فإذا طلع عليه بعض المسلمين لا يكتم أمره بل يرفعه إلى الإمام ليرى فيه رأيه. وقد اختلف العلماء في جواز قتل جاسوس الكفار، وسيأتي البحث فيه بعد أحد وثلاثين بابا. حديث علي في قصة حاطب ابن أبي بلتعة، وسيأتي الكلام على شرحه في تفسير سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى، ونذكر فيه المرأة وتسمية من عرف ممن كاتبه حاطب من أهل مكة: وقوله فيه: "روضة خاخ" بمنقوطتين من فوق، والظعينة بالظاء المعجمة المرأة، وقوله في آخره: "قال سفيان وأي إسناد هذا" أي عجبا لجلالة رجاله وصريح اتصاله.

(6/144)


142 - باب الْكِسْوَةِ لِلْأُسَارَى
3008- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصًا فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ".
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ.
قوله: "باب الكسوة للأسارى" أي بما يواري عوراتهم، إذ لا يجوز النظر إليها. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار. قوله: "لما كان يوم بدر أتي بأسارى" من المشركين. قوله: "وأتي بالعباس" أي ابن عبد المطلب. قوله: "يقدر عليه" بضم الدال، وإنما كان ذلك لأن العباس كان بين الطول، وكذلك كان عبد الله ابن أبي. قوله: "فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه" أي لعبد الله بن أبي عند دفنه، وقد تقدم شرح ذلك في أواخر الجنائز وما يحتمل في ذلك من الإدراج، وقوله في آخر هذا الحديث: "قال ابن عيينة كانت له" أي لعبد الله بن أبي. وقوله: "يد" أي نعمة، وهو محصل ما سبق من قوله في الجنائز "كانوا يرون إلخ"

(6/144)


143 - باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ
3009- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبي حازم قال أخبرني سهل رضي الله عنه يعني بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فبات الناس ليلتهم أيهم يعطي فغدوا كلهم يرجونه فقال أين علي فقيل يشتكي عينيه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه فقال أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم".
قوله: "باب فضل من أسلم على يديه رجل" ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة على يوم خيبر، والمراد منه

(6/144)


144- باب الأُسَارَى فِي السَّلاَسِلِ
3010- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ".
[الحديث 3010 – طرفه في: 4557]
قوله: "باب الأسارى في السلاسل" ذكر فيه حديث أبي هريرة "عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل". وقد أخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد بلفظ: "يقادون إلى الجنة بالسلاسل" وقد تقدم توجيه العجب في حق الله في أوائل الجهاد وأن معناه الرضا ونحو ذلك، قال ابن المنير: إن كان المراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق فالترجمة مطابقة، وإن كان المراد المجاز عن الإكراه فليست مطابقة. قلت: المراد بكون السلاسل في أعناقهم مقيد بحالة الدنيا، فلا مانع من حمله على حقيقته، والتقدير يدخلون الجنة، وكانوا قبل أن يسلموا في السلاسل، وسيأتي في تفسير آل عمران من وجه آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: "خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام" ، قال ابن الجوزي: معناه أنهم أسروا وقيدوا، فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعا فدخلوا الجنة، فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول، وكأنه أطلق على الإكراه التسلسل، ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام السبب. وقال الطيبي: ويحتمل أن يكون المراد بالسلسلة الجذب الذي يجذبه الحق من خلص عباده من الضلالة إلى الهدى ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة إلى العروج للدرجات، لكن الحديث في تفسير آل عمران يدل على أنه على الحقيقة. ونحوه ما أخرجه من طريق أبي الطفيل رفعه: "رأيت ناسا من أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل كرها. قلت: يا رسول الله من هم؟ قال قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام مكرهين" وأما إبراهيم الحربي فمنع حمله على حقيقة التقييد وقال: المعنى يقادون إلى الإسلام مكرهين فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة، وليس المراد أن ثم سلسلة. وقال غيره: يحتمل أن يكون المراد المسلمين المأسورين عند أهل الكفر يموتون على ذلك أو يقتلون فيحشرون كذلك، وعبر عن الحشر بدخول الجنة لثبوت دخولهم عقبه. والله أعلم.

(6/145)


145 - باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
3011- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيٍّ أَبُو حَسَنٍ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ. وَمُؤْمِنُ

(6/145)


باب أهل الدار يبيتون ، فيصاب و الولدان و الذراري
...
146 - باب أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ الْوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ
{بَيَاتًا} [الأعراف 4 و97 ويونس 50]: لَيْلًا. {لَنُبَيِّتَنَّهُ} [49 النمل]: لَيْلًا.
{بَيَّت} [81 النساء]: لَيْلًا.
3012- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: "مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ هُمْ مِنْهُمْ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
3013- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا الصَّعْبُ فِي الذَّرَارِيِّ كَانَ عَمْرٌو يُحَدِّثُنَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ قَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ عَمْرٌو هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ".
قوله: "باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري" أي هل يجوز ذلك أم لا؟ ويبيتون مبني للمفعول وفهم من تقييده بإصابة من ذكر قصر الخلاف عليه، وجواز البيات إذا عرى عن ذلك. قال أحمد: لا بأس بالبيات ولا أعلم أحدا كرهه. قوله: "بياتا ليلا" كذا في جميع النسخ بالموحدة ثم التحتانية الخفيفة وبعد الألف مثناة، وهذه عادة المصنف إذا وقع في الخبر لفظة توافق ما وقع في القرآن أورد تفسير اللفظ الواقع في القرآن جمعا بين المصلحتين وتبركا بالأمرين. ووقع عند غير أبي ذر من الزيادة هنا "لنبيتنه ليلا، بيت ليلا" وهذا جميع ما وقع في القرآن من هذه المادة، وهذه الأخيرة "بيت" يريد قوله: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} وهي في السبعة. قال أبو عبيدة: كل شيء قدر بليل يبيت، قال الشاعر:

(6/146)


هبت لتعذلني بليل أسمع ... سفها تبيتك الملامة فاهجعي
وأغرب ابن المنير فصحف "بيانا" فجعلها نياما بنون وميم من النوم فصارت هكذا "فيصاب الوالدان والذراري نياما ليلا" ثم تعقبه فقال: العجب من زيادته في الترجمة نياما وما هو في الحديث إلا ضمنا، إلا أن الغالب أنهم إذا وقع بهم ليلا كان أكثرهم نياما، لكن ما الحاجة إلى التقييد بالنوم والحكم سواء نياما كانوا أو أيقاظا؟ إلا أن يقال: أن قتلهم نياما أدخل في الاغتيال من كونهم أيقاظا، فنبه على جواز مثل ذلك انتهى. وقد صحف ثم تكلف. ومعنى البيات المراد في الحديث أن يغار على الكفار بالليل بحيث لا يميز بين أفرادهم. قوله: "عن عبيد الله" هو ابن عبد الله بن عتبة، ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان عن الزهري "أخبرني عبيد الله". قوله: "فسئل" لم أقف على اسم السائل، ثم وجدت في صحيح ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب قال : "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال نعم" فظهر أن الراوي هو السائل. قوله: "عن أهل الدار" أي المنزل، هكذا في البخاري وغيره، ووقع في بعض النسخ من مسلم: "سئل عن الذراري " قال عياض: الأول هو الصواب. ووجه النووي الثاني وهو واضح. قوله: "هم منهم " أي في الحكم تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم. قوله: "وسمعته يقول" كذا للأكثر ولأبي ذر "فسمعته" بالفاء والأول أوضح، وقوله: "لا حمى إلا لله ولرسوله" تقدم الكلام عليه في الشرب، وقوله: "وعن الزهري " هو موصول بالإسناد الأول، وكان ابن عيينة يحدث بهذا الحديث مرتين مرة مجردا هكذا ومرة يذكر فيه سماعه إياه أولا من عمرو بن دينار عن الزهري. عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذكر سماعه إياه من الزهري. وننبه على نكتة في المتن، وهي أن في رواية عمرو بن دينار قال: "هم من آبائهم" وفي رواية الزهري قال: "هم منهم" وقد أوضح ذلك الإسماعيلي في روايته عن جعفر الفريابي عن علي بن المديني وهو شيخ البخاري فيه فذكر الحديث وقال: "قال علي: ردده سفيان في هذا المجلس مرتين". وقوله في سياق هذا الباب: "عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم" يوهم أن رواية عمرو بن دينار عن الزهري هكذا بطريق الإرسال وبذلك جزم بعض الشراح، وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق العباس بن يزيد حدثنا سفيان قال: "كان عمرو يحدثنا قبل أن يقدم المدينة الزهري عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب، قال سفيان فقدم علينا الزهري فسمعته يعيده ويبديه" فذكر الحديث، وزاد الإسماعيلي في طريق جعفر الفريابي عن علي عن سفيان "وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال: وأخبرني ابن كعب بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان" انتهى، وهذا الحديث أخرجه أبو داود بمعناه من وجه آخر عن الزهري، وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب. وقال مالك والأوزاعي: لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم. وقد أخرج ابن حبان في حديث الصعب زيادة في آخره: "ثم نهى عنهم يوم حنين" وهي مدرجة في حديث الصعب، وذلك بين في سنن أبي داود فإنه قال في آخره: "قال سفيان قال الزهري: ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان" ويؤيد كون النهي في غزوة حنين ما سيأتي في حديث رياح بن الربيع الآتي "فقال لأحدهم: الحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا" والعسيف

(6/147)


بمهملتين وفاء: الأجير وزنا ومعنى، وخالد أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح، وفي ذلك العام كانت غزوة حنين. وأخرج الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عمر قال: "لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة أتى بامرأة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل ونهى" فذكر الحديث. وأخرج أبو داود في "المراسيل" عن عكرمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: ألم أنه عن قتل النساء، من صاحبها؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني فقتلتها، فأمر بها أن تواري" ويحتمل في هذه التعدد، والذي جنح إليه غيرهم الجمع بين الحديثين كما تقدمت الإشارة إليه، وهو قول الشافعي والكوفيين. وقالوا: إذا قاتلت المرأة جاز قتلها. وقال ابن حبيب من المالكية: لا يجوز القصد إلى قتلها إلا إن باشرت القتل وقصدت إليه. قال: وكذلك الصبي المراهق. ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث رياح بن الربيع وهو بكسر الراء والتحتانية التميمي قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين، فرأى امرأة مقتولة فقال: ما كانت هذه لتقاتل" فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت، واتفق الجميع كما نقل ابن بطال وغيره على منع القصد إلى قتل النساء والوالدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع بهم إما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به، وحكى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي، وهو غريب، وسيأتي الكلام على قتل المرأة المرتدة في كتاب القصاص. وفي الحديث دليل على جواز العمل بالعام حتى يرد الخاص، لأن الصحابة تمسكوا بالعمومات الدالة على قتل أهل الشرك، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان فخص ذلك العموم، ويحتمل أن يستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة. ويستنبط منه الرد على من يتخلى عن النساء وغيرهن من أصناف الأموال زهدا لأنهم وإن كان قد يحصل منهم الضرر في الدين لكن يتوقف تجنبهم على حصول ذلك الضرر، فمتى حصل اجتنبت وإلا فليتناول من ذلك بقدر الحاجة.

(6/148)


147 - باب قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ
3014- حدثنا أحمد بن يونس أخبرنا الليث عن نافع أن عبد الله رضي الله عنه أخبره "أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان".
[الحديث 3014 – طرفه في: 3015]
قوله: "باب قتل الصبيان في الحرب" أورد فيه حديث ابن عمر من طريق ليث وهو ابن سعد بلفظ: "فأنكر"

(6/148)


148 - باب قَتْلِ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ
3015- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ".

(6/148)


149 - باب لاَ يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ
3016- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ فَقَالَ: "إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا".
3017- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرَّقَ قَوْمًا فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".
[الحديث 3017 – طرفه في: 6922]
قوله: "باب لا يعذب بعذاب الله" هكذا بت الحكم في هذه المسألة لوضوح دليلها عنده، ومحله إذا لم يتعين التحريق طريقا إلى الغلبة على الكفار حال الحرب. قوله: "عن بكير" بموحدة وكاف مصغر، ولأحمد عن هشام بن القاسم عن الليث "حدثني بكير ابن عبد الله بن الأشج" فأفاد نسبته وتصريحه بالتحديث. قوله: "عن أبي هريرة" كذا في جميع الطرق عن الليث ليس بين سليمان بن يسار وأبي هريرة فيه أحد، وكذلك أخرجه النسائي من طريق عمرو بن الحارث وغيره عن بكير، ومضى قبل أبواب معلقا، وخالفهم محمد بن إسحاق فرواه في السيرة عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير فأدخل بين سليمان وأبي هريرة رجلا وهو أبو إسحاق الدوسي، وأخرجه الدارمي وابن السكن وابن حبان في صحيحه من طريق ابن إسحاق، وأشار الترمذي إلى هذه الرواية، ونقل عن البخاري أن رواية الليث أصح، وسليمان قد صح سماعه من أبي هريرة، يعني وهو غير مدلس فتكون رواية ابن إسحاق من المزيد في متصل الأسانيد. قوله: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا" زاد الترمذي عن قتيبة بهذا الإسناد "رجلين من قريش" وفي رواية ابن إسحاق "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أنا فيها". قلت: وكان أمير السرية المذكورة حمزة بن عمرو الأسلمي أخرجه أبو داود من طريقه بإسناد صحيح لكن قال في روايته: "إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار" هكذا بالإفراد، وكذلك رويناه في "فوائد علي بن حرب" عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح مرسلا وسماه هبار بن الأسود، ووقع في رواية ابن إسحاق "إن وجدتم هبار ابن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى

(6/149)


زينب ما سبق فحرقوهما بالنار" يعني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها أبو العاص بن الربيع لما أسره الصحابة ثم أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة شرط عليه أن يجهز له لبنته زينب فجهزها، فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك، والقصة مشهورة عند ابن إسحاق وغيره. وقال في روايته: "وكانا نخسا بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجت من مكة" وقد أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح "أن هبار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وهي في خدرها فأسقطت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقال: إن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار" ثم قال: "إني لأستحي من الله، لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله" الحديث، فكأن إفراد هبار بالذكر لكونه كان الأصل في ذلك والآخر كان تبعا له، وسمي ابن السكن في روايته من طريق ابن إسحاق الرجل الآخر نافع بن عبد قيس، وبه جزم ابن هشام في "زوائد السيرة" عليه، وحكى السهيلي عن مسند البزار أنه خالد بن عبد قيس فلعله تصحف عليه، وإنما هو نافع، كذلك هو في النسخ المعتمدة من مسند البزار، وكذلك أورده ابن بشكوال من مسند البزار، وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من طريق ابن لهيعة كذلك. قلت: وقد أسلم هبار هذا، ففي رواية ابن أبي نجيح المذكورة "فلم تصبه السرية وأصابه الإسلام فهاجر" فذكر قصة إسلامه، وله حديث عند الطبراني وآخر عند ابن منده، وذكر البخاري في تاريخه لسليمان بن يسار عنه رواية في قصة جرت له مع عمر في الحج، وعاش هبار هذا إلى خلافة معاوية، وهو بفتح الهاء وتشديد الموحدة. ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة فلعله مات قبل أن يسلم. قوله: "ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حين أردنا الخروج" في رواية ابن إسحاق "حتى إذا كان من الغد" وفي رواية عمرو بن الحارث "فأتيناه نودعه حين أردنا الخروج" وفي رواية ابن لهيعة "فلما ودعنا" وفي رواية حمزة الأسلمي "فوليت فناداني فرجعت". قوله: "وإن النار لا يعذب بها إلا الله" هو خبر بمعنى النهي، ووقع في رواية ابن لهيعة "وأنه لا ينبغي" وفي رواية ابن إسحاق "ثم رأيت أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا الله" وروى أبو داود من حديث ابن مسعود رفعه: "أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار" وفي الحديث قصة. واختلف السلف في التحريق: فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصا، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما، وسيأتي ما يتعلق بالقصاص قريبا. وقال المهلب: ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمي، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها قاله النووي والأوزاعي. وقال ابن المنير وغيره: لا حجة فيما ذكر للجواز، لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم. وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو، ومنهم من قيده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم، وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان بوحي إليه أو باجتهاد منه، وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه. وقد اختلف في مذهب مالك في أصل المسألة وفي التدخين وفي القصاص بالنار، وفي الحديث جواز الحكم بالشيء اجتهادا ثم الرجوع عنه، واستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الإلباس والاستنابة في الحدود ونحوها، وأن طول الزمان لا يرفع العقوبة عمن يستحقها. وفيه كراهة قتل

(6/150)


مثل البرغوث بالنار. وفيه نسخ السنة بالسنة وهو إتفاق. وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده، وتوديع أصحابه له أيضا. وفيه جواز نسخ الحكم قبل العمل به أو قبل التمكن من العمل به، وهو اتفاق إلا عن بعض المعتزلة فيما حكاه أبو بكر بن العربي. وهذه المسألة غير المسألة المشهورة في الأصول في وجوب العمل بالناسخ قبل العلم به، وقد تقدم شيء من ذلك في أوائل الصلاة في الكلام على حديث الإسراء. وقد اتفقوا على أنهم إن تمكنوا من العلم به ثبت حكمه في حقهم اتفاقا، فإن لم يتمكنوا فالجمهور أنه لا يثبت، وقيل يثبت في الذمة كما لو كان نائما ولكنه معذور. قوله: "عن أيوب" صرح الحميدي عن سفيان بتحديث أيوب له به. قوله: "أن عليا حرق قوما" في رواية الحميدي المذكورة "أن عليا أحرق المرتدين" يعني الزنادقة. وفي رواية ابن أبي عمر ومحمد بن عباد عند الإسماعيلي جميعا عن سفيان قال: "رأيت عمرو بن دينار وأيوب وعمارا الدهني اجتمعوا فتذكروا الذين حرقهم علي، فقال أيوب" فذكر الحديث: "فقال عمار لم يحرقهم، ولكن حفر لهم حفائر وخرق بعضها إلى بعض ثم دخن عليهم"، فقال عمرو بن دينار: قال الشاعر:
لترم بي المنايا حيث شاءت ... إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما أججوا حطبا ونارا ... هناك الموت نقدا غير دين
انتهى. وكأن عمرو بن دينار أراد بذلك الرد على عمار الدهني في إنكاره أصل التحريق. ثم وجدت في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص "حدثنا لوين حدثنا سفيان بن عيينة" فذكره عن أيوب وحده، ثم أورده عن عمار وحده، قال ابن عيينة: فذكرته لعمرو بن دينار فأنكره وقال: "فأين قوله: "أوقدت ناري ودعوت قنبرا" فظهر بهذا صحة ما كنت ظننته، وسيأتي للمصنف في استتابة المرتدين في آخر الحدود من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: "أتى علي بزنادقة فأحرقهم" ولأحمد من هذا الوجه "أن عليا أتى بقوم من هؤلاء الزنادقة ومعهم كتب، فأمر بنار فأججت ثم أحرقهم وكتبهم" وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال: "كان ناس يعبدون الأصنام في السر ويأخذون العطاء، فأتى بهم علي فوضعهم في السجن واستشار الناس، فقالوا: اقتلهم، فقال: لا بل أصنع بهم كما صنع بأبينا إبراهيم، فحرقهم بالنار". قوله: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله" هذا أصرح في النهي من الذي قبله، وزاد أحمد وأبو داود والنسائي من وجه آخر عن أيوب في آخره: "فبلغ ذلك عليا فقال: ويح ابن عباس" وسيأتي الكلام على قوله: "من بدل دينه فاقتلوه" في استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى.

(6/151)


150- باب {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [4 سورة محمد]. فِيهِ حَدِيثُ ثُمَامَةَ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ [67 الأنفال]: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} يَعْنِي يَغْلِبَ فِي الأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} الْآيَةَ
قوله: "باب {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}. فيه حديث ثمامة" كأنه يشير إلى حديث أبي هريرة في قصة إسلام ثمامة بن أثال، وستأتي موصولة مطولة في أواخر كتاب المغازي، والمقصود منها هنا قوله فيه: "إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت" فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك ولم ينكر عليه التقسيم ثم من عليه بعد ذلك، فكان في ذلك تقوية لقول الجمهور: أن الأمر في أسرى الكفرة من الرجال إلى الإمام يفعل

(6/151)


ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين. وقال الزهري ومجاهد وطائفة: لا يجوز أخذ الفداء من أسارى الكفار أصلا وعن الحسن وعطاء: لا تقتل الأسارى، بل يتخير بين المن والفداء. وعن مالك: لا يجوز المن بغير فداء. وعن الحنفية: لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره، فيرد الأسير حربيا. قال الطحاوي: وظاهر الآية حجة للجمهور وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة، لكن في قصة ثمامة ذكر القتل. وقال أبو بكر الرازي: احتج أصحابنا لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} الآية، ولا حجة لهم لأن ذلك كان قبل حل الغنيمة، فإن فعله بعد إباحة الغنيمة فلا كراهة انتهى. وهذا هو الصواب، فقد حكى ابن القيم في الهدى اختلافا: أي الأمرين أرجح؟ ما أشار به أبو بكر من أخذ الفداء، أو ما أشار به عمر من القتل؟ فرجحت طائفة رأي عمر لظاهر الآية ولما في القصة من حديث عمر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبكي لما عرض على أصحابك من العذاب لأخذهم الفداء" ورجحت طائفة رأي أبي بكر لأنه الذي استقر عليه الحال حينئذ، ولموافقة رأيه الكتاب الذي سبق، ولموافقة حديث: "سبقت رحمتي غضبي" ولحصول الخير العظيم بعد من دخول كثير منهم في الإسلام والصحبة ومن ولد لهم من كان ومن تجدد، إلى غير ذلك مما يعرف بالتأمل. وحملوا التهديد بالعذاب على من اختار الفداء، فيحصل عرض الدنيا مجردا وعفا الله عنهم ذلك. وحديث عمر المشار إليه في هذه القصة أخرجه أحمد مطولا وأصله في صحيح مسلم بالسند المذكور. قوله: "وقوله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} يَعْنِي يَغْلِبَ فِي الأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} الْآيَةَ". كذا وقع في رواية أبي ذر وكريمة، وسقط للباقين، وتفسير يثخن بمعنى يغلب قاله أبو عبيدة وزاد: ويبالغ.
وعن مجاهد: الإثخان القتل، وقيل المبالغة فيه، وقيل معناه حتى يتمكن في الأرض. وأصل الإثخان في اللغة الشدة والقوة. وأشار المصنف بهذه الآية إلى قول مجاهد وغيره ممن منع أخذ الفداء من أسارى الكفار، وحجتهم منها أنه تعالى أنكر إطلاق أسرى كفار بدر على مال فدل على عدم جواز ذلك بعد، واحتجوا بقوله تعالى :{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} قال فلا يستثنى من ذلك إلا من يجوز أخذ الجزية منه. وقال الضحاك: بل قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ناسخ لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وقال أبو عبيد: لا نسخ في شيء من هذه الآيات بل هي محكمة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم عمل بما دلت عليه كلها في جميع أحكامه: فقتل بعض الكفار يوم بدر، وفدى بعضا، ومن على بعض. وكذا قتل بني قريظة، ومن على بني المصطلق، وقتل ابن خطل وغيره بمكة ومن على سائرهم. وسبى هوازن ومن عليهم. ومن على ثمامة بن أثال. فدل كل ذلك على ترجيح قول الجمهور إن ذلك راجع إلى رأي الإمام. ومحصل أحوالهم تخيير الإمام بعد الأسر بين ضرب الجزية لمن شرع أخذها منه أو القتل أو الاسترقاق أو المن بلا عوض أو بعوض، هذا في الرجال، وأما النساء والصبيان فيرقون بنفس الأسر، ويجوز المفاداة بالأسيرة الكافرة بأسير مسلم أو مسلمة عند الكفار، ولو أسلم الأسير زال القتل اتفاقا، وهل يصير رقيقا أو تبقى بقية الخصال؟ قولان للعلماء.

(6/152)


151 - باب هَلْ لِلْأَسِيرِ أَنْ يَقْتُلَ وَيَخْدَعَ الَّذِينَ أَسَرُوهُ حَتَّى يَنْجُوَ مِنْ الْكَفَرَةِ؟
فِيهِ الْمِسْوَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(6/152)


قوله: "باب هل للأسير أن يقتل أو يخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟ فيه المسور عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير بذلك إلى قصة أبي بصير، وقد تقدم بسطها في أواخر الشروط، وهي ظاهرة فيما ترجم له، وهي من مسائل الخلاف أيضا، ولهذا لم يبت الحكم فيها، قال الجمهور: إن ائتمنوه يف لهم بالعهد، حتى قال مالك: لا يجوز أن يهرب منهم. وخالفه أشهب فقال: لو خرج به الكافر ليفادي به فله أن يقتله. وقال أبو حنيفة والطبري: إعطاؤه العهد على ذلك باطل، ويجوز له أن لا يفي لهم به. وقال الشافعية: يجوز أن يهرب من أيديهم، ولا يجوز أن يأخذ من أموالهم. قالوا: وإن لم يكن بينهم عهد جاز له أن يتخلص منهم بكل طريق ولو بالقتل وأخذ المال وتحريق الدار وغير ذلك، وليس في قصة أبي بصير تصريح بأنه كان بينه وبين من تسلمه ليرده إلى المشركين عهد، ولهذا تعرض للقتل، فقتل أحد الرجلين وانفلت الآخر، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم مستوفى.

(6/153)


152 - باب إِذَا حَرَّقَ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ
3018- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْغِنَا رِسْلًا قَالَ مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ فَانْطَلَقُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا".
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَادًا.
قوله: "باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق" ؟ أي جزاء بفعله. هذه الترجمة تليق أن تذكر قبل بابين، فلعل تأخيرها من تصرف النقلة ويؤيد ذلك أنهما سقطا جميعا للنسفي، وثبت عنده ترجمة "إذا حرق المشرك" تلو ترجمة "ولا يعذب بعذاب الله" وكأنه أشار بذلك إلى تخصيص النهي في قوله: "لا يعذب بعذاب الله" بما إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. وقد أورد المصنف في الباب حديث أنس في قصة العرنيين، وليس فيه التصريح بأنهم فعلوا ذلك بالرعاء لكنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، وذلك فيما أخرجه مسلم من وجه آخر عن أنس قال: "إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء" قال ابن بطال: ولو لم يرد ذلك لكان أخذ ذلك من قصة العرنيين بطريق الأولى، لأنه جاز سمل أعينهم وهو تعذيب بالنار ولو لم يفعلوا ذلك بالمسلمين فجوازه إن فعلوه أولى. وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الطهارة في "باب أبوال الإبل" وهو في أواخر أبواب الوضوء قبيل كتاب الغسل. وقوله: "حدثنا معلى" بضم الميم وهو ابن أسد، وثبت كذلك في رواية الأصيلي وآخرين. وقوله فيه: "أبغنا رسلا" أي أعنا على طلبه، والرسل بكسر الراء الدر من اللبن. والذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة: الثلاث من الإبل إلى العشرة، والصريخ: صوت المستغيث: وترجل بالجيم: أي ارتفع.

(6/153)


153- باب
3019- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنْ الأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنْ الأُمَمِ تُسَبِّحُ".
قوله: "باب" كذا لهم بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب قبله، والمناسبة بينهما أن لا يتجاوز بالتحريق حيث يجوز إلى من لم يستوجب ذلك، فإنه أورد فيه حديث أبي هريرة في تحريق قرية النمل، حديث أبي هريرة في تحريق قرية النمل، وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه "أن الله أوحى إليه فهلا نملة واحدة" فإن فيه إشارة إلى أنه لو حرق التي قرصته وحدها لما عوتب، ولا يخفى أن صحة الاستدلال بذلك متوقفة على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في بدء الخلق إن شاء الله تعالى.

(6/154)


154 - باب حَرْقِ الدُّورِ وَالنَّخِيلِ
3020- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ قَالَ لِي جَرِيرٌ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ قَالَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ قَالَ وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ أَوْ أَجْرَبُ قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ".
[الحديث 3020 – أطرافه في: 3036، 3076، 3823، 4355، 4356، 4357، 6089، 6333]
3021- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "حَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ".
قوله: "باب حرق الدور والنخيل" أي التي للمشركين. كذا وقع في جميع النسخ "حرق" وضبطوه بفتح أوله وإسكان الراء، وفيه نظر لأنه لا يقال في المصدر حرق؛ وإنما يقال تحريق وإحراق لأنه رباعي، فلعله كان حرق بتشديد الراء بلفظ الفعل الماضي وهو المطابق للفظ الحديث والفاعل محذوف تقديره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله أو بإذنه. وقد ترجم في التي قبلها "باب إذا حرق" وعلى هذا فقوله الدور منصوب بالمفعولية والنخيل كذلك نسقا عليه. ثم ذكر فيه حديثين ظاهرين فيما ترجم له. أحدهما: حديث جرير في قصة ذي الخلصة بفتح المعجمة واللام والمهملة وحكي تسكين اللام، وسيأتي شرحه في أواخر المغازي. وقوله فيه: "كعبة اليمانية" أي كعبة الجهة اليمانية على رأي البصريين. ثانيهما: حديث ابن عمر "حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير" أورده مختصرا هكذا، وسيأتي بتمامه

(6/154)


في المغازي مع شرحه إن شاء الله تعالى. وقد ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو، وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور، واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك، وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف، وهو نحو ما أجاب به في النهي عن قتل النساء والصبيان، وبهذا قال أكثر أهل العلم، ونحو ذلك القتل بالتغريق. وقال غيره: إنما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد ستفتح فأراد إبقاءها على المسلمين. والله أعلم.

(6/155)


155 - باب قَتْلِ النَّائِمِ الْمُشْرِكِ
3022- حدثنا علي بن مسلم حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال حدثني أبي عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع ليقتلوه فانطلق رجل منهم فدخل حصنهم قال فدخلت في مربط دواب لهم قال وأغلقوا باب الحصن ثم إنهم فقدوا حمارا لهم فخرجوا يطلبونه فخرجت فيمن خرج أريهم أنني أطلبه معهم فوجدوا الحمار فدخلوا ودخلت وأغلقوا باب الحصن ليلا فوضعوا المفاتيح في كوة حيث أراها فلما ناموا أخذت المفاتيح ففتحت باب الحصن ثم دخلت عليه فقلت يا أبا رافع فأجابني فتعمدت الصوت فضربته فصاح فخرجت ثم جئت ثم رجعت كأني مغيث فقلت يا أبا رافع وغيرت صوتي فقال ما لك لأمك الويل قلت ما شأنك قال لا أدري من دخل علي فضربني قال فوضعت سيفي في بطنه ثم تحاملت عليه حتى قرع العظم ثم خرجت وأنا دهش فأتيت سلما لهم لأنزل منه فوقعت فوثئت رجلي فخرجت إلى أصحابي فقلت ما أنا ببارح حتى أسمع الناعية فما برحت حتى سمعت نعايا أبي رافع تاجر أهل الحجاز قال فقمت وما بي قلبة حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه".
[الحديث 3022 – أطرافه في: 3023، 4038، 4039، 4040]
3023- حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم".
قوله: "باب قتل المشرك النائم" ذكر فيه قصة قتل أبي رافع اليهودي من حديث البراء بن عازب، أورده من وجهين مطولا ومختصرا، وسيأتي شرحها في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وهي ظاهرة فيما ترجم له، لأن الصحابي طلب قتل أبي رافع وهو نائم، وإنما ناداه ليتحقق أنه هو لئلا يقتل غيره ممن لا غرض له إذ ذاك في قتله

(6/155)


وبعد أن أجابه كان في حكم النائم لأنه حينئذ استمر على خيال نومه، بدليل أنه بعد أن ضربه لم يفر من مكانه ولا تحول من مضجعه حتى عاد إليه فقتله، وفية جواز التجسس على المشركين وطلب غربهم، وجواز اغتيال ذوي الأذية البالغة منهم، وكأن أبو رافع يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤلب عليه الناس. ويؤخذ منه جواز قتل المشرك بغير دعوة إن كان قد بلغته الدعوة قبل ذلك، وأما قتله إذا كان نائما فمحله أن يعلم أنه مستمر على كفره وأنه قد يئس من فلاحه، وطريق العلم بذلك إما بالوحي وإما بالقرائن الدالة على ذلك.

(6/156)


156 - باب لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ
3024- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كُنْتُ كَاتِبًا لَهُ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ".
3025- ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: "حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ كُنْتُ كَاتِبًا لِعُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُ كِتَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ".
3026- وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا".
قوله: "باب لا تمنوا لقاء العدو" ذكر فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى في ذلك، وقد تقدم مقطعا في أبواب منها "الجنة تحت البارقة" اقتصر على قوله: "واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ومنها "الصبر عند القتال" واقتصر على قوله: "وإذا لقيتموهم فاصبروا" ومنها "الدعاء على المشركين بالهزيمة" واقتصر على الفصل المتعلق بالحديث منه، وقد تقدم الكلام فيه على شيء في إسناده في أول ترجمة، وأورده بتمامه في "القتال بعد الزوال" وتقدم الكلام فيما يتعلق بذلك فيه. قوله: "لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا" قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصديق "لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر" وقال غيره: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإنكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم. وقيل: يحمل النهي على ما إذا وقع الشك في المصلحة أو حصول الضرر، وإلا فالقتال فضيلة وطاعة. ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله: "وسلوا الله العافية" وأخرج سعيد بن منصور من طريق يحيى بن أبي كثير مرسلا "لا تمنوا

(6/156)


لقاء العدو فإنكم لا تدرون عسى أن تبتلوا بهم" وقال ابن دقيق العيد: لما كان لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور المحققة لم يؤمن أن يكون عند الوقوع كما ينبغي فيكره التمني لذلك ولما فيه لو وقع من احتمال أن يخالف الإنسان ما وعد من نفسه، ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة انتهى. واستدل بهذا الحديث على منع طلب المبارزة، وهو رأي الحسن البصري، وكان علي يقول: لا تدع إلى المبارزة، فإذا دعيت فأجب تنصر، لأن الداعي باغ. وقد تقدم قول علي في ذلك. قوله: "ثم قال اللهم منزل الكتاب إلخ" أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم، فبالكتاب إلى قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} وبمجرى السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله تعالى، وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح، وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر، فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال، وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم، وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم، وبعدمه إلى هزيمتهم حيث لا يحصل الظفر بشيء منهم، وكلها أحوال صالحة للمسلمين. وأشار بهازم الأحزاب إلى التوسل بالنعمة السابقة، وإلى تجريد التوكل، واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعلي. وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث، فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية وهي الإسلام، وبإجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق، وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين، وكأن قال: اللهم كما أنعمت بعظيم النعمتين الأخروية والدنيوية وحفظتهما فأبقهما. وروى الإسماعيلي في هذا الحديث من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم دعا أيضا فقال: "اللهم أنت ربنا وربهم، ونحن عبيدك وهم عبيدك نواصينا ونواصيهم بيدك، فاهزمهم وانصرنا عليهم" ولسعيد بن منصور من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا نحوه لكن بصيغة الأمر عطفا على قوله: "وسلوا الله العافية: فإن بليتم بهم فقولوا اللهم" فذكره وزاد "وغضوا أبصاركم واحملوا عليهم على بركة الله". قوله: "وقال موسى بن عقبة إلخ" هو معطوف على الإسناد الماضي، وكأنه يشير إلى أنه عنده بالإسناد الواحد على وجهين مطولا ومختصرا، وهذا ما في رواية أبي ذر، واقتصر غيره لهذا المتن المختصر على الإسناد المذكور ولم يسوقوه مطولا والله أعلم. قوله: "وقال أبو عامر" هو العقدي. وقال الكرماني: لعله عبد الله بن براد الأشعري، كذا قال ولم يصب، فإنه ما لابن براده رواية عن المغيرة. وقد وصله مسلم والنسائي والإسماعيلي وغيرهم من طرق عن أبي عامر العقدي عن مغيرة به، وفي الحديث استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار، ووصية المقاتلين بما فيه صلاح أمرهم، وتعليمهم بما يحتاجون إليه، وسؤال الله تعالى بصفاته الحسنى وبنعمه السالفة، ومراعاة نشاط النفوس لفعل الطاعة، والحث على سلوك الأدب وغير ذلك.

(6/157)


157 - باب الْحَرْبُ خَدْعَةٌ
3027- حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ولتقسمن كنوزهما في سبيل الله".
[الحديث 3027 – أطرافه في: 3120، 3618، 6630]
3028- "وسمى الحرب خدعة".

(6/157)


[الحديث 3028 – طرفه في: 3029]
3029- حدثنا أبو بكر بن أصرم أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمى النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة".
3030- حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا بن عيينة عن عمرو سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الحرب خدعة".
قوله: "باب الحرب خدعة" أورد من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مطولا ومختصرا ومن حديث جابر مختصرا وفي أول المطول ذكر كسرى وقيصر، وسيأتي الكلام على هذا في علامات النبوة. وقوله: "خدعة" بفتح المعجمة وبضمها مع سكون المهملة فيهما وبضم أوله وفتح ثانيه. قال النووي: اتفقوا على أن الأولى الأفصح، حتى قال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز. والثانية ضبطت كذلك في رواية الأصيلي. قال أبو بكر بن طلحة: أراد ثعلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل هذه البنية كثيرا لوجازة لفظها ولكونها تعطي معنى البنيتين الأخيرتين، قال: ويعطي معناها أيضا الأمر باستعمال الحيلة مهما أمكن ولو مرة وإلا فقاتل؛ قال فكانت مع اختصارها كثيرة المعنى. ومعنى خدعة بالإسكان أنها تخدع أهلها، من وصف الفاعل باسم المصدر، أو أنها وصف المفعول كما يقال هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه. وقال الخطابي: معناه أنها مرة واحدة، أي إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرته. وقيل: الحكمة في الإتيان بالتاء للدلالة على الوحدة فإن الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة، وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة، فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنهم من المفسدة ولو قل، وفي اللغة الثالثة صيغة المبالغة كهمزة ولمزة، وحكى المنذري لغة رابعة بالفتح فيهما، قال: وهو جمع خادع أي أن أهلها بهذه الصفة، وكأنه قال أهل الحرب خدعة. قلت: وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة خامسة كسر أوله مع الإسكان، قرأت ذلك بخط مغلطاي. وأصل الخدع إظهار أمر وإضمار خلافه. وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب، والندب إلى خداع الكفار، وإن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه، قال النووي: واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز، قال ابن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالسكين ونحو ذلك. وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب: بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة، وكذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث، وهو كقوله: "الحج عرفة"، قال ابن المنير: معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر. "تكميل": ذكر الواقدي أن أول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة" في غزوة الخندق.

(6/158)


158 - باب الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ
3031- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ

(6/158)


عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ هَذَا يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَنَّانَا وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ قَالَ وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ فَإِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ".
قوله: "باب الكذب في الحرب" ذكر فيه حديث جابر في قصة قتل كعب بن الأشرف. حديث جابر في قصة قتل كعب بن الأشرف وسيأتي مطولا مع شرحه في كتاب المغازي. قال ابن المنير: الترجمة غير مطابقة، لأن الذي وقع منهم في قتل كعب ابن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا، لأن قولهم "عنانا" أي كلفنا بالأوامر والنواهي، وقولهم "سألنا الصدقة" أي طلبها منا ليضعها مواضعها، وقولهم "فنكره أن ندعه إلخ" معناه نكره فراقه، ولا شك أنهم كانوا يحبون الكون معه أبدا انتهى. والذي يظهر أنه لم يقع منهم فيما قالوه بشيء من الكذب أصلا، وجميع ما صدر منهم تلويح كما سبق، لكن ترجم بذلك لقول محمد بن مسلمة للنبي صلى الله عليه وسلم أولا "ائذن لي أن أقول، قال قل" فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحا وتلويحا وهذه الزيادة وإن لم تذكر في سياق حديث الباب فهي ثابتة فيه كما في الباب الذي بعده، على أنه لو لم يرد ذلك لما كانت الترجمة منافرة للحديث، لأن معناها حينئذ باب الكذب في الحرب هل يسوغ مطلقا أو يجوز منه الإيماء دون التصريح، وقد جاء من ذلك صريحا ما أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: تحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس" وقد تقدم في كتاب الصلح ما في حديث أم كلثوم بنت عقبة لهذا المعنى من ذلك، ونقل الخلاف في جواز الكذب مطلقا أو تقييده بالتلويح، قال النووي: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة، لكن التعريض أولى. وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص وفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى. ويقويه ما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث أنس في قصة الحجاج ابن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم في استئذانه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، وإخباره لأهل مكة أن أهل خبير هزموا المسلمين وغير ذلك مما هو مشهور فيه، ولا يعارض ذلك ما أخرجه النسائي من طريق مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح، وقول الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم لما كف عن بيعته "هلا أومأت إلينا بعينك، قال: ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين" لأن طريق الجمع بينهما أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصة، وأما حال المبايعة فليست بحال حرب، كذا قال، وفيه نظر لأن قصة الحجاج بن علاط أيضا لم تكن في حال حرب. والجواب المستقيم أن تقول: المنع مطلقا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وإن كان مباحا لغيره، ولا يعارض ذلك ما تقدم من أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها، فإن المراد أنه كان يريد أمرا فلا يظهره كأن يريد أن يغزو وجهة الشرق فيسأل عن أمر في جهة الغرب، ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أنه يريد جهة الغرب، وأما أن يصرح بإرادته الغرب وإنما مراده الشرق فلا، والله أعلم. وقال ابن بطال: سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث فقال:

(6/159)


الكذب المباح في الحرب ما يكون من المعاريض لا التصريح بالتأمين مثلا، قال وقال المهلب: موضع الشاهد للترجمة من حديث الباب قول محمد بن مسلمة "قد عنانا، فإنه سألنا الصدقة" لأن هذا الكلام يحتمل أن يفهم أن اتباعهم له إنما هو للدنيا فيكون كذبا محضا، ويحتمل أن يريد أنه أتعبنا بما يقع لنا من محاربة العرب. فهو من معاريض الكلام، وليس فيه شيء من الكذب الحقيقي الذي هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه. ثم قال: ولا يجوز الكذب الحقيقي في شيء من الدين أصلا. قال: ومحال أن يأمر بالكذب من يقول: "من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" انتهى، وقد تقدم جواب ذلك بما يغني عن إعادته.

(6/160)


159 - باب الْفَتْكِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ
3032- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْذَنْ لِي فَأَقُولَ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ".
قوله: "باب الفتك بأهل الحرب" أي جواز قتل الحربي سرا، وبين هذه الترجمة وبين الترجمة الماضية وهي قتل المشرك النائم عموم وخصوص وجهي. الحديث طرف من حديث جابر في قصة قتل كعب ابن الأشرف، وقد تقدم التنبيه عليه في الباب الذي قبله، وإنما فتكوا به لأنه نقض العهد، وأعان على حرب النبي صلى الله عليه وسلم، وهجاه، ولم يقع لأحد ممن توجه إليه تأمين له بالتصريح، وإنما أوهموه ذلك وآنسوه حتى تمكنوا من قتله.

(6/160)


160 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ الِاحْتِيَالِ وَالْحَذَرِ مَعَ مَنْ يَخْشَى مَعَرَّتَهُ
3033- قَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ فَحُدِّثَ بِهِ فِي نَخْلٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ طَفِقَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَابْنُ صَيَّادٍ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا صَافِ هَذَا مُحَمَّدٌ فَوَثَبَ ابْنُ صَيَّادٍ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ".
قوله: "باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من يخشى معرته" بفتح الميم والمهملة وتشديد الراء أي شره وفساده. قوله: "وقال الليث إلى آخره" وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح كلاهما عن الليث وقد علق المصنف طرفا منه في أواخر الجنائز كما مضى، وسيأتي شرحه قريبا بعد ستة عشر بابا.

(6/160)


161 - باب الرَّجَزِ فِي الْحَرْبِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ
فِيهِ سَهْلٌ وَأَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ يَزِيدُ عَنْ سَلَمَةَ
3034- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ ـ وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الشَّعَرِ ـ

(6/160)


162 - باب مَنْ لاَ يَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ
3035- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي".
[الحديث 3035 – طرفاه في: 3822، 6090]
3036- "وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ إِنِّي لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا".
قوله: "باب من لا يثبت على الخيل" أي ينبغي لأهل الخير أن يدعوا له بالثبات، وفيه إشارة إلى فضيلة ركوب الخيل والثبات عليها. حديث جرير "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت" وسيأتي الكلام عليه في المناقب، وقوله: "إلا تبسم في وجهه" فيه التفات من التكلم إلى الغيبة، ووقع في رواية السرخسي والكشميهني على الأصل بلفظ: "في وجهي" وقوله: "ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل" هو موضع الترجمة وقد تقدم في "باب حرق الدور والنخيل" ويأتي شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى. وقوله: "هاديا مهديا" زعم ابن بطال

(6/161)


أن فيه تقديما وتأخيرا قال: لأنه لا يكون هاديا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا انتهى، وليست هنا صيغة ترتيب.

(6/162)


163 - باب دَوَاءِ الْجُرْحِ بِإِحْرَاقِ الْحَصِيرِ
وَغَسْلِ الْمَرْأَةِ عَنْ أَبِيهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَحَمْلِ الْمَاءِ فِي التُّرْسِ
3037- حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا أبو حازم قال: "سألوا سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه بأي شيء دووي جرح النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما بقي من الناس أحد أعلم به مني، كان علي يجيء بالماء في ترسه وكانت يعني فاطمة تغسل الدم عن وجهه، وأخذ حصير فأحرق ثم حشي به جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قوله: "باب دواء الجرح بإحراق الحصير، وغسل المرأة عن أبيها الدم عن وجهه، وحمل الماء في الترس" اشتمل هذا الباب على ثلاثة أحكام، وحديث الباب ظاهر فيها، وقد أفرد الثاني منها في كتاب الطهارة وأورد فيه هذا الحديث بعينه، وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي إن شاء الله تعالى.

(6/162)


164 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلاَفِ فِي الْحَرْبِ وَعُقُوبَةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ
وَقَول اللَّه عزَّ وجلَّ [46 الأنفال]: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}
يعني الحرب. قَالَ قَتَادَةُ: الرِّيحُ الْحَرْبُ
3038- حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ قَالَ يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا".
3039- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ فَهَزَمُوهُمْ قَالَ فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(6/162)


165 - باب إِذَا فَزِعُوا بِاللَّيْلِ
3040- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ قَالَ وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا قَالَ فَتَلَقَّاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ فَقَالَ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَجَدْتُهُ بَحْرًا يَعْنِي الْفَرَسَ".
قوله: "باب إذا فزعوا بالليل" أي ينبغي لأمير العسكر أن يكشف الخبر بنفسه أو بمن يندبه لذلك. ذكر فيه حديث أنس في فرس أبي طلحة، وقد تقدم شرحه في أواخر الهبة، وتقدم في كتاب الجهاد مرارا.

(6/163)


166 - باب مَنْ رَأَى الْعَدُوَّ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا صَبَاحَاهْ حَتَّى يُسْمِعَ النَّاسَ
3041- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ خَرَجْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ لَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قُلْتُ وَيْحَكَ مَا بِكَ قَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا يَا صَبَاحَاهْ يَا صَبَاحَاهْ ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَقُولُ أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا فَأَقْبَلْتُ بِهَا أَسُوقُهَا فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ فَقَالَ يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ".
[الحديث 3041 – طرفه في: 4194]
قوله: "باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس" ذكر فيه حديث سلمة ابن الأكوع في قصة غطفان وفزارة. وسيأتي شرحه في غزوة ذي قرد من كتاب المغازي. وقوله: "يا صباحاه" هو منادي مستغاث، والألف للاستغاثة والهاء للسكت، وكأنه نادى الناس استغاثة بهم في وقت الصباح. وقال ابن المنير: الهاء للندبة وربما سقطت في الوصل، وقد ثبتت في الرواية فيوقف عليها بالسكون. وكانت عادتهم يغيرون في وقت الصباح، فكأنه قال: تأهبوا لما دهمكم صباحا. وقوله: "الرضع" بتشديد المعجمة بصيغة الجمع، والمراد بهم اللئام أي اليوم يوم هلاك اللئام. وقوله: "فأسجع" بهمزة قطع أي أحسن أو أرفق. وقوله: "يقرون" بضم أوله والتخفيف من القرى، والراء مفتوحة ومضمومة، وقيل: معنى الضم يجمعون الماء واللبن، وقيل: يغزون بغين معجمة وزاي وهو تصحيف. قال ابن المنير: موضع هذه الترجمة أن هذه الدعوة ليست من دعوى الجاهلية المنهي عنها لأنها استغاثة على الكفار.

(6/164)


167 - باب مَنْ قَالَ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ فُلاَنٍ . وَقَالَ سَلَمَةُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ
3042- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا أَبَا عُمَارَةَ أَوَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ الْبَرَاءُ وَأَنَا أَسْمَعُ أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَلِّ يَوْمَئِذٍ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذًا بِعِنَانِ بَغْلَتِهِ فَلَمَّا غَشِيَهُ الْمُشْرِكُونَ نَزَلَ فَجَعَلَ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ قَالَ فَمَا رُئِيَ مِنْ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مِنْهُ".
قوله: "باب من قال خذها وأنا ابن فلان" هي كلمة تقال عند التمدح. قال ابن المنير: موقعها من الأحكام أنها خارجة عن الافتخار المنهي عنه لاقتضاء الحال ذلك. قلت: وهو قريب من جواز الاختيال - بالخاء المعجمة – في

(6/164)


الحرب دون غيرها. قوله: "وقال سلمة خذها وأنا ابن الأكوع" هذا طرف من حديثه المذكور في الباب الذي قبله لكنه بمعناه، وقد أخرجه مسلم بلفظه من طريق أخرى عن سلمة بن الأكوع وقال فيه. "فخرجت في آثار القوم وألحق رجلا منهم فأصكه سهما في رجله حتى خلص نصل السهم من كتفه، قال قلت: خذها وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع" الحديث. ثم ذكر المصنف حديث البراء بن عازب في ثبات النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين. وقوله: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب"، وسيأتي شرحه في غزوة حنين إن شاء الله تعالى.

(6/165)


168 - باب إِذَا نَزَلَ الْعَدُوُّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ
3043- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ هُوَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ قَالَ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ".
[الحديث 3043 – أطرافه في: 3804، 4121، 6262]
قوله: "باب إذا نزل العدو على حكم رجل" أي فأجازه الإمام نفذ. ذكر فيه حديث أبي سعيد في نزول بني قريظة على حكم سعد بن معاذ، وسيأتي شرحه في غزوة بني قريظة إن شاء الله تعالى. قال ابن المنير: يستفاد من الحديث لزوم حكم المحكم برضا الخصمين.

(6/165)


169 - باب قَتْلِ الأَسِيرِ وَقَتْلِ الصَّبْرِ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: اقْتُلُوهُ".
قوله: "باب قتل الأسير وقتل الصبر" في رواية الكشميهني: "قتل الأسير صبرا" وهي أخصر. أورد فيه حديث أنس في قتل ابن خطل. وقد تقدم شرحه في أواخر الحج، وقد تقدم أن الإمام يتخير - متبعا ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين - بين قتل الأسير، أو المن عليه بفداء، أو بغير فداء، أو استرقاقه.

(6/165)


170 - باب هَلْ يَسْتَأْسِرُ الرَّجُلُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأْسِرْ وَمَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ
3045- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

(6/165)


171 - باب فَكَاكِ الأَسِيرِ. فِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3046- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فُكُّوا الْعَانِيَ يَعْنِي الأَسِيرَ وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ".
[الحديث 3046 – أطرافه في: 5174، 5373، 5649، 7173]
3047- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قُلْتُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنْ الْوَحْيِ إِلاَّ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: لاَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْتُ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الأَسِيرِ وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ".
قوله: "باب فكاك الأسير" أي من أيدي العدو بمال أو بغيره، والفكاك بفتح الفاء ويجوز كسرها التخليص. وأورد فيه حديثين. أحدهما: حديث أبي موسى: "فكوا العاني" أي الأسير، كذا وقع في تفسير العاني في الحديث، وهو بالمهملة والنون وزن القاضي، والتفسير من قبل جرير أو قتيبة، وإلا فقد أخرج المصنف في الطب من طريق أبي عوانة عن منصور فلم يذكره، وأخرجه في الأطعمة من طريق الثوري عن منصور وقال في آخره: "قال سفيان: العاني الأسير" قال ابن بطال: فكاك الأسير واجب على الكفاية، وبه قال الجمهور. وقال إسحاق بن راهويه: من بيت المال. وروي عن مالك أيضا وقال أحمد يفادي بالرءوس، وأما بالمال فلا أعرفه. ولو كان عند المسلمين أسارى وعند المشركين أسارى واتفقوا على المفاداة تعينت، ولم تجز مفاداة أسارى المشركين بالمال. ثانيهما: حديث أبي جحيفة "قلت لعلي: هل عندكم شيء من الوحي" الحديث، وقد مضى شرحه في كتاب العلم، وسيأتي الكلام على بقية ما فيه في الديات إن شاء الله تعالى.

(6/167)


172 - باب فِدَاءِ الْمُشْرِكِينَ
3048- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رِجَالًا مِنْ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ فَقَالَ لاَ تَدَعُونَ مِنْهَا دِرْهَمًا".
3049- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالٍ مِنْ

(6/167)


173 - باب الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الإِسْلاَمِ بِغَيْرِ أَمَانٍ
3051- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ انْفَتَلَ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ".
قوله: "باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان" هل يجوز قتله؟ وهي من مسائل الخلاف. قال مالك يتخير فيه الإمام، وحكمه حكم أهل الحرب. وقال الأوزاعي والشافعي: إن ادعى أنه رسول قبل منه. وقال أبو حنيفة وأحمد لا يقبل ذلك منه، وهو فيء للمسلمين. قوله: "أبو العميس" بالمهملتين مصغر. قوله: "عن إياس" بكسر الهمزة وتخفيف التحتانية. وفي رواية الطحاوي من طريق أخرى عن أبي نعيم عن أبي العميس "حدثنا إياس". قوله: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين" لم أقف على اسمه. ووقع في رواية عكرمة ابن عمار عن إياس عند مسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن، وسمي الجاسوس عينا لأن جل عمله بعينه، أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا. قوله: "فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل" في رواية النسائي من طريق جعفر بن عون عن أبي العميس "فلما طعم انسل" وفي رواية عكرمة عند مسلم: "فقيد الجمل ثم تقدم يتغدى مع

(6/168)


القوم وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، إذ خرج يشتد". قوله: "اطلبوه واقتلوه" زاد أبو نعيم في "المستخرج" من طريق يحيى الحماني عن أبي العميس "أدركوه فإنه عين" زاد أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي نعيم فيه: "فسبقتهم إليه فقتلته". قوله: "فقتلته فنفله سلبه" كذا فيه، وفيه التفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة، وكان السياق يقتضي أن يقول فنفلني وهي رواية أبي داود وزاد هو ومسلم من طريق عكرمة بن عمار المذكور "فاتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء، فخرجت أعدو حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته بالأرض اخترطت سيفي فأضرب رأسه فبدر، فجئت براحلته وما عليها أقودها، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من قتل الرج ل؟ قالوا: ابن الأكوع، قال: له سلبه أجمع" وترجم عليه النسائي: "قتل عيون المشركين" وقد ظهر من رواية عكرمة الباعث على قتله وأنه اطلع على عورة المسلمين وبادر ليعلم أصحابه فيغتنمون غرتهم، وكان في قتله مصلحة للمسلمين قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق، وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي: ينتقض عهده بذلك. وعند الشافعية خلاف. أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا. وفيه حجة لمن قال إن السلب كله للقاتل، وأجاب من قال لا يستحق ذلك إلا بقول الإمام أنه ليس في الحديث ما يدل على أحد الأمرين بل هو محتمل لهما، لكن أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن ربيعة عن أبي العميس بلفظ: "قام رجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عين للمشركين فقال: من قتله فله سلبه، قال فأدركته فقتلته، فنفلني سلبه" فهذا يؤيد الاحتمال الثاني، بل قال القرطبي: لو قال القاتل يستحق السلب بمجرد القتل لم يكن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "له سلبه أجمع" مزيد فائدة، وتعقب باحتمال أن يكون هذا الحكم إنما ثبت من حينئذ، وقد استدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لأن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} عام في كل غنيمة، فبين صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بزمن طويل أن السلب للقاتل سواء قيدنا ذلك بقول الإمام أم لا، وأما قول مالك "لم يبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا يوم حنين" فإن أراد أن ابتداء هذا الحكم كان يوم حنين فهو مردود لكن على غير مالك ممن منعه، فإن مالكا إنما نفي البلاغ، وقد ثبت في سنن أبي داود عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد في غزوة مؤتة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل" وكانت مؤتة قبل حنين بالاتفاق. وقال القرطبي: فيه أن للإمام أن ينفل جميع ما أخذته السرية من الغنيمة لمن يراه منهم، وهذا يتوقف على أنه لم يكن غنيمة إلا ذلك السلب. قلت: وما أبداه احتمالا هو الواقع، فقد وقع في رواية عكرمة بن عمار أن ذلك كان في غزوة هوازن وقد اشتهر ما وقع فيها بعد ذلك من الغنائم. قال ابن المنير: ترجم بالحربي إذا دخل بغير أمان وأورد الحديث المتعلق يعين المشركين وهو جاسوسهم، وحكم الجاسوس مخالف لحكم الحربي المطلق الداخل بغير أمان، فالدعوى أعم من الدليل. وأجيب بأن الجاسوس المذكور أوهم أنه ممن لله أمان، فلما قضى حاجته من التجسيس انطلق مسرعا ففطن له فظهر أنه حربي دخل بغير أمان، وقد تقدم بيان الاختلاف فيه.

(6/169)


174 - باب يُقَاتَلُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلاَ يُسْتَرَقُّونَ
3052- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلاَ يُكَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ".

(6/169)


قوله: "باب يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون" أي ولو نقضوا العهد، أورد فيه طرفا من قصة قتل عمر بن الخطاب. وهو قوله: "وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله" الحديث وسيأتي مبسوطا في المناقب، وقد تعقبه ابن التين بأنه ليس في الحديث ما يدل على ما ترجم به من عدم الاسترتاق، وأجاب ابن المنير بأنه أخذ من قوله: "وأوصيه بذمة الله" فإن مقتضى الوصية بالإشفاق أن لا يدخلوا في الاسترقاق، والذي قال أنهم يسترقون إذا نقضوا العهد ابن القاسم وخالفه أشهب والجمهور، ومحل ذلك إذا سبى الحربي الذمي ثم أسر المسلمون الذمي. وأغرب ابن قدامة فحكى الإجماع، وكأنه لم يطلع على خلاف ابن القاسم، وكأن البخاري اطلع عليه فلذلك ترجم به.

(6/170)


باب جوائز الوفد و باب هل يستشفع إلى أهل الذمة؟ ومعاملتهم
...
175 - بَاب جَوَائِزِ الْوَفْدِ
176 - باب هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ وَمُعَامَلَتِهِمْ
3053- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ". وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَقَالَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ
قوله: "باب جوائز الوفد"، "باب هل يستشفع إلى أهل الذمة؟ ومعاملتهم" كذا في جميع النسخ من طريق الفربري، إلا أن في رواية أبي علي بن شبوية عن الفربري تأخير ترجمة "جوائز الوفد" عن الترجمة "هل يستشفع" وكذا هو عند الإسماعيلي وبه يرتفع الإشكال، فإن حديث ابن عباس مطابق لترجمة جوائز الوفد لقوله فيه: "وأجيزوا الوفد" بخلاف الترجمة الأخرى، وكأنه ترجم بها وأخلى بياضا ليورد فيها حديثا يناسبها فلم يتفق ذلك. ووقع للنسفي حذف ترجمة جوائز الوفد أصلا، واقتصر على ترجمة هل يستشفع، وأورد فيها حديث ابن عباس المذكور، وعكسه رواية محمد بن حمزة عن الفربري، وفي مناسبته لها غموض، ولعله من جهة أن الإخراج أن الإخراج يقتضي رفع الاستشفاع، والحض على إجازة الوفد يقتضي حسن المعاملة، أو لعل "إلى" في الترجمة بمعنى اللام، أي هل يستشفع لهم عند الإمام وهل يعاملون؟ ودلالة "أخرجوهم من جزيرة العرب" و"أجيزوا الوفد" لذلك ظاهرة والله أعلم. وسيأتي شرح حديث ابن عباس المذكور في الوفاة من آخر المغازي. وقوله: "حدثنا قبيصة" كذا لأكثر الرواة عن الفربري وكذا في رواية النسفي، ولم يقع في الكتاب لقبيصة رواية عن سفيان بن عيينة إلا هذه وروايته فيه عن سفيان الثوري كثيرة جدا، وحكى الجياني عن رواية ابن السكن عن الفربري في هذا "قتيبة" بدل قبيصة، وروايته عن قتيبة لهذا الحديث بعينه ستأتي في أواخر المغازي، وقتيبة مشهور بالرواية عن ابن

(6/170)


عيينة دون قبيصة والحديث حديث ابن عيينة لا الثوري. قوله: "وقال يعقوب بن محمد" أي ابن عيسى الزهري، وأثره هذا وصله إسماعيل القاضي في كتاب أحكام القرآن عن أحمد بن المعدل عن يعقوب، وأخرجه يعقوب بن شبة عن أحمد بن المعدل عن يعقوب ابن محمد عن مالك بن أنس مثله. وقال الزبير بن بكار في "أخبار المدينة" أخبرت عن مالك عن ابن شهاب قال: جزيرة العرب المدينة. قال الزبير: قال غيره جزيرة العرب ما بين العذيب إلى حضر موت، قال الزبير: وهذا أشبه، وحضر موت آخر اليمن. وقال الخليل بن أحمد: سميت جزيرة العرب لأن بحر فارس وبحر الحبشة والفرات ودجلة أحاطت بها، وهي أرض العرب ومعدنها. وقال الأصمعي: هي ما لم يبلغه ملك فارس من أقصى عدن إلى أطراف الشام. وقال أبو عبيد: من أقصى عدن إلى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها من الساحل إلى أطراف الشام عرضا قوله: "قال يعقوب والعرج أول تهامة" العرج بفتح المهلة وسكون الراء بعدها جيم موضع بين مكة والمدينة، وهو غير العرج بفتح الراء الذي من الطائف. وقال الأصمعي جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها إلى أطراف الشام عرضا، وسميت جزيرة العرب لإحاطة البحار بها، يعني بحر الهند وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الحبشة، وأضيفت إلى العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم، لكن الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة اليمامة ما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب، هذا مذهب الجمهور. وعن الحنفية يجوز مطلقا إلا المسجد، وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة. وقال الشافعي لا يدخلون الحرم أصلا إلا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين خاصة.

(6/171)


177 - باب التَّجَمُّلِ لِلْوُفُودِ
3054- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ الْحُلَّةَ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوُفُودِ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ أَوْ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ أَوْ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ فَقَالَ تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِكَ".
قوله: "باب التجمل للوفد" ذكر فيه حديث ابن عمر في حلة عطارد. وسيأتي شرحه في اللباس. قال ابن المنير: موضع الترجمة أنه ما أنكر عليه طلبه للتجمل للوفود ولما ذكر، وإنما أنكر التجمل بهذا الصنف المنهي عنه.

(6/171)


178 - باب كَيْفَ يُعْرَضُ الإِسْلاَمُ عَلَى الصَّبِيِّ؟
3055- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ

(6/171)


179 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا. قَالَهُ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود أسلموا تسلموا قاله المقبري عن أبي هريرة" هو طرف من حديث سيأتي موصولا مع الكلام عليه في الجزية.

(6/175)


180 - باب إِذَا أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرَضُونَ فَهِيَ لَهُمْ
3058- حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ. قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟ ثُمَّ قَالَ نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمُحَصَّبِ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لاَ يُبَايِعُوهُمْ وَلاَ يُؤْوُوهُمْ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْخَيْفُ: الْوَادِي.
3059- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى فَقَالَ يَا هُنَيُّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لاَ أَبَا لَكَ فَالْمَاءُ وَالْكَلاَ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلاَمِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا".
قوله: "باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم" أشار بذلك إلى الرد على من قال من الحنفية إن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله إلا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئا للمسلمين، وقد خالفهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور، ويوافق الترجمة حديث أخرجه أحمد عن صخر بن العيلة البجلي قال: "فر قوم من بني سلم عن أرضهم فأخذتها، فأسلموا وخاصموني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فردها عليهم قال: إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله". قوله: "حدثنا محمود" هو ابن غيلان، وقوله: "حدثنا عبد

(6/175)


181 - باب كِتَابَةِ الإِمَامِ النَّاسَ
3060- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

(6/177)


قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلاَمِ مِنْ النَّاسِ فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةِ رَجُلٍ فَقُلْنَا نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهُوَ خَائِفٌ". حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الأَعْمَشِ فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَ مِائَةٍ. قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: "مَا بَيْنَ سِتِّمِائَةٍ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ".
3061- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ".
قوله: "باب كتابة الإمام الناس" أي من المقاتلة أو غيرهم، والمراد ما هو أعم من كتابته بنفسه أو بأمره. قوله: "حدثنا محمد بن يوسف" هو الفريابي، وسفيان هو الثوري. قوله: "اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام" في رواية أبا معاوية عن الأعمش عند مسلم: "احصوا" بدل اكتبوا، وهي أعم من اكتبوا، وقد يفسر احصوا باكتبوا. قوله: "فقلنا نخاف" هو استفهام تعجب وحذفت منه أداة الاستفهام وهي مقدرة، وزاد أبو معاوية في روايته: "فقال إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا" وكأن ذلك وقع عند ترقب ما يخاف منه، ولعله كان عند خروجهم إلى أحد أو غيرها. ثم رأيت في شرح ابن التين الجزم بأن ذلك كان عند حفر الخندق. وحكى الداودي احتمال أن ذلك وقع لما كانوا بالحديبية لأنه قد اختلف في عددهم هل كانوا ألفا وخمسمائة أو ألفا وأربعمائة أو غير ذلك مما سيأتي في مكانه وأما قول حذيفة "فلقد رأيتنا ابتلينا إلخ" فيشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلي وحده سرا ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة، وقيل كان ذلك حين أتم عثمان الصلاة في السفر وكان بعضهم يقصر سرا وحده خشية الإنكار عليه، ووهم من قال إن ذلك كان أيام قتل عثمان لأن حذيفة لم يحضر ذلك، وفي ذلك علم من أعلام النبوة من الإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره. قوله: "حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش فوجدناهم خمسمائة" يعني أن أبا حمزة خالف الثوري عن الأعمش في هذا الحديث بهذا السند فقال خمسمائة ولم يذكر الألف. قوله: "قال أبو معاوية ما بين ستمائة إلى سبعمائة" أي أن أبا معاوية خالف الثوري أيضا عن الأعمش بهذا الإسناد في العدة، وطريق أبي معاوية هذه وصلها مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه، وكأن رواية الثوري رجحت عند البخاري فلذلك اعتمدها لكونه أحفظهم مطلقا وزاد عليهم، وزيادة الثقة الحافظ مقدمة، وأبو معاوية وإن كان أحفظ أصحاب الأعمش بخصوصه ولذلك اقتصر مسلم على روايته لكنه لم يجزم بالعدد فقدم البخاري رواية الثوري لزيادتها بالنسبة لرواية الاثنين ولجزمها بالنسبة لرواية أبي معاوية، وأما ما ذكره الإسماعيلي أن يحيى بن سعيد الأموي وأبا بكر بن عياش وافقا أبا حمزة في قوله خمسمائة فتتعارض الأكثرية والأحفظية فلا يخفى بعد ذلك الترجيح بالزيادة، وبهذا يظهر رجحان نظر البخاري على غيره. وسلك الداودي الشارح طريق الجمع فقال: لعلهم كتبوا مرات في مواطن. وجميع بعضهم بأن المراد بالألف وخمسمائة جميع من أسلم من رجل وامرأة وعبد وصبي، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة الرجال خاصة وبالخمسمائة المقاتلة خاصة. وهو

(6/178)


أحسن من الجمع الأول وإن كان بعضهم أبطله بقوله في الرواية الأولى ألف وخمسمائة رجل لإمكان أن يكون الراوي أراد بقوله رجل نفس، وجمع بعضهم بأن المراد بالخمسمائة المقاتلة من أهل المدينة خاصة، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة هم ومن ليس بمقاتل، وبالألف وخمسمائة هم ومن حولهم من أهل القرى والبوادي. قلت: ويخدش في وجوه هذه الاحتمالات كلها اتحاد مخرج الحديث ومداره على الأعمش بسنده واختلاف أصحابه عليه في العدد المذكور. والله أعلم. وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش، وقد يتعين ذلك عند الاحتياج إلى تمييز من يصلح للمقاتلة. بمن لا يصلح، وفيه وقوع العقوبة على الإعجاب بالكثرة وهو نحو قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} الآية. وقال ابن المنير: موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل أن كتابة الجيش وإحصاء عدده يكون ذريعة لارتفاع البركة، بل الكتابة المأمور بها لمصلحة دينية، والمؤاخذة التي وقعت في حنين كانت من جهة الإعجاب. حديث ابن عباس "قال رجل يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا" وهو يرجح الرواية الأولى بلفظ: "اكتبوا" لأنها مشعرة بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج في المغازي، وقد تقدم شرح الحديث في الحج مستوفى.

(6/179)


182 - باب إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ
3062- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح و حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِي قُلْتَ لَهُ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا وَقَدْ مَاتَ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِلَى النَّارِ" قَالَ: فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا فَلَمَّا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلًا فَنَادَى بِالنَّاسِ إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ".
[الحديث 3062 – أطرافه في: 4203، 4204، 6606]
قوله: "باب إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر" ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة الرجل الذي قاتل وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه من أهل النار" وظهر بعد ذلك أنه قتل نفسه. وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي، وهو ظاهر فيما ترجم به، وساقه هنا على لفظ معمر وهذا هو السبب في عطفه لطريقه على طريق شعيب. وقال المهلب وغيره: لا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نستعين بمشرك" لأنه إما خاص بذلك الوقت، وإما أن يكون المراد به الفاجر غير المشرك. قلت: الحديث أخرجه مسلم، وأجاب عنه الشافعي بالأول، وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك وقصته مشهورة في المغازي، وأجاب غيره في الجمع بينهما بأوجه غير هذه: منها أنه

(6/179)


صلى الله عليه وسلم تفرس في الذي قال له "لا أستعين بمشرك" الرغبة في الإسلام فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه؛ ومنها أن الأمر فيه إلى رأي الإمام، وفي كل منهما نظر من جهة أنها نكرة في سياق النفي فيحتاج مدعي التخصيص إلى دليل. وقال الطحاوي: قصة صفوان لا تعارض قوله: "لا أستعين بمشرك" لأن صفوان خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم باختياره لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، قلت: وهي تفرقة لا دليل عليها ولا أثر لها؛ وبيان ذلك أن المخالف لا يقول به مع الإكراه، وأما الأمر فالتقرير يقوم مقامه. قال ابن المنير: موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل في الإمام إذا حمى حوزة الإسلام وكان غير عادل أنه يطرح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه، فأراد أن هذا التخيل مندفع بهذا النص، وأن الله قد يؤيد دينه بالفاجر، وفجوره على نفسه.

(6/180)


183 - باب مَنْ تَأَمَّرَ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ إِذَا خَافَ الْعَدُوَّ
3063- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ عَلَيْهِ وَمَا يَسُرُّنِي أَوْ قَالَ مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا وَقَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ".
قوله: "باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو" أي جاز ذلك. حديث أنس في قصة أخذ خالد الراية في يوم مؤتة، وسيأتي شرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وهو ظاهر فما ترجم له به أيضا. قال ابن المنير: يؤخذ من حديث الباب أن من يعين لولاية وتعذرت مراجعة الإمام أن الولاية تثبت لذلك المعين شرعا وتجب طاعته حكما. كذا قال، ولا يخفى أن محله ما إذا اتفق الحاضرون عليه. قال: ويستفاد منه صحة مذهب مالك في أن المرأة إذا لم يكن لها ولي إلا السلطان فتعذر إذن السلطان أن يزوجها الآحاد، وكذا إذا غاب إمام الجمعة قدم الناس لأنفسهم.

(6/180)


184 - باب الْعَوْنِ بِالْمَدَدِ
3064- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لَحْيَانَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ فَأَمَدَّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِينَ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ الْقُرَّاءَ يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ قَتَادَةُ وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا أَلاَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ".
قوله: "باب العون بالمدد" بفتح الميم: ما يمد به الأمير بعض العسكر من الرجال. ذكر فيه حديث أنس في قصة

(6/180)


185 - باب مَنْ غَلَبَ الْعَدُوَّ فَأَقَامَ عَلَى عَرْصَتِهِمْ ثَلاَثًا
3065- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ". تَابَعَهُ مُعَاذٌ وَعَبْدُ الأَعْلَى "حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 3065 – طرفه في: 3976]
قوله: "باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثا" العرصة بفتح المهلتين وسكون الراء بينهما: هي البقعة الواسعة بغير بناء من دار وغيرها. قوله: "ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة" كذا رواه قتادة، ورواه ثابت عن أنس بغير ذكر أبي طلحة، وهذه الطريق عن روح بن عبادة عن سعيد وهو ابن أبي عروبة مختصرة. وقد أوردها المصنف في المغازي في غزوة بدر عن شيخ آخر عن روح بأتم من هذا السياق، ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: "تابعه معاذ وعبد الأعلى عن قتادة إلخ" أما متابعة معاذ وهو ابن معاذ العنبري فوصلها أصحاب السنن الثلاثة من طريقه ولفظه: "أحب أن يقيم بالعرصة ثلاثا" وأما متابعة عبد الأعلى وهو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة فوصلها أبو بكر بن أبي شيبة عنه ومن طريق الإسماعيلي. وأخرجها مسلم عن يوسف بن حماد عنه، قال المهلب: حكمة الإقامة لإراحة الظهر والأنفس، ولا يخفى أن محله إذا كان في أمن من عدو وطارق، والاقتصار على ثلاث يؤخذ منه أن الأربعة إقامة. وقال ابن الجوزي: إنما كان يقيم ليظهر تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وقلة الاحتفال، فكأنه يقول: من كانت فيه قوة منكم فليرجع إلينا. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون المراد أن تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بإيقاع الطاعة فيها بذكر الله وإظهار شعار المسلمين. وإذا كان ذلك في حكم الضيافة ناسب أن يقيم عليها ثلاثا لأن الضيافة ثلاثة.

(6/181)


186 - باب مَنْ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فِي غَزْوِهِ وَسَفَرِهِ
وَقَالَ رَافِعٌ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ
3066- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا أَخْبَرَهُ قَالَ: "اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ".
قوله: "باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره" أشار بذلك إلى الرد على قول الكوفيين إن الغنائم لا تقسم في دار الحرب، واعتلوا بأن الملك لا يتم عليها إلا بالاستيلاء، ولا يتم الاستيلاء إلا بإحرازها في دار الإسلام. وقال

(6/181)


187 - باب إِذَا غَنِمَ الْمُشْرِكُونَ مَالَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ وَجَدَهُ الْمُسْلِمُ
3067- وقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 3067 – طرفاه في: 3068، 3069]
3068- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ "أَنَّ عَبْدًا لِابْنِ عُمَرَ أَبَقَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَدَّهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَّ فَرَسًا لِابْنِ عُمَرَ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَرَدُّوهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ".
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: عَارَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَيْرِ وَهُوَ حِمَارُ وَحْشٍ أَيْ هَرَبَ
3069- حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما أنه "كان على فرس يوم لقي المسلمون وأمير المسلمين يومئذ خالد بن الوليد بعثه أبو بكر فأخذه العدو فلما هزم العدو رد خالد فرسه".
قوله: "باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم" أي هل يكون أحق به، أو يدخل الغنيمة؟ وهذا مما اختلف فيه، فقال الشافعي وجماعة: لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئا من مال المسلم، ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها. وعن علي والزهري وعمرو بن دينار والحسن: لا يرد أصلا، ويختص به أهل المغانم. وقال عمر وسليمان بن ربيعة وعطاء والليث ومالك وأحمد وآخرون، وهي رواية عن الحسن أيضا ونقلها ابن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء السبعة: إن وجده صاحبه قبل القسمة فهو أحق به، وإن وجده بعد القسمة فلا يأخذه إلا بالقسمة، واحتجوا بحديث عن ابن عباس مرفوعا بهذا التفصيل أخرجه الدار قطني وإسناده ضعيف جدا، وعن أبي حنيفة كقول مالك إلا في الآبق فقال هو والثوري: صاحبه أحق به مطلقا. قوله: "وقال ابن نمير" يعني عبد الله، وطريقه هذه وصلها أبو داود وابن ماجه. قوله: "ذهب وقوله فأخذه" في رواية الكشميهني: "ذهبت" وقال: "فأخذها" والفرس اسم جنس يذكر ويؤنث. قوله: "في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم" كذا وقع في رواية ابن نمير أن قصة الفرس

(6/182)


في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقصة العبد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه يحيى وهو القطان عن عبيد الله وهو العمري كما هي الرواية الثانية في الباب فجعلهما معا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا وقع في رواية موسى ابن عقبة عن نافع وهي الرواية الثالثة في الباب فصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر، وقد وافق ابن نمير إسماعيل بن زكريا أخرجه الإسماعيلي من طريقه، وأخرجه من طريق ابن المبارك عن عبيد الله فلم يعين الزمان، لكن قال في روايته: "إنه افتدى الغلام بروميين" وكأن هذا الاختلاف هو السبب في ترك المصنف الجزم في الترجمة بالحكم لتردد الرواة في رفعه ووقفه، لكن للقائل به أن يحتج بوقوع ذلك في زمن أبي بكر الصديق والصحابة متوافرون من غير نكير منهم. وقوله في رواية موسى بن عقبة "يوم لقي المسلمون" كذا هنا بحذف المفعول، وبينه الإسماعيلي في روايته عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وأبو نعيم من طريق أحمد ابن يحيى الحلواني كلاهما عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه فقال فيه: "يوم لقي المسلمون طيئا وأسدا" وزاد فيه سبب أخذ العدو لفرس ابن عمر ففيه: "فاقتحم الفرس بعبد الله بن عمر جرفا فصرعه وسقط ابن عمر فعار الفرس" والباقي مثله، وروى عبد الرزاق أن العبد الذي أبق لابن عمر كان يوم اليرموك، أخرجه عن معمر عن أيوب عن نافع عنه. قوله: "قال أبو عبد الله عار" بمهملة وراء مشتق من العير "وهو حمار وحش، أي هرب" قال ابن التين: أراد أنه فعل فعله في النفار. وقال الخليل: يقال عار الفرس والكلب عيارا أي أفلت وذهب. وقال الطبري: يقال ذلك للفرس إذا فعله مرة بعد مرة، ومنه قيل للبطال من الرجال الذي لا يثبت على طريقه: عيار، ومنه سهم عاير إذا كان لا يدري من أين أتى.

(6/183)


188 - باب مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ
وَقَوْلِ الله عزَّ وجلَّ [22 الروم]: {وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}
وقال [4 إبراهيم]: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}
3070- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ فَصَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ".
[الحديث 3070 – طرفاه في: 4101، 4102]
3071- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَنَهْ سَنَهْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ قَالَتْ فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أَبِي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْهَا ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ".
[الحديث 3071 – أطرافه في: 3874، 5823، 5845، 5993]
3072- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ

(6/183)


عَنْهُ "أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: بِالْفَارِسِيَّةِ "كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ".
قوله: "باب من تكلم بالفارسية" أي بلسان الفرس، قيل إنهم ينتسبون إلى فارس بن كومرث، واختلف في كومرث قيل إنه من ذرية سام بن نوح وقيل من ذرية يافث بن نوح وقيل إنه ولد آدم لصلبه وقيل إنه آدم نفسه وقيل لهم الفرس لأن جدهم الأعلى ولد له سبعة عشر ولدا كان كل منهم شجاعا فارسا فسموا الفرس، وفيه نظر لأن الاشتقاق يختص باللسان العربي والمشهور أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من ذللت له الخيل، والفروسية ترجع إلى الفرس من الخيل وأمة الفرس كانت موجودة. قوله: "والرطانة" بكسر الراء ويجوز فتحها، هو كلام غير العربي، قالوا: فقه هذا الباب يظهر في تأمين المسلمين لأهل الحرب بألسنتهم، وسيأتي مزيد لذلك في أواخر الجزية في "باب إذا قالوا صبأنا ولم يقولوا أسلمنا" وقال الكرماني: الحديث الأول كان في غزوة الخندق والآخران بالتبعية، كذا قال، ولا يخفى بعده، والذي أشرت إليه أقرب. قوله: "وقول الله عز وجل: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}" كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته فاقتضى أن يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه، ويحتمل أن يقال: لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لإمكان الترجمان الموثوق به عندهم. حديث جابر في قصة بركة الطعام الذي صنعه بالخندق، وسيأتي بتمامه بهذا الإسناد مع شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى، والغرض منه قوله: "أن جابرا قد صنع سورا" وهو بضم المهملة وسكون الواو قال الطبري: السور بغير همز الصنيع من الطعام الذي يدعى إليه وقيل الطعام مطلقا، وهو بالفارسية وقيل بالحبشية، وبالهمز بقية الشيء والأول هو المراد هنا. قال الإسماعيلي: السور كلمة بالفارسية. قيل له أليس هو الفضلة؟ قال لم يكن هناك شيء فضل ذلك منه، إنما هو بالفارسية من أتى دعوة. وأشار المصنف إلى ضعف ما ورد من الأحاديث الواردة في كراهة الكلام بالفارسية كحديث: "كلام أهل النار بالفارسية" وكحديث: "من تكلم بالفارسية زادت في خبثه ونقصت من مروءته" أخرجه الحاكم في مستدركه وسنده واه. وأخرج فيه أيضا عن عمر رفعه: "من أحسن العربية فلا يتكلمن: بالفارسية فإنه يورث النفاق" الحديث وسنده واه أيضا. حديث أم خالد بنت خالد، وسيأتي بهذا الإسناد في كتاب الأدب، ويأتي شرحه في اللباس، والغرض منه قوله: "سنه سنه " وهو بفتح النون وسكون الهاء. وفي رواية الكشميهني: "سناه" بزيادة ألف والهاء فيهما للسكت وقد تحذف، قال ابن قرقول: هو بفتح النون الخفيفة عند أبي ذر وشددها الباقون وهي بفتح أوله للجميع إلا القابسي فكسره. قوله في آخره "قال عبد الله فبقيت حتى ذكر" أي ذكر الراوي من بقائها أمدا طويلا، وفي نسخة الصغاني وغيرها "حتى ذكرت" ولبعضهم "حتى دكن" بمهملة وآخره نون أي اتسخ، وسيأتي في كتاب الأدب. ووقع في نسخة الصغاني هنا من الزيادة في آخر الباب: "قال أبو عبد الله هو المصنف: "لم تعش امرأة مثل ما عاشت هذه يعني أم خالد". قلت: وإدراك موسى بن عقبة دال على طول عمرها لأنه لم يلق من الصحابة غيرها. "تنبيه": خالد بن سعيد المذكور في السند شيخ عبد الله وهو ابن المبارك هو خالد

(6/184)


ابن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أخو إسحاق بن سعيد وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وقد كرره عنه كما نبهت عليه. وفي طبقته خالد بن سعيد بن أبي مريم المدني لكن لم يخرج له البخاري ولا لابن المبارك عنه رواية، وأوهم الكرماني أن شيخ ابن المبارك هنا هو خالد بن الزبير بن العوام. ولا أدري من أين له ذلك؟ بل لم أر لخالد بن الزبير رواية في شيء من الكتب الستة. ثم راجعت كلامه فعلمت مراده فإنه قال: لفظ خالد المذكور هنا ثلاث مرار، والثاني غير الأول، وهو خالد بن الزبير بن العوام، والثالث غير الثاني وهو خالد بن سعيد بن العاص، فقوله: "والثاني" يوهم أن المراد خالد بن سعيد وإنما مراده خالد المذكور في كنية أم خالد، وكان يغني عن هذا التطويل أن يقول: إن أم خالد سمت ولدها باسم والدها، وكان الزبير بن العوام تزوجها فولدت له خالد بن الزبير، فهذا يوضح المراد مع مزيد الفائدة. والذي نبه عليه ليس تحته كبير أمر، فإن خالد بن سعيد الراوي عن أم خالد لا يظن أحد أنه أبوها إلا من يقف مع مجرد التجويز العقلي، فإن من المقطوع به عند المحدثين أن عبد الله بن المبارك ما أدركها فضلا عن أن يروي عن أبيها، وأبوها استشهد في خلافة أبي بكر أو عمر فانحصرت الفائدة في التنبيه على سبب كنية أم خالد. حديث أبي هريرة "أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة" الحديث والغرض منه قوله: "كخ كخ" وهي كلمة زجر للصبي عما يريد فعله، وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الزكاة وقد نازع الكرماني في كون الألفاظ الثلاثة عجمية، لأن الأول يجوز أن يكون من توافق اللغتين، والثاني يجوز أن يكون أصله "حسنه" فحذف أوله إيجازا، والثالث من أسماء الأصوات وقد أجاب عن الأخير ابن المنير فقال: وجه مناسبته أنه صلى الله عليه وسلم خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل، فهو كمخاطبة العجمي بما يفهمه من لغته. قلت: وبهذا يجاب عن الباقي، ويزاد بأن تجويزه حذف أول حرف من الكلمة لا يعرف، وتشبيهه بقوله: "كفى بالسيف شا" لا يتجه، لأن حذف الأخير معهود في الترخيم، والله أعلم.

(6/185)


189 - بَاب الْغُلُولِ. وَقَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ [161 آل عمران]: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ}
3073- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ قَالَ لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ" . وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ: "فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ".
قوله: "باب الغلول" بضم المعجمة واللام، أي الخيانة في المغنم. قال ابن قتيبة: سمي بذلك لأن آخذه يغله في متاعه، أي يخفيه فيه. ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر. قوله: وقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ}. أورد فيه حديث أبي هريرة "قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه" الحديث. ويحيى هو

(6/185)


القطان، وأبو حيان هو يحيى بن سعيد التيمي. قوله: "لا ألفين" بضم أوله وبالفاء أي لا أجد، هكذا الرواية للأكثر بلفظ النفي المؤكد والمراد به النهي وبالفاء وكذا عند الحموي والمستملي، لكن روى بفتح الهمزة وبالقاف من اللقاء وكذا لبعض رواة مسلم والمعنى قريب. ومنهم من حذف الألف على أن اللام للقسم وفي توجيهه تكلف، والمعروف أنه بلفظ النفي المراد به النهي، وهو وإن كان من نهي المرء نفسه فليس المراد ظاهره، وإنما المراد نهي من يخاطبه عن ذلك وهو أبلغ. قوله: "أحدكم يوم القيامة على رقبته" في رواية مسلم "يجئ يوم القيامة وعلى رقبته" وهو حال من الضمير في يجئ، و"شاة" فاعل الظرف لاعتماده أي هي حالة شنيعة ولا ينبغي لكم أن أراكم عليها يوم القيامة. وفي حديث عبادة بن الصامت في السنن "إياكم والغلول، فإنه عار على أهله يوم القيامة". قوله: "شاة لها ثغاء" بضم المثلثة وتخفيف المعجمة وبالمد صوت الشاة يقال ثغت تثغو، وقوله فرس له حمحمة يأتي في آخر الحديث. قوله: "لا أملك لك شيئا" أي من المغفرة، لأن الشفاعة أمرها إلى الله، وقوله: "قد بلغتك" أي فليس لك عذر بعد الإبلاغ، وكأنه صلى الله عليه وسلم أبرز هذا الوعيد في مقام الزجر والتغليظ وإلا فهو في القيامة صاحب الشفاعة في مذنبي الأمة. قوله: "بعير له رغاء" بضم الراء وتخفيف المعجمة وبالمد صوت البعير. قوله: "صامت" أي الذهب والفضة، وقيل ما لا روح فيه من أصناف المال. وقوله: "رقاع تخفق " أي تتقعقع وتضطرب إذا حركتها الرياح، وقيل معناه تلمع والمراد بها الثياب قاله ابن الجوزي. وقال الحميدي: المراد بها ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، واستبعده ابن الجوزي لأن الحديث سيق لذكر الغلول الحسي فحمله على الثياب أنسب، وزاد في رواية مسلم: "نفس لها صياح" وكأنه أراد بالنفس ما يغله من الرقيق من امرأة أو صبي قال المهلب: هذا الحديث وعيد لمن أنفذه الله عليه من أهل المعاصي، ويحتمل أن يكون الحمل المذكور لا بد منه عقوبة له بذلك ليفتضح على رءوس الأشهاد، وأما بعد ذلك فإلي الله الأمر في تعذيبه أو العفو عنه. وقال غيره: هذا الحديث يفسر قوله عز وجل: { َيأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي يأت به حاملا له على رقبته، ولا يقال إن بعض ما يسرق من النقد أخف من البعير مثلا والبعير أرخص ثمنا فكيف يعاقب الأخف جناية بالأثقل وعكسه؟ لأن الجواب أن المراد بالعقوبة بذلك فضيحة الحامل على رءوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم لا بالثقل والخفة، قال بن المنير: أظن الأمراء فهموا تجريس السارق ونحوه من هذا الحديث، وقد تقدم شرح بعض هذا الحديث في أوائل الزكاة. "تكميل" قال ابن المنذر: أجمعوا على أن على الغال أن يعيد ما غل قبل القسمة، وأما بعدها فقال الثوري والأوزاعي والليث ومالك: يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي، وكان الشافعي لا يرى بذلك ويقول إن كان ملكه فليس عليه أن يتصدق به، وإن كان لم يملكه فليس له الصدقة بمال غيره، قال: والواجب أن يدفعه إلى الإمام كالأموال الضائعة. قوله: "وقال أيوب عن أبي حيان فرس له حمحمة" كذا للأكثر في الموضعين "فرس له حمحمة" بمهملتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة ثم ميم قبل الهاء، وهو صوت الفرس عند العلف، وهو دون الصهيل. ووقع في رواية الكشميهني في الرواية الأولى "على رقبته له حمحمة" بحذف لفظ فرس، وكذا هو في رواية النسفي وأبي علي بن شبويه فعلى هذا تكون فائدة ذكر طريق أيوب التنصيص على ذكر الفرس. ولمسلم من أيوب وصلها مسلم من طريق حماد ومن طريق عبد الوارث جميعا عن أيوب عن أبي حيان عن أبي زرعة عن

(6/186)


أبي هريرة ولم يسق لفظها، وقد رويناها في كتاب الزكاة ليوسف القاضي بالحديث بتمامه وفيه: "ويجئ رجل على عنقه فرس له حمحمة" ورأيت في بعض النسخ في الرواية الأولى "فرس له حمحة" بميم واحدة ولا معنى له، فإن كان مضبوطا فكأنه نبه بهذه الرواية المعلقة على وجه الصواب.

(6/187)


190 - باب الْقَلِيلِ مِنْ الْغُلُولِ
وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَّقَ مَتَاعَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ.
3074- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا".
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ ابْنُ سَلاَمٍ: كَرْكَرَةُ يَعْنِي بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ مَضْبُوطٌ كَذَا
قوله: "باب القليل من الغلول" أي هل يلتحق بالكثير في الحكم أم لا؟ قوله: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه" يعني في حديثه الذي ساقه في الباب في قصة الذي غل العباءة. وقوله: "وهذا أصح" أشار إلى تضعيف ما روي عن عبد الله بن عمرو في الأمر بحرق رحل الغال، والإشارة بقوله هذا إلى الحديث الذي ساقه، والأمر بحرق رحل الغال أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء قال: "دخلت مع مسلمة ابن عبد الملك أرض الروم فأتى برجل قد غل، فسأل سالما - أي ابن عبد الله بن عمر - عنه فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه" ثم ساقه من وجه أخر عن سالم موقوفا، قال أبو داود: هذا أصح. وقال البخاري في التاريخ: يحتجون بهذا الحديث في إحراق رحل الغال، وهو باطل ليس له أصل وراويه لا يعتمد عليه، وروى الترمذي عنه أيضا أنه قال: صالح منكر الحديث. وقد جاء في غير حديث ذكر الغال وليس فيه الأمر بحرق متاعه. قلت: وجاء من غير طريق صالح بن محمد أخرجه أبو داود أيضا من طريق زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ثم أخرجه من وجه آخر عن زهير عن عمرو بن شعيب موقوفا عليه وهو الراجح، وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد في رواية، وهو قول مكحول والأوزاعي، وعن الحسن: يحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف. وقال الطحاوي: لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال. "تنبيه": حكى بعض الشراح عن رواية الأصيلي أنه وقع فيها هنا "ويذكر عن عبد الله بن عمرو الخ" بدل قوله: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو" فإن كان كما ذكر فقد عرف المراد بذلك ويكون قوله هذا أصح إشارة إلى أن حديث الباب الذي لم يذكر فيه التحريق أصح من الرواية التي ذكرها بصيغة التمريض وهي التي أشرت إليها من نسخة عمرو بن شعيب. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار، وكذا هو عند ابن ماجه عن هشام بن عمار عن سفيان. قوله: "على ثقل" بمثلثة وقاف مفتوحتين: العيال وما يثقل حمله من الأمتعة. قوله: "كركرة" ذكر الواقدي أنه كان أسود يمسك دابة صلى الله عليه وسلم في القتال، وروى أبو سعيد النيسابوري في "شرف المصطفى" أنه كان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقه، وذكر

(6/187)


البلاذري أنه مات في الرق أو اختلف في ضبطه فذكر عياض أنه يقال بفتح الكافين وبكسرهما. وقال النووي إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقا، وقد أشار البخاري إلى الخلاف في ذلك بقوله في آخر الحديث: "قال ابن سلام كركرة" وأراد بذلك أن شيخه محمد بن سلام رواه عن ابن عيينة بهذا الإسناد بفتح الكاف، وصرح بذلك الأصيلي في روايته فقال: يعني بفتح الكاف والله أعلم. قال عياض: هو للأكثر بالفتح في رواية علي وبالكسر في رواية ابن سلام وعند الأصيلي بالكسر في الأول. وقال القابسي: لم يكن عند المروزي فيه ضبط إلا أني أعلم أن الأول خلاف الثاني. وفي الحديث تحريم قليل الغلول وكثيره، و قوله: "هو في النار" أي يعذب على معصيته، أو المراد هو في النار إن لم يعف الله عنه.

(6/188)


191 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ذَبْحِ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ فِي الْمَغَانِمِ
3075- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ وَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ وَفِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ فَقَالَ هَذِهِ الْبَهَائِمُ لَهَا أَوَابِدُ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا فَقَالَ جَدِّي إِنَّا نَرْجُو أَوْ نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ فَقَالَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ".
قوله: "باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم" ذكر فيه حديث رافع بن خديج في ذبحهم الإبل التي أصابوها لأجل الجوع ونصبهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور. وفيه قصة البعير الذي ند، وفيه السؤال عن الذبح بالقصب وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في كتاب الذبائح، وقد مضى في الشركة وغيرها، وموضع الترجمة منه أمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور فإنه مشعر بكراهة ما صنعوا من الذبح بغير إذن. وقال المهلب: إنما أكفأ القدور ليعلم أن الغنيمة إنما يستحقونها بعد قسمته لها، وذلك أن القصة وقعت في دار الإسلام لقوله فيها "بذي الحليفة" وأجاب ابن المنير بأنه قد قيل إن الذبح إذا كان على طريق التعدي كان المذبوح ميتة، وكأن البخاري انتصر لهذا المذهب أو حمل الإكفاء على العقوبة بالمال وإن كان ذلك المال لا يختص بأولئك الذين ذبحوا، لكن لما تعلق به طمعهم. كانت النكاية حاصلة لهم، قال: وإذا جوزنا هذا النوع من العقوبة فعقوبة صاحب المال في ماله أولى، ومن ثم قال مالك: يراق اللبن المغشوش ولا يترك لصاحبه وإن زعم أنه ينتفع به بغير البيع أدبا له، انتهى. وقال القرطبي: المأمور بإكفائه إنما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا، وأما نفس اللحم فلم يتلف، بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغانم لأن النهي عن إضاعة المال تقدم، والجناية بطبخه لم تقع من الجميع إذ من جملتهم أصحاب الخمس ومن الغانمين من لم يباشر ذلك، وإذا لم ينقل أنهم أحرقوه وأتلفوه تعين تأويله على وفق القواعد الشرعية، ولهذا

(6/188)


قال في الحمر الأهلية لما أمر بإراقتها "إنها رجس" ولم يقل ذلك في هذه القصة، فدل على أن لحومها لم تترك بخلاف تلك والله أعلم. وسيأتي بيان ما أبيح للغازي من الأكل من المغانم ما داموا في بلاد العدو في "باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب في أواخر فرض الخمس".

(6/189)


192 - باب الْبِشَارَةِ فِي الْفُتُوحِ
3076- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَ بَيْتًا فِيهِ خَثْعَمُ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي فَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا فَأَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ". قَالَ مُسَدَّدٌ: "بَيْتٌ فِي خَثْعَمَ".
قوله: "باب البشارة في الفتوح" ذكر فيه حديث جرير في قصة ذي الخلصة. وسيأتي شرحه في أواخر المغازي والمراد منه قوله في آخره: "فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره" وقوله في آخره: "قال مسدد بيت في خثعم" يريد أن مسددا رواه عن يحيى القطان بالإسناد الذي ساقه المصنف عن محمد بن المثنى عن يحيى فقال: بدل قوله: "وكان بيتا في خثعم"(1) وهذه الرواية هي الصواب. وقد رواه أحمد في مسنده عن يحيى فقال: "بيتا لخثعم" وهي موافقة لرواية مسدد.
ـــــــ
(1) عبارة القسطلاني: بدل قوله: "وكان بيتا فيه خثعم: بيت في خثعم" وهو الصواب. ونبه عليه مصحح طبعة بولاق

(6/189)


193 - باب مَا يُعْطَى الْبَشِيرُ. وَأَعْطَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ثَوْبَيْنِ حِينَ بُشِّرَ بِالتَّوْبَةِ
قوله: "باب ما يعطى للبشير وأعطى كعب بن مالك ثوبين حين بشر بالتوبة" يشير إلى حديثه الطويل في قصة تخلفه في غزوة تبوك، وسيأتي في المغازي، وهو ظاهر فيما ترجم له، وسيأتي أن البشير هو سلمة ابن الأكوع.

(6/189)


194 - باب لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ
3077- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لاَ هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
3078، 3079- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ

(6/189)


195 - باب إِذَا اضْطَرَّ الرَّجُلُ إِلَى النَّظَرِ فِي شُعُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُؤْمِنَاتِ إِذَا عَصَيْنَ اللَّهَ وَتَجْرِيدِهِنَّ
3081- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ عُثْمَانِيًّا فَقَالَ لِابْنِ عَطِيَّةَ وَكَانَ عَلَوِيًّا: "إِنِّي لاَعْلَمُ مَا الَّذِي جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالزُّبَيْرَ فَقَالَ ائْتُوا رَوْضَةَ كَذَا وَتَجِدُونَ بِهَا امْرَأَةً أَعْطَاهَا حَاطِبٌ كِتَابًا فَأَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَقُلْنَا الْكِتَابَ قَالَتْ لَمْ يُعْطِنِي فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ أَوْ لاَجَرِّدَنَّكِ فَأَخْرَجَتْ مِنْ حُجْزَتِهَا فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِبٍ فَقَالَ لاَ تَعْجَلْ وَاللَّهِ مَا كَفَرْتُ وَلاَ ازْدَدْتُ لِلْإِسْلاَمِ إِلاَّ حُبًّا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُمَرُ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَإِنَّهُ قَدْ نَافَقَ فَقَالَ مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَهَذَا الَّذِي جَرَّأَهُ".

(6/190)


قوله: "باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن" ورد فيه حديث علي في قصة المرأة التي كتب معها حاطب إلى أهل مكة، ومناسبته للترجمة ظاهرة في رؤية الشعر من قوله في الروايات الأخرى "فأخرجته من عقاصها" وهي ذوائبها المضفورة، وفي التجريد من قول علي "لأجردنك". وقد تقدم في "باب الجاسوس" من وجه آخر عن علي، ويأتي شرحه في تفسير سورة الممتحنة. وقوله في الإسناد "عن أبي عبد الرحمن" هو السلمي. وقوله: "وكان عثمانيا" أي يقدم عثمان على علي في الفضل. وقوله: "فقال لابن عطية" هو حبان بكسر المهملة وبالموحدة على الصحيح كما سيأتي في استتابة المرتدين. وقوله: "وكان علويا" أي يقدم عليا في الفضل على عثمان وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل السنة بالكوفة. قال ابن المنير: ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة مسلمة أو ذمية، لكن لما استوى حكمها في تحريم النظر لغير حاجة شملهما الدليل. وقال ابن التين: إن كانت مشركة لم توافق الترجمة، وأجيب بأنها كانت ذات عهد فحكمها حكم أهل الذمة. وقوله: "فأخرجت من حجزتها" كذا هنا بحذف المفعول، وفي الأخرى "فأخرجته" والحجزة بضم المهملة وسكون الجيم بعدها زاي: معقد الإزار والسراويل، ووقع في رواية القابسي "من حزتها" بحذف الجيم، قيل هي لغة عامية، وتقدم في "باب الجاسوس" أنها أخرجته من عقاصها، وجمع بينهما بأنها أخرجته من حجرتها فأخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى إخراجه أو بالعكس، أو بأن تكون عقيصتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته بحجزتها وهذا الاحتمال أرجح. وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون معها كتابان إلى طائفتين، أو المراد بالحجزة العقدة مطلقا وتكون رواية العقيصة أوضح من رواية الحجزة، أو المراد بالحجزة الحبل لأن الحجز هو شد وسط يدي البعير بحبل ثم يخالف فتعقد رجلاه ثم يشد طرفاه إلى حقويه. ويسمى أيضا الحجاز.

(6/191)


196 - باب اسْتِقْبَالِ الْغُزَاةِ
3082- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَحُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ "قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِابْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ نَعَمْ فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ".
3083- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَهَبْنَا نَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ".
[الحديث 3083 – طرفاه في: 4426، 4427]
قوله: "باب استقبال الغزاة" أي عند رجوعهم. قوله: "حدثنا عبد الله بن الأسود" في رواية الكشميهني بن أبي الأسود، وهو عبد الله بن محمد بن حميد الأسود وحميد جده يكنى أبا الأسود وهو الذي قرنه بيزيد بن زريع فنسب تارة إلى جده وأخرى إلى جد أبيه، وما لحميد بن الأسود في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في تفسير سورة البقرة. وقرنه فيه أيضا بيزيد بن زريع. وعبد الله شيخ البخاري يكنى أبا بكر وهو بها أشهر، وكان من الحفاظ، وهو ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي. قوله: "قال ابن الزبير لابن جعفر" كل منهما يسمى عبد الله.

(6/191)


قوله: "قال نعم فحملنا وتركك" ظاهره أن القائل "فحملنا" هو عبد الله بن جعفر وأن المتروك هو ابن الزبير، وأخرجه مسلم من طريق أبي أسامة وابن علية كلاهما عن حبيب بن الشهيد بهذا الإسناد مقلوبا ولفظه "قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير" جعل المستفهم عبد الله بن جعفر والقائل "فحملنا" عبد الله بن الزبير والذي في البخاري أصح، ويؤيده ما تقدم في الحج عن ابن عباس قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة استقبلته أغيلمة من بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه" فإن ابن جعفر من بني عبد المطلب بخلاف ابن الزبير وإن كان عبد المطلب جد أبيه لكنه جده لأمه. وأخرج أحمد والنسائي من طريق خالد بن سارة عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم حمله خلفه وحمل قثم بن عباس بين يديه، وقد حكى ابن التين عن الداودي أنه قال: في هذا الحديث من الفوائد حفظ اليتيم، يشير إلى أن جعفر بن أبي طالب كأن مات فعطف النبي صلى الله عليه وسلم على ولده عبد الله فحمله بين يديه، وهو كما قال. وأغرب ابن التين فقال: إن في الحديث النص بأنه صلى الله عليه وسلم حمل ابن عباس وابن الزبير ولم يحمل ابن جعفر، قال: ولعل الداودي ظن أن قوله: "فحملنا وتركك" من كلام ابن جعفر وليس كذلك، كذا قال، والذي قاله الداودي هو الظاهر من سياق البخاري، فما أدري كيف قال ابن التين إنه نص في خلافه، وقد نبه عياض على أن الذي وقع في البخاري هو الصواب، قال: وتأويل رواية مسلم أن يجعل الضمير في "حملنا" لابن جعفر فيكون المتروك ابن الزبير، قال ووقع على الصواب أيضا عند ابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة وغيرهما. قلت: وقد روي أحمد الحديث عن ابن علية فبين سبب الوهم ولفظه مثل مسلم، لكن زاد بعد قوله: "قال نعم: قال فحملنا" قال أحمد "وحدثنا به مرة أخرى فقال فيه: قال نعم فحملنا" يعنى وأسقط "قال" التي بعد نعم. قلت: وبإثباتها توافق رواية البخاري وبحذفها تخالفها والله أعلم. وفي حديث ابن جعفر أيضا جواز الفخر بما يقع من إكرام النبي صلى الله عليه وسلم، وثبوت الصحبة له ولابن الزبير - وهما متقاربان في السن - وقد حفظا غير هذا. ثم ذكر المصنف حديث السائب بن يزيد في الملاقاة، وسيأتي في أواخر المغازي. ووقع لابن التين هنا في المراد بثنية الوداع شيء رده عليه شيخنا ابن الملقن، والصواب مع ابن التين.

(6/192)


197 - باب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنْ الْغَزْوِ
3084- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ كَبَّرَ ثَلاَثًا قَالَ آيِبُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَائِبُونَ عَابِدُونَ حَامِدُونَ لِرَبِّنَا سَاجِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ"
3085- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فَعَثَرَتْ نَاقَتُهُ فَصُرِعَا جَمِيعًا فَاقْتَحَمَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ عَلَيْكَ الْمَرْأَةَ فَقَلَبَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِهِ وَأَتَاهَا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهَا وَأَصْلَحَ لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا فَرَكِبَا وَاكْتَنَفْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(6/192)


فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ".
3086- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ "عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةُ مُرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتْ النَّاقَةُ فَصُرِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَرْأَةُ وَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ أَحْسِبُ قَالَ اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ لاَ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَصَدَ قَصْدَهَا فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا فَقَامَتْ الْمَرْأَةُ فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا فَرَكِبَا فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ أَوْ قَالَ أَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ".
قوله: "باب ما يقول إذا رجع من الغزو" ذكر فيه حديثين. أحدهما: حديث ابن عمر في قوله: "آيبون تائبون" الحديث، وقد تقدم شرحه في أواخر الحج. ثانيهما: حديث أنس في قصة وقوع صفية عن الناقة أخرجه من وجهين الثاني منهما في رواية الكشميهني وحده، وسيأتي شرحه في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى. وقوله فيه: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفله من عسفان" قال الدمياطي هذا وهم لأن غزوة عسفان إلى بني لحيان كانت سنة ست، وإرداف صفية كان في غزوة خيبر سنة سبع، وجوز بعضهم أن يكون في طريق خيبر مكان يقال له عسفان وهو مردود، والذي يظهر أن الراوي أضاف المقفل إلى عسفان لأن غزوة خيبر كانت عقبها وكأنه لم يعتد بالإقامة المتخللة بين الغزوتين لتقاربهما، وهذا كما قيل في حديث سلمة بن الأكوع الآتي في تحريم المتعة في غزوة أوطاس، وإنما كان تحريم المتعة بمكة فأضافها إلى أوطاس لتقاربهما، والعلم عند الله تعالى.

(6/193)


198 - باب الصَّلاَةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ
3087- حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن محارب بن دثار قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فلما قدمنا المدينة قال لي ادخل المسجد فصل ركعتين".
3088- حدثنا أبو عاصم عن بن جريج عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه وعمه عبيد الله بن كعب عن كعب رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر ضحى دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس".
قوله: "باب الصلاة إذا قدم من سفر" ذكر فيه حديث جابر في ذلك، وقد تقدم في أبواب الصلاة، وهو ظاهر فيما ترجم له، وكذا الذي بعده، وحديث كعب بن مالك تقدم في الصلاة أيضا، وهو طرف من حديثه الطويل.

(6/193)


199 - باب الطَّعَامِ عِنْدَ الْقُدُومِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ لِمَنْ يَغْشَاهُ
3089- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً زَادَ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اشْتَرَى مِنِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بِوَقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ فَأَكَلُوا مِنْهَا فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَوَزَنَ لِي ثَمَنَ الْبَعِيرِ".
3090- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَدِمْتُ مِنْ سَفَرٍ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَلِّ رَكْعَتَيْنِ". صِرَارٌ مَوْضِعٌ نَاحِيَةً بِالْمَدِينَةِ
قوله: "باب الطعام عند القدوم" أي من السفر، وهذا الطعام يقال له النقيعة بالنون والقاف، قيل اشتق من النقع وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر، وقيل النقيعة من اللبن إذا برد، وقيل غير ذلك. قوله: "وكان ابن عمر يفطر لمن يغشاه" أي لأجل من يغشاه، والأصل فيه أن ابن عمر كان لا يصوم في السفر لا فرضا ولا تطوعا وكان يكثر من صوم التطوع في الحضر، وكان إذا سافر أفطر وإذا قدم صام إما قضاء إن كان سافر في رمضان وإما تطوعا إن كان في غيره، لكنه يفطر أول قدومه لأجل الذين يغشونه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم ثم يصوم. ووقع في رواية الكشميهني: "يصنع" بدل يفطر والمعنى صحيح، لكن الأول أصوب، فقد وصله إسماعيل القاضي في "كتاب أحكام القرآن" من طريق أيوب عن نافع قال: "كان ابن عمر إذا كان مقيما لم يفطر، وإذا كان مسافر لم يصم، فإذا قدم أفطر أياما لغاشيته ثم يصوم" قال ابن بطال: فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب عند السلف، ويسمى النقيعة بنون وقاف وزن عظيمة. ونقل عن المهلب أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر أطعم من يأتيه ويفطر معهم ويترك قضاء رمضان لأنه كان لا يصوم في السفر فإذا انتهى الطعام ابتدأ قضاء رمضان. قال وقد جاء هذا مفسرا في "كتاب الأحكام" لإسماعيل القاضي، وتعقبه ابن بطال بأن الأثر الذي أخرجه إسماعيل ليس فيه ما ادعاه المهلب، يعني من التقييد برمضان، وإن كان يتناوله بعمومه، وإنما حمل المهلب على ذلك ما جاء عن ابن عمر أنه كان يقول فيمن نوى الصوم ثم أفطر: أنه متلاعب وأنه دعي إلى وليمة فحضر ولم يأكل واعتذر بأنه نوى الصوم، فاحتاج أن يقيده بقضاء رمضان، والحق أنه لا يحتاج إلى ذلك إذا حمل على الصورة التي ابتدأت بها وهو أنه لا ينوي الصوم حينئذ بل يقصد الفطر لأجل ما ذكر، ثم يستأنف الصوم تطوعا كان أو قضاء، والله أعلم. حديث جابر في قصة بيع جمله من طريق محارب عنه باختصار، والغرض منه قوله: "فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها" الحديث، وصرار بكسر المهملة والتخفيف، ووهم من ذكره بمعجمة أوله، وهو موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال منها من جهة المشرق، قوله في أوله السند "حدثنا محمد" هو ابن سلام، وقد حدث به عن وكيع، وممن يسمى محمد من شيوخ البخاري محمد بن المثنى ومحمد بن العلاء وغيرهما، ولكن تقرر أن البخاري حيث يطلق محمد لا يريد إلا

(6/194)


الذهلي أو ابن سلام، ويعرف تعيين أحدهما من معرفة من يروي عنه والله أعلم. وقوله: "زاد معاذ" أي ابن معاذ العنبري وهو موصول عند مسلم، وأراد البخاري بإيراد طريق أبي الوليد الإشارة إلى أن القدر الذي ذكره طرف من الحديث، وبهذا يندفع اعتراض من قال إن حديث أبي الوليد لا يطابق الترجمة، وأن اللائق به الباب الذي قبله. والحاصل أن الحديث عند شعبة عن محارب، فروى وكيع طرفا منه وهو ذبح البقرة عند قدوم المدينة، وروى أبو الوليد وسليمان بن حرب عنه طرفا منه وهو أمره جابرا بصلاة ركعتين عند القدوم، وروى عنه معاذ جميعه وفيه قصة البعير وذكر ثمنه لكن باختصار، وقد تابع كلا من هؤلاء عن شعبة في سياقه جماعة.
"خاتمة" اشتمل كتاب الجهاد من أوله إلى هنا من الأحاديث المرفوعة على ثلاثمائة وستة وسبعين حديثا، المعلق منها أربعون طريقا والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى مائتان وستة وستون والخالص مائة وعشرة أحاديث وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة "الجنة مائة درجة" وحديثه "لولا أن رجالا" ، وحديث جابر "اصطبح ناس الخمر" وحديث المغيرة "بلغنا نبينا" وحديث سهل بن حنيف في قول عمر، وحديث السائب بن يزيد عن طلحة، وحديث أنس عن أبي طلحة، وحديثه في قصة ثابت بن قيس، وحديث سهل في أسماء الخيل وحديث أنس في العضباء لا تسبق، وحديث سعد "إنما تنصرون بضعفائكم" وحديث سلمة "ارموا وأنا مع ابن الأدرع" ، وحديث أبي أسيد، "إذا أكثبوكم" وحديث أبي أمامة في حلية السيوف، وحديث ابن عمر "بعثت بين يدي الساعة" وحديث ابن عباس في الدعاء ببدر، لكن أخرجه من طريق أخرى عن ابن عباس عن عمر، وحديث عمرو بن تغلب في قتال الترك؛ وحديث أبي هريرة في التحريق، وحديث ابن مسعود فيما غبر من الدنيا، وحديث قيس بن سعد في الترجيل، وحديث العباس في الراية، وحديث جابر في التسبيح، وحديث أبي موسى "إذا مرض العبد" وحديث ابن عمر في السير وحده، وحديث أبي هريرة في الأسارى، وحديث ابن عباس مع علي، وحديث أبي هريرة في قصة قتل خبيب، وفيه حديث بنت عياض وحديث سلمة في عين المشركين، وحديث عمر في هني، وحديث عبد الله بن عمرو في قصة الغال، وحديث السائب بن يزيد في الملاقاة. وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة وعشرون أثرا. والله أعلم.

(6/195)


كتاب فرض الخمس
باب فرض الخمس
...
1 – باب فَرضِ الخُمسِ
3091- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَم أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: "كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنْ الْخُمُسِ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنْ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا شَارِفَايَ قَدْ اجْتُبَّ أَسْنِمَتُهُمَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا فَقُلْتُ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَالُوا فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا لَكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُمْ فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لِأَبِي فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجْنَا مَعَهُ".
3092- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ "أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ

(6/196)


اللَّهُ عَلَيْهِ".
[الحديث 3092 – أطرافه في: 3711، 4035، 4240، 6725]
3093- "فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قَالَتْ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ وَصَدَقَتَهُ بِالْمَدِينَةِ فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَقَالَ لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلاَّ عَمِلْتُ بِهِ فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ وَقَالَ هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الأَمْرَ قَالَ فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ".
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: اعْتَرَاكَ: افْتَعَلْتَ مِنْ عَرَوْتُهُ فَأَصَبْتُهُ، وَمِنْهُ يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي.
[الحديث 3093 – أطرافه في: 3712، 4036، 4241، 6726]
3094- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي فَقَالَ أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ فَقَالَ يَا مَالِ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي قَالَ اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَا يَسِيرًا ثُمَّ قَالَ هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلاَ فَسَلَّمَا فَجَلَسَا فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ قَالَ عُمَرُ تَيْدَكُمْ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ قَالَ الرَّهْطُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ

(6/197)


أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَالاَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ ثُمَّ قَرَأَ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ إِلَى قَوْلِهِ قَدِيرٌ فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ قَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ حَيَاتَهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ قَالُوا نَعَمْ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ وَجَاءَنِي هَذَا يُرِيدُ عَلِيًّا يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقُلْتُ لَكُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ قَالَ الرَّهْطُ نَعَمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ قَالاَ نَعَمْ قَالَ فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا".
قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم كتاب فرض الخمس" كذا وقع عند الإسماعيلي، وللأكثر "باب"، وحذفه بعضهم، وثبتت البسملة للأكثر و"الخمس" بضم المعجمة والميم ما يؤخذ من الغنيمة، والمراد بقوله: "فرض الخمس" أي وقت فرضه أو كيفية فرضه أو ثبوت فرضه، والجمهور على أن ابتداء فرض الخمس كان بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية، وكانت الغنائم تقسم على خمسة أقسام: فيعزل خمس منها يصرف فيمن ذكر في الآية، وسيأتي البحث في مستحقيه بعد أبواب، وكان خمس هذا الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف فيمن يستحقه بعده: فمذهب الشافعي أنه يصرف في المصالح، وعنه يرد على الأصناف الثمانية المذكورين في الآية، وهو قول الحنفية مع اختلافهم فيهم كما سيأتي، وقيل يختص به الخليفة، ويقسم أربعة أخماس الغنيمة على الغانمين

(6/198)


إلا السلب فإنه للقاتل على الراجح كما سيأتي. وذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث. أحدها: حديث علي بن أبي طالب في قصة الشارفين قوله: "كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر" الشارف المسن من النوق، ولا يقال للذكر عند الأكثر، وحكى إبراهيم الحربي عن الأصمعي جوازه، قال عياض: جمع فاعل على فعل بضمتين قليل قوله: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس" قال ابن بطال: ظاهره أن الخمس شرع يوم بدر، ولم يختلف أهل السير أن الخمس لم يكن يوم بدر، وقد ذكر إسماعيل القاضي في غزوة بني قريظة قال: قيل إنه أول يوم فرض فيه الخمس، قال: وقيل نزل بعد ذلك، قال: لم يأت ما فيه بيان شاف، وإنما جاء صريحا في غنائم حنين قال ابن بطال: وإذا كان كذلك فيحتاج قول علي إلى تأويل، قال: ويمكن أن يكون ما ذكر ابن إسحاق في سرية عبد الله بن جحش التي كانت في رجب قبل بدر بشهرين، وأن ابن إسحاق قال: ذكر لي بعض آل جحش أن عبد الله قال لأصحابه إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس، وذلك قبل أن يفرض الله الخمس، فعزل له الخمس وقسم سائر الغنيمة بين أصحابه، قال فوقع رضا الله بذلك، قال فيحمل قول علي "وكان قد أعطاني شارفا من الخمس" أي من الذي حصل من سرية عبد الله بن جحش قلت: ويعكر عليه أن في الرواية الآتية في المغازي "وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ" والعجب أن ابن بطال عزا هذه الرواية لأبي داود وجعلها شاهدة لما تأوله، وغفل عن كونها في البخاري الذي شرحه وعن كون ظاهرها شاهدا عليه لا له، ولم أقف على ما نقله أهل السير صريحا في أنه لم يكن في غنائم بدر خمس، والعجب أنه يثبت في غنيمة السرية التي قبل بدر الخمس ويقول إن الله رضي بذلك وينفيه في يوم بدر مع أن الأنفال التي فيها التصريح بفرض الخمس نزل غالبها في قصة بدر، وقد جزم الداودي الشارح بأن آية الخمس نزلت يوم بدر. وقال السبكي: نزلت الأنفال في بدر وغنائمها والذي يظهر أن آية قسمة الغنيمة نزلت بعد تفرقة الغنائم، لأن أهل السير نقلوا أنه صلى الله عليه وسلم قسمها على السواء وأعطاها لمن شهد الوقعة أو غاب لعذر تكرما منه، لأن الغنيمة كانت أولا بنص أول سورة الأنفال للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولكن يعكر على ما قال أهل السير حديث علي، يعني حديث الباب حيث قال: "وأعطاني شارفا من الخمس يومئذ فإنه ظاهر في أنه كان فيها خمس قلت: ويحتمل أن تكون قسمة غنائم بدر وقعت على السواء بعد أن أخرج الخمس للنبي صلى الله عليه وسلم على ما تقدم من قصة سرية عبد الله بن جحش، وأفادت آية الأنفال - وهي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} إلى آخرها - بيان مصرف الخمس لا مشروعية أصل الخمس والله أعلم وأما ما نقله عن أهل السير فأخرجه ابن إسحاق بإسناد حسن يحتج بمثله عن عبادة بن الصامت قال: "فلما اختلفنا في الغنيمة وساءت أخلاقنا انتزعها الله منا فجعلها لرسوله، فقسمها على الناس عن سواء" أي على سواء، ساقه مطولا، وأخرجه أحمد والحاكم من طريقه، وصححه ابن حيان من وجه آخر ليس فيه ابن إسحاق قوله: "أبتني بفاطمة" أي أدخل بها، والبناء الدخول بالزوجة، وأصله أنهم كانوا من أراد ذلك بنيت له قبة فخلا فيها بأهله واختلف في وقت دخول علي بفاطمة، وهذا الحديث يشعر بأنه كان عقب وقعة بدر، ولعله كان في شوال سنة اثنتين، فإن وقعة بدر كانت في رمضان منها، وقيل تزوجها في السنة الأولى، ولعل قائل ذلك أراد العقد، ونقل ابن الجوزي أنه كان في صفر سنه اثنتين، وقيل في رجب، وقيل في ذي الحجة، قلت: وهذا الأخير يشبه أن يحمل على شهر الدخول بها، وقيل تأخر دخوله بها إلى سنة ثلاث، فدخل بها بعد وقعة أحد، حكاه ابن عبد البر، وفيه بعد قوله: "واعدت رجلا صواغا" بفتح الصاد المهملة والتشديد، ولم أقف

(6/199)


على اسمه ووقع في رواية ابن جريج في الشرب طابع بمهملتين وموحدة وطالع بلام بدل الموحدة أي من يدله ويساعده، وقد يقال إنه اسم الصائغ المذكور، كذا قال بعضهم وفيه بعد قوله: "مناختان" كذا للأكثر، وهو باعتبار المعنى لأنهما ناقتان وفي رواية كريمة: "مناخان" باعتبار لفظ الشارف قوله: "إلى جنب حجرة رجل من الأنصار" لم أقف على اسمه قوله: "فرجعت حين جمعت ما جمعت" زاد في رواية ابن جريج عن ابن شهاب في الشرب "وحمزة ابن عبد المطلب يشرب في ذلك البيت" أي الذي أناخ الشارفين بجانبه "ومعه قينة" بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هي الجارية المغنية "فقالت: ألا يا حمز للشرف النواء" والشرف جمع شارف كما تقدم، والنواء - بكسر النون والمد مخففا - جمع ناوية وهي الناقة السمينة، وحكى الخطابي أن ابن جرير الطبري رواه "ذا الشرف" بفتح الشين وفسره بالرفعة وجعله صفة لحمزة، وفتح نون النواء وفسره بالبعد أي الشرف البعيد أي مناله بعيد، قال الخطابي: وهو خطأ وتصحيف وحكى الإسماعيلي أن أبا يعلى حدثه به من طريق ابن جريج فقال: "الثواء" بالثاء المثلثة، قال فلم نضبطه ووقع في رواية القابسي والأصيلي النوى بالقصر وهو خطأ أيضا. وقال الداودي: النواء الخباء، وهذا أفحش في الغلط وحكى المرزباني في معجم الشعراء أن هذا الشعر لعبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي جد أبي السائب المخزومي المدني، وبقيته "وهن معقلات بالفناء"
ضع السكين في اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء
وعجل من أطايبها لشرب ... قديدا من طبيخ أو شواء
والشرب بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة جمع شارب، كتاجر وتجر، والفناء بكسر الفاء والمد: الجانب، أي جانب الدار التي كانوا فيها والقديد اللحم المطبوخ والتضريج بمعجمة وجيم: التلطيخ، فإن كان ثابتا فقد عرف بعض المبهم في قوله: "في شرب من الأنصار" لكن المخزومي ليس من الأنصار، وكأن قائل ذلك أطلقه عليهم بالمعنى الأعم وأراد الذي نظم هذا الشعر وأمر القينة أن تغني به أن يبعث همة حمزة لما عرف من كرمه على نحر الناقتين ليأكلوا من لحمهما، وكأنه قال: انهض إلى الشرف فانحرها، وقد تبين ذلك من بقية الشعر وفي قولها "للشرف" بصيغة الجمع مع أنه لم يكن هناك الاثنتان دلالة على جواز إطلاق صيغة الجمع على الاثنين. وقوله: "يا حمزة" ترخيم وهو بفتح الزاي ويجوز ضمها. قوله: "قد أجبت" وقع مثله في رواية عنبسة في المغازي، وهو بضم أوله. وفي رواية الكشميهني هنا "قد جبت" بضم الجيم بغير ألف أي قطعت وهو الصواب، وعند مسلم من طريق ابن وهب عن يونس "قد اجتبت" وهو صواب أيضا، والجب الاستئصال في القطع قوله: "وأخذ من أكبادهما" زاد ابن جريج "قلت لابن شهاب: ومن السنام، قال: قد جب أسنمتهما" والسنام ما على ظهر البعير وقوله: "بقر" بفتح الموحدة والقاف أي شق قوله: "فلم أملك عيني حين رأيت" في رواية الكشميهني: "حيث رأيت" والمراد أنه بكى من شدة القهر الذي حصل له وفي رواية ابن جريج "رأيت منظرا أفظعني" بفاء وظاء مشالة معجمة، أي نزل بي أمر مفظع أي مخيف مهول، وذلك لتصوره تأخر الابتناء بزوجته بسبب فوات ما يستعان به عليه، أو لخشية أن ينسب في حقها إلى تقصير لا لمجرد فوات الناقتين قوله: "حتى أدخل" كذا فيه بصيغة المضارع مبالغة في استحضار صورة الحال قوله: "فطفق يلوم حمزة" في رواية ابن جريج "فدخل على حمزة فتغيظ عليه"

(6/200)


قوله: "هل أنتم إلا عبيد لأبي" في رواية ابن جريج "لآبائي" قيل أراد أن أباه عبد المطلب جد للنبي صلى الله عليه وسلم ولعلي أيضا، والجد يدعى سيدا، وحاصله أن حمزة أراد الافتخار عليهم بأنه أقرب إلى عبد المطلب منهم. قوله: "القهقرى" هو المشي إلى خلف، وكأنه فعل ذلك خشية أن يزداد عبث حمزة في حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل فأراد أن يكون ما يقع من حمزة بمرأى منه ليدفعه إن وقع منه شيء قوله: "وخرجنا معه" زاد ابن جريج "وذلك قبل تحريم الخمر" أي ولذلك لم يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بقوله. وفي هذه الزيادة رد على من احتج بهذه القصة على أن طلاق السكران لا يقع، فإنه إذا عرف أن ذلك كان قبل تحريم الخمر كان ترك المؤاخذة لكونه لم يدخل على نفسه الضرر، والذي يقول يقع طلاق السكران يحتج بأنه أدخل على نفسه السكر وهو محرم عليه فعوقب بإمضاء الطلاق عليه، فليس في هذا الحديث حجة لإثبات ذلك ولا نفيه. قال أبو داود: سمعت أحمد بن صالح يقول: في هذا الحديث أربع وعشرون سنة. قلت: وفيه أن الغانم يعطى من الغنيمة من جهتين: من الأربعة أخماس بحق الغنيمة، ومن الخمس إذا كان ممن له فيه حق. وأن لمالك الناقة الانتفاع بها في الحمل عليها. وفيه الإناخة على باب الغير إذا عرف رضاه بذلك وعدم تضرره به. وأن البكاء الذي يجلبه الحزن غير مذموم. وأن المرء قد لا يملك دمعه إذا غلب عليه الغيظ. وفيه ما ركب في الإنسان من الأسف على فوت ما فيه نفعه وما يحتاج إليه. وأن استعداء المظلوم على من ظلمه وإخباره بما ظلم به خارج عن الغيبة والنميمة. وفيه قبول خبر الواحد. وجواز الاجتماع في الشرب المباح. وجواز تناول ما يوضع بين أيدي القوم. وجواز الغناء بالمباح من القول. وإنشاد الشعر والاستماع من الأمة. والتخير فيما يأكله. وأكل الكبد وإن كانت دما. وفيه أن السكر كان مباحا في صدر الإسلام، وهو رد على من زعم أن السكر لم يبح قط. ويمكن حمل ذلك على السكر الذي معه التمييز من أصله. وفيه مشروعية وليمة العرس. وسيأتي شرحها في النكاح. ومشروعية الصياغة والتكسب بها. وقد تقدم في أوائل البيوع. وجواز جمع الإذخر وغيره من المباحات والتكسب بذلك. وقد تقدم في أواخر الشرب. وفيه الاستعانة في كل صناعة بالعارف بها. قال المهلب: وفيه أن العادة جرت بأن جناية ذوي الرحم مغتفرة. قلت: وفيه نظر لأن ابن أبي شيبة روى عن أبي بكر بن عياش أن النبي صلى الله عليه وسلم أغرم حمزة ثمن الناقتين. وفيه علة تحريم الخمر. وفيه أن للإمام أن يمضي إلى بيت من بلغه أنهم على منكر ليغيره. وقال غيره: فيه حل تذكية الغاصب، لأن الظاهر أنه ما بقر خواصرهما وجب أسنمتهما إلا بعد التذكية المعتبرة. وفيه سنة الاستئذان في الدخول، وأن الإذن للرئيس يشمل أتباعه، لأن زيد بن حارثة وعليا دخلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان استأذن فأذنوا له. وأن السكران يلام إذا كان يعقل اللوم. وأن للكبير في بيته أن يلقي رداءه تخفيفا. وأنه إذا أراد لقاء أتباعه يكون على أكمل هيئة لأنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يخرج إلى حمزة أخذ رداءه. وأن الصاحي لا ينبغي له أن يخاطب السكران. وأن الذاهب من بين يدي زائل العقل لا يوليه ظهره كما تقدم. وفيه إشارة إلى عظم قدر عبد المطلب. وجواز المبالغة في المدح لقول حمزة هل أنتم إلا عبيد لأبي؟ ومراده كالعبيد، ونكتة التشبيه أنهم كانوا عنده في الخضوع له وجواز تصرفه في مالهم في حكم العبيد. وفيه أن الكلام يختلف باختلاف القائلين. قلت: وفي كثير من هذه الانتزاعات نظر. والله أعلم. حديث عائشة في قصة فاطمة، قوله: "عن صالح" هو ابن كيسان قوله: "أن فاطمة سألت أبا بكر" زاد معمر عن الزهري "والعباس أتيا أبا بكر" وسيأتي في الفرائض قوله: "ما ترك" هو بدل من قوله: "ميراثها"

(6/201)


وفي رواية الكشميهني: "مما ترك" وفي هذه القصة رد على من قرأ قوله: "لا يورث" بالتحتانية أوله و "صدقة " بالنصب على الحال، وهي دعوى من بعض الرافضة فادعى أن الصواب في قراءة هذا الحديث هكذا، والذي توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث: "لا نورث" بالنون و" صدقة" بالرفع، وأن للكلام جملتان و "ما تركنا" في موضع الرفع بالابتداء و "صدقة" خبره ويؤيده وروده في بعض طرق الصحيح "ما تركنا فهو صدقة" وقد احتج بعض المحدثين على بعض الإمامية بأن أبا بكر احتج بهذا الكلام على فاطمة رضي الله عنها فيما التمست منه من الذي خلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأراضي وهما من أفصح الفصحاء وأعلمهم بمدلولات الألفاظ، ولو كان الأمر كما يقرؤه الرافضي لم يكن فيما احتج به أبو بكر حجة ولا كان جوابه مطابقا لسؤالها، وهذا واضح لمن أنصف قوله: "مما أفاء الله عليه" سيأتي بيانه قريبا قوله: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية معمر " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم"وهو يرد تأويل الداودي الشارح في قوله إن فاطمة حملت كلام أبي بكر على أنه لم يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه من غيره، ولذلك غضبت، وما قدمته من التأويل أولى قوله: "فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته" في رواية معمر "فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى مات"، ووقع عند عمر بن شبة من وجه آخر عن معمر "فلم تكلمه في ذلك المال"، وكذا نقل الترمذي عن بعض مشايخه أن معنى قول فاطمة لأبي بكر وعمر لا أكلمكما أي في هذا الميراث، وتعقبه الشاشي بأن قرينة قوله: "غضبت" تدل على أنها امتنعت من الكلام جملة وهذا صريح الهجر، وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود من طريق أبي الطفيل قال: "أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله؟ قال: لا بل أهله، قالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده ، فرأيت أن أرده على المسلمين قالت: فأنت وما سمعته" فلا يعارض ما في الصحيح من صريح الهجران، ولا يدل على الرضا بذلك ثم مع ذلل ففيه لفظة منكرة وهي قول أبي بكر "بل أهله" فإنه معارض للحديث الصحيح "أن النبي لا يورث" نعم روى البيهقي من طريق الشعبي "أن أبا بكر عاد فاطمة، فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها فترضاها حتى رضيت" وهو وإن كان مرسلا فإسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر وقد قال بعض الأئمة: إنما كانت هجرتها انقباضا عن لقائه والاجتماع به، وليس ذلك من الهجران المحرم، لأن شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة عليها السلام لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: "لا نورث" ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه، وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك، فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال، وأخلق بالأمر أن يكون كذلك لما علم من وفور عقلها ودينها عليها السلام، وسيأتي في الفرائض زيادة في هذه القصة، ويأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى وقد وقع في حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عند الترمذي "جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: من يرثك؟ قال: أهلي وولدي، قالت فما لي لا أرث أبي؟ قال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ، ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله" قوله: "وكانت فاطمة تسأل أبا

(6/202)


بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة" هذا يؤيد ما تقدم من أنها لم تطلب من جميع ما خلف، وإنما طلبت شيئا مخصوصا، فأما خيبر ففي رواية معمر المذكورة "وسهمه من خيبر"، وقد روى أبو داود بإسناد صحيح إلى سهل ابن أبي خيثمة قال: "قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفها لنوائبه وحاجته، ونصفها بين المسلمين: قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما" ورواه بمعناه من طرق أخرى عن بشير بن يسار مرسلا ليس فيه سهل وأما فدك وهي بفتح الفاء والمهملة بعدها كاف: بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل، وكان من شأنها ما ذكر أصحاب المغازي قاطبة أن أهل فدك كانوا من يهود، فلما فتحت خيبر أرسل أهل فدك يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يتركوا البلد ويرحلوا. وروى أبو داود من طريق ابن إسحاق عن الزهري وغيره قالوا "بقيت بقية من خيبر تحصنوا، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم ففعل، فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة"، ولأبي داود أيضا من طريق معمر عن ابن شهاب "صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل فدك وقرى سماها وهو يحاصر قوما آخرين" يعني بقية أهل خيبر وأما صدقته بالمدينة فروى أبو داود من طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة بني النضير فقال في آخره: "وكانت نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أعطاها إياه فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} الآية قال فأعطى أكثرها للمهاجرين، وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة"، وروى عمر بن شبة من طريق أبي عون عن الزهري قال: "كانت صدقة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أموالا لمخيريق بالمعجمة والقاف مصغر وكان يهوديا من بقايا بني قينقاع نازلا ببني النضير، فشهد أحدا فقتل به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مخيريق سابق يهود، وأوصى مخيريق بأمواله للنبي صلى الله عليه وسلم" ومن طريق الواقدي بسنده عن عبد الله بن كعب قال: "قال مخيريق إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله" فهي عامة صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانت أموال مخيريق في بني النضير، وعلى هذه فقوله في الحديث الآتي "وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير" شمل جميع ذلك قوله: "لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به" في رواية شعيب عن الزهري الآتية في المناقب "وإني والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهذا تمسك به من قال: إن سهم النبي يصرفه الخليفة بعده لمن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرفه له، وما بقي منه يصرف في المصالح، وعن الشافعي يصرف في المصالح وهو لا ينافي الذي قبله وفي وجه: هو للإمام وقال مالك والثوري: يجتهد فيه الإمام وقال أحمد يصرف في الخيل والسلاح وقال ابن جرير يرد إلى الأربعة قال ابن المنذر: كان أحق الناس بهذا القول من يوجب قسم الزكاة بين جميع الأصناف، فإن فقد صنف رد على الباقين يعني الشافعي وقال أبو حنيفة يرد مع سهم ذوي القربى إلى الثلاثة، وقيل: يرد خمس الخمس من الغنيمة إلى الغانمين ومن الفيء إلى المصالح. قوله: "فأما صدقته" أي صدقة النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "فدفعها عمر إلى علي وعباس" سيأتي بيان ذلك في الحديث الذي يليه قوله: "وأما خيبر" أي الذي كان يخص النبي صلى الله عليه وسلم منها "وفدك فأمسكها عمر" أي لم يدفعها لغيره، وبين سبب ذلك وقد ظهر بهذا أن صدقة النبي صلى الله عليه وسلم تختص بما كان من بني النضير، وأما سهمه من خيبر وفدك فكان حكمه إلى من يقوم بالأمر بعده وكان أبو بكر يقدم نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها مما كان يصرفه فيصرفه من خيبر وفدك، وما فضل من ذلك لمقله في المصالح وعمل عمر بعده بذلك فلما كان عثمان تصرف في فدك بحسب

(6/203)


ما رآه، فروى أبو داود من طريق مغيرة بن مقسم قال: "جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق من فدك على بني هاشم ويزوج أيمهم، وأن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى، وكانت كذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، ثم أقطعها مروان يعني في أيام عثمان" قال الخطابي، إنما أقطع عثمان فدك لمروان لأنه تأول أن الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون للخليفة بعده، فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض قرابته ويشهد لصنيع أبي بكر حديث أبي هريرة المرفوع الآتي بعد باب بلفظ: "ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة" فقد عمل أبو بكر وعمر بتفصيل ذلك بالدليل الذي قام لهما، وسيأتي تمام البحث في قوله: "لا نورث" في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى قوله: "فهما على ذلك إلى اليوم" هو كلام الزهري أي حين حدث بذلك قوله: "قال أبو عبد الله" أي المصنف "اعتراك: افتعلت" كذا فيه، ولعله كان "افتعلك" وكذا وقع في "المجاز" لأبي عبيدة وقوله: "من عروته فأصبته ومنه يعروه واعتراني" أراد بذلك شرح قوله: "يعروه" وبين تصاريفه وأن معناه الإصابة كيفما تصرف، وأشار إلى قوله تعالى: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} وهذه عادة البخاري يفسر اللفظة الغريبة من الحديث بتفسير اللفظة الغريبة من القرآن. حديث عمر مع العباس وعلي، وقع قبله في رواية أبي ذر وحده قصة فدك، وكأنها ترجمة لحديث من أحاديث الباب، وقد بينت أمر فدك في الذي قبله قوله: "حدثنا إسحاق بن محمد الفروي" هو شيخ البخاري الذي تقدم قريبا في "باب قتال اليهود" وقد حدث عنه بواسطة كما تقدم في الصلح. وفي رواية ابن شبويه عن الفربري "حدثنا محمد بن إسحاق الفروي" وهو مقلوب، وحكى عياض عن رواية القابسي مثله قال: وهو وهم قلت: وهذا الحديث مما رواه مالك خارج الموطأ وفي هذا الإسناد لطيفة من علوم الحديث مما لم يذكره ابن الصلاح وهي تشابه الطرفين، مثاله ما وقع هنا: ابن شهاب عن مالك وعنه مالك، الأعلى ابن أوس والأدنى ابن أنس قوله: "وكان محمد بن جبير" أي ابن مطعم "قد ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك" أي الآتي ذكره. قوله: "فانطلقت حتى أدخل" كذا فيه بصيغة المضارعة في موضع الماضي في الموضعين، وهي مبالغة لإرادة استحضار صورة الحال، ويجوز ضم "أدخل" على أن حتى عاطفة، أي انطلقت فدخلت والفتح على أن حتى بمعنى إلى أن قوله: "مالك بن أوس" ابن الحدثان بفتح المهملتين والمثلثة، وهو نصري بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة، وأبوه صحابي، وأما هو فقد ذكر في الصحابة. وقال ابن أبي حاتم وغيره لا تصح له صحبة، وحكى ابن أبي خيثمة عن مصعب أو غيره أنه ركب الخيل في الجاهلية قلت: فعلى هذا لعله لم يدخل المدينة إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كما وقع لقيس بن أبي حازم: دخل أبوه وصحب وتأخر هو مع إمكان ذلك، وقد تشارك أيضا في أنه قيل في كل منهما إنه أخذ عن العشرة وليس لمالك بن أوس هذا في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في البيوع، وفي صنيع ابن شهاب ذلك أصل في طلب علو الإسناد، لأنه لم يقتنع بالحديث عنه حتى دخل عليه ليشافهه به، وفيه حرص ابن شهاب على طلب الحديث وتحصيله. "تنبيه": ظن قوم أن الزهري تفرد برواية هذا الحديث، فقال أبو علي الكرابيسي: أنكره قوم وقالوا هذا من مستنكر ما رواه ابن شهاب، قال: فإن كانوا علموا أنه ليس بفرد فهيهات، وإن لم يعلموا فهو جهل، فقد رواه عن مالك بن أوس عكرمة بن خالد وأيوب بن خالد ومحمد بن عمرو بن عطاء وغيرهم. قوله: "حين متع النهار" بفتح الميم والمثناة الخفيفة بعدها مهملة أي علا وامتد، وقيل هو ما قبل الزوال ووقع في رواية مسلم من طريق جويرية عن مالك

(6/204)


"حين تعالى النهار" وفي رواية يونس عن ابن شهاب عند عمر بن شبة "بعدما ارتفع النهار". قوله: "إذا رسول عمر" لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو يرفأ الحاجب الآتي ذكره قوله: "على رمال سرير" بكسر الراء وقد تضم، وهو ما ينسخ من سعف النخل وأغرب الداودي فقال: هو السرير الذي يعمل من الجريد. وفي رواية جويرية "فوجدته في بيته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله"، أي ليس تحته فراش، والإفضاء إلى الشيء لا يكون بحائل، وفيه إشارة إلى أن العادة أن يكون على السرير فراش قوله: "فقال يا مال" كذا هو بالترخيم أي مالك، ويجوز في اللام الكسر على الأصل، والضم على أنه صار اسما مستقلا فيعرب إعراب المنادى المفرد قوله: "إنه قدم علينا من قومك" أي من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وفي رواية جويرية عند مسلم: "دف أهل أبيات" أي ورد جماعة بأهليهم شيئا بعد شيء يسيرون قليلا قليلا، والدفيف السير اللين، وكأنهم كانوا قد أصابهم جدب في بلادهم فانتجعوا المدينة قوله: "برضخ" بفتح الراء وسكون المعجمة بعدها خاء معجمة أي عطية غير كثيرة ولا مقدرة وقوله: "لو أمرت به غيري" قاله تحرجا من قبول الأمانة، ولم يبين ما جرى له فيه اكتفاء بقرينة الحال، والظاهر أنه قبضه لعزم عمر عليه ثاني مرة قوله: "أتاه حاجبه يرفا" بفتح التحتانية وسكون الراء بعدها فاء مشبعة بغير همز وقد تهمز وهي روايتنا من طريق أبي ذر، ويرفا هذا كان من موالي عمر أدرك الجاهلية ولا تعرف له صحبة، وقد حج مع عمر في خلافة أبي بكر، وله ذكر في حديث ابن عمر، قال: "قال عمر لمولى له يقال له يرفا إذا جاء طعام يزيد بن أبي سفيان فأعلمني" فذكر قصة وروى سعيد بن منصور عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن يرفا قال: "قال لي عمر: إني أنزلت نفسي من مال المسلمين منزلة مال اليتيم" وهذا يشعر بأنه عاش إلى خلافة معاوية قوله: "هل لك في عثمان" أي ابن عفان "وعبد الرحمن"، ولم أر في شيء من طرفه زيادة على الأربعة المذكورين إلا في رواية للنسائي وعمر بن شبة من طريق عمرو بن دينار عن ابن شهاب وزاد فيها "وطلحة بن عبيد الله" وكذا في رواية الإمامي عن ابن شهاب عند عمر بن شبة أيضا، وكذا أخرجه أبو داود من طريق أبي البختري عن رجل لم يسمه قال: "دخل العباس وعلي" فذكر القصة بطولها وفيها ذكر طلحة، لكن لم يذكر عثمان قوله: "فأذن لهم فدخلوا" في رواية شعيب في المغازي "فأدخلهم" قوله: "ثم قال: هل لك في علي وعباس" زاد شعيب يستأذنان قوله: "فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا" زاد شعيب ويونس "فاستب علي وعباس" وفي رواية عقيل عن ابن شهاب في الفرائض "اقض بيني وبين هذا الظالم؛ استبا" وفي رواية جويرية "وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن" ولم أر في شيء من الطرق أنه صدر من علي في حق العباس شيء بخلاف ما يفهم قوله في رواية عقيل "استبا" واستصوب المازري صنيع من حذف هذه الألفاظ من هذا الحديث وقال: لعل بعض الرواة وهم فيها، وإن كانت محفوظة، فأجود ما تحمل عليه أن العباس قالها دلالا على علي لأنه كان عنده بمنزلة الولد، فأراد ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه، وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعل ما يفعله عن عمد، قال: ولا بد من هذا التأويل لوقوع ذلك بمحضر الخليفة ومن ذكر معه ولم يصدر منهم إنكار لذلك مع ما علم من تشددهم في إنكار المنكر قوله: "وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير" يأتي القول فيه قريبا قوله: "فقال الرهط" في رواية مسلم: "فقال القوم" وزاد: "فقال مالك بن أوس: يخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك" قلت: ورأيت في رواية معمر عن الزهري في مسند ابن أبي عمر "فقال الزبير بن العوام: اقض بينهما" فأفادت تعيين من باشر سؤال عمر في

(6/205)


ذلك قوله: "تئيدكم" كذا في رواية أبي ذر بفتح المثناة وكسر التحتانية مهموز وفتح الدال، قال ابن التين أصلها تيدكم، والتؤدة: الرفق ووقع في رواية الأصيلي بكسر أوله وضم الدال وهو اسم فعل كرويدا أي اصبروا وأمهلوا وعلى رسلكم وقيل إنه مصدر تاد يتيد، كما يقال سيروا سيركم، ورد بأنه لم يسمع في اللغة ويؤيد الأول ما وقع في رواية عقيل وشعيب "أتيدوا" أي تمهلوا؛ وكذا عند مسلم وأبي داود وللإسماعيلي من طريق بشر بن عمر عن مالك "فقال عمر أيتد" بلفظ الأمر للمفرد قوله: "أنشدكما أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك" كذا فيه. وفي رواية مسلم: "قالا: نعم" ومعنى أنشدكما أسألكما رافعا نشدي أي صوتي قوله: "إن الله قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء" في رواية مسلم: "بخاصة لم يخصص بها غيره" وفي رواية عمرو بن دينار عن ابن شهاب في التفسير "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، فكانت له خاصة، وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله" وفي رواية سفيان عن معمر عن الزهري الآتية في النفقات "كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله فوت سنتهم" أي ثمر النخل وفي رواية أبي داود من طريق أسامة بن زيد عن ابن شهاب "كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها بين المسلمين ثم قسم جزءا لنفقة أهله، وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين" ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يقسم في فقراء المهاجرين وفي مشتري السلاح والكراع، وذكر مفسر لرواية معمر عند مسلم، ويجعل ما بقي منه مجعل مال الله وزاد أبو داود في رواية أبي البختري المذكورة "وكان ينفق على أهله ويتصدق بفضله" وهذا لا يعارض حديث عائشة "أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة على شعير" لأنه يجمع بينهما بأنه كان يدخر لأهله قوت سنتهم ثم في طول السنة يحتاج لمن يطرقه إلى إخراج شيء منه فيخرجه، فيحتاج إلى أن يعوض من يأخذ منها عوضه، فلذلك استدان قوله: "ما اجتازها" كذا للأكثر بحاء مهملة وزاي معجمة. وفي رواية الكشميهني بخاء معجمة وراء مهملة، هذا ظاهر في أن ذلك كان مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه واسى به أقرباءه وغيرهم بحسب حاجتهم ووقع في رواية عكرمة ابن خالد عن مالك بن أوس عند النسائي ما يؤيد ذلك قوله: "ثم قال لعلي وعباس: أنشدكما الله هل تعلمان ذلك؟" زاد في رواية عقيل "قالا: نعم". قوله: "ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد في رواية عقيل "وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس - تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا" وفي رواية شعيب "كما تقولان" وفي رواية مسلم من الزيادة "فجئتما، تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة، فرأيتما كاذبا آثما غادرا خائنا" وكأن الزهري كان يحدث به تارة فيصرح، وتارة فيكنى وكذلك مالك وقد حذف ذلك في رواية بشر بن عمر عنه عند الإسماعيلي وغيره وهو نظير ما سبق من قول العباس لعلي وهذه الزيادة من رواية عمر عن أبي بكر حذفت من رواية إسحاق الفروي شيخ البخاري وقد ثبت أيضا في رواية بشر بن عمر عنه عند أصحاب السنن والإسماعيلي وعمرو بن مرزوق وسعيد بن داود كلاهما عند الدار قطني عن مالك على ما قال جويرية عن مالك، واجتماع هؤلاء عن مالك يدل على أنهم حفظوه وهذا القدر المحذوف من رواية إسحاق ثبت من روايته في موضح آخر من الحديث، لكن جعل القصة فيه لعمر حيث قال: "جئتني يا عباس تسألني

(6/206)


نصيبك من ابن أخيك؟" وفيه: "فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث " فاشتمل هذا الفصل على مخالفة إسحاق لبقية الرواة عن مالك في كونهم جعلوا القصة عند أبي بكر وجعلوا الحديث المرفوع من حديث أبي بكر من رواية عمر عنه وإسحاق الفروي حمل القصة عند عمر وجعل الحديث المرفوع من روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة أبي بكر وقد وقع في رواية شعيب عن ابن شهاب نظير ما وقع في رواية إسحاق الفروي سواء، وكذلك وقع في رواية يونس عن ابن شهاب عند عمر بن شبة، وأما رواية عقيل الآتية في الفرائض فاقتصر فيها على أن القصة وقعت عند عمر بغير ذكر الحديث المرفوع أصلا، وهذا يشعر بأن لسياق إسحاق الفروي أصلا، فلعل القصتين محفوظتان، واقتصر بعض الرواة على ما لم يذكره الآخر، ولم يتعرض أحد من الشراح لبيان ذلك وفي ذلك إشكال شديد وهو أن أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث" فإن كانا سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر؟ وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر؟ والذي يظهر - والله أعلم - حمل الأمر في ذلك على ما تقدم في الحديث الذي قبله في حق فاطمة، وأن كلا من علي وفاطمة والعباس اعتقد أن عموم قوله: "لا نورث" مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض، ولذلك نسب عمر إلى علي وعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك وأما مخاصمة علي وعباس بعد ذلك ثانيا عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدار قطني من طريقه: لم يكن في الميراث، إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف، كذا قال، لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على أنهما أراد أن يقسم بينهما على سبيل الميراث، ولفظه في آخره: "ثم جئتماني الآن تختصمان: يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي، والله لا أفضي بينكما إلا بذلك" أي إلا بما تقدم من تسليمها لهما على سبيل الولاية وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه وفي السنن لأبي داود وغيره: "أرادا أن عمر يقسمها لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه، فامتنع عمر من ذلك وأراد أن لا يقع عليها اسم قسم ولذلك أقسم على ذلك" وعلى هذا اقتصر أكثر الشراح واستحسنوه، وفيه من النظر ما تقدم وأعجب من ذلك جزم ابن الجوزي ثم الشيخ محيي الدين بأن عليا وعباسا لم يطلبا من عمر إلا ذلك، مع أن السياق صريح في أنهما جاءاه مرتين في طلب شيء واحد، لكن العذر لابن الجوزي والنووي أنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري والله أعلم وأما قول عمر: "جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك" فإنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يقسم أن لو كان هناك ميراث، لا أنه أراد الغض منهما بهذا الكلام وزاد الإمامي عن ابن شهاب عند عمر بن شبة في آخره: "فأصلحا أمركما وإلا لم يرجع والله إليكما فقاما وتركا الخصومة وأمضيت صدقة" وزاد شعيب في آخره: "قال ابن شهاب فحدثت به عروة فقال: صدق مالك بن أوس، أنا سمعت عائشة تقول" فذكر حديثا، قال: "وكانت هذه الصدقة بيد علي منعها عباسا فغلبه عليها،ثم كانت بيد الحسن ثم بيد الحسين ثم بيد علي ابن الحسين والحسن بن الحسن ثم بيد زيد بن الحسن وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا" وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مثله وزاد في آخره: قال معمر ثم كانت بيد عبد الله بن حسن حتى ولى هؤلاء - يعني بني العباس - فقبضوها وزاد إسماعيل القاضي أن إعراض العباس عنها كان في خلافة عثمان، قال عمر بن شبة: سمعت أبا غسان هو محمد بن يحيى المدني يقول: أن الصدقة المذكورة اليوم بيد الخليفة يكتب في عهده يولي عليها من قبله من

(6/207)


يقبضها ويفرقها في أهل الحاجة من أهل المدينة قلت: كان ذلك على رأس المائتين، ثم تغيرت الأمور والله المستعان واختلف العلماء في مصرف الفيء فقال مالك: الفيء والخمس سواء، يجعلان في بيت المال ويعطى الإمام أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاده، وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفيء فقال: الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال لا يتعدى به إلى غيرهم، وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى رأي الإمام بحسب المصلحة وانفرد الشافعي كما قال ابن المنذر وغيره بأن الفيء يخمس، وأن أربعة أخماسه للنبي صلى الله عليه وسلم، وله خمس الخمس كما في الغنيمة، وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة وقال الجمهور: مصرف الفيء كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتجوا بقول عمر "فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة" وتأول الشافعي قول عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة قال ابن بطال: مناسبة ذكر حديث عائشة في قصة فاطمة في "باب فرض الخمس" أن الذي سألت فاطمة أن تأخذه من جملته خيبر، والمراد به سهمه صلى الله عليه وسلم منها وهو الخمس، وسيأتي في المغازي بلفظ: "مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر"، وفي حديث عمر أنه يجب أن يتولى أمر كل قبيلة كبيرهم لأنه أعرف باستحقاق كل رجل منهم، وأن للإمام أن ينادي الرجل الشريف الكبير باسمه وبالترخيم حيث لم يرد بذلك تنقيصه وفيه استعفاء المرء من الولاية، وسؤاله الإمام ذلك بالرفق، وفيه اتخاذ الحاجب، والجلوس بين يدي الإمام، والشفاعة عنده في إنفاذ حكم وتبيين الحاكم وجه حكمه وفيه إقامة الإمام من ينظر على الوقف نيابة عنه، والتشريك بين الاثنين في ذلك ومنه يؤخذ جواز أكثر منهما بحسب المصلحة وفيه جواز الادخار خلافا لقول من أنكره من مشددي المتزهدين، وأن ذلك لا ينافي التوكل وفيه جواز اتخاذ العقار واستغلال منفعته، ويؤخذ منه جواز اتخاذ غير ذلك من الأموال التي يحصل بها النماء والمنفعة من زراعة وتجارة وغير ذلك وفيه أن الإمام إذا قام عنده الدليل صار إليه وقضى بمقتضاه ولم يحتج إلى أخذه من غيره ويؤخذ منه جواز حكم الحاكم بعلمه، وأن الأتباع إذا رأوا من الكبير انقباضا لم يفاتحوه حتى يفاتحهم بالكلام واستدل به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يملك شيئا من الفيء ولا خمس الغنيمة إلا قدر حاجته وحاجة من يمونه، وما زاد على ذلك كان له فيه التصرف بالقسم والعطية وقال آخرون لم يجعل الله لنبيه ملك رقبة ما غنمه، وإنما ملكه منافعه وجعل له منه قدر حاجته، وكذلك القائم بالأمر بعده وقال ابن الباقلاني في الرد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يورث: احتجوا بعموم قوله تعالى :{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} قال: أما من أنكر العموم فلا استغراق عنده لكل من مات أنه يورث، وأما من أثبته فلا يسلم دخول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولو سلم دخوله لوجب تخصيصه لصحة الخبر، وخبر الآحاد يخصص وإن كان لا ينسخ، فكيف بالخبر إذا جاء مثل مجيء هذا الخبر وهو "لا نورث" .

(6/208)


2 - باب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنْ الدِّينِ
3095- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُ بِهِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ

(6/208)


عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَعَقَدَ بِيَدِهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ".
قوله: "باب أداء الخمس من الدين" أورد فيه حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس. وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان، وترجم عليه هناك "أداء الخمس من الإيمان" وهو على قاعدته في ترادف الإيمان والإسلام والدين وقد تقدم في كتاب الإيمان من شرح ذلك ما فيه كفاية، وتقدم في أول الخمس بيان ما يتعلق به.

(6/209)


باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه و سلم بعد وفاته
...
3 - باب نَفَقَةِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ
3096- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ".
3097- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ".
[الحديث 3097 – طرفه في: 6451]
3098- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: "مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً".
قوله: "باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته" ذكر فيه ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث أبي هريرة "لا تقتسم ورثتي دينارا" وقد تقدم بهذا الإسناد في أواخر الوقف، وقد تقدم ما يتعلق بشرحه قبل بباب، وسيأتي بقية ما يتعلق منه بالميراث في الفرائض واختلف في المراد بقوله: "عاملي" فقيل الخليفة بعده، وهذا هو المعتمد وهو الذي يوافق ما تقدم في حديث عمر وقيل: يريد بذلك العامل على النخل، وبه جرم الطبري وابن بطال وأبعد من قال: المراد بعامله حافر قبره عليه الصلاة والسلام وقال ابن دحية في الخصائص: المراد بعامله خادمه وقيل العامل على الصدقة وقيل العامل فيها كالأجير وقوله في هذه الرواية "دينار" كذا وقع في رواية مالك عن أبي الزناد في الصحيحين، فقيل هو تنبيه بالأدنى على الأعلى وأخرجه مسلم من رواية سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بلفظ: "دينارا ولا درهما" وهي زيادة حسنة، وتابعه عليها سفيان الثوري عن أبي الزناد عند الترمذي في الشمائل واستدل به على أجرة القسام. ثانيها: حديث عائشة في قصة الشعير الذي كان في رفها فكالته ففني، وسيأتي بسنده ومتنه وشرحه في الرقاق، وتقدم الإلمام بشيء من ذلك في "باب ما يستحب من الكيل" أوائل البيوع قال ابن المنير: وجه دخول حديث عائشة في الترجمة أنها لو لم تستحق النفقة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ الشعير منها. ثالثها:

(6/209)


حديث أبي إسحاق وهو السبيعي عن عمرو بن الحارث "ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا سلاحه" الحديث وقد تقدم في الوصايا وأن شرحه يأتي مستوفى في أواخر المغازي، ووقع عند القابسي في أوله "حدثنا يحيى عن سفيان" فسقط عليه شيخ البخاري مسدد ولا بد منه، نبه عليه الجياني، ولو كان على ظاهر ما عنده لأمكن أن يكون يحيى هو ابن موسى أو ابن جعفر وسفيان هو ابن عيينة.

(6/210)


باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ، و ما نسب من البيوت إليهن
...
4 - باب مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نُسِبَ مِنْ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ،
وَقَوْلِ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ [33 الأحزاب]: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}،
وَ[53 الأحزاب]: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}
3099- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى وَمُحَمَّدٌ قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: "لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ".
3100- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَفِي نَوْبَتِي وَبَيْن سَحْرِي وَنَحْرِي وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ قَالَتْ دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِسِوَاكٍ فَضَعُفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ ثُمَّ سَنَنْتُهُ بِهِ".
3101- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ "أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَرِيبًا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِمَا رَجُلاَنِ مِنْ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَفَذَا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكُمَا قَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا".
3102- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ".
3103- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا".
3104- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قَامَ

(6/210)


النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ فَقَالَ هُنَا الْفِتْنَةُ ثَلاَثًا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ".
[الحديث 3104 – أطرافه في: 3279، 3511، 5296، 7092، 7093]
3105- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ إِنْسَانٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُرَاهُ فُلاَنًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ".
قوله: "باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن، وقول الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} و {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}". قال ابن المنير غرضه بهذه الترجمة أن يبين أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين، لأن نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، والسر فيه حبسهن عليه ثم ذكر فيه سبعة أحاديث: أحدها: حديث عائشة "استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي" ذكره مختصرا. ثانيها: حديثها "توفي في بيتي وفي نوبتي" وفيه ذكر السواك مع عبد الرحمن، وسيأتي الكلام عليهما مستوفى في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى. ثالثها: حديث صفية بنت حيي أنها جاءت تزوره وهو معتكف، والغرض منه قولها فيه: "عند باب أم سلمة" وقد تقدم شرحه في الاعتكاف. رابعها: حديث ابن عمر "ارتقيت فوق بيت حفصة" وقد تقدم شرحه في الطهارة. خامسها: حديث عائشة "كان يصلي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها" وقد تقدم شرحه في المواقيت. سادسها: حديث عبد الله وهو ابن عمر "الفتنة هاهنا" وسيأتي شرحه في الفتن، والغرض منه. قوله: "وأشار نحو مسكن عائشة" واعترض الإسماعيلي بأن ذكر المسكن لا يناسب ما قصد، لأنه يستوي فيه المالك والمستعير وغيرهما. سابعها: حديث عائشة "أنها سمعت صوت إنسان يستأذن في بيت حفصة" وقد تقدم بهذا الإسناد في الشهادات، ويأتي شرحه في الرضاع. "تنبيه": وقع في سياقه في الشهادات زيادة على سبيل الوهم في رواية أبي ذر، وكذا في رواية الأصيلي عن شيخه، وقد ضرب عليها في بعض نسخ أبي ذر والصواب حذفها، ولفظ الزيادة "فقلت يا رسول الله أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة فقالت عائشة" فهذا القدر زائد والصواب حذفه كما نبه عليه صاحب المشارق، قال الطبري: قيل كان النبي صلى الله عليه وسلم ملك كلا من أزواجه البيت الذي هي فيه فسكن بعده فيهن بذلك التمليك، وقيل إنما لم ينازعهن في مساكنهن لأن ذلك من جملة مئونتهن التي كان النبي صلى الله عليه وسلم استثناها لهن مما كان بيده أيام حياته حيث قال: "ما تركت بعد نفقة نسائي" قال: وهذا أرجح، ويؤيده أن ورثتهن لم يرثن عنهن منازلهن، ولو كانت البيوت ملكا لهن لانتقلت إلى ورثتهن، وفي ترك ورثتهن حقوقهم منها دلالة على ذلك، ولهذا زيدت بيوتهن في المسجد النبوي بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين كما فعل فيما كان يصرف لهن من النفقات والله أعلم وادعى المهلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حبس عليهن بيوتهن، ثم استدل به على أن من حبس دارا جاز له أن يسكن منها في موضع وتعقبه ابن المنير بمنع أصل الدعوى، ثم على التنزل لا يوافق ذلك مذهبه إلا إن صرح بالاستثناء، ومن أين له ذلك؟

(6/211)


باب ما ذكر من درع النبي صلى اله عليه و سلم و عصاه و سيفه و قدحه و خاتمه و ما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته و من شعره و نعله و آنيته مما تبرك أصحابه و غيرهم بعد وفاته
...
5 - باب مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ
وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ
وَمِنْ شَعَرِهِ وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ مِمَّا يَتَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ
3106- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا اسْتُخْلِفَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاللَّهِ سَطْرٌ".
3107- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: "أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالاَنِ فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلاَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 3107 – طرفاه 5857، 5858]
3108- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: "أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كِسَاءً مُلَبَّدًا وَقَالَتْ فِي هَذَا نُزِعَ رُوحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وَزَادَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: "أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ".
[الحديث 3108 – طرفه في: 5818]
3109- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ". قَالَ عَاصِمٌ: "رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ".
[الحديث 3109 – طرفه في: 5638]
3110- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِيِّ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ حَدَّثَهُ "أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: لاَ. فَقَالَ لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى تُبْلَغَ نَفْسِي إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا

(6/212)


- وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ - فَقَالَ: "إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ". قَالَ: "حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلاَلًا وَلاَ أُحِلُّ حَرَامًا وَلَكِنْ وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا".
3111- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُنْذِرٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: لَوْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَاكِرًا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ أَغْنِهَا عَنَّا فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا".
[الحديث 3111 – طرفه في: 3112]
3112- قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُنْذِرًا الثَّوْرِيَّ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: "أَرْسَلَنِي أَبِي خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ فَإِنَّ فِيهِ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ".
قوله: "باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك" الغرض من هذه الترجمة تثبيت أنه صلى الله عليه وسلم لم يورث ولا بيع موجودة، بل ترك بيد من صار إليه للتبرك به، ولو كانت ميراثا لبيعت وقسمت، ولهذا قال بعد ذلك "مما لم تذكر قسمته" وقوله: "مما تبرك أصحابه" أي به، وحذفه للعلم به، كذا للأصيلي، ولأبي ذر عن شيخيه "شرك" بالشين من الشركة وهو ظاهر. وفي رواية الكشميهني: "مما يتبرك به أصحابه" وهو يقوي رواية الأصيلي وأما قول المهلب: أنه إذا ترجم بذلك ليتأسى به ولاة الأمور في اتخاذ هذه الآلات، ففيه نظر، وما تقدم أولى وهو الأليق لدخوله في أبواب الخمس ثم ذكر فيه أحاديث ليس فيها مما ترجم به إلا الخاتم والنعل والسيف، وذكر فيه الكساء والإزار ولم يصرح بهما في الترجمة، فما ذكره في الترجمة ولم يخرج حديثه في الباب الدرع، ولعله أراد أن يكتب فيها حديث عائشة "أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة" فلم يتفق ذلك، وقد سبق في البيوع والرهن ومن ذلك العصا ولم يقع لها ذكر في الأحاديث التي أوردها، ولعله أراد أن يكتب حديث ابن عباس "أنه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن بمحجن" وقد مضى في الحج وسيأتي في حديث علي في تفسير سورة "والليل إذا يغشى" ذكر المخصرة وأنه صلى الله عليه وسلم جعل ينكت بها في الأرض، وهي عصا يمسكها الكبير يتكئ عليها، وكان قضيبه صلى الله عليه وسلم من شوحط، وكانت عند الخلفاء بعده حتى كسرها جهجاه الغفاري في زمن عثمان ومن ذلك الشعر، ولعله أراد أن يكتب فيه حديث أنس الماضي في الطهارة في قول ابن سيرين "عندنا شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم صار إلينا من قبل أنس". وأما قوله: "وآنيته" بعد ذكر القدح فمن عطف العام على الخاص، ولم يذكر في الباب من الآنية سوى القدح، وفيه كفاية لأنه يدل على ما عداه. حديث أنس في الخاتم، والغرض منه قوله فيه: "أن أبا بكر ختم الكتاب بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم" فإنه مطابق لقوله في الترجمة "وما استعمل الخلفاء من ذلك"، وسيأتي في اللباس فيه من

(6/213)


الزيادة أنه كان في يد أبي بكر وفي يد عمر بعده وأنه سقط من يد عثمان، ويأتي شرحه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى. حديث أنس "أنه أخرج نعلين جرداوين" بالجيم أي لا شعر عليهما، وقيل: خلقتين. قوله: "لهما" في رواية الكشميهني: "لها قبالان" بكسر القاف وتخفيف الموحدة. قوله: "فحدثني ثابت" القائل هو عيسى بن طهمان راوي الحديث عن أنس، وكأنه رأى النعلين مع أنس ولم يسمع منه نسبتهما، فحدثه بذلك ثابت عن أنس، وسيأتي شرحه في اللباس أيضا إن شاء الله تعالى. قوله: "عن أبي بردة" هو ابن أبي موسى قوله: "كساء ملبدا" أي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبد، ويقال المراد هنا المرقع قوله: "وزاد سليمان" هو ابن المغيرة "عن حميد" هو ابن هلال، وصله مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة به، وسيأتي بقية شرحه في كتاب اللباس أيضا. قوله: "عن أبي حمزة" هو السكري قوله: "عن عاصم عن ابن سيرين" كذا للأكثر، ووقع في رواية أبي زيد المروزي بإسقاط ابن سيرين وهو خطأ، وقد أخرجه البزار في مسنده عن البخاري بهذا الإسناد وقال لا نعلم من رواه عن عاصم هكذا إلا أبا حمزة. وقال الدار قطني: خالفه شريك عن عاصم عن أنس لم يذكر ابن سيرين، والصحيح قول أبي حمزة، قلت: قد رواه أبو عوانة عن عاصم ففصل بعضه عن أنس وبعضه عن ابن سيرين عن أنس، وسيأتي بيانه في الأشربة، ونبه على ذلك أبو علي الجياني وسيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى قوله: "إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ" في رواية أبي ذر بضم المثناة على البناء للمفعول. وفي رواية غيره بفتحها على البناء للفاعل والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأنس، وجزم بعض الشراح بالثاني واحتج برواية بلفظ: "فجعلت مكان الشعب سلسلة" ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون فجعلت بضم الجيم على البناء للمجهول فرجع إلى الاحتمال لإبهام الجاعل قوله: "قال عاصم" هو الأحول الراوي "رأيت القدح وشربت فيه". حديث المسور بن مخرمة في خطبة علي بنت أبي جهل، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في النكاح، والغرض منه ما دار بين المسور ابن مخرمة وعلي بن الحسين في أمر سيف النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد المسور بذلك صيانة سيف النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يأخذه من لا يعرف قدره والذي يظهر أن المراد بالسيف المذكور ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر ورأى فيه الرؤيا يوم أحد وقال الكرماني: مناسبة ذكر المسور لقصة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من جهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحترز عما يوجب وقوع التكدير بين الأقرباء، أي فكذلك ينبغي أن تعطيني السيف حتى لا يحصل بينك وبين أقربائك كدورة بسببه، أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراعي جانب بني عمه العبشميين فأنت أيضا راع جانب بني عمك النوفليين لأن المسور نوفلي، كذا قال، والمسور زهري لا نوفلي، قال: أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب رفاهية خاطر فاطمة عليها السلام فأنا أيضا أحب رفاهية خاطرك لكونك ابن ابنها فأعطني السيف حتى أحفظه لك قلت: وهذا الأخير هو المعتمد وما قبله ظاهر التكلف، وسأذكر إشكالا يتعلق بذلك في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى. قوله: "عن محمد بن سوقة" بضم المهملة وسكون الواو ثقة عابد مشهور، وهو وشيخه منذر بن يعلى أبو يعلى الثوري كوفيان قرينان من صغار التابعين قوله: "لو كان علي ذاكرا عثمان" زاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن قتيبة "ذاكرا عثمان بسوء" وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن محمد بن سوقة "حدثني منذر قال: كنا عند ابن الحنفية فنال بعض القوم من عثمان فقال: مه، فقلنا له أكان أبوك يسب عثمان؟ فقال ما سبه، ولو سبه يوما لسبه يوم جئته" فذكره قوله: "جاءه ناس فشكوا

(6/214)


سعاة عثمان" لم أقف على تعيين الشاكي ولا المشكو والسعاة جمع ساع وهو العامل الذي يسعى في استخراج الصدقة ممن تجب عليه ويحملها إلى الإمام. قوله: "فقال لي علي: اذهب إلى عثمان فأخبره أنها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي أن الصحيفة التي أرسل بها إلى عثمان مكتوب فيها بيان مصارف الصدقات، وقد بين في الرواية الثانية أنه قال له "خذ هذا الكتاب فإن فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة" وفي رواية ابن أبي شيبة: "خذ كتاب السعاة فاذهب به إلى عثمان". قوله: "أغنها" بهمزة مفتوحة ومعجمة ساكنة وكسر النون أي اصرفها، تقول: أغن وجهك عني أي اصرفه، ومثله قوله: "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" أي يصده ويصرفه عن غيره، ويقال قوله: "اغنها عنا" بألف وصل من الثلاثي وهي كلمة معناها الترك والإعراض، ومنه "واستغنى الله" أي تركهم الله لأن كل من استغنى عن شيء تركه تقول غني فلان عن كذا فهو غان بوزن علم فهو عالم. وفي رواية ابن أبي شيبة: "لا حاجة لنا فيه". وقيل: كان علم ذلك عند عثمان فاستغنى عن النظر في الصحيفة. وقال الحميدي في "الجمع": قال بعض الرواة عن ابن عيينة: لم يجد علي بدا حين كان عنده علم منه أن ينهيه إليه، ونرى أن عثمان إنما رده لأن عنده علما من ذلك فاستغنى عنه. ويستفاد من الحديث بذل النصيحة للأمراء وكشف أحوال من يقع منه الفساد من أتباعهم، وللإمام التنقيب عن ذلك. ويحتمل أن يكون عثمان لم يثبت عنده ما طعن به على سعاته، أو ثبت عنده وكان التدبير يقتضي تأخير الإنكار، أو كان الذي أنكره من المستحبات لا من الواجبات، ولذلك عذره علي ولم يذكره بسوء. قوله: "فأخبرته فقال: ضعها حيث أخذتها" في رواية ابن أبي شيبة: "ضعه موضعه" قوله: "وقال الحميدي إلخ" هو في "كتاب النوادر" له بهذا الإسناد، والحميدي من شيوخ البخاري في الفقه والحديث كما تقدم في أول هذا الكتاب وأراد بروايته هذه بيان تصريح سفيان بالتحديث، وكذا التصريح بسماع محمد بن سوقة من منذر، ولم أقف في شيء من طرقه على تعيين ما كان في الصحيفة، لكن أخرج الخطابي في "غريب الحديث" من طريق عطية عن ابن عمر قال: "بعث علي إلى عثمان بصحيفة فيها: لا تأخذوا الصدقة من الرخة ولا من النخة" قال الخطابي: النخة بنون ومعجمة أولا الغنم، والرخة براء ومعجمة أيضا أولاد الإبل. انتهى وسنده ضعيف لكنه مما يحتمل.

(6/215)


باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه و سلم و المساكين وإيثار النبي صلى اللله عليه و سلم أهل الصفة و الارامل حين سألته فاطمة و شكت إليه الطحن و الرحى أن يخدمها من السبي ، فوكلها إلى ا
...
6 - باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسَاكِينِ
وَإِيثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالأَرَامِلَ
حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنْ السَّبْيِ فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ
3113- حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا عَلِيٌّ "أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تُوَافِقْهُ فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ فَأَتَانَا وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ فَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي فَقَالَ أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ

(6/215)


لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ".
[الحديث 3113 – أطرافه في: 3705، 5361، 5362، 6318]
قوله: "باب الدليل على أن الخمس" أي خمس الغنيمة "لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين" النوائب جمع نائبة وهو ما ينوب الإنسان من الأمر الحادث "وإيثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة وشكت إليه الطحن" في رواية الكشميهني: "والطحين" "والرحى" "أن يخدمها من السبي، فوكلها إلى الله تعالى". حديث علي "أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن، فبلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسبي، فأتته تسأله خادما" فذكر الحديث وفيه: "ألا أدلكما على خير مما سألتما" فذكر الذكر عند النوم، وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى، وليس فيه ذكر أهل الصفة ولا الأرامل، وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته، وهو ما أخرجه أحمد من وجه آخر عن علي في هذه القصة مطولا وفيه: "والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم" وفي حديث الفضل بن الحسن الضمري عن ضباعة أو أم الحكم بنت الزبير قالت: "أصاب النبي صلى الله عليه وسلم سبيا، فذهبت أنا وأختي فاطمة نسأله، فقال سبقكما يتامى بدر" الحديث أخرجه أبو داود، وتقدم من حديث ابن عمر في الهبة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أن ترسل الستر إلى أهل بيت بهم حاجة" قال إسماعيل القاضي: هذا الحديث يدل على أن للإمام أن يقسم الخمس حيث يرى، لأن الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين، والذي يختص بالإمام هو الخمس، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم ابنته وأعز الناس عليه من أقربيه وصرفه إلى غيرهم. وقال نحوه الطبري: لو كان سهم ذوي القربى قسما مفروضا لأخدم ابنته ولم يكن ليدع شيئا اختاره الله لها وامتن به على ذوي القربى، وكذا قال الطحاوي وزاد: وأن أبا بكر وعمر أخذا بذلك وقسما جميع الخمس ولم يجعلا لذوي القربى منه حقا مخصوصا به بل بحسب ما يرى الإمام، وكذلك فعل علي قلت: في الاستدلال بحديث علي هذا نظر، لأنه يحتمل أن يكون ذلك من الفيء، وأما خمس الخمس من الغنيمة فقد روى أبو داود من طريق عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن علي قال: "قلت يا رسول الله، إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس" الحديث، وله من وجه آخر عنه "ولأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياته" الحديث، فيحتمل أن تكون قصة فاطمة وقعت قبل فرض الخمس والله أعلم وهو بعيد، لأن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية نزلت في غزوة بدر، وقد مضي قريبا أن الصحابة أخرجوا الخمس من أول غنيمة غنموها من المشركين فيحتمل أن حصة خمس الخمس - وهو حق ذوي القربى من الفيء المذكور - لم يبلغ قدر الرأس الذي طلبته فاطمة فكان حقها من ذلك يسيرا جدا، يلزم منه أن لو أعطاها الرأس أثر في حق بقية المستحقين ممن ذكر وقال المهلب: في هذا الحديث أن للإمام أن يؤثر بعض مستحقي الخمس على بعض، ويعطي الأوكد فالأوكد ويستفاد من الحديث حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من التقلل والزهد في الدنيا والقنوع بما أعد الله لأوليائه الصابرين في الآخرة قلت: وهذا كله بناء على ما يقتضيه ظاهر الترجمة، وأما مع الاحتمال الذي ذكرته أخيرا فلا يمكن أن يؤخذ من ذكر الإيثار عدم وقوع الاشتراك في الشيء، ففي ترك القسمة وإعطاء أحد المستحقين دون الآخر إيثار الآخذ على الممنوع، فلا يلزم منه نفي الاستحقاق وسيأتي مزيد في هذه المسألة بعد ثمانية أبواب.

(6/216)


باب قول الله تعالى { فأن لله خمسه و للرسول } يعني للرسول قسم ذلك و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( إنما أنا قاسم و خازن ، و الله يعطي ))
...
7 - باب قَوْلِ اللَّه تَعَالَى [41 الأنفال]: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} يَعْنِي لِلرَّسُولِ قَسْمَ ذَلِكَ.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ وَاللَّهُ يُعْطِي".
3114- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ وَقَتَادَةَ سَمِعُوا سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا مِنْ الأَنْصَارِ غُلاَمٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا". قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: إِنَّ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: "حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: "وُلِدَ لَهُ غُلاَمٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا" قَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ". وَقَالَ حُصَيْنٌ: "بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ". قَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا عَنْ جَابِرٍ: أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ، فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي".
[الحديث 3114 – أطرافه في: 3115، 3538، 6186، 6187، 6189، 6196]
3115- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: "وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ فَقَالَتْ الأَنْصَارُ لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ فَقَالَتْ الأَنْصَارُ لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَحْسَنَتْ الأَنْصَارُ سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ".
3116- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ".
3117- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَا أُعْطِيكُمْ وَلاَ أَمْنَعُكُمْ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ".
3118- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَاسْمُهُ نُعْمَانُ عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قوله: "باب قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} يعني وللرسول قسم ذلك" هذا اختيار منه لأحد الأقوال في تفسير هذه الآية، والأكثر على أن اللام في قوله: "الرسول" للملك، وأن للرسول خمس الخمس من الغنيمة

(6/217)


سواء حضر القتال أو لم يحضر، وهل كان يملكه أو لا؟ وجهان للشافعية. ومال البخاري إلى الثاني واستدل له. قال إسماعيل القاضي: لا حجة لمن ادعى أن الخمس يملكه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} لأنه تعالى قال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} واتفقوا على أنه قبل فرض الخمس كان يعطي الغنيمة للغانمين بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده، فلما فرض الخمس تبين للغانمين أربعة أخماس الغنيمة لا يشاركهم فيها أحد، وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم بنسبة الخمس إليه إشارة إلى أنه ليس للغانمين فيه حق بل هو مفوض إلى رأيه، وكذلك إلى الإمام بعده، وقد تقدم نقل الخلاف فيه في الباب الأول وأجمعوا على أن اللام في قوله تعالى: {لله} للتبرك إلا ما جاء عن أبي العالية فإنه قال: تقسم الغنيمة خمسة أسهم ثم السهم الأول يقسم قسمين قسم لله وهو للفقراء وقسم الرسول له، وأما من بعده فيضعه الإمام حيث يراه قوله: "وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا قاسم وخازن، والله يعطي" لم يقع هذا اللفظ في سياق واحد، وإنما هو مأخوذ من حديثين: أما حديث: "إنما أنا قاسم" فهو طرف من حديث أبي هريرة المذكور في الباب، وتقدم في العلم من حديث معاوية بلفظ: "وإنما أنا قاسم والله يعطي" في أثناء حديث. وأما حديث: "إنما أنا خازن والله يعطي" فهو طرف من حديث معاوية المذكور، ويأتي موصولا في الاعتصام بهذا اللفظ ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث. قوله: "عن سليمان" هو الأعمش، وبين البخاري الاختلاف على شعبة: هل أراد الأنصاري أن يسمي ابنه محمدا أو القاسم، وأشار إلى ترجح أنه أراد أن يسميه القاسم برواية سفيان - وهو الثوري - له عن الأعمش فسماه القاسم، ويترجح أنه أيضا من حيث المعنى لأنه لم يقع الإنكار من الأنصار عليه إلا حيث لزم من تسمية ولده القاسم أن يصير يكنى أبا القاسم، وسيأتي البحث في هذه المسألة في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله: "قال شعبة في حديث منصور إن الأنصاري قال: حملته على عنقي" هذا يقتضي أن يكون الحديث من رواية جابر عن الأنصاري، بخلاف رواية غيره فإنها من مسند جابر قوله: "وقال حصين بعثت قاسما أقسم بينكم" هو من رواية شعبة عن حصين أيضا كما سيأتي في الأدب قوله: "وقال عمرو" هو ابن مرزوق وهو من شيوخ البخاري، وطريقه هذه وصلها أبو نعيم في "المستخرج" وكأن شعبة كان تارة يحدث به عن بعض مشايخه دون بعض وتارة يجمعهم ويفصل ألفاظهم، وقوله: "لا تكنوا" وقع في رواية الكشميهني: "ولا تكنوا" بفتح الكاف وتشديد النون. قوله في رواية سفيان عن الأعمش "لا نكنيك ولا ننعمك عينا" وقع في رواية الكشميهني بالجزم فيهما في الموضعين، ومعنى قوله: "لا ننعمك عينا" لا نكرمك ولا تقر عينك بذلك، وسيأتي في الأدب من الزيادة من وجه آخر عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنصاري: سم ابنك عبد الرحمن". حديث معاوية، وهو يشتمل على ثلاثة أحكام "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وقد تقدم شرح صدره في كتاب العلم، ويأتي شرح الأخير منه في الاعتصام، والغرض منه قوله: "والله المعطي وأنا القاسم" وهذا مطابق لأحاديث الباب. قوله: "ما أعطيكم ولا أمنعكم" في رواية أحمد عن شريح بن النعمان عن فليح في أوله "والله المعطي" والمعنى لا أتصرف فيكم بعطية ولا منع برأيي، وقوله: "إنما أنا القاسم أضع حيث أمرت" أي لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا إلا بأمر الله، وقد أخرجه أبو داود من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ: "إن أنا إلا خازن". قوله: "حدثنا عبد الله بن يزيد" هو أبو عبد الرحمن المقري قوله: "حدثنا سعيد" زاد المستملي: "ابن أبي أيوب"

(6/218)


وأبو الأسود هو النوفلي الذي يقال له يتيم عروة، والنعمان بن أبي عياش بالتحتانية والمعجمة أنصاري، وهو زرقي، وبذلك وصفه الدورقي، واسم أبي عياش عبيد، وقيل زيد بن معاوية بن الصامت قوله: "عن خولة الأنصارية" في رواية الإسماعيلي بنت ثامر الأنصارية، وزاد في أوله "الدنيا خضرة حلوة، وإن رجالا" وأخرجه الترمذي من طريق سعيد المقبري عن أبي الوليد سمعت خولة بنت قيس وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا المال خضرة حلوة، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار" قال الترمذي: حسن صحيح، وأبو الوليد اسمه عبيد قلت: فرق غير واحد بين خولة بنت ثامر وبين خولة بنت قيس، وقيل إن قيس بن قهد بالقاف لقبه ثامر وبذلك جزم علي بن المديني، فعلى هذا فهي واحدة، وقوله: "خضرة" أنت على تأويل الغنيمة بدليل قوله: "من مال الله" ويحتمل ما هو أعم من ذلك وقوله: "خضرة" أي مشتهاة، والنفوس تميل إلى ذلك وقوله: "من مال الله" مظهر أقيم مقام المضمر إشعارا بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي، وقوله: "ليس له يوم القيامة إلا النار" حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله، ففيه إشعار بالغلبة. قوله: "يتخوضون" بالمعجمتين "في مال الله بغير حق" أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها، وبذلك تناسب الترجمة "تنبيه": قال الكرماني: مناسبة حديث خولة للترجمة خفية، ويمكن أن تؤخذ من قوله: "يتخوضون في مال الله بغير حق" أي بغير قسمة حق، واللفظ وإن كان عاما لكن خصصناه بالقسمة لتفهم منه الترجمة قلت: ولا تحتاج إلى قيد الاعتذار لأن قوله: "بغير" يدخل في عمومه الصورة المذكورة فيصح الاحتجاج به على شرطية القسمة في أموال الفيء والغنيمة بحكم العدل واتباع ما ورد في الكتاب والسنة، وكأن المصنف أراد بإيراده تخويف من يخالف ذلك ويستفاد من هذه الأحاديث أن بين الاسم والمسمى به مناسبة، لكن لا يلزم إطراد ذلك، وأن من أخذ من الغنائم شيئا بغير قسم الإمام كان عاصيا وفيه ردع الولاة أن يأخذوا من المال شيئا بغير حقه أو يمنعوه من أهله.

(6/219)


باب قول النبي صلى الله عليه و سلم (( أحلت لكم الغنائم )) . و قال الله عز وجل { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } الآية . و هي للعامة حتى يبينه الرسول صلى الله عليه و سلم
...
8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ الْغَنَائِمُ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى [20 الفتح]: {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} ا لآية. وَهِيَ لِلْعَامَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3119- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
3120- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
3121- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعَ جَرِيرًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رسول

(6/219)


الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
[الحديث 3121 – طرفاه في: 3619، 6629]
3122- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ".
3123- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ".
3124- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ صَلاَةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا فَجَاءَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا".
[الحديث 3124 – طرفه في: 5157]
قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أحلت لكم الغنائم " كذا للجميع، ووقع عند ابن التين "أحلت لي" وهو أشبه، لأنه ذكر بهذا اللفظ في هذا الباب، وهذا الثاني طرف من حديث جابر الماضي في التيمم، وقد تقدم بيان ما كان من قبلنا يصنع في الغنيمة قوله: "وقال الله عز وجل: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} الآية" هذه الآية نزلت في أهل الحديبية بالاتفاق، ولما انصرفوا من الحديبية فتحوا خيبر كما سيأتي في مكانه قوله: "فهي للعامة" أي الغنيمة لعموم المسلمين ممن قاتل قوله: "حتى يبينه الرسول" أي حتى يبين الرسول من يستحق ذلك ممن لا يستحقه، وقد وقع بيان ذلك بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية، ثم ذكر فيه ستة أحاديث: أحدها: حديث عروة البارقي في الخيل، وقد تقدم الكلام عليه في الجهاد، والغرض منه قوله في آخره: "الأجر والمغنم". ثانيها: حديث أبي هريرة "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده" وسيأتي الكلام عليه في علامات

(6/220)


النبوة. والغرض منه قوله: "لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" وقد أنفقت كنوزهما في المغانم. ثالثها: حديث جابر بن سمرة مثله، وإسحاق هو ابن راهويه وجرير هو ابن عبد الحميد وعبد الملك هو ابن عمير وذكر أبو علي الجياني أنه لم ير إسحاق هذا منسوبا لأحد من الرواة، لكن وجدناه بعده في مسند إسحاق بهذا السياق، فغلب على الظن أنه المراد. رابعها: حديث جابر بن عبد الله ذكره مختصرا بلفظ: "أحلت لي الغنائم" وقد تقدم شرحه مستوفى في التيمم. خامسها: حديث أبي هريرة "تكفل الله لمن جاهد في سبيله" وقد تقدم شرحه في أوائل الجهاد، والغرض منه قوله في آخره: "من أجر أو غنيمة". سادسها: حديثه في قصة النبي الذي غزا القرية قوله: "عن ابن المبارك" كذا في جميع الروايات، لكن قال أبو نعيم في "المستخرج" أخرجه البخاري عن محمد بن العلاء عن ابن المبارك أو غيره: "وهذا الشك إنما هو من أبي نعيم، فقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن محمد بن العلاء عن ابن المبارك وحده به قوله: "غزا نبي من الأنبياء" أي أراد أن يغزو، وهذا النبي هو يوشع بن نون كما رواه الحاكم من طريق كعب الأحبار وبين تسمية القرية كما سيأتي، وقد ورد أصله من طريق مرفوعة صحيحة أخرجها أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيربن عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس" وأغرب ابن بطال فقال في "باب استئذان الرجل الإمام" في هذا المعنى حديث لداود عليه الصلاة والسلام أنه قال في غزوة خرج إليها "لا يتبعني من ملك بضع امرأة ولم يبن بها، أو بنى دارا ولم يسكنها" ولم أقف على ما ذكره مسندا، لكن أخرج الخطيب في "ذم النجوم" له من طريق أبي حذيفة والبخاري في "المبتدأ" له بإسناد له عن علي قال: "سأل قوم يوشع منه أن يطلعهم على بدء الخلق وآجالهم، فأراهم ذلك في ماء من غمامة أمطرها الله عليهم، فكان أحدهم يعلم متى يموت، فبقوا على ذلك إلى أن قاتلهم داود على الكفر، فأخرجوا إلى داود من لم يحضر أجله فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل منهم، فشكى إلى الله ودعاه فحبست عليهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار، فاختلط عليهم حسابهم" قلت: وإسناده ضعيف جدا، وحديث أبي هريرة المشار إليه عند أحمد أولى، فإن رجال إسناده محتج بهم في الصحيح، فالمعتمد أنها لم تحبس إلا ليوشع، ولا يعارضه ما ذكره ابن إسحاق في "المبتدأ" من طريق يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه "أن الله لما أمر موسى بالمسير ببني إسرائيل أمره أن يحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى كاد الفجر أن يطلع، وكان وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر، فدعا ربه أن يؤخر الطلوع حتى فرغ من أمر يوسف ففعل" ، لأن الحصر إنما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فلا ينفي أن يحبس طلوع الفجر لغيره، وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى قال أبو تمام في قصيدة:
فوالله لا أدري أأحلام نائم ... ألمت بنا أم كان في الركب يوشع
ولا يعارضه أيضا ما ذكره يونس بن بكير في زياداته في مغازي ابن إسحاق "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر قريشا صبيحة الإسراء أنه رأى العير التي لهم وأنها تقدم مع شروق الشمس، فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير" وهذا منقطع، لكن وقع في "الأوسط للطبراني" من حديث جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار" وإسناده حسن، ووجه الجمع أن الحصر محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تحبس الشمس إلا ليوشع وليس فيه نفي أنها تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم وروى الطحاوي والطبراني في "الكبير" والحاكم والبيهقي في "الدلائل"

(6/221)


عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت، وهذا أبلغ في المعجزة وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في "الموضوعات" وكذا ابن تيمية في "كتاب الرد على الروافض" في زعم وضعه والله أعلم. وأما ما حكى عياض أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردها الله عليه حتى صلى العصر - كذا قال وعزاه للطحاوي، والذي رأيته في "مشكل الآثار للطحاوي" ما قدمت ذكره من حديث أسماء فإن ثبت ما قال فهذه قصة ثالثة والله أعلم وجاء أيضا أنها حبست لموسى لما حمل تابوت يوسف كما تقدم قريبا. وجاء أيضا أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلام وهو فيما ذكره الثعلبي ثم البغوي عن ابن عباس قال: "قال لي علي: ما بلغك في قول الله تعالى حكاية عن سليمان عليه الصلاة والسلام {رُدُّوهَا عَلَيَّ} ؟ فقلت: قال لي كعب: كانت أربعة عشر فرسا عرضها، فغابت الشمس قبل أن يصلي العصر، فأمر بردها فضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها، فقال علي: كذب كعب، وإنما أراد سليمان جهاد عدوه فتشاغل بعرض الخيل حتى غابت الشمس فقال للملائكة الموكلين بالشمس بإذن الله لهم: ردوها علي، فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها، وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم". قلت: أورد هذا الأثر جماعة ساكتين عليه جازمين بقولهم "قال ابن عباس قلت لعلي" وهذا لا يثبت عن ابن عباس ولا عن غيره، والثابت عن جمهور أهل العلم بالتفسير من الصحابة ومن بعدهم أن الضمير المؤنث في قوله: "ردوها" للخيل والله أعلم. قوله: "بضع امرأة" بضم الموحدة وسكون المعجمة البضع يطلق على الفرج والتزويج والجماع، والمعاني الثلاثة لائقة هنا، ويطلق أيضا على المهر وعلى الطلاق. وقال الجوهري: قال ابن السكيت البضع النكاح يقال ملك فلان بضع فلانة. قوله: "ولما يبن بها" أي ولم يدخل عليها لكن التعبير بلما يشعر بتوقع ذلك قاله الزمخشري في قوله تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ووقع في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وأبي عوانة وابن حبان: "لا ينبغي لرجل بنى دارا ولم يسكنها أو تزوج امرأة ولم يدخل بها" وفي التقييد بعدم الدخول ما يفهم أن الأمر بعد الدخول بخلاف ذلك فلا يخفى فرق بين الأمرين، وإن كان بعد الدخول ربما استمر تعلق القلب، لكن ليس هو كما قبل الدخول غالبا قوله: "ولم يرفع سقوفها" في صحيح مسلم ومسند أحمد "ولما يرفع سقفها" وهو بضم القاف والفاء لتوافق هذه الرواية، ووهم من ضبط بالإسكان وتكلف في توجيه الضمير المؤنث للسقف قوله: "أو خلفات" بفتح المعجمة وكسر اللام بعدها فاء خفيفة جمع خلفة وهي الحامل من النوق، وقد يطلق على غير النوق، و "أو" في قوله غنما أو خلفات للتنويع ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل لدلالة الثاني عليه، أو هو على إطلاقه لأن الغنم يقل صبرها فيخشى عليها الضياع بخلاف النوق فلا يخشى عليها إلا مع الحمل، ويحتمل أن يكون قوله: "أو" للشك أي هل قال غنما بغير صفة أو خلفات أي بصفة أنها حوامل، كذا قال بعض الشراح، والمعتمد أنها للتنويع، فقد وقع في رواية أبي يعلى عن محمد بن العلاء "ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات" قوله: "وهو ينتظر ولادها" بكسر الواو وهو مصدر ولد ولادا وولادة قوله: "فغزا" أي بمن تبعه ممن لم يتصف بتلك الصفة قوله: "فدنا من القرية" هي أريحا بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ومهملة مع القصر، سماها الحاكم في روايته عن كعب. وفي رواية مسلم: "فأدنى للقرية" أي قرب جيوشه لها قوله: "فقال للشمس إنك مأمورة" في رواية سعيد بن المسيب "فلقي العدو عند غيبوبة الشمس" وبين الحاكم في روايته عن

(6/222)


كعب سبب ذلك فإنه قال: "أنه وصل إلى القرية وقت عصر يوم الجمعة، فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل" وبهذا يتبين معنى قوله: "وأنا مأمور" والفرق بين المأمورين أن أمر الجمادات أمر تسخير وأمر العقلاء أمر تكليف، وخطابه للشمس يحتمل أن يكون على حقيقته وأن الله تعالى خلق فيها تمييزا وإدراكا كما سيأتي البحث فيه في الفتن في سجودها تحت العرش واستئذانها من أن تطلع، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل استحضاره في النفس لما تقرر أنه لا يمكن تحولها عن عادتها إلا بخرق العادة، وهو نحو قول الشاعر شكى إلي جملي طول السرى ومن ثم قال: "اللهم احبسها" ويؤيد الاحتمال الثاني أن في رواية سعيد بن المسيب فقال: "اللهم إنها مأمورة وإني مأمور فاحبسها علي حتى تقضي بيني وبينهم، فحبسها الله عليه". قوله: "اللهم احبسها علينا" في رواية أحمد "اللهم احبسها علي شيئا" وهو منصوب نصب المصدر، أي قدر ما تنقضي حاجتنا من فتح البلد، قال عياض: اختلف في حبس الشمس هنا، فقيل ردت على أدراجها، وقيل وقفت، وقيل بطئت حركتها، وكل ذلك محتمل والثالث أرجح عند ابن بطال وغيره ووقع في ترجمة هارون بن يوسف الرمادي أن ذلك كان في رابع عشر حزيران وحينئذ يكون النهار في غاية الطول قوله: "فحبست حتى فتح الله عليه" في رواية أبي يعلى "فواقع القوم فظفر" قوله: "فجمع الغنائم فجاءت يعني النار" في رواية عبد الرزاق عند أحمد ومسلم: "فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار" زاد في رواية سعيد بن المسيب "وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها" قوله: "فلم تطعمها" أي لم تذق لها طعما، وهو بطريق المبالغة قوله: "فقال إن فيكم غلولا" هو السرقة من الغنيمة كما تقدم قوله: "فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت" فيه حذف يظهر من سياق الكلام أي فبايعوه فلزقت قوله: "فلزقت يد رجلين أو ثلاثة" في رواية أبي يعلى "فلزقت يد رجل أو رجلين" وفي رواية سعيد ابن المسيب "رجلان" بالجزم، قال ابن المنير جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال، وفيه تنبيه على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه، أو أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق إلى الإمام، وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة قوله: "فيكم الغلول" زاد في رواية سعيد بن المسيب "فقالا أجل غللنا" قوله: "فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها، فجاءت النار فأكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم" في رواية النسائي: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "أن الله أطعمنا الغنائم رحمة رحمناها وتخفيفا خففه عنا" قوله: "رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا" في رواية سعيد بن المسيب "لما رأى من ضعفنا" وفيه إشعار بأن إظهار العجز بين يدي الله تعالى يستوجب ثبوت الفضل، وفيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر وفيها نزل قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} فأحل الله لهم الغنيمة، وقد ثبت ذلك في الصحيح من حديث ابن عباس، وقد قدمت في أوائل فرض الخمس أن أول غنيمة خمست غنيمة السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش، وذلك قبل بدر بشهرين، ويمكن الجمح بما ذكر ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم أخر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر قال المهلب: في هذا الحديث أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء، لأن من ملك بضع امرأة ولم يدخل بها أو دخل بها وكان على قرب من ذلك فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها ويجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه من الطاعة، وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا، وهو كما قال، لكن تقدم ما يعكر على إلحاقه بما بعد الدخول وإن لم يطل بما قبله، ويدل على التعميم في الأمور الدنيوية ما وقع في رواية سعيد بن المسيب من الزيادة "أو له حاجة في الرجوع" وفيه أن الأمور المهمة لا ينبغي أن تفوض

(6/223)


إلا لحازم فارغ البال لها، لأن من له تعلق ربما ضعفت عزيمته وقلت رغبته في الطاعة، والقلب إذا تفرق ضعف فعل الجوارح وإذا اجتمع قوي. وفيه أن من مضى كانوا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم، لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها، وعلامة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النار من السماء فتأكلها، وعلامة عدم قبوله أن لا تنزل ومن أسباب عدم القبول أن يقع فيهم الغلول، وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنيمة، وستر عليهم الغلول، فطوى عنهم فضيحة أمر عدم القبول، فلله الحمد على نعمه تترى ودخل في عموم أكل النار الغنيمة والسبي. وفيه بعد لأن مقتضاه إهلاك الذرية ومن لم يقاتل من النساء، ويمكن أن يستثنوا من ذلك، ويلزم استثناؤهم من تحريم الغنائم عليهم، ويؤيده أنهم كانت لهم عبيد وإماء فلو لم يجز لهم السبي لما كان لهم أرقاء ويشكل على الحصر أنه كان السارق يسترق كما في قصة يوسف، ولم أر من صرح بذلك وفيه معاقبة الجماعة بفعل سفهائها وفيه أن أحكام الأنبياء قد تكون بحسب الأمر الباطن كما في هذه القصة، وقد تكون بحسب الأمر الظاهر كما في حديث: "إنكم تختصمون إلي" الحديث، واستدل به ابن بطال على جواز إحراق أموال المشركين، وتعقب بأن ذلك كان في تلك الشريعة وقد نسخ بحل الغنائم لهذه الأمة، وأجيب عنه بأنه لا يخفى عليه ذلك ولكنه استنبط من إحراق الغنيمة بأكل النار جواز إحراق أمواش الكفار إذا لم يوجد السبيل إلى أخذها غنيمة، وهو ظاهر لأن هذا القدر لم يرد التصريح بنسخة فهو محتمل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخه واستدل به أيضا على أن قتال آخر النهار أفضل من أوله، وفيه نظر لأن ذلك في هذه القصة إنما وقع اتفاقا كما تقدم، نعم في قصة النعمان بن مقرن مع المغيرة بن شعبة في قتال الفرس التصريح باستحباب القتال حين تزول الشمس وتهب الرياح، فالاستدلال به يغني عن هذا

(6/224)


9 - باب الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ
3125- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:ُ" لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ".
قوله: "باب" بالتنوين "الغنيمة لمن شهد الوقعة" هذا لفظ أثر أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طارق بن شهاب "أن عمر كتب إلى عمار أن الغنيمة لمن شهد الوقعة" ذكره في قصة. قوله: "حدثنا صدقة" هو ابن الفضل وقد تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في المزارعة، ووجه أخذه من الترجمة أن عمر في هذا الحديث أيضا قد صرح بما دل عليه هذا الأثر إلا أنه عارض عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة فوقفها على المسلمين وضرب عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم، وتأول قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الآية، وروى أبو عبيد في "كتاب الأموال" من طريق ابن إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر "أنه أراد أن يقسم السواد، فشاور في ذلك، فقال له علي: دعهم يكونوا مادة للمسلمين، فتركهم" ومن طريق عبد الله بن أبي قيس "أن عمر أراد قسمة الأرض، فقال له معاذ: إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبتدرون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة، ويأتي القوم يسدون من الإسلام مسدا فلا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم، فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض، وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم" فبقي ما عدا ذلك على اختصاص الغانمين

(6/224)


به، وبه قال الجمهور. وذهب أبو حنيفة إلى أن الجيش إذا فصلوا من دار الإسلام مددا لجيش آخر فوافوهم بعد الفتح أنهم يشتركون معهم في الغنيمة، واحتج بما قسم صلى الله عليه وسلم للأشعريين لما قدموا مع جعفر من خيبر، وبما قسم النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يحضر الوقعة كعثمان في بدر ونحو ذلك، فأما قصة الأشعريين فسيأتي سياقها في غزوة خيبر، والجواب عنها سيأتي بعد أبواب، وأما الجواب عن مثل قصة عثمان فأجاب الجمهور عنها بأجوبة: أحدها أن ذلك خاص به لا بمن كان مثله، ثانيها أن ذلك حيث كانت الغنيمة كلها للنبي صلى الله عليه وسلم عند نزول {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ثم نزلت بعد ذلك {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} " فصارت أربعة أخماس الغنيمة للغانمين ثالثها على تقدير أن يكون ذلك بعد فرض الخمس فهو محمول على أنه إعطاء من الخمس، وإلى ذلك جنح المصنف كما سيأتي رابعها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الإمام فيسهم له بخلاف غيره، وهذا مشهور مذهب مالك وقال ابن بطال: لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في غير من شهد الوقعة إلا في خيبر، فهي مستثناة من ذلك فلا يجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم، ولذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين أول ما قدموا عليهم قال الطحاوي: ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطى الأشعريين وغيرهم، وهذا كله في الغنيمة المنقولة، وقد تقدم في المزارعة بيان الاختلاف في الأرض التي يملكها المسلمون عنوة، قال ابن المنذر: ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد، وأن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله: "لولا آخر المسلمين"، لكن يمكن أن يقال: معناه لولا آخر المسلمين ما استطبت أنفس الغانمين، وأما قول عمر " كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر " فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها، قاله الطحاوي، وأشار إلى ما روي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وما ينزل به، وقسم النصف الباقي بين المسلمين، فلم يكن لهم عمال فدفعوها إلى اليهود ليعملوها على نصف ما يخرج منها " الحديث، والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحا، وبالذي قسمه ما افتتح عنوة، وسيأتي بيان ذلك بأدلته في المغازي إن شاء الله تعالى. قال ابن المنير: ترجم البخاري بأن الغنيمة لمن شهد الوقعة. وأخرج قول عمر المقتضي لوقف الأرض المغنومة وهذا ضد ما ترجم به، ثم أجاب بأن المطابق لترجمته قول عمر "كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر" فأومأ البخاري إلى ترجيح القسمة الناجزة، والحجة فيه أن الآتي الذي لم يوجد بعد لا يستحق شيئا من الغنيمة الحاضرة، بدليل أن الذي يغيب عن الوقعة لا يستحق شيئا بطريق الأولى، قلت: ويحتمل أن يكون البخاري أراد التوفيق بين ما جاء عن عمر أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، وبين ما جاء عنه أنه يرى أن توقف الأرض، بحمل الأول على أن عمومه مخصوص بغير الأرض، قال ابن المنير: وجه احتجاج عمر بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} أن الواو عاطفة فيحصل اشتراك من ذكر في الاستحقاق والجملة في قوله تعالى: {يَقُولُونَ} في موضع الحال فهي كالشرط للاستحقاق، والمعنى أنهم يستحقون في حال الاستغفار، ولو أعربناها استئنافية للزم أن كل من جاء بعدهم يكون مستغفرا لهم والواقع بخلافه فتعين الأول، واختلف في الأرض التي أبقاها عمر بغير قسمة، فذهب الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها وقال بعض الكوفيين: أبقاها ملكا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج، وقد اشتد نكير كثير من فقهاء أهل الحديث على هذه المقالة، ولبسطها موضع غير هذا. والله أعلم.

(6/225)


10 - باب مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ؟
3126- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟" فَقَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
قوله: "باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره؟" ذكر فيه حديث أبي موسى "قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل للمغنم" الحديث. وقد تقدم شرحه في أثناء الجهاد. قال ابن المنير: أراد البخاري أن قصد الغنيمة لا يكون منافيا للأجر ولا منقصا إذا قصد معه إعلاء كلمة الله، لأن السبب لا يستلزم الحصر، ولهذا يثبت الحكم الواحد بأسباب متعددة، ولو كان قصد الغنيمة ينافي قصد الإعلاء لما جاء الجواب عاما ولقال مثلا: من قاتل للمغنم فليس هو في سبيل الله. قلت: وما ادعى أن مراد البخاري فيه بعد، والذي يظهر أن النقص من الأجر أمر نسبي كما تقدم تحرير ذلك في أوائل الجهاد، فليس من قصد إعلاء كلمة الله محضا في الأجر مثل من ضم إلى هذا القصد قصدا آخر من غنيمة أو غيرها. وقال ابن المنير في موضع آخر: ظاهر الحديث أن من قاتل للمغنم - يعني خاصة - فليس في سبيل الله وهذا لا أجر له البتة، فكيف يترجم له بنقص الأجر؟ وجوابه ما قدمته.

(6/226)


باب قسمة الإمام ما يقدم عليه ، و يخبأ لمن لم يحضره أو غاب عنه
...
11 - باب قِسْمَةِ الإِمَامِ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ وَيَخْبَأُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَوْ غَابَ عَنْهُ
3127- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَامَ عَلَى الْبَاب فَقَالَ ادْعُهُ لِي فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ فَأَخَذَ قَبَاءً فَتَلَقَّاهُ بِهِ وَاسْتَقْبَلَهُ بِأَزْرَارِهِ فَقَالَ يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ". وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ "قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ". تَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ.
قوله: "باب قسمة الإمام ما يقدم عليه" أي من جهة أهل الحرب. قوله: "ويخبأ لمن لم يحضره" أي في مجلس القسمة، أو غاب عنه أي في غير بلد القسمة. قال ابن المنير: فيه رد لما اشتهر بين الناس أن الهدية لمن حضر. قلت: قد سبق الكلام في الهبة على شيء من ذلك. قوله: "عن عبد الله بن أبي مليكة أن النبي صلى الله عليه وسلم" هذا هو المعتمد أنه من هذا الوجه مرسل، ووقع في رواية الأصيلي عن ابن أبي مليكة عن المسور، وهو وهم، ويدل عليه أن المصنف قال في آخره: "رواه ابن علية عن أيوب" أي مثل الرواية الأولى، قال وقال حاتم بن وردان عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن المسور. "وتابعه الليث عن ابن أبي مليكة" فاتفق اثنان عن أيوب على إرساله ووصله ثالث عن أيوب، ووافقه الآخر عن شيخهم، واعتمد البخاري الموصول لحفظ من وصله، ورواية إسماعيل بن علية تأتي

(6/226)


موصولة في الأدب، ورواية حاتم بن وردان تقدمت موصولة في الشهادات، ورواية الليث تقدمت موصولة في الهبة وسيأتي شرح الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى، والغرض منه قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت له أقبية" وقوله فيه: "خبأت لك هذا" وهو مطابق لما ترجم له، قال ابن بطال: ما أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين فحلال له أخذه لأنه فيء، وله أن يهب منه ما شاء ويؤثر به من شاء كالفيء، وأما من بعده فلا يجوز له أن يختص به لأنه إنما أهدي إليه لكونه أميرهم، وقد مضى ما يتعلق بذلك في كتاب الهبة.

(6/227)


بابت كيف قسم النبي صلى الله عليه و سلم قريطة و النضير ن و ما أعطى من ذلك من نوائبه
...
12 - باب كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ فِي نَوَائِبِهِ
3128- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ".
قوله: "باب كيف قسم النبي صلى الله عليه وسلم قريظة والنضير وما أعطى من ذلك من نوائبه" ذكر فيه حديث أنس " كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات حتى افتتح قريظة والنضير" وهو مختصر من حديث سيأتي بتمامه مع بيان الكيفية المترجم بها في المغازي، وتقدم التنبيه عليه في أواخر الهبة.
ومحصل القصة أن أرض بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله وكانت له خالصة، لكنه آثر بها المهاجرين وأمرهم أن يعيدوا إلى الأنصار ما كانوا واسوهم به لما قدموا عليهم المدينة ولا شيء لهم، فاستغنى الفريقان جميعا بذلك، ثم فتحت قريظة لما نقضوا العهد فحوصروا فنزلوا على حكم سعد بن معاذ وقسمها النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه وأعطى من نصيبه في نوائبه - أي في نفقات أهله ومن يطرأ عليه - ويجعل الباقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله كما ثبت في الصحيحين من حديث مالك بن أوس عن عمر في بعض طرقه مختصرا.

(6/227)


باب بركة الغازي في ماله حيا و ميتا ، مع النبي صلى الله عليه و سلم و ولاة الأمر
...
13 - باب بَرَكَةِ الْغَازِي فِي مَالِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُلاَةِ الأَمْرِ
3129- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ أَحَدَّثَكُمْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ يَا بُنَيِّ إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا فَقَالَ يَا بُنَيِّ بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ دَيْنِي وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ يَعْنِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يَقُولُ ثُلُثُ الثُّلُثِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ خُبَيْبٌ وَعَبَّادٌ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ وَتِسْعُ بَنَاتٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ يَا بُنَيِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَيَ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلاَكَ؟ قَالَ: اللَّهُ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ

(6/227)


14 - باب إِذَا بَعَثَ الإِمَامُ رَسُولًا فِي حَاجَةٍ أَوْ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ هَلْ يُسْهَمُ لَهُ
3130- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ".
[الحديث 3130 – أطرافه في: 3698، 3704، 4066، 4513، 4514، 4650، 4651، 7095]
قوله: "باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة أو أمره بالمقام" أي ببلده "هل يسهم له؟" أي مع الغانمين أم لا؟ قوله: "حدثنا موسى" هو ابن إسماعيل، وقوله عثمان بن موهب بوزن جعفر، قال أبو علي الجياني: وقع في نسخة أبي محمد عن أبي أحمد - يعني الأصيلي - عن الجرجاني عمرو بن عبد الله وهو غلط وذكر الحديث عن ابن عمر مختصرا في قصة تخلف عثمان عن بدر، وسيأتي مطولا بهذا الإسناد على الصواب في مناقب عثمان، وقد تقدم بيان

(6/235)


الاختلاف في هذه المسألة في "باب الغنيمة لمن شهد الوقعة".

(6/236)


باب و من الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبي صلى الله عليه و سلم ـ برضاعه فيهم ـ فتحلل من المسلمين ، و ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يعد الناس أن يعطيهم من الفيء و الأنفال من الخ
...
15 – باب: وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ فَتَحَلَّلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعِدُ النَّاسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ وَالأَنْفَالِ مِنْ الْخُمُسِ، وَمَا أَعْطَى الأَنْصَارَ، وَمَا أَعْطَى جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ تَمْرَ خَيْبَرَ.
3131، 3132- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَظَرَ آخِرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ".
3133- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ الْكُلَيْبِيُّ وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأُتِيَ ذَكَرَ دَجَاجَةً وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنْ الْمَوَالِي فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ لاَ آكُلُ فَقَالَ هَلُمَّ فَلْأُحَدِّثْكُمْ عَنْ ذَاكَ إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا مَا صَنَعْنَا لاَ يُبَارَكُ لَنَا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا أَفَنَسِيتَ قَالَ لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ وَإِنِّي

(6/236)


وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا".
[الحديث 3133 – أطرافه في: 4385، 4415، 5517، 5518، 6623، 6649، 6678، 6680، 6718، 6719، 6721، 7555]
3134- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا".
[الحديث 3134 – طرفه في: 4338]
3135- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ".
3136- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ فِي بِضْعٍ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ وَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ فَقَالَ جَعْفَرٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا هَاهُنَا وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا أَوْ قَالَ فَأَعْطَانَا مِنْهَا وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلاَّ أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ".
[الحديث 3136 – أطرافه في: 3876، 4230، 4223]
3137- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَدْ جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا فَلَمْ يَجِئْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لِي كَذَا وَكَذَا فَحَثَا لِي ثَلاَثًا وَجَعَلَ سُفْيَانُ يَحْثُو بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ لَنَا هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَقَالَ مَرَّةً فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلْتُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي قَالَ قُلْتَ

(6/237)


تَبْخَلُ عَنِّي مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ" قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ فَحَثَا لِي حَثْيَةً وَقَالَ عُدَّهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ قَالَ فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ". وَقَالَ يَعْنِي ابْنَ الْمُنْكَدِرِ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ.
3138- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ اعْدِلْ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ".
قوله: "باب" بالتنوين "ومن الدليل" هو عطف على الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال: "الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال هنا "لنوائب المسلمين". وقال بعد باب "ومن الدليل على أن الخمس للإمام" والجمع بين هذه التراجم أن الخمس لنوائب المسلمين وإلى النبي صلى الله عليه وسلم مع تولي قسمته أن يأخذ منه ما يحتاج إليه بقدر كفايته، والحكم بعده كذلك يتولى الإمام ما كان يتولاه، هذا محصل ما ترجم به المصنف، وقد تقدم توجيهه وتبيين الاختلاف فيه، وجوز الكرماني أن تكون كل ترجمة على وفق مذهب من المذاهب، وفيه بعد، لأن أحدا لم يقل أن الخمس للمسلمين دون النبي صلى الله عليه وسلم ودون الإمام ولا للنبي صلى الله عليه وسلم دون المسلمين وكذا للإمام، فالتوجيه الأول هو اللائق، وقد أشار الكرماني أيضا إلى طريق الجمع بينها فقال: لا تفاوت من حيث المعنى إذ نوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم نوائب المسلمين والتصرف فيه له وللإمام بعده. قلت: والأولى أن يقال: ظاهر لفظ التراجم التخالف، ويرتفع بالنظر في المعنى إلى التوافق، وحاصل مذاهب العلماء أكثر من ثلاثة: أحدها قول أئمة المخالفة الخمس يؤخذ من سهم الله ثم يقسم الباقي خمسة كما في الآية. الثاني: عن ابن عباس خمس الخمس لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وأربعة للمذكورين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد سهم الله ورسوله لذوي القربى ولا يأخذ لنفسه شيئا. الثالث قول زين العابدين: الخمس كله لذوي القربى، والمراد باليتامى يتامى ذوي القربى وكذلك المساكين وابن السبيل، أخرجه ابن جرير عنه، لكن السند إليه واه. الرابع هو للنبي صلى الله عليه وسلم فخمسه لخاصته وباقيه لتصرفه. الخامس هو للإمام ويتصرف فيه بالمصلحة كما يتصرف في الفيء. السادس يرصد لمصالح المسلمين. السابع يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم لذوي القربى ومن ذكر بعدهم في الآية. قوله: "ما سأل هوازن النبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم فتحلل من المسلمين" هوازن فاعل والمراد القبيلة وأطلقها على بعضهم مجازا، والنبي بالنصب على المفعولية، وقوله: "برضاعه" أي بسبب رضاعه، لأن حليمة السعدية مرضعته كانت منهم، وقد ذكر قصة سؤال هوازن من طريق المسور بن مخرمة ومروان موصولة، ولكن ليس فيها تعرض لذكر الرضاع، وإنما وقع ذلك فيما أخرجه ابن إسحاق في المغازي من طريق عمرو في شعيب عن أبيه عن جده فذكر القصة مطولة وفيها شعر زهير بن صرد حيث قال فيه:
امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملؤه من محضها الدرر
وسيأتي بيان ما في سياقه من فائدة زائدة عند الكلام على حديث المسور في المغازي إن شاء الله تعالى. وتقدم شرح بعض ألفاظه في أواخر العتق. قوله: "وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس

(6/238)


وما أعطى الأنصار وما أعطى جابر بن عبد الله من تمر خيبر" أما حديث الوعد من الفيء فيظهر من سياق حديث جابر، وأما حديث الأنفال من الخمس فمذكور في الباب من حديث ابن عمر، وأما حديث إعطاء الأنصار فتقدم من حديث أنس قريبا، وأما حديث إعطاء جابر من تمر خيبر فهو في حديث أخرجه أبو داود، وظهر من سياقه أن حديث جابر الذي ترجم به المصنف للباب طرف منه. حديث المسور وقد نبهت عليه وتقدم بعضه بهذا الإسناد بعينه في الوكالة. حديث أبي موسى الأشعري. قوله: "قال وحدثني القاسم في عاصم الكليبي" بموحدة مصغر، والقائل ذلك هو أيوب، بين ذلك عبد الوهاب الثقفي عن أيوب كما سيأتي في الأيمان والنذور. قوله: "فأتي ذكر دجاجة" كذا لأبي ذر "فأتي" بصيغة الفعل الماضي من الإتيان و"ذكر" بكسر الذال وسكون الكاف و"دجاجة" بالجر والتنوين على الإضافة وكذا للنسفي. وفي رواية الأصيلي: "فأتي" بضم الهمزة على البناء لما لم يسم فاعله و"ذكر" بفتحتين و"دجاجة" بالنصب والتنوين على المفعولية، كأن الراوي لم يستحضر اللفظ كله وحفظ منه لفظ دجاجة، قال عياض: وهذا أشبه لقوله في الطريق الأخرى "فأتي بلحم دجاج" ولقوله في حديث الباب: "فدعاه للطعام" أي الذي في الدجاجة، وسيأتي في النذور بلفظ: "فأتي بطعام فيه دجاج" وهو المراد. قوله: "وعنده رجل من بني تيم الله" هو نسبة إلى بطن من بني بكر بن عبد مناة وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في الأيمان والنذور، وأبين هناك ما قيل في اسمه ومناسبته للترجمة من جهة أنهم سألوه فلم يجد ما يحملهم عليه، ثم حضر شيء من الغنائم فحملهم منها، وهو محمول على أنه حملهم على ما يختص بالخمس، وإذا كان له التصرف بالتنجيز من غير تعليق فكذا له التصرف بتنجير ما علق. قوله: "بعث سرية" ذكرها المصنف في المغازي بعد غزوة الطائف، وسيأتي بيان ذلك في مكانه. قوله: "قبل نجد" بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها. قوله: "فغنموا إبلا كثيرة" في رواية عند مسلم: "فأصبنا إبلا وغنما". قوله: "فكانت سهامهم" أي أنصباؤهم، والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد منهم هذا القدر، وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء قال النووي وهو غلط. قوله: "اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا" وهكذا رواه مالك بالشك والاختصار وإيهام الذي نفلهم، وقد وقع بيان ذلك في رواية ابن إسحاق من نافع عند أبي داود ولفظه: "فخرجت فيها فأصبنا نعما كثيرا وأعطانا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان، ثم قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس. وأخرجه أبو داود أيضا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافع ولفظه: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وأتبعت سرية من الجيش، وكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا، ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا ثلاثة عشر بعيرا". وأخرجه ابن عبد البر من هذا الوجه وقال في روايته: "إن ذلك الجيش كان أربعة آلاف" قال ابن عبد البر: اتفق جماعة رواة الموطأ على روايته بالشك، إلا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن شعيب ومالك جميعا فلم يشك، وكأنه حمل رواية مالك على رواية شعيب. قلت: وكذا أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك والليث بغير شك، فكأنه أيضا حمل رواية مالك على رواية الليث. قال ابن عبد البر: وقال سائر أصحاب نافع "اثني عشر بعيرا" بغير شك لم يقع الشك فيه إلا من مالك. قوله: "ونفلوا بعيرا بعيرا" بلفظ الفعل الماضي من غير مسمى، والنفل زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة، ومنه نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض. واختلف الرواة في القسم والتنفيل هل

(6/239)


كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهما من أحدهما، فرواية ابن إسحاق صريحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي صلى الله عليه وسلم، وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم أن ذلك صدر من أمير الجيش، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقررا لذلك. مجيزا له لأنه قال فيه: "ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية عبد الله بن عمر عنده أيضا: "ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا"؛ وهذا يمكن أن يحمل على التقرير فتجتمع الروايتان، قال النووي: معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته لكل منهما. وفي الحديث أن الجيش إذا انفرد منه قطعة فغنموا شيئا كانت الغنيمة للجميع، قال ابن عبد البر: لا يختلف الفقهاء في ذلك، أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى. وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو، بل قال ابن دقيق العيد: إن الحديث يستدل به على أن المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه، قال: وإنما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى. وهذا القيد في مذهب مالك. وقال إبراهيم النخعي: للإمام أن ينفل السرية جميع ما غنمته دون بقية الجيش مطلقا، وقيل أنه انفرد بذلك. وفيه مشروعية التنفيل، ومعناه تخصيص من له أثر في الحرب بشيء من المال، لكنه خصه عمرو ابن شعيب بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده، نعم وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال وبعد بأن ينفل الربع إلى الثلث قبل القسم، واعتل بأن القتال حينئذ يكون للدنيا، قال فلا يجوز مثل هذا انتهى. وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته. وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال؟ والثلاثة الأول مذهب والشافعي والأصح عندهم أنها من خمس الخمس، ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم. قال ابن بطال: وحديث الباب يرد على هذا لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس وهذا واضح، وقد زاده ابن المنير إيضاحا فقال: لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ويكون الخمس من الأصل ثلاثمائة بعير وخمسها ستون، وقد نطق الحديث بأنهم نفلوا بعيرا بعيرا فتكون جملة ما نفلوا مائة بعير، وإذا كان خمس الخمس ستين لم يف كله ببعير بعير لكل من المائة، وهكذا كيفما فرضت العدد. قال: وقد ألجأ هذا الإلزام بعضهم فادعى أن جميع ما حصل للغانمين كان اثني عشر بعيرا فقيل له فيكون خمسها ثلاثة أبعرة فيلزم أن تكون السرية كلها ثلاثة رجال كذا قيل، قال ابن المنير: وهو سهو على التفريغ المذكور، بل يلزم يكون أقل من رجل بناء على أن النفل من خمس الخمس. وقال ابن التين: قد انفصل من قال من الشافعية بأن النفل من خمس الخمس بأوجه: منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخرى، فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض، ثانيها أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة، ثالثها أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض. قال: وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات. قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة، وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد اثنا عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا فعلى هذا فقد نفلوا ثلث الخمس. قلت: إن ثبت هذا لم يكن فيه رد للاحتمال الأخير لأنه يحتمل أن يكون الذين نفلوا ستة من العشرة والله أعلم. قال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم: النفل من أصل الغنيمة. وقال مالك وطائفة لا نفل إلا من الخمس. وقال الخطابي: أكثر ما روي من الأخبار بدل على أن النفل من أصل الغنيمة. والذي

(6/240)


يقرب من حديث الباب أنه كان من الخمس لأنه أضاف الاثني عشر إلى سهمانهم، فكأنه أشار إلى أن ذلك قد تقرر لهم استحقاقه من الأخماس الأربعة الموزعة عليهم فيبقى للنفل من الخمس. قلت: ويؤيده ما رواه مسلم في حديث الباب من طريق الزهري قال: "بلغني عن ابن عمر قال: نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بعثها قبل نجد من إبل جاءوا بها نفلا سوى نصيبهم من المغنم" لم يسق مسلم لفظه وساقه الطحاوي ويؤيده أيضا ما رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، وهو مردود عليكم" وصله النسائي من وجه آخر حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأخرجه أيضا بإسناد حسن من حديث عبادة ابن الصامت فإنه يدل على أن ما سوى الخمس للمقاتلة. وروى مالك أيضا عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب قال: "كان الناس يعطفون النفل من الخمس. قلت: وظاهره اتفاق الصحابة على ذلك. وقال ابن عبد البر: إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى. وهذا الشرط قال به الجمهور. وقال الشافعي لا يتحدد، بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة، ويدل له قوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ففوض إليه أمرها، والله أعلم. وقال الأوزاعي: لا ينفل من أول الغنيمة، ولا ينفل ذهبا ولا فضة. وخالفه الجمهور. وحديث الباب من رواية ابن إسحاق بدل لما قالوا واستدل به على تعين قسمة أعيان الغنيمة لا أثمانها، وفيه نظر لاحتمال أن يكون وقع ذلك اتفاقا أو بيانا للجواز. وعند المالكية فيه أقوال ثالثها التخيير، وفيه أن أمير الجيش إذا فعل مصلحة لم ينقضها الإمام. حديث ابن عمر "كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش". وأخرجه مسلم وزاد في آخره: والخمس واجب في ذلك كله، وليس فيه حجة لأن النفل من الخمس لا من غيره، بل هو محتمل لكل من الأقوال. نعم فيه دليل على أنه يجوز تخصيص بعض السرية بالتنفيل دون بعض، قال ابن دقيق العيد: للحديث تعلق بمسائل الإخلاص في الأعمال، وهو موضع دقيق المأخذ، ووجه تعلقه به أن التنفيل يقع للترغيب في زيادة العمل والمخاطرة في الجهاد، ولكن لم يضرهم ذلك قطعا لكونه صدر لهم من النبي صلى الله عليه وسلم فيدل على أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا تقدح في الإخلاص، لكن ضبط قانونها وتمييزها مما تضر مداخلته مشكل جدا. حديث أبي موسى في مجيئهم من الحبشة وفي آخره: "وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم"، وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة خيبر من كتاب المغازي، والغرض منه هذا الكلام الأخير. قال ابن المنير: أحاديث الباب مطابقة لما ترجم به، إلا هذا الأخير فإن ظاهره أنه عليه الصلاة والسلام قسم لهم من أصل الغنيمة لا من الخمس، إذ لو كان من الخمس لم يكن لهم بذلك خصوصية، والحديث ناطق بها، قال: لكن وجه المطابقة أنه إذا جاز للإمام أن يجتهد وينفذ اجتهاده في الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين فيقسم منها لمن لم يشهد الوقعة، فلأن ينفذ اجتهاده في الخمس الذي لا يستحقه معين وإن استحقه صنف مخصوص أولى. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش انتهى. وهذا جزم به موسى ابن عقبة في مغازيه. ويحتمل أن يكون إنما أعطاهم من الخمس، وبهذا جزم أبو عبيد في "كتاب الأموال" وهو الموافق لترجمة البخاري، وأما قول ابن المنير لو كان من الخمس لم يكن هناك تخصيص فظاهر، لكن يحتمل أن يكون من الخمس وخصهم بذلك دون غيرهم ممن كان

(6/241)


من شأنه أن يعطي من الخمس، ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل قسمة الغنيمة وبعد حوزها، وهو أحد القولين للشافعي. وهذا الاحتمال يترجح بقوله: "أسهم لهم" لأن الذي يعطي من الخمس لا يقال في حقه أسهم له إلا تجوزا، ولأن سياق الكلام يقتضي الافتخار ويستدعي الاختصاص بما لم يقع لغيرهم كما تقدم والله أعلم. قوله: "حدثنا علي" هر ابن عبد الله المديني، وسفيان هو ابن عيينة. قوله: "لو قد جاءنا مال البحرين" سيأتي ذلك في أول "باب الجزية" من حديث عمرو بن عوف وأنه من الجزية، لكن فيه: "فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين" فيحمل على أن الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم جابرا كان بعد السنة التي قدم فيها أبو عبيدة بالمال، وظهر بذلك جهة المال المذكور وأنه من الجزية، فأغنى ذلك عن قول ابن بطال: يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفيء. قوله: "أمر أبو بكر مناديا فنادى" لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون بلالا. قوله: "فحثى لي" بالمهملة والمثلثة. قوله: "وقال مرة" القائل هو سفيان بهذا السند، وقد تقدم الحديث في الهبة بالسند الأول بدون هذه الزيادة إلى آخرها، وتقدمت الزيادة بهذا الإسناد في الكفالة والحوالة إلى قوله: "خذ مثليها". قوله: "قال سفيان" هو متصل بالسند المذكور، وعمرو هو ابن دينار، ومحمد بن علي أي ابن الحسين ابن علي. وظهر من هذه الرواية المراد من قوله في رواية ابن المنكدر "فحثى لي ثلاثا" لكن قوله: "فحثى لي حثية" مع قوله في الرواية التي قبلها "وجعل سفيان يحثو بكفيه" يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعا، والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما يملأ الكف، والحفنة ما يملأ الكفين. نعم ذكر أبو عبيد الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى. وهذا الحديث شاهد لذلك. وقوله: "حثية" من حثى يحثي، ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان، وقوله: "تبخل عني" أي من جهتي. قوله: "وقال يعني ابن المنكدر" الذي قال: "وقال" هو سفيان. الذي قال: "يعني" هو علي ابن المديني قوله: "وأي داء أدوى من البخل" قال عياض: كذا وقع "أدوى" غير مهموز، من دوى إذا كان به مرض في جوفه، والصواب أدوأ بالهمز لأنه من الداء، فيحمل على أنهم سهلوا الهمزة، ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان في هذا الحديث: "وقال ابن المنكدر في حديثه" فظهر بذلك اتصاله إلى أبي بكر بخلاف رواية الأصيلي فإنها تشعر بأن ذلك من كلام ابن المنكدر وقد روى حديث: "أي داء أدوأ من البخل" ، وقد تقدم في الكفالة توجيه وفاء أبي بكر لعدات النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا في كتاب الهبة، وأن وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز إخلافه فنزل منزلة الضمان في الصحة، وقيل: إنما فعله أبو بكر على سبيل التطوع، ولم يكن يلزمه قضاء ذلك، وما تقدم في "باب من أمر بإنجاز الوعد" من كتاب الشهادات أولى، وأن جابرا لم يدع أن له دينا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يطالبه أبو بكر ببينة ووفى ذلك له من بيت المال الموكول الأمر فيه إلى اجتهاد الإمام، وعلى ذلك يحوم المصنف وبه ترجم، وإنما أخر أبو بكر إعطاء جابر حتى قال له ما قال إما لأمر أهم من ذلك، أو خشية أن يحمله ذلك على الحرص على الطلب، أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك، ولم يرد به المنع على الإطلاق، ولهذا قال: "ما من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك" وسيأتي في أوائل الجزية بيان الخلاف في مصرفها، وظاهر إيراد البخاري هذا الحديث هنا أن مصرفها عنده مصرف الخمس، والله أعلم. قوله: "حدثنا قرة" بضم القاف وتشديد الراء ثم هاء، وفي الإسناد بصريان هو والراوي عنه، وحجازيان شيخه والضحاك، وقد خالف زيد بن الحباب مسلم بن إبراهيم فيه فقال: "عن قرة عن أبي الزبير" بدل عمرو بن دينار أخرجه مسلم، وسياقه أتم؛ ورواية البخاري

(6/242)


أرجح فقد وافق شيخه على ذلك عن قرة عثمان بن عمرو عند الإسماعيلي والنضر بن شميل عند أبي نعيم، فاتفاق هؤلاء الحفاظ الثلاثة أرجح من انفراد زيد بن الحباب عنهم، ويحتمل أن يكون الحديث عند قرة عن شيخين بدليل أن في رواية أبي الزبير زيادة على ما في رواية هؤلاء كلهم عن قرة عن عمرو، وسيأتي شرحه مستوفى في استنابة المرتدين عند الكلام على حديث أبي سعيد في المعنى، وفي حديث أبي سعيد بيان تسميته القائل المذكور، وقوله في هذه الرواية: "لقد شقيت" بضم المثناة للأكثر ومعناه ظاهر ولا محذور فيه، والشرط لا يستلزم الوقوع لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء، بل هو عادل فلا يشقى. وحكى عياض فتحها ورجحه النووي وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي من طريق عثمان بن عمر عن قرة، والمعنى لقد شقيت أي ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل، أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن.

(6/243)


باب مامن النبي صلى الله عليه و سلم على الأسارى من غير ان يخمس
...
16 - باب مَا مَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأُسَارَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ
3139- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ".
[الحديث 3139 – طرفه في: 4024]
قوله: "باب ما من النبي صلى الله عليه وسلم على الأسارى من غير أن يخمس" أراد بهذه الترجمة أنه كان له صلى الله عليه وسلم أن يتصرف في الغنيمة بما يراه مصلحة فينفل من رأس الغنيمة وتارة من الخمس، واستدل على الأول بأنه كان يمن على الأسارى من رأس الغنيمة وتارة من الخمس، فدل على أنه كان له أن ينفل من رأس الغنيمة، وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك. حديث جبير بن مطعم "لو كان المطعم حيا وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له"، قال ابن بطال: وجه الاحتجاج به أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه أن يخبر عن شيء لو وقع لفعله وهو غير جائز، فدل على أن للإمام أن يمن على الأسارى بغير فداء خلافا لمن منع ذلك كما تقدم، واستدل به على أن الغنائم لا يستقر ملك الغانمين عليها إلا بعد القسمة وبه قال المالكية والحنفية. وقال الشافعي: يملكون بنفس الغنيمة، والجواب عن حديث الباب أنه محمول على أنه كان يستطيب أنفس الغانمين، وليس في الحديث ما يمنع ذلك فلا يصلح للاحتجاج به. وللفريقين احتجاجات أخرى وأجوبة تتعلق بهذه المسألة لم أطل بها هنا لأنها لا تؤخذ من حديث الباب لا نفيا ولا إثباتا، واستبعد ابن المنير الحمل المذكور فقال: إن طيب قلوب الغانمين بذلك من العقود الاختيارية فيحتمل أن لا يذعن بعضهم، فكيف بت القول بأنه يعطيه إياهم مع أن الأمر موقوف على اختيار من يحتمل أن لا يسمح؟ قلت: والذي يظهر أن هذا كان باعتبار ما تقدم في أول الأمر أن الغنيمة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم يتصرف فيها حيث شاء، وفرض الخمس إنما نزل بعد قسمة غنائم بدر كما تقرر فلا حجة إذا في هذا الحديث لما ذكرنا. وقد أنكر الداودي دخول التخميس في أسارى بدر فقال: لم يقع فيهم غير أمرين إما المن بغير فداء وإما الفداء بمال، ومن لم يكن له مال علم أولاد الأنصار الكتابة، وأطال في ذلك، ولم يأت بطائل. ولا يلزم من وقوع شيء أو شيئين مما خير فيه منع التخيير، وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم منهم عقبة بن أبي معيط وغيره، وادعاؤه أن قريشا لا يدخلون تحت الرق يحتاج إلى

(6/243)


دليل خاص، وإلا فأصل الخلاف هل يسترق العربي أو لا ثابت مشهور والله أعلم، وسيأتي بقية شرحه في غزوة بدر إن شاء الله تعالى. وقوله: "النتنى" بنونين مفتوحتين بينهما ساكنة مقصور جمع نتن أو نتين كزمن وزمني أو جريح وجرحي، وروي بمهملة فموحدة ساكنة وهو تصحيف، وأبعد من جعله هو الصواب.

(6/244)


باب . و من الدليل على أن الخمس للامام ، و أنه يعطي بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي صلى الله عليه و سلم لبني المطلب و بني هاشم من خمس خيبر . قال عمر بن عبدالعزيز ، لم يسهم بذلك و لم يخص قريبا دون من أخ
...
17 – باب: وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلْإِمَامِ وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ مَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَعُمَّهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَخُصَّ قَرِيبًا دُونَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَى لِمَا يَشْكُو إِلَيْهِ مِنْ الْحَاجَةِ وَلِمَا مَسَّتْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ
3140- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ". قَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ وَزَادَ قَالَ جُبَيْرٌ: "وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلاَ لِبَنِي نَوْفَلٍ". وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لِأَبِيهِمْ.
[الحديث 3140 – طرفاه في: 3502، 4229]
قوله: "باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام" تقدم توجيه ذلك قبل بباب. قوله: "وقال عمر بن عبد العزيز لم يعمهم" أي لم يعم قريشا. وقوله: "ولم يخص قريبا دون من أحوج إليه" أي دون من هو أحوج إليه، قال ابن مالك: فيه حذف العائد على الموصول وهو قليل، ومنه قراءة يحيى بن يعمر {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ} بضم النون أي الذي هو أحسن، قال: وإذا طال الكلام فلا ضعف ومنه "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" أي وفي الأرض هو إله. قوله: "وإن كان الذي أعطى" أي أبعد قرابة ممن لم يعط، ووقع في هذا اختصار اقتضى توقفنا في فهمه، وقد من الله وله الحمد بتوجيهه، وسياقه عند عمر بن شبة في "أخبار المدينة" موصولا مطولا فقال فيه: "وقسم لهم قسما لم يعم عامتهم ولم يخص به قريبا دون من أحوج منه، ولقد كان يومئذ فيمن أعطى من هو أبعد قرابة" أي ممن لم يعط. وقوله: "لما يشكو" تعليل لعطية الأبعد قرابة، وقوله: "في جنبه" أي جانبه، وقوله: "من قومهم وحلفائهم" أي وحلفاء قومهم بسبب الإسلام، وأشار بذلك إلى ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة من قريش بسبب الإسلام، وسيأتي بسطه في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: "عن ابن المسيب" في رواية يونس عن ابن شهاب عند أبي داود "وأخبرني سعيد بن المسيب". قوله: "عن جبير بن مطعم" في المغازي من رواية يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب "أن جبير بن مطعم أخبره. قوله: "مشيت أنا وعثمان بن عفان" زاد أبو داود والنسائي من طريق يونس عن ابن شهاب "فيما فيما من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب" ولهما من رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب "وضع سهم ذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس

(6/244)


وإنما اختص جبير وعثمان بذلك لأن عثمان من بني عبد شمس وجبير بن مطعم من بني نوفل، وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب سواء الجميع بنو عبد مناف. فهذا معنى قولهما "ونحن وهم منك بمنزلة واحدة" أي في الانتساب إلى عبد مناف. ووقع في عبد مناف. ووقع في رواية أبي داود المذكورة "وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة"، وله في رواية ابن إسحاق "فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا". قوله: "شيء واحد" للأكثر بالشين المعجمة المفتوحة والهمزة. وقال عياض، رويناه هكذا في البخاري بغير خلاف انتهى. وقد وجدته في أصلي هنا من رواية الكشميهني وفي المغازي من رواية المستملي وفي مناقب قريش من روايته وفي رواية الحموي بكسر المهملة وتشديد التحتانية، وكذلك كان يرويه يحيى بن معين وحده، قال الخطابي: هو أجود في المعنى، وحكاها عياض رواية خارج الصحيح وقال: الصواب رواية الكافة لقوله فيه: "وشبك بين أصابعه" وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشيء الواحد لا على التمثيل والتنظير. وهذه الزيادة التي أشار إليها وقعت في رواية ابن إسحاق المذكورة ولفظه: "فقال: إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد، وشبك بين أصابعه" ووقع في رواية أبي زيد المروزي "شيء أحد" بغير واو بهمز الألف، فقيل هما بمعنى، وقيل لأحد الذي ينفرد بشيء لا يشاركه فيه غيره والواحد أول العدد، وقيل الأحد المنفرد بالمعنى والواحد المنفرد بالذات، وقيل الأحد لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتاح العدد من جنسه، وقيل لا يقال أحد إلا الله تعالى، حكاه جميعه عياض. قوله: "وقال الليث حدثني يونس" أي بهذا الإسناد وزاد "قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل" هو عندي من رواية عبد الله بن يوسف أيضا عن الليث فهو متصل، ويحتمل أن يكون معلقا، وقد وصله المصنف في المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه، وزاد أبو داود في رواية يونس بهذا الإسناد "وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده" وهذه الزيادة بين الذهلي في "جمع حديث الزهري" أنها مدرجة من كلام الزهري. وأخرج ذلك مفصلا من رواية الليث عن يونس، وكأن هذا هو السر في حذف البخاري هذه الزيادة مع ذكره لرواية يونس. وروى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق ابن شهاب عن يزيد عن هرمز عن ابن عباس في سهم ذوي القربى قال: "هو لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان عمر عرض علينا من ذلك شيئا رأيناه دون حقنا، فرددناه" وللنسائي من وجه آخر "وقد كان عمر دعانا أن ينكح أيمنا ويخدم عائلنا ويقضي عن غارمنا فأبينا إلا أن يسلمه لنا، قال فتركناه". قوله: "وقال ابن إسحاق إلخ" وصله المصنف في التاريخ، وقوله: "عاتكة بنت مرة" أي ابن هلال من بني سليم. وقوله: "وكان نوفل أخاهم لأبيهم" لم يسم أمه وهي واقدة بالقاف بنت أبي عدي واسمه نوفل ابن عبادة، من بني مازن بن صعصعة. وذكر الزبير بن بكار في النسب أنه كان يقال لهاشم والمطلب البدران، ولعبد شمس ونوفل الأبهران، وهذا يدل على أن بين هاشم والمطلب ائتلافا سرى في أولادهما من بعدهما، ولهذا لما كتبت قريش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصروهم في الشعب دخل بنو المطلب مع بني هاشم ولم تدخل بنو نوفل وبنو عبد شمس، وستأتي الإشارة إلى ذلك في أول المبعث إن شاء الله تعالى. وفي الحديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، وعن عمر بن عبد العزيز هم بنو هاشم خاصة، وبه قال زيد بن أرقم وطائفة =

كتاب : 19 فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)

 من الكوفيين، وهذا الحديث يدل لإلحاق بني المطلب بهم، وقيل هم قريش كلها لكن يعطي الإمام منهم من يراه، وبهذا قال أصبغ، وهذا الحديث حجة عليه، وفيه توهين قول من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم بعلة الحاجة إذ لو أعطاهم بعلة الحاجة لم يخص قوما دون قوم، والحديث ظاهر في أنه أعطاهم بسبب النصرة وما أصابهم بسبب الإسلام من بقية قومهم الذين لم يسلموا، والملخص أن الآية نصت على استحقاق قربى النبي صلى الله عليه وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس لأنه شقيق، وفي بني نوفل إذا لم تعتبر قرابة الأم. واختلف الشافعية في سبب إخراجهم فقيل: العلة القرابة مع النصرة فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها؛ وقيل: الاستحقاق بالقرابة، ووجد ببني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم. والثالث أن القربى عام مخصوص وبينته السنة. قال ابن بطال: وفيه رد لقوله الشافعي أن خمس الخمس يقسم بين ذوي القربى لا يفضل غني على فقير، وأنه يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. قلت: ولا حجة فيه لما ذكر لا إثباتا ولا نفيا، أما الأول فليس في الحديث إلا أنه قسم خمس الخمس بين بني هاشم والمطلب ولم يتعرض لتفضيل ولا عدمه، وإذا لم يتعرض فالأصل في القسمة إذا أطلقت التسوية والتعميم، فالحديث إذا حجة للشافعي لا عليه. ويمكن التوصل إلى التعميم بأن يأمر الإمام نائبه في كل إقليم يضبط من فيه ويجوز النقل من مكان إلى مكان للحاجة، وقيل لا بل يختص كل ناحية بمن فيها. وأما الثاني فليس فيه تعرض لكيفية القسم، لكن ظاهره التسوية وبها قال المزني وطائفة، فيحتاج من جعل سبيله سبيل الميراث إلى دليل، والله أعلم. وذهب الأكثر إلى تعميم ذوي القربى في قسمة سهمهم عليهم بخلاف اليتامى فيخص الفقراء منهم عند الشافعي وأحمد، وعن مالك يعمهم في الإعطاء، وعن أبي حنيفة يخص الفقراء من الصنفين، وحجة الشافعي أنهم لما منعوا الزكاة عموا بالسهم ولأنهم أعطوا بجهة القرابة إكراما لهم، بخلاف اليتامى فإنهم أعطوا لسد الخلة. واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، فإن ذوي القربى لفظ عام خص ببني هاشم والمطلب، قال ابن الحاجب: ولم ينقل اقتران إجمالي مع أن الأصل عدمه.

(6/246)


باب من لم يخمس الأسلاب و من قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس ، و حكم الإمام فيه
...
18 - باب مَنْ لَمْ يُخَمِّسْ الأَسْلاَبَ
وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ، وَحُكْمِ الإِمَامِ فِيهِ
3141- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلاَمَيْنِ مِنْ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلاَ إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا

(6/246)


قَتَلْتُهُ. فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالاَ: لاَ. فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كِلاَكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ". قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعَ يُوسُفُ صَالِحًا وَسمعَ إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ عبدُ الرَّحمنِ بنِ عَوفِ.
[الحديث 3141 – طرفاه في: 3964، 3988]
3142- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلاَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لاَهَا اللَّهِ إِذًا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ فَأَعْطَاهُ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لاَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ".
قوله: "باب من لم يخمس الأسلاب" السلب بفتح المهملة واللام بعدها موحدة هو ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور، وعن أحمد: لا تدخل الدابة، وعن الشافعي يختص بأداة الحرب. قوله: "ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه" أما قوله: "ومن قتل قتيلا فله سلبه" فهو قطعة من حديث أبي قتادة ثاني حديثي الباب، وقد أخرجه المصنف بهذا القدر حسب من حديث أنس، وأما قوله: "من غير أن يخمس" فهو من تفقهه، وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف في المسألة وهو شهير، وإلى ما تضمنته الترجمة ذهب الجمهور، وهو أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أو لم يقل ذلك، وهو ظاهر حديث أبي قتادة ثاني حديثي الباب. وقال: إنه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن الحكم الشرعي، وعن المالكية والحنفية لا يستحقه القاتل إلا إن شرط له الإمام ذلك. وعن مالك يخير الإمام بين أن يعطي القاتل السلب أو يخمسه واختاره إسماعيل القاضي، وعن إسحاق إذا كثرت الأسلاب خمست، ومكحول والثوري يخمس مطلقا، وقد حكى الشافعي أيضا وتمسكوا بعموم قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ولم يستثن شيئا، واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه" فإنه خصص ذلك العموم، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين، قال مالك: لم يبلغني ذلك في غير حنين. وأجاب الشافعي وغيره بأن ذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن، منها يوم بدر كما في أول حديثي الباب، ومنها حديث حاطب بن أبي بلتعة أنه قتل رجلا يوم أحد

(6/247)


فسلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه أخرجه البيهقي، ومنها حديث جابر أن عقيل بن أبي طالب قتل يوم مؤتة رجلا فنفله النبي صلى الله عليه وسلم درعه. ثم كان ذلك مقررا عند الصحابة كما روى مسلم من حديث عوف بن مالك في قصته مع خالد بن الوليد وإنكاره عليه أخذه السلب من القاتل. الحديث بطوله، وكما روى الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح عن سعد ابن أبي وقاص "أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد تعال بنا ندعو، فدعا سعد فقال: اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه فأقاتله ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه" الحديث، وكما روى أحمد بإسناد قوي عن عبد الله بن الزبير قال: "كانت صفية في حصن حسان بن ثابت يوم الخندق" فذكر الحديث في قصة قتلها اليهودي، وقولها لحسان "أنزل فأسلبه؛ فقال: ما لي بسلبه حاجة" وكما روى ابن إسحاق في المغازي في قصة قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود يوم الخندق أيضا فقال له عمرو "هلا استلبت درعه فإنه ليس للعرب خير منها، فقال: إن اتقاني بسوأته" وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك يوم حنين بعد أن فرغ القتال، كما هو صريح في ثاني حديثي الباب، حثى قال مالك يكره للإمام أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه لئلا تضعف نيات المجاهدين، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلا بعد انقضاء الحرب. وعن الحنفية لا كراهة في ذلك، وإذا ناله قبل الحرب أو في أثنائها استحق القاتل. حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل، والغرض منه هنا قوله في آخره: "كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" فقد احتج به من قال إن إعطاء القاتل السلب مفوض إلى رأي الإمام، وقرره الطحاوي وغيره بأنه لو كان يجب للقاتل لكان السلب مستحقا بالقتل ولكان جعله بينهما لاشتراكهما في قتله، فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام. وأجاب الجمهور بأن في السياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في القتل ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن، قال المهلب: نطره صلى الله عليه وسلم في السيفين واستلاله لهما هو ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ، ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفيكما أم لا؟ لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك وإنما قال كلاكما قتله وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه ليطيب نفس الآخر. وقال الإسماعيلي: أقول إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه وبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ، وقد دل قوله: "كلاكما قتله" على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها أو بما يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر، غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل، إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه، وسيأتي شرحه في غزوة بدر مع قول ابن مسعود إنه قتله، وتأتي كيفية الجمع هناك إن شاء الله تعالى. قوله: "حديثة" بالجر صفة للغلامين و"أسنانهما" بالرفع. قوله: "بين أضلع منهما" كذا للأكثر بفتح أوله وسكون المعجمة وضم اللام فجمع ضلع، وروي بضم اللام وفتح العين من الضلاعة وهي القوة، ووقع في رواية الحموي وحده "بين أصلح منهما" بالصاد والحاء المهملتين ونسبه ابن بطال لمسدد شيخ البخاري، وقد خالفه إبراهيم بن حمزة عند الطحاوي وموسى ابن إسماعيل عند ابن سنجر وعفان عند ابن أبي شيبة يعني كلهم عن يوسف شيخ البخاري فيه فقالوا "أضلع" بالضاد المعجمة والعين، قال واجتماع ثلاثة من الحفاظ أولى من انفراد واحد انتهى. وقد ظهر أن الخلاف على الرواة عن الفربري فلا يليق الجزم بأن مسددا نطق به هكذا، وقد رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى عن عبيد الله القواريري وبشر بن الوليد وغيرهما كلهم عن

(6/248)


يوسف كالجماعة؛ وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن عفان كذلك. قوله: "لا يفارق سواده" بفتح السين وهو الشخص. قوله: "حتى يموت الأعجل منا" أي الأقرب أجلا، وقيل إن لفظ الأعجل تحريف وإنما هو الأعجز، وهو الذي يقع في كلام العرب كثيرا، والصواب ما وقع في الرواية لوضوح معناه. قوله: "قال محمد" هو المصنف "سمع يوسف" يعني ابن الماجشون "صالحا" يعني ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المذكور في الإسناد "وسمع إبراهيم أباه عبد الرحمن بن عوف" وهذه الزيادة لأبي ذر وأبي الوقت هنا، وتقدم في الوكالة في حديث آخر بهذا الإسناد مثله وبينت هناك سماع إبراهيم من أبيه وأما سماع يوسف من صالح فوقع في رواية عفان عند الإسماعيلي. ولعل البخاري أشار إلى أن الذي أدخل بين يوسف وصالح في هذا الحديث رجلا لم يضبط، وذلك فيما أخرجه البزار، والرجل هو عبد الواحد ابن أبي عون، ويحتمل أن يكون يوسف سمعه من صالح وثبته فيه عبد الواحد والله أعلم. حديث أبي قتادة وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي، وقوله فيه: "عن ابن أفلح" نسبه إلى جده، وهو عمر ابن كثير بن أفلح، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وكلهم مدنيون إلا الراوي عن مالك وقد نزلها. وقوله: "فاستدبرت" كذا للأكثر وللكشميهني: "فاستدرت" بغير موحدة. قوله: "فقال رجل: صدق يا رسول الله، وسلبه عندي" لم أقف على اسمه، واستدل به على دخول من لا يسهم له في عموم قوله: "من قتل قتيلا" وعن الشافعي في قول، وبه قال مالك لا يستحق السلب إلا من استحق السهم لأنه قال إذا لم يستحق السهم فلا يستحق السلب بطريق الأولى، وعورض بأن السهم علق على المظنة، والسلب يستحق بالفعل فهو أولى، وهذا هو الأصل، واستدل به على أن السلب للقاتل في كل حال حتى قال أبو ثور وابن المنذر: يستحقه ولو كان المقتول منهزما. وقال أحمد لا يستحقه إلا بالمبارزة، وعن الأوزاعي إذا التقى الزحفان فلا سلب، واستدل به على أنه مستحق للقاتل الذي أثخنه بالقتل دون من ذهب عليه كما سيأتي في قصة ابن مسعود مع أبي جهل في غزوة بدر، واستدل به على أن السلب يستحقه القاتل من كل مقتول حتى لو كان المقتول امرأة، وبه قال أبو ثور وابن المنذر. وقال الجمهور: شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة، واتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادعى السلب إلا ببينة تشهد له بأنه قتله، والحجة فيه قوله في هذا الحديث: "له عليه بينة" فمفهومه أنه إذا لم تكن له بينة لا يقبل، وسياق أبي قتادة يشهد لذلك، وعن الأوزاعي يقبل قوله بغير بينة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه لأبي قتادة بغير بينة. وفيه نظر لأنه وقع في "مغازي الواقدي" أن أوس بن خولي شهد لأبي قتادة، وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه القاتل بطريق من الطرق، وأبعد من قال من المالكية: أن المراد بالبينة هنا الذي أقر له أن السلب عنده فهو شاهد، والشاهد الثاني وجود السلب فإنه بمنزلة الشاهد على أنه قتله ولذلك جعل لوثا في "باب القسامة"، وقيل إنما استحقه أبو قتادة بإقرار الذي هو بيده، وهو ضعيف لأن الإقرار إنما يفيد إذا كان المال منسوبا لمن هو بيده فيؤاخذ بإقراره، والمال هنا منسوب لجميع الجيش. ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا شاهد واحد يكتفى به.

(6/249)


باب ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس و نحوه رواه عبدالله بن زيد عن النبي صلى الله عليه و سلم
...
19 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْخُمُسِ وَنَحْوِهِ
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3143- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ

(6/249)


أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ لِي يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ شَيْئًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ".
3144- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِيَ بِهِ قَالَ وَأَصَابَ عُمَرُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ قَالَ فَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَالَ عُمَرُ يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا هَذَا فَقَالَ مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّبْيِ قَالَ اذْهَبْ فَأَرْسِلْ الْجَارِيَتَيْنِ قَالَ نَافِعٌ وَلَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَلَوْ اعْتَمَرَ لَمْ يَخْفَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ".
وَزَادَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وقَالَ: "مِنْ الْخُمُسِ".
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّذْرِ وَلَمْ يَقُلْ "يَوْمٍ".
3145- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي أُعْطِي قَوْمًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ وَالْغِنَى مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ". وَزَادَ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ بِسَبْيٍ فَقَسَمَهُ ... بِهَذَا".
3146- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أُعْطِي قُرَيْشًا أَتَأَلَّفُهُمْ لِأَنَّهُمْ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ".
[الحديث 3146 – أطرافه في: 3147، 3528، 3778، 3793، 4331، 4332، 4333، 4334، 4337، 5860، 6762، 7441]
3147- حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا الزهري قال أخبرني أنس بن مالك "أن ناسا من

(6/250)


الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من آدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما كان حديث بلغني عنكم قال له فقهاؤهم أما ذوو آرائنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أعطي رجالا حديث عهدهم بكفر أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا بلى يا رسول الله قد رضينا فقال لهم إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على الحوض قال أنس: فلم نصبر".
3148- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ "أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ مُقْبِلًا مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْطُونِي رِدَائِي فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلاَ كَذُوبًا وَلاَ جَبَانًا".
3149- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ".
[الحديث 3149 – طرفاه في: 5809، 6088]
3150- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ قَالَ رَجُلٌ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لاَخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ فَمَنْ يَعْدِلُ

(6/251)


إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ".
[الحديث 3150 – أطرافه في: 3405، 4335، 4336، 6059، 6100، 6291، 6336]
3151- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: "كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ".
وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ".
[الحديث 3151 – طرفه في: 5224]
3152- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْيَهُودَ مِنْهَا وَكَانَتْ الأَرْضُ لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلْيَهُودِ وَلِلرَّسُولِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فَسَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا فَأُقِرُّوا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ فِي إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَا".
قوله: "باب ما كان رسول صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم" سيأتي بيانهم، وأنهم من أسلم ونيته ضعيفة، أو كان يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه في تفسير براءة. قوله: "وغيرهم" أي غير المؤلفة ممن تظهر له المصلحة في إعطائه. قوله: "من الخمس ونحوه" أي من مال الخراج والجزية والفيء، قال إسماعيل القاضي: في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من الخمس دلالة على أن الخمس إلى الإمام يفعل فيه ما يرى من المصلحة. وقال الطبري استدل بهذه الأحاديث من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي من أصل الغنيمة لغير المقاتلين، قال: وهو قول مردود بدليل القرآن والآثار الثابتة. واختلف بعد ذلك من أين كان يعطي المؤلفة؟ فقال مالك وجماعة: من الخمس. وقال الشافعي وجماعة من خمس الخمس، قيل ليس في أحاديث الباب شيء صريح بالإعطاء من نفس الخمس. قوله: "رواه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير إلى حديثه الطويل في قصة حنين، وسيأتي هناك موصولا مع الكلام عليه، والغرض منه هنا قوله: "لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم " الحديث. ثم أورد في الباب تسعة أحاديث: أحدها: حديث حكيم بن حزام "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني" الحديث بطوله، وفيه قصته مع عمر، وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى في كتاب الزكاة. حديث ابن عمر في نذر عمر في الجاهلية وفيه: "وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين" وهو موضع الترجمة. قوله: "عن نافع أن عمر قال: يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم" كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع مرسلا ليس فيه ابن عمر، وسيأتي في المغازي أن البخاري نقل أن بعضهم رواه عن حماد بن زيد موصولا، وهو عند مسلم وابن خزيمة لكن في القصة الثالثة المتعلقة بعمرة الجعرانة

(6/252)


لا في جميع الحديث، وذكر هنا أن معمرا وصله أيضا عن أيوب، ورواية معمر وصلها في المغازي وهو في قصة النذر فقط، وذكر في المغازي أيضا أن حماد بن سلمة رواه موصولا، وسيأتي بيان ذلك واضحا أيضا هناك وأنه أيضا في النذر فقط، ويأتي الكلام على ما يتعلق منه بالنذر في كتاب الأيمان والنذور، والذي قدمته اتفق عليه جميع رواة البخاري إلا الجرجاني فقال: "عن نافع عن ابن عمر" وهو وهم منه، ويظهر ذلك من تصرف البخاري هنا، وهو في المغازي، وبذلك جزم أبو علي الجياني. وقال الدار قطني: حديث حماد بن زيد مرسل وحديث جرير بن حازم موصول، وحماد أثبت في أيوب من جرير، فأما رواية معمر الموصولة فهي في قصة النذر فقط دون قصة الجاريتين، قال: وقد روى سفيان بن عيينة عن أيوب حديث الجاريتين فوصله عنه قوم وأرسله آخرون. قوله: "فأمره"، في رواية جرير بن حازم عند مسلم أن سؤاله لذلك وقع وهو بالجعرانة بعد أن رجع إلى الطائف. قوله: "وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين" أي من هوازن، لم أر من سماهما. وفي رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي موصولا أن عمر قال، فذكر حديث النذر، قال: "فأمرني أن أعتكف فلم أعكتف حتى كان بعد حنين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني جارية، فبينا أنا معتكف إذ سمعت تكبيرا" الحديث. قوله: "قال من رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي" ستأتي صفة ذلك في المغازي، وفي هذا السياق حذف تقديره فنظر أو سأل عن سبب سعيهم في السكك فقيل له فقال لعمر. وفي رواية ابن عيينة المذكورة "فقلت ما هذا؟ فقالوا السبي أسلموا فأرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت والجارية فأرسلها" قوله: "قال اذهب فأرسل الجاريتين" يستفاد منه الأخذ بخبر الواحد. "تنبيه": اتفقت الروايات كلها على أن قوله: "ورواه معمر" بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة، وحكى بعض الشراح أنه بضم الميم وبعد العين مثناة مفتوحة ثم ميم مكسورة وهو تصحيف. قوله: "قال نافع: ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف علي عبد الله" هكذا رواه أبو النعمان شيخ البخاري مرسلا، ووصله مسلم وابن خزيمة جميعا عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال في روايته عن نافع "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال: لم يعتمر منها" وقد ذكرت في أبواب العمرة الأحاديث الوارد في اعتماره من الجعرانة، وتقدم في أواخر الجهاد في "باب من قسم الغنيمة في غزوه" أيضا حديث أنس في ذلك، وذكرت في أبواب العمرة سبب خفاء عمرة النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة على كثير من أصحابه فليراجع منه، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. قال ابن التين: ليس كل ما علمه ابن عمر حدث به نافعا، ولا كل ما حدث به نافعا حفظه. قلت: وهذا يرده رواية مسلم التي ذكرتها، فإن حاصله أن ابن عمر كان يعرفها ولم يحدث بها نافعا. ودلت رواية مسلم على أن ابن عمر كان ينفيها. قال: "وليس كل ما علمه ابن عمر لم يدخل عليه فيه نسيان" انتهى. وهذا أيضا يقتضي أنه كان عرف بها ونسيها، وليس كذلك بل لم يعرف بها لا هو ولا عدد كثير من الصحابة. حديث عمرو بن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وهو النمري بفتح النون والميم. قوله: "أخاف ظلعهم" بفتح الظاء المعجمة المشالة واللام وبالمهملة أي اعوجاجهم "وجزعهم" بالجيم والزاي بوزنه، وأصل الظلع الميل، وأطلق هنا على مرض القلب وضعف اليقين. قوله: "والغنا" بفتح المعجمة ثم النون ومد وهو الكفاية. وفي رواية الكشميهني بالكسر والقصر بلفظ ضد الفقر، وقوله: "بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي التي قالها في حقه وهي إدخاله إياه في أهل الخير والغناء، وقيل المراد الكلمة التي قالها في حق غيره، فالمعنى لا أحب أن يكون لي حمر النعم بدلا من الكلمة المذكورة التي لي أو يكون لي ذلك، وتقال تلك

(6/253)


الكلمة في حقي. قوله: "زاد أبو عاصم عن جرير" هو ابن حازم، وقد تقدم موصولا في أواخر الجمعة عن محمد بن معمر عن أبي عاصم، وهو من المواضع التي تمسك بها من زعم أن البخاري قد يعلق عن بعض شيوخه ما بينه وبينهم فيه واسطة مثل هذا، فإن أبا عاصم شيخه وقد علق عنه هذا هنا، ولما ساقه موصولا أدخل بينه وبين أبي عاصم واسطة. قوله: "أو بسبي" في رواية الكشميهني: "بشيء" وهو أشمل. حديث أنس في عطية المؤلفين يوم حنين، ذكره مطولا ومختصرا، وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة حنين فقد ذكره هناك من أربعة أوجه عن أنس. حديث جبير بن مطعم، وإبراهيم في إسناده هو ابن سعد، وصالح هو ابن كيسان، وعمر بن محمد بن جبير تقدم ذكره في أوائل الجهاد في "باب الشجاعة في الحرب" مع الكلام على بعض شرح المتن، وقوله: "مقفله من حنين" أي مرجعه، كذا للكشميهني، ووقع لغيره هنا "مقبلا" وهو منصوب على الحال. و"السمرة" بفتح المهملة وضم الميم شجرة طويلة متفرقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب قاله ابن التين. وقال القزاز: والعضاه شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر. وقال الداودي: السمرة هي العضاه. وقال الخطابي: ورق السمرة أثبت وظلها أكثف، ويقال هي شجرة الطلح. واختلف في واحدة العضاه فقيل عضة بفتحتين مثل شفة وشفاه، والأصل عضهة وشفهة فحذفت الهاء، وقيل واحدها عضاهة. قوله: "فخطفت رداءه" في مرسل عمرو بن سعيد عند عمر بن شبة في "كتاب مكة" حتى عدلوا بناقته عن الطريق، فمر بسمرات فانتهسن ظهره وانتزعن رداءه فقال: "ناولوني ردائي" فذكر نحو حديث جبير بن مطعم وفيه: "فنزل ونزل الناس معه، فأقبلت هوازن فقالوا: جئنا نستشفع بالمؤمنين إليك، ونستشفع بك إلى المؤمنين" فذكر القصة. وفيه ذم الخصال المذكورة وهي البخل والكذب والجبن، وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها. وفيه ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب. وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة كخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون ذلك من الفخر المذموم. وفيه رضا السائل للحق بالوعد إذا تحقق عن الواعد التنجيز. وفيه أن الإمام مخير في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب وإن شاء بعد ذلك، وقد تقدم البحث فيه. حديث أنس في قصة الأعرابي الذي جبذ رداء النبي صلى الله عليه وسلم وهو في معنى الذي قبله. ونجران بنون وجيم وزن شعبان بلدة مشهورة، وسيأتي شرحه في الأدب، والغرض منه قوله: "ثم أمر له بعطاء". حديث ابن مسعود قال: "لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة" الحديث، وسيأتي شرحه في غزوة حنين إن شاء الله تعالى وعيينة بمهملة وتحتانية مصغرا هو ابن حصن الفزاري. حديث أسماء بنت أبي بكر "كنت أنقل النوى من أرض الزبير" الحديث، وسيأتي في كتاب النكاح بأتم من هذا السياق، ويأتي شرحه هناك. وقوله: "وقال أبو ضمرة" هو أنس بن عياض، وهشام هو ابن عروة بن الزبير، والغرض بهذا التعليق بيان فائدتين: إحداهما أن أبا ضمرة خالف أبا أسامة في وصله فأرسله، ثانيتهما أن في رواية أبي ضمرة تعيين الأرض المذكورة وأنها كانت مما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير فأقطع الزبير منها، وبذلك يرتفع استشكال الخطابي حيث قال: لا أدري كيف أقطع النبي صلى الله عليه وسلم أرض المدينة وأهلها قد أسلموا راغبين في الدين، إلا أن يكون المراد ما وقع من الأنصار أنهم جعلوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما لا يبلغه المأمن من أرضهم، فأقطع النبي صلى الله عليه وسلم من شاء منه. حديث ابن عمر في معاملة أهل خيبر، وفيه قصة إجلاء عمر لهم باختصار، وقد مر شرحه في كتاب المزارعة، وقوله فيه: "نترككم" من الترك. وفي رواية

(6/254)


الكشميهني: "نقركم" من التقرير. وقوله هنا "وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين" كذا للأكثر. وفي رواية ابن السكن "لما ظهر عليها لله وللرسول وللمسلمين"؛ فقد قيل إن هذا هو الصواب. وقال ابن أبي صفرة والذي في الأصل صحيح أيضا، قال: والمراد بقوله: "لما ظهر عليها" أي لما ظهر على فتح أكثرها قبل أن يسأله اليهود أن يصالحوه فكانت لليهود، فلما صالحهم على أن يسلموا له الأرض كانت لله ولرسوله، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي ثمرة الأرض، ويحتمل أن يكون المراد بالأرض ما هو أعم من المفتتحة وغير المفتتحة، والمراد بظهوره عليها غلبته لهم فكان حينئذ بعض الأرض لليهود وبعضها للرسول وللمسلمين. وقال ابن المنير: أحاديث الباب مطابقة للترجمة إلا هذا الأخير فليس فيه للعطاء ذكر، ولكن فيه ذكر جهات مطابقة للترجمة قد علم من مكان آخر أنها كانت جهات عطاء، فبهذه الطريق تدخل تحت الترجمة، والله أعلم.

(6/255)


20 - باب مَا يُصِيبُ مِنْ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ
3153- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ".
[الحديث 3153 – طرفاه في: 4224، 5508]
3154- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلاَ نَرْفَعُهُ".
3155- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ فَلاَ تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ".
[الحديث 3155 – أطرافه في: 4220، 4222، 4224، 5526]
قوله: "باب ما يصيب" أي المجاهد "من الطعام في أرض الحرب" أي هل يجب تخميسه في الغانمين، أو يباح أكله للمقاتلين؟ وهي مسألة خلاف، والجمهور على جواز أخذ الغانمين من القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله عموما، وكذلك علف الدواب، سواء كان قبل القسمة أو بعدها، بإذن الإمام وبغير إذنه. والمعنى فيه أن الطعام يعز في دار الحرب فأبيح للضرورة. والجمهور أيضا على جواز الأخذ ولو لم تكن الضرورة ناجزة، واتفقوا على جواز ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم في حال الحرب، ورد ذلك بعد انقضاء الحرب

(6/255)


وشرط الأوزاعي فيه إذن الإمام، وعليه أن يرده كلما فرغت حاجته، ولا يستعمله في غير الحرب، ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك، وحجته حديث رويفع ابن ثابت مرفوعا: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغنم فيركبها حتى إذا أعجفها ردها إلى المغانم" وذكر في الثوب مثل ذلك، وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والطحاوي، ونقل عن أبي يوسف أنه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يبقى دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة. وقال الزهري: لا يأخذ شيئا من الطعام ولا غيره إلا بإذن الإمام. وقال سليمان بن موسى: يأخذ إلا إن نهى الإمام. وقال ابن المنذر. قد وردت الأحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول، واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام، وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه، وأما العلف فهو في معناه. وقال مالك: يباح ذبح الأنعام للأكل كما يجوز أخذ الطعام، وقيده الشافعي بالضرورة إلى الأكل حيث لا طعام، وقد تقدم في "باب ما يكره من ذبح الإبل" في أواخر الجهاد شيء من ذلك. قوله: "عن عبد الله بن مغفل" بالمعجمة والفاء وزن محمد. وفي رواية بهز بن أسد عن شعبة عند مسلم: "سمعت عبد الله بن مغفل" وفي رواية سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال "حدثني عبد الله بن مغفل" والإسناد كله بصريون. قوله: "فرمى إنسان" لم أقف على اسمه ولأبي داود من طريق سليمان بن المغيرة "دلي بجراب يوم خيبر فالتزمته". قوله: "بجراب" بكسر الجيم. قوله: "فنزوت" بالنون والزاي أي وثبت مسرعا، ووقع في رواية سليمان ابن المغيرة "فالتزمته فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا" وقد أخرج ابن وهب بسند معضل "أن صاحب المغانم كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري أخذ منه الجراب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خل بينه وبين جرابه" وبهذا يتبين معنى قوله: "فاستحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولعله استحيا من فعله ذلك ومن قوله معا، وموضع الحجة منه عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم، بل في رواية مسلم ما يدل على رضاه فإنه قال فيه: "فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما" وزاد أبو داود الطيالسي في آخره: "فقال هو لك" وكأنه عرف شدة حاجته إليه فسوغ له الاستئثار به. وفي قوله: "فاستحييت" إشارة إلى ما كانوا عليه من توقير النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معاناة التنزه عن خوارم المروءة. وفيه جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود، وكانت محرمة على اليهود، وكرهها مالك. وعن أحمد تحريمها، وسيأتي ذلك في باب مفرد في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. حديث ابن عمر "كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه" رواه يونس بن محمد عند أبي نعيم وأحمد بن إبراهيم عند الإسماعيلي عن حماد بن زيد فزاد فيه: "والفواكه" ورواه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد بلفظ: "كنا نصيب العسل والسمن في المغازي فنأكله" ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب بلفظ: "أصبنا طعاما وأغناما يوم اليرموك فلم يقسم" وهذا الموقوف لا يغاير الأول لاختلاف السياق، وللأول حكم المرفوع للتصريح بكونه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما يوم اليرموك فكان بعده فهو موقوف يوافق المرفوع. قوله: "ولا نرفعه" أي ولا نحمله على سبيل الادخار، ويحتمل أن يريد ولا نرفعه إلى متولي أمر الغنيمة أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاء بما سبق منه من الإذن. حديث عبد الله ابن أبي أوفى في ذبحهم الحمر الأهلية يوم خيبر، وفيه الأمر بإراقتها، وفيه اختلافهم في سبب النهي هل هو لكونها لم تخمس أو لتحريم الحمر الأهلية، وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الذبائح، والغرض منه هنا أنه يشعر بأن عادتهم جرت بالإسراع إلى المأكولات وانطلاق الأيدي فيها ولولا ذلك ما قدموا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد ظهر

(6/256)


أنه لم يأمرهم بإراقة لحوم الحمر إلا لأنها لم تخمس، وأما حديث ثعلبة بن الحكم قال: "أصبنا يوم خيبر غنما" فذكر الأمر بإكفائها وفيه: "فإنها لا تحل النهبة" قال ابن المنذر إنما كان ذلك لأجل ما وقع من النهبة، لأن أكل نعم أهل الحرب غير جائز. ومن أحاديث الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى أيضا: "أصبنا طعاما يوم خيبر، فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف" أخرجه أبو داود والحاكم والطحاوي ولفظه: "فيأخذ منه حاجته". قوله: "قال عبد الله" هو ابن أبي أوفى راوي الحديث، وبين ذلك في المغازي من وجه آخر عن الشيباني بلفظ: "قال ابن أبي أوفى فتحدثنا" فذكر نحوه، ولمسلم من طريق علي بن مسهر عن الشيباني قال: "فتحدثنا بيننا" أي الصحابة. وقوله: "وقال آخرون" أي من الصحابة. والحاصل أن الصحابة اختلفوا في علة النهي عن لحم الحمر هل هو لذاتها أو لعارض، وسيأتي في المغازي في هذا الحديث قول من قال: لأنها كانت بأكل العذرة. قوله: "وسألت سعيد بن جبير" قائل ذلك هو الشيباني ورواية الشيباني عن سعيد بن جبير لغير هذا الحديث عند النسائي.

(6/257)


كتاب الجزية و الموادعة
باب الجزية و الموادعة ، مع أهل الذمة و الحرب
...
1 - باب الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ
وَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى [29 التوبة]: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} يَعْنِي أَذِلاَءُ. وَمَا جَاءَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالْعَجَمِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّأْمِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ
3156- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرًا قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةَ سَبْعِينَ عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ عِنْدَ دَرَجِ زَمْزَمَ قَالَ كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الأَحْنَفِ فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ".
3157- حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ".
3158- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ

(6/257)


الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتْ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَوَافَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا صَلَّى بِهِمْ الْفَجْرَ انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ لاَ الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".
[الحديث 3158 – طرفاه في: 4015، 6425]
3159- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ فَقَالَ إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ قَالَ نَعَمْ مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنْ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلاَنِ فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتْ الرِّجْلاَنِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ فَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الْآخَرُ نَهَضَتْ الرِّجْلاَنِ وَالرَّأْسُ وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَتْ الرِّجْلاَنِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ فَالرَّأْسُ كِسْرَى وَالْجَنَاحُ قَيْصَرُ وَالْجَنَاحُ الْآخَرُ فَارِسُ فَمُرْ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى وَقَالَ بَكْرٌ وَزِيَادٌ جَمِيعًا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ فَنَدَبَنَا عُمَرُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَقَامَ تَرْجُمَانٌ فَقَالَ لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ سَلْ عَمَّا شِئْتَ قَالَ مَا أَنْتُمْ قَالَ نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلاَءٍ شَدِيدٍ نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنْ الْجُوعِ وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ".
3160- فَقَالَ النُّعْمَانُ رُبَّمَا أَشْهَدَكَ اللَّهُ مِثْلَهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنَدِّمْكَ وَلَمْ يُخْزِكَ وَلَكِنِّي شَهِدْتُ الْقِتَالَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأَرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ".
قوله: "باب الجزية" كذا للأكثر، ووقع عند ابن بطال وأبي نعيم "كتاب الجزية" ووقع لجميعهم البسملة

(6/258)


أوله سوى أبي ذر. قوله: "الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب" فيه لف ونشر مرتب، لأن الجزية مع أهل الذمة، والموادعة مع أهل الحرب. والجزية من جزأت الشيء إذا قسمته ثم سهلت الهمزة، وقيل من الجزاء أي لأنها جزاء تركهم ببلاد الإسلام، أو من الإجزاء لأنها تكفي من توضع عليه في عصمة دمه. والموادعة المتاركة، والمراد بها متاركة أهل الحرب مدة معينة لمصلحة. قال ابن المنير: وليس في أحاديث الباب ما يوافقها إلا الحديث الأخير في تأخير النعمان بن مقرن القتال وانتظاره زوال الشمس. قلت: وليست هذه الموادعة المعروفة، والذي يظهر أن الصواب ما وقع عند أبي نعيم من إثبات لفظ: "كتاب" في صدر هذه الترجمة ويكون الكتاب معقودا للجزية والمهادنة، والأبواب المذكورة بعد ذلك مفرعة عنه، والله أعلم. قال العلماء: الحكمة في وضع الجزية أن الذل الذي يلحقهم ويحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام. واختلف في سنة مشروعيتها فقيل في سنة ثمان، وقيل في سنة تسع. قوله: "وقول الله عز وجل {قَاتِلُوا الَّذِينَ} إلخ" هذه الآية هي الأصل في مشروعية الجزية، ودل منطوق الآية على مشروعيتها مع أهل الكتاب، ومفهومها أن غيرهم لا يشاركهم فيها. قوله: "يعني أذلاء" هو تفسير {وَهُمْ صَاغِرُونَ} قال أبو عبيدة في المجاز: الصاغر الذليل الحقير. قال: وقوله: {عَنْ يَدٍ} أي عن طيب نفس، وكل من أطاع لقاهر وأعطاه عن طيب نفس من يد فقد أعطاه عن يد. وقيل معنى قوله: {عَنْ يَدٍ} أي نعمة منكم عليهم، وقيل يعطيها من يده ولا يبعث بها، وعن الشافعي: المراد بالصغار هنا التزام حكم الإسلام، وهو يرجع إلى التفسير اللغوي. لأن الحكم على الشخص بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله يستلزم الذل. قوله: "والمسكنة مصدر المسكين فلان أسكن من فلان أحوج منه ولم يذهب إلى السكون" هذا الكلام ثبت في كلام أبي عبيدة في المجاز، والقائل "ولم يذهب إلى السكون" قيل هو الفربري الراوي عن البخاري، أراد أن ينبه على أن قول البخاري "أسكن" من المسكنة لا من السكون، وإن كان أصل المادة واحدا، ووجه ذكر المسكنة هنا أنه لما فسر الصغار بالذلة وجاء في وصف أهل الكتاب أنهم {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} ناسب ذكر المسكنة عند ذكر الذلة. قوله: "وما جاء في أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس والعجم" هذه بقية الترجمة، قيل وعطف العجم على من تقدم ذكره من عطف الخاص على العام، وفيه نظر، والظاهر أن بينهما خصوصا وعموما وجهيا، فأما اليهود والنصارى فهم المراد بأهل الكتاب بالاتفاق، وأما المجوس فقد ذكر مستنده في الباب، وفرق الحنفية فقالوا: تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب، وحكى الطحاوي عنهم تقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم ولا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف، وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد، وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام، وحكى ابن القاسم عنه لا تقبل من قريش، وحكى ابن عبد البر الاتفاق على قبولها من المجوس، لكن حكى ابن التين عن عبد الملك أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى فقط، ونقل أيضا الاتفاق على أنه لا يحل نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم، لكن حكى غيره عن أبي ثور حل ذلك، قال ابن قدامة: هذا خلاف إجماع من تقدمه. قلت: وفيه نظر، فقد حكى ابن عبد البر عن سعيد بن المسيب أنه لم يكن يرى بذبيحة المجوسي بأسا إذا أمره المسلم بذبحها، وروى ابن أبي شيبة عنه وعن عطاء وطاوس وعمرو بن دينار أنهم لم يكونوا يرون بأسا بالتسري بالمجوسية. وقال الشافعي: تقبل من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ويلتحق بهم المجوس في ذلك، واحتج بالآية المذكورة فإن مفهومها أنها لا تقبل من غير أهل الكتاب وقد أخذها النبي

(6/259)


صلى الله عليه وسلم من المجوس فدل على إلحاقهم بهم واقتصر عليه. وقال أبو عبيد: ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب وعلى المجوس بالسنة، واحتج غيره بعموم قوله في حديث بريده وغيره: "فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا فالجزية" واحتجوا أيضا بأن أخذها من المجوس يدل على ترك مفهوم الآية، فلما انتفى تخصيص أهل الكتاب بذلك دل على أن لا مفهوم لقوله: "من أهل الكتاب"، وأجيب بأن المجوس كان لهم كتاب ثم رفع، وروى الشافعي وغيره في ذلك حديثا عن علي، وسيأتي في هذا الباب ذكره. وتعقب بقوله تعالى: {إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} ، وأجيب بأن المراد مما اطلع عليه القائلون وهم قريش لأنهم لم يشتهر عندهم من جميع الطوائف من له كتاب إلا اليهود والنصارى، وليس في ذلك نفي بقية الكتب المنزلة كالزبور وصحف إبراهيم وغير ذلك. قوله: "وقال ابن عيينة إلخ" وصله عبد الرزاق عنه به وزاد بعد قوله: "أهل الشام من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية إلخ" وأشار بهذا الأثر إلى جواز التفاوت في الجزية، وأقل الجزية عند الجمهور دينار لكل سنة، وخصه الحنفية بالفقير، وأما المتوسط فعليه ديناران وعلى الغني أربعة، وهو موافق الأثر مجاهد كما دل عليه حديث عمر، وعند الشافعية أن للإمام أن يماكس حتى يأخذها منهم وبه قال أحمد، روى أبو عبيد من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب "عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف بوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر" وهذا على حساب الدينار باثني عشر. وعن مالك لا يزاد على الأربعين، وينقص منها عمن لا يطيق، وهذا محتمل أن يكون جعله على حساب الدينار بعشرة، والقدر الذي لا بد منه دينار، وفيه حديث مسروق عن معاذ "أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال: خذ من كل حالم دينارا" أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي والحاكم، واختلف السلف في أخذها من الصبي فالجمهور لا على مفهوم حديث معاذ، وكذا لا تؤخذ من شيخ فان ولا زمن ولا امرأة ولا مجنون ولا عاجز عن الكسب ولا أجير ولا من أصحاب الصوامع والديارات في قول، والأصح عند الشافعية الوجوب على من ذكر آخرا. قوله: "سمعت عمرا" هو ابن دينار. قوله: "كنت جالسا مع جابر بن زيد" هو أبو الشعثاء البصري "وعمرو بن أوس" هو الثقفي المتقدم ذكر روايته عن عبد الرحمن بن أبي بكر في الحج وعن عبد الله بن عمرو في التهجد، وليست له هنا رواية، بل ذكره عمرو بن دينار ليبين أن بحالة لم يقصده بالتحدث وإنما حدث غيره فسمعه هو، وهذا وجه من وجوه التحمل بالاتفاق، وإنما اختلفوا هل يسوغ أن يقول: "حدثنا"؟ والجمهور على الجواز، ومنع منه النسائي وطائفة قليلة. وقال البرقاني: يقول: "سمعت فلانا". قوله: "فحدثهما بجالة" هو بفتح الموحدة والجيم الخفيفة تابعي شهير كبير تميمي بصري وهو ابن عبدة بفتح المهملة والموحدة، ويقال فيه عبد بالسكون بلا هاء، وماله في البخاري سوى هذا الموضع. قوله: "عام حج مصعب بن الزبير بأهل البصرة" أي وحج حينئذ بحالة معه، وبذلك صرح أحمد في روايته عن سفيان، وكان مصعب أميرا على البصرة من قبل أخيه عبد الله بن الزبير. وقتل مصعب بعد ذلك بسنة أو سنتين. قوله: "كنت كاتبا لجزء" بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة هكذا يقوله المحدثون، وضبطه أهل النسب بكسر الزاي بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة. ومن قاله بلفظ التصغير فقد صحف. وهو ابن معاوية ابن حصن بن عبادة التميمي السعدي، عم الأحنف بن قيس. وهو معدود في الصحابة. وكان عامل عمر على الأهواز. ووقع في رواية الترمذي أنه كان على تنادر

(6/260)


"قلت" هي من قرى الأهواز. وذكر البلاذري أنه عاش إلى خلافة معاوية، وولى لزياد بعض عمله. قوله: "قبل موته بسنة" كان ذلك سنة اثنتين وعشرين، لأن عمر قتل سنة ثلاث. قوله: "فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس" زاد مسدد وأبو يعلى في روايتهما: "اقتلوا كل ساحر قال: فقتلنا في يوم ثلاث سواحر، وفرقنا بين المحارم منهم، وصنع طعاما فدعاهم وعرض السيف على فخذيه، فأكلوا بغير زمزمة" قال الخطابي: أراد عمر بالتفرقة بين المحارم من المجوس منعهم من إظهار ذلك وإفشاء عقودهم به، وهو كما شرط على النصارى أن لا يظهروا صليبهم. قلت: قد روى سعيد بن منصور من وجه آخر عن بجالة ما يبين سبب ذلك ولفظه: "أن فرقوا بين المجوس وبين محارمهم كيما نلحقهم بأهل الكتاب" فهذا يدل على أن ذلك عند عمر شرط في قبول الجزية منهم، وأما الأمر بقتل الساحر فهو من مسائل الخلاف، وقد وقع في رواية سعيد بن منصور المذكورة من الزيادة "واقتلوا كل ساحر وكاهن" وسيأتي الكلام على حكم الساحر في "باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر". قوله: "ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف" قلت: إن كان هذا من جملة كتاب عمر فهو متصل وتكون فيه رواية عمر عن عبد الرحمن بن عوف، وبذلك وقع التصريح في رواية الترمذي ولفظه: "فجاءنا كتاب عمر: انظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية، فإن عبد الرحمن ابن عوف أخبرني" فذكره. لكن أصحاب الأطراف ذكروا هذا الحديث في ترجمة بجالة بن عبدة عن عبد الرحمن ابن عوف، وليس بجيد، وقد أخرج أبو داود من طريق قشير بن عمرو عن بجالة عن ابن عباس قال: "جاء رجل من مجوس هجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خرج قلت له: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شر، الإسلام أو القتل. قال: وقال عبد الرحمن بن عوف: قبل منهم الجزية. قال ابن عباس فأخذ الناس بقول عبد الرحمن وتركوا ما سمعت"؛ وعلى هذا فبجالة يرويه عن ابن عباس سماعا وعن عمر كتابة كلاهما عن عبد الرحمن بن عوف، وروى أبو عبيد بإسناد صحيح عن حذيفة "لولا أني رأيت أصحابي أخذوا الجزية من المجوس ما أخذتها" وفي الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه "أن عمر قال: لا أدري ما أصنع بالمجوس؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب" وهذا منقطع مع ثقة رجاله، ورواه ابن المنذر والدار قطني في "الغرائب" من طريق أبي علي الحنفي عن مالك فزاد فيه: "عن جده" وهو منقطع أيضا لأن جده علي بن الحسين لم يلحق عبد الرحمن بن عوف ولا عمر، فإن كان الضمير في قوله: "عن جده" يعود على محمد بن علي فيكون متصلا لأن جده الحسين بن علي سمع من عمر بن الخطاب ومن عبد الرحمن بن عوف، وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء بن الحضرمي أخرجه الطبراني في آخر حديث بلفظ: "سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب" قال أبو عمر: هذا من الكلام العام الذي أريد به الخاص، لأن المراد سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط. قلت: وقع في آخر رواية أبي علي الحنفي "قال مالك في الجزية: واستدل بقوله سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل كتاب" لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي "كان المجوس أهل كتاب يقرؤونه وعلم يدرسونه، فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته، فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال: إن آدم كان ينكح أولاده بناته، فأطاعوه وقتل من خالفه فأسرى على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء" وروى عبد بن حميد في تفسير سورة البروج بإسناد صحيح عن ابن أبزى "لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر: اجتمعوا. فقال: إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم، ولا من عبدة الأوثان فنجري عليهم أحكامهم

(6/261)


فقال علي: بل هم أهل كتاب" فذكر نحوه لكن قال: "وقع على ابنته" وقال في آخره: "فوضع الأخدود لمن خالفه" فهذا حجة لمن قال كان لهم كتاب، وأما قول ابن بطال: لو كان لهم كتاب ورفع لرفع حكمه ولما استثنى حل ذبائحهم ونكاح نسائهم، فالجواب أن الاستثناء وقع تبعا للأثر الوارد في ذلك لأن في ذلك شبهة تقتضي حقن الدم، بخلاف النكاح فإنه مما يحتاط له. وقال ابن المنذر: ليس تحريم نسائهم وذبائحهم متفقا عليه، ولكن الأكثر من أهل العلم عليه. وفي الحديث قبول خبر الواحد، وأن الصحابي الجليل قد يغيب عنه علم ما اطلع عليه غيره من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحكامه، وأنه لا نقص عليه في ذلك. وفيه التمسك بالمفهوم لأن عمر فهم من قوله: "أهل الكتاب" اختصاصهم بذلك حتى حدثه عبد الرحمن بن عوف بإلحاق المجوس بهم فرجع إليه. قوله: "الأنصاري" المعروف عند أهل المغازي أنه من المهاجرين وهو موافق لقوله هنا "وهو حليف لبني عامر بن لؤي" لأنه يشعر بكونه من أهل مكة، ويحتمل أن يكون وصفه بالأنصاري بالمعنى الأعم، ولا مانع أن يكون أصله من الأوس والخزرج ونزل مكة وحالف بعض أهلها فبهذا الاعتبار يكون أنصاريا مهاجريا، ثم ظهر لي أن لفظة الأنصاري وهم، وقد تفرد بها شعيب عن الزهري، ورواه أصحاب الزهري كلهم عنه بدونها في الصحيحين وغيرهما، وهو معدود في أهل بدر باتفاقهم، ووقع عند موسى بن عقبة في المغازي أنه عمير بن عوف بالتصغير، وسيأتي في الرقاق من طريق موسى بن عقبة عن الزهري بغير تصغير، وكأنه كان يقال فيه بالوجهين، وقد فرق العسكري بين عمير بن عوف وعمرو بن عوف والصواب الوحدة. قوله: "بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين" أي البلد المشهور بالعراق، وهي بين البصرة وهجر، وقوله: "يأتي بجزيتها" أي بجزية أهلها، وكان غالب أهلها إذ ذاك المجوس، ففيه تقوية للحديث الذي قبله، ومن ثم ترجم عليه النسائي: "أخذ الجزية من المجوس"، وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوى عامل البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية. قوله: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين" كان ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة، والعلاء بن الحضرمي صحابي شهير واسم الحضرمي عبد الله بن مالك بن ربيعة، وكان من أهل حضرموت فقدم مكة فخالف بها بني مخزوم، وقيل: كان اسم الحضرمي في الجاهلية زهرمز، وذكر عمر ابن شبة في "كتاب مكة" عن أبي غسان عن عبد العزيز بن عمران أن كسرى لما أغار بنو تميم وبنو شيبان على ماله أرسل إليهم عسكرا عليهم زهرمز فكانت وقعة ذي قار فقتلوا الفرس وأسروا أميرهم، فاشتراه صخر بن رزين الديلي فسرقه منه رجل من حضرموت فتبعه صخر حتى افتداه منه فقدم به مكة، وكان صناعا فعتق وأقام بمكة وولد له أولاد نجباء وتزوج أبو سفيان ابنته الصعبة فصارت دعواهم في آل حرب، ثم تزوجها عبيد الله بن عثمان والد طلحة أحد العشرة فولدت له طلحة. قال: وقال غير عبد العزيز: أن كلثوم ابن رزين أو أخاه الأسود خرج تاجرا فرأى بحضرموت عبدا فارسا نجارا يقال له زهرمز فقدم به مكة ثم اشتراه من مولاه وكان حميريا يكنى أبا رفاعة فأقام بمكة فصار يقال له الحضرمي حتى غلب على اسمه، فجاور أبا سفيان وانقطع إليه، وكان آل رزين حلفاء لحرب بن أمية، وأسلم العلاء قديما ومات الثلاثة المذكورون أبو عبيدة والعلاء باليمين وعمرو بن عوف في خلافة عمر رضي الله عنهم. قوله: "فقدم أبو عبيدة" تقدم في كتاب الصلاة بيان المال المذكور وقدره وقصة العباس في الأخذ منه وهي التي ذكرت هنا أيضا. قوله: "فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافقت صلاة الصبح" يؤخذ منه أنهم كانوا لا يجتمعون في كل الصلوات

(6/262)


في التجميع إلا لأمر يطرأ، وكانوا يصلون في مساجدهم، إذ كان لكل قبيلة مسجد يجتمعون فيه، فلأجل ذلك عرف النبي صلى الله عليه وسلم أنهم اجتمعوا لأمر، ودلت القرينة على تعيين ذلك الأمر وهو احتياجهم إلى المال للتوسعة عليهم فأبوا إلا أن يكون للمهاجرين مثل ذلك، وقد تقدم هناك من حديث أنس، فلما قدم المال رأوا أن لهم فيه حقا. ويحتمل أن يكون وعدهم بأن يعطيهم منه إذا حضر، وقد وعد جابرا بعد هذا أن يعطيه من مال البحرين فوفى له أبو بكر. قوله: "فتعرضوا له" أي سألوه بالإشارة. قوله: "قالوا أجل يا رسول الله" قال الأخفش: أجل في المعنى مثل نعم، لكن نعم يحسن أن تقال جواب الاستفهام، وأجل أحسن من نعم في التصديق. قوله: "فأبشروا" أمر معناه الإخبار بحصول المقصود. قوله: "فتنافسوها" يأتي الكلام عليه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. وفي هذا الحديث أن طلب العطاء من الإمام لا غضاضة فيه، وفيه البشرى من الإمام لأتباعه وتوسيع أملهم منه، وفيه من أعلام النبوة إخباره صلى الله عليه وسلم بما يفتح عليهم، وفيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين. ووقع في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم مرفوعا: "تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون" أو نحو ذلك، وفيه إشارة إلى أن كل خصلة من المذكورات مسببة عن التي قبلها، وسيأتي بقية الكلام على ذلك في الرقاق إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثنا المعتمر بن سليمان" كذا في جميع النسخ بسكون العين المهملة وفتح المثناة وكسر الميم، وكذا وقع في مستخرج الإسماعيلي وغيره في هذا الحديث، وزعم الدمياطي أن الصواب المعمر بفتح المهملة وتشديد الميم المفتوحة بغير مثناة قال: لأن عبد الله بن جعفر الرقي لا يروي عن المعتمر البصري، وتعقب بأن ذلك ليس بكاف في رد الروايات الصحيحة، وهب أن أحدهما لم يدخل بلد الآخر أما يجوز أن يكونا التقيا مثلا في الحج أو في الغزو؟ وما ذكره معارض بمثله، فأن المعمر بن سليمان رقي وسعيد بن عبيد الله بصري فمهما استبعد من لقاء الرقي البصري جاء مثله في لقاء الرقي للبصري، وأيضا فالذين جمعوا رجال البخاري لم يذكروا فيهم المعمر بن سليمان الرقي وأطبقوا على ذكر المعتمر بن سليمان التيمي البصري، وأغرب الكرماني فحكى أنه قيل: الصواب في هذا معمر بن راشد يعني شيخ عبد الرزاق. قلت: وهذا هو الخطأ بعينه، فليست لعبد الله بن جعفر الرقي عن معمر بن راشد رواية أصلا، والله المستعان. ثم رأيت سلف الدمياطي فيما جزم به فقال ابن قرقول في المطالع: وقع في التوحيد وفي الجزية عن الفضل بن يعقوب عن عبد الله بن جعفر عن معتمر بن سليمان عن سعيد بن عبيد الله كذا للجميع في الموضعين، قالوا وهو وهم، وإنما هو المعمر بن سليمان الرقي، وكذا كان في أصل الأصيلي فزاد فيه التاء وأصلحه في الموضعين، قال الأصيلي: المعتمر هو الصحيح. وقال غيره: المعمر هو الصحيح والرقي لا يروى عن المعتمر، قال: ولم يذكر الحاكم ولا الباجي في رجال البخاري المعمر بن سليمان، بل قال الباجي في ترجمة عبد الله بن جعفر: يروى عن المعتمر، ولم يذكر له البخاري عنه رواية. قوله: "حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي" هو ابن جبير بن حية المذكور بعد، وزياد بن جبير شيخه هو ابن عمه. قوله: "عن جبير بن حية" هو جد زياد وحية أبوه بمهملة وتحتانية مثقلة، وهو من كبار التابعين، واسم جده مسعود بن معتب بمهملة ومثناة ثم موحدة، ومنهم من عده في الصحابة وليس ذلك عندي ببعيد، لأن من شهد الفتوح في وسط خلافة عمر يكون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مميزا، وقد نقل ابن عبد البر أنه لم يبق في سنة حجة الوداع من قريش وثقيف أحد إلا أسلم وشهدها وهذا منهم، وهو من بيت كبير فإن عمه عروة بن مسعود كان رئيس ثقيف في زمانه والمغيرة بن شعبة ابن عمه.

(6/263)


ووقع في رواية الطبري من طريق مبارك بن فضالة عن زياد بن جبير "حدثني أبي" ولسعيد حفيده رواية أخرى في الأشربة والتوحيد، وعمه زياد بن جبير تقدمت له روايات أخرى في الصوم والحج، وذكر أبو الشيخ أن جبير بن حية ولي إمرة أصبهان ومات في خلافة عبد الملك بن مروان. قوله: "بعث عمر الناس في أفناء الأمصار" أي في مجموع البلاد الكبار، والأفناء بالفاء والنون ممدود جمع فنو بكسر الفاء وسكون النون، ويقال فلان من أفناء الناس إذا لم تعين قبيلته. والمصر: المدينة العظيمة، ووقع عند الكرماني "الأنصار" بالنون بدل الميم وشرح عليه ثم قال: وفي بعضها الأمصار. قوله: "فأسلم الهرمزان" في السياق اختصار كثير لأن إسلام الهرمزان كان بعد قتال كثير بينه وبين المسلمين بمدينة تستر، ثم نزل على حكم عمر فأسره أبو موسى الأشعري وأرسل به إلى عمر مع أنس فأسلم فصار عمر يقربه ويستشيره، ثم اتفق أن عبيد الله - بالتصغير - ابن عمر بن الخطاب اتهمه بأنه واطأ أبا لؤلؤة على قتل عمر فعدا على الهرمزان فقتله بعد قتل عمر، وستأتي قصة إسلام الهرمزان بعد عشرة أبواب. وهو بضم الهاء وسكون الراء وضم الميم بعدها زاي، وكان من زعماء الفرس. قوله: "إني مستشيرك في مغازي" بالتشديد، وهذه إشارة إلى ما في قصده، ووقع في رواية ابن أبي شيبة من طريق معقل بن يسار "أن عمر شاور الهرمزان في فارس وأصبهان وأذربيجان" أي بأيها يبدأ، وهذا يشعر بأن المراد أنه استشاره في جهات مخصوصة، والهرمزان كان من أهل تلك البلاد وكان أعلم بأحوالها من غيره، وعلى هذا ففي قوله في حديث الباب: "فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس" نظر، لأن كسرى هو رأس أهل فارس، وأما قيصر صاحب الروم فلم يكن كسرى رأسا لهم. وقد وقع عند الطبري من طريق مبارك بن فضالة المذكورة قال: "فإن فارس اليوم رأس وجناحان" وهذا موافق لرواية ابن أبي شيبة وهو أولى، لأن قيصر كان بالشام ثم ببلاد الشمال ولا تعلق لهم بالعراق وفارس والمشرق. ولو أراد أن يجعل كسرى رأس الملوك وهو ملك المشرق وقيصر ملك الروم دونه ولذلك جعله جناحان لكان المناسب أن يجعل الجناح الثاني ما يقابله من جهة اليمين كملوك الهند والصين مثلا، لكن دلت الرواية الأخرى على أنه لم يرد إلا أهل بلاده التي هو عالم بها، وكأن الجيوش إذ ذاك كانت بالبلاد الثلاثة، وأكثرها وأعظمها بالبلدة التي فيها كسرى لأنه كان رأسهم. قوله: "فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى" في رواية مبارك أن الهرمزان قال: "فاقطع الجناحين يلن لك الرأس" فأنكر عليه عمر فقال: "بل أقطع الرأس أولا" فيحتمل أنه لما أنكر عليه عاد فأشار عليه بالصواب. قوله: "واستعمل علينا النعمان بن مقرن" بالقاف وتشديد الراء وهو المزني، وكان من أفاضل الصحابة هاجر هو وإخوة له سبعة وقيل عشرة. وقال ابن مسعود "إن للإيمان بيوتا، وإن بيت آل مقرن من بيوت الإيمان" وكان النعمان قدم على عمر بفتح القادسية ففي رواية ابن أبي شيبة المذكورة "فدخل عمر المسجد فإذا هو بالنعمان يصلي فقعد، فلما فرغ قال: إني مستعملك، قال أما جابيا فلا، ولكن غازيا، قال: فإنك غاز، فخرج معه الزبير وحذيفة وابن عمرو والأشعث وعمرو بن معد يكرب" وفي رواية الطبري المذكورة "فأراد عمر المسير بنفسه، ثم بعث النعمان ومعه ابن عمر وجماعة، وكتب إلى أبي موسى أن يسير بأهل البصرة، وإلى حذيفة أن يسير بأهل الكوفة، حتى يجتمعوا بنهاوند، وهي بفتح النون والهاء والواو وسكون الثانية، قال: وإذا التقيتم فأميركم النعمان بن مقرن". قوله: "حتى إذا كنا بأرض العدو" وقد عرف من رواية الطبري أنها نهاوند. قوله: "خرج علينا عامل كسرى" سماه مبارك بن فضالة في

(6/264)


روايته بندار، وعند ابن أبي شيبة أنه ذو الجناحين، فلعل أحدهما لقبه. قوله: "فقام ترجمان" في رواية الطبري من الزيادة "فلما اجتمعوا أرسل بندار إليهم أن أرسلوا إلينا رجلا نكلمه، فأرسلوا إليه المغيرة" وفي رواية ابن أبي شيبة: "وكان بينهم نهر. فسرح إليهم المغيرة، فعبر النهر، فشاور ذو الجناحين أصحابه كيف نقعد للرسول؟ فقالوا له: اقعد في هيئة الملك وبهجته، فقعد على سريره ووضع التاج على رأسه وقام أبناء الملوك حوله سماطين عليهم أساور الذهب والقرطة والديباج، قال فأذن للمغيرة فأخذ بضبعيه رجلان ومعه رمحه وسيفه، فجعل يطعن برمحه في بسطهم ليتطيروا" وفي رواية الطبري "قال المغيرة: فمضيت ونكست رأسي فدفعت فقلت لهم: إن الرسول لا يفعل به هذا". قوله: "ما أنتم" هكذا خاطبه بصيغة من لا يعقل احتقارا له، وفي روايته ابن أبي شيبة: "فقال إنكم معشر العرب أصابكم جوع وجهد فجئتم، فإن شئتم مرناكم" بكسر الميم وسكون الراء أي أعطيناكم الميرة أي الزاد ورجعتم. وفي رواية الطبري "إنكم معشر العرب أطول الناس جوعا وأبعد الناس من كل خير، وما منعني أن آمر هؤلاء الأساورة أن ينتظموكم بالنشاب إلا تنجسا لجيفكم" قال: "فحمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت: ما أخطأت شيئا من صفتنا، كذلك كنا، حتى بعث الله إلينا رسوله". قوله: "نعرف أباه وأمه" زاد في رواية ابن أبي شيبة: "في شرف منا، أوسطنا حسبا، وأصدقنا حديثا". قوله: "فأمرنا نبينا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية" هذا القدر هو الذي يحتاج إليه في هذا الباب، وفيه إخبار المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المجوس حتى يؤدوا الجزية، ففيه دفع لقول من زعم أن عبد الرحمن بن عوف تفرد بذلك، وزاد في رواية الطبري "وإنا والله لا نرجع إلى ذلك الشقاء حتى نغلبكم على ما في أيديكم". قوله: "فقال النعمان" هكذا وقع في هذه الرواية مختصرا، قال ابن بطال: قول النعمان للمغيرة "ربما أشهدك الله مثلها" أي مثل هذه الشدة، وقوله: "فلم يندمك" أي ما لقيت معه من الشدة "ولم يحزنك" أي لو قتلت معه لعلمك بما تصير إليه من النعيم وثواب الشهادة، قال وقوله: "ولكني شهدت إلخ" كلام مستأنف وابتداء قصة أخرى اهـ، وقد بين مبارك بن فضالة في روايته عن زياد بن جبير ارتباط كلام النعمان بما قبله، وبسياقه يتبين أنه ليس قصة مستأنفة، وحاصله أن المغيرة أنكر على النعمان تأخير القتال فاعتذر النعمان بما قاله، وما أول به قوله: "فلم يندمك إلخ" فيه أيضا نظر، والذي يظهر أنه أراد بقوله: "فلم يندمك" أي على التأني والصبر حتى تزول الشمس، وقوله: "ولم يحزنك" شرحه على أنه بالمهملة والنون من الحزن وفي رواية المستملي بالخاء المعجمة بغير نون وهو أوجه لوفاق ما قبله، وهو نظير ما تقدم في وفد عبد القيس "غير خزايا ولا ندامى" ولفظ مبارك ملخصا أنهم "أرسلوا إليهم إما أن تعبروا إلينا النهر أو نعبر إليكم، قال النعمان اعبروا إليهم، قال فتلاقوا وقد قرن بعضهم بعضا وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا يفروا، قال فرأى المغيرة كثرتهم فقال لم أر كاليوم فشلا أن عدونا يتركون يتأهبون، أما والله لو كان الأمر إلي لقد أعجلتهم" وفي رواية ابن أبي شيبة: "فصاففناهم، فرشقونا حتى أسرعوا فينا، فقال المغيرة للنعمان أنه قد أسرع في الناس فلو حملت، فقال النعمان: إنك لذو مناقب، وقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها" وفي رواية الطبري "قد كان الله أشهدك أمثالها، والله ما منعني أن أناجزهم إلا شيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: "حتى تهب الأرواح" جمع ريح وأصله الواو، لكن لما انكسر ما قبل الواو الساكنة انقلبت ياء والجمع يرد الأشياء إلى أصولها، وقد حكى ابن جنى جمع ريح على أرياح. قوله: "وتحضر الصلوات" في رواية ابن أبي شيبة: "وتزول الشمس" وهو بالمعنى؛ وزاد في رواية الطبري

(6/265)


"ويطيب القتال" وفي رواية ابن أبي شيبة: "وينزل النصر" وزاد معا واللفظ لمبارك بن فضالة عن زياد بن جبير "فقال النعمان: اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام وذل الكفر والشهادة لي" ثم قال: "إني هاز اللواء فتيسروا للقتال". وفي رواية ابن أبي شيبة: "فليقض الرجل حاجته وليتوطأ، ثم هازه الثانية فتأهبوا" وفي رواية ابن أبي شيبة: "فلينظر الرجل إلى نفسه ويرمى من سلاحه، ثم هازه الثالثة فاحملوا، ولا يلوين أحد على أحد، ولو قتلت، فإن قتلت فعلى الناس حذيفة. قال: فحمل وحمل الناس، فوالله ما علمت أن أحدا يومئذ يريد أن يرجع إلى أهله حتى يقتل أو يظفر. فثبتوا لنا، ثم انهزموا، فجعل الواحد يقع على الآخر فيقتل سبعة، وجعل الحسك الذي جعلوه خلفهم يعقرهم" وفي رواية ابن أبي شيبة: "ووقع ذو الجناحين عن بغلة شهباء فانشق بطنه، ففتح الله على المسلمين" وفي رواية الطبري "وجعل النعمان يتقدم باللواء، فلما تحقق الفتح جاءته نشابة في خاصرته فصرعته، فسجاه أخوه معقل ثوبا وأخذ اللواء، ورجع الناس فنزلوا وبايعوا حذيفة، فكتب بالفتح إلى عمر مع رجل من المسلمين" قلت: وسماه سيف في "الفتوح" طريف بن سهم، وعند ابن أبي شيبة من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أبي عثمان هو النهدي أنه ذهب بالبشارة إلى عمر، فيمكن أن يكونا ترافقا، وذكر الطبري أن ذلك كان سنة تسع عشرة وقيل سنة إحدى وعشرين، وفي الحديث منقبة للنعمان ومعرفة المغيرة بالحرب وقوة نفسه وشهامته وفصاحته وبلاغته، ولقد اشتمل كلامه هذا الوجيز على بيان أحوالهم الدنيوية من المطعم والملبس ونحوهما، وعلى أحوالهم الدينية أولا وثانيا، وعلى معتقدهم من التوحيد والرسالة والإيمان بالمعاد، وعلى بيان معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وإخباره بالمغيبات ووقوعها كما أخبر، وفيه فضل المشورة وأن الكبير لا نقص عليه في مشاورة من هو دونه، وأن المفضول قد يكون أميرا على الأفضل، لأن الزبير بن العوام كان في جيش عليه فيه النعمان بن مقرن والزبير أفضل منه اتفاقا، ومثله تأمير عمرو بن العاص على جيش فيه أبو بكر وعمر كما سيأتي في أواخر المغازي، وفيه ضرب المثل وجودة تصور الهرمزان ولذلك استشاره عمر، وتشبيه لغائب المجوس بحاضر محسوس لتقريبه إلى الفهم، وفيه البداءة بقتال الأهم فالأهم، وبيان ما كان العرب عليه في الجاهلية من الفقر وشظف العيش، والإرسال إلى الإمام بالبشارة، وفضل القتال بعد زوال الشمس على ما قبله، وقد تقدم ذلك في الجهاد، ولا يعارضه ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يغير صباحا لأن هذا عند المصاففة وذاك عند الغارة.

(6/266)


2 - باب إِذَا وَادَعَ الإِمَامُ مَلِكَ الْقَرْيَةِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِبَقِيَّتِهِمْ؟
3161- حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ".
قوله: "باب إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم؟" أي لبقية أهل القرية. حديث أبي حميد الساعدي "غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك فأهدى ملك أيلة بغلة" الحديث، وقد تقدم بتمامه في كتاب الزكاة، وقوله: "وكساه بردا" كذا فيه بالواو، ولأبي ذر بالفاء وهو أولى لأن فاعل كسا هو النبي صلى الله عليه وسلم.

(6/266)


وقوله: "ببحرهم" أي بقريتهم، قال ابن المنير: لم يقع في لفظ الحديث عند البخاري صيغة الأمان ولا صيغة الطلب لكنه بناه على العادة في أن الملك الذي أهدى إنما طلب إبقاء ملكه، وإنما يبقى ملكه ببقاء رعيته، فيؤخذ من هذا أن موادعته موادعة لرعيته. قلت: وهذا القدر لا يكفي في مطابقة الحديث للترجمة، لأن العادة بذلك معروفة من غير الحديث، وإنما جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى بعض طرق الحديث الذي يورده، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في السيرة فقال: "لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه بحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية، وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فهو عندهم: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله لبحنة بن رؤبة وأهل أيلة" فذكره. قال ابن بطال: العلماء مجمعون على أن الإمام إذا صالح ملك القرية أنه يدخل في ذلك الصلح بقيتهم، واختلفوا في عكس ذلك هو ما إذا استأمن لطائفة معينة هل يدخل هو فيهم؟ فذهب الأكثر إلى أنه لا بد من تعيينه لفظا. وقال أصبغ وسحنون: لا يحتاج إلى ذلك، بل يكتفي بالقرينة، لأنه لم يأخذ الأمان لغيره إلا وهو يقصد إدخال نفسه.

(6/267)


باب الوصاة بأهل ذمة رسول الله صلى الله عليه و سلم . و الذمة العهد ، و الإل القرابة
...
3 - باب الْوَصَاةِ بِأَهْلِ ذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالذِّمَّةُ: الْعَهْدُ. وَالإِلُّ: الْقَرَابَةُ.
3162- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ جُوَيْرِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ التَّمِيمِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْنَا: أَوْصِنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: أُوصِيكُمْ بِذِمَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ".
قوله: "باب الوصاة بأهل ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم" الوصاة بفتح الواو والمهملة مخففا بمعنى الوصية، تقول وصيته وأوصيته توصية والاسم الوصاة والوصية. وقد تقدم بسطه في أول كتاب الوصايا. قوله: "والذمة العهد والإل القرابة" هو تفسير الضحاك في قوله تعالى: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً} وهو كقول الشاعر:
وأشهد أن إلك من قريش ... كإل السقب من رأل النعام
وقال أبو عبيدة في "المجاز" الإل: العهد والميثاق واليمين، ومجاز الذمة التذمم والجمع ذمم. وقال غيره: يطلق الإل أيضا على العهد وعلى الجوار. وعن مجاهد: الإل الله، وأنكره عليه غير واحد. قوله: "حدثنا أبو جمرة" هو بالجيم والراء الضبعي صاحب ابن عباس، وجويرية بن قدامة بالجيم مصغر ماله في البخاري سوى هذا الموضع، وهو مختصر من حديث طويل في قصة مقتل عمر، وسأذكر ما فيه من فائدة زائدة في الكلام على حديث عمر المذكور في مناقبه، وقيل إن جويرية هذا هو جارية بن قدامة الصحابي المشهور، وقد بينت في كتابي في الصحابة ما يقويه، فإن ثبت وإلا فهو من كبار التابعين. قوله: "أوصيكم بذمة الله فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم" في رواية عمرو بن ميمون "وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا إلا طاقتهم" قلت: ويستفاد من هذه الزيادة أن لا يؤخذ من أهل الجزية إلا قدر ما يطيق المأخوذ منه. وقوله في هذه الرواية: "ورزق عيالكم" أي ما يؤخذ منهم من الجزية والخراج. قال المهلب: في الحديث والحض على الوفاء بالعهد، وحسن النظر في عواقب الأمور، والإصلاح لمعاني المال وأصول الاكتساب.

(6/267)


باب ما أقطع النبي صلى الله عليه و سلم من البحرين ، و ما وعد من مال البحرين و الجزية و لمن يقسم الفيء و الجزية ؟
...
4 - باب مَا أَقْطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، وَمَا وَعَدَ مِنْ مَالِ الْبَحْرَيْنِ وَالْجِزْيَةِ،وَلِمَنْ يُقْسَمُ الْفَيْءُ وَالْجِزْيَةُ ؟
3163- حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن يحيى بن سعيد قال سمعت أنسا رضي الله عنه قال: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليكتب لهم بالبحرين فقالوا لا والله حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها فقال ذاك لهم ما شاء الله على ذلك يقولون له. قال: فإنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".
3164- حدثنا علي بن عبد الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرني روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي لو قد جاءنا مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء مال البحرين قال أبو بكر من كانت له ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليأتني فأتيته فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان قال لي لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا فقال لي احثه فحثوت حثية فقال لي عدها فعددتها فإذا هي خمسمائة فأعطاني ألفا وخمسمائة".
3165- وقال إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد فكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا قال خذ فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت علي قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه فقال فمر بعضهم يرفعه علي قال لا قال فارفعه أنت علي قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم".
قوله: "باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين وما وعد من مال البحرين والجزية ولمن يقسم الفيء والجزية" اشتملت هذه الترجمة على ثلاثة أحكام، وأحاديث الباب ثلاثة موزعة عليها على الترتيب. فأما إقطاعه صلى الله عليه وسلم من البحرين فالحديث الأول دال على أنه صلى الله عليه وسلم هم بذلك وأشار على الأنصار به مرارا فلما لم يقبلوا تركه، فنزل المصنف ما بالقوة منزلة ما بالفعل، وهو في حقه صلى الله عليه وسلم واضح لأنه لا يأمر إلا بما يجوز فعله والمراد بالبحرين البلد المشهور بالعراق، وقد تقدم في فرض الخمس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صالحهم وضرب عليهم الجزية، وتقدم في كتاب الشرب في الكلام على هذا الحديث أن المراد بإقطاعها للأنصار تخصيصهم بما يتحصل من جزيتها وخراجها لا تمليك رقبتها لأن أرض الصلح

(6/268)


لا تقسم ولا تقطع. وأما ما وعد من مال البحرين والجزية فحديث جابر دال عليه وقد مضى في الخمس مشروحا. وأما مصرف الفيء والجزية فعطف الجزية على الفيء من عطف الخاص على العام لأنها من جملة الفيء، قال الشافعي وغيره من العلماء: الفيء كل ما حصل للمسلمين مما لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب، وحديث أنس المعلق يشعر بأنه راجع إلى نظر الإمام يفضل من شاء بما شاء، وقد تقدم الحديث بهذا الإسناد المعلق بعينه في المساجد من كتاب الصلاة، وذكرت هناك من وصله وبعض فوائده، وأعاده في الجهاد وغيره بأخصر من هذا، وتقدم في الخمس أن المال الذي أتى به من البحرين كأن من الجزية وأن مصرف الجزية مصرف الفيء، وتقدم بيان الاختلاف في مصرف الفيء، وأن المصنف يختار أنه إلى نظر الإمام والله أعلم. وروى عبد الرزاق في حديث عمر الطويل حين دخل عليه العباس وعلي يختصمان قال: "قرأ عمر {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآية، فقالوا: استوعبت هذه المسلمين" ورواه أبو عبيدة من وجه آخر وقال فيه: "فاستوعبت هذه الآية الناس، فلم يبق أحد إلا له فيها حق، إلا بعض من تملكون من أرقائكم" قال أبو عبيد: حكم الفيء والخراج والجزية واحد، ويلتحق به ما يؤخذ من مال أهل الذمة من العشر إذا اتجروا في بلاد الإسلام، وهو حق المسلمين يعم به الفقير والغني وتصرف منه أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وما ينوب الإمام من جميع ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين. واختلف الصحابة في قسم الفيء: فذهب أبو بكر إلى التسوية وهو قول علي وعطاء واختيار الشافعي، وذهب عمر وعثمان إلى التفضيل وبه قال مالك، وذهب الكوفيون إلى أن ذلك إلى رأي الإمام إن شاء فضل وإن شاء سوى، قال ابن بطال: أحاديث الباب حجة لمن قال بالتفضيل، كذا قال، والذي يظهر أن من قال بالتفضيل يشترط التعميم بخلاف من قال إنه إلى نظر الإمام وهو الذي تدل عليه أحاديث الباب والله أعلم. وروى أبو داود من حديث عوف بن مالك "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه في قسمة من يومه، فأعطى الآهل حظين وأعطى الأعزب حظا واحدا". وقال ابن المنذر: انفرد الشافعي بقوله إن في الفيء الخمس كخمس الغنيمة، ولا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم، لأن الآيات التاليات الآية الفيء معطوفات على آية الفيء من قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} إلى آخرها فهي مفسرة لما تقدم من قوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} ، والشافعي حمل الآية الأولى على أن القسمة إنما وقعت، لمن ذكر فيها فقط، ثم لما رأى الإجماع على أن أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وغير ذلك من مال الفيء تأول أن الذي ذكر في الآية هو الخمس فجعل خمس الفيء واجبا لهم، وخالفه عامة أهل العلم اتباعا لعمر والله أعلم. وفي قصة العباس دلالة على أن سهم ذوي القربى من الفيء لا يختص بفقيرهم لأن العباس كان من الأغنياء، قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد في قول عمر "ما على الأرض مسلم إلا وله من هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم" قال يقول: الفيء للغني وللفقير، وكذا قال إسحاق بن راهويه.

(6/269)


باب إثم من قبل معاهدا بغير جرم
...
5 - باب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ
3166- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ

(6/269)


مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا".
[الحديث 3166 – طرفه في: 6914]
قوله: "باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم" كذا قيده في الترجمة، وليس التقييد في الخبر، لكنه مستفاد من قواعد الشرع، ووقع منصوصا في رواية أبي معاوية الآتي ذكرها بلفظ: "بغير حق" وفيما أخرجه النسائي وأبو داود من حديث أبي بكرة بلفظ: "من قتل نفسا معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة" وسيأتي الكلام على المتن في الديات فإنه ذكره فيه بهذا الإسناد بعينه. عبد الواحد شيخ شيخه هو ابن زياد، والحسن ابن عمرو هو الفقيمي بالفاء والقاف مصغرا كوفي ثقة ماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الأدب. قوله: "مجاهد عن عبد الله بن عمرو" أي ابن العاص، كذا قال عبد الواحد عن الحسن بن عمرو، وتابعه أبو معاوية عند ابن ماجة وعمرو بن عبد الغفار الفقيمي عند الإسماعيلي فهؤلاء ثلاثة رووه هكذا، وخالفهم مروان بن معاوية فرواه عن الحسن بن عمرو فزاد فيه رجلا بين مجاهد وعبد الله بن عمرو وهو جنادة بن أبي أمية أخرجه من طريقه النسائي، ورجح الدار قطني رواية مروان لأجل هذه الزيادة، لكن سماع مجاهد من عبد الله بن عمرو ثابت، وليس بمدلس فيحتمل أن يكون مجاهد سمعه أولا من جنادة ثم لقي عبد الله بن عمرو، أو سمعاه معا وثبته فيه جنادة فحدث به عن عبد الله بن عمرو تارة وحدث به عن جنادة أخرى، ولعل السر في ذلك ما وقع بينهما من زيادة أو اختلاف لفظ فإن لفظ النسائي من طريقه "من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة" فقال: "من أهل الذمة" ولم يقل معاهدا وهو بالمعنى، ووقع في رواية أبي معاوية "بغير حق" كما تقدم، ووقع في رواية الجميع "أربعين عاما" إلا عمرو بن عبد الغفار فقال: "سبعين" ووقع مثله في حديث أبي هريرة عند الترمذي. "تنبيهان": أحدهما اتفقت النسخ على أن الحديث من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، إلا ما رواه الأصيلي عن الجرجاني عن الفربري فقال: "عبد الله بن عمر" بضم العين بغير واو، وهو تصحيف نبه عليه الجياني. ثانيهما قوله: "لم يرح" بفتح الياء والراء وأصله يراح أي وجد ريح، وحكى ابن التين ضم أوله وكسر الراء، قال: والأول أجود وعليه الأكثر، وحكى ابن الجوزي ثالثة وهو فتح أوله وكسر ثانيه من راح يريح، والله أعلم.

(6/270)


باب إخراج اليهود من جزيرة العرب . و قال عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم (( أقركم ما أقركم الله ))
...
6 - باب إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
وَقَالَ عُمَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ بِهِ".
3167- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ فَمَنْ يَجِدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ وَإِلاَ فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ".
[الحديث 3167 – طرفاه في: 6944، 7248]
3168- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الأَحْوَلِ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى. قُلْتُ: يَا ابن

(6/270)


عَبَّاسٍ مَا يَوْمُ الْخَمِيسِ قَالَ: "اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا مَا لَهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ فَقَالَ ذَرُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فَأَمَرَهُمْ بِثَلاَثٍ قَالَ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَالثَّالِثَةُ خَيْرٌ". إِمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا وَإِمَّا أَنْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا. قَالَ سُفْيَانُ هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ.
قوله: "باب إخراج اليهود من جزيرة العرب" تقدم الكلام على جزيرة العرب في "باب هل يستشفع إلى أهل الذمة" من كتاب الجهاد، وتقدم فيه حديث ابن عباس ثاني حديثي الباب ولفظه: "أخرجوا المشركين" وكأن المصنف اقتصر على ذكر اليهود لأنهم يوحدون الله تعالى إلا القليل منهم ومع ذلك أمر بإخراجهم فيكون إخراج غيرهم من الكفار بطريق الأولى. قوله: "وقال عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله" هو طرف من قصة أهل خيبر، وقد تقدم موصولا في المزارعة مع الكلام عليه. حديث أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم لليهود "أسلموا تسلموا" وسيأتي بأتم من هذا السياق في كتاب الإكراه وفي الاعتصام، ولم أر من صرح بنسب اليهود المذكورين والظاهر أنهم بقايا من اليهود تأخروا بالمدينة بعد إخلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم، لأنه كان قبل إسلام أبي هريرة، وإنما جاء أبو هريرة بعد فتح خيبر كما سيأتي بيان ذلك كله في المغازي، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على أن يعملوا في الأرض كما تقدم، واستمروا إلى أن أجلاهم عمر، ويحتمل والله أعلم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فتح ما بقي من خيبر هم بإجلاء من بقي ممن صالح من اليهود ثم سألوه أن يبقيهم ليعملوا في الأرض فبقاهم، أو كان قد بقي بالمدينة من اليهود المذكورين طائفة استمروا فيها معتمدين على الرضا بإبقائهم للعمل في أرض خيبر ثم منعهم النبي صلى الله عليه وسلم من سكنى المدينة أصلا والله أعلم، بل سياق كلام القرطبي في شرح مسلم يقتضي أنه فهم أن المراد بذلك بنو النضير، ولكن لا يصح ذلك لتقدمه على مجيء أبي هريرة، وأبو هريرة يقول في هذا الحديث إنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبيت المدراس بكسر أوله هو البيت الذي يدرس فيه كتابهم، أو المراد بالمدراس العالم الذي يدرس كتابهم، والأول أرجح لأن في الرواية الأخرى "حتى أتى المدراس" وقوله: "أسلموا تسلموا" من الجناس الحسن لسهولة لفظه وعدم تكلفه، وقد تقدم نظيره في كتاب هرقل "أسلم تسلم" وقوله: "اعلموا" جملة مستأنفة كأنهم قالوا في جواب قوله أسلموا تسلموا: لم قلت هذا وكررته؟ فقال: اعلموا أني أريد أن أجليكم فإن أسلمتم سلمتم من ذلك ومما هو أشق منه . وقولهم "قد بلغت"(1) كلمة مكر ومداجاة ليدافعوه بما يوهمه ظاهرها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "ذلك أريد" أي التبليغ. قوله: "فمن يجد منكم بماله" من الوجدان أي يجد مشتريا، أو من الوجد أي المحبة أي يحبه، والغرض أن منهم من يشق عليه فراق شيء من ماله مما يعسر تحويله فقد أذن له في بيعه. حديث ابن عباس فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته، والغرض منه قوله: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" ووقع في رواية الجرجاني "أخرجوا اليهود" والأول أثبت. قوله: "حدثنا محمد حدثنا ابن عيينة" محمد هذا هو ابن سلام، وقد تقدم في كتاب الوضوء في حديث آخر "حدثنا محمد بن سلام
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: وقولهم: "قد بلغت" وقوله بعده: "ذلك أريد" كذا في نسخ الشرح التي بأيدينا، وليس في نسخ البخاري شيء من ذلك، فلعلها رواية وقعت له فكتب عليها.

(6/271)


حدثنا ابن عيينة" وسيأتي الكلام على شرح المتن في الوفاة آخر المغازي إن شاء الله تعالى. قال الطبري: فيه أن على الإمام إخراج كل من دان بغير دين الإسلام من كل بلد غلب عليها المسلمون عنوة إذا لم يكن بالمسلمين ضرورة إليهم كعمل الأرض ونحو ذلك، وعلى ذلك أقر عمر من أقر بالسواد والشام، وزعم أن ذلك لا يختص بجزيرة العرب بل يلتحق بها ما كان على حكمها.

(6/272)


7 - باب إِذَا غَدَرَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ هَلْ يُعْفَى عَنْهُمْ
3169- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجْمَعُوا إِلَيَّ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَبُوكُمْ قَالُوا فُلاَنٌ فَقَالَ كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ قَالُوا صَدَقْتَ قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا فَقَالَ لَهُمْ مَنْ أَهْلُ النَّارِ قَالُوا نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخْسَئُوا فِيهَا وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا ثُمَّ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا قَالُوا نَعَمْ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ قَالُوا أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ".
[الحديث 3169 – طرفاه في: 4249، 5777]
قوله: "باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم" ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة اليهود في سم الشاة بعد فتح خيبر. حديث أبي هريرة في قصة اليهود في سم الشاة بعد فتح خيبر، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي، ولم يجزم البخاري بالحكم إشارة إلى ما وقع من الاختلاف في معاقبة المرأة التي أهدت السم، وسيأتي بسطه هناك إن شاء الله تعالى.

(6/272)


8 - باب دُعَاءِ الإِمَامِ عَلَى مَنْ نَكَثَ عَهْدًا
3170- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: "سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْقُنُوتِ قَالَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَقُلْتُ إِنَّ فُلاَنًا يَزْعُمُ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ كَذَبَ ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ بَعَثَ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ – يَشُكُّ فِيهِ – مِنْ الْقُرَّاءِ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَعَرَضَ لَهُمْ هَؤُلاَءِ فَقَتَلُوهُمْ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَمَا رَأَيْتُهُ وَجَدَ عَلَى أَحَدٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ".
قوله: "باب دعاء الإمام على من نكث عهدا" ذكر فيه حديث أنس في القنوت. وقد سبق شرحه مستوفى في

(6/272)


باب أمان النساء و جوارهن
...
9 - باب أَمَانِ النِّسَاءِ وَجِوَارِهِنَّ
3171- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: "ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ". فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ، قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى".
قوله: "باب أمان النساء وجوارهن" الجوار بكسر الجيم وضمها المجاورة، والمراد هنا الإجارة، تقول جاورته أجاوره مجاورة وجوارا، وأجرته أجيره إجارا وجوارا. ذكر فيه حديث أم هانئ وقد تقدم في أوائل الصلاة ما يتعلق بالمراد بفلان ابن هبيرة وغير ذلك من فوائده، ووقع هنا للداودي الشارح وهم، فإنه قال: قوله عام الحديبية وهم من عبد الله بن يوسف والذي قاله غيره يوم الفتح، وتعقبه ابن التين بأن الروايات كلها على خلاف ما قال الداودي وليس فيها إلا يوم الفتح على الصواب. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة، إلا شيئا ذكره عبد الملك - يعني ابن الماجشون صاحب مالك - لا أحفظ ذلك عن غيره قال: إن أمر الأمان إلى الإمام، وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة، قال ابن المنذر: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يسعى بذمتهم أدناهم" دلالة على إغفال هذا القائل انتهى. وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال: هو إلى الإمام، إن أجازه جاز وإن رده رد.

(6/273)


باب . ذمة المسلمين و جوارهم واحدة ، يسعى بها أدناهم
...
10 - باب ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجِوَارُهُمْ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ
3172- حدثني محمد أخبرنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال خطبنا علي فقال: "ما عندنا كتاب نقرأه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة فقال فيها الجراحات وأسنان الإبل والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثا أو آوى فيها محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن مواليه فعليه مثل ذلك وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك".
قوله: "باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بذمتهم أدناهم" ذكر فيه حديث علي في الصحيفة. ومحمد شيخه

(6/273)


باب إذا قالوا صبأنا و لم يحسنوا أسلمنا
...
11 - باب إِذَا قَالُوا صَبَأْنَا وَلَمْ يُحْسِنُوا أَسْلَمْنَا
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ، فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ".
وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا قَالَ مَتْرَسْ فَقَدْ آمَنَهُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ كُلَّهَا. وَقَالَ: تَكَلَّمْ، لاَ بَأْسَ.
قوله: "باب إذا قالوا" أي المشركون حين يقاتلون "صبأنا" أي وأرادوا الإخبار بأنهم أسلموا "ولم يحسنوا أسلمنا" أي جريا منهم على لغتهم، هل يكون ذلك كافيا في رفع القتال عنهم أم لا؟ قال ابن المنير: مقصود الترجمة أن المقاصد تعتبر بأداتها كيفما كانت الأدلة لفظية أو غير لفظية بأي لغة كانت. قوله: "وقال ابن عمر فجعل خالد يقتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبرأ إليك مما صنع خالد" هذا طرف من حديث طويل أخرجه المؤلف في غزوة الفتح من المغازي، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك، وحاصله أن خالد بن الوليد غزا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قوما فقالوا صبأنا وأرادوا أسلمنا، فلم يقبل خالد ذلك منهم وقتلهم بناء على ظهر اللفظ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأنكره، فدل على أنه يكتفى من كل قوم بما يعرف من لغتهم. وقد عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في اجتهاده، ولذلك لم يقد منه. وقال ابن بطال: لا خلاف أن الحاكم إذا قضى بجور أو بخلاف قول أهل العلم أنه مردود، لكن ينظر فإن كان على وجه الاجتهاد فإن الإثم ساقط، وأما الضمان فيلزم عند الأكثر. وقال الثوري وأهل الرأي وأحمد وإسحاق: ما كان في قتل أو جراح ففي بيت المال. وقال الأوزاعي والشافعي وصاحبا أبي حنيفة: على العاقلة. وقال ابن الماجشون لا يلزم فيه ضمان. وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الأحكام، وهذا من المواضع التي يتمسك بها في أن البخاري يترجم ببعض ما ورد في الحديث وإن لم يورده في تلك الترجمة فإنه ترجم بقوله: "صبأنا" ولم يوردها، واكتفى بطرف الحديث الذي وقعت هذه اللفظة فيه. قوله: "وقال عمر إذا قال مترس فقد آمنه إن الله يعلم الألسنة كلها" وصله عبد الرزاق من طريق أبي وائل قال: "جاءنا كتاب عمر ونحن نحاصر قصر فارس فقال: إذا حاصرتم قصرا

(6/274)


فلا تقولوا أنزل على حكم الله فإنكم لا تدرون ما حكم الله، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم، وإذا لقي الرجل الرجل فقال لا تخف فقد أمنه، وإذا قال مترس فقد أمنه، إن الله يعلم الألسنة كلها" وأول هذا الأثر أخرجه مسلم من طريق بريدة مرفوعا في حديث طويل. و"مترس" كلمة فارسية معناها لا تخف وهي بفتح الميم وتشديد المثناة وإسكان الراء بعدها مهملة وقد تخفف التاء وبه جزم بعض من لقيناه من العجم، وقيل بإسكان المثناة وفتح الراء ووقع في الموطأ رواية يحيى بن يحيى الأندلسي مطرس بالطاء بدل المثناة، قال ابن قرقول: هي كلمة أعجمية، والظاهر أن الراوي فخم المثناة فصارت تشبه الطاء كما يقع من كثير من الأندلسيين. قوله: "وقال تكلم لا بأس" فاعل قال هو عمر، وروى ابن أبي شيبة ويعقوب بن سفيان في تاريخه من طرق بإسناد صحيح عن أنس بن مالك قال: "حاصرنا تستر، فنزل الهرمزان على حكم عمر، فلما قدم به عليه استعجم، فقال له عمر: تكلم لا بأس عليك، وكان ذلك تأمينا من عمر" ورويناه مطولا في سنن سعيد ابن منصور حدثنا هشيم أخبرنا حميد، وفي نسخة إسماعيل بن جعفر من طريق ابن خزيمة عن علي بن حجر عنه عن حميد عن أنس قال: "بعث معي أبو موسى بالهرمزان إلى عمر، فجعل عمر يكلمه فلا يتكلم، فقال له: تكلم، قال: أكلام حي أم كلام ميت؟ قال تكلم لا بأس" فذكر القصة، فأل فأراد قتله فقلت: لا سبيل إلى ذلك، قد قلت له تكلم لا بأس، فقال من يشهد لك؟ فشهد لي الزبير بمثل ذلك، فتركه فأسلم، وفرض له في العطاء. قال ابن المنير: يستفاد منه أن الحاكم إذا نسى حكمه فشهد عنده اثنان به نفذه، وأنه إذا توقف في قبول شهادة الواحد فشهد الثاني بوفقه انتفت الريبة ولا يكون ذلك قدحا في شهادة الأول، وقوله: "إن الله يعلم الألسنة كلها" المراد اللغات، ويقال إنها ثنتان وسبعون لغة: ستة عشر في ولد سام، ومثلها في ولد حام، والبقية في ولد يافث.

(6/275)


باب الموادعة و المصالحة مع المشركين بالمال و غيره ، وإثم من لم يف بالعهد و قوله : { و إن جنحوا للسلم ـ جنحوا : طلبوا السلم ـ فاجنح لها }اللآية
...
12 - باب الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِثْمِ مَنْ لَمْ يَفِ بِالْعَهْدِ
وَقَوْلِهِ [61 الأنفال]: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} جنحُوا: طلبو السّلم {فَاجْنَحْ لَهَا} الْآيَةَ
3173- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَمَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ كَبِّرْ كَبِّرْ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا فَقَالَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ قَالُوا وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ قَالَ فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ فَقَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ".
قوله: "باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره" أي كالأسرى. قوله: "{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} - جنحوا طلبوا السلم – {فَاجْنَحْ لَهَا}" أي أن هذه الآية دالة على مشروعية المصالحة مع المشركين، وتفسير جنحوا بطلبوا هو للمصنف. وقال غيره: معنى جنحوا مالوا. وقال أبو عبيدة: السلم والسلم واحد وهو الصلح. وقال

(6/275)


أبو عمر: والسلم بالفتح الصلح، والسلم بالكسر الإسلام. ومعنى الشرط في الآية أن الأمر بالصلح مقيد بما إذا كان الأحظ للإسلام المصالحة، أما إذا كان الإسلام ظاهرا على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا. حديث سهل بن أبي حثمة في قصة عبد الله ابن سهل وقتله بخيبر. والغرض منه قوله: "انطلق إلى خيبر وهي يومئذ صلح" وفهم المهلب من قوله في آخره: "فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده" أنه يوافق قوله في الترجمة "والمصالحة مع المشركين بالمال" فقال: إنما وداه من عنده استئلافا لليهود وطمعا في دخولهم في الإسلام. وهذا الذي قاله يرده ما في نفس الحديث من غير هذه الطريق "فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه" فإنه مشعر بأن سبب إعطائه ديته من عنده كان تطيبا لقلوب أهله. ويحتمل أن يكون كل منهما سببا لذلك. وبهذا تتم الترجمة. وأما أصل المسألة فاختلف فيه. فقال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي عن موادعة إمام المسلمين أهل الحرب على مال يؤدونه إليهم فقال: لا يصلح ذلك إلا عن ضرورة كشغل المسلمين عن حربهم. وقال لا بأس أن يصالحهم على غير شيء يؤدونه إليهم كما وقع في الحديبية. وقال الشافعي: إذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين جازت لهم مهادنتهم على غير شيء يعطونهم، لأن القتل للمسلمين شهادة، وإن الإسلام أعز من أن يعطى المشركون على أن يكفرا عنهم، إلا في حالة مخافة اصطلام المسلمين لكثرة العدو، لأن ذلك من معاني الضرورات، وكذلك إذا أسر رجل مسلم فلم يطلق إلا بفدية جاز. وأما قول المصنف "وإثم من لم يف بالعهد" فليس في حديث الباب ما يشعر به، وسيأتي البحث فيه في كتاب القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى. "تنبيه": قوله في نسب محيصة بن مسعود "ابن زيد" يقال إن الصواب "كعب" بدل زيد.

(6/276)


13 - باب فَضْلِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ
3174- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخبره أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره "أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارا بالشام في المدة التي ماد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان في كفار قريش".
قوله: "باب فضل الوفاء بالعهد" ذكر فيه طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل، قال ابن بطال: أشار البخاري بهذا إلى أن الغدر عند كل أمة قبيح مذموم، وليس هو من صفات الرسل.

(6/276)


14 - باب هَلْ يُعْفَى عَنْ الذِّمِّيِّ إِذَا سَحَرَ ؟
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ "عَنْ ابْنِ شِهَابٍ سُئِلَ: أَعَلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ قَتْلٌ؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صُنِعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ"
3175- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ صَنَعَ شَيْئًا وَلَمْ يَصْنَعْهُ".
[الحديث 3175 – أطرافه في: 2268، 5763، 5765، 5766، 6063، 6391]

(6/276)


باب ما يحذر من الغدر و قول الله تعالى : { و إن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله }الآية
...
15 - باب مَا يُحْذَرُ مِنْ الْغَدْرِ
وَقَوْلِ الله تَعَالَى [62 الأنفال]: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} الآية.
3176- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا".
قوله: "باب ما يحذر" بضم أوله مخففا ومثقلا "من الغدر". قوله: "وقول الله عز وجل: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} الآية" هو بالجر عطفا على لفظ الغدر، وحسب بإسكان المهملة أي كاف. وفي هذه الآية إشارة إلى أن احتمال طلب العدو للصلح خديعة لا يمنع من الإجابة إذا ظهر للمسلمين، بل يعزم ويتوكل على الله سبحانه. قوله: "سمعت بسر بن عبيد الله" بضم الموحدة وسكون المهملة، والإسناد كله شاميون إلا شيخ البخاري، وفي تصريح عبد الله بن العلاء بالسماع له من بسر دلالة على أن الذي وقع في رواية الطبراني من طريق دحيم عن الوليد عن عبد الله بن العلاء عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله، فزاد في الإسناد زيد بن واقد فهو من المزيد في متصل الأسانيد. وقد أخرجه أبو داود وابن ماجه والإسماعيلي وغيرهم من طرق ليس فيها زيد بن واقد. قوله: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم" زاد في رواية المؤمل بن الفضل عن الوليد عند أبي داود

(6/277)


"فسلمت، فرد، فقال: ادخل . فقلت: أكلي يا رسول الله؟ قال: كلك . فدخلت" فقال الوليد قال عثمان بن أبي العاتكة: "إنما قال ذلك من صغر القبة". قوله: "ستا" أي ست علامات لقيام الساعة، أو لظهور أشراطها المقتربة منها. قوله: "ثم موتان" بضم الميم وسكون الواو، قال القزاز: هو الموت. وقال غيره الموت الكثير الوقوع، ويقال بالضم لغة تميم وغيرهم يفتحونها. ويقال للبليد موتان القلب بفتح الميم والسكون. وقال ابن الجوزي: يغلط بعض المحدثين فيقول موتان بفتح الميم والواو، وإنما ذاك اسم الأرض التي لم تحي بالزرع والإصلاح. "تنبيه": في رواية ابن السكن "ثم موتتان" بلفظ التثنية وحينئذ فهو بفتح الميم. قوله: "كعقاص الغنم" بضم العين المهملة(1) وتخفيف القاف وآخره مهملة، هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. قال أبو عبيدة: ومنه أخذ الإقعاص وهو القتل مكانه. وقال ابن فارس: العقاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق. ويقال أن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس. قوله: "ثم استفاضة المال" أي كثرته، وظهرت في خلافة عثمان عند تلك الفتوح العظيمة، والفتنة المشار إليها افتتحت بقتل عثمان، واستمرت الفتن بعده، والسادسة لم تجيء بعد. قوله: "هدنة" بضم الهاء وسكون المهملة بعدها نون هي الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه. قوله: "بني الأصفر" هم الروم. قوله: "غاية" أي راية، وسميت بذلك لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف. ووقع في حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة عند أبي داود في نحو هذا الحديث بلفظ: "راية" بدل غاية. وفي أوله "ستصالحون الروم صلحا أمنا، ثم تغزون أنتم وهم عدوا فتنصرون، ثم تنزلون مرجا فيرفع رجل من أهل الصليب الصليب فيقول غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفعه، فعند ذلك تغدر الروم ويجتمعون للملحمة فيأتون" فذكره. ولابن ماجه من حديث أبي هريرة مرفوعا: "إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثا من الموالي يؤيد الله بهم الدين" وله من حديث معاذ بن جبل مرفوعا: "الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر" وله من حديث عبد الله بن بسر رفعه: "بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين، ويخرج الدجال في السابعة" وإسناده أصح من إسناد حديث معاذ، قال ابن الجوزي: رواه بعضهم "غابة" بموحدة بدل التحتانية والغابة الأجمة كأنه شبه كثرة الرماح بالأجمة. وقال الخطابي: الغابة الغيضة، فاستعيرت للرايات ترفع لرؤساء الجيش لما يشرع معها من الرماح، وجملة العدد المشار إليه تسعمائة ألف وستون ألفا، ولعل أصله ألف ألف فألغيت كسوره. ووقع مثله في رواية ابن ماجة من حديث ذي مخبر ولفظه: "فيجتمعون للملحمة، فيأتون تحت ثمانين غابة تحت كل غابة اثنا عشر ألفا" ، ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن الوليد بن مسلم قال: تذاكرنا هذا الحديث وشيخنا من شيوخ المدينة فقال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يقول في هذا الحديث مكان فتح بيت المقدس "عمران بيت المقدس" قال المهلب: فيه أن الغدر من أشراط الساعة. وفيه أشياء من علامات النبوة قد ظهر أكثرها. وقال ابن المنير: أما قصة الروم فلم يجتمع إلى الآن ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد فهي من الأمور التي لم تقع بعد. وفيه بشارة ونذارة، وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: كذا في نسخ الشارح التي بأيدينا، والذي في نسخ البخاري بتقديم القاف على العين، وبه ضبط القسطلاني، وهو المنصوص في كتب اللغة والمتعين من قول أبي عبيد، ومنه أخذ الاقعاص.

(6/278)


أضعاف ما هو عليه. ووقع في رواية للحاكم من طريق الشعبي عن عوف بن مالك في هذا الحديث: "أن عوف بن مالك قال لمعاذ في طاعون عمواس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: أعدد ستا بين يدي الساعة، فقد وقع منهن ثلاث، يعني موته صلى الله عليه وسلم وفتح بيت المقدس والطاعون، قال وبقي ثلاث فقال له معاذ: أن لهذا أهلا". ووقع في الفتن لنعيم بن حماد أن هذه القصة تكون في زمن المهدي على يد ملك من آل هرقل.

(6/279)


16 - باب كَيْفَ يُنْبَذُ إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ
وَقَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ [58 الأنفال]: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} الْآيَةَ.
3178- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَيَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ وَإِنَّمَا قِيلَ الأَكْبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ الْحَجُّ الأَصْغَرُ فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَلَمْ يَحُجَّ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِكٌ".
قوله: "باب كيف ينبذ إلى أهل العهد، وقول الله عز وجل: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} أي اطرح إليهم عهدهم، وذلك بأن يرسل إليهم من يعلمهم بأن العهد انتقض، قال ابن عباس: أي على مثل، وقيل على عدل، وقيل أعلمهم أنك قد حاربتهم حتى يصيروا مثلك في العلم بذلك. وقال الأزهري: المعنى إذا عاهدت قوما فخشيت منهم النقض فلا توقع بهم بمجرد ذلك حتى تعلمهم. ثم ذكر فيه حديث أبي هريرة "بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى" الحديث، وقد تقدم شرحه في الحج وأنه سيشرح في تفسير براءة. قال المهلب: خشى رسول الله صلى الله عليه وسلم غدر المشركين فلذلك بعث من ينادي بذلك.

(6/279)


باب إثم من عاهد ثم غدر و قول الله { الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ، و هم لا يتقون }
...
17 - باب إِثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ
وَقَوْلِ اللَّهِ [56 الأنفال]: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ}
3178- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا".
3179- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا كَتَبْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ الْقُرْآنَ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ

(6/279)


18 - باب
3181- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ الأَعْمَشَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ شَهِدْتَ صِفِّينَ قَالَ نَعَمْ فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْتُهُ وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرِ أَمْرِنَا هَذَا".
[الحديث 3181 – أطرافه في: 3182، 3189، 4844، 7308]
3182- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ قَالَ: "كُنَّا بِصِفِّينَ فَقَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَإِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ فَقَالَ بَلَى فَقَالَ أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَعَلاَمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا أَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ".
3183- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَّتِهِمْ مَعَ أَبِيهَا فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا قَالَ نَعَمْ صِلِيهَا".
قوله: "باب" كذا هو بلا ترجمة عند الجميع، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، وذكر فيه حديثين: أحدهما عن سهل بن حنيف في قصة الحديبية، وذكره من وجهين، والطريق الأولى منهما مختصرة، وقد ساقه منها بتمامه في الاعتصام، وقد تقدمت الإشارة إلى فوائده في الكلام على حديث المسور في كتاب الشروط، وسيأتي ما يتعلق منه بصفين في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. وقول سهل بن حنيف "يوم أبي جندل" أراد به يوم الحديبية، وإنما نسبه لأبي جندل لأنه لم يكن فيه على المسلمين أشد من قصته كما تقدم بيانه، وعبد

(6/281)


19 - باب الْمُصَالَحَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَوْ وَقْتٍ مَعْلُومٍ
3184- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُقِيمَ بِهَا إِلاَّ ثَلاَثَ لَيَالٍ وَلاَ يَدْخُلَهَا إِلاَّ بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ وَلاَ يَدْعُوَ مِنْهُمْ أَحَدًا قَالَ فَأَخَذَ يَكْتُبُ الشَّرْطَ بَيْنهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ وَلكِنِ اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا وَاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَكَانَ لاَ يَكْتُبُ قَالَ فَقَالَ لِعَلِيٍّ امْحَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ عَلِيٌّ وَاللَّهِ لاَ أَمْحَاهُ أَبَدًا قَالَ فَأَرِنِيهِ قَالَ فَأَرَاهُ إِيَّاهُ فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَلَمَّا دَخَلَ وَمَضَتْ الأَيَّامُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا مُرْ صَاحِبَكَ فَلْيَرْتَحِلْ فَذَكَرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ ارْتَحَلَ".
قوله: "باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم" أي يستفاد من وقوع المصالحة على ثلاثة أيام جوازها في وقت معلوم ولم تكن ثلاثة. وأورد فيه حديث البراء في العمرة وقد تقدم في الصلح، وسيأتي شرح ما يتعلق بكتابة الصلح منه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى.

(6/282)


باب الموادعة من غير وقت ، و قول النبي صلى الله عليه و سلم : (( أقركم على ما أقركم الله ))
...
20 - باب الْمُوَادَعَةِ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُقِرُّكُمْ عَلَى مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ بِهِ".
قوله: "باب الموادعة من غير وقت وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أقركم على ما أقركم الله" هو طرف من حديث معاملة أهل خيبر، وقد تقدم شرحه في المزارعة وبيان الاختلاف في أصل المسألة، وأما ما يتعلق بالجهاد فالموادعة فيه لا حد لها معلوم لا يجوز غيره، بل ذلك راجع إلى رأي الإمام بحسب ما يراه الأحظ والأحوط للمسلمين.

(6/282)


باب طرح جيف المشركين في البئر ، و لا يؤخذ لهم ثمن
...
21 - باب طَرْحِ جِيَفِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْبِئْرِ وَلاَ يُؤْخَذُ لَهمْ ثَمَنٌ
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي

(6/282)


باب إثم الغادر للبر و الفاجر
...
22 - باب إِثْمِ الْغَادِرِ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ
3186، 3187- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَحَدُهُمَا يُنْصَبُ وَقَالَ الْآخَرُ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ".
3188- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
[الحديث 3188 – أطرافه في: 6177، 6178، 6966، 7111]
3189- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لاَ هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ قَالَ إِلاَّ الإِذْخِرَ".

(6/283)


كتاب بدء الخلق
مدخل
...
59 - كِتَاب بَدْءِ الْخَلْقِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب بدء الخلق" كذا للأكثر وسقطت البسملة لأبي ذر، وللنسفي "ذكر" بدل كتاب، وللصغاني "أبواب" بدل كتاب. و"وبدء الخلق" بفتح أوله وبالهمزة أي ابتداؤه. والمراد خلق المخلوقات.

(6/286)


باب ما جاء في قول الله تعالى { و هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ، و هو أهون عليه }
...
مَنَازِلَهُمْ حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ".
3193- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أُرَاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَشْتِمُنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي وَيُكَذِّبُنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ إِنَّ لِي وَلَدًا وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي".
[الحديث 3193 – طرفاه في: 9474، 4975]
3194- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي".
[الحديث 3194 – أطرافه في: 7404، 7412، 7453، 7553، 7554]
قوله: "باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وقال الربيع ابن خثيم" بالمعجمة والمثلثة مصغر، وهو كوفي من كبار التابعين، والحسن هو البصري. قوله: "كل عليه هين" أي البدء والإعادة، أي أنهما حملا أهون على غير التفضيل وأن المراد بها الصفة كقوله الله أكبر وكقول الشاعر لعمرك ما أدري وإني لأوجل أي وإني لوجل، وأثر الربيع وصله الطبري من طريق منذر الثوري عنه نحوه، وأما أثر الحسن فروى الطبري أيضا من طريق قتادة وأظنه عن الحسن ولكن لفظه: "وإعادته أهون عليه من بدئه، وكل على الله هين" وظاهر هذا اللفظ إبقاء صيغة أفعل على بابها، وكذا قال مجاهد فيما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وقد ذكر عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود كان يقرؤها "وهو عليه هين" وحكى بعضهم عن ابن عباس أن الضمير للمخلوق لأنه ابتدئ نطفة ثم علقة ثم مضغة، والإعادة أن يقول له كن فيكون، فهو أهون على المخلوق، انتهى. ولا يثبت هذا عن ابن عباس بل هو من تفسير الكلبي كما حكاه الفراء، لأنه يقتضي تخصيصه بالحيوان ولأن الضمير الذي بعده وهو قوله: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} يصير معطوفا على غير المذكور قبله قريبا. وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس بإسناد صحيح في قوله: {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أيسر. وقال الزجاج: خوطب العباد بما يعقلون لأن عندهم أن البعث أهون من الابتداء فجعله مثلا وله المثل الأعلى، وذكر الربيع عن الشافعي في هذه الآية قال: "هو أهون عليه" أي في القدرة عليه، لا أن شيئا يعظم على الله، لأنه يقول: لما لم يكن كن فيخرج متصلا، وأخرجه أبو نعيم. وأخرج ابن أبي حاتم نحوه عن الضحاك وإليه نحا الفراء، والله أعلم. قوله: "وهين وهين مثل لين ولين وميت وميت وضيق وضيق" الأول بالتشديد والثاني بالتخفيف في الجميع، قال أبو عبيدة في تفسير الفرقان في قوله تعالى :{وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} هي مخففة بمنزلة هين ولين وضيق بالتخفيف فيها والتشديد، وسيأتي ذلك أيضا في آخر تفسير سورة النحل، وعن ابن الأعرابي: أن العرب تمدح بالهين اللين مخففا وتذم بهما مثقلا، فالهين بالتخفيف من الهون وهو السكينة والوقار ومنه {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} وعينه واو، بخلاف الهين بالتشديد. قوله: {أَفَعَيِينَا} أفا عيا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلفكم. كأنه أراد أن

(6/287)


معنى قوله: {أَفَعَيِينَا} استفهام إنكار، أي ما أعجزنا الخلق الأول حين أنشأناكم، وكأنه عدل عن التكلم إلى الغيبة لمراعاة اللفظ الوارد في القرآن في قوله تعالى :{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} وقد روى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى :{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} يقول: أفأعيا علينا إنشاؤكم خلقا جديدا فتشكوا في البعث؟ وقال أهل اللغة: عييت بالأمر إذا لم أعرف وجهه، ومنه العي في الكلام. قوله: "لغوب النصب" أي تفسير قوله: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} أي من نصب، والنصب التعب وزنا ومعنى، وهذا تفسير مجاهد فيما أخرجه ابن أبي حاتم. وأخرج من طريق قتادة قال: أكذب الله جل وعلا اليهود في زعمهم أنه استراح في اليوم السابع فقال: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} أي من إعياء، وغفل الداودي الشارح فظن أن النصب في كلام المصنف بسكون الصاد وأنه أراد ضبط اللغوب فقال متعقبا عليه، لم أر أحدا نصب اللام في الفعل، قال وإنما هو بالنصب الأحمق. قوله: "أطوارا طورا كذا وطورا كذا" يريد تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} والأطوار الأحوال المختلفة وأحدها طور بالفتح. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في معنى الأطوار كونه مرة نطفة ومرة علقة إلخ. وأخرج الطبري عن ابن عباس وجماعة نحوه وقال: المراد اختلاف أحوال الإنسان من صحة وسقم، وقيل معناه أصنافا في الألوان واللغات. قوله: "عن صفوان بن محرز عن عمران" في رواية أبي عاصم عن سفيان في المغازي "حدثنا صفوان حدثنا عمران". قوله: "جاء نفر من بني تميم" يعني وفدهم وسيأتي بيان وقت قدومهم ومن عرف منهم في أواخر المغازي قوله: "أبشروا" بهمزة قطع من البشارة. قوله: "فقالوا بشرتنا" القائل ذلك منهم الأقرع بن حابس، ذكره ابن الجوزي. قوله: "فتغير وجهه" إما للأسف عليهم كيف آثروا الدنيا، وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألفهم به، أو لكل منهما. قوله: "فجاءه أهل اليمن" هم الأشعريون قوم أبي موسى، وقد أورد البخاري حديث عمران هذا وفيه ما يستأنس به لذلك. ثم ظهر لي أن المراد بأهل اليمن هنا نافع بن زيد الحميري مع من وفد معه من أهل حمير، وقد ذكرت مستند ذلك في "باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن" وأن هذا هو السر في عطف أهل اليمن على الأشعريين مع أن الأشعريين من جملة أهل اليمن، لما كان زمان قدوم الطائفتين مختلفا ولكل منهما قصة غير قصة الآخرين وقع العطف. قوله: "اقبلوا البشرى" بضم أوله وسكون المعجمة والقصر أي اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا إذا أخذتم به بالجنة، كالفقه في الدين والعمل به، وحكى عياض أن في رواية الأصيلي: "اليسرى" بالتحتانية والمهملة، قال: والصواب الأول. قوله: "إذ لم يقبلها" في الرواية الأخرى "أن لم يقبلها" وهو بفتح "أن" أي من أجل تركهم لها ويروى بكسر إن. قوله: "فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بدء الخلق والعرش"، أي عن بدء الخلق وعن حال العرش، وكأنه ضمن "يحدث" معنى يذكر، وكأنهم سألوا عن أحوال هذا العالم وهو الظاهر، ويحتمل أن يكونوا سألوا عن أول جنس المخلوقات، فعلى الأول يقتضي السياق أنه أخبر أن أول شيء خلق منه السماوات والأرض، وعلى الثاني يقتضي أن العرش والماء تقدم خلقهما قبل ذلك، ووقع في قصة نافع بن زيد "نسألك عن أول هذا الأمر". قوله: "قالوا جئنا نسألك" كذا الكشميهني، ولغيره: "جئناك لنسألك" وزاد في التوحيد "ونتفقه في الدين" وكذا هي في قصة نافع بن زيد التي أشرت إليها آنفا. قوله: "عن هذا الأمر" أي الحاضر الموجود، والأمر يطلق ويراد به المأمور ويراد به الشأن والحكم

(6/288)


والحث على الفعل غير ذلك. قوله: "كان الله ولم يكن شيء غيره" في الرواية الآتية في التوحيد "ولم يكن شيء قبله" وفي رواية غير البخاري "ولم يكن شيء معه" والقصة متحدة فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت بالمعنى، ولعل راويها أخذها من قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في صلاة الليل - كما تقدم من حديث ابن عباس - "أنت الأول فليس قبلك شيء" لكن رواية الباب أصرح في العدم، وفيه دلالة على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا غيرهما، لأن كل ذلك غير الله تعالى ويكون قبله "وكان عرشه على الماء" معناه أنه خلق الماء سابقا ثم خلق العرش على الماء، وقد وقع في قصة نافع بن زيد الحميري بلفظ: "كان عرشه على الماء ثم خلق القلم فقال: اكتب ما هو كائن، ثم خلق السموات والأرض وما فيهن" فصرح بترتيب المخلوقات بعد الماء والعرش. قوله: "وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض" هكذا جاءت هذه الأمور الثلاثة معطوفة بالواو، ووقع في الرواية التي في التوحيد "ثم خلق السماوات والأرض" ولم يقع بلفظ: "ثم" إلا في ذكر خلق السماوات والأرض، وقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: "أن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" وهذا الحديث يؤيد رواية من روى "ثم خلق السماوات والأرض" باللفظ الدال على الترتيب. "تنبيه": وقع في بعض الكتب في هذا الحديث: "كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان" وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث، نبه على ذلك العلامة تقي الدين بن تيمية، وهو مسلم في قوله، "وهو الآن" إلى آخره، وأما لفظ: "ولا شيء معه" فرواية الباب بلفظ: "ولا شيء غيره" بمعناها. ووقع في ترجمة نافع بن زيد الحميري المذكور "كان الله لا شيء غيره" بغير واو. قوله: "وكان عرشه على الماء" قال الطيبي: هو فصل مستقل لأن القديم من لم يسبقه شيء، ولم يعارضه في الأولية، لكن أشار بقوله: "وكان عرشه على الماء" إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل خلق السموات والأرض، ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء. ومحصل الحديث أن مطلق قوله: "وكان عرشه على الماء" مقيد بقوله: "ولم يكن شيء غيره" والمراد بكان في الأول الأزلية وفي الثاني الحدوث بعد العدم. وقد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا: "أن الماء خلق قبل العرش" وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة "أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء" وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا: "أول ما خلق الله القلم، ثم قال اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة" فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي أنه قيل له اكتب أول ما خلق، وأما حديث: "أول ما خلق الله العقل" فليس له طريق ثبت، وعلى تقدير ثبوته فهذا التقدير الأخير هو تأويله والله أعلم. وحكى أبو العلاء الهمداني أن للعلماء قولين في أيهما خلق أولا العرش أو القلم؟ قال: والأكثر على سبق خلق العرش، واختار ابن جرير ومن تبعه الثاني، وروى ابن أبي حازم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "خلق الله اللوح المحفوظ مسيرة خمسمائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش: اكتب، فقال وما أكتب؟ قال علمي في خلقي إلى يوم القيامة" ذكره في تفسير سورة سبحان، وليس فيه سبق خلق القلم على العرش، بل فيه سبق العرش. وأخرج البيهقي في "الأسماء والصفات" من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: "أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، فقال: يا رب وما أكتب؟ قال أكتب القدر،

(6/289)


فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة" وأخرج سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن أبي بشر عن مجاهد قال: "بدء الخلق العرش والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء" والجمع بين هذه الآثار واضح. قوله: "وكتب" أي قدر. "في الذكر" أي في محل الذكر، أي في اللوح المحفوظ. "كل شيء" أي من الكائنات. وفي الحديث جواز السؤال عن مبدأ الأشياء والبحث عن ذلك وجواز جواب العالم بما يستحضره من ذلك، وعليه الكف إن خشي على السائل ما يدخل على معتقده. وفيه أن جنس الزمان ونوعه حادث، وأن الله أوجد هذه المخلوقات بعد أن لم تكن، لا عن عجز عن ذلك بل مع القدرة. واستنبط بعضهم من سؤال الأشعريين عن هذه القصة أن الكلام في أصول الدين وحدوث العلم مستمران في ذريتهم حتى ظهر ذلك منهم في أبي الحسن الأشعري، أشار إلى ذلك ابن عساكر. قوله: "فنادى مناد" في الرواية الأخرى "فجاء رجل فقال: يا عمران" ولم أقف على اسمه في شيء من الروايات. قوله: "ذهبت ناقتك يا ابن الحصين" أي انفلتت، ووقع في الرواية الأولى "فجاء رجل فقال: يا عمران راحلتك" أي أدرك راحلتك فهو بالنصب، أو ذهبت راحلتك فهو بالرفع، ويؤيده الرواية الأخرى ولم أقف على اسم هذا الرجل. وقوله: "تفلتت" بالفاء أي شردت. قوله: "فإذا هي يقطع" بفتح أوله "دونها السراب" بالضم أي يحول بيني وبين رؤيتها، والسراب بالمهملة معروف، وهو ما يرى نهارا في الفلاة كأنه ماء. قوله: "فوالله لوددت أني كنت تركتها" في التوحيد "أنها ذهبت ولم أقم" يعني لأنه قام قبل أن يكمل النبي صلى الله عليه وسلم حديثه في ظنه، فتأسف على ما فاته من ذلك. وفيه ما كان عليه من الحرص على تحصيل العلم. وقد كنت كثير التطلب لتحصيل ما ظن عمران أنه فاته من هذه القصة إلى أن وقفت على قصة نافع بن زيد الحميري فقوي في ظني أنه لم يفته شيء من هذا القصة بخصوصها لخلو قصة نافع بن زيد عن قدر زائد على حديث عمران، إلا أن في آخره بعد قوله وما فيهن "واستوى على عرشه عز وجل". الحديث الثاني حديث عمر قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم " الحديث. قوله: "وروى عيسى عن رقبة" كذا للأكثر وسقط منه رجل فقال ابن الفلكي: ينبغي أن يكون بين عيسى ورقبة أبو حمزة، وبذلك جزم أبو مسعود. وقال الطرقي: سقط أبو حمزة من كتاب الفربري وثبت في رواية حماد بن شاكر فعنده عن البخاري "روى عيسى عن أبي حمزة عن رقبة قال" وكذا قال ابن رميح عن الفربري، قلت: وبذلك جزم أبو نعيم في "المستخرج" وهو يروي الصحيح عن الجرجاني عن الفربري، فالاختلاف فيه حينئذ عن الفربري، ثم رأيته أسقط أيضا من رواية النسفي، لكن جعل بين عيسى ورقبة ضبة، ويغلب على الظن أن أبا حمزة ألحق في رواية الجرجاني وقد وصفوه بقلة الإتقان، وعيسى المذكور هو ابن موسى البخاري ولقبه غنجار بمعجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم جيم، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وقد وصل الحديث المذكور من طريق عيسى المذكور عن أبي حمزة وهو محمد ابن ميمون السكري عن رقبة الطبراني في مسند رقبة المذكور، وهو بفتح الراء والقاف والموحدة الخفيفة ابن مصقلة بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وقد تبدل سينا بعدها قاف، ولم ينفرد به عيسى فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسن بن شقيق عن أبي حمزة نحوه، لكن بإسناد ضعيف. قوله: "حتى دخل أهل الجنة" هي غاية قوله: "أخبرنا" أي أخبرنا عن مبتدأ الخلق شيئا بعد شيء إلى أن انتهى الأخبار عن حال الاستقرار في الجنة والنار، ووضع الماضي موضع المضارع مبالغة للتحقق المستفاد من

(6/290)


خبر الصادق، وكان السياق يقتضي أن يقول: حتى يدخل، ودل ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدئت إلى أن تفنى إلى أن تبعث، فشمل ذلك الإخبار عن المبدأ والمعاش والمعاد، في تيسير إيراد ذلك كله في مجلس واحد من خوارق العادة أمر عظيم، ويقرب ذلك مع كون معجزاته لا مرية في كثرتها أنه صلى الله عليه وسلم أعطى جوامع الكلم، ومثل هذا من جهة أخرى ما رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا؛ ثم قال للذي في شماله مثله في أهل النار ". وقال في آخر الحديث: "فقال بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد، فريق في الجنة وفريق في السعير" وإسناده حسن. ووجه الشبه بينهما أن الأول فيه تيسير القول الكثير في الزمن القليل، وهذا فيه تيسير الجرم الواسع في الظرف الضيق، وظاهر قوله "فنبذهما" بعد قوله "وفي يده كتابان" أنهما كانا مرئيين لهم والله أعلم. ولحديث الباب شاهد من حديث حذيفة سيأتي في كتاب القدر إن شاء الله تعالى، ومن حديث أنى زيد الأنصاري أخرجه أحمد ومسلم قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر. ثم صعد المنير فخطبنا ثم صلى العصر كذلك حتى غابت الشمس، فحدثنا بما كان وما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا" لفظ أحمد. وأخرجه من حديث أبي سعيد مختصرا ومطولا، وأخرجه الترمذي من حديثه مطولا، وترجم له "باب ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم مما هو كائن إلى يوم القيامة" ثم ساقه بلفظ: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة العصر ثم قام يحدثنا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه" ثم ساق الحديث وقال: حسن. وفي الباب عن حذيفة وأبي زيد بن أخطب وأبي مريم والمغيرة بن شعبة انتهى. ولم يقع له حديث عمر حديث الباب وهو على شرطه، وأفاد حديث أبي زيد بيان المقام المذكور زمانا ومكانا في حديث عمر رضي الله عنه وأنه كان على المنبر من أول النهار إلى أن غابت الشمس، والله أعلم. قوله: "عن أبي أحمد" هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري وسفيان هو الثوري. قوله: "يشتمني ابن آدم" بكسر التاء من "يشتمني" والشتم هو الوصف بما يقتضي النقص، ولا شك أن دعوى الولد لله يستلزم الإمكان المستدعي للحدوث، وذلك غاية النقص في حق الباري سبحانه وتعالى، والمراد من الحديث هنا قوله "ليس يعيدني كما بدأني" وهو قول منكري البعث من عباد الأوثان. قوله: "لما قضى الله الخلق" أي خلق الخلق كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أو المراد أوجد جنسه، وقضى يطلق بمعنى حكم وأتقن وفرغ وأمضى. قوله: "كتب في كتابه " أي أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ، وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت قريبا "فقال للقلم اكتب، فجرى بما هو كائن" ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب اللفظ الذي قضاه، وهو كقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}. قوله: "فهو عنده فوق العرش" قيل معناه دون العرش، وهو كقوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}، والحامل على هذا التأويل استبعاد أن يكون شيء من المخلوقات فوق العرش، ولا محذور في إجراء ذلك على ظاهره؛ لأن العرش خلق من خلق الله، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "فهو عنده" أي ذكره أو علمه فلا تكون العندية مكانية بل هي إشارة إلى كمال كونه مخفيا عن الخلق مرفوعا عن حيز إدراكهم، وحكى الكرماني أن بعضهم زعم أن لفظ: "فوق" زائد كقوله:

(6/291)


{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} والمراد اثنتان فصاعدا، ولم يتعقبه، وهو متعقب، لأن محل دعوى الزيادة ما إذا بقي الكلام مستقيما مع حذفها كما في الآية، وأما في الحديث فإنه يبقى مع الحذف، فهو عنده العرش وذلك غير مستقيم. قوله: "إن رحمتي" بفتح أن على أنها بدل من كتب، وبكسرها على حكاية مضمون الكتاب قوله: "غلبت" في رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد "سبقت" بدل غلبت، والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب، لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق، أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب، لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث، وبهذا التقرير يندفع استشكال من أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواطن، كمن يدخل النار من الموحدين ثم يخرج بالشفاعة وغيرها. وقيل معنى الغلبة الكثرة والشمول، تقول غلب على فلان الكرم أي أكثر أفعاله، وهذا كله بناء على أن الرحمة والغضب من صفات الذات. وقال بعض العلماء الرحمة والغضب من صفات الفعل لا من صفات الذات، ولا مانع من تقدم بعض الأفعال على بعض فتكون الإشارة بالرحمة إلى إسكان آدم الجنة أول ما خلق مثلا ومقابلها ما وقع من إخراجه منها، وعلى ذلك استمرت أحوال الأمم بتقديم الرحمة في خلقهم بالتوسع عليهم من الرزق وغيره، ثم يقع بهم العذاب على كفرهم. وأما ما أشكل من أمر من يعذب من الموحدين فالرحمة سابقة في حقهم أيضا، ولولا وجودها لخلدوا أبدا. وقال الطيبي في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب وأنها تنالهم من غير استحقاق وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق، فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما وناشئا قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة، ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك.

(6/292)


باب ما جاء في سبع أرضين ، و قول الله تعالى { الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن ، يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ، و أن الله قد أحاط بكل شيء علما }
...
2 - باب مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [12 الطلاق]: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} السَّمَاءُ. {سَمْكَهَا} بِنَاءَهَا. {الْحُبُكُ} اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا. {وَأَذِنَتْ} سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ. {وَأَلْقَتْ} أَخْرَجَتْ مَا فِيهَا مِنْ الْمَوْتَى. {وَتَخَلَّتْ} عَنْهُمْ. {طَحَاهَا} دَحَاهَا. {بِالسَّاهِرَةِ} وَجْهُ الأَرْضِ، كَانَ فِيهَا الْحَيَوَانُ نَوْمُهُمْ وَسَهَرُهُمْ.
3195- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبْ الأَرْضَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
3196- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال النبي

(6/292)


صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ".
3197- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
3197- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا إِلَى مَرْوَانَ فَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...".
قوله: "باب ما جاء في سبع أرضين" أو في بيان وضعها. قوله: "وقول الله سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} الآية" قال الداودي: فيه دلالة على أن الأرضين بعضها فوق بعض مثل السماوات ونقل عن بعض المتكلمين أن المثلية في العدد خاصة وأن السبع متجاورة. وحكى ابن التين عن بعضهم أن الأرض واحدة، قال وهو مردود بالقرآن والسنة. قلت: لعله القول بالتجاور، وإلا فيصير صريحا في المخالفة، ويدل للقول الظاهر ما رواه ابن جرير من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في هذه الآية {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} قال: في كل أرض مثل إبراهيم، ونحو ما على الأرض من الخلق، هكذا أخرجه مختصرا وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق عطاء بن السائب عن أبي الضحى مطولا وأوله أي سبع أرضين "في كل أرض آدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيسى ونبي كنبيكم" قال البيهقي: إسناده صحيح، إلا أنه شاذ بمرة. وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: لو حدثكم بتفسير هذه الآية لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها. ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه وزاد وهن مكتوبات بعضهن على بعض. وظاهر قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} يرد أيضا على أهل الهيئة قولهم أن لا مسافة بين كل أرض وأرض وإن كانت فوقها، وأن السابعة صماء لا جوف لها، وفي وسطها المركز وهي نقطة مقدرة متوهمة، إلى غير ذلك من أقوالهم التي لا برهان عليها. وقد روى أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعا: "إن بين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وأن سمك كل سماء كذلك، وأن بين كل أرض وأرض خمسمائة عام" وأخرجه إسحاق بن راهويه والبزار من حديث أبي ذر نحوه، ولأبي داود والترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب مرفوعا: "بين كل سماء وسماء إحدى أو اثنتان وسبعون سنة" وجمع بين الحديثين بأن اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته. قوله: "{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} السماء" هو تفسير مجاهد، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عنه، ومن طريق قتادة نحوه، وسيأتي عن علي مثله في "باب الملائكة" ولابن أبي حاتم من طريق الربيع بن

(6/293)


أنس {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} العرش، كذا قال، والأول أكثر، وهو يقتضي الرد على من قال إن السماء كرية لأن السقف في اللغة العربية لا يكون كريا. قوله: "سمكها" بفتح المهملة وسكون الميم "بناءها" بالمد، يريد تفسير قوله تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا} أي رفع بنيانها، وهو تفسير ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله وزاد: "بغير عمد" ومن طريق قتادة مثله. وله: "والحبك:استواؤها وحسنها" هو تفسير ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه. وأخرج من طريق سعد الإسكاف عن عكرمة عنه بلفظ: "ذات الحبك" أي البهاء والجمال، غير أنها كالبرد المسلسل" ومن طريق علي بن أبي طلحة عنه قال: "ذات الحبك أي الخلق الحسن" والحبك بضمتين جمع حبيكة كطرق وطريقة وزنا ومعنى، وقيل وأحدها حباك كمثال ومثل. وقيل: الحبك الطريق التي ترى في السماء من آثار الغيم، وروى الطبري عن الضحاك نحوه. وقيل: هي النجوم أخرجه الطبري بإسناد حسن عن الحسن، وروى الطبري عن عبد الله بن عمرو أو المراد بالسماء هنا السماء السابعة. قوله: "أذنت: سمعت وأطاعت" يريد تفسير قوله تعالى: { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} ومعنى سمعها وإطاعتها قبولها ما يراد منها، وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "وأذنت لربها" أي أطاعت، ومن طريق الضحاك "أذنت لربها" أي سمعت، ومن طريق سعيد بن جبير "وحقت" أي حق لها أن تطيع. قوله: "وألقت" أخرجت ما فيها من الموتى "وتخلت" أي "عنهم" يريد تفسير بقية الآيات، وهو عند ابن أبي حاتم من طريق مجاهد نحوه، ومن طريق سعيد بن جبير ألقت ما استودعها الله من عباده وتخلت عنهم إليه. قوله: "طحاها: دحاها" هو تفسير مجاهد أخرجه عبد بن حميد وغيره من طريقه، والمعنى بسطها يمينا وشمالا من كل جانب. وأخرج ابن أبي حاتم أيضا من طريق ابن عباس والسدي وغيرهما: دحاها أي بسطها. قوله: "بالساهرة: وجه الأرض كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم" هو تفسير عكرمة أخرجه ابن أبي حاتم، أو المراد بالأرض أرض القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد في قوله: "فإذا هم بالساهرة" قال: أرض بيضاء عفراء كالخبزة، وسيأتي من وجه آخر عن أبي حازم مرفوعا في الرقاق لكن ليس فيه تفسير الساهرة. حديث عائشة "من ظلم قيد شبر" وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب المظالم. حديث ابن عمر في المعنى، وقد تقدم هناك أيضا، وعبد الله في إسناده هو ابن المبارك، والراوي عنه بشر بن محمد مروزي سمع من ابن المبارك بخراسان، وهو يؤيد البحث الذي قدمته من أنه لا يلزم من كون هذا الحديث ليس في كتب ابن المبارك بخراسان أن لا يكون حدث به هناك، ويحتمل أن يكون بشر صحب ابن المبارك فسمعه منه بالبصرة فيصح أنه لم يحدث به إلا بالبصرة والله أعلم. حديث أبي بكرة "أن الزمان قد استدار كهيئته" وسيأتي بأتم من هذا السياق في آخر المغازي في الكلام على حجة الوداع، ويأتي شرحه في تفسير براءة، ومضي شرح أكثر في العلم وبعضه في الحج. قوله: "عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة" اسم ابن أبي بكرة عبد الرحمن كما تقدم في "باب رب مبلغ أوعى من سامع" في كتاب العلم من وجه آخر عن أيوب، وذكر أبو علي الجياني أنه سقط من نسخة الأصيلي هنا عن ابن أبي بكرة وثبت لسائر الرواة عن الفربري، قلت: وكذا ثبت في رواية النسفي عن البخاري، قال الجياني: ووقع في رواية القابسي هنا عن أيوب عن محمد بن

(6/294)


أبي بكرة، وهو وهم فاحش. قلت: وافق الأصيلي لكن صحف "عن" فصارت "ابن" فلذلك وصفه بفحش الوهم وسيأتي هذا الحديث بالسند المذكور هنا في "باب حجة الوداع" من كتاب المغازي على الصواب للجماعة أيضا حتى الأصيلي، واستمر القابسي على وهمه فقال هناك أيضا: "عن محمد بن أبي بكرة". قوله: "كهيئته" الكاف صفة مصدر محذوف تقديره استدار استدارة مثل صفته يوم خلق السماء. والزمان اسم لقليل الوقت وكثيره، وزعم يوسف بن عبد الملك في كتابه "تفضيل الأزمنة" أن هذه المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم في شهر مارس وهو آذار وهو برمهات بالقبطية، وفيه يستوي الليل والنهار عند حلول الشمس برج الحمل. حديث سعيد بن زيد في قصته مع أروى بنت أنيس في مخاصمتها له في الأرض، وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في كتاب المظالم. قوله: "وقال ابن أبي الزناد عن هشام" أي ابن عروة "عن أبيه قال لي سعيد بن زيد" أراد المصنف بهذا التعليق بيان لقاء عروة سعيدا، وقد لقي عروة من هو أقدم وفاة من سعيد كوالده الزبير وعلي وغيرهما.

(6/295)


باب في النجوم . و قال قتادة { و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } : خلق هذه النجوم لثلاث : جعلها زينة للسماء ، و رجوما للشياطين ، و علامات يهتدي بها ، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ و أضاع نصيبه و تكلف ما
...
3 - باب فِي النُّجُومِ. وَقَالَ قَتَادَةُ {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [5 الملك]: خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاَثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا. فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَشِيمًا}: مُتَغَيِّرًا. وَالأَبُّ: مَا يَأْكُلُ الأَنْعَامُ. {وَالأَنَامُ}: الْخَلْقُ. {بَرْزَخٌ}: حَاجِبٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَلْفَافًا}: مُلْتَفَّةً. وَالْغُلْبُ: الْمُلْتَفَّةُ. {فِرَاشًا}: مِهَادًا. كَقَوْلِهِ: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}. {نَكِدًا}: قَلِيلًا.
قوله: "باب في النجوم وقال قتادة إلخ" وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه به وزاد في آخره: "وأن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة: من غرس بنجم كذا كان كذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا، ولعمري ما من النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر شيء من هذا الغيب". انتهى. وبهذه الزيادة تظهر مناسبة إيراد المصنف ما أورده من تفسير الأشياء التي ذكرها من القرآن وإن كان ذكر بعضها وقع استطرادا والله أعلم. قال الداودي: قول قتادة في النجوم حسن، إلا قوله: "أخطأ وأضاع نفسه" فإنه قصر في ذلك، بل قائل ذلك كافر انتهى. ولم يتعين الكفر في حق من قال ذلك، وإنما يكفر من نسب الاختراع إليها، وأما من جعلها علامة على حدوث أمر في الأرض فلا، وقد تقدم تقرير ذلك وتفصيله في الكلام على حديث زيد ابن خالد فيمن قال: "مطرنا بدرء كذا" في "باب الاستسقاء" وقال أبو علي الفارسي في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً} الضمير للسماء؛ أي وجعلنا شهبها رجوما على حذف مضاف، فصار الضمير للمضاف إليه. وذكر ابن دحية في "التنوير" من طريق أبي عثمان النهدي عن سليمان الفارسي قال: النجوم كلها معلقة كالقناديل من السماء الدنيا كتعليق القناديل في المساجد. قوله: "وقال ابن عباس هشيما متغيرا" لم أره عنه من طريق موصولة. لكن ذكره إسماعيل بن أبي زياد في تفسيره عن ابن عباس. قال أبو عبيدة: قوله: "هشيما" أي يابسا متفتتا، و "تذروه الرياح" أي تفرقه. قوله: "والأب ما تأكل الأنعام" هو تفسير ابن عباس أيضا، وصله ابن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه قال: الأب:

(6/295)


ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا تأكله الناس، ومن طريق ابن عباس قال: الأب الحشيش، ومن طريق عطاء والضحاك: الأب هو كل شيء ينبت على وجه الأرض، زاد الضحاك: إلا الفاكهة، وروى ابن جرير من طريق إبراهيم التيمي "أن أبا بكر الصديق سئل عن الأب فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم" وهذا متقطع. وعن عمر أنه قال: "عرفنا الفاكهة فما الأب؟" ثم قال: "إن هذا لهو التكلف" فهو صحيح عنه، أخرجه عبد بن حميد من طرق صحيحة عن أنس عن عمر، وسيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى. قوله: "والأنام: الخلق" هو تفسير ابن عباس أيضا، أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} قال: للخلق، والمراد بالخلق المخلوق، ومن طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: الأنام الناس، وهذا أخص من الذي قبله، ومن طريق الحسن قال: الجن والإنس. وعن الشعبي قال: هو كل ذي روح. قوله: "برزخ: حاجب" في رواية المستملي والكشميهني: "حاجز" بالزاي، وهذا تفسير ابن عباس أيضا وصله ابن أبي حاتم من الوجه المذكور إلا قوله: "وقال مجاهد "ألفافا" ملتفة والغلب الملتفة" وصلهما عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} قال: ملتفة. ومن طريقه قال: {وَحَدَائِقَ غُلْباً} أي ملتفة، وروى ابن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس: الحدائق. ما التفت والغلب: ما غلط. ومن طريق عكرمة عنه الغلب شجر بالجبل لا يحمل يستطل به. ومن طريق علي بن أبى طلحة عنه قال: "وجنات ألفافا" أي مجتمعة. وقال أهل اللغة: الألفاف جمع لف أو لفيف. وعن الكسائي: هو جمع الجمع. وقال الطبري: اللفاف جمع لفيفة وهي الغليظة، وليس الالتفاف من الغلظ في شيء إلا أن يراد أنه غلط بالالتفاف. قوله: "فراشا: مهادا كقوله: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} " هو قول قتادة والربيع بن أنس وصله الطبري عنهما، ومن طريق السدي بأسانيده "فراشا" هي فراش يمشي عليها وهي المهاد والقرار. قوله: "نكدا: قليلا" أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي قال: {لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً} قال: النكد الشيء القليل الذي لا ينفع، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هذا مثل ضرب للكفار كالبلد السبخة المالحة التي لا تخرج منها البركة.

(6/296)


باب صفة الشمس و القمر { بحسبان } قال مجاهد : كحسبان الرحى .
...
4 - باب صِفَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِحُسْبَانٍ
قَالَ مُجَاهِدٌ: كَحُسْبَانِ الرَّحَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: بِحِسَابٍ وَمَنَازِلَ لاَ يَعْدُوَانِهَا. حُسْبَانٌ: جَمَاعَةُ الحِسَابٍ مِثْلُ شِهَابٍ وَشُهْبَانٍ. ضُحَاهَا: ضَوْءُهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ: لاَ يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الْآخَرِ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. سَابِقُ النَّهَارِ: يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ. نَسْلَخُ: نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَنُجْرِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَاهِيَةٌ: وَهْيُهَا تَشَقُّقُهَا. أَرْجَائِهَا: مَا لَمْ يَنْشَقَّ مِنْهَا فَهُمْ عَلَى حَافَتَيْهَا كَقَوْلِكَ: عَلَى أَرْجَاءِ الْبِئْرِ أَغْطَشَ وَ جَنَّ أَظْلَمَ وَقَالَ الْحَسَنُ كُوِّرَتْ تُكَوَّرُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ اتَّسَقَ اسْتَوَى بُرُوجًا مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ الْحَرُورُ بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُؤْبَةُ الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ يُقَالُ يُولِجُ يُكَوِّرُ وَلِيجَةً كُلُّ شَيْءٍ أَدْخَلْتَهُ فِي شَيْءٍ.

(6/296)


3199- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى [38 يس]: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
[الحديث 3199 – أطرافه في: 4802، 4803، 7424، 7433]
3200- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
3201- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا".
3202- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ".
3203- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ قَامَ فَكَبَّرَ وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَقَامَ كَمَا هُوَ فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الأُولَى ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الرَّكْعَةِ الأُولَى ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ".
3204- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا".

(6/297)


قوله: "باب صفة الشمس والقمر بحسبان" أي تفسير ذلك، وقوله: "قال مجاهد كحسبان الرحى" وصله الفريابي في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، ومراده أنهما يجريان على حسب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها. وقوله: "وقال غيره بحساب ومنازل لا يعدوانها"، ووقع في نسخة الصغاني هو ابن عباس وقد وصله عبد بن حميد من طريق أبي مالك وهو الغفاري مثله، وروى الحربي والطبري عن ابن عباس نحوه بإسناد صحيح وبه جزم الفراء. قوله: "حسبان جماعة الحساب" يعني أن حسبان جماعة الحساب كشهبان جمع شهاب، وهذا قول أبي عبيدة في المجاز. وقال الإسماعيلي من جعله من الحساب احتمل الجمع واحتمل المصدر، تقول حسب حسبانا، ثم هو من الحساب بالفتح ومن الظن بالكسر أي في الماضي. قوله: " ضحاها : ضوءها" وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} قال: ضوءها. قال الإسماعيلي: يريد أن الضحى يقع في صدر النهار وعنده تشتد إضاءة الشمس، وروى ابن أبي حاتم من طريق قتادة والضحاك قال: ضحاها النهار. قوله: "أن تدرك القمر لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر الخ" وصله الفريابي في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بتمامه. قوله: "نسلخ نخرج إلخ" وصله الفريابي من طريقه أيضا بلفظ يخرج أحدهما من الآخر ويجري كل منهما في فلك. قوله: "واهية: وهيها تشققها" هو قول الفراء، وروى الطبري عن ابن عباس في قوله: "واهية" قال متمزقة ضعيفة. قوله: "أرجائها: ما لم تنشق منها فهو على حافتيها" يريد تفسير قوله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} ووقع في رواية الكشميهني: فهو على حافتها، وكأنه أفرد باعتبار لفظ الملك وجمع باعتبار الجنس، وروى عبد بن حميد من طريق قتادة في قوله: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} أي على حافات السماء" وروى الطبري عن سعيد بن المسيب مثله، وعن سعيد بن جبير: على حافات الدنيا، وصوب الأول. وأخرج عن ابن عباس قال والملك على حافات السماء حين تنشق، والأرجاء بالمد جمع رجا بالقصر والمراد النواحي. قوله: "أغطش: جن أظلم" يريد تفسير قوله تعالى :{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} وتفسير قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} أي أظلم في الموضعين، والأول تفسير قتادة أخرجه عبد بن حميد من طريقه قال: قوله: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أي أظلم ليلها، وقد توقف فيه الإسماعيلي فقال: معنى أغطش ليلها جعله مظلما، وأما أغطش غير متعد فإن ساغ فهو صحيح المعنى ولكن المعروف أظلم الوقت جاءت ظلمته وأظلمنا وقعنا في ظلمة. قلت: لم يرد البخاري القاصر لأنه في نفس الآية متعد وإنما أراد تفسير قوله أغطش فقط، وأما الثاني فهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} أي غطى عليه وأظلم. قوله: "وقال الحسن كورت تكور حتى يذهب ضوءها" وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عنه، وكأن هذا كان يقوله قبل أن يسمع حديث أبي سلمة عن أبي هريرة الآتي ذكره في هذا الباب، وإلا فمعنى التكوير اللف تقول كورت العمامة تكويرا إذا لففها، والتكوير أيضا الجمع تقول كورته إذا جمعته، وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} يقول: أظلمت، ومن طريق الربيع بن ختم قال: فورت أي رمى بها، ومن طريق أبي يحيى عن مجاهد كورت قال: اضمحلت. قال الطبري: التكوير في الأصل الجمع وعلى هذا فالمراد أنها تلف ويرمى بها فيذهب ضوءها. قوله: "والليل وما وسق: أي جمع من دابة" وصله عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن نحوه. قوله: "اتسق استوى" وصله عبد بن

(6/298)


حميد أيضا من طريق منصور عنه في قوله: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} قال: استوى. قوله: "بروجا: منازل الشمس والقمر" وصله ابن حميد، وروى الطبري من طريق مجاهد قال: البروج الكواكب ومن طريق أبي صالح قال هي النجوم الكبار، وقيل هي قصور في السماء رواه عبد بن حميد من طريق يحيى بن رافع، ومن طريق قتادة قال هي قصور على أبواب السماء فيها الحرس، وعند أهل الهيئة أن البروج غير المنازل، فالبروج اثنا عشر والمنازل ثمانية وعشرون " وكل برج عبارة عن منزلتين وثلث منها. قوله: "فالحرور بالنهار مع الشمس" وصله إبراهيم الحربي عن الأثرم عن أبي عبيدة قال: الحرور بالنهار مع الشمس. وقال الفراء: الحرور الحر الدائم ليلا كان أو نهارا، والسموم بالنهار خاصة. قوله: "وقال ابن عباس ورؤبة الحرور بالليل والسموم بالنهار" أما قول ابن عباس فلم أره موصولا عنه بعد، وأما قول رؤبة وهو ابن العجاج التيمي الراجز المشهور فذكره أبو عبيدة عنه في المجاز. وقال السدي: المراد بالظل والحرور في الآية الجنة والنار أخرجه ابن أبي حاتم عنه. قوله: "يقال يولج يكور" كذا في رواية أبي ذر، ورأيت في رواية ابن شبويه "يكون" بنون وهو أشبه. وقال أبو عبيدة: يولج أي ينقص من الليل فيزيد في النهار وكذلك النهار، وروى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال: ما نقص من أحدهما دخل في الآخر يتقاصان ذلك في الساعات. ومن طريق قتادة نحوه قال: يولج ليل الصيف في نهاره أي يدخل، ويدخل نهار الشتاء في ليله. قوله: "وليجة كل شيء أدخلته في شيء" هو قول عبيدة قال قوله: {مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة، والمعنى لا تتخذوا أولياء ليس من المسلمين. حديث أبي ذر في تفسير قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} وسيأتي شرحه مستوفى في تفسير سورة يس، والغرض منه هنا بيان سير الشمس في كل يوم وليلة، وظاهره مغاير لقول أهل الهيئة أن الشمس مرصعة في الفلك، فإنه يقتضي أن الذي يسير هو الفلك وظاهر الحديث أنها هي التي تسير وتجري، ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي يدورون، قال ابن العربي: أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن، وتأوله قوم على ما هي عليه من التسخير الدائم، ولا مانع أن تخرج عن مجراها فتسجد ثم ترجع. قلت: إن أراد بالخروج الوقوف فواضح، وإلا فلا دليل على الخروج، ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة، أو تسجد بصورة الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين. قوله: "عن عبد الله الداناج" بتخفيف النون وآخره جيم هو لقبه ومعناه العالم بلغة الفرس، وهو قي الأصل داناه فعرب، وعبد الله المذكور تابعي صغير، واسم أبيه فيروز، وذكر البزار أنه لم يرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن غير هدا الحديث، ووقع في روايته من طريق يونس بن محمد عن عبد العزيز ابن المختار عنه سمعت أبا سلمة يحدث في زمن خالد القسري في هذا المسجد وجاء الحسن أي البصري فجلس إليه، فقال أبو سلمة: حدثنا أبو هريرة" فذكره، ومثله أخرجه الإسماعيلي وقال: "في مسجد البصرة" ولم يقل خالد القسري، وأخرجه الخطابي من طريق يونس بهذا الإسناد فقال: "في زمن خالد بن عبد الله أي ابن أسيد" أي بفتح الهمزة وهو أصح فإن خالدا هذا كان قد ولى البصرة لعبد الملك قبل الحجاج بخلاف خالد القسري. قوله: "مكوران" زاد في رواية البزار ومن ذكر معه "في النار، فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أبو سلمة أحدثك

(6/299)


عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وما ذنبهما؟" قال البزار لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه انتهى. وأخرج أبو يعلى معناه من حديث أنس وفيه: "ليراهما من عبدهما" كما قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} . وأخرجه الطيالسي من هذا الوجه مختصرا. وأخرج ابن وهب في "كتاب الأهوال" عن عطاء بن يسار في قوله تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} قال: يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في النار، ولابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه موقوفا أيضا، قال الخطابي: ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلا. وقيل إنهما خلقا من النار فأعيدا فيها. وقال الإسماعيلي: لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذابا وآلة من آلات العذاب وما شاء الله من ذلك، فلا تكون هي معذبة. وقال أبو موسى المديني في "غريب الحديث": لما وصفا بأنهما يسبحان في قوله: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وأن كل من عبد من دون الله إلا من سبقت له الحسنى يكون في النار وكانا في النار يعذب بهما أهلهما بحيث لا يبرحان منهما فصارا كأنهما ثوران عقيرا. ثالثها: بقية الأحاديث عن عبد الله بن عمرو ومن بعده في ذكر الكسوف، وقد تقدمت كلها مشروحة في كتاب الكسوف. قوله: "عن أبي مسعود" كذا في الأصول بأداة الكنية، وهو أبو مسعود البدري، ووقع في بعض النسخ "عن ابن مسعود" بالموحدة والنون وهو تصحيف.

(6/300)


باب ما جاء في قوله { و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته }
...
5 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ [57 الأعراف]: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}
قَاصِفًا: تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ. لَوَاقِحَ: مَلاَقِحَ مُلْقِحَةً. إِعْصَارٌ: رِيحٌ عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنْ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ. صِرٌّ: بَرْدٌ. نُشُرًا: مُتَفَرِّقَةً.
3205- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ".
3206- حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ فَإِذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ عاد [24 الأحقاف]: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} الْآيَةَ.
[الحديث 3206 – طرفه في: 4829]
قوله: "باب ما جاء في قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} بشرا بضم الباء والمعجمة. وسيأتي تفسيره في الباب. قوله: "قاصفا تقصف كل شيء" يريد تفسير قوله تعالى: {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ} قال أبو عبيدة: هي التي تقصف كل شيء أي تحطم، وروى الطبري من طريق ابن جريج قال: قال ابن عباس القاصف التي تفرق، هكذا ذكره منقطعا. قوله: "لواقح ملاقح ملقحة" يريد تفسير قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}

(6/300)


وأن أصل لواقح ملاقح وواحدها ملقحة، وهو قول أبي عبيدة وفاقا لابن إسحاق، وأنكره غيرهما قالوا لواقح جمع لاقحة ولاقح. وقال الفراء: فإن قيل الريح ملقحة لأنها تلقح الشجر فكيف قيل لها لواقح؟ فالجواب على وجهين: أحدهما أن تجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح فيقال ريح لاقح كما يقال ماء ملاقح، ويؤيده وصف ريح العذاب بأنها عقيم. ثانيهما أن وصفها باللقح لكون اللقح يقع فيها كما تقول: ليل نائم. وقال الطبري: الصواب أنها لاقحة من وجه ملقحة من وجه لأن لقحها حملها الماء، وإلقاحها عملها في السحاب. ثم أخرج من طريق قوي عن ابن مسعود قال: "يرسل الله الرياح فتحمل الماء فتلقح السحاب، وتمر به فتدر كما تدر اللقحة، ثم تمطر" وقال الأزهري: جعل الريح لافحا لأنها تقل السحاب وتصرفه، ثم تمر به فتستدره، والعرب تقول للريح الجنوب: لافح وحامل، وللشمال: حائل وعقيم. قوله: "إعصار: ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود فيه نار" يريد تفسير قوله تعالى: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ} وهو تفسير أبي عبيدة بلفظه، وروى الطبري عن السدي قال: الإعصار الريح، والنار السموم. وعن الضحاك قال: الإعصار ريح فيها برد شديد والأول أظهر لقوله تعالى: {فِيهِ نَارٌ}. قوله: "صر برد" يريد تفسير قوله تعالى: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} قال أبو عبيدة: الصر شدة البرد. وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق معمر قال كان الحسن يقول: "فأصابها إعصار" يقول صر برد. كذا قال. قوله: "نشرا: متفرقة" هو مقتضي كلام أبي عبيدة فإنه قال: قوله: "نشرا" أي من كل مهب وجانب وناحية. ثم ذكر المصنف في الباب حديثين: قوله: "عن الحكم" هو ابن عتيبة بالمثناة والموحدة مصغر. قوله: "نصرت بالصبا" بفتح المهملة وتخفيف الموحدة مقصور هي الريح الشرقية، والدبور بفتح أوله وتخفيف الموحدة المضمومة مقابلها، يشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى في قصة الأحزاب: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا } وروى الشافعي بإسناد فيه انقطاع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نصرت بالصبا، وكانت عذابا على من كان قبلنا" وقيل: إن الصبا هي التي حملت ريح قميص يوسف إلى يعقوب قبل أن يصل إليه، قال ابن بطال: في هذا الحديث تفضيل بعض المخلوقات على بعض، وفيه إخبار المرء عن نفسه بما فضله الله به على سبيل التحدث بالنعمة لا على الفخر، وفيه الإخبار عن الأمم الماضية وإهلاكها. حديث عائشة وقد تقدم شرحه في كتاب الاستسقاء، وقوله فيه "مخيلة" بفتح الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة هي السحابة التي يخال فيها المطر. قوله: "فإذا أمطرت السماء سري عنه" فيه رد على من زعم أنه لا يقال أمطرت إلا في العذاب، وأما الرحمة فيقال مطرت، وقوله: "سرى عنه" بضم المهملة وتشديد الراء بلفظ المجهول أي كشف عنه. وفي الحديث تذكر ما يذهل المرء عنه مما وقع للأمم الخالية، والتحذير من السير في سبيلهم خشية من وقوع مثل ما أصابهم. وفيه شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم كما وصفه الله تعالى. قال ابن العربي: فإن قيل كيف يخشى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب القوم وهو فيهم مع قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} والجواب أن الآية نزلت بعد هذه القصة، ويتعين الحمل على ذلك لأن الآية دلت على كرامة له صلى الله عليه وسلم ورفعه فلا يتخيل انحطاط درجته أصلا. قلت: ويعكر عليه أن آية الأنفال كانت في المشركين من أهل بدر، وفي حديث عائشة إشعار بأنه كان يواظب على ذلك من صنيعه، كان إذا رأى فعل كذا. والأولى في الجواب أن يقال إن في آية الأنفال احتمال التخصيص بالمذكورين أو بوقت دون وقت أو مقام الخوف يقتضي غلبة عدم الأمن من مكر الله، وأولى من الجميع أن يقال خشى على من ليس هو فيهم أن يقع بهم العذاب،

(6/301)


أما المؤمن فشفقته عليه لإيمانه، وأما الكافر فلرجاء إسلامه، وهو بعث رحمة للعالمين.

(6/302)


6 - باب ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ
وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَم عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}: الْمَلاَئِكَةُ.
3207- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ ح و قَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهِشَامٌ قَالاَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَذَكَرَ يَعْنِي رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَشُقَّ مِنْ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ الْبُرَاقُ فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ ابْنٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى فَقَالاَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قِيلَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ قَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قِيلَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ قِيلَ مَنْ هَذَا قِيلَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى فَقِيلَ مَا أَبْكَاكَ قَالَ يَا رَبِّ هَذَا الْغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قِيلَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ

(6/302)


فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ ابْنٍ وَنَبِيٍّ فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرَ وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى فَقَالَ مَا صَنَعْتَ قُلْتُ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ وَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلاَثِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَجَعَلَهَا خَمْسًا فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ مَا صَنَعْتَ قُلْتُ جَعَلَهَا خَمْسًا فَقَالَ مِثْلَهُ قُلْتُ سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ فَنُودِيَ إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْرًا".
وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ".
[الحديث 3207 – أطرافه في: 3393، 3430، 3887]
3208- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
[الحديث 3208 – أطرافه في: 3332، 6594، 7454]
3209- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ".
[الحديث 3209 – طرفاه في: 6040، 7485]

(6/303)


3210- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ".
[الحديث 3210 – أطرافه في: 3288، 5762، 6213، 7561]
3211- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلاَئِكَةُ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ".
3212- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ: نَعَمْ".
3213- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِحَسَّانَ اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ".
[الحديث 3213 – أطرافه في: 4123، 4124، 6153]
3214- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ح حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ سَاطِعٍ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ زَادَ مُوسَى مَوْكِبَ جِبْرِيلَ".
3215- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ قَالَ كُلُّ ذَاكَ يَأْتِينِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ وَيَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ".
3216- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ أَيْ فُلُ هَلُمَّ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:

(6/304)


ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".
3217- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ فَقَالَتْ وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لاَ أَرَى تُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 3217 – أطرافه في: 3768، 6153، 6201، 6249]
3218- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ ح حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِجِبْرِيلَ أَلاَ تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا قَالَ فَنَزَلَتْ [64 مريم]: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} الْآيَةَ.
[الحديث 3218 – طرفاه في: 4731، 7455]
3219- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ".
[الحديث 3219 – طرفه في: 4991]
3220- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَفَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ".
3221- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ فَصَلَّى أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ قَالَ سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ".
3222- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ

(6/305)


وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قَالَ لِي جِبْرِيلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ".
3223- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْمَلاَئِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ".
قوله: "باب ذكر الملائكة" جمع ملك بفتح اللام، فقيل مخفف من مالك وقيل مشتق من الألوكة وهي الرسالة وهذا قول سيبويه والجمهور، وأصله لاك، وقيل أصله الملك بفتح ثم سكون وهو الأخذ بقوة وحينئذ لا مدخل للميم فيه، وأصل وزنه مفعل فتركت الهمزة لكثرة الاستعمال وظهرت في الجمع وزيدت الهاء إما للمبالغة وإما لتأنيث الجمع، وجمع على القلب وإلا لقيل مالكه، وعن أبي عبيدة الميم في الملك أصلية وزنه فعل كأسد هو من الملك بالفتح وسكون اللام وهو الأخذ بقوة، وعلى هذا فوزن ملائكة فعائلة ويؤيده أنهم جوزوا في جمعه أملاك، وأفعال لا يكون جمعا لما في أوله ميم زائدة، قال جمهور أهل الكلام من المسلمين: الملائكة أجسام لطيفة أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة ومسكنها السموات، وأبطل من قال إنها الكواكب أو أنها الأنفس الخيرة التي فارفت أجسادها وغير ذلك من الأقوال التي لا يوجد في الأدلة السمعية شيء منها. وقد جاء في صفة الملائكة وكثرتهم أحاديث: منها ما أخرجه مسلم عن عائشة مرفوعا: "خلقت الملائكة من نور" الحديث، ومنها ما أخرجه الترمذي وابن ماجة والبزار من حديث أبي ذر مرفوعا: "أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد" الحديث، ومنها ما أخرجه الطبراني من حديث جابر مرفوعا: "ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد" وللطبراني نحوه من حديث عائشة. وذكر في "ربيع الأبرار" عن سعيد بن المسيب قال الملائكة ليسوا ذكورا ولا إناثا ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتوالدون. قلت: وفي قصه الملائكة مع إبراهيم وسارة ما يؤيد أنهم لا يأكلون، وأما ما وقع في قصة الأكل من الشجرة أنها شجرة الخلد التي تأكل منها الملائكة فليس بثابت، وفي هذا وما ورد من القرآن رد على من أنكر وجود الملائكة من الملاحدة. وقدم المصنف ذكر الملائكة على الأنبياء لا لكونهم أفضل عنده بل لتقدمهم في الخلق ولسبق ذكرهم في القرآن في عدة آيات كقوله تعالى:{ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} ، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}، {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} وقد وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم في صفة الحج "ابدؤا بما بدأ الله به" ورواه النسائي بصيغة الأمر "ابدأ بما بدأ الله به" ، ولأنهم وسائط بين الله وبين الرسل في تبليغ الوحي والشرائع فناسب أن يقدم الكلام فيهم على الأنبياء، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أفضل من الأنبياء، وقد ذكرت مسألة تفضيل الملائكة في كتاب التوحيد عند شرح حديث ذكرته في ملأ خبر منهم، والله أعلم. ومن أدلة كثرتهم ما يأتي في حديث الإسراء "أن البيت

(6/306)


المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون" قوله: "وقال أنس قال عبد الله بن سلام الخ" هو طرف من حديث وصله المصنف في كتاب الهجرة؛ وسيأتي بأتم من هذا السياق هناك مع شرحه. قوله: "وقال ابن عباس {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} الملائكة" وصله عبد الرزاق من طريق سماك عن عكرمة عنه وللطبراني عن عائشة مرفوعا: "ما في السماء موضع قدم إلا وعليه ملك قائم أو ساجد، فذلك قوله تعالى: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث تزيد على ثلاثين حديثا، وهو من نوادر ما وقع في هذا الكتاب، أعني كثرة ما فيه من الأحاديث، فإن عادة المصنف غالبا يفصل الأحاديث بالتراجم ولم يصنع ذلك هنا. وقد اشتملت أحاديث الباب على ذكر بعض من اشتهر من الملائكة كجبريل، ووقع ذكره في أكثر أحاديثه، وميكائيل وهو في حديث سمرة وحده، والملك الموكل بتصوير ابن آدم، ومالك خازن النار، ملك الجبال، والملائكة الذين في كل سماء، والملائكة الذين ينزلون في السحاب، والملائكة الذين يدخلون البيت المعمور، والملائكة الذين يكتبون الناس يوم الجمعة، وخزنة الجنة، والملائكة الذين يتعاقبون. ووقع ذكر الملائكة على العموم في كونهم لا يدخلون بيتا فيه تصاوير، وأنهم يؤمنون على قراءة المصلي ويقولون: ربنا ولك الحمد؛ ويدعون لمنتظر الصلاة، ويلعنون من هجرت فراش زوجها، وما بعد الأول محتمل أن يكون المراد خاصا منهم، فأما جبريل فقد وصفه الله تعالى بأنه روح القدس وبأنه الروح الأمين وبأنه رسول كريم ذو قوة مكين مطاع أمين، وسيأتي في التفسير أن معناه عبد الله، وهو وإن كان سريانيا لكنه وقع فيه موافقة من حيث المعنى للغة العرب لأن الجبر هو إصلاح ما وهي، وجبريل موكل بالوحي الذي يحصل به الإصلاح العام، وقد قيل أنه عربي وأنه مشتق من جبروت الله، واستبعد للاتفاق على منع صرفه وفي اللفظة ثلاث عشرة لغة أولها جبريل بكسر الجيم وسكون الموحدة وكسر الراء وسكون التحتانية بغير همز ثم لام خفيفة وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر ونافع ورواية عن عاصم، ثانيها بفتح الجيم قرأها ابن كثير، ثالثها مثله لكن بفتح الراء ثم همزة قرأها حمزة والكسائي، رابعها مثله بحذف ما بين الهمزة واللام قرأها يحيى بن يعمر ورويت عن عاصم. خامسها بتشديد اللام ورويت عن عاصم. سادسها بزيادة ألف بعد الراء ثم همزة ثم ياء ثم لام خفيفة قرأها عكرمة. سابعها مثلها بغير همز قرأها الأعمش. ثامنها مثل السادسة إلا أنها بياء قبل الهمز. تاسعها جبرال بفتح ثم سكون وألف بعد الراء ولام خفيفة. عاشرها مثله لكن بياء بعد الألف قرأها طلحة بن مصرف. حادي عشرها جرين مثل كثير لكن بنون. ثاني عشرها مثله لكن بكسر الجيم. ثالث عشرها مثل حمزة لكن بنون بدل اللام لخصته من "إعراب السين" وروى الطبري عن أبي العالية قال: جبريل من الكروبيين وهم سادة الملائكة وروى الطبراني من حديث ابن عباس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لجبريل على أي شيء أنت؟ قال على الريح والجنود، قال وعلى أي شيء ميكائيل؟ قال على النبات والقطر، قال: وعلى أي شيء ملك الموت؟ قال على قبض الأرواح" الحديث وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ضعف لسوء حفظه ولم يترك. وروى الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا وزيد أي من أهل السماء جبريل وميكائيل الحديث. وفي الحديث الذي أخرجه الطبراني في كيفية خلق آدم ما يدل على أن خلق جبريل كان قبل خلق آدم، وهو مقتضي عموم قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} وفي التفسير أيضا أنه يموت قبل موت ملك الموت بعد فناء العالم، والله أعلم. وأما ميكائيل فروى الطبراني عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل ما لي لم أر ميكائيل ضاحكا؟ قال ما ضحك منذ خلقت النار". وأما

(6/307)


ملك التصوير فلم أقف على اسمه. وأما مالك خازن النار فيأتي ذكره في تفسير سورة الزخرف إن شاء الله تعالى، وأما ملك الجبال فلم أقف على اسمه أيضا، ومن مشاهير الملائكة إسرافيل ولم يقع له ذكر في أحاديث الباب، وقد روى النقاش أنه أول من سجد من الملائكة فجوزي بولاية اللوح المحفوظ، وروى الطبراني من حديث ابن عباس أنه الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا، فأشار إليه جبريل أن تواضع، فاختار أن يكون نبيا عبدا، وروى أحمد والترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحتى جبهته وانتظر أن يؤذن له" الحديث، وقد اشتمل "كتاب العظمة، لأبي الشيخ" من ذكر الملائكة على أحاديث وآثار كثيرة فليطلبها منه من أراد الوقوف على ذلك، وفيه عن علي أنه ذكر الملائكة فقال: "منهم الأمناء على وحيه، والحفظة لعباده، والسدنة لجنانه، والثابتة في الأرض السفلى أقدامهم، المارقة من السماء العليا أعناقهم، الخارجة عن الأقطار أكنافهم، الماسة لقوائم العرش أكتافهم". حديث الإسراء أورده بطوله من طريق قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة، وسأذكر شرحه في السيرة النبوية قبيل أبواب الهجرة إن شاء الله تعالى، والغرض منه هنا ما يتعلق بالملائكة، وقد ساقه هنا على لفظ خليفة، وهناك على لفظ هدبة بن خالد، وسأبين ما بينهما من التفاوت إن شاء الله تعالى. وقوله: "بطست من ذهب ملآن" كذا للأكثر، وللكشميهني: "ملأي" والتذكير باعتبار الإناء والتأنيث باعتبار الطست لأنها مؤنثة، ووجدت بخط الدمياطي "مليء" بضم الميم على لفظ الفعل الماضي، فعلى هذا لا تغاير بينه وبين قوله: "ملآن" وقوله: "مراق البطن" بفتح الميم وتخفيف الراء وتشديد القاف هو ما سفل من البطن ورق من جلده، وأصله مراقق، وسميت بذلك لأنها موضع رقة الجلد. وقوله: "بدابة أبيض" ذكره باعتبار كونه مركوبا، وقوله في آخره: "وقال همام عن قتادة إلخ" يريد أن هماما فصل في سياقه قصة البيت المعمور من قصة الإسراء، فروى أصل الحديث عن قتادة عن أنس، وقصة البيت عن قتادة عن الحسن، وأما سعيد وهو ابن أبي عروبة وهشام وهو الدستوائي فأدرجا قصة البيت المعمور في حديث أنس، والصواب رواية همام وهي موصولة هنا عن هدبة عنه، ووهم من زعم أنها معلقة، فقد روى الحسن بن سفيان في مسنده الحديث بطوله عن هدبة فاقتص الحديث إلى قوله: "فرفع لي البيت المعمور" قال قتادة "فحدثنا الحسن عن أبي هريرة أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون فيه" وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وأبي يعلى والبغوي وغير واحد كلهم عن هدبة به مفصلا، وعرف بذلك مراد البخاري بقوله: "في البيت المعمور" وأخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البيت المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة لو خر لخر عليها، يدخله سبعون ألف ملك كل يوم إذا خرجوا منه لم يعودوا" وهذا وما قبله يشعر بأن قتادة كان تارة يدرج قصة البيت المعمور في حديث أنس وتارة يفصلها، وحين يفصلها تارة يذكر سندها وتارة يبهمه، وقد روى إسحاق في مسنده والطبري وغير واحد من طريق خالد بن عرعرة عن علي "أنه سئل عن السقف المرفوع قال: السماء، وعن البيت المعمور قال: بيت في السماء بحيال البيت حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه" وفي رواية للطبري أن السائل عن ذلك هو عبد الله بن الكوا ولابن مردويه عن ابن عباس نحوه وزاد: "وهو على مثل البيت الحرام لو سقط لسقط عليه" من حديث عائشة، ونحوه بإسناد صالح، ومن حديث عبد الله بن عمرو نحوه بإسناد ضعيف

(6/308)


وهو عند الفاكهي في "كتاب مكة" بإسناد صحيح عنه لكن موقوفا عليه، وروى ابن مردويه أيضا وابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعا نحو حديث علي وزاد: "وفي السماء نهر يقال له نهر الحيوان يدخله جبريل كل يوم فيغمس ثم يخرج فينتفض فيخر عنه سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكا، فهم الذين يصلون فيه ثم لا يعودون إليه" وإسناده ضعيف، وقد روى ابن المنذر نحوه بدون ذكر النهر من طريق صحيحة عن أبي هريرة لكن موقوفا، وجاء عن الحسن ومحمد بن عباد بن جعفر أن البيت المعمور هو الكعبة، والأول أكثر وأشهر، وأكثر الروايات أنه في السماء السابعة. وجاء من وجه آخر عن أنس مرفوعا أنه في السماء الرابعة. وبه جزم شيخنا في القاموس، وقيل هو في السماء السادسة، وقيل هو تحت العرش، وقيل إنه بناء آدم لما أهبط إلى الأرض ثم رفع زمن الطوفان، وكأن هذا شبهه من قال إنه الكعبة، ويسمى البيت المعمور الضراح والضريح. حديث ابن مسعود "حدثنا الصادق المصدوق" وسيأتي شرحه في كتاب القدر؛ والغرض منه قوله فيه: "ثم يبعث الله ملكا ويؤمر بأربع كلمات" فإن فيه أن الملك موكل بما ذكر عند تصوير الآدمي، وسيأتي ما وقع فيه من الاختلاف هناك، والمراد بقوله: "الصادق" أي في قوله و"المصدوق" أي فيما وعده به ربه. حديث أبي هريرة أورده من طريقين موصولة ومعلقة وساقه على لفظ المعلقة؛ وهي متابعة أبي عاصم، وقد وصلها في الأدب عن عمرو بن علي عن أبي عاصم، وساقه على لفظه هنا، وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه قد يعلق عن بعض مشايخه ما هو عنده عنه بواسطة، لأن أبا عاصم من شيوخه. قوله: "إذا أحب الله العبد الخ" زاد روح بن عبادة عن ابن جريج في آخره عند الإسماعيلي: "وإذا أبغض فمثل ذلك" وقد أخرجه أحمد عن روح بدون الزيادة، وسيأتي تمام شرحه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثنا محمد حدثنا ابن أبي مريم" قال الجياني: محمد هذا هو الذهلي، كذا قال، وقد قال أبو ذر بعد أن ساقه: محمد هذا هو البخاري، وهذا هو الأرجح عندي، فإن الإسماعيلي وأبا نعيم لم يجدا الحديث من غير رواية البخاري فأخرجاه عنه، ولو كان عند غير البخاري لما ضاق عليهما مخرجه، ونصف هذا الإسناد الأعلى مدنيون ونصفه الأدنى مصريون، ولليث في هذا الحديث شيخ آخر سيأتي في صفة إبليس قريبا، ويأتي شرحه مستوفى في الطب، وقوله: "العنان" هو السحاب وزنا ومعنى وواحده عنانة كسحابة كذلك، وقوله وهو السحاب من تفسير بعض الرواة أدرجه في الخبر. حديث أبي هريرة، وقد تقدم شرحه في الجمعة. وقوله فيه: "عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن، وقوله: "والأغر" كذا للأكثر بالمعجمة والراء الثقيلة، ووقع في رواية الكشميهني والأعرج بالعين المهملة الساكنة وآخره جيم، والأول أرجح فإنه مشهور من رواية الأغر، نعم أخرجه النسائي من وجهين آخرين عن الزهري عن الأعرج وحده. ورواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب وأبي عبد الله الأغر ثلاثتهم عن أبي هريرة، أفاده الجياني عن ابن السكن قال: وبان بذلك أن الحديث حديث الأغر لا الأعرج. قلت: بل ورد من رواية الأعرج أيضا أخرجه النسائي من طريق عقيل، ومن طريق عمرو بن الحارث كلاهما عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة، فظهر أن الزهري حمله عن جماعة، وكان تارة يفرده عن بعضهم وتارة يذكره عن اثنين منهم وتارة عن ثلاثة، والله أعلم. وقد تقدم في الجمعة من رواية ابن أبي ذئب. وأخرجه مسلم من رواية يونس عن الزهري عن الأغر وحده، وأخرجه النسائي أيضا من

(6/309)


رواية شعيب ابن أبي حمزة عن الزهري عن أبي سلمة والأغر جمع بينهما كإبراهيم بن سعد، وأخرجه مسلم والنسائي من طريق سفيان عن الزهري عن سعيد وحده، ورواه مالك عن الزهري عن ابن سلمة وحده. حديث أبي هريرة في الدعاء لحسان، والغرض منه ذكر روح القدس، وقد تقدم شرحه في المساجد من كتاب الصلاة وبينت أنه من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أو عن حسان وأنه لم يحضر مراجعته لحسان. وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الجبار بن العلاء عن سفيان قال: ما حفظت عن الزهري إلا عن سعيد عن أبي هريرة، فعلى هذا فكأن أبا هريرة حدث سعيدا بالقصة بعد وقوعها بمدة، ولهذا قال الإسماعيلي: سياق البخاري صورته صورة الإرسال، وهو كما قال، وقد ظهر الجواب عنه بهذه الرواية. حديث البراء بن عازب في ذكر حسان أيضا والغرض منه الإشارة إلى أن المراد بروح القدس في الحديث الذي قبله جبريل، وسيأتي شرحه في كتاب الأدب، وقوله: "قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان" يقتضي أنه من مسند البراء بن عازب، ولكن أخرجه الترمذي من رواية يزيد بن زريع بن سعيد فجعله من رواية البراء عن حسان. حديث أنس "كأني أنظر إلى غبار ساطع في سكة بني غنم" السكة بكسر المهملة والتشديد الزقاق، وبنو غنم بفتح المعجمة وسكون النون بطن من الخزرج. وهم بنو غنم بن مالك النجار. منهم أبو أيوب الأنصاري وآخرون. ووهم من زعم أن المراد بهم هنا بنو غنم حي من بني تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة فإن أولئك لم يكونوا بالمدينة يومئذ. قوله: "زاد موسى موكب جبريل" موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي. ومراده أنه روى هذا الحديث عن جرير بن حازم بالإسناد المذكور فزاد في المتن هذه الزيادة. وطريق موسى هذه موصولة في المغازي عنه وهو مما يدل على أنه قد يعلق عن بعض مشايخه ما سمعه منه فلم يطرد له في ذلك عمل مستمر فإن كلا من أبي عاصم وموسى من مشايخه، وقد علق عن أبي عاصم ما أخذه عنه بواسطة، وعلق عن موسى ما أخذه عنه بغير واسطة، ففيه رد على من قال: كل ما يعلقه عن مشايخه محمول على أنه سمعه منهم، وفيه رد على من قال: إن الذي يذكر عن مشايخه من ذلك يكون مما حمله عنهم بالمناولة لأنه صرح في المغازي بتحديث موسى له بهذا الحديث، فلو كان مناولة لم يصرح بالتحديث. وقوله: "موكب جبريل" يجوز فيه الحركات الثلاث كنظائره، ورجح ابن التين الخفض. وإسحاق المذكور في الرواية الأولى هو ابن راهويه كما بينه ابن السكن وجزم به الكلاباذي، وسيأتي بقية شرح المتن في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى. حديث عائشة "أن الحارث بن هشام سأل عن كيفية مجيء الوحي" وقد تقدم شرحه في أول الكتاب، وقدمت أن عامر بن صالح الزبيري رواه عن هشام فجعله من رواية عائشة عن الحارث بن هشام، وإني وجدت له متابعا على ذلك عند ابن منده، وهو يتضمن الرد على الحاكم حيث زعم أن عامر بن صالح تفرد بالزيادة المذكورة، والمتابع المذكور أخرجه ابن منده من طريق عبد الله بن الحارث عن هشام عن عائشة عن الحارث بن هشام قال: "سألت". حديث أبي هريرة "من أنفق زوجين" وقد تقدم الكلام عليه في أول الجهاد والغرض منه ذكر خزنة الجنة وقوله في الإسناد "حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة" قال الإسماعيلي في الجهاد: أدخل الأوزاعي بين يحيى وأبي سلمة في هذا الحديث محمد بن إبراهيم التيمي. قلت: روايته عنه عند النسائي، ويحيى معروف بالرواية عن أبي سلمه فلعل محمدا أثبته في هذا الحديث. حديث عائشة في سلام جبريل، وسيأتي الكلام عليه في المناقب، وإسماعيل شيخ البخاري فيه هو

(6/310)


ابن أبي أويس 1 وسليمان هو ابن بلال، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وقد خالفه معمر عن الزهري في إسناده فقال عن عروة عن عائشة أخرجه النسائي وقال: هذا خطأ والصواب رواية يونس. حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} وسيأتي شرحه في تفسير سورة مريم، وسياقه هنا على لفظ وكيع، ويحيى الراوي عنه هو ابن موسى، ويقال ابن جعفر وعمر بن ذر بضم العين اتفاقا، وغلط من قال فيه عمرو. حديث ابن عباس في الأحرف السبعة، وسيأتي شرحه في فضائل القرآن. حديث ابن عباس في مدارسة جبريل في رمضان، وقد تقدم شرحه في كتاب الصيام، وقوله: "وعن عبد الله أخبرنا معمر بهذا الإسناد" هو موصول عن محمد بن مقاتل وكأن ابن المبارك كان يفصل الرواية فيه عن شيخيه، وقد تقدم نظير ذلك في بدء الوحي. وقوله: "وروى أبو هريرة وفاطمة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضه القرآن" أما حديث أبي هريرة فوصله في فضائل القرآن ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى، وأما حديث فاطمة فوصله في علامات النبوة ويأتي شرحه هناك أيضا إن شاء الله تعالى. حديث أبي مسعود في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم مشروحا في أوائل الصلاة، وقوله: "فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم" بفتح الهمزة من أمام، وحكى ابن مالك أنه روى بالكسر واستشكله، لأن "إمام" معرفة والموضع موضع الحال فوجب جعله نكرة بالتأويل. حديث أبي ذر وقد تقدم مضموما إلى حديث آخر في كتاب الاستقراض، ويأتي مطولا في الاستئذان ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى. وقوله هنا "قال وإن زنى" لم يعين القائل، وبين في تلك الرواية أنه أبو ذر الراوي، وقوله في آخره: "قال وإن" فيه دلالة على جواز حذف فعل الشرط والاكتفاء بحرفه، قاله ابن مالك، وفيه نظر لأنه يتبين بالرواية الأخرى أن هذا من تصرف بعض الرواة. الحديث التاسع عشر: حديث أبي هريرة: "الملائكة يتعاقبون" تقدم مشروحا في أوائل الصلاة.
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق : هذا ليس سند الحديث الحادي عشر في نسخ المتن التي بأيدينا بل سند الحديث الثالث عشر ، و منتهاه إلى ابن عباس لا إلى عائشة ، فإما كلامه سبق قلم و إما نسخته التي شرح عليها غير نسختنا التي بأيدينا

(6/311)


باب إذا قال أحدكم "آمين" و الملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه
...
7 - بَاب إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ "آمِينَ" وَالْمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
3224- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ كَأَنَّهَا نُمْرُقَةٌ فَجَاءَ فَقَامَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ فَقُلْتُ مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ الْوِسَادَةِ قَالَتْ وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا قَالَ أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ".

(6/311)


3225- حدثنا ابن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أنه سمع بن عباس رضي الله عنهما يقول سمعت أبا طلحة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل".
[الحديث 3225 – أطرافه في: 3226، 3322، 4002، 5949، 5958]
3226- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ وَمَعَ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عُبَيْدُ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيُّ الَّذِي كَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمَا زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ قَالَ بُسْرٌ فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ فَعُدْنَاهُ فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَقُلْتُ لعبيد الله الْخَوْلاَنِيِّ أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِيرِ فَقَالَ إِنَّهُ قَالَ إِلاَّ رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ أَلاَ سَمِعْتَهُ قُلْتُ لاَ قَالَ بَلَى قَدْ ذَكَرَهُ".
3227- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلاَ كَلْبٌ".
[الحديث 3227 – طرفه في: 5960]
3228- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِذَا قَالَ الإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
3229- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتْ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ وَالْمَلاَئِكَةُ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلاَتِهِ أَوْ يُحْدِثْ".
3230- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ}. قَالَ سُفْيَانُ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَادَوْا يَا مَالِ".
[الحديث 3230 – طرفاه في: 3266، 4819]
3231- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ

(6/312)


كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الأَخْشَبَيْنِ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا".
[الحديث 3231 – طرفه في: 7389]
3232- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ".
[الحديث 3232 – طرفاه في: 4856، 4857]
3233- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قَالَ: "رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ".
[الحديث 3233 – طرفه في: 4858]
3234- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ وَلَكِنْ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَخَلْقُهُ سَادٌّ مَا بَيْنَ الأُفُقِ".
[الحديث 3234 – أطرافه في: 3235، 4612، 4855، 7380، 7531]
3235- حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ ابْنِ الأَشْوَعِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: "قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَيْنَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قَالَتْ ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فَسَدَّ الأُفُقَ".
3236- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالاَ الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ".

(6/313)


3237- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ". تَابَعَهُ شُعْبَةُ وَأَبُو حَمْزَةَ وَابْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ.
[الحديث 3237 – طرفاه في: 5193، 5194]
3238- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ فَتْرَةً فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجُئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} إلى قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرِّجْزُ: الأَوْثَانُ".
3239- حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن قتادة وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي العالية حدثنا بن عم نبيكم يعني بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ورأيت مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه". قال أنس وأبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " تحرس الملائكة المدينة من الدجال".
[الحديث 3239 – طرفه في: 3396]
الحديث العشرون: حديث أبي هريرة "إذا قال أحدكم آمين" الحديث وهو بإسناد الذي قبله عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عنه، ووقع في كثير من النسخ هنا "باب إذا قال أحدكم" إلى آخر الحديث فصار ترجمة بغير حديث وصارت الأحاديث التي تتلوه لا تعلق لها به فأشكل أمره جدا، وسقط لفظ: "باب" من رواية أبي ذر فخف الإشكال لكن لو قال وبهذا الإسناد أو وبه قال أو نحو ذلك لزال الإشكال، وقد صنع ذلك الإسماعيلي فإنه ساق حديث: "يتعاقبون" فلما فرغ قال: "وبهذا الإسناد إذا قال أحدكم" فسامه من طريقين عن أبي الزناد كذلك، وظهر بهذا أن هذا الحديث وما بعده من الأحاديث بقية ترجمة ذكر الملائكة والله أعلم. حديث عائشة "حشوت وسادة" تقدم في البيوع ويأتي شرحه في اللباس، ومحمد شيخ البخاري فيه هو ابن سلام، وقد تقدم قبل أبواب حديث آخر قال فيه: "حدثنا ابن سلام حدثنا مخلد بن يزيد". حديث أبي طلحة، وشيخ البخاري فيه هو أحمد بن صالح كما جزم به أبو نعيم، قال الدار قطني: لم يذكر الأوزاعي ابن عباس في إسناده، يعني حيث رواه عن الزهري عن عبيد الله، قال: والقول قول من أثبته، قال:

(6/314)


ورواه سالم أبو النضر عن عبيد الله نحو رواية الأوزاعي. قلت: هو عند الترمذي والنسائي من طريق أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله قال: "دخلت على أبي طلحة" نحوه. وأخرج النسائي رواية الأوزاعي فأثبت ابن عباس تارة وأسقطه تارة ورجح رواية من أثبته، وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثني عمرو" كذا للأكثر، وظن بعضهم أنه ابن الحارث، وهو خطأ لأنه لم يدرك سالما والصواب عمر بضم العين بغير واو، وهو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وثبت كذلك في رواية الكشميهني، وكذا وقع في اللباس عن يحيى بن سليمان بهذا الإسناد، وقوله: "وعد النبي صلى الله عليه وسلم جبريل فقال إنا لا ندخل " كذا أورده هنا مختصرا وساقه في اللباس بتمامه، وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى. حديث أبي هريرة "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده" تقدم مشروحا في صفة الصلاة. حديث أبي هريرة "أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه" وقد تقدم مشروحا أيضا في صفة الصلاة، وابن فليح هو محمد، ووقع في بعض النسخ ابن أفلح وهو تصحيف. قوله: "حدثنا سفيان" هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح، وصفوان ابن يعلى أي ابن أمية، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وهم مكيون. قوله: "يقرأ عل المنبر ونادوا يا مال " في رواية الكشميهني: "ونادوا يا مالك" وسيأتي الكلام عليه في التفسير. قوله: "قال سفيان" هو ابن عيينة "في قراءة عبد الله" أي ابن مسعود "ونادوا يا مال" يعني بغير كاف. حديث عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "هل أتى عليكم يوم أشد من يوم أحد" الحديث. قوله: "ابن عبد ياليل" بتحتانية وبعد الألف لام مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم لام "ابن عبد كلال" بضم الكاف وتخفيف اللام وآخره لام واسمه كنانة، والذي في المغازي أن الذي كلمه هو عبد ياليل نفسه، وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه وأنه عبد ياليل بن عمرو بن عمير بن عوف، ويقال اسم ابن عبد ياليل مسعود وله أخ أعمى له ذكر في السيرة في قذف النجوم عند المبعث النبوي، وكان ابن عبد ياليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف، وقد روى عبد بن حميد في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} قال نزلت في عتبة بن ربيعة وابن عبد ياليل الثقفي، ومن طريق قتادة قال: هما الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود، ورواه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد وقال فيه: يعني كنانة وروى الطبري من طريق السدي قال: هما الوليد بن المغيرة وكنانة بن عبد بن عمرو بن عمير عظيم أهل الطائف. وقد ذكر موسى بن عقبة وابن إسحاق أن كنانة بن عبد ياليل وفد مع وفد الطائف سنة عشر فأسلموا، وذكره ابن عبد البر في الصحابة لذلك، لكن ذكر المديني أن الوفد أسلموا إلا كنانة فخرج إلى الروم ومات بها بعد ذلك والله أعلم. وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب توجه إلى الطائف رجاء أن يؤووه، فعمد إلى ثلاثة نفر من ثقيف وهم سادتهم وهم إخوة عبد ياليل وحبيب ومسعود بنو عمرو فعرض عليهم نفسه وشكى إليهم ما انتهك منه قومه فردوا عليه أقبح رد، وكذا ذكره ابن إسحاق بغير إسناد مطولا، وذكر ابن سعد أن ذلك كان في شوال سنة عشر من المبعث وأنه كان بعد موت أبي طالب وخديجة. قوله: "على وجهي" أي على الجهة المواجهة لي. قوله: "بقرن الثعالب" هو ميقات أهل نجد ويقال له قرن المنازل أيضا، وهو على يوم وليلة من مكة، وقرن كل جبل صغير منقطع من جبل كبير، وحكى

(6/315)


عياض أن بعض الرواة ذكره بفتح الراء قال: هو غلط، وحكى القابسي أن من سكن الراء أراد الجبل ومن حركها أراد الطريق التي بقرب منه، وأفاد ابن سعد أن مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بالطائف كانت عشرة أيام. قوله: "ملك الجبال" أي الموكل بها. قوله: "فسلم علي ثم قال يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت إن شئت" كذا لأبي ذر عن شيخيه، وله عن الكشميهني مثله إلا أنه قال: "فما شئت". وقد رواه الطبراني عن مقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري فقال: "يا محمد إن الله بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت" قوله: "ذلك" مبتدأ وخبره محذوف تقديره كما علمت أو كما قال جبريل، وقوله: "ما شئت" استفهام وجزاؤه مقدر(1) أي إن شئت فعلت. قوله: "الأخشبين" بالمعجمتين ما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله وكأنه قعيقعان، ومال الصغاني بل هو الجبل الأحمر الذي يشرف على قعيقعان، ووهم من قال هو ثور كالكرماني، وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما، والمراد بأطباقهما أن يلتقيا على من بمكة، ويحتمل أن يريد أنهما يصيران طبقا واحدا. قوله: "بل أرجو" كذا لأكثرهم، وللكشميهني: "أنا أرجو" وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره وحمله، وهو موافق لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. حديث ابن مسعود في قوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} وسيأتي الكلام عليه في تفسير سورة النجم. حديثه في قوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} وسيأتي الكلام عليه أيضا في تفسير سورة النجم، وقوله فيه: "رأى رفرفا أخضر" كذا للأكثر. وفي رواية الحموي والمستملي: "خضرا" وهو بفتح أوله وكسر ثانيه مصروفا يقولون أخضر خضر كما قالوا: أعور عور، ولبعضهم بسكون ثانية بلفظ التأنيث، ويحتاج إلى ثبوت أن الرفرف يؤنث، وقد زعم بعضهم أنه جمع رفرفة فعلى هذا فيتجه. وقال الكرماني تبعا للخطابي: يحتمل أن يكون جبريل بسط أجنحته كما يبسط الثوب، وهذا لا يخفى بعده. حديث عائشة من رواية القاسم عنها قالت: "من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم" أي دخل في أمر عظيم، أو الخبر محذوف(2). والثاني: حديث عائشة من رواية مسروق قال: "قلت لعائشة: فأين قوله ثم دنى فتدلى" الحديث نحوه، ومحمد بن يوسف شيخه فيه هو البيكندي كما جزم به أبو علي الجياني، وابن أشوع بالمعجمة وزن أحمد واسمه سعيد بن عمرو بن أشوع نسبة لجده، وللأكثر ابن الأشوع، ووهم من قال هنا عن أبي الأشوع فإنها ليست كنيته، وسيأتي شرحه أيضا في تفسير سورة النجم. حديث سمرة "رأيت الليلة رجلين أتياني" ذكره مختصرا جدا، وقد مضى مطولا في أواخر الجنائز، والمقصود منه ذكر مالك خازن النار وجبريل وميكائيل. حديث أبي هريرة "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه" الحديث. قوله: "تابعه شعبة وأبو حمزة وابن داود وأبو معاوية عن الأعمش" أي عن أبي حازم عن أبي هريرة، فأما متابعة شعبة فوصلها المؤلف في النكاح وسيأتي شرح المتن هناك. وأما متابعة أبي حمزة فلم أجدها، وأما متابعة ابن داود وهو عبد الله الخريبي المعجمة والراء والموحدة مصغر فوصلها مسدد في مسنده
ـــــــ
(1) قال مصحح طبعة بولاق: لعل فيه سقطا، والأصل والله أعلم: "وقوله: ما شئت استفهام، وقوله: إن شئت شرط وجزاؤه مقدر".
(2) قال مصحح طبعة بولاق: لعل الأولى "أو المفعول محذوف" كما صرح به القسطلاني.

(6/316)


الكبير عنه، وأما متابعة أبي معاوية فوصلها مسلم والنسائي من طريقه. الحديث الثالث والثلاثون: حديث جابر في فترة الوحي. وقد تقدم مشروحا في بدء الوحي. الحديث الرابع والثلاثون: حديث ابن عباس في رؤية الأنبياء ومالك خازن النار وغير ذلك. وسيأتي شرحه في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى. قال الإسماعيلي: جمع البخاري بين روايتي شعبة وسعيد وساقه على لفظ سعيد وفي روايته زيادة ظاهرة على رواية شعبة قلت: سأبين ذلك هناك أن شاء الله تعالى الحديث الخامس والثلاثون والسادس والثلاثون: قوله: "قال أنس وأبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: تحرس الملائكة المدينة من الدجال" أما حديث أنس فوصله المؤلف في فضل المدينة أواخر الحج وتقدم الكلام عليه هناك. وكذا حديث أبي بكرة وقد وصله المؤلف أيضا في الفتن ويأتي الإلمام بما يتعلق به هناك إن شاء الله تعالى. وقوله: "آدم طوالا" هو بمد ألف آدم كلفظ جد البشر، والمراد هنا وصف موسى بالأدمة وهي لون بين البياض والسواد.

(6/317)


8 - باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {مُطَهَّرَةٌ}: مِنْ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْبُزَاقِ. {كُلَّمَا رُزِقُوا}: أُتُوا بِشَيْءٍ ثُمَّ أُتُوا بِآخَرَ. {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}: أُتِينَا مِنْ قَبْلُ. {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}: يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَخْتَلِفُ فِي الطُّعُومِ. {قُطُوفُهَا}: يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا. {دَانِيَةٌ}: قَرِيبَةٌ. {الأَرَائِكُ}: السُّرُرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: النَّضْرَةُ فِي الْوُجُوهِ، وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {سَلْسَبِيلًا}: حَدِيدَةُ الْجِرْيَةِ. {غَوْلٌ}: وَجَعُ الْبَطْنِ. {يُنْزَفُونَ}: لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {دِهَاقًا}: مُمْتَلِئًا. {كَوَاعِبَ}: نَوَاهِدَ. {الرَّحِيقُ}: الْخَمْرُ. {التَّسْنِيمُ}: يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. {خِتَامُهُ}: طِينُهُ {مِسْكٌ}. {نَضَّاخَتَانِ}: فَيَّاضَتَانِ. يُقَالُ {مَوْضُونَةٌ} : مَنْسُوجَةٌ، مِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ، وَالْكُوبُ: مَا لاَ أُذْنَ لَهُ وَلاَ عُرْوَةَ، وَالأَبَارِيقُ: ذَوَاتُ الْآذَانِ وَالْعُرَى. {عُرُبًا}: مُثَقَّلَةً وَاحِدُهَا عَرُوبٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةِ الْعَرِبَةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ الْغَنِجَةَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الشَّكِلَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رَوْحٌ}: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ {وَالرَّيْحَانُ}: الرِّزْقُ. {وَالْمَنْضُودُ}: الْمَوْزُ. {وَالْمَخْضُودُ}: الْمُوقَرُ حَمْلًا، وَيُقَالُ أَيْضًا: لاَ شَوْكَ لَهُ. {وَالْعُرُبُ}: الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. وَيُقَالُ {مَسْكُوبٌ}: جَارٍ. {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}: بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. {لَغْوًا}: بَاطِلًا. {تَأْثِيمًا}: كَذِبًا. {أَفْنَانٌ} أَغْصَانٌ. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}: مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ. {مُدْهَامَّتَانِ}: سَوْدَاوَانِ مِنْ الرِّيِّ.
3240- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ".

(6/317)


3241- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ".
[الحديث 3241 – أطرافه في: 5198، 6449، 6546]
3242- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ فَقَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ".
[الحديث 3242 – أطرافه في: 3680، 5227، 7023، 7025]
3243- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاَثُونَ مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لاَ يَرَاهُمْ الْآخَرُونَ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ "سِتُّونَ مِيلًا".
[الحديث 3243 – طرفه في: 4879]
3244- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.
[الحديث 3244 – أطرافه في: 4779، 4780، 7498]
3245- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا".
[الحديث 3245 – أطرافه في: 3246، 3254، 3327]
3246- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

(6/318)


أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنْ الْحُسْنِ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا لاَ يَسْقَمُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبْصُقُونَ آنِيَتُهُمْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَأَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمْ الأَلُوَّةُ قَالَ أَبُو الْيَمَانِ يَعْنِي الْعُودَ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ".
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الإِبْكَارُ أَوَّلُ الْفَجْرِ وَالْعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ – أُرَاهُ – تَغْرُبَ.
3247- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ".
[الحديث 3247 – طرفاه في: 6543، 6554]
3248- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةُ سُنْدُسٍ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ الْحَرِيرِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا".
3249- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا".
[الحديث 3249 – أطرافه في: 3802، 5836، 6640]
3250- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".
3251- حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا".
3252- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ

(6/319)


سَنَةٍ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}.
[الحديث 3252 – طرفه في: 4881]
3253- "وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ".
3254- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ لاَ تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَحَاسُدَ لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ".
3255- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ".
3256- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ".
[الحديث 3256 – طرفه في: 6556]
قوله: "باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة" أي موجودة الآن، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم من المعتزلة أنها لا توجد إلا يوم القيامة، وقد ذكر المصنف في الباب أحاديث كثيرة دالة على ما ترجم به: فمنها ما يتعلق بكونها موجودة الآن، ومنها ما يتعلق بصفتها. وأصرح مما ذكره في ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها" الحديث. قوله: "وقال أبو العالية "مطهرة" من الحيض والبول والبصاق كلما رزقوا منها(1) إلخ" وصله ابن أبي حاتم من طريقه مفرقا دون أوله. وأخرج من طريق مجاهد نحوه وزاد: "ومن المني والولد" ومن طريق قتادة لكن قال: "من الأذى والإثم" وروى هذا عن قتادة موصولا قال: عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا، ولا يصح إسناده. وأخرج الطبري نحو ذلك عن عطاء وأتم منه، وروى ابن أبي حاتم أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير قال: "يطوف الولدان على أهل الجنة بالفواكه فيأكلونها، ثم يؤتون بمثلها، فيقول أهل الجنة هذا الذي أتيتمونا به آنفا، فيقولون لهم كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف" وقيل: المراد بالقبلية هنا ما كان في الدنيا. وروى ابن أبي حاتم أيضا والطبري ذلك من طريق السدي بأسانيده قال: "أتوا بالثمرة في الجنة، فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا" ورجح
ـــــــ
(1) قال مصحح طبعة بولاق: نسخ المتن التي بأيدينا ليس فيها لفظ "منها".

(6/320)


هذا الطبري من جهة ما دلت عليه الآية من عموم قولهم ذلك في كل ما رزقوه قال: فيدخل في ذلك أول رزق رزقوه فيتعين أن لا يكون قبله إلا ما كان في الدنيا. قوله: "يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعم" هو كقول ابن عباس ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. وقال الحسن: معنى قوله: "متشابها" أي خيارا لا رداءة فيه. "تنبيه": وقع في رواية الكشميهني: "هذا الذي رزقنا من قبل أتينا" ولغيره: "أوتينا" وهو الصواب، قال ابن التين: هو من أوتيته بمعنى أعطيته، وليس من أتيته بالقصر بمعنى جئته. قوله: "قطوفها: يقطفون كيف شاءوا. دانية: قريبة" أما قوله: "يقطفون كيف شاءوا" فرواه عبد بن حميد من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال في قوله قطوفها دانية قال: يتناول منها حيث شاء، وأما قوله دانية قريبة فرواه ابن أبي حاتم من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن البراء أيضا، ومن طريق قتادة قال: دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك. قوله: "الأرائك: السرر" رواه عبد بن حميد بإسناد صحيح من طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال: الأرائك السرر في الحجال. ومن طريق منصور عن مجاهد نحوه ولم يذكر ابن عباس. ومن طريق الحسن ومن طريق عكرمة جميعا أن الأريكة هي الحجلة على السرير. وعن ثعلب الأريكة لا تكون إلا سريرا متخذا في قبة عليه شواره. قوله: "وقال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب" رواه عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن في قوله تعالى :{وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} فذكره. قوله: "وقال مجاهد سلسبيلا حديدة الجرية" وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق مجاهد، وحديدة بفتح المهملة وبدالين مهملتين أيضا أي قوية الجرية. وذكر عياض أن القابسي رواها "حريدة" براء بدل الدال الأولى وفسرها بلينة، قال: والذي قاله لا يعرف وإنما فسروا السلسبيل بالسهلة اللينة الجرية. قلت: يشير بذلك إلى تفسير قتادة، رواه عبد بن حميد عنه قال في قوله تعالى: {عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} قال سلسلة لهم يصرفونها حيث شاءوا وقد روى عبد بن حميد أيضا عن مجاهد قال: تجري شبه السيل، وهذا يؤيد رواية الأصيلي أنه أراد: قوة الجري، والذي يظهر أنهما لم يتواردا على محل واحد بل أراد مجاهد صفة جري العين، وأراد قتادة صفة الماء وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: السلسبيل اسم العين المذكورة وهو ظاهر الآية، ولكن استبعد لوقوع الصرف فيه، وأبعد من زعم أنه كلام مفصول من فعل أمر واسم مفعول. قوله: "غول: وجع البطن. ينزفون: لا تذهب عقولهم" رواه عبد بن حميد من طريق مجاهد قال في قوله لا فيها غول ولا هم عنها ينزقون فذكره. قوله: "وقال ابن عباس دهاقا ممتلئة" وصله عبد بن حميد من طريق عكرمة عنه قال: الكأس الدهاق الممتلئة المتتابعة، وسيأتي في أيام الجاهلية من وجه آخر. قوله: "كواعب نواهد" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله تعالى :{وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} قال: نواهد انتهى. وهو جمع ناهد والناهد هي التي بدا نهدها قوله: "الرحيق الخمر" وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} قال الخمر ختم بالمسك، وقيل: الرحيق هو الخالص، من كل شيء. قوله: "التسنيم يعلو شراب أهل الجنة" وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: التسنيم يعلو شراب أهل الجنة، وهو صرف للمقربين، ويمزج لأصحاب اليمين. قوله: "ختامه طينه مسك" وصله ابن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله: "ختامه مسك" قال: طينه مسك. قال ابن القيم في "حادي الأرواح" تفسير مجاهد هذا يحتاج إلى تفسير، والمراد ما يبقى آخر الإناء من الدردي مثلا. قال وقال بعض الناس معناه آخر

(6/321)


شربهم يختم برائحة المسك. قلت: هذا أخرجه ابن أبي حاتم أيضا من طريق أبي الدرداء قال في قوله: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} قال: هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، وعن سعيد بن جبير: ختامه آخر طعمه. قوله: "نضاختان : فياضتان" وصله ابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس. قوله: "يقال موضونة منسوجة منه وضين الناقة" هو قول الفراء، قال في قوله: {مَوْضُونَةٍ} أي منسوجة، وإنما سمت العرب وضين الناقة وضينا لأنه منسوج. وقال أبو عبيدة في المجاز في قوله: "على سرر موضونة" يقال متداخلة كما يوصل حلق الدرع بعضها في بعض مضاعفة. قال: والوضين البطان إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا، وهو وضين في موضع موضون. وروى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك في قوله: "موضونة" قال: التوضين التشبيك والنسج، يقول وسطها مشبك منسوج. ومن طريق عكرمة في قوله: "موضونة" قال: مشبكة بالدر والياقوت. قوله: "والكوب: ما لا أذن له ولا عروة، والأباريق: ذوات الآذان والعرى" هو قول الفراء سواء، وروى عبد بن حميد من طريق قتادة قال: الكوب الذي دون الإبريق ليس له عروة. قوله: "عربا مثقلة" أي مضمومة الراء "واحدها عروب مثل صبور وصبر" أي على وزنه، وهذا قول الفراء، وحكى عن الأعمش قال: "كنت أسمعهم يقولون: "عربا" بالتخفيف وهو كالرسل والرسل بالتخفيف في لغة تميم وبكر، قال الفراء والوجه التثقيل لأن كل فعول أو فعيل أو فعال جمع على هذا المثال فهو مثقل مذكرا أو مؤنثا، قلت: مرادهم بالتثقيل الضم وبالتخفيف الإسكان. قوله: "يسميها أهل مكة العربة إلخ" جزم الفراء بأنها الغنجة وأخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة ومن طريق بريدة قال: هي الشكلة بلغة أهل مكة والمغنوجة بلغة أهل المدينة، ومثله في "كتاب مكة للفاكهي" وروى ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم قال: هي الحسنة الكلام، ومن طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا: "لعرب كلامهن عربي" وهو ضعيف منقطع. وأخرج الطبري من طريق تميم بن حذام في قوله: "عرباء" قال: العربة الحسنة التبعل، كانت العرب تقول إذا كانت المرأة حسنة التبعل أنها لعربة. ومن طريق عبد الله بن عبيد بن عمير المكي قال: العربة التي تشتهي زوجها، ألا ترى أن الرجل يقول للناقة إنها لعربة. قوله: "وقال مجاهد روح جنة ورخاء والريحان الرزق" يريد تفسير قوله تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} قال الفريابي: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {فَرَوْحٌ} قال: جنة {وَرَيْحَانٌ} قال: رزق. وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق آدم عن ورقاء بسنده بلفظ {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} قال الروح جنة ورخاء، والريحان رزق. قوله: "والمنضود: الموز، والمخضود: الموقر حملا، ويقال أيضا الذي لا شوك له" وصله الفريابي والبيهقي عن مجاهد في قوله: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} قال: الموز المتراكم. والسدر المخضود الموقر حملا. ويقال أيضا الذي لا شوك فيه، وذلك لأنهم كانوا يعجبون بوج وظلاله من طلح وسدر. قلت: وج بفتح الواو وتشديد الجيم بالطائف، وكأن عياضا لم يقف على ذلك فزعم في أواخر المشارق أن الذي وقع في البخاري تخليط، قال: والصواب والطلح الموز والمنضود الموقر حملا الذي نضد بعضه على بعض من كثرة حمله. كذا قال، وقد نقل الطبري القولين عن جمع من العلماء بأسانيده إليهم، فنقل الأول عن مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير، ونقل الثاني عن ابن عباس وقتادة وعكرمة وقسامة بن زهير وغيرهم، وكأن عياضا استبعد تفسير الخضد بالثقل لأن الخضد في اللغة القطع، وقد نقل أهل اللغة أيضا أن الخضد التثني، وعليه يحمل التأويل الأول أي أنه من كثرة حمله انثنى، وأما التأويل الذي ذكره

(6/322)


هو فقد نقل الطبري اتفاق أهل التأويل من الصحابة والتابعين على أن المراد بالطلح المنضود الموز، وأسند عن علي أنه كان يقولها والطلع بالعين، قال فقيل له: أفلا تغيرها؟ قال: إن القرآن لا يهاج اليوم فظهر بذلك فساد الاعتراض، وأن الذي وقع في الأصل هو الصواب والله أعلم. قوله: "والعرب المحببات إلى أزواجهن" كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطبري وغيرهم من طريق مجاهد وغيره، ورواه الفريابي من وجه آخر عن مجاهد قال: العرب العواشق. وأخرج الطبري نحوه عن أم سلمة مرفوعا. قوله: "مسكوب جار" يريد تفسير قوله تعالى: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} قوله: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} بعضها فوق بعض، وصله والذي قبله الفريابي أيضا عن مجاهد. وقال أبو عبيدة في المجاز: المرفوعة العالية، تقول بناء مرتفع أي عال. وروى ابن حبان والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري في قوله وفرش مرفوعة قال: ارتفاعها مسيرة خمسمائة عام، قال القرطبي: معناه أن الفرش الدرجة وهذا القدر ارتفاع، قال: وقيل المراد بالفرش المرفوعة النساء المرتفعات القدر لحسنهن وجمالهن. قوله: "لغوا: باطلا. تأثيما: كذبا" يريد تفسير قوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً} وقد وصله أيضا الفريابي عن مجاهد كذلك. قوله: "أفنان أغصان" يريد تفسير قوله تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} وقوله: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} ما يجتنى من قريب، وصل ذلك الطبري عن مجاهد، وعن الضحاك يعني أفنان ألوان من الفاكهة وواحدها على هذا فن وعلى الأول فنن، وقوله: {مُدْهَامَّتَانِ} سوداوان من الري، وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ: "مسوادتان" وقال الفراء: قوله: {مُدْهَامَّتَانِ} يعني خضراوان إلى السواد من الري، وعن عطية: كادتا أن تكونا سوداوين من شدة الري وهما خضراوان إلى السواد. حديث ابن عمر في عرض مقعد الميت عليه، وقد تقدم شرحه في أواخر الجنائز، وهو من أوضح الأدلة على مقصود الترجمة، وقوله في آخره: "فمن أهل النار" زاد إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه: "حتى يبعثه الله يوم القيامة" أخرجه الإسماعيلي، وقد تقدمت هذه الزيادة أيضا والكلام عليها في الجنائز. حديث أبي رجاء وهو العطاردي عن عمران بن حصين في أكثر أهل الجنة، وسيأتي شرحه في كتاب الرقاق مع بيان الاختلاف فيه على أبي رجاء، والغرض منه هنا قوله: "اطلعت في الجنة" فإنه يدل على أنها موجودة حالة إطلاعه، وهو مقصود الترجمة. و"سلم" بفتح المهملة وسكون اللام و"زرير" بوزن عظيم أوله زاي بعدها راء وآخره راء أيضا. حديث أبي هريرة في قصة القصر الذي رأى لعمر في الجنة، وسيأتي شرحه في مناقبه، والغرض منه قوله: "رأيتني في الجنة" وهذا وإن كان مناما لكن رؤيا الأنبياء حق، ومن ثم أعمل حكم غيرة عمر حتى امتنع من دخول القصر وقد روى أحمد من حديث معاذ قال: "إن عمر من أهل الجنة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ما يرى في يقظته أو نومه سواء، وأنه قال: بينا أنا في الجنة إذ رأيت فيها جارية فقلت: لمن هذه؟ فقيل: لعمر بن الخطاب". حديث أبي موسى "الخيمة درة مجوفة طولها" كذا للأكثر وللسرخسي والمستملي: "در مجوف طوله" وقع عندهما بصيغة المذكر، ووجهه أن المقصود معنى الخيمة وهو الشيء الساتر ونحو ذلك، وسيأتي شرح هذا الحديث في تفسير سورة الرحمن، وقوله: "وقال أبو عبد الصمد والحارث بن عبيد عن أبي عمران ستون ميلا" يعني أنهما رويا هذا الحديث بهذا الإسناد فقالا "ستون" بدل قول همام "ثلاثون" وطريق أبي عبد الصمد وهو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي وصلهما المؤلف هناك، وطريق الحارث بن عبيد وهو ابن قدامة وصلها مسلم ولفظه: "إن

(6/323)


للعبد في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلا". الحديث. حديث أبي هريرة فيما أعد لأهل الجنة سيأتي شرحه في تفسير سورة السجدة. حديث أبي هريرة في صفة أهل الجنة أورده من طريقين، وقد ذكره من طريق ثالثة سيأتي في هذا الباب أيضا، وقد ذكر بعضه في صفة آدم من وجه رابع. قوله: "أول زمرة" أي جماعة. قوله: "صورتهم على صورة القمر ليلة البدر" أي في الإضاءة، وسيأتي بيان ذلك في الرقاق بلفظ: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر" وفي الرواية الثانية هنا: "والذين على أثرهم كأشد كوكب إضاءة" زاد مسلم في رواية أخرى "ثم هم بعد ذلك منازل". قوله: "لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون" زاد في صفة آدم "ولا يبولون ولا يتفلون" وفي الرواية الثانية "لا يسقمون" وقد اشتمل ذلك على نفي جميع صفات النقص عنهم. ولمسلم من حديث جابر: "يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يتغوطون طعامهم، ذلك جشاء كريح المسك" وكأنه مختصر مما أخرجه النسائي من حديث زيد بن أرقم قال: "جاء رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون، قال نعم، إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع، قال: الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى، قال: تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك" وسمي الطبراني في روايته هذا السائل ثعلبة بن الحارث، قال ابن الجوزي: لما كانت أغذية أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ولا فضلة تستقذر، بل يتولد عن تلك الأغذية أطيب ريح وأحسنه. قوله: "آنيتهم فيها الذهب" زاد في الرواية الثانية "والفضة" وقال في الأمشاط عكس ذلك، وكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما عن الآخر فإنه يحتمل أن يكون الصنفان لكل منهم، ويحتمل أن يكون أحد الصنفين لبعضهم والآخر للبعض الآخر، ويؤيده حديث أبي موسى مرفوعا: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما" الحديث متفق عليه، ويؤيد الأول ما أخرجه الطبراني بإسناد قوي عن أنس مرفوعا إن أدنى أهل الجنة درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة الحديث. "تنبيه": المشط بتثليث الميم والأفصح ضمها. قوله: "ومجامرهم الألوة" الألوة العود الذي يبخر به، قيل جعلت مجامرهم نفس العود، لكن في الرواية الثانية "ووقود مجامرهم الألوة" فعلى هذا في رواية الباب تجوز، ووقع في رواية الصغاني بعد قوله الألوة. قال أبو اليمان: يعني العود والمجامر: جمع مجمرة وهي المبخرة سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور، والألوة بفتح الهمزة ويجوز ضمها وبضم اللام وتشديد الواو وحكى ابن التين كسر الهمزة وتخفيف الواو والهمزة أصلية وقيل زائدة، قال الأصمعي أراها فارسية عربت. وقد يقال إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها ومن ثم قال الإسماعيلي بعد تخريج الحديث المذكور: ينظر هل في الجنة نار؟ ويجاب باحتمال أن يشتعل بغير نار بل بقوله: كن، وإنما سميت مجمرة باعتبار ما كان في الأصل، ويحتمل أن يشتعل بنار لا ضرر فيها ولا إحراق، أو يفوح بغير اشتعال، ونحو ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا: "إن الرجل في الجنة ليشتهي الطير فيخر بين يديه مشويا" وفيه الاحتمالات المذكورة، وفد ذكر نحو ذلك ابن القيم في الباب الثاني والأربعين من "حادي الأرواح" وزاد في الطير أو يشوي خارج الجنة أو بأسباب قدرت لإنضاجه ولا تتعين النار، قال: وقريب من ذلك قوله تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ} {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} وهي لا شمس فيها. وقال القرطبي: قد يقال أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد

(6/324)


وشعورهم لا تتسخ؟ وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك؟ قال: ويجاب بأن نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب وليس عن ألم جوع أو ظمأ أو عري أو نتن، وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية، والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا. وقال النووي: مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة، ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له. قوله: "ولكل واحد منهم زوجتان" أي من نساء الدنيا، فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة "وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا" وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال، ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع "فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم" ، وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد رفعه: "إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة" وقال غريب، ومن حديث المقدام بن معد يكرب عنده "للشهيد ست خصال" الحديث وفيه: "ويتزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين" وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه والدارمي رفعه: "ما أحد يدخل الجنة إلا زوجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين وسبعين وثنتين من أهل الدنيا" وسنده ضعيف جدا، وأكثر ما وقفت عليه من ذلك ما أخرج أبو الشيخ في "العظمة" والبيهقي في "البعث" من حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه: "إن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء أو أنه ليفضي إلى أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب" وفيه راو لم يسم، وفي الطبراني من حديث ابن عباس "إن الرجل من أهل الجنة ليفضي إلى مائة عذراء" وقال ابن القيم: ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة على زوجتين سوى ما في حديث أبي موسى "إن في الجنة للمؤمن لخيمة من لؤلؤه له فيها أهلون يطوف عليهم". قلت: الحديث الأخير صححه الضياء، وفي حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة ثم يدخل عليه زوجتاه، والذي يظهر أن المراد أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان، وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تنظيرا لقوله جنتان وعينان ونحو ذلك، أو المراد تثنية التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك، ولا يخفى ما فيه. واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه مسلم من طريق ابن سيرين عنه، وهو واضح لكن يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم "رأيتكن أكثر أهل النار" ويجاب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفي أكثريتهن في الجنة، لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنها النساء، ويحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار يلزم منه أن يكن أقل ساكني الجنة، وليس ذلك بلازم لما قدمته، ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة، والله أعلم. "تنبيه": قال النووي كذا وقع زوجتان بتاء التأنيث وهي لغة تكررت في الحديث والأكثر خلافها وبه جاء القرآن، وذكر أبو حاتم السجستاني أن الأصمعي كان ينكر زوجة ويقول إنما هي زوج، قال فأنشدناه قول الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... لساع إلى أسد الشرى يستنيلها
قال فسكت. ثم ذكر له شواهد أخرى. قوله: "مخ سوقهما من وراء اللحم" في الرواية الثالثة "والعظم"، والمخ بضم الميم وتشديد المعجمة ما في داخل العظم، والمراد به وصفها بالصفاء البالغ وأن ما في داخل العظم لا يستتر

(6/325)


بالعظم واللحم والجلد. ووقع عند الترمذي "ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها" ونحوه لأحمد من حديث أبو سعيد وزاد: "ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة". قوله: "قلب واحد" في رواية الأكثر بالإضافة، وللمستملي بالتنوين "قلب واحد" وهو من التشبيه الذي حذفت أداته أي كقلب رجل واحد، وقد فسره بقوله: "لا تحاسد بينهم ولا اختلاف" أي أن قلوبهم طهرت عن مذموم الأخلاق. قوله: "يسبحون الله بكرة وعشيا" أي قدرهما، قال القرطبي: هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام، وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: "يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس" ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه، فجعل تنفسهم تسبيحا، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره. وقد وقع في خبر ضعيف "إن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى، فإذا نشرت كانت علامة البكور، وإذا طويت كانت علامة العشي". قوله في آخر الرواية: "قال مجاهد: الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس إلى أن - أراه - تغرب" كذا في الأصل، وكأن المصنف شك في لفظ تغرب فأدخل قبلها أراه وهو بضم الهمزة أي أظنه فهي جملة معترضة بين أن والفعل، وقد وصله عبد بن حميد والطبري وغيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "إلى أن تغيب" وهو بالمعنى الذي ظنه المصنف، قال الطبري "الإبكار" مصدر تقول أبكر فلان في حاجته يبكر إبكارا إذا خرج من بين طلوع الفجر إلى وقت الضحى، وأما العشي فمن بعد الزوال قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحى يستطيعه ... ولا الفيء من برد العشي يذوق
قال: والفيء يكون من عند زوال الشمس ويتناهى بمغيبها. وانظر الحديث السابق. حديث سهل بن سعد في عدد من يدخل الجنة بغير حساب، وسيأتي شرحه في الرقاق إن شاء الله تعالى. حديث أنس "أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جنة سندس" الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب اللباس ومضى معظمه في كتاب الهبة، والغرض منه هنا ذكر مناديل سعد بن معاذ في الجنة. حديث البراء بن عازب في ذلك، وذكره عقب حديث أنس لأن في حديث أنس تعجب الناس منها، وبين ذلك في حديث البراء حيث وقع فيه: "فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه" وسيأتي شرحه أيضا في اللباس إن شاء الله تعالى. حديث سهل بن سعد "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها" وقد تقدم شرحه في أول الجهاد من حديث أنس. حديث أنس: "إن في الجنة لشجرة". قوله: "حدثنا روح بن عبد المؤمن" هو بفتح الراء وهو بصري مشهور وكذا بقبة رجال الإسناد وسعيد هو ابن أبي عروبة، وليس لروح بن عبد المؤمن في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وقد أخرجه الترمذي من طريق معمر عن قتادة وزاد في آخر الحديث: "وإن شئتم فاقرءوا {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}". حديث أبي هريرة في ذلك، وفيه الزيادة المشار إليها، وفيه: "ولقاب قوس" وهذا الأخير تقدم في الجهاد من الكلام عليه، والشجرة المذكورة قال ابن الجوزي: يقال إنها طوبى. "قلت" وشاهد ذلك في حديث عتبة بن عبد السلمي عند أحمد والطبراني وابن حبان، فهذا هو المعتمد خلافا لمن قال إنما نكرت للتنبيه على اختلاف جنسها بحسب شهوات أهل الجنة. قوله: "يسير الراكب" أي راكب فرض، ومنهم من حمله على الوسط المعتدل، وقوله: "في ظلها" أي في نعيمها وراحتها ومنه قولهم عيش ظليل، وقيل: معنى ظلها ناحيتها وأشار بذلك إلى امتدادها

(6/326)


ومنه قولهم: أنا في ظلك أي ناحيتك، قال القرطبي والمحوج إلى هذا التأويل أن الظل في عرف أهل الدنيا ما يقي من حر الشمس وأذاها وليس في الجنة شمس ولا أذى، وروى ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام من كل نواحيها فيخرج أهل الجنة يتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم اللهو فيرسل الله ريحا فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا. تقدم شرحه قريبا من هذا الحديث. حديث البراء "لما مات إبراهيم - يعني ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن له مرضعا في الجنة" وقد تقدم الكلام عليه في الجنائز. حديث أبي سعيد في تفاضل أهل الجنة. قوله: "عن صفوان بن سليم" عند مسلم في رواية ابن وهب عن مالك أخبرني صفوان، وهذا من صحيح أحاديث مالك التي ليست في الموطأ، ووهم أيوب بن سويد فرواه عن مالك عن زيد بن أسلم بدل صفوان ذكره الدار قطني في "الغرائب" وكأنه دخل له إسناد حديث في إسناد حديث، فإن رواية مالك عن زيد بدل صفوان، فهذا السند وقفت عليه في حديث آخر سيأتي في أواخر الرقاق وفي التوحيد. قوله: "عن أبي سعيد" في رواية فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه الترمذي وصححه وابن خزيمة، ونقل الدار قطني في "الغرائب" عن الذهلي أنه قال: لست أدفع حديث فليح، يجوز أن يكون عطاء بن يسار حدث به عن أبي سعيد، وعن أبي هريرة انتهى. وقد رواه أيوب بن سويد عن مالك فقال عن أبي حازم عن سهل بن سعد ذكره الدار قطني في "الغرائب" وقال إنه وهم فيه أيضا، قلت ولكنه له أصل من حديث سهل بن سعد عند مسلم ويأتي أيضا في "باب صفة أهل الجنة والنار" في الرقاق من حديث سهل أيضا لكنه مختصر عند الشيخين. قوله: "يتراءون" (1) في رواية لمسلم: "يرون" والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل، حتى إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم. وقد بين ذلك في الحديث بقوله: "لتفاضل ما بينهم". قوله: "الدري" هو النجم الشديد الإضاءة. وقال الفراء: هو النجم العظيم المقدار، وهو بضم المهملة وكسر الراء المشددة بعدها تحتانية ثقيلة وقد تسكن وبعدها همزة ومد وقد يكسر أوله على الحالين فتلك أربع لغات، ثم قيل إن المعنى مختلف، فبالتشديد كأنه منسوب إلى الدر لبياضه وضيائه، وبالهمز كأنه مأخوذ من درأ أي دفع لاندفاعه عند طلوعه. ونقل ابن الجوزي عن الكسائي تثليث الدال قال: فبالضم نسبة إلى الدر وبالكسر الجاري وبالفتح اللامع. قوله: "الغابر" كذا للأكثر وفي رواية الموطأ الغاير بالتحتانية بدل الموحدة، قال عياض كأنه الداخل في الغروب. وفي رواية الترمذي "الغارب" وفي رواية الأصيلي بالمهملة والزاي، قال عياض: معناه الذي يبعد للغروب، وقيل: معناه الغائب، ولكن لا يحسن هنا لأن المراد أن بعده عن الأرض كبعد غرف الجنة عن ربضها في رأي العين، والرواية الأولى هو المشهورة. ومعنى الغابر هنا الذاهب، وقد فسره في الحديث بقوله: "من المشرق إلى المغرب" والمراد بالأفق السماء وفي رواية مسلم من الأفق من المشرق أو المغرب، قال القرطبي من الأولى لابتداء الغاية أو هي للظرفية، ومن الثانية مبينة لها، وقد قيل إنها ترد لانتهاء الغاية أيضا قال: وهو خروج عن أصلها وليس معروفا عند أكثر النحويين، قال: ووقع في نسخ البخاري "إلى المشرق" وهو أوضح، ووقع في
ـــــــ
(1) كذا في نسخ الشرح، وهي روايته التي شرح عليها، وأما رواية أبي ذر فهي: "إن أهل الجنة يتراءيون" بوزن يتفاعلون

(6/327)


رواية سهل بن سهل عند مسلم: "كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي" واستشكله ابن التين وقال: إنما تغور الكواكب في المغرب خاصة فكيف وقع ذكر المشرق؟ وهذا مشكل على رواية الغاير بالتحتانية، وأما بالموحدة فالغابر يطلق على الماضي والباقي فلا إشكال. قوله: "قال: بلى" قال القرطبي: بلى: حرف جواب وتصديق، والسياق يقتضي أن يكون الجواب بالإضراب عن الأول وإيجاب الثاني، فلعلها كانت بل فغيرت ببلى، وقوله: "رجال" خبر مبتدأ محذوف تقديره وهم رجال، أي تلك المنازل منازل رجال آمنوا. قلت: حكى ابن التين أن في رواية أبي ذر "بل" بدل بلى، ويمكن توجيه "بلى" بأن التقدير نعم هي منازل الأنبياء بإيجاب الله تعالى لهم ذلك. ولكن قد يتفضل الله تعالى على غيرهم بالوصول إلى تلك المنازل. وقال ابن التين : يحتمل أن تكون بلى جواب النفي في قولهم لا يبلغها غيرهم، وكأنه قال: بلى يبلغها رجال غيرهم. قوله: "وصدقوا المرسلين" أي حق تصديقهم وإلا لكان كل من آمن بالله وصدق رسله وصل إلى تلك الدرجة وليس كذلك، ويحتمل أن يكون التنكير في قوله رجال يشير إلى ناس مخصوصين موصوفين بالصفة المذكورة، ولا يلزم أن يكون كل من وصف بها كذلك لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى، وكأنه سكت عن الصفة التي اقتضت لهم ذلك، والسر فيه أنه قد يبلغها من له عمل مخصوص، ومن لا عمل له كان بلوغها إنما هو برحمة الله تعالى. وقد وقع في رواية الترمذي من وجه آخر عن أبي سعيد "وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما"، وروى الترمذي أيضا عن علي مرفوعا: "إن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها. فقال أعرابي لمن هي يا رسول الله؟ قال: هي لمن ألان الكلام وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام". وقال ابن التين: قيل إن المعنى أنهم يبلغون درجات الأنبياء. وقال الداودي: يعني أنهم يبلغون هذه المنازل التي وصف، وأما منازل الأنبياء فإنها فوق ذلك. قلت: وقع في حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي "قال بلى والذي نفسي بيده، وأقوام آمنوا بالله ورسوله" هكذا في بزيادة الواو العاطفة ففسد تأويل الداودي، والله المستعان. ويحتمل أن يقال: إن الغرف المذكورة لهذه الأمة، وأما من دونهم فهم الموحدون من غيرهم، أو أصحاب الغرف الذين دخلوا الجنة من أول وهلة، ومن دونهم من دخل بالشفاعة. ويؤيد الذي قبله قوله في صفتهم "هم الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" وتصديق جميع المرسلين إنما يتحقق لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف من قبلهم من الأمم فإنهم وإن كان فيهم من صدق بمن سيجيء من بعده من الرسل فهو بطريق التوقع لا بطريق الواقع، والله أعلم.

(6/328)


9 - باب صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ". فِيهِ عُبَادَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
2257- حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن مطرف قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون".
قوله: "باب صفة أبواب الجنة" هكذا ترجم بالصفة، ولعله أراد بالصفة العدد أو التسمية، فإنه أورد فيه حديث سهل بن سعد مرفوعا: "في الجنة ثمانية أبواب" الحديث. وقال فيه: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين في

(6/328)


سبيل الله دعي من باب الجنة" وأشار بهذا إلى حديث أسنده في الصيام وفي الجهاد من حديث أبي هريرة وفيه: "فمن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة" الحديث، وقد سبق شرح حديث سهل بن سعد في الصيام، وحديث أبي هريرة فيه وفي الجهاد، ويأتي بقية شرحه في فضل أبي بكر إن شاء الله تعالى. قوله: "فيه عبادة" كأنه يشير إلى ما وصله هو في ذكر عيسى من أحاديث الأنبياء من طريق جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد أن لا إله إلا الله" الحديث وفيه: "أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء" ، وقد وردت هذه العدة لأبواب الجنة في عدة أحاديث: منها حديث أبي هريرة المعلق في الباب ومنها حديث عبادة المعلق فيه أيضا وعن عمر عند أحمد وأصحاب السنن، وعن عتبة بن عبد عند الترمذي وابن ماجه، وورد في صفة أبواب الجنة أن ما بين المصراعين مسيرة أربعين سنة، ومن حديث أبي سعيد ومعاوية بن حيدة ولقيط بن عامر، وأحاديث الثلاثة عند أحمد وهي مرفوعة، ولها شاهد عند مسلم من حديث عتبة بن غزوان لكنه موقوف. "تنبيه": وقع حديث سهل المسند مقدما على الحديثين المعلقين في رواية أبي ذر، ووقع لغيره تأخير المسند عن المعلقين.

(6/329)


10 - باب صِفَةِ النَّارِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ
{غَسَّاقًا}: يُقَالُ غَسَقَتْ عَيْنُهُ. وَيَغْسِقُ الْجُرْحُ. وَكَأَنَّ الْغَسَاقَ وَالْغَسْقَ وَاحِدٌ. {غِسْلِينُ}: كُلُّ شَيْءٍ غَسَلْتَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ غِسْلِينُ، فِعْلِينُ مِنْ الْغَسْلِ، مِنْ الْجُرْحِ وَالدَّبَرِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ}: حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ غَيْرهُ: {حَاصِبًا} الرِّيحُ الْعَاصِفُ، وَالْحَاصِبُ مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ، وَمِنْهُ حَصَبُ جَهَنَّمَ يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ. هُمْ حَصَبُهَا. وَيُقَالُ: حَصَبَ فِي الأَرْضِ ذَهَبَ، وَالْحَصَبُ مُشْتَقٌّ مِنْ حَصْبَاءِ الْحِجَارَةِ صَدِيدٌ قَيْحٌ وَدَمٌ. {خَبَتْ}: طَفِئَتْ. {تُورُونَ}: تَسْتَخْرِجُونَ. أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ. {لِلْمُقْوِينَ}: لِلْمُسَافِرِينَ. وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {صِرَاطُ الْجَحِيمِ} : سَوَاءُ الْجَحِيمِ وَوَسَطُ الْجَحِيمِ. {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}: يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ. {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}: صَوْتٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ. {وِرْدًا} عِطَاشًا. {غَيًّا}: خُسْرَانًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُسْجَرُونَ} تُوقَدُ لهمْ النَّارُ. {وَنُحَاسٌ}: الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ. {يُقَالُ ذُوقُوا}: بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِ. {مَارِجٌ}: خَالِصٌ مِنْ النَّارِ. مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ إِذَا خَلاَهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. {مَرِيجٍ}: مُلْتَبِسٍ مَرِجَ أَمْرُ النَّاسِ اخْتَلَطَ {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ}: مَرَجْتَ دَابَّتَكَ تَرَكْتَهَا.
3258- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ أَبْرِدْ ثُمَّ قَالَ أَبْرِدْ حَتَّى فَاءَ الْفَيْءُ - يَعْنِي لِلتُّلُولِ -

(6/329)


ثُمَّ قَالَ أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ
3259- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
3260- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ".
3261- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ كُنْتُ أُجَالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فَأَخَذَتْنِي الْحُمَّى فَقَالَ أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ أَوْ قَالَ بِمَاءِ زَمْزَمَ " شَكَّ هَمَّامٌ.
3262- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ".
[الحديث 3262 – طرفه في: 5726]
3263- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ".
[الحديث 3263 – طرفه في: 5725]
3264- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ".
[الحديث 3264 – طرفه في: 5723]
3265- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا".
3266- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ}.

(6/330)


3267- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِأُسَامَةَ: "لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلاَ أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ". رَوَاهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الأَعْمَشِ.
[الحديث 3267 – طرفه في: 7098]
قوله: "باب صفة النار وأنها مخلوقة" القول فيه كالقول في "باب صفة الجنة" سواء. قوله: "غساقا يقال غسقت عينه ويغسق الجرح" وهذا مأخوذ من كلام أبي عبيدة، فإنه قال في قوله تعالى: {إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً}: الحميم الماء الحار، والغساق ما همي وسال، يقال غسقت من العين ومن الجرح، ويقال عينه تغسق أي تسيل، والمراد في الآية ما سال من أهل النار من الصديد، رواه الطبري من قول قتادة ومن قوال إبراهيم وعطية بن سعد وغيرهم، وقيل من دموعهم أخرجه أيضا من قول عكرمة وغيره، وقيل: الغساق البارد الذي يحرق ببرده رواه أيضا من قول ابن عباس ومجاهد وأبي العالية، قال أبو عبيد الهروي: من قرأه بالتشديد أراد السائل، ومن قرأه بالتخفيف أراد البارد وقيل: الغساق المنتن رواه الطبري عن عبد الله بن بريدة وقال: إنها بالطخارية، وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه الترمذي والحاكم مرفوعا: "لو أن دلوا من غساق يهراق إلى الدنيا لأنتن أهل الدنيا" وأخرج الطبري من حديث عبد الله بن عمر موقوفا: الغساق القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب لأنتن أهل المشرق. قوله: "وكأن الغساق والغسيق واحد" كذا لأبي ذر، والغسيق بوزن فعيل، ولغيره والغسق بفتحتين، قال الطبري في قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} الغاسق الليل إذا لبس الأشياء وغطاها، وإنما أريد بذلك هجومه على الأشياء هجوم السيل، وكأن المراد بالآية السائل من الصديد الجامع بين شدة البرد وشدة النتن وبهذا تجتمع الأقوال والله أعلم قوله: "غسلين كل شيء غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين فعلين من الغسل من الجرح والدبر" هو كلام أبي عبيدة في المجاز، وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الغسلين صديد أهل النار، والدبر بفتح المهملة والموحدة هو ما يصيب الإبل من الجراحات. "تنبيه": قوله تعالى في هذه الآية: {وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} يعارضه ظاهر قوله تعالى في الآية الأخرى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} وجمع بينهما بأن الضريع من الغسلين، وهذا يرده ما سيأتي في التفسير أن الضريع نبات، وقيل: الاختلاف بحسب من يطعم من أهل النار، فمن اتصف بالصفة الأولى فطعامه من غسلين، ومن اتصف بالثانية فطعامه من ضريع، والله أعلم. قوله: "وقال عكرمة حصب جهنم حطب بالحبشية وقال غيره حاصبا الريح العاصف والحاصب ما يرمي

(6/331)


به الريح ومنه حصب جهنم يرمى به في جهنم هم حصبها" أما قول عكرمة فوصله ابن أبي حاتم من طريق عبد الملك بن أبجر سمعت عكرمة بهذا، وروى الطبري عن مجاهد مثله لكن لم يقل بالحبشية، وروى الفراء عن علي وعائشة أنهما قرآها "حطب" بالطاء، وروى الطبري عن ابن عباس أنه قرأها بالضاد المعجمة قال: وكأنه أراد أنهم الذين تسجر بهم النار لأن كل شيء هيجت به النار فهو حصب لها، وأما قول غيره فقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً}: أي ريحا عاصفا يحصب. وفي قوله: {حَصَبُ جَهَنَّمَ}: كل شيء ألقيته في النار فقد حصبتها به، وروى الطبري عن الضحاك قال في قوله: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} قال تحصب بهم جهنم وهو الرمي يقول يرمى بهم فيها. قوله: "ويقال حصب في الأرض ذهب والحصب مشتق من حصباء الحجارة" روى الطبري عن أبي جريج في قوله: {أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} قال مطر الحجارة. قوله: "صديد قيح ودم" قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} قال: الصديد القيح والدم. قوله: "خبت طفئت" أخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {كُلَّمَا خَبَتْ} قال: طفئت، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: سكنت، ومثله قال أبو عبيدة ورجح لأنهم يقولون للنار إذا سكن لهبها وعلا الجمر رماد: خبت، فان طفئ معظم الجمر قالوا خمدت، فإن طفئ كله قالوا همدت، ولا شك أن نار جهنم لا تطفأ. قوله: "تورون تستخرجون أوريت أوقدت" يريد تفسير قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى: {تُورُونَ} أي تستخرجون من أوريت، قال: وأكثر ما يقال وريت. قوله: "للمقوين: للمسافرين. والقي: القفر" روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: {لِلْمُقْوِينَ} للمسافرين، ومن طريق قتادة والضحك مثله، ومن طريق مجاهد قال: للمقوين أي المستمتعين المسافر والحاضر. وقال الفراء: قوله تعالى: {وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} أي منفعة للمسافرين إذا نزلوا بالأرض، والأرض القي - يعني بكسر القاف والتشديد - القفر الذي لا شيء فيه، ورجح هذا الطبري واستشهد على ذلك. قوله: "وقال ابن عباس {صِرَاطِ الْجَحِيمِ} سواء الجحيم ووسط الجحيم" روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} قال: في وسط الجحيم، ومن طريق قتادة والحسن مثله. قوله: "لشوبا من حميم : يخلط طعامهم ويساط بالحميم" روى الطبري من طريق السدي قال في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} الشوب الخلط وهو المزج. وقال أبو عبيدة تقول العرب كل شيء خلطته بغيره فهو مشوب. قوله: "زفير وشهيق: صوت شديد وصوت ضعيف" هو تفسير ابن عباس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه، ومن طريق أبي العالية قال: الزفير في الحلق والشهيق في الصدر، ومن طريق قتادة قال: هو كصوت الحمار أوله زفير وآخره شهيق. وقال الداودي الشهيق هو الذي يبقى بعد الصوت الشديد من الحمار. قوله: "وردا : عطاشا" روى ابن حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} قال: عطاشا، ومن طريق مجاهد قال: منقطعة أعناقهم من الظمأ، وقوله وردا هو مصدر وردت والتقدير ذوي ورد وهذا ينافي العطش، لكن لا يلزم من الورود على الماء الوصول إلى تناوله، فسيأتي في حديث الشفاعة "أنهم يشكون العطش فترفع لهم جهنم سراب ماء فيقال: ألا تردون؟ فيردونها فيتساقطون فيها". قوله: "غيا خسرانا" أخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} قال: خسرانا، وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه

(6/332)


في هذه الآية قال: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم. قوله: "وقال مجاهد يسجرون توقد لهم النار" كذا في رواية أبي ذر ولغيره: "بهم" وهو أوضح، وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به. قوله: "ونحاس: الصفر يصب على رءوسهم" أخرجه عبد بن حميد من طريق منصور عن مجاهد في قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ} قال قطعة من نار حمراء ونحاس قال يذاب الصفر فيصب على رءوسهم. قوله: "يقال ذوقوا باشروا وجربوا وليس هذا من ذوق الفم" لم أر هذا لغير المصنف وهو كما قال والذوق يطلق ويراد به حقيقته وهو ذوق الفم، ويطلق ويراد به الذوق المعنوي وهو الإدراك وهو المراد في قوله: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقوله: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ} وقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وكذلك في قوله: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} وبلغني عن بعض علماء العصر أنه فسره هنا بمعنى التخيل وجعل الاستثناء متصلا وهو دقيق، وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي برزة الأسلمي مرفوعا والطبري من حديث عبد الله بن عمرو موقوفا "لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً}". قوله: "مارج خالص من النار" روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} قال: من خالص النار، ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال: خلقت الجن من مارج، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت، وسيأتي قول مجاهد في ذلك في تفسير سورة الرحمن إن شاء الله تعالى. وقال الفراء: المارج نار دون الحجاب، ويروى خلق السماء منها ومنها هذه الصواعق. قوله: "مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو بعضهم على بعض، فهم في أمر مريج أمر ملتبس(1) ومرج أمر الناس اختلط" في رواية الكشميهني: "أمر منتشر" وهو تصحيف قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} أي مختلط يقال مرج أمر الناس أي اختلط وأهمل، وروى الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} قال مختلط، ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد قال: ملتبس، ومن طريق قتادة قال: من ترك الحق مرج عليه رأيه والتبس عليه دينه. قوله: "مرج البحرين مرجت دابتك تركتها" قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا} هو كقولك مرجت دابتك خليت عنها وتركتها. وقال الفراء: قوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} قال أرسلهما ثم يلتقيان بعد، وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المراد بالبحرين هنا بحر السماء والأرض يلتقيان كل عام، ومن طريق سعيد بن جبير وابن أبزى مثله، ومن طريق قتادة والحسن قال: هما بحرا فارس والروم، قال الطبري: والأول أولى لأنه سبحانه وتعالى قال بعد ذلك: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وإنما يخرج اللؤلؤ من أصداف بحر الأرض عن قطر السماء. قلت: وفي هذا دفع لمن جزم بأن المراد بهما البحر الحلو والبحر الملح وجعل قوله: "منهما" من مجاز التغليب. ثم ذكر المصنف في الباب عشرة أحاديث: الأول: حديث أبي ذر في الأمر بالأبراد، وفيه قصة وقد تقدم شرحه في المواقيت من كتاب الصلاة، والغرض منه قوله: "فإن شدة الحر من فيح جهنم". الثاني: حديث أبي سعيد في ذلك وليس فيه قصة وقد تقدم كذلك. الثالث: حديث أبي هريرة: "اشتكت النار إلى ربها" الحديث، وقد تقدم كذلك. وهذه الأحاديث من أقوى الأدلة على ما ذهب إليه الجمهور من أن جهنم موجودة الآن. الرابع: حديث ابن عباس في أن الحمى من فيح جهنم. الخامس: حديث رافع بن خديج في ذلك. السادس: حديث عائشة في ذلك. السابع: حديث ابن عمر في ذلك، وسيأتي شرح
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: كذا في جميع نسخ الشرح، وهذه الجملة مع واو مرج ليست في نسخ المتن التي بأيدينا، فهي نسخته. اهـ.

(6/333)


الجميع في الطب إن شاء الله تعالى. الثامن: حديث أبي هريرة. قوله: "ناركم جزء" زاد مسلم في روايته: "جزء واحد" قوله: "من سبعين جزءا" في رواية لأحمد "من مائة جزء" والجمع بأن المراد المبالغة في الكثرة لا العدد الخالص أو الحكم للزائد، زاد الترمذي من حديث أبي سعيد "لكل جزء منها حرها". قوله: "إن كانت لكافية" "إن" هي المخففة من الثقيلة أي إن نار الدنيا كانت مجزئة لتعذيب العصاة. قوله: "فضلت عليهن" كذا هنا والمعنى على نيران الدنيا. وفي رواية مسلم: "فضلت عليها" أي على النار، قال الطيبي ما محصله: إنما أعاد صلى الله عليه وسلم حكاية تفضيل نار جهنم على نار الدنيا إشارة إلى المنع من دعوى الإجزاء، أي لا بد من الزيادة ليتميز ما يصدر من الخالق من العذاب على ما يصدر من خلقه. قوله: "مثل حرها" زاد أحمد وابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة "وضربت بالبحر مرتين ولولا ذلك ما انتفع بها أحد" ونحوه للحاكم وابن ماجه عن أنس وزادا "فإنها لتدعو الله أن لا يعيدها فيها" وفي "الجامع لابن عيينة" عن ابن عباس رضي الله عنه "هذه النار ضربت بماء البحر سبع مرات ولولا ذلك ما انتفع بها أحد". التاسع: حديث يعلى بن أمية، وقد تقدمت الإشارة إليه في "باب الملائكة". العاشر: حديث أسامة بن زيد، قوله: "لو أتيت فلانا فكلمته" هو عثمان كما في صحيح مسلم، وسيأتي بيان ذلك وبيان السبب فيه في كتاب الفتن، وكذا طريق غندر عن شعبة التي علقها المصنف هنا فقد وصلها هناك، والله أعلم.

(6/334)


باب صفة إبليس و جنوده
...
11 - باب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {يُقْذَفُونَ}: يُرْمَوْنَ. {دُحُورًا}: مَطْرُودِينَ. {وَاصِبٌ}: دَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَدْحُورًا}: مَطْرُودًا، يُقَالُ: مَرِيدًا مُتَمَرِّدًا. بَتَّكَهُ: قَطَّعَهُ. {وَاسْتَفْزِزْ}: اسْتَخِفَّ. {بِخَيْلِكَ}: الْفُرْسَانُ. وَالرَّجْلُ: الرَّجَّالَةُ وَاحِدُهَا رَاجِلٌ، مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ. {لاَحْتَنِكَنَّ}: لاَسْتَأْصِلَنَّ. {قَرِينٌ}: شَيْطَانٌ.
3268- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّيْثُ كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَوَعَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي أَتَانِي رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ قَالَ فِيمَا ذَا قَالَ فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ قَالَ فَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَقُلْتُ اسْتَخْرَجْتَهُ فَقَالَ لاَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ".

(6/334)


3269- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلاَ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ".
3270- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ أَوْ قَالَ فِي أُذُنِهِ".
3271- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ".
3272- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ".
3273- "وَلاَ تَحَيَّنُوا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ أَوْ الشَّيْطَانِ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ".
3274- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ شَيْءٌ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَمْنَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيَمْنَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَليُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ".
3275- وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لاَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ

(6/335)


مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ".
3276- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ".
3277- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ".
3278- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ".
3279- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ".
3280- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ أَوْ قَالَ جُنْحُ اللَّيْلِ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا".
[الحديث 3280 – أطرافه في: 3304، 3316، 5623، 6295، 6296]
3281- حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنْ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ

(6/336)


يَجْرِي مِنْ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَالَ شَيْئًا".
3282- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لاَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ فَقَالُوا لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ. فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ؟".
[الحديث 3282 – طرفاه في: 6048، 6115]
3283- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ".
قَالَ: وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ... مِثْلَهُ.
3284- حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةً فَقَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ عَلَيَّ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَذَكَرَهُ".
3285- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى لاَ يَدْرِيَ أَثَلاَثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلاَثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ".
3286- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ".
[الحديث 3286 – طرفاه في: 3431، 4548]
3287- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَقُلْتُ مَنْ هَا هُنَا قَالُوا أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ أَفِيكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ وَقَالَ: الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي عَمَّارًا".
[الحديث 3287 – أطرافه في: 3742، 3743، 3761، 4941، 4944، 6287]

(6/337)


3288- قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَلاَئِكَةُ تَتَحَدَّثُ فِي الْعَنَانِ وَالْعَنَانُ الْغَمَامُ بِالأَمْرِ يَكُونُ فِي الأَرْضِ فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ".
3289- حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ".
[الحديث 3289 – طرفاه في: 6223، 6226]
3290- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامٌ أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَاحَ إِبْلِيسُ أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ قَالَ عُرْوَةُ فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ".
[الحديث 3290 – أطرافه في: 3824، 4065، 6668، 6883، 6890]
3291- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ".
3292- حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ".
[الحديث 3292 – أطرافه في: 5747، 6984، 6986، 6995، 6996، 7005، 7044]
3293- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ

(6/338)


وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ".
[الحديث 3293 – طرفه في: 6403]
3294- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ فَقَالَ عُمَرُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَتِي كُنَّ عِنْدِي فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ قَالَ عُمَرُ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ ثُمَّ قَالَ أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَ نَعَمْ أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ".
[الحديث 3294 – طرفاه في: 3683، 6085]
3295- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أُرَاهُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ".
قوله: "باب صفة إبليس وجنوده" إبليس اسم أعجمي عند الأكثر، وقيل: مشتق من أبلس إذا أيئس، قال ابن الأنباري: لو كان عربيا لصرف كإكليل. وقال الطبري: إنما لم يصرف وإن كان عربيا لقلة نظيره في كلام العرب فشبهوه بالعجمي، وتعقب بأن ذلك ليس من موانع الصرف وبأن له نظائر كإخريط وإصليت، واستبعد كونه مشتقا أيضا بأنه لو كان كذلك لكان إنما سمي إبليس بعد يأسه من رحمة الله بطرده ولعنه، وظاهر القرآن أنه كان يسمى بذلك قبل ذلك، كذا قيل، ولا دلالة فيه، لجواز أن يسمى بذلك باعتبار ما سيقع له، نعم روى الطبري وابن أبي الدنيا عن ابن عباس قال: كان اسم إبليس حيث كان مع الملائكة عزازيل ثم إبليس بعد. وهذا يؤيد ذلك القول والله أعلم. ومن أسمائه الحارث والحكم، وكنيته أبو مرة. وفي كتاب "ليس لابن خالويه" كنيته أبو الكروبيين، وقوله: "وجنوده" كأنه يشير بذلك إلى حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا قال: "إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول: من أضل مسلما ألبسته التاج" الحديث أخرجه ابن حبان والحاكم والطبراني. ولمسلم من حديث جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة". واختلف هل كان من الملائكة ثم مسخ لما طرد أو لم يكن منهم أصلا؟ على قولين

(6/339)


مشهورين سيأتي بيانهما في التفسير إن شاء الله تعالى. قوله: "وقال مجاهد ويقذفون يرمون دحورا مطرودين" يريد تفسير قوله تعالى: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً} الآية، وقد وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كذلك، وهذه صفة من يسترق السمع من الشياطين، وسيأتي في التفسير أيضا. قوله: "وقال ابن عباس مدحورا مطرودا" يريد تفسير قوله تعالى: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً} وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة، وإنما ذكره البخاري هنا استطرادا لذكره دحورا قبله وإن كان لا يتعلق بإبليس وجنوده. قوله: "ويقال مريدا متمردا" هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً} أي متمردا. قوله: "بتكه: قطعه" قال أبو عبيدة في قوله: "فليبتكن آذان الأنعام" أي ليقطعن، يقال بتكه قطعه. قوله: "واستفزز : استخف بخيلك الفرسان والرجل الرجالة واحدها راجل مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر" هو كلام أبي عبيدة أيضا. قوله: "لأحتنكن : لأستأصلن" قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً} يقول لأستميلنهم ولأستأصلنهم يصال احتنك فلان ما عند فلان إذا أخذ جميع ما عنده. قوله: "قرين شيطان" روى ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} قال شيطان وعن غير مجاهد خلافه، وروى الطبري عن مجاهد والسدي في قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} قال شياطين. ثم ذكر المصنف في الباب سبعة وعشرين حديثا: الأول: حديث عائشة قالت: "سحر النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب الطب، ووجه إيراده هنا من جهة أن السحر إنما يتم باستعانة الشياطين على ذلك، وسيأتي إيضاح ذلك هناك، وقد أشكل ذلك على بعض الشراح. قوله: "وقال الليث كتب إلي هشام بن عروة إلخ" رويناه موصولا في نسخة عيسى بن حماد رواية أبي بكر بن أبي داود عنه. الثاني: حديث أبي هريرة في عقد الشيطان على رأس النائم، تقدم شرحه في صلاة الليل، وأخو إسماعيل هو أبو بكر عبد الرحمن بن أبي أويس، ووهم من سماه عبد الله. الثالث: حديث ابن مسعود في بول الشيطان في أذن النائم عن الصلاة، تقدم شرحه في صلاة الليل أيضا. الرابع: حديث ابن عباس في الندب إلى التسمية عند الجماع، يأتي شرحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. الخامس: حديث ابن عمر في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، تقدم شرحه في الصلاة، والقائل: "لا أدري أي ذلك قال هشام" هو عبدة بن سليمان الراوي عنه، وقوله: "حاجب الشمس" هو طرف قرصها الذي يبدو عند طلوع الشمس ويبقى عند الغروب، وقرنا الشيطان جانبا رأسه، يقال إنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وكذا عند غروبها، وعلى هذا فقوله: "تطلع بين قرني الشيطان" أي بالنسبة إلى من يشاهد الشمس عند طلوعها، فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها. وقد تمسك به من رد على أهل الهيئة القائلين بأن الشمس في السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء، ولا حجة فيه لما ذكرنا، والحق أن الشمس في الفلك الرابع، والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة. ومحمد شيخ البخاري فيه هو ابن سلام ثبت كذلك عند ابن السكن وبه جزم أبو نعيم والجياني. السادس: حديث أبي سعيد في الإذن بقتل المار بين يدي المصلي تقدم شرحه في الصلاة. السابع: حديث أبي هريرة في حفظ زكاة رمضان، تقدم شرحه في كتاب الوكالة. الثامن: حديث: "يأتي الشيطان". قوله: "من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم

(6/340)


أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها، قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع، قال: وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، قال: والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك. قال الخطابي: على أن قوله من خلق ربك كلام متهافت ينقض آخره أوله لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا، ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث. فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات، انتهى. والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه نظر، لأنه ثبت في مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله" فسوى في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره. وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال: سألني عنها اثنان، وكان السؤال عن ذلك لما كان واهيا لم يستحق جوابا، أو الكف عن ذلك نظير الأمر بالكف عن الخوض في الصفات والذات. قال المازري: الخواطر على قسمين: فالتي لا تستقر ولا يجلبها شبهة هي التي تندفع بالإعراض عنها، وعلى هذا ينزل الحديث، وعلى مثلها ينطلق اسم وسوسة، وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي التي لا تندفع إلا بالنظر والاستدلال وقال الطيبي: إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج لأن العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة، ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلا حيرة، ومن هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به، وفي الحديث إشارة إلى ذم كثرة السؤال عما لا يعني المرء وعما هو مستغن عنه، وفيه علم من أعلام النبوة لإخباره بوقوع ما سيقع فوقع، وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى. حديث أبي هريرة: "إذا دخل رمضان صفدت الشياطين" تقدم شرحه في الصيام. حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر سيأتي شرحه في التفسير. حديث ابن عمر في طلوع الفتنة من قبل المشرق، سيأتي شرحه في الفتن، وحاصله أن منشأ الفتن من جهة المشرق وكذا وقع. حديث جابر، ومحمد بن عبد الله الأنصاري المذكور في السند هو من شيوخ البخاري، وحدث عنه هنا بواسطة. قوله: "إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل" في رواية الكشميهني: "أو قال جنح الليل" وهو بضم الجيم وبكسرها، والمعنى إقباله بعد غروب الشمس، يقال جنح الليل أقبل واستجنح حان جنحه أو وقع وحكى عياض أنه وقع في رواية أبي ذر "استنجع" بالعين المهملة بدل الحاء وهو تصحيف، وعند الأصيلي: "أول الليل" بدل قوله أو كان جنح الليل، و "كان" في قوله: "وكان جنح الليل" تامة أي حصل. قوله: "فخلوهم" كذا للأكثر بفتح الخاء المعجمة، وللسرخسي بضم الحاء المهملة، قال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا، والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبا والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به، فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت. والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار، لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وكذلك

(6/341)


كل سواد. ولهذا قال في حديث أبي ذر "فما يقطع الصلاة؟ قال: الكلب الأسود شيطان" أخرجه مسلم. قوله: "وأغلق بابك" هو خطاب لمفرد، والمراد به كل أحد، فهو عام بحسب المعنى، ولا شك أن مقابلة المفرد بالمفرد تفيد التوزيع، وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى. حديث صفية تقدم في الاعتكاف، وفيه: "إن الله جعل للشيطان قوة على التوصل إلى باطن الإنسان" وقيل: ورد على سبيل الاستعارة أي أن وسوسته تصل في مسام البدن مثل جري الدم من البدن. حديث سليمان بن صرد في الاستعاذة، يأتي في الأدب. والودج بفتح الدال وبالجيم عرق في العنق. حديث ابن عباس تقدم ضمن أحاديث الباب، وقوله: "قال وحدثنا الأعمش" قائل ذلك هو شعبة فله فيه شيخان. حديث أبو هريرة. قوله: "حدثنا محمود" هو ابن غيلان، وقد تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في أواخر الصلاة، وقوله هنا: "فذكره" أي ذكر تمام الحديث، وتمامه هناك "فذعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية" الحديث. وقد تقدم هناك شرح قوله: "فذعته" ويأتي الكلام على بقية فوائده في أحاديث الأنبياء في ترجمة سليمان عليه السلام، ويأتي الكلام على إمكان رؤية الجن في أول الباب الذي يلي هذا. وفي الحديث إباحة ربط من يخشى هربه ممن في قتله حق، وفيه إباحة العمل اليسير في الصلاة، وأن المخاطبة فيها إذا كانت بمعنى الطلب من الله لا تعد كلاما فلا يقطع الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق هذا الحديث: "أعوذ بالله منك" كما سيأتي إن شاء الله تعالى. حديث أبي هريرة "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان" وقد تقدم شرحه في أواخر الصلاة في الكلام على سجود السهو. حديثه "كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بإصبعيه" وسيأتي شرحه في ترجمة عيسى ابن مريم من أحاديث الأنبياء، وقوله: "في جنبه" كذا للأكثر بالإفراد، ولأبي ذر الجرجاني "جنبيه" بالتثنية، وذكر عياض أن في كتابه من رواية الأصيلي: "جنبه" بالإفراد لكن بياء مثناة من تحت بدل الموحدة قال: وهو تصحيف قلت: لعل نقطته سقطت من القلم فلا ينبغي أن يعد ذلك رواية، والله المستعان. والمراد بالحجاب الجلدة التي فيها الجنين أو الثوب الملفوف على الطفل. الحديث التاسع عشر: حديث أبي الدرداء في فضل عمار، أورده مختصرا جدا من وجهين، وسيأتي بتمامه في المناقب، والغرض منه قوله: "الذي أجاره الله من الشيطان" فإنه يشعر بأن له مزية بذلك على غيره، ومقتضاه أن للشيطان تسلطا على من لم يجره الله منه. الحديث العشرون: حديث عائشة في ذكر الكهان أورده معلقا عن الليث، وقد تقدمت الإشارة إليه في صفة الملائكة، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي صالح كاتب الليث عنه وقال: يقال إن البخاري حمله عن عبد الله بن صالح. الحديث الحادي والعشرون: حديث أبي هريرة في التثاؤب، وسيأتي شرحه في الأدب وبيان الاختلاف فيه على سعيد المقبري هل هو عنده عن أبي هريرة بلا واسطة أو بواسطة أبيه. الحديث الثاني والعشرون: حديث عائشة قي قصة قتل والد حذيفة، وسيأتي شرحها في غزوة أحد. الحديث الثالث والعشرون: حديث عائشة في الالتفات في الصلاة، وقد تقدم شرحه في الصلاة. الحديث الرابع والعشرون: حديث أبي قتادة "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان" الحديث، وأورده من وجهين، وسيأتي شرحه في التعبير، وفائدة الطريق الثانية وإن كانت الأولى أعلى منها التصريح فيها بتحديث عبد الله بن أبي قتادة ليحيى بن أبي كثير. الحديث الخامس والعشرون: حديث أبي هريرة في فضل قول لا إله إلا الله، وسيأتي شرحه في الدعوات. الحديث السادس والعشرون: حديث سعد "استأذن

(6/342)


عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة" الحديث، وسيأتي شرحه في المناقب. الحديث السابع والعشرون: حديث أبي هريرة في الأمر بالاستنثار، وفيه: "فإن الشيطان يبيت على خيشومه" والخيشوم بفتح الخاء المعجمة وبسكون الياء التحتانية وضم المعجمة وسكون الواو هو الأنف، وقيل: المنخر، وقوله: "فليستنثر" أكثر فائدة من قوله: "فليستنشق" لأن الاستنثار يقع على الاستنشاق بغير عكس، فقد يستنشق ولا يستنثر، والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق، لأن حقيقة الاستنشاق جذب الماء بريح الأنف إلى أقصاه والاستنثار إخراج ذلك الماء، والمقصود من الاستنشاق تنظيف داخل الأنف والاستنثار يخرج ذلك الوسخ مع الماء فهو من تمام الاستنشاق، وقيل: إن الاستنثار مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف، وقيل: الأنف نفسه، فعلى هذا فمن استنشق، فقد استنثر لأنه يصدق أنه تناول الماء بأنفه أو بطرف أنفه، وفيه نظر. ثم إن ظاهر الحديث أن هذا يقع لكل نائم ويحتمل أن يكون مخصوصا بمن لم يحترس من الشيطان بشيء من الذكر، لحديث أبي هريرة المذكور قبل حديث سعد فإن فيه: "فكانت له حرزا من الشيطان" وكذلك آية الكرسي، وقد تقدم فيه: "ولا يقربك شيطان" ويحتمل أن يكون المراد بنفي القرب هنا أنه لا يقرب من المكان الذي يوسوس فيه وهو القلب فيكون مبته على الأنف ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ، فمن استنثر منعه من التوصل إلى ما يقصد من الوسوسة، فحينئذ فالحديث متناول لكل مستيقظ. ثم إن الاستنشاق من سنن الوضوء اتفاقا لكل من استيقظ أو كان مستيقظا. وقالت طائفة بوجوبه في الغسل وطائفة بوجوبه في الوضوء أيضا، وهل تتأدى السنة بمجرده بغير استنثار أم لا خلاف؟ وهو محل بحث وتأمل. والذي يظهر أنها لا تتم إلا به لما تقدم. والله أعلم.

(6/343)


باب ذكر الجن و ثوابهم و عقابهم . لقوله { يا معشر الجن و الإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ـ إلى قوله ـ عما يعملون }
...
12 - باب ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ
لِقَوْلِهِ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} إلى قوله: {عَمَّا يَعْمَلُونَ}. {بَخْسًا}: نَقْصًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}: قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ وَأُمَّهَاتُهُنَّ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، قَالَ اللَّهُ {وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}: سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ. {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ}: عِنْدَ الْحِسَابِ.
3296- حدثنا قتيبة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: "إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قوله: "باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم" أشار بهذه الترجمة إلى إثبات وجود الجن وإلى كونهم مكلفين، فأما إثبات وجودهم فقد نقل إمام الحرمين في "الشامل" عن كثير من الفلاسفة والزنادقة والقدرية أنهم أنكروا وجودهم رأسا، قال: ولا يتعجب ممن أنكر ذلك من غير المشرعين، إنما العجب من المشرعين مع نصوص القرآن والأخبار المتواترة، قال: وليس في قضية العقل ما يقدح في إثباتهم. قال وأكثر ما استروح إليه من نفاهم حضورهم

(6/343)


عند الإنس بحيث لا يرونهم ولو شاءوا لأبدوا أنفسهم، قال: وإنما يستبعد ذلك من لم يحط علما بعجائب المقدورات. وقال القاضي أبو بكر: وكثير من هؤلاء يثبتون وجودهم وينفونه الآن، ومنهم من يثبتهم وينفي تسلطهم على الإنس. وقال عبد الجبار المعتزلي: الدليل على إثباتهم السمع دون العقل، إذ لا طريق إلى إثبات أجسام غائبة لأن الشيء لا يدل على غيره من غير أن يكون بينهما تعلق، ولو كان إثباتهم باضطرار لما وقع الاختلاف فيه، إلا أنا قد علمنا بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتدين بإثباتهم، وذلك أشهر من أن يتشاغل بإيراده. وإذا ثبت وجودهم فقد تقدم في أوائل صفة النار تفسير قوله تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} واختلف في صفتهم فقال القاضي أبو بكر الباقلاني قال بعض المعتزلة: الجن أجساد رقيقة بسيطة، قال: وهذا عندنا غير ممتنع إن ثبت به سمع. وقال أبو يعلى بن الفراء: الجن أجسام مؤلفة وأشخاص ممثلة، يجوز أن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة خلافا للمعتزلة في دعواهم أنها رقيقة، وأن امتناع رؤيتنا لهم من جهة رقتها. وهو مردود، فإن الرقة ليس بمانعة عن الرؤية. ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها. وروى البيهقي في "مناقب الشافعي" بإسناده عن الربيع سمعت الشافعي يقول: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته، إلا أن يكون نبيا. انتهى. وهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها، وأما من ادعى أنه يري شيئا منهم بعد أن يتطور على صور شتى من الحيوان فلا يقدح فيه، وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور، واختلف أهل الكلام في ذلك فقيل: هو تخييل فقط ولا ينتقل أحد عن صورته الأصلية، وقيل بل ينتقلون لكن لا باقتدارهم على ذلك بل بضرب من الفعل إذا فعله انتقل كالسحر وهذا قد يرجع إلى الأول، وفيه أثر عن عمر أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح "أن الغيلان ذكروا عند عمر فقال: إن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلفه الله عليها، ولكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا" وإذا ثبت وجودهم فقد اختلف في أصلهم فقيل: إن أصلهم من ولد إبليس، فمن كان منهم كافرا سمي شيطانا، وقيل: إن الشياطين خاصة أولاد إبليس ومن عداهم ليسوا من ولده، وحديث ابن عباس الآتي في تفسير سورة الجن يقوي أنهم نوع واحد من أصل واحد، واختلف صنفه فمن كان كافرا سمي شيطانا وإلا قيل له جني، وأما كونهم مكلفين فقال ابن عبد البر: الجن عند الجماعة مكلفون. وقال عبد الجبار: لا نعلم خلافا بين أهل النظر في ذلك، إلا ما حكى زرقان عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وليسوا بمكلفين، قال: والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم وما أعد لهم من العذاب، وهذه الخصال لا تكون إلا لمن خالف الأمر وارتكب النهي مع تمكنه من أن لا يفعل، والآيات والأخبار الدالة على ذلك كثيرة جدا، وإذا تقرر كونهم مكلفين فقد اختلفوا هل كان فيهم نبي منهم أم لا؟ فروى الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم إثبات ذلك، قال: ومن قال بقول الضحاك احتج بأن الله تعالى أخبر أن من الجن والإنس رسلا أرسلوا إليهم، فلو جاز أن المراد برسل الجن رسل الإنس لجاز عكسه وهو فاسد انتهى. وأجاب الجمهور عن ذلك بأن معنى الآية أن رسل الإنس رسل من قبل الله إليهم، ورسل الجن بثهم الله في الأرض فسمعوا كلام الرسل من الإنس وبلغوا قومهم، ولهذا قال قائلهم {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} الآية، واحتج ابن حزم بأنه صلى الله عليه وسلم قال: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى قومه" قال وليس الجن من قوم الإنس، فثبت أنه كان منهم أنبياء إليهم، قال: ولم يبعث إلى الجن من الإنس نبي إلا نبينا صلى الله عليه وسلم لعموم بعثته إلى الجن والإنس باتفاق. انتهى. وقال

(6/344)


ابن عبد البر: "لا يختلفون أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن" وهذا مما فضل به على الأنبياء، ونقل عن ابن عباس في قوله تعالى في سورة غافر {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} قال: هو رسول الجن، وهذا ذكره(1). وقال إمام الحرمين في "الإرشاد" في أثناء الكلام مع العيسوية: وقد علمنا ضرورة أنه صلى الله عليه وسلم دعى كونه مبعوثا إلى الثقلين. وقال ابن تيمية: اتفق على ذلك علماء السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وثبت التصريح بذلك في حديث: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى قومه وبعثت إلى الإنس والجن" فيما أخرجه البزار بلفظ. وعن ابن الكلبي كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى الإنس فقط، وبعث محمد إلى الإنس والجن وإذا تقرر كونهم مكلفين فهم مكلفون بالتوحيد وأركان الإسلام، وأما ما عداه من الفروع فاختلف فيه لما ثبت من النهي عن الروث والعظم وأنهما زاد الجن، وسيأتي في السيرة النبوية حديث أبي هريرة وفي آخره: "فقلت ما بال الروث والعظم؟ قال: هما طعام الجن" الحديث، فدل على جواز تناولهم للروث وذلك حرام علف الإنس، وكذلك روى أحمد والحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: "خرج رجل من خيبر فتبعه رجلان آخر يتلوهما يقول ارجعا حتى ردهما، ثم لحقه فقال له إن هذين شيطانان، فإذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقرأ عليه السلام وأخبره أنا في جمع صدقاتنا، ولو كانت تصلح له لبعثنا بها إليه. فلما قدم الرجل المدينة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فنهى عن الخلوة"، أي السفر منفردا. واختلف أيضا هل يأكلون ويشربون ويتناكحون أم لا؟ فقيل بالنفي وقيل بمقابله، ثم اختلفوا فقيل أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع، وهو مردود بما رواه أبو داود من حديث أمية بن مخشى قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يأكل ولم يسم ثم سمي في آخره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما زال الشيطان يأكل معه فلما سمي استقاء ما في بطنه" وروى مسلم من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأكلن أحدكم بشماله ويشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله" وروى ابن عبد البر عن وهب بن منبه أن الجن أصناف فخالصهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، وجنس منهم يقع منهم ذلك ومنهم السعالي والغول والقطرب، وهذا إن ثبت كان جامعا للقولين الأولين، ويؤيده ما روى ابن حبان والحاكم من حديث أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وعقارب وصنف يحلون ويظعنون" وروى ابن أبي الدنيا من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه لكن قال في الثالث: "وصنف عليهم الحساب والعقاب" وسيأتي شيء من هذا في الباب الذي يليه، وروى ابن أبي الدنيا من طريق يزيد بن يزيد بن جابر أحد ثقات الشاميين من صغار التابعين قال. ما من أهل بيت إلا وفي سقف بيتهم من الجن، وإذا وضع الغداء نزلوا فتغدوا معهم والعشاء كذلك. واستدل من قال بأنهم يتناكحون بقوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} وبقوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} والدلالة من ذلك ظاهرة. واعتل من أنكر ذلك بأن الله تعالى أخبر أن الجان خلق من نار، وفي النار من اليبوسة والخفة ما يمنع معه التوالد. والجواب أن أصلهم من النار كما أن أصل الآدمي من التراب، وكما أن الآدمي ليس طينا حقيقة كذلك الجني ليس نارا حقيقة، وقد وقع في الصحيح في قصة تعرض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فأخذته فخنقته حتى وجدت برد ريقه على يدي" قلت: وبهذا الجواب يندفع إيراد من استشكل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} فقال كيف تحرق النار النار؟ وأما قول المصنف: "وثوابهم
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: هذه الكلمة ثابتة في بعض النسخ وساقطة من بعضها وبعدها علامة وقفة.

(6/345)


وعقابهم" فلم يختلف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي، واختلف هل يثابون؟ فروى الطبري وابن أبي حاتم من طريق أبي الزناد موقوفا. قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال الله لمؤمن الجن وسائر الأمم أي من غير الإنس: كونوا ترابا، فحينئذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا" وروى ابن أبي الدنيا عن ليث بن أبي سليم قال: ثواب الجن أن يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا وروى عن أبي حنيفة نحو هذا القول. وذهب الجمهور إلى أنهم يثابون على الطاعة، وهو قول الأئمة الثلاثة والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهم، ثم اختلفوا هل يدخلون مدخل الإنس؟ على أربعة أقوال: أحدها: نعم، وهو قول الأكثر، وثانيها: يكونون في ربض الجنة وهو منقول عن مالك وطائفة، وثالثها: أنهم أصحاب الأعراف، ورابعها: التوقف عن الجواب في هذا. وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي يوسف قال: قال ابن أبي ليلى في هذا لهم ثواب، قال: فوجدنا مصداق ذلك في كتاب الله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} قلت: وإلى هذا أشار المصنف بقوله قبلها {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} فإن قوله: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} يلي الآية التي بعد هذه الآية، واستدل بهذه الآية أيضا ابن عبد الحكم. واستدل ابن وهب بمثل ذلك بقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} الآية، فإن الآية بعدها أيضا: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} وروى أبو الشيخ في تفسيره عن مغيث بن سمي أحد التابعين قال: ما من شيء إلا وهو يسمع زفير جهنم إلا الثقلين الذين عليهم الحساب والعقاب. ونقل عن مالك أنه استدل على أن عليهم العقاب ولهم الثواب بقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ثم قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} والخطاب للإنس والجن، فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين والمؤمن من شأنه أن يخاف مقام ربه ثبت المطلوب والله أعلم. قوله: "بخسا: نقصانا" يريد تفسير قوله تعالى: حكاية عن الجن {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً} قال يحيى الفراء: البخس النقص، والرهق الظلم، ومفهوم الآية أن من يكفر فإنه يخاف، فدل ذلك على ثبوت تكليفهم قوله: "وقال مجاهد: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا إلخ" وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به وفيه: "فقال أبو بكر: ممن أمهاتهم؟ قالوا: بنات سروات الجن إلخ" وفيه: "قال علمت الجن أنهم سيحضرون للحساب" قلت: وهذا الكلام الأخير هو المتعلق بالترجمة، وسروات بفتح المهملة والراء جمع سرية بتخفيف الراء أي شريفة، ووقع هنا في رواية أبي ذر "وأمهاتهن" ولغيره: "وأمهاتهم" وهو أصوب، ووقع أيضا لغير الكشميهني "جند محضرون" بالأفراد وروايته أشبه. قوله: "جند محضرون: عند الحساب" وصله الفريابي أيضا بالإسناد المذكور عن مجاهد. ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد "لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له" وقد تقدم مشروحا في كتاب الأذان، والغرض منه هنا أنه يدل على أن الجن يحشرون يوم القيامة، والله أعلم.

(6/346)


باب قول الله عز و جل { و إذ صرفنا إليك نفرا من الجن ـ إلى قوله ـ أولئك في ضلال مبين }
...
13 - باب قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ} إلى قوله: {أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}. {مَصْرِفًا}: مَعْدِلًا. {صَرَفْنَا}: أَيْ وَجَّهْنَا
قوله: "باب قوله عز وجل: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ} إلى قوله: {أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}" سيأتي القول في تعيينهم وتعيين بلدهم في التفسير إن شاء الله تعالى. قوله: "صرفنا: أي وجهنا" هو تفسير المصنف. وقوله:

(6/346)


"مصرفا: معدلا" هو تفسير أبي عبيدة، واستشهد بقول أبي كبير بالموحدة الهذلي:
أزهير هل عن ميتة من مصرف ... أم لا خلود لباذل متكلف
"تنبيه": لم يذكر المصنف في هذا الباب حديثا، واللائق به حديث ابن عباس الذي تقدم في صفة الصلاة في توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ واستماع الجن لقراءته، وسيأتي شرحه بتمامه في التفسير إن شاء الله تعالى. وقد أشار إليه المصنف بالآية التي صدر بها هذا الباب.

(6/347)


باب قول الله تعالى { و بث فيها من كل دابة } قال ابن عباس : الثعبان الحية الذكر منها ، يقال الحيات أجناس : الجان و الأفاعي والأسود .
...
14 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الثُّعْبَانُ: الْحَيَّةُ الذَّكَرُ مِنْهَا، يُقَالُ: الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ. {آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}: فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ. يُقَالُ {صَافَّاتٍ}: بُسُطٌ أَجْنِحَتَهُنَّ {يَقْبِضْنَ}: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ.
3297- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ".
[الحديث 3298 – أطرافه في: 3310، 3312، 4016]
3298- قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لِأَقْتُلَهَا فَنَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ لاَ تَقْتُلْهَا فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ قَالَ إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وَهِيَ الْعَوَامِرُ".
[الحديث 3298 – طرفاه في: 3311، 3313]
3299- وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ فَرَآنِي أَبُو لُبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ وَالزُّبَيْدِيُّ وَقَالَ صَالِحٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَابْنُ مُجَمِّعٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَآنِي أَبُو لُبَابَةَ وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ".
قوله: "باب قول الله تعالى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} كأنه أشار إلى سبق خلق الملائكة والجن على الحيوان، أو سبق جميع ذلك على خلق آدم، والدابة لغة ما دب من الحيوان، واستثنى بعضهم الطير لقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} والأول أشهر لقوله تعالى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}، وعرفا ذوات الأربع، وقيل: يختص بالفرس وقيل: بالحمار، والمراد هنا المعنى اللغوي. وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: "إن خلق الدواب كان يوم الأربعاء" وهو دال على أن ذلك قبل خلق آدم. قوله: "قال ابن عباس: الثعبان: الحية الذكر" وصله ابن أبي حاتم من طريقه، وقيل: الثعبان الكبير من الحيات ذكرا كان أو أنثى. قوله: "يقال الحيات: أجناس، الجان والأفاعي والأساود" في رواية الأصيلي: "الجان أجناس" قال عياض: الأول هو الصواب، قلت هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير سورة القصص، قال في قوله: {كَأَنَّهَا جَانٌّ} وفي قوله: {حَيَّةٌ تَسْعَى} كأنها جان من الحيات أو من حية الجان، فجرى على أن ذلك شيء واحد، وقيل: كانت العصا في أول الحال جانا وهي

(6/347)


الحية الصغيرة ثم صارت ثعبانا، فحينئذ ألقى العصا، وقيل: اختلف وصفها باختلاف أحوالها: فكانت كالحية في سعيها وكالجان في حركتها وكالثعبان في ابتلاعها، والأفاعي جمع أفعى وهي الأنثى من الحيات، والذكر منها أفعوان بضم الهمزة والعين، وكنية الأفعوان أبو حيان وأبو يحيى لأنه يعيش ألف سنة، وهو الشجاع الأسود الذي يواثب الإنسان، ومن صفة الأفعى إذا فقئت عينها عادت ولا تغمض حدقتها البتة، والأساود جمع أسود قال أبو عبيد هي حية فيها سواد. وهي أخبث الحيات. ويقال له أسود سالخ لأنه يسلخ جلده كل عام. وفي سنن أبي داود والنسائي عن ابن عمر مرفوعا: "أعوذ بالله من أسد وأسود" (1) وقيل: هي حية رقيقة رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس وربما كانت ذات قرنين والهاء في الحية للوحدة، كدجاجة، وقد عد لها ابن خالويه في "كتاب ليس" سبعين اسما. قوله: "آخذ بناصيتها: في ملكه وسلطانه" قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أي في قبضته وملكه وسلطانه، وخص الناصية بالذكر على عادة العرب في ذلك تقول: ناصية فلان في يد فلان إذا كان في طاعته، ومن ثم كانوا يجزون ناصية الأسير إذا أطلقوه. قوله: "ويقال صافات: بسط أجنحتهن" وقوله: "يقبضن: يضربن بأجنحتهن" هو قول أبي عبيدة أيضا، قال في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} أي باسطات أجنحتهن {وَيَقْبِضْنَ} يضربن بأجنحتهن، وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {صَافَّاتٍ} قال: بسط أجنحتهن. حديث أبي لبابة. قوله: "واقتلوا ذا الطفيتين" تثنية طفية بضم الطاء المهملة وسكون الفاء وهي خوصة المقل، والطفي خوص المقل، شبه به الخط الذي على ظهر الحية. وقال ابن عبد البر: يقال أن ذا الطفيتين جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان. قوله: "والأبتر" هو مقطوع الذنب، زاد النضر بن شميل أنه أزرق اللون لا تنظر إليه حامل إلا ألقت، وقيل: الأبتر الحية القصيرة الذنب، قال الداودي: هو الأفعى التي تكون قدر شبر أو أكثر قليلا، وقوله: "والأبتر" يقتضي التغاير بين ذي الطفيتين والأبتر؛ ووقع في الطريق الآتية "لا تقتلوا الحيات إلا كل أبتر ذي طفيتين" وظاهره اتحادهما، لكن لا ينفي المغايرة. قوله: "فإنهما يطمسان البصر" أي يمحوان نوره. وفي رواية ابن أبي مليكة عن ابن عمر "ويذهب البصر" وفي حديث عائشة "فإنه يلتمس البصر". قوله: "ويستسقطان الحبل" هو بفتح المهملة والموحدة الجنين. وفي رواية ابن أبي مليكة عن ابن عمر الآتية بعد أحاديث "فإنه يسقط الولد" وفي حديث عائشة الآتي بعد أحاديث: "ويصيب الحبل" وفي رواية أخرى عنها "ويذهب الحبل" وكلها بمعنى. قوله: "قال عبد الله" هو ابن عمر. وفي رواية يونس عن الزهري التي يأتي التنبيه عليها "قال ابن عمر: فكنت لا أترك حية إلا قتلتها، حتى طاردت حية من ذوات البيوت" الحديث، وقوله: "أطارد" أي أتبع وأطلب. قوله: "فناداني أبو لبابة" بضم اللام وبموحدتين صحابي مشهور اسمه بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة وقيل: مصغر وقيل: بتحتانية ومهملة مصغر وقيل: رفاعة وقيل: بل اسمه كنيته ورفاعة وبشير أخواه، واسم جده زنبر بزاي ونون وموحدة وزن جعفر، وهو أوسي من بني أمية بن زيد، وشذ من قال اسمه مروان، وليس له في الصحيح إلا هذا الحديث، وكان أحد النقباء وشهد أحدا، ويقال شهد بدرا، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، وكانت معه راية قومه يوم الفتح، ومات في أول(2)
ـــــــ
(1) في نسخة أخرى "من أسود وأسوده".
(2) في نسخة "في آخر".

(6/348)


خلافة عثمان على الصحيح. قوله: "إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت" أي اللاتي يوجدن في البيوت، وظاهره التعميم في جميع البيوت، وعن مالك تخصيصه ببيوت أهل المدينة، وقيل: يختص ببيوت المدن دون غيرها، وعلى كل قول فتقتل في البراري والصحاري من غير إنذار، وروى الترمذي عن ابن المبارك أنها الحية التي تكون كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها. قوله: "وهي العوامر" هو كلام الزهري أدرج في الخبر، وقد بينه معمر في روايته عن الزهري فساق الحديث وقال في آخره: "قال الزهري وهي العوامر" قال أهل اللغة عمار البيوت سكانها من الجن، وتسميتهن عوامر لطول لبثهن في البيوت مأخوذ من العمر وهو طول البقاء، وعند مسلم من حديث أبي سمعيد مرفوعا: "إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئا فحرجوا عليه ثلاثا، فإن ذهب وإلا فاقتلوه" واختلف في المراد بالثلاث فقيل ثلاث مرات، وقيل ثلاثة أيام، ومعنى قوله حرجوا عليهن أن يقال لهن أنتن في ضيق وحرج إن لبثت عندنا أو ظهرت لنا أو عدت إلينا. قوله: "وقال عبد الرزاق عن معمر: فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب" يريد أن معمر رواه عن الزهري بهذا الإسناد على الشك في اسم الذي لقي عبد الله بن عمر، وروايته هذه أخرجها مسلم ولم يسق لفظها، وساقه أحمد والطبراني من طريقه. قوله: "وتابعه يونس" أي ابن يزيد، وابن عيينة أي سفيان، وإسحاق الكلبي والزبيدي، أي إن هؤلاء الأربعة تابعوا معمرا على روايته المذكورة. فأما رواية يونس فوصلها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أبو عوانة، وأما رواية ابن عيينة فأخرجها أحمد والحميدي في مسنديهما عنه، ووصلها مسلم وأبو داود من طريقه. وفي رواية مسلم: "وكان ابن عمر يقتل كل حية وجدها، فأبصره أبو لبابة بن عبد المنذر أو زيد بن الخطاب" وأما رواية إسحاق وهو ابن يحيى الكلبي فرويناها في نسخته، وأما رواية الزبيدي وهو محمد بن الوليد الحمصي فوصلها مسلم، وفي روايته: "قال عبد الله بن عمر: فكنت لا أترك حية أراها إلا قتلتها" وزاد في روايته: "قال الزهري ونرى ذلك من سميتها". وقوله: "وقال صالح وابن أبي حفصة وابن مجمع إلخ" يعني أن هؤلاء الثلاثة رووا الحديث عن الزهري فجمعوا فيه بين أبي لبابة وزيد بن الخطاب، فأما رواية صالح وهو ابن كيسان فوصلها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أبو عوانة، وأما رواية ابن أبي حفصة واسمه محمد فرويناها في نسخته من طريق أبي أحمد بن عدي موصولة، وأما رواية ابن مجمع وهو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بالجيم وتشديد الميم الأنصاري المدني فوصلها البغوي وابن السكن في "كتاب الصحابة" قال ابن السكن لم أجد من جمع بين أبي لبابة وزيد بن الخطاب إلا ابن مجمع هذا وجعفر بن برقان، وفي روايتهما عن الزهري مقال. انتهى. وغفل عما ذكره البخاري وهو عنده عن الفربري عنه فسبحان من لا يذهل، ويحتمل أنه لم تقع له موصولة من رواية ابن أبي حفصة وصالح، فصار من رواه بالجمع أربعة، لكن ليس فيهم من يقارب الخمسة الذين رووه بالشك إلا صالح بن كيسان، وسيأتي في الباب الذي يليه من وجه آخر أن الذي رأى ابن عمر هو أبو لبابة بغير شك، وهو يرجح ما جنح إليه البخاري من تقديمه لرواية هشام بن يوسف عن معمر المقتصرة على ذكر أبي لبابة، والله أعلم. وليس لزيد بن الخطاب - أخي عمر - رواية في الصحيح إلا في هذا الموضع، وزعم الداودي أن الجن لا تتمثل بذي الطفيتين والأبتر، فلذلك أذن في قتلهما. وسيأتي التعقب عليه بعد قليل. وفي الحديث النهي عن قتل الحيات التي في البيوت إلا بعد الإنذار، إلا أن يكون أبتر أو ذا طفيتين فيجوز قتله بغير إنذار، ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم الإذن في قتل غيرهما بعد الإنذار، وفيه: "فإن ذهب وإلا فاقتلوه

(6/349)


فإنه كافر" قال القرطبي: والأمر في ذلك للإرشاد، نعم ما كان منها محقق الضرر وجب دفعه.

(6/350)


15 - بَاب خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ
3300- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ".
3301- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ".
[الحديث 3302 – أطرافه في: 3499، 4388، 4389، 4390]
3302- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: "أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَالَ الإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا أَلاَ إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ".
[الحديث 3302 – أطرافه في: 3498، 4387، 5303]
3303- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا".
3304- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ مَا أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ وَلَمْ يَذْكُرْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ".
3305- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُدْرَى مَا فَعَلَتْ وَإِنِّي لاَ أُرَاهَا إِلاَّ الْفَأرَ إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ

(6/350)


الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ فَحَدَّثْتُ كَعْبًا فَقَالَ أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لِي مِرَارًا فَقُلْتُ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ".
3306- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْوَزَغِ الْفُوَيْسِقُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَزَعَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ".
3307- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ".
[الحديث 3307 – طرفه في: 3359]
3308- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْتَمِسُ الْبَصَرَ وَيُصِيبُ الْحَبَلَ". تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ "أخبرنا أَبَا أُسَامَةَ".
[الحديث 3308 – طرفه في: 3309]
3309- حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن هشام قال: حدثني أبي عن عائشة قالت: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأبتر، وقالَ: إنه يُصِيبُ البصَرَ، ويُذهِبُ الحبَلَ".
3310- حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ ثُمَّ نَهَى قَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَمَ حَائِطًا لَهُ فَوَجَدَ فِيهِ سِلْخَ حَيَّةٍ فَقَالَ انْظُرُوا أَيْنَ هُوَ فَنَظَرُوا فَقَالَ اقْتُلُوهُ فَكُنْتُ أَقْتُلُهَا لِذَلِكَ ".
3311- "فَلَقِيتُ أَبَا لُبَابَةَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاَ تَقْتُلُوا الْجِنَّانَ إِلاَّ كُلَّ أَبْتَرَ ذِي طُفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْوَلَدَ وَيُذْهِبُ الْبَصَرَ فَاقْتُلُوهُ".
3312- حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر "أنه كان يقتل الحيات".
3313- فحدثه أبو لبابة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت، فأمسك عنها".
حديث أبي سعيد الخدري "يوشك أن يكون خير مال المسلم" الحديث، وقد تقدم في أوائل الإيمان، ويأتي شرحه في كتاب الفتن. "تنبيهان": الأول: ذكر المزي في "الأطراف" تبعا لأبي مسعود أن البخاري أورد الحديث من هذه الطريق في الجزية، وهو وهم، وإنما هو في بدء الخلق. الثاني: وقع في أكثر الروايات

(6/351)


قبل حديث أبي سعيد هذا "باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال" وسقطت هذه الترجمة من رواية النسفي ولم يذكرها الإسماعيلي أيضا، وهو اللائق بالحال، لأن الأحاديث التي تلي حديث أبي سعيد ليس فيها ما يتعلق بالغنم إلا حديث أبي هريرة المذكور بعده. حديث أبي هريرة. قوله: "رأس الكفر نحو المشرق" في رواية الكشميهني: "قبل المشرق" وهو بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته، وفي ذلك إشارة إلى شدة كفر المجوس، لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة، وكانوا في غاية القسوة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه، واستمرت الفتن من قبل المشرق كما سيأتي بيانه واضحا في الفتن. قوله: "والفخر" بالخاء المعجمة معروف، ومنه الإعجاب بالنفس، "والخيلاء" بضم المعجمة وفتح التحتانية والمد: الكبر واحتقار الغير. قوله: "الفدادين" بتشديد الدال عند الأكثر، وحكى أبو عبيد عن أبي عمرو الشيباني أنه خففها وقال: إنه جمع فدان، والمراد به البقر التي يحرت عليها. وقال الخطابي: الفدان آلة الحرث والسكة، فعلى الأول فالفدادون جمع فدان وهو من يعلو صوته في إبله وخيله وحرثه ونحو ذلك، والفديد هو الصوت الشديد، وحكى الأخفش ووهاه أن المراد بالفدادين من يسكن الفدافد جمع فدفد وهي البراري والصحاري، وهو بعيد. وحكى أبو عبيدة معمر بن المثنى أن الفدادين هم أصحاب الإبل الكثيرة من المائتين إلى الألف، وعلى ما حكاه أبو عمرو الشيباني من التخفيف فالمراد أصحاب الفدادين على حذف مضاف، ويؤيد الأول لفظ الحديث الذي بعده "وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل". وقال أبو العباس: الفدادون هم الرعاة والجمالون. وقال الخطابي: إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم وذلك يفضي إلى قساوة القلب. قوله: "أهل الوبر" بفتح الواو والموحدة، أي ليسوا من أهل المدر، لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر وعن أهل البادية بأهل الوبر، واستشكل بعضهم ذكر الوبر بعد ذكر الخيل وقال: إن الخيل لا وبر لها، ولا إشكال فيه لأن المراد ما بينته. وقوله في آخر الحديث: "في ربيعة ومضر" أي الفدادين منهم. قوله: "والسكينة" تطلق على الطمأنينة والسكون والوقار والتواضع. قال ابن خالويه لا نظير لها أي في وزنها إلا قولهم على فلان ضريبة أي خراج معلوم، وإنما خص أهل الغنم بذلك لأنهم غالبا دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من سبب الفخر والخيلاء، وقيل: أراد بأهل الغنم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم، بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب إبل، وروى ابن ماجه من حديث أم هانئ "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اتخذي الغنم فإن فيها بركة". حديث أبي مسعود. قوله: "حدثنا يحيى" هو القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم. قوله: "أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال: ا لإيمان" فيه تعقب على من زعم أن المراد بقوله: "يمان" الأنصار، لكون أصلهم من أهل اليمن لأن في إشارته إلى جهة اليمن ما يدل على أن المراد به أهلها حينئذ لا الذين كان أصلهم منها، وسبب الثناء على أهل اليمن إسراعهم إلى الإيمان وقبولهم وقد تقدم قبولهم البشرى حين لم تقبلها بنو تميم في أول بدء الخلق، وسيأتي بقية شرحه في أول المناقب، وبيان الاختلاف بقوله: "الإيمان يمان" وقوله: "قرنا الشيطان" أي جانبا رأسه، قال الخطابي: ضرب المثل بقرني الشيطان فيما لا يحمد من الأمور، وقوله: "أرق أفئدة" أي إن غشاء قلب أحدهم رقيق، وإذا رق الغشاء أسرع نفوذ الشيء إلى ما وراءه. حديث أبي هريرة. قوله: "عن جعفر بن ربيعة" هذا الحديث مما اتفق الأئمة

(6/352)


الخمسة أصحاب الأصول على إخراجه عن شيخ واحد وهو قتيبة بهذا الإسناد. قوله: "إذا سمعتم صياح الديكة" بكسر المهملة وفتح التحتانية جمع ديك وهو ذكر الدجاج، وللديك خصيصة ليست لغيره من معرفة الوقت الليلي، فإنه يقسط أصواته قيها تقسيطا لا يكاد يتفاوت، ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده لا يكاد يخطئ، سواء أطال الليل أم قصر، ومن ثم أفتى بعض الشافعية باعتماد الديك المجرب في الوقت، ويؤيده الحديث الذي سأذكره عن زيد بن خالد. قوله: "فإنها رأت ملكا" بفتح اللام، قال عياض: كان السبب فيه رجاء تأمين الملائكة على دعائه واستغفارهم له وشهادتهم له بالإخلاص، ويؤخذ منه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين تبركا بهم، وصحح ابن حبان - وأخرجه أبو داود وأحمد - من حديث زيد بن خالد رفعه: "لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة" وعند البزار من هذا الوجه سبب قوله صلى الله عليه وسلم ذلك وأن ديكا صرخ فلعنه رجل فقال ذلك، قال الحليمي: يؤخذ منه أن كل من استفيد منه الخير لا ينبغي أن يسب ولا أن يستهان به، بل يكرم ويحسن إليه. قال: وليس معنى قوله: "فإنه يدعو إلى الصلاة" أن يقول بصوته حقيقة صلوا أو حانت الصلاة، بل معناه أن العادة جرت بأنه يصرخ عند طلوع الفجر وعند الزوال فطرة فطره الله عليها. قوله: "وإذا سمعتم نهاق الحمير" زاد النسائي والحاكم من حديث جابر "ونباح الكلاب" قوله: "فإنها رأت شيطانا" روى الطبراني من حديث أبي رافع رفعه: "لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانا أو يتمثل له شيطان، فإذا كان ذلك فاذكروا الله وصلوا علي" قال عياض: وفائدة الأمر بالتعوذ لما يخشى من شر الشيطان وشر وسوسته، فيلجأ إلى الله في دفع ذلك. قال الداودي: يتعلم من الديك خمس خصال: حسن الصوت، والقيام في السحر، والغيرة، والسخاء، وكثرة الجماع. حديث جابر أورده من وجه آخر، وسيأتي شرحه في أثناء هذا الباب، والقائل "قال وأخبرني عمرو" هو ابن جريج، وإسحاق المذكور في أوله هو ابن راهويه كما عند أبي نعيم، ويحتمل أن يكون ابن منصور، وقد أهمل المزي في الأطراف تبعا لخلف عزوه إلى هذا الموضع. حديث أبي هريرة. قوله: "عن خالد" هو الحذاء، ومحمد هو ابن سيرين، والإسناد كله بصريون إلى أبي هريرة. قوله: "وإني لا أراها إلا الفأر" بإسكان الهمزة، وعند مسلم من طريق أخرى عن ابن سيرين بلفظ: "الفأرة مسخ، وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه، ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تشربه". قوله: "فحدثت كعبا" قائل ذلك هو أبو هريرة، ووقع في رواية مسلم: "فقال له كعب أنت سمعت هذا". قوله: "فقلت أفأقرأ التوراة" هو استفهام إنكار. وفي رواية مسلم أفأنزلت علي التوراة، وفيه أن أبا هريرة لم يكن يأخذ عن أهل الكتاب، وأن الصحابي الذي يكون كذلك إذا أخبر بما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه يكون للحديث حكم الرفع، وفي سكوت كعب عن الرد على أبي هريرة دلالة على تورعه، وكأنهما جميعا لم يبلغهما حديث ابن مسعود، قال: "وذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير فقال: إن الله لم يجعل للمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك" وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أراها إلا الفأر" وكأنه كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها ليست هي، قال ابن قتيبة: إن صح هذا الحديث وآلا فالقردة والخنازير هي الممسوخ بأعيانها توالدت. قلت: الحديث صحيح، وسيأتي مزيد لذلك في أواخر أحاديث الأنبياء. حديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزع فويسق ولم أسمعه أمر بقتله" هو قول عائشة رضي الله عنها، قال ابن التين: هذا لا حجة فيه، لأنه لا يلزم من عدم سماعها عدم الوقوع، وقد حفظ غيرها كما ترى. قلت: قد جاء عن عائشة من وجه آخر عند أحمد وابن ماجه أنه

(6/353)


كان في بيتها رمح موضوع، فسئلت فقالت: نقتل به الوزع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم لما ألقى في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار، إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها انتهى. والذي في الصحيح أصح، ولعل عائشة سمعت ذلك من بعض الصحابة. وأطلقت لفظ أخبرنا مجازا أي أخبر الصحابة، كما قال ثابت البناني "خطبنا عمران" وأراد أنه خطب أهل البصرة، فإنه لم يسمع منه، والله أعلم. قوله: "وزعم سعد بن أبي وقاص" قائل ذلك يحتمل أن يكون عروة فيكون متصلا فإنه سمع من سعد، ويحتمل أن تكون عائشة فيكون من رواية القرين عن قرينه، ويحتمل أن يكون من قول الزهري فيكون منقطعا، وهذا الاحتمال الأخير أرجح فإن الدار قطني أخرجه في الغرائب من طريق ابن وهب عن يونس ومالك معا عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزغ فويسق" وعن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ" وقد أخرج مسلم والنسائي وابن ماجه وابن حبان حديث عائشة من طريق ابن وهب، ليس عندهم حديث سعد، وقد أخرج مسلم وأبو داود وأحمد وابن حبان من طريق معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا" وكأن الزهري وصله لمعمر وأرسله ليونس، ولم أر من نبه على ذلك من الشراح ولا من أصحاب الأطراف فلله الحمد. حديث أم شريك "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ" هكذا أورده مختصرا وسيأتي بأتم من هذا في قصة إبراهيم من أحاديث الأنبياء، وقد تقدم في الذي قبله حديث عائشة بأتم منه، وأم شريك اسمها غزية بالمعجمتين مصغر، وقيل: غزيلة، يقال هي عامرية قرشية، ويقال أنصارية ويقال دوسية. حديث عائشة في قتل ذي الطفيتين والأبتر، أورده بإسنادين إليها في كل واحد منهما قوله في أول طريقي حديث عائشة: "تابعه حماد بن سلمة" يريد أن حمادا تابع أبا أسامة في روايته إياه عن هشام، واسم أبي أسامة أيضا حماد، ورواية حماد بن سلمة وصلها أحمد عن عفان عنه. حديث ابن عمر في ذلك عن أبي لبابة أورده من وجهين، وقد تقدم من وجه آخر في أول الباب. قوله: "عن أبي يونس القشيري" هو حاتم بن أبي صغيرة، وهو بصري ومن دونه، وأما من فوقه فمدني. قوله: "أن ابن عمر كان يقتل الحيات ثم نهى" هو بفتح النون، وفاعل نهى هو ابن عمر، وقد بين بعد ذلك سبب نهيه عن ذلك. وكان ابن عمر أولا يأخذ بعموم آمره صلى الله عليه وسلم بقتل الحيات. وقد أخرج أبو داود من حديث عائشة مرفوعا: "اقتلوا الحيات، فمن تركهن مخافة ثأرهن فليس مني". قوله: "إن النبي صلى الله عليه وسلم هدم حائطا له فوجد فيه سلخ حية" هو بكسر السين المهملة وسكون اللام بعدها معجمة وهو جلدها، كذا وقع هنا مرفوعا، وأخرجه مسلم من وجه آخر موقوفا فأخرج من طريق الليث عن نافع "أن أبا لبابة كلم ابن عمر ليفتح له بابا في داره يستقرب بها إلى المسجد، فوجد الغلمان جلد جان. فقال ابن عمر: التمسوه فاقتلوه، فقال أبو لبابة: لا تقتلوه" ومن طريق يحيى بن سعيد وعمر بن نافع عن نافع نحوه. ويحتمل أن تكون القصة وقعت مرتين. ويدل لذلك قول ابن عمر في هذه الرواية: "وكنت أقتلها لذلك" وهو القائل "فلقيت أبا لبابة". قوله: "لا تقتلوا الجنان إلا كل ذي طفيتين" إن كان الاستثناء متصلا ففيه تعقب على من زعم أن ذا الطفيتين والأبتر ليس من الجنان، ويحتمل أن يكون منقطعا، أي لكن كل ذي طفيتين فاقتلوه والجنان بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان وهي الحية الصغيرة، وقيل: الرقيقة الخفيفة، وقيل الدقيقة البيضاء، الحادي عشر حديث عائشة وابن عمر في الخمس التي لا جناح على المحرم في قتلهن، وقع في حديث عائشة "الحديا" وفي حديث ابن

(6/354)


عمر "الحدأة" والحديا بصيغة التصغير، وقد أنكر ثابت في الدلائل هذه الصيغة وقال الصواب الحديأة أو الحدية أي بهمزة وزيادة هاء أو بالتشديد بغير همز، قال: والصواب أن الحدياه ليس من هذا، وإنما هو من التحدي يقولون: فلان يتحدى فلانا أي ينازعه ويغالبه، وعن ابن أبي حاتم، أهل الحجاز يقولون لهذا الطائر الحديا ويجمعونه الحدادي، وكلاهما خطأ. وأما الأزهري فصوبه وقال: الحدياه تصغير الحدي. وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الحج.

(6/355)


باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء و في الآخر شفاء و خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم
...
16 - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ
3314- حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خمس فواسق يقتلن في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والكلب العقور".
3315- حدثنا عبد الله بن مسلمة أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والغراب، والحدأة".
3316- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَفَعَهُ قَالَ: "خَمِّرُوا الْآنِيَةَ وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْعِشَاءِ فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ". قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَبِيبٌ عَنْ عَطَاءٍ "فَإِنَّ لِلشَّيَاطِين".
3317- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَنَزَلَتْ {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا} فَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِنْ جُحْرِهَا فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا". وَعَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ... مِثْلَهُ. قَالَ: "وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً". وَتَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ. وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.

(6/355)


3318- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ" . قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
3319- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَهَلاَ نَمْلَةً وَاحِدَةً".
"تنبيه": وقع في رواية السرخسي هنا "باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه" ولا معنى لذكره هنا، ووقع عنده أيضا: "باب خمس من الدواب فواسق" وسقط من رواية غيره وهو أولى. حديث جابر: قوله: "حدثنا كثير" هو ابن شنظير - بكسر المعجمة وسكون النون بعدها ظاء معجمة - بصري قد قال فيه ابن معين: ليس بشيء، قال الحاكم: مراده بذلك أنه ليس له من الحديث ما يشتغل به. وقد قال فيه ابن معين مرة: صالح، وكذا قال أحمد. وقال ابن عدي: أرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة. قلت: وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد توبع عليه كما تراه في آخر الحديث، وآخر في السلام على المصلي، وله متابع عند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر. قوله: "رفعه" كذا هنا، ووقع عند الإسماعيلي من وجهين عن حماد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "خمروا الآنية" أي غطوها. ومضى في الرواية التي في صفة إبليس "وخمر أناءك واذكر اسم الله ولو أن تعرض عليه شيئا" وهو بضم الراء وبكسرها وسيأتي مزيد لذلك في الأشربة. قوله: "وأوكئوا" بكسر الكاف بعدها همزة أي اربطوها وشدوها، والوكاء اسم ما يسد به فم القربة. قوله: "وأجيفوا" بالجيم والفاء أي أغلقوها تقول: أجفت الباب إذا أغلقته. وقال القزاز: تقول جفأت الباب أغلقته. قال ابن التين: لم أر من ذكره هكذا غيره، وفيه نظر فإن أجيفوا لامه فاء، وجفأت لامه همزة. زاد في الرواية الماضية "وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا". قوله: "واكفتوا" بهمزة وصل وكسر الفاء ويجوز ضمها بعدها مثناة أي ضموهم إليكم، والمعنى امنعوهم من الحركة في ذلك الوقت. قوله: "عند المساء" في الرواية المتقدمة في هذا الباب: "إذا جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم". قوله: "فإن للجن انتشارا وخطفة" بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة والفاء، في الرواية الماضية "فإن الشياطين تنتشر حينئذ وإذا ذهبت ساعة من الليل" وفي رواية الكشميهني: "فإذا ذهب" وكأنه ذكره باعتبار الوقت. قوله: "فإن الفويسقة" هي الفأرة قد تقدم تفسير ذلك في الحج. قوله: "اجترت" بالجيم وتشديد الراء، في رواية الإسماعيلي: "ربما جرت" وسيأتي في الاستئذان حديث ابن عمر مرفوعا: "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تناموا" قال النووي هذا عام يدخل فيه نار السراج وغيره، وأما القناديل المعلقة فإن خيف بسببها حريق دخلت في ذلك، وإن حصل الأمن منها كما هو الغالب فلا بأس بها لانتفاء العلة. وقال القرطبي: جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة ويحتمل أن تكون للندب، ولا سيما في حق من يفعل ذلك بنية امتثال الأمر. وقال ابن العربي: ظن

(6/356)


قوم أن الأمر بغلق الأبواب عام في الأوقات كلها، وليس كذلك وإنما هو مقيد بالليل؛ وكأن اختصاص الليل بذلك لأن النهار غالبا محل التيقظ بخلاف الليل، والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان فإنه هو الذي يسوق الفأرة إلى حرق الدار. قوله: "قال ابن جريج وحبيب عن عطاء فإن للشيطان" يعني أن ابن جريج وحبيبا - وهو المعلم - رويا هذا الحديث بن عطاء عن عائشة كما رواه كثير بن شنظير، إلا أنهما قالا في روايتهما: "فإن للشيطان" بدل قول كثير في روايته: "فإن للجن" ورواية ابن جريج قد تقدمت موصولة في أوائل هذا الباب، ورواية حبيب وصلها أحمد وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عن حبيب المذكور. حديث ابن مسعود في قصة الحية: قوله: "وعن إسرائيل عن الأعمش" يعني أن يحيى بن آدم رواه عن إسرائيل عن شيخين أفردهما، ولم يختلف عليه في أنه من رواية إبراهيم وهو النخعي عن علقمة. قوله: "رطبة" أي غضة طرية في أول ما تلاها ووصفت هي بالرطوبة، والمراد بالرطوبة رطوبة فيه أي أنهم أخذوها عنه قبل أن يجف ريقه من تلاوتها، ويحتمل أن يكون وصفها بالرطوبة لسهولتها، والأول أشبه. وقوله: "وقيت شركم ووقيتم شرها" أي قتلكم إياها هو شر بالنسبة إليها وإن كان خيرا بالنسبة إليهم، وفيه جواز قتل الحية في الحرم، وجواز قتلها في جحرها، والجحر بضم الجيم وسكون المهملة معروف. قوله: "وتابعه أبو عوانة عن مغيرة" أي عن إبراهيم، وطريق أبي عوانة ستأتي في تفسير "المرسلات". قوله: "وقال حفص" هو ابن غياث "وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله" يعني أن هؤلاء الثلاثة خالفوا إسرائيل فجعلوا "الأسود" بدل علقمة. ورواية حفص وصلها المؤلف في الحج، وأما رواية أبي معاوية فأخرجها أحمد عنه وهي عند مسلم، وأما رواية سليمان بن قرم فلم أقف عليها موصولة. حديث ابن عمر وأبي هريرة معا، وهو من طريق عبيد الله بالتصغير وهو ابن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر وعن سعيد المقبري عن أبي هريرة، والقائل "قال" و"حدثنا" عبيد الله هو ابن عبد الأعلى المذكور في الإسناد المذكور وهو ابن عبد الأعلى البصري. قوله: "دخلت امرأة" لم أقف على اسمها، ووقع في رواية أنها حميرية، وفي أخرى أنها من بني إسرائيل، وكذا لمسلم، ولا تضاد بينهما لأن طائفة من حمير كانوا قد دخلوا في اليهودية فنسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى، وقد وقع ما يدل على ذلك في "كتاب البعث للبيهقي" وأبداه عياض احتمالا، وأغرب النووي فأنكره. قوله: "في هرة" أي بسبب هرة. ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند مسلم من جرا هرة وهو بمعناه، وجرا بفتح الجيم وتشديد الراء مقصور ويجوز فيه المد، والهرة أنثى السنور والهر الذكر، ويجمع الهر على هررة كقرد وقردة وتجمع الهرة على هرر كقربة وقرب. ووقع في حديث جابر الماضي في الكسوف "وعرضت علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها" الحديث. قوله: "من خشاش الأرض" بفتح المعجمة ويجوز ضمها وكسرها وبمعجمتين بينهما ألف الأولى خفيفة، والمراد هوام الأرض وحشراتها من فأرة ونحوها، وحكى النووي أنه روي بالحاء المهملة، والمراد نبات الأرض، قال: وهو ضعيف أو غلط، وظاهر هذا الحديث أن المرأة عذبت بسبب قتل هذه الهرة بالحبس، قال عياض: يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بالنار حقيقة، أو بالحساب لأن من نوقش الحساب عذب. ثم يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بكفرها وزيدت عذابا بسبب ذلك، أو مسلمة وعذبت

(6/357)


بسبب ذلك. قال النووي: الذي يظهر أنها كانت مسلمة وإنما دخلت النار بهذه المعصية، كذا قال، ويؤيد كونها كافرة ما أخرجه البيهقي في "البعث والنشور" وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" من حديث عائشة وفيه قصة لها مع أبي هريرة، وهو بتمامه عند أحمد، وفيه جواز اتخاذ الهرة ورباطها إذا لم يهمل إطعامها وسقيها، ويلتحق بذلك غير الهرة مما في معناها، وأن الهر لا يملك، وإنما يجب إطعامه على من حبسه، كذا قال القرطبي، وليس في الحديث دلالة على ذلك. وفيه وجوب نفقة الحيوان على مالكه، كذا قال النووي، وفيه نظر لأنه ليس في الخبر أنها كانت في ملكها، لكن في قوله: "هرة لها" كما هي رواية همام ما يقرب من ذلك. حديث أبي هريرة: قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس. قوله: "نزل نبي من الأنبياء" قيل هو العزير، وروى الحكيم الترمذي في "النوادر" أنه موسى عليه السلام، وبذلك جزم الكلاباذي في "معاني الأخبار" والقرطبي في التفسير. قوله: "فلدغته" بالدال المهملة والغين المعجمة أي قرصته، وليس هو بالذال المعجمة والعين المهملة فإن ذاك معناه الإحراق. قوله: "فأمر بجهازه" بفتح الجيم ويجوز كسرها بعدها زاي أي متاعه. قوله: "ثم أمر ببيتها فأحرق" أي بيت النمل. وفي رواية الزهري الماضية في الجهاد فأمر بقرية النمل فأحرقت، وقرية النمل موضع اجتماعهن، والعرب تفرق في الأوطان فيقولون لمسكن الإنسان وطن، ولمسكن الإبل عطن، وللأسد عرين وغابة، وللظبي كناس، وللضب وجار، وللطائر عش، وللزنبور كور، ولليربوع نافق، وللنمل قرية. قوله: "فهلا نملة واحدة" يجوز فيه النصب على تقدير عامل محذوف تقديره فهلا أحرقت نملة واحدة وهي التي آذتك بخلاف غيرها فلم يصدر منها جناية. واستدل بهذا الحديث على جواز إحراق الحيوان المؤذي بالنار من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا ما يرفعه ولا سيما إن ورد على لسان الشارع ما يشعر باستحسان ذلك، لكن ورد في شرعنا النهي عن التعذيب بالنار، قال النووي: هذا الحديث محمول على أنه كان جائزا في شرع ذلك النبي جواز قتل النمل وجواز التعذيب بالنار، فإنه لم يقع عليه العتب في أصل القتل ولا في الإحراق بل في الزيادة على النملة الواحدة، وأما في شرعنا فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا في القصاق بشرطه، وكذا لا يجوز عندنا قتل النمل لحديث ابن عباس في السنن "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة" انتهى، وقد قيد غيره كالخطابي النهي عن قتله من النمل بالسليماني. وقال البغوي: النمل الصغير الذي يقال له الذر يجوز قتله، ونقله صاحب "الاستقصاء" عن الصيمري وبه جزم الخطابي. وفي قوله أن القتل والإحراق كان جائزا في شرع ذلك النبي نظر، لأنه لو كان كذلك لم يعاتب أصلا ورأسا إذا ثبت أن الأذى طبعه. وقال عياض: في هذا الحديث دلالة على جواز قتل كل مؤذ. ويقال إن لهذه القصة سببا، وهو أن النبي مر على قرية أهلكها الله تعالى بذنوب أهلها فوقف متعجبا فقال: يا رب قد كان فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذنبا، ثم نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة، فنبهه الله جل وعلا على أن الجنس المؤذي يقتل وإن لم يؤذ، وتقتل أولاده وإن لم تبلغ الأذى انتهى. وهذا هو الظاهر وإن ثبتت هذه القصة تعين المصير إليه. والحاصل أنه لم يعاتب إنكارا لما فعل بل جوابا له وإيضاحا لحكمة شمول الهلاك لجميع أهل تلك القرية، فضرب له المثل بذلك أي إذا اختلط من يستحق الإهلاك بغيره وتعين إهلاك الجميع طريقا إلى إهلاك المستحق جاز إهلاك الجميع، ولهذا نظائر كتترس الكفار بالمسلمين وغير ذلك والله سبحانه أعلم. وقال الكرماني النمل غير مكلف فكيف أشير في الحديث إلى أنه لو أحرق نملة واحدة جاز مع أن القصاص إنما يكون بالمثل لقوله

(6/358)


تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ثم أجاب بتجويز أن التحريق كان جائزا عنده، ثم قال يرد على قولنا كان جائرا لو كان كذلك لما ذم عليه. وأجاب بأنه قد يذم الرفيع القدر على خلاف الأولى انتهى. والتعبير بالذم في هذا لا يليق بمقام النبي، فينبغي أن يعبر بالعتاب. وقال القرطبي: ظاهر هذا الحديث أن هذا النبي إنما عاتبه الله حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع آذاه منه واحد، وكان الأولى به الصبر والصفح، وكأنه وقع له أن هذا النوع مؤذ لبني آدم وحرمة بني آدم أعظم من حرمة الحيوان، فلو انفرد هذا النظر ولم يأت إليه التشفي لم يعاتب. قال: والذي يؤيد هذا التمسك بأصل عصمة الأنبياء وأنهم أعلم بالله وبأحكامه من غيرهم وأشدهم له خشية انتهى. "تكمله": النملة واحدة النمل وجمع الجمع نمال. والنمل أعظم الحيوانات حيلة في طلب الرزق. ومن عجيب أمره أنه إذا وجد شيئا ولو قل أنذر الباقين، ويحتكر في زمن الصيف للشتاء، وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض وإذا حفر مكانه اتخذها تعاريج لئلا يجري إليها ماء المطر، وليس في الحيوان ما يحمل أثقل منه غيره، والذي في النمل كالزنبور في النحل. قوله: "أمة من الأمم مسبحة(1)" استدل به على أن الحيوان يسبح الله تعالى حقيقة، ويتأيد به قول من حمل قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} على الحقيقة. وتعقب بأن ذلك لا يمنع الحمل على المجاز بأن يكون سببا للتسبيح.
ـــــــ
(1) هذه الفقرة ليست في نسخة صحيح البخاري المتداولة.

(6/359)


باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه داء و في الأخرى شفاء
...
17 - بَاب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الأُخْرَى شِفَاءً.
3320- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً".
[الحديث 3320 – طرفه في: 5782]
3321- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ".
[الحديث 3321 – طرفه في: 3467]
3322- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ".

(6/359)


3323- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ".
3324- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُصْ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ".
3325- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشَّنَئِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ". فَقَالَ السَّائِبُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ".
الحديث السابع عشر حديث أبي هريرة في الذباب إذا وقع في الإناء، وسيأتي شرحه في كتاب الطب. "تنبيه": وقع قبل هذا الحديث في رواية أبي ذر عن بعض شيوخه "باب إذا وقع الذباب" وساقه بلفظ الحديث، وحذف عند الباقين وهو أولى فإن الأحاديث التي بعده لا تعلق لها بذلك كما تقدم نظيره. حديث أبي هريرة في المرأة التي سقت الكلب. وسيأتي شرحه في أواخر أحاديث الأنبياء في ترجمة عيسى ابن مريم. حديث أبي طلحة في الصورة، وسيأتي شرحه في كتاب اللباس. حديث ابن عمر قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب" وسيأتي شرحه في كتاب الصيد. حديث أبي هريرة "من أمسك كلبا ينقص من عمله" وقد تقدم شرحه في المزارعة. حديث سفيان بن أبي زهير في المعنى، وسبق شرحه هناك أيضا.
"خاتمة": اشتمل كتاب بدء الخلق من الأحاديث المرفوعة على مائة وستين حديثا، المعلق منها اثنان وعشرون طريقا والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وتسعون حديثا والخالص سبعة وستون حديثا، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عمران بن حصين في بدء الخلق، وحديث عمر فيه، وحديث أبي هريرة "تكور الشمس والقمر" وحديث ابن عباس في زيارة جبريل، وحديث ابن عمر في الكلب، وحديث يعلى بن أمية "ونادوا يا مال" وحديث ابن مسعود في رؤية جبريل، وحديث عائشة في الرؤية، وحديث عمران "اطلعت في الجنة" وحديث سهل في درجات الجنة، وحديث أنس "في الجنة شجرة" وحديث أبي هريرة فيه، وحديث ابن عباس في الحمى، وحديث عائشة في قتل والد حذيفة، وحديث أبي هريرة "إذا وقع الذباب في الإناء" وفيه عن الصحابة ومن بعدهم أربعون أثرا. والله جل وعلا أعلم.

(6/360)


كتاب أحاديث الأنبياء
مدخل
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
60 - كِتَاب أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ
قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم كتاب أحاديث الأنبياء" كذا في رواية كريمة في بعض النسخ. وفي رواية أبي علي بن شبويه نحوه، وقدم الآية الآتية في الترجمة على الباب، ووقع في ذكر عدد الأنبياء حديث أبو ذر مرفوعا: "أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر" صححه ابن حبان. والأنبياء جمع نبي، وقد قرئ بالهمزة فقيل هو الأصل وتركه تسهيل، وقيل الذي بالهمز من النبأ والذي بغير همز من النبوة وهي الرفعة، والنبوة نعمة يمن بها على من يشاء ولا يبلغها أحد بعلمه ولا كشفه ولا يستحقها باستعداد ولايته، ومعناها الحقيقي شرعا من حصلت له النبوة. وليست راجعة إلى جسم النبي ولا إلى عرض من أعراضه، بل ولا إلى علمه بكونه نبيا، بل المرجع إلى إعلام الله له بأني نبأتك أو جعلتك نبيا. وعلى هذا فلا تبطل بالموت كما لا تبطل بالنوم والغفلة.

(6/361)


باب خلق آدم و ذريته
...
1 - باب خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ
{صَلْصَالٍ}: طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ وَيُقَالُ مُنْتِنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ كَمَا يُقَالُ صَرَّ الْبَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإِغْلاَقِ مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ. {فَمَرَّتْ بِهِ}: اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ. {أَنْ لاَ تَسْجُدَ}: أَنْ تَسْجُدَ. وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [30 البقرة]: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}: إِلاَّ عَلَيْهَا حَافِظٌ. {فِي كَبَدٍ}: فِي شِدَّةِ خَلْقٍ. {وَرِيَاشًا}: الْمَالُ. وَقَالَ غَيْرُهُ الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنْ اللِّبَاسِ . {مَا تُمْنُونَ}: النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}: النُّطْفَةُ فِي الإِحْلِيلِ. كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهُوَ {شَفْعٌ}: السَّمَاءُ شَفْعٌ. {وَالْوَتْرُ} اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}: فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ. {أَسْفَلَ سَافِلِينَ}: إِلاَّ مَنْ آمَنَ. {خُسْرٍ}: ضَلاَلٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ. {لاَزِبٍ}: لاَزِمٌ. {نُنْشِئُكُمْ}: فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ. {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}: نُعَظِّمُكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}: فَهُوَ قَوْلُهُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}. {فَأَزَلَّهُمَا}: فَاسْتَزَلَّهُمَا وَ {يَتَسَنَّهْ} يَتَغَيَّرْ. {آسِنٌ}: مُتَغَيِّرٌ. وَ {الْمَسْنُونُ}: الْمُتَغَيِّرُ. {حَمَإٍ}: جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهُوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ. {يَخْصِفَانِ}: أَخْذُ الْخِصَافِ. {مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}: يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. {سَوْآتُهُمَا}: كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيْهِمَا. {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}: هَا هُنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لاَ يُحْصَى عَدَدُهُ. {قَبِيلُهُ}: جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ.

(6/361)


3326- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ".
[الحديث 3226 – طرفه في: 6227]
3227- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ".
3228- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغَسْلُ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ : "نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ" فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَبِمَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ؟".
3229- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ. وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ. وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا . قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ. فَجَاءَتْ الْيَهُودُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيْتَ، فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟ قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا وَأَخْيرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ

(6/362)


لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَوَقَعُوا فِيهِ".
[الحديث 3329 – أطرافه في: 3911، 3938، 4480]
3330- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ يَعْنِي "لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا".
3331- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ قَالاَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ".
[الحديث 3331 – طرفاه في: 5184، 5186]
3332- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ".
3333- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا قَالَ يَا رَبِّ أَذَكَرٌ يَا رَبِّ أُنْثَى يَا رَبِّ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الأَجَلُ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ".
3334- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا "لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ".
[الحديث 3334 – طرفاه في: 6538، 6557]

(6/363)


3335- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ".
[الحديث 3335 – طرفاه في: 6867، 7321]
قوله: "باب خلق آدم وذريته" ذكر المصنف آثارا، ثم أحاديث تتعلق بذلك، ومما لم يذكره ما رواه الترمذي والنسائي والبزار وصححه ابن حبان من طريق سعيد المقبري وغيره عن أبي هريرة مرفوعا. "إن الله خلق آدم من تراب فجعله طينا ثم تركه، حتى إذا كان حما مسنونا خلقه وصوره ثم تركه، حتى إذا كان صلصالا كالفخار كان إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم؛ ثم نفخ الله فيه من روحه. وكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فقال: الحمد لله. فقال الله: يرحمك ربك" الحديث. وفي الباب عدة أحاديث: منها حديث أبي موسى مرفوعا: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض " الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان. ومنها حديث أنس رفعه: "لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به؛ فلما رآه أجوف عرف أنه لا يتمالك" رواه أحمد ومسلم. وآدم اسم سرياني وهو عند أهل الكتاب آدام بإشباع فتحة الدال بوزن خاتام وزنه فاعال، وامتنع صرفه للعجمة والعلمية. وقال الثعلبي: التراب بالعبرانية آدام فسمي آدم به، وحذفت الألف الثانية. وقيل: هو عربي جزم به الجوهري والجواليقي. وقيل: هو بوزن أفعل من الأدمة وقيل من الأديم لأنه خلق من أديم الأرض وهذا عن ابن عباس، ووجهوه بأن يكون كأعين ومنع الصرف للوزن والعلمية، وقيل هو من أدمت بين الشيئين إذا خلطت بينهما لأنه كان ماء وطينا فخلطا جميعا. قوله: "صلصال طين خلط برمل فصلصل كما يصلصل الفخار" هو تفسير الفراء، هكذا ذكره. وقال أبو عبيدة: الصلصال اليابس الذي لم تصبه نار، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة، فإذا طبخ بالنار فهو فخار. وكل شيء له صوت فهو صلصال. وروى الطبري عن قتادة بإسناد صحيح نحوه. قوله: "ويقال منتن يريدون به صل كما يقولون صر الباب وصرصر عند الإغلاق مثل كبكبته يعني كببته" أما تفسيره بالمنتن فرواه الطبري عن مجاهد، وروى عن ابن عباس أن المنتن تفسيره المسنون، وأما بقيته فكأنه من كلام المصنف. قوله: "فمرت به استمر بها الحمل فأتمته" هو قول أبي عبيدة. قوله: "أن لا تسجد أن تسجد" يعني أن "لا" زائدة، وأخذه من كلام أبي عبيدة، وكذا قاله وزاد: و"لا" من حروف الزوائد كما قال الشاعر:
وتلحينني في اللهو أن لا أحبه ... وللهو داع دائب غير غافل
وقيل: ليست زائدة، بل فيه حذف تقديره ما منعك من السجود فحملك على أن لا تسجد؟ قوله: "وقول الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} كذا وقع هنا، ووقع في رواية أبي علي بن شبويه في صدر الترجمة وهو أولى ومثله للنسفي، ولبعضهم هنا "باب" والمراد بالخليفة آدم أسنده الطبري من طريق ابن سابط مرفوعا قال: والأرض مكة، وذكر الطبري أن مقتضى ما نقله السدي عن مشايخه أنه خليفة الله في الأرض، ومن وجه آخر أنهم يعنون بني آدم يخلف بعضهم بعضا، ومن ثم قالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} الآية،

(6/364)


وحكى الماوردي قولين آخرين أنه خليفة الملائكة أو خليفة الجن وكل منهما بناء على أنه كان في الأرض من سكنها قبل آدم، وذكر الطبري قال: زعم أبو عبيدة أن "إذ" في قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} صلة، ورد عليه فقال القرطبي: إن جميع المفسرين ردوه حتى قال الزجاج إنها جراءة من أبي عبيدة. قوله: "لما عليها حافظ إلا عليها حافظ" وصله ابن أبي حاتم وزاد إلا عليها من الملائكة. وقال أبو عبيدة في قوله: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ما زائدة. قوله: " في كبد: في شدة خلق" هو قول ابن عباس أيضا، رويناه في تفسير ابن عيينة بإسناد صحيح، وزاد في آخره: "ثم ذكر مولده ونبات أسنانه" وأخرجه الحاكم في "المستدرك" وقال أبو عبيدة الكبد الشدة، قال لبيد:
يا عين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم في كبد
قوله: "ورياشا المال" هو قول ابن عباس أيضا، وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه. قوله: "وقال غيره الرياش والريش واحد وهو ما ظهر من اللباس" هو قول أبي عبيدة، وزاد: تقول أعطاني ريشه أي كسوته، قال: والرياش أيضا المعاش. قوله: "ما تمنون : النطفة في أرحام النساء" هو قول الفراء قال: يقال أمنى ومنى، والأول أكثر وقوله: {تُمْنُونَ} يعني النطف إذا قذفت في أرحام النساء {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ}. قوله: "وقال مجاهد: {عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} النطفة في الإحليل" وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقيل: معناه قادر على رجع النطفة التي في الإحليل إلى الصلب وهو محتمل، ويعكر على تفسير مجاهد أن بقية الآيات دالة على أن الضمير للإنسان ورجعه يوم القيامة لقوله: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} إلخ. قوله: "كل شيء خلقه فهو شفع السماء شفع. والوتر الله" هو قول مجاهد أيضا، وصله الفريابي والطبري ولفظه: "كل خلق الله شفع: السماء والأرض، والبر والبحر، والجن والإنس، والشمس والقمر ونحو هذا شفع، والوتر الله وحده" وبهذا زال الإشكال، فإن ظاهر إيراد المصنف في اقتصاره على قوله: "السماء شفع" يعترض عليه بأن السموات سبع والسبع ليس بشفع، وليس ذلك مراد مجاهد وإنما مراده كل شيء له مقابل يقابله ويذكر معه فهو بالنسبة إليه شفع، كالسماء والأرض والإنس والجن إلخ، وروى الطبري عن مجاهد أيضا قال في قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} الكفر والإيمان، والشقاء والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والجن والإنس، والوتر الله. وروي من طريق أبي صالح نحوه. وأخرج عن ابن عباس من طريق صحيحة أنه قال: الوتر يوم عرفة والشفع يوم الذبح. وفي رواية أيام الذبح. وهذا يناسب ما فسروا به قوله قبل ذلك {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} أن المراد بها عشر ذي الحجة. قوله: " في أحسن تقويم : في أحسن خلق. أسفل سافلين إلا من آمن" هو تفسير مجاهد أخرجه الفريابي أيضا. قوله: "خسر ضلال ثم استثنى فقال إلا من آمن" هو تفسير مجاهد أخرجه الفريابي أيضا، قال في قوله: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} يعني في ضلال، ثم استثنى فقال: "إلا من آمن" وكأنه ذكره بالمعنى، وإلا فالتلاوة {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}. قوله: " لازب لازم" يريد تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} وقد روى الطبري عن مجاهد في قوله: "من طين لازب" قال لازق. ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من التراب والماء يصير طينا يلزق. وأما تفسيره باللازم فكأنه بالمعنى، وهو تفسير أبي عبيدة قال: معنى اللازب اللازم، قال النابغة "ولا يحسبون الشر ضربة لازب" أي لازم. قوله: "ننشئكم في أي خلق نشاء" كأنه يريد تفسير قوله تعالى: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا

(6/365)


لا تَعْلَمُونَ} وقوله: "في أي خلق نشاء" هو تفسير قوله: {فِي مَا لا تَعْلَمُونَ }. قوله: "نسبح بحمدك: نعظمك" هو تفسير مجاهد، نقله الطبري وغيره عنه. قوله: "وقال أبو العالية {فَتَلَقَّى آدَمُ} هو قوله تعالى {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}" وصله الطبري بإسناد حسن، واستشكل بأن ظاهر الآيات أن هذا التلقي كان قبل الهبوط لأن بعده "قلنا اهبطوا منها جميعا" ويمكن الجواب بأن قوله قلنا اهبطوا كان سابقا للتلقي، وليس في الآيات صيغة ترتيب. قوله: "وقال فأزلهما استزلهما ويتسنه يتغير آسن المسنون المتغير حمأ جمع حمأة وهو الطين المتغير" كذا وقع عند أبي ذر، وهو يوهم أنه من كلام أبي العالية، وليس كذلك بل هي من تفسير أبي عبيدة، وكأنه كان في الأصل: وقال غيره. ووقع في رواية الأصيلي وغيره بحذف "قال" فكان الأمر فيه أشكل. وقوله: "فأزلهما " أي دعاهما إلى الزلة، وإيراد قوله: "يتسنه يتغير" في أثناء قصة آدم ذكر بطريق التبعية للمسنون لأنه قد يقال إنه مشتق منه. قال الكرماني هنا بعد أن قال أن تفسير يتسنه وآسن: لعله ذكره بالتبعية لقوله مسنون، وفي هذا تكثير لحجم الكتاب لا لتكثير الفوائد، والله أعلم بمقصوده. قلت: وليس من شأن الشارح أن يعترض على الأصل بمثل هذا، ولا ارتياب في أن إيراد شرح غريب الألفاظ الواردة في القرآن فوائد، وادعاؤه نفي الفائدة مردود، وهذا الكتاب وإن كان أصل موضوعه إيراد الأحاديث الصحيحة فإن أكثر العلماء فهموا من إيراده أقوال الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار أن مقصوده أن يكون كتابه جامعا للرواية والدراية، ومن جملة الدراية شرح غريب الحديث. وجرت عادته أن الحديث إذا وردت فيه لفظة غريبة وقعت أو أصلها أو نظيره في القرآن أن يشرح اللفظة القرآنية فيفيد تفسير القرآن وتفسير الحديث معا، ولما لم يجد في بدء الخلق وقصص الأنبياء ونحو ذلك أحاديث توافق شرطه سد مكانها ببيان تفسير الغريب الواقع في القرآن، فكيف يسوغ نفي الفائدة عنه. قوله: "يخصفان أخذ الخصاف من ورق الجنة يؤلفان الورق ويخصفان بعضه إلى بعض" هو تفسير أبي عبيدة، وروى الطبري عن مجاهد في قوله: "يخصفان" قال: يرقعان كهيئة الثوب، وتقول العرب خصفت النعل أي خرزتها. قوله: "سوآتهما : كناية عن فرجيهما" هو تفسير أبي عبيدة أيضا. قوله: "ومتاع إلى حين الحين عند العرب من ساعة إلى ما لا يحصى عدده وهو هنا إلى يوم القيامة" قال أبو عبيدة في قوله ومتاع إلى حين: أي إلى وقت يوم القيامة، ورواه الطبري من طريق ابن عباس نحوه. قوله: "قبيله جيله الذي هو منهم" هو تفسير أبي عبيدة أيضا وروى الطبري عن مجاهد في قوله: "وقبيله" قال: الجن والشياطين. ثم ذكر المصنف في الباب أحد عشر حديثا أفرد الأخير منها بباب في بعض النسخ: أحدها: حديث أبي هريرة "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا" كذا وقع من هذا الوجه، وعبد الله الراوي عن معمر هو ابن المبارك، وقد رواه عبد الرزاق عن معمر فقال: "خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا" وهذه الرواية تأتي في أول الاستئذان، وقد تقدم الكلام على معنى هذه اللفظة في أثناء كتاب العتق، وهذه الرواية تؤيد قول من قال إن الضمير لآدم، والمعنى أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها لم ينتقل في النشأة أحوالا ولا تردد في الأرحام أطوارا كذريته بل خلقه الله رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح، ثم عقب ذلك بقوله: "وطوله ستون ذراعا" فعاد الضمير أيضا على آدم، وقيل معنى قوله: "على صورته": أي لم يشاركه في خلقه أحد، إبطالا لقول أهل الطبائع. وخص بالذكر تنبيها بالأعلى على الأدنى، والله أعلم قوله: "ستون ذراعا" يحتمل أن يريد بقدر الذراع المتعارف يومئذ عند

(6/366)


المخاطبين، والأول أظهر لأن ذراع كل أحد بقدر ربعه فلو كان بالذراع المعهود لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده قوله: "فلما خلقه قال اذهب فسلم" سيأتي شرحه في أول الاستئذان. قوله : "فكل من يدخل الجنة على صورة آدم" أي على صفته، وهذا يدل على أن صفات النقص من سواد وغيره تنتفي عند دخول الجنة، وقد تقدم بيان ذلك في "باب صفة الجنة" وزاد عبد الرزاق في روايته هنا "وطوله ستون ذراعا" وإثبات الواو فيه لئلا يتوهم أن قوله: "طوله" تفسير لقوله: "على صورة آدم" وعلى هذا فقوله: "طوله" إلخ" من الخاص بعد العام، ووقع عند أحمد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا : "كان طول آدم ستين ذراعا في سبعة أذرع عرضا" وأما ما روى عبد الرزاق من وجه آخر مرفوعا: "أن آدم لما أهبط كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، فحطه الله إلى ستين ذراعا" فظاهره أنه كان مفرط الطول في ابتداء خلقه، وظاهر الحديث الصحيح أنه خلق في ابتداء الأمر على طول ستين ذراعا وهو المعتمد، وروى ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب مرفوعا: "أن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق". قوله: "فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن" أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك. وقال ابن التين قوله: "فلم يزل الخلق ينقص" أي كما يزيد الشخص شيئا فشيئا، ولا يتبين ذلك فيما بين الساعتين ولا اليومين حتى إذا كثرت الأيام تبين، فكذلك هذا الحكم في النقص، ويشكل على هذا ما يوجد الآن من آثار الأمم السالفة كديار ثمود فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة الطول على حسب ما يقتضيه الترتيب السابق، ولا شك أن عهدهم قديم، وأن الزمان الذي بينهم وبين آدم دون الزمان الذي بينهم وبين أول هذه الأمة، ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال. حديث أبي هريرة في صفة الجنة وقد تقدم في "باب صفة الجنة". وقوله: "الألنجوج" بفتح الهمزة واللام وسكون النون بجيمين الأولى مضمومة والواو ساكنة: هو العود الذي يتبخر به، ولفظ الألنجوج هنا تفسير الألوة، والعود تفسير التفسير، وقوله في آخره: "على خلق رجل واحد" هو بفتح أول خلق لا بضمه، وقوله: "ستون ذراعا في السماء" أي في العلو والارتفاع. حديث أم سلمة في سؤالها عن غسل المرأة إذا احتلمت وقد تقدم الكلام عليه في الطهارة، والغرض منه قوله في آخره: "فبم يشبه الولد" . حديث أنس في قصة إسلام عبد الله بن سلام، وسيأتي بأتم من هذا السياق في أوائل الهجرة، والغرض منه بيان سبب الشبه، وقد علله هنا بالسبق، وفي حديث ثوبان عند مسلم بالعلو، وسأذكر وجه الجمع بينهما في المكان المذكور إن شاء الله تعالى. حديث أبي هريرة: قوله: "عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه" لم يسبق للمتن المذكور طريق يعود عليها هذا الضمير، وكأنه يشير به إلى أن اللفظ الذي حدثه به شيخه هو بمعنى اللفظ الذي ساقه، فكأنه كتب من حفظه وتردد في بعضه، ويؤيده أنه وقع في نسخة الصغاني بعد قوله: "نحوه" يعني ولم أره من طريق ابن المبارك عن معمر إلا عند المصنف، وسيأتي عنده في ذكر موسى عليه السلام من رواية عبد الرزاق عن معمر بهذا اللفظ، إلا أنه زاد في آخره: "الدهر". قوله: "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم" يخنز بفتح أوله وسكون الخاء وكسر النون وبفتحها أيضا بعدها زاي أي ينتن، والخنز التغير والنتن، قيل أصله أن بني إسرائيل ادخروا لحم السلوى وكانوا نهوا عن ذلك فعوقبوا بذلك حكاه القرطبي وذكره غيره عن قتادة وقال بعضهم: معناه لولا بني إسرائيل سنوا ادخار اللحم حتى أنتن لما ادخر فلم ينتن، وروى أبو نعيم في "الحلية"

(6/367)


عن وهب بن منبه قال: في بعض الكتب لولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنه الأغنياء عن الفقراء. قوله: "ولولا حواء" أي امرأة آدم وهي بالمد، قيل سميت بذلك لأنها أم كل حي، وسيأتي صفة خلقها في الحديث الذي بعده، وقوله: "لم تخن أنثى زوجها" فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهها بالولادة ونزع العرق فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول، وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها. وقريب من هذا حديث: "جحد آدم فجحدت ذريته" وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى، وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور، وينبغي، لهن أن لا يتمكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن، والله المستعان. قوله: "موسى بن حزام" بكسر المهملة بعدها زاي خفيفة، وهو ترمذي نزل بلخ، وثقه النسائي وغيره، وكان زاهدا عالما بالسنة، وما له في البخاري، إلا هذا الموضع. قوله: "عن ميسرة" هو ابن عمارة الأشجعي الكوفي، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد ذكره في النكاح من وجه آخر. وله حديث آخر في تفسير آل عمران. قوله: "استوصوا" قيل معناه تواصوا بهن، والباء للتعدية والاستفعال بمعنى الإفعال كالاستجابة بمعنى الإجابة. وقال الطيبي: السين للطلب وهو للمبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن، أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن كمن يعود مريضا فيستحب له أن يحثه على الوصية والوصية بالنساء آكد لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن، وقيل معناه اقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وأرفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن. قلت: وهذا أوجه الأوجه في نظري، وليس مخالفا لما قال الطيبي. قوله: "خلقت من ضلع" بكسر المعجمة وفتح اللام ويجوز تسكينها، قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير، أخرجه ابن إسحاق وزاد: "اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم" ومعنى خلقت أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون معناه أن المرأة خلقت من مبلغ ضلع فهي كالضلع، زاد في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم: "لن تستقيم لك على طريقة" قوله: "وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه" قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها، وفي استعمال أعوج استعمال لأفعل في العيوب وهو شاذ، وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها، أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله. قوله: "فإن ذهبت تقيمه كسرته" قيل هو ضرب مثل للطلاق أي إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقها، ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم: "وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها" ويستفاد من حديث الباب أن الضلع مذكر خلافا لمن جزم بأنه مؤنث واحتج برواية مسلم ولا حجة فيه لأن التأنيث في روايته للمرأة، وقيل إن الضلع يذكر ويؤنث وعلى هذا فاللفظان صحيحان. الحديث السابع: حديث عبد الله وهو ابن مسعود "يجمع خلق أحدكم في بطن أمه" الحديث بتمامه، وسيأتي شرحه في كتاب القدر مستوفى إن شاء الله تعالى، ومناسبته للترجمة من قوله فيها "ذريته" فإن فيه بيان خلق ذرية آدم. الحديث: الثامن: حديث أنس في ذلك وسيأتي أيضا هناك. الحديث التاسع:

(6/368)


حديث أنس قوله: "يرفعه" هي لفظة يستعملها المحدثون في موضع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ونحو ذلك قوله: " إن الله تعالى يقول لأهون أهل النار عذابا" يقال هو أبو طالب، وسيأتي شرحه في أواخر كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى، ومناسبته للترجمة من قوله: "وأنت في صلب آدم " فإن فيه إشارة إلى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية. الحديث العاشر: حديث عبد الله وهو ابن مسعود "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على آدم الأول كفل من دمها" وسيأتي شرحه في القصاص، وأورده هنا ليلمح بقصة ابني آدم حيث قتل أحدهما الآخر، ولم يصح على شرطه شيء من قصتهما، وفيما قصه الله علينا في القرآن من ذلك كفاية عن غيره. واختلف في اسم القاتل فالمشهور قابيل بوزن المقتول لكن أوله هاء وقيل اسم المقتول "قين" بلفظ الحداد وقيل "قاين" بزيادة ألف. وذكر السدي في تفسيره عن مشايخه بأسانيده أن سبب قتل قابيل لأخيه هابيل أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن من ولده بأنثى الآخر، وأن أخت قابيل كانت أحسن من أخت هابيل فأراد قابيل أن يستأثر بأخته فمنعه آدم، فلما ألح عليه أمرهما أن يقربا قربانا فقرب قابيل حزمة من زرع وكان صاحب زرع، وقرب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب مواش، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل دون قابيل، وكان ذلك سبب الشر بينهما وهذا هو المشهور. ونقل الثعلبي بسند واه عن جعفر الصادق أنه أنكر أن يكون آدم زوج ابنا له بابنة له وإنما زوج قابيل جنية وزوج هابيل حورية فغضب قابيل فقال: يا بني ما فعلته إلا بأمر الله، فقربا قربانا. وهذا لا يثبت عن جابر ولا عن غيره، ويلزم منه أن بني آدم من ذرية إبليس لأنه أبو الجن كلهم أو من ذرية الحور العين وليس لذلك أصل ولا شاهد.

(6/369)


2 - باب الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ
3336- قَالَ قَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ".
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا.
قوله: "باب الأرواح جنود مجندة" كذا ثبتت هذه الترجمة في معظم الروايات، وهي متعلقة بترجمة آدم وذريته، للإشارة إلى أنهم ركبوا من الأجسام والأرواح. قوله: "وقال الليث" وصله المصنف في "الأدب المفرد" عن عبد الله بن صالح عنه قوله: "الأرواح جنود مجندة إلخ" قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت. ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام، وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم. وقال غيره: المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين، ومعنى تقابلها أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف. قلت: ولا يعكر

(6/369)


عليه أن بعض المتنافرين ربما ائتلفا، لأنه محمول على مبدأ التلاقي، فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سبب. وأما في ثاني الحال فيكون مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة كإيمان الكافر وإحسان المسيء. وقوله: "جنود مجندة" أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة، قال ابن الجوزي: ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضى لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه. وقال القرطبي: الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة، ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها. ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر، وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها. قوله: "وقال يحيى بن أيوب" هو المصري "حدثني يحيى بن سعيد بهذا" يعني مثل الذي قبله، وقد وصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب به، ورويناه موصولا في مسند أبي يعلى وفيه قصة في أوله عن عمرة بنت عيد الرحمن قالت: "كانت امرأة مزاحة بمكة فنزلت على امرأة مثلها في المدينة، فبلغ ذلك عائشة فقالت: صدق حبي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر مثله. ورويناه في فوائد أبي بكر بن زنبور من طريق الليث أيضا بسنده الأول بهذه القصة بمعناها، قال الإسماعيلي: أبو صالح ليس من شرط هذا الكتاب ولا يحيى بن أيوب في الأصول، وإنما يخرج له البخاري في الاستشهاد، فأورد البخاري هذا الحديث من الطريقين بلا إسناد فصار أقوى مما لو ساقه بإسناد. اهـ. وكان سبب ذلك أن الناظر في كتابه ربما اعتقد أن له عنده إسنادا آخر، ولا سيما وقد ساقه بصيغة الجزم فيعتقد أنه على شرطه، وليس الأمر كذلك. قلت: وللمتن شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم.

(6/370)


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا عَنْ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ".
3339- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ لاَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ فَيَقُولُ لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ".
[الحديث 3339 – طرفاه في: 4487، 7349]
3340- حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وَقَالَ أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ بِمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمْ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَتَدْنُو مِنْهُمْ الشَّمْسُ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا فَيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَنَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ نَفْسِي نَفْسِي ائْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ لاَ أَحْفَظُ سَائِرَهُ".
[الحديث 3340 – طرفاه في: 3361، 4712]
3341- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ ".
[الحديث 3341 – أطرافه في: 3345، 3376، 4869، 4870، 4871، 4872، 4873، 4874]

(6/371)


قوله: "باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}" كذا لأبي ذر ويؤيده ما وقع في الترجمة من شرح الكلمات اللاتي من هذه القصة في سورة هود وفي رواية الحفصي {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} إلى قوله: {مِنَ الْمُسْلِمِينَ}" وللباقين {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إلى آخر السورة، وقد ذكر بعض هذا الأخير في رواية أبي ذر قبل الأحاديث المرفوعة. ونوح هو ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام بعدها معجمة ابن خنوخ بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة بعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو إدريس فيما يقال. وقد ذكر ابن جرير أن مولد نوح كان بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عاما، وأنه بعث وهو ابن ثلاثمائة خمسين وقيل غير ذلك، وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين، وقيل: إن مدة عمره ألف سنة إلا خمسين عاما قبل البعثة وبعدها وبعد الغرق فالله أعلم. وصحح ابن حبان من حديث أبي أمامة "أن رجلا قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم . قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال عشرة قرون ". قوله: "قال ابن عباس بادي الرأي ما ظهر لنا" وصله ابن أبي حاتم عن طريق عطاء عنه أي أول النظر قبل التأمل. قوله: "أقلعي أمسكي وفار التنور نبع الماء" وصل ذلك ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. "وقال عكرمة وجه الأرض" وصله ابن جرير من طريق أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة في قوله: "وفار التنور" قال وجه الأرض قوله: "وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة" وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه وزاد: "تشامخت الجبال يوم الغرق وتواضع هو لله فلم يغرق وأرسيت عليه سفينة نوح". قوله: "دأب حال" وصله الفريابي من طريق مجاهد أيضا. ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث. الأول: حديث ابن عمر في ذكر الدجال وسيأتي شرحه في الفتن، والغرض منه قوله فيه: "ولقد أنذره نوح قومه" وخص نوحا بالذكر لأنه أول من ذكره، وهو أول الرسل المذكورين في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً}. الثاني: حديث أبي هريرة في المعنى كذلك. الثالث: حديث أبي سعيد في شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم لنوح بالتبليغ، وسيأتي شرحه في تفسير سورة البقرة، ويأتي في تفسير سورة نوح بيان السبب في عبادة قوم نوح الأصنام. الرابع: حديث أبي هريرة في الشفاعة قوله فيه: "دعوة" بضم أوله(1) الوليمة. وقوله: "فرفعت إليه الذراع" أي ذراع الشاة وسيأتي بيان ذلك في الأطعمة. قوله: "فنهس" بنون ومهملة أي أخذ منها بأطراف أسنانه، ووقع في رواية أبي ذر في المعجمة وهو قريب من المهملة، قوله: "أنا سيد الناس يوم القيامة" خصه بالذكر لظهور ذلك له يومئذ حيث تكون الأنبياء كلهم تحت لوائه ويبعثه الله المقام المحمود كما سيأتي بيانه في الرقاق مع تتمة شرح الحديث إن شاء الله تعالى. والغرض منه هنا قوله: "فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدا شكورا" فأما كونه أول الرسل فقد استشكل بأن آدم كان نبيا وبالضرورة تعلم أنه كان على شريعة من العبادة وأن أولاده أخذوا ذلك عنه فعلى هذا فهو رسول إليهم فيكون هذا أول رسول، فيحتمل أن تكون الأولية في قول أهل الموقف لنوح مقيدة بقولهم إلى أهل الأرض لأنه في زمن آدم لم يكن للأرض أهل أو لأن رسالة آدم إلى بنيه كانت كالتربية للأولاد، ويحتمل أن يكون المراد أنه رسول أرسل إلى بنيه وغيرهم من الأمم الذين أرسل إليهم مع تفرقهم في عدة بلاد، وآدم إنما
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: في بعض النسخ، وعبارة القسطلاني بفتح الدال أو كسرها

(6/372)


أرسل إلى بنيه فقط وكانوا. مجتمعين في بلدة واحدة، واستشكله بعضهم بإدريس، ولا يرد لأنه اختلف في كونه جد نوح كما تقدم، وقد تقدم شيء من هذا في أول كتاب التيمم فيما يتعلق بخصوصية نبينا بعموم البعثة عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام. وأما قولهم "وسماك الله عبدا شكورا" فإشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} وروى عبد الرزاق بسند مقطوع "إن نوحا كان إذا ذهب إلى الغائط قال: الحمد لله الذي رزقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه". الخامس: حديث ابن مسعود في قراءة {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} وسيأتي في تفسير اقتربت.

(6/373)


باب قول الله عز وجل { و لقد أرسلنا نوحا إلى قومه }
باب { و إن إلياس لمن المرسلين ، إذ قال لقومه ألا تتقون ـ إلى ـ و تركنا عليه في الآخرين } قال ابن عباس : يذكر بخير .
...
4 - باب {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} إلى {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [23 الصافات]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ. {سَلاَمٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ . إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} يُذْكَرُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ.
قوله: "باب {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} إلى {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ}" سقط لفظ: "باب" من رواية أبي ذر، وكأن المصنف رجح عنده كون إدريس ليس من أجداد نوح فلهذا ذكره بعده، وسأذكر ما في ذلك في الباب الذي يليه. وإلياس بهمزة قطع وهو اسم عبراني. وأما قوله تعالى: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} فقرأه الأكثر بصورة الاسم المذكور وزيادة ياء ونون في آخره. وقرأ أهل المدينة "آل ياسين" بفصل آل من ياسين، وكان بعضهم يتأول أن المراد سلام على آل محمد صلى الله عليه وسلم وهو بعيد، ويؤيد الأول أن الله تعالى إنما أخبر في كل موضع ذكر فيه نبيا من الأنبياء في هذه السورة بأن السلام عليه فكذلك السلام في هذا الموضع على إلياس المبدأ بذكره، وإنما زيدت فيه الياء والنون كما قالوا في إدريس إدراسين والله أعلم. قوله: "قال ابن عباس" وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} يذكر بخير. قوله: "ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس" أما قول ابن مسعود فوصله عبد بن حميد وابن أبي حاتم بإسناد حسن عنه قال: إلياس هو إدريس، ويعقوب هو إسرائيل. وأما قول ابن عباس. فوصله جويبر في تفسيره عن الضحاك عنه وإسناده ضعيف، ولهذا لم يجزم به البخاري: وقد أخذ أبو بكر بن العربي من هذا أن إدريس لم يكن جدا لنوح وإنما هو من بني إسرائيل لأن إلياس قد ورد أنه من بني إسرائيل، واستدل على ذلك بقوله عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: "مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح" ولو كان من أجداده لقال له كما قال له آدم وإبراهيم "والابن الصالح" وهو استدلال جيد إلا أنه قد يجاب عنه بأنه قال ذلك على سبيل التواضع والتلطف فليس ذلك نصا فيما زعم. وقد قال ابن إسحاق في أول السيرة النبوية لما ساق النسب الكريم فلما بلغ إلى نوح قال: ابن لمك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس النبي فيما يزعمون، وأشار بذلك إلى أن هذا القول مأخوذ عن أهل الكتاب. واختلف في ضبطه فالأكثر خنوخ بمعجمتين بعد الأولى نون بوزن ثمود، وقيل بزيادة ألف في أوله وسكون المعجمة الأولى، وقيل غير ذلك لكن بحذف الواو، وقيل: كذلك لكن بدل الخاء الأولى هاء، وقيل: كالثاني لكن بدل المعجمة مهملة. واختلف في لفظ إدريس فقيل هو عربي واشتقاقه من الدراسة وقيل له ذلك لكثرة درسه الصحف، وقيل: بل هو سرياني، وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان أنه كان سريانيا، ولكن

(6/373)


لا يمنع ذلك كون لفظ إدريس عربيا إذا ثبت بأن له اسمين.

(6/374)


باب ذكر إدريس عليه السلام . و هو جد أبي نوح ، و يقال جد نوح عليهما السلام
...
5 - باب ذِكْرِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلاَم. وَهُوَ جَدُّ أَبِي نُوحٍ. وَيُقَالُ جَدُّ نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَم. وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [75 مريم]: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}
3342- قال عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري ح حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن بن شهاب قال قال أنس كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جاء إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح قال من هذا قال هذا جبريل قال معك أحد قال معي محمد قال أرسل إليه قال نعم فافتح فلما علونا إلى السماء إذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت من هذا يا جبريل قال هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتح قال أنس فذكر أنه وجد في السماوات إدريس وموسى ونصف وإبراهيم ولم يثبت لي كيف أنه قد ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة وقال أنس فلما مر جبريل بإدريس قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح فقلت من هذا قال هذا إدريس ثم مررت بموسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هذا قال هذا موسى ثم مررت بعيسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هذا قال عيسى ثم مررت بإبراهيم فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت من هذا قال هذا إبراهيم قال وأخبرني بن حزم أن بن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع صريف الأقلام قال بن حزم وأنس بن مالك رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم ففرض الله علي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال موسى ما الذي فرض على أمتك قلت فرض عليهم خمسين صلاة

(6/374)


قال فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فرجعت فراجعت ربي فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك فذكر مثله فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فرجعت فراجعت ربي فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك فقلت قد استحييت من ربي ثم انطلق حتى أتى السدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك".
قوله: "باب ذكر إدريس" سقط لفظ: "باب" من رواية أبي ذر وزاد في رواية الحفصي "وهو جد أبي نوح وقيل: جد نوح". قلت: الأول أولى من الثاني كما تقدم، ولعل الثاني أطلق ذلك مجازا لأن جد الأب جد. ونقل بعضهم الإجماع على أنه جد لنوح، وفيه نظر لأنه إن ثبت ما قال ابن عباس أن إلياس هو إدريس لزم أن يكون إدريس من ذرية نوح لا أن نوحا من ذريته لقوله تعالى في سورة الأنعام {وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} إلى قوله: {وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ} فدل على أن إلياس من ذرية نوح سواء قلنا إن الضمير في قوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ} لنوح أو لإبراهيم، لأن إبراهيم من ذرية نوح فمن كان من ذرية إبراهيم فهو من ذرية نوح لا محالة. وذكر ابن إسحاق في "المبتدأ" أن إلياس هو ابن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هارون أخي موسى بن عمران فالله أعلم. وذكر وهب في "المبتدأ" أن إلياس عمر كما عمر الخضر وأنه يبقى إلى آخر الدنيا في قصة طويلة. وأخرج الحاكم في "المستدرك" من حديث أنس أن إلياس اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وأكلا جميعا وأن طوله ثلاثمائة ذراع وأنه قال إنه لا يأكل في السنة إلا مرة واحدة، أورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي وقال: إنه خبر باطل. قوله: "وقوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}" ثم ساق حديث الإسراء من رواية أبي ذر، وقد تقدم شرحه في أوائل الصلاة وكأنه أشار بالترجمة إلى ما وقع فيه أنه وجده "في السماء الرابعة" وهو مكان علي بغير شك، واستشكل بعضهم ذلك بأن غيره من الأنبياء أرفع مكانا منه ثم أجاب بأن المراد أنه لم يرفع إلى السماء من هو حي غيره، وفيه نظر لأن عيسى أيضا قد رفع وهو حي على الصحيح، وكون إدريس رفع وهو حي لم يثبت من طريق مرفوعة قوية، وقد روى الطبري أن كعبا قال لابن عباس في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} أن إدريس سأل صديقا له من الملائكة فحمله بين جناحيه ثم صعد به، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت فقال له أريد أن تعلمني كم بقي من أجل إدريس؟ قال: وأين إدريس؟ قال: هو معي، فقال: إن هذا لشيء عجيب، أمرت بأن أقبض روحه في السماء الرابعة فقلت: كيف ذلك وهو في الأرض؟ فقبض روحه، فذلك قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} وهذا من الإسرائيليات، والله أعلم بصحة ذلك. وذكر ابن قتيبة أن إدريس رفع وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان أن إدريس كان نبيا رسولا وأنه أول من خط بالقلم، وذكر ابن إسحاق له أوليات كثيرة، منها أنه أول من خاط الثياب. "تنبيه": وقع في أكثر الروايات "وقال عبدان" وفي روايتنا من طريق أبي ذر "حدثنا عبدان" وصله أيضا الجوزقي من طريق محمد بن الليث عن عبد الله بن عثمان وهو عبدان به

(6/375)


باب قول الله تعالى { و إلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله }
...
6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وَقَوْلِهِ: [21 الأحقاف]: {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} إلى قوله: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} فِيهِ عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [8 الحاقة]: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ َرْصَرٍ} شَدِيدَةٍ {عَاتِيَةٍ} قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَتَتْ عَلَى الْخُزَّانِ . {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} مُتَتَابِعَةً {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} أُصُولُهَا {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} بَقِيَّةٍ
3343- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ".
3344- قَالَ وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِيِّ وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ قَالُوا يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا قَالَ إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمَنَعَهُ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لاَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ".
[الحديث 3344 – أطرافه في: 3610، 4351، 4667، 5058، 6163، 6931، 6933، 7432، 5762]
3345- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأَسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}".
قوله: "باب قول الله تعالى { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}" هو هود بن عبد الله بن رباح بن جاور بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وسماه أخا لهما لكونه من قبيلتهم لا من جهة أخوة الدين، هذا هو الراجح في نسبه. وأما ابن هشام فقال اسمه عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح. قوله: {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} إلى قوله: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}" الأحقاف جمع حقف بكسر المهملة وهو المعوج من الرمل، والمراد به هنا مساكن عاد، وروى عبد

(6/376)


ابن حميد من طريق قتادة أنهم كانوا ينزلون الرمل بأرض الشحر وما والاها، وذكر ابن قتيبة أنهم كانوا ثلاث عشرة قبيلة ينزلون الرمل بالدو والدهناء وعالج ووبار وعمان إلى حضر موت، وكانت ديارهم أخصب البلاد وأكثرها جنانا، فلما سخط الله جل وعلا عليهم جعلها مفاوز. قوله: "فيه عطاء وسليمان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى، أما رواية عطاء وهو ابن أبي رباح فوصلها المؤلف في "باب ذكر الريح" من بدء الخلق وأوله "كان إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر" وفي آخره: "وما أدري لعله كما قال قوم عاد {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} الآية" وأما رواية سليمان وهو ابن يسار فوصلها المؤلف في تفسير سورة الأحقان، ويأتي بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: "قول الله عز وجل: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ َرْصَرٍ} شَدِيدَةٍ {عَاتِيَةٍ} قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَتَتْ عَلَى الْخُزَّانِ" أما تفسير الصرصر بالشديدة فهو قول أبي عبيدة في المجاز، وأما تفسير ابن عيينة فرويناه في تفسيره رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن غير واحد في قوله: "عاتية" قال: عتت على الخزان، وما خرج منها إلا مقدار الخاتم، وقد وقع هذا متصلا بحديث ابن عباس الذي في هذا الباب عند الطبراني من طريق مسلم الأعور عن مجاهد عن ابن عباس، وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن مسلم الأعور فبين أن الزيادة مدرجة من مجاهد، وجاء نحوها عن علي موقوفا أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه قال: "لم ينزل الله شيئا من الريح إلا بوزن على يدي ملك. إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فعبت على الخزان" ومن طريق قبيصة بن ذؤيب أحد كبار التابعين نحوه بإسناد صحيح. قوله : "حسوما: متتابعة" هو تفسير أبي عبيدة، قال في قوله: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ} أي أدامها {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوما}: ولاء متتابعة. وقال الخليل: هو من الحسم بمعنى القطع. قوله: "أعجاز نخل خاوية - أصولها - فهل ترى لهم من باقية" بقية، هو تفسير أبي عبيدة أيضا قال: قوله: "خاوية" أي أصولها وهي على رأي من أنث النخل، وشبههم بأعجاز النخل إشارة إلى عظم أجسامهم، قال وهب بن منبه: كان رأس أحدهم مثل القبة، وقيل: كان طوله اثني عشرة ذراعا، وقيل كان أكثر من عشرة، وروى ابن الكلبي قال: كان طول أقصرهم ستين ذراعا وأطولهم مائة والكلبي بألف. وفي قوله: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} أي من بقية، وفي التفسير أن الريح كانت تحمل الرجل فترفعه في الهواء ثم تلقيه فتشدخ رأسه فيبقى جثة بلا رأس فذلك قوله: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وأعجاز النخل هي التي لا رءوس لها. ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث ابن عباس وفيه: "وأهلكت عاد بالدبور" وورد في صفة إهلاكهم بالريح ما أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر والطبراني من حديث ابن عباس رفعاه "ما فتح الله على عاد من الريح إلا موضع الخاتم، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض، فرآهم الحاضرة فقالوا: هذا عارض ممطرنا، فألقتهم عليهم فهلكوا جميعا" وحديث أبي سعيد الخدري في ذكر الخوارج. قوله: "وقال ابن كثير عن سفيان" كذا وقع هنا، وأورده. في تفسير براءة قائلا: "حدثنا محمد بن كثير" فوصله لكنه لم يسقه بتمامه وإنما اقتصر على طرف من أوله وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي إن شاء الله تعالى. والغرض منه هنا قوله: "لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" أي قتلا لا يبقي منهم أحدا، إشارة إلى قوله تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} ولم يرد أنه يقتلهم بالآلة التي قتلت بها عاد بعينها، ويحتمل أن يكون من الإضافة إلى الفاعل ويراد به القتل الشديد القوي، إشارة إلى أنهم موصوفون بالشدة والقوة، ويؤيده أنه وقع في طريق أخرى "قتل ثمود". ثالثها: حديث عبد الله "سمعت النبي

(6/377)


صلى الله عليه وسلم يقرأ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}" وسيأتي في التفسير إن شاء الله تعالى.(*)
ـــــــ
(*) تنبيه: قدم الحافظ ابن حجر الباب التالي (وهو الباب 17 من كتاب الأنبياء) فوضعه هنا (قبل الباب السابع) ليكون الكلام على نبي الله صالح عليه السلام وقومه من ثمود بعد الكلام على نبي الله شعيب وقومه من عاد، فاقتضى ذلك أن تكون الأحاديث المرقمة في صحيح البخاري من رقم 3377 إلى 3381 متقدمة عن ترتيبها المتسلسل. فنحن في ترتيب طبع الشرح راعينا ترتيب الشارح، وفي ترتيب ترقيم أحاديث صحيح البخاري راعينا ترتيب هذه الأحاديث في النسخ المتداولة من صحيح البخاري.

(6/378)


باب قول الله تعالى { و إلى ثمود أخاهم صالحا }
...
17 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [73 الأعراف]: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}. وقوله [80 الحجر]: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} الْحِجْرُ مَوْضِعُ ثَمُودَ . وَأَمَّا {حَرْثٌ حِجْرٌ}: حَرَامٌ وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهُوَ حِجْرٌ، ومنه "حجر مَحْجُورٌ" وَالْحِجْرُ كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْتَهُ، وَمَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ الأَرْضِ فَهُوَ حِجْرٌ، وَمِنْهُ سُمِّيَ حَطِيمُ الْبَيْتِ حِجْرًا، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُومٍ، مِثْلُ قَتِيلٍ مِنْ مَقْتُولٍ، وَيُقَالُ لِلْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ حِجْرُ، وَيُقَالُ لِلْعَقْلِ حِجْرٌ وَحِجًى. وَأَمَّا حَجْرُ الْيَمَامَةِ فَهُوَ المَنْزِلٌ.
3377- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ قَالَ انْتَدَبَ لَهَا رَجُلٌ ذُو عِزٍّ وَمَنَعَةٍ فِي قَوْمِهِ كَأَبِي زَمْعَةَ".
[الحديث 3377 – أطرافه في: 4942، 5204، 6042]
3378- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ أَبُو زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لاَ يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا وَلاَ يَسْتَقُوا مِنْهَا فَقَالُوا قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ وَيُرْوَى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَأَبِي الشُّمُوسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِلْقَاءِ الطَّعَامِ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ".
[الحديث 3378 – طرفه في: 3379]
3379- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ فَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وَاعْتَجَنُوا بِهِ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ" . تَابَعَهُ أُسَامَةُ عَنْ نَافِعٍ.
3380- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ
ـــــــ
(*) تنبيه: قدم الحافظ ابن حجر الباب التالي (وهو الباب 17 من كتاب الأنبياء) فوضعه هنا (قبل الباب السابع) ليكون الكلام على نبي الله صالح عليه السلام وقومه من ثمود بعد الكلام على نبي الله شعيب وقومه من عاد، فاقتضى ذلك أن تكون الأحاديث المرقمة في صحيح البخاري من رقم 3377 إلى 3381 متقدمة عن ترتيبها المتسلسل. فنحن في ترتيب طبع الشرح راعينا ترتيب الشارح، وفي ترتيب ترقيم أحاديث صحيح البخاري راعينا ترتيب هذه الأحاديث في النسخ المتداولة من صحيح البخاري.

(6/378)


يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ".
3381- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْتُ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ".
قوله: "باب قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}. وقوله: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ}" هو صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشخ بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وكانت منازلهم بالحجر، وهو بين تبوك والحجاز. قوله: "الحجر: موضع ثمود، وأما حرث حجر: حرام" هو تفسير أبي عبيدة، قال في قوله تعالى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} أي حرام. قوله: "وكل ممنوع فهو حجر، ومنه حجرا محجورا" قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} أي حراما محرما. قوله: "والحجر كل بناء بنيته، وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر، ومنه سمي حطيم البيت حجرا" قال أبو عبيدة: ومن الحرام سمي حجر الكعبة. وقال غيره: سمي حطيما لأنه أخرج من البيت وترك هو محطوما، وقيل: الحطيم ما بين الركن والباب سمي حطيما لازدحام الناس فيه. قوله: "كأنه مشتق من محطوم" أي الحطيم "مثل قتيل من مقتول" وهذا على رأي الأكثر، وقيل: سمي حطيما لأن العرب كانت تطرح فيه ثيابها التي تطوف فيها وتتركها حتى تتحطم وتفسد بطول الزمان، وسيأتي هذا فيما بعد عن ابن عباس، فعلى هذا هو فعيل بمعنى فاعل، وقيل: سمي حطيما لأنه كان من جملة الكعبة فأخرج عنها وكأنه كسر منها فيصح لهم فعيل بمعنى مفعول، وقوله: "مشتق" ليس هو محمولا على الاشتقاق الذي حدث اصطلاحه. قوله: "ويقال للأنثى من الخيل حجر، ويقال للعقل حجر وحجي" هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى: {لِذِي حِجْرٍ} أي عقل، قال ويقال للأنثى من الخيل حجر. قوله: "وأما حجر اليمامة فهو المنزل" ذكره استطرادا، وإلا فهذا بفتح أوله هي قصبة اليمامة البلد المشهور بين الحجاز واليمن. حديث عبد الله بن زمعة في ذكر عاقر الناقة. قوله: "ومنعة" بفتح الميم والنون والمهملة. قوله: "في قومه" كذا للأكثر، وللكشميهني والسرخسي "في قوة". قوله: "كأبي زمعة" هو الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى، وسيأتي بيان ذلك في التفسير حيث ساقه المصنف مطولا، وليس لعبد الله بن زمعة في البخاري غير هذا الحديث، وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث وقد فرقها في النكاح وغيره، وعاقر الناقة اسمه قدار بن سالف، قيل: كان أحمر أزرق أصهب. وذكر ابن إسحاق في "المبتدأ" وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة أنهم كانوا اقترحوها على صالح عليه السلام فأجابهم إلى ذلك بعد أن تعنتوا في وصفها، فأخرج الله له ناقة من صخرة بالصفة المطلوبة، فآمن بعض وكفر بعض، واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى حيث شاءت وترد الماء يوما بعد يوم، وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله، وكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم للغد، ثم ضاق بهم الأمر في ذلك فانتدب تسعة رهط - منهم قدار المذكور - فباشر عقرها، فلما بلغ ذلك صالحا عليه السلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيام. فوقع كذلك كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه. وأخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث جابر رفعه: "إن الناقة كانت ترد يومها فتشرب

(6/379)


جميع الماء ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب" وفي سنده إسماعيل بن عياش وفي روايته عن غير الشاميين ضعف وهذا منها. ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في بئر ثمود: قوله: "حدثنا سليمان" هو ابن بلال. قوله: "فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهرقوا ذلك الماء" بين في رواية نافع عقب هذا عن ابن عمر أنه أمرهم أن يهريقوا ما استقوا من بيارها وأن يعلفوا الإبل العجين. قوله: "ويروى عن سبرة بن معبد وأبي الشموس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلقاء الطعام" أما حديث سبرة بن معبد فوصله أحمد والطبراني من طريق عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد عن أبيه عن جده سبرة - وهو بفتح المهملة وسكون الموحدة - الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين راح من الحجر: "من كان عجن منكم من هذا الماء عجينه أو حاس به حيسا فليلقه" وليس لسبرة بن معبد في البخاري إلا هذا الموضع، وقد أغفله المزي في الأطراف كالذي بعده، وأما حديث أبي الشموس - وهو بمعجمة ثم مهملة وهو بكري لا يعرف اسمه - فوصل حديثه البخاري في "الأدب المفرد" والطبراني وابن منده من طريق سليم بن مطير عن أبيه عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - فذكر الحديث وفيه - فألقى ذو العجين عجينه وذو الحيس حيسه" ورواه ابن أبي عاصم من هذا الوجه وزاد: "فقلت يا رسول الله قد حسيت حيسة أفألقمها راحلتي؟ قال نعم". قوله: "وقال أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: من اعتجن بمائه" وصله البزار من طريق عبد الله بن قدامة عنه " أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتوا على واد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : إنكم بواد ملعون فأسرعوا . وقال: من اعتجن عجينه أو طبخ قدرا فليكبها" الحديث وقال: لا أعلمه إلا بهذا الإسناد. قوله في آخر حديث نافع "وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كان تردها الناقة" في رواية الكشميهني: "التي كانت تردها الناقة" وتضمنت هذه الرواية زيادة على الروايات الماضية. وسئل شيخنا الإمام البلقيني: من أين علمت تلك البئر؟ فقال: بالتواتر، إذ لا يشترط فيه الإسلام انتهى. والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها بالوحي، ويحمل كلام الشيخ على من سيجيء بعد ذلك. وفي الحديث كراهة الاستقاء من بيار ثمود، ويلتحق بها نظائرها من الآبار والعيون التي كانت لمن هلك بتعذيب الله تعالى على كفره. واختلف في الكراهة المذكورة هل هي للتنزيه أو للتحريم؟ وعلى التحريم هل يمتنع صحة التطهر من ذلك الماء أم لا؟ وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في "باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب" من أوائل الصلاة. قوله: "تابعه أسامة" يعني ابن زيد الليثي "عن نافع" أي عن ابن عمر، روينا هذه الطريق موصولة في حديث حرملة عن ابن وهب قال: "أخبرنا أسامة بن زيد" فذكر مثل حديث عبيد الله وهو ابن عمر العمري وفي آخره: "وأمرهم أن ينزلوا على بئر ناقة صالح ويستقوا منها". قوله: "حدثنا محمد" هو ابن مقاتل، وعبد الله هو ابن المبارك. قوله: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا" زاد في رواية الكشميهني. "أنفسهم" وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم وإن كان السبب ورد فيهم. قوله: "حدثنا وهب" هو ابن جرير بن حازم ويونس هو ابن يزيد الأيلي. قوله: "إلا أن تكونوا باكين" كذا للجميع، لكن زعم ابن التين أنه وقع في رواية القابسي "إلا أن تكونوا باكيين" بتحتانيتين قال: وليس بصحيح لأن الياء الأولى مكسورة في الأصل فاستثقلت الكسرة وحذفت إحدى الياءين لالتقاء الساكنين. قوله: "أن يصيبكم ما أصابهم" أي كراهية أو خشية أن يصيبكم، والتقدير عند الكوفيين لئلا يصيبكم، ويؤيد الأول أنه وقع في رواية لأحمد "إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم" . وروى أحمد والحاكم بإسناد حسن عن جابر قال: "لما مر

(6/380)


رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح، وكانت الناقة ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، وكانت تشرب يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله وهو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه " وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: أبو رغال هو الجد الأعلى لثقيف، وهو بكسر الراء وتخفيف الغين المعجمة.
"تنبيه": وقع هذا الباب في أكثر نسخ البخاري متأخرا عن هذا الموضع بعدة أبواب، والصواب إثباته هنا، وهذا مما يؤيد ما حكاه أبو الوليد الباجي عن أبي ذر الهروي أن نسخة الأصل من البخاري كانت ورقا غير محبوك، فربما وجدت الورقة في غير موضعها فنسخت على ما وجدت فوقع في بعض التراجم إشكال بحسب ذلك، وإلا فقد وقع في القرآن ما يدل على أن ثمود كانوا بعد عاد كما كان عاد بعد قوم نوح.

(6/381)


باب قصة يأجوج و مأجوج
...
7 - باب قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [94 الكهف]: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ}. وقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى [83 الكهف]: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} إلى قوله: {سَبَبًا} سببا: طريقا. إلى قوله: {ائْتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} وَاحِدُهَا: زُبْرَةٌ، وَهِيَ الْقِطَعُ. {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} يُقَالُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْجَبَلَيْنِ. وَالسُّدَّيْنِ: الْجَبَلَيْنِ. خَرْجًا: أَجْرًا. {قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}: أَصْبُبْ عَلَيْهِ رَصَاصًا، وَيُقَالُ: الْحَدِيدُ، وَيُقَالُ: الصُّفْرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النُّحَاسُ. {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ}: يَعْلُوهُ. اسْتَطَاعَ: اسْتَفْعَلَ مِنْ طعْتُ لَهُ، فَلِذَلِكَ فُتِحَ أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْتَطَاعَ يَسْتَطِيعُ. {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا . قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكًّاء} أَلْزَقَهُ بِالأَرْضِ. وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ: لاَ سَنَامَ لَهَا. وَالدَّكْدَاكُ مِنْ الأَرْضِ مِثْلُهُ حَتَّى صَلُبَ وَتَلَبَّدَ. {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: حَدَبٌ أَكَمَةٌ. "قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ. قَالَ: قد رَأَيْتَهُ".
3346- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ".
[الحديث 3346 – أطرافه في: 3598، 7059، 7135]

(6/381)


3347- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فَتَحَ اللَّهُ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذَا وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ".
[الحديث 3347 – طرفه في: 7136]
3348- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ قَالَ أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ".
[الحديث 3348 – أطرافه في: 4741، 6530، 7483]
قوله: "باب قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} إلى قوله: {سَبَبًا}" كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية، ثم اتفقوا إلى قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}، وفي إيراد المصنف ترجمة ذي القرنين قبل إبراهيم إشارة إلى توهين قول من زعم أنه الإسكندر اليوناني، لأن الإسكندر كان قريبا من زمن عيسى عليه السلام، وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة، والذي يظهر أن الإسكندر المتأخر لقب بذي القرنين تشبيها بالمتقدم لسعة ملكه وغلبته على البلاد الكثيرة، أو لأنه لما غلب على الفرس وقتل ملكهم انتظم له ملك المملكتين الواسعتين الروم والفرس فلقب ذا القرنين لذلك، والحق أن الذي قص الله نبأه في القرآن هو المتقدم، والفرق بينهما من أوجه: أحدها: ما ذكرته، والذي يدل على تقدم ذي القرنين ما روى الفاكهي من طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين أن ذا القرنين حج ماشيا فسمع به إبراهيم فتلقاه، ومن طريق عطاء عن ابن عباس أن ذا القرنين دخل المسجد الحرام فسلم على إبراهيم وصافحه، ويقال إنه أول من صافح. ومن طريق عثمان بن ساج أن ذا القرنين سأل إبراهيم أن يدعو له فقال: وكيف وقد أفسدتم بئري؟ فقال لم يكن ذلك عن أمري، يعني أن بعض الجند فعل ذلك بغير علمه. وذكر ابن هشام في "التيجان" أن إبراهيم تحاكم إلى ذي القرنين في شيء فحكم له، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أحمد أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة فاستفهمهما عن ذلك فقالا: نحن عبدان مأموران، فقال من يشهد لكما؟ فقامت خمسة أكبش فشهدت، فقال: قد صدقتم، قال وأظن الأكبش المذكورة حجارة، ويحتمل أن تكون غنما. فهذه الآثار يشد بعضها بعضا. ويدل على قدم عهد ذي القرنين. ثاني الأوجه: قال الفخر الرازي في تفسيره: كان ذو القرنين نبيا. وكان الإسكندر كافرا، وكان معلمه أرسطاطاليس وكان يأتمر

(6/382)


بأمره وهو من الكفار بلا شك، وسأذكر ما جاء في أنه كان نبيا أم لا. ثالثها: كان ذو القرنين من العرب كما سنذكر بعد، وأما الإسكندر فهو من اليونان، والعرب كلها من ولد سام بن نوح بالاتفاق، وإن وقع الاختلاف هل هم كلهم من بني إسماعيل أو لا؟ واليونان من ولد يافث بن نوح على الراجح فافترقا. وشبهة من قال إن ذا القرنين هو الإسكندر ما أخرجه الطبري ومحمد بن ربيع الجيزي في "كتاب الصحابة الذين نزلوا مصر" بإسناد فيه ابن لهيعة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فقال: كان من الروم فأعطي ملكا فصار إلى مصر وبنى الإسكندرية، فلما فرغ أتاه ملك فعرج به فقال: انظر ما تحتك، قال: أرى مدينة واحدة، قال: تلك الأرض كلها، وإنما أراد الله أن يريك وقد جعل لك في الأرض سلطانا، فسر فيها وعلم الجاهل وثبت العالم. وهذا لو صح لرفع النزاع ولكنه ضعيف، والله أعلم. وقد اختلف في ذي القرنين فقيل كان نبيا كما تقدم، وهذا مروي أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعليه ظاهر القرآن. وأخرج الحاكم من حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أدري ذو القرنين كان نبيا أو لا" وذكر وهب في "المبتدأ" أنه كان عبدا صالحا وأن الله بعثه إلى أربعة أمم أمتين بينهما طول الأرض وأمتين بينهما عرض الأرض وهي ناسك ومنسك وتأويل وهاويل، فذكر قصة طويلة حكاها الثعلبي في تفسيره. وقال الزبير في أوائل: "كتاب النسب" حدثنا إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمعت ابن الكوا يقول لعلي بن أبي طالب: أخبرني ما كان ذو القرنين؟ قال: كان رجلا أحب الله فأحبه، بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه ضربة مات منها، ثم بعثه الله إليهم فضربوه على قرنه ضربة مات منها، ثم بعثه الله فسمي ذو القرنين. وعبد العزيز ضعيف، ولكن توبع على أبي الطفيل، أخرجه سفيان بن عيينة في جامعه عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل نحوه وزاد: وناصح الله فناصحه. وفيه لم يكن نبيا ولا ملكا. وسنده صحيح سمعناه في الأحاديث المختارة للحافظ الضياء، وفيه إشكال لأن قوله: "لم يكن نبيا" مغاير لقوله: "بعثه الله إلى قومه"، إلا أن يحمل البعث على غير رسالة النبوة. وقيل: كان ملكا من الملائكة حكاه الثعلبي، وهذا مروي عن عمر أنه سمع رجلا يقول يا ذا القرنين فقال: تسميه بأسماء الملائكة؟ وحكى الجاحظ في "الحيوان" أن أمه كانت من بنات آدم وأن أباه كان من الملائكة، قال واسم أبيه فيرى واسم أمه غيرى، وقيل: كان من الملوك وعليه الأكثر، وقد تقدم من حديث علي ما يومئ إلى ذلك، وسيأتي في ترجمة موسى في الكلام على أخبار الخضر، واختلف في سبب تسميته ذا القرنين فتقدم قول علي، وقيل: لأنه بلغ المشرق والمغرب أخرجه الزبير بن بكار من طريق سليمان بن أسيد عن ابن شهاب قال: إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها، وقيل: لأنه ملكهما وقيل: رأى في منامه أنه أخذ بقرني الشمس، وقيل: كان له قرنان حقيقة، وهذا أنكره علي في رواية القاسم بن أبي بزة، وقيل: لأنه كان له ضفيرتان تواريهما ثيابه، وقيل: لأنه كانت له غديرتان طويلتان من شعره حتى كان يطأ عليهما، وتسمية الضفيرة من الشعر قرنا معروف ومنه قول أم عطية "وضفرنا شعرها ثلاثة قرون" ومنه قول جميل "فلثمت فاها آخذا بقرونها" وقيل: لأنه عمر حتى فني في زمنه قرنان من الناس، وقيل: لأن قرني الشيطان عند مطلع الشمس وقد بلغه، وقيل: لأنه كان كريم الطرفين أمه وأبوه من بيت شرف، وقيل: لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعا،

(6/383)


وقيل: لأنه أعطي علم الظاهر والباطن، وقيل: لأنه ملك فارس والروم. وقد اختلف في اسمه فروى ابن مردويه من حديث ابن عباس وأخرجه الزبير في "كتاب النسب" عن إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: ذو القرنين عبد الله بن الضحاك بن معد بن عدنان، وإسناده ضعيف جدا لضعف عبد الله وشيخه، وهو مباين لما تقدم أنه كان في زمن إبراهيم فكيف يكون من ذريته لا سيما على قول من قال كان بين عدنان وإبراهيم أربعون أبا أو أكثر، وقيل: اسمه الصعب وبه جزم كعب الأحبار وذكره ابن هشام في "التيجان" عن ابن عباس أيضا. وقال أبو جعفر بن حبيب في كتاب "المحبر" هو المنذر بن أبي القيس أحد ملوك الحيرة وأمه ماء السماء ماوية بنت عوف بن جشم، قال وقيل: اسمه الصعب بن قرن بن همال من ملوك حمير. وقال الطبري هو إسكندروس بن فيلبوس وقيل فيلبس وبالثاني جزم المسعودي، وقيل: اسمه الهميسع ذكره الهمداني في كتب النسب قال: وكنيته أبو الصعب وهو ابن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وقيل: ابن عبد الله بن قرين بن منصور بن عبد الله بن الأزد، وقيل: بإسقاط عبد الله الأول، وأما قول ابن إسحاق الذي حكاه ابن هشام عنه أن اسم ذي القرنين مرزبان بن مردية، بدال مهملة وقيل: بزاي فقد صرح بأنه الإسكندر، ولذلك اشتهر على الألسنة لشهرة السيرة لابن إسحاق. قال السهيلي: والظاهر من علم الأخبار أنهما اثنان أحدهما كان على عهد إبراهيم ويقال إن إبراهيم تحاكم إليه في بئر السبع بالشام فقضى لإبراهيم والآخر كان قريبا من عهد عيسى. قلت: لكن الأشبه أن المذكور في القرآن هو الأول بدليل ما ذكر في ترجمة الخضر حيث جرى ذكره في قصة موسى قريبا أنه كان على مقدمة ذي القرنين، وقد ثبتت قصة الخضر مع موسى وموسى كان قبل زمن عيسى قطعا، وتأتي بقية أخبار الخضر هناك إن شاء الله تعالى. فهذا على طريق من يقول إنه الإسكندر، وحكى السهيلي أنه قيل: إنه رجل من ولد يونان بن يافث اسمه هرمس ويقال هرديس وحكى القرطبي المفسر تبعا للسهيلي أنه قيل إنه أفريدون، وهو الملك القديم للفرس الذي قتل الضحاك الجبار الذي يقول فيه الشاعر:
فكأنه الضحاك في فتكاته ... بالعالمين وأنت أفريدون
وللضحاك قصص طويلة ذكرها الطبري وغيره. والذي يقوي أن ذا القرنين من العرب كثرة ما ذكروه في أشعارهم، قال أعشى بني ثعلبة:
والصعب ذو القرنين أمسى ثاويا ... بالحنو في جدث هناك مقيم
والحنو بكسر المهملة وسكون النون في ناحية المشرق. وقال الربيع بن ضبيع:
والصعب ذو القرنين عمر ملكه ... ألفين أمسى بعد ذاك رميما
وقال قس بن ساعدة:
والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا ... باللحد بين ملاعب الأرياح
وقال تبع الحميري:
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ... ملكا تدين له الملوك وتحشد

(6/384)


من بعده بلقيس كانت عمتي ... ملكتهم حتى أتاها الهدهد
وقال بعض الحارثيين يفتخر بكون ذي القرنين من اليمن يخاطب قوما من مضر:
سموا لنا واحدا منكم فنعرفه ... في الجاهلية لاسم الملك محتملا
كالتبعين وذي القرنين يقبله ... أهل الحجا وأحق القول ما قبلا
وقال النعمان بن بشير الأنصاري الصحابي ابن الصحابي:
ومن ذا يعادينا من الناس معشر ... كرام وذو القرنين منا وحاتم
انتهى. ويؤخذ من أكثر هذه الشواهد أن الراجح في اسمه الصعب، ووقع ذكر ذي القرنين أيضا في شعر امرئ القيس وأوس بن حجر وطرفة بن العبد وغيرهم. وأخرج الزبير بن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن الضحاك بن عثمان عن أبيه عن سفيان الثوري قال: بلغني أنه ملك الدنيا كلها أربعة: مؤمنان وكافران، سليمان النبي عليه السلام وذو القرنين ونمرود وبختنصر. ورواه وكيع في تفسيره عن العلاء بن عبد الكريم سمعت مجاهدا يقول: ملك الأرض أربعة فسماهم. قوله: "سببا طريقا" هو قول أبي عبيدة في "المجاز"، وروى ابن أبي شيبة من حديث علي مرفوعا أنه قيل له: كيف بلغ ذو القرنين المشرق والمغرب؟ قال: سخر له السحاب وبسط له النور وبدت له الأسباب. قوله: "زبر الحديد واحدها زبرة وهي القطع" هو قول أبي عبيدة أيضا قال: زبر الحديد أي قطع الحديد واحدها زبرة. قوله: "حتى إذا ساوى بين الصدفين يقال عن ابن عباس الجبلين" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "بين الصدفين" قال: بين الجبلين. وقال أبو عبيدة: قوله: "بين الصدفين" أي ما بين الناحيتين من الجبلين. قوله: "والسدين: الجبلين" روى ابن أبي حاتم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا في قصة ذي القرنين وأنه سار حتى بلع مطلع الشمس، ثم أتى السدين وهما جبلان لينان يزلق عنهما كل شيء فبنى السدين، وفي إسناده ضعف، والسدين بالفتح والضم بمعنى قاله الكسائي. وقال أبو عمرو بن العلاء: ما كان من صنع الله فبالضم وما كان من صنع الآدمي فبالفتح، وقيل: بالفتح ما رأيته وبالضم ما توارى عنك. قوله: "خرجا أجرا" روى ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: خرجا قال أجرا عظيما. قوله: "آتوني أفرغ عليه قطرا أصب عليه رصاصا ويقال الحديد ويقال الصفر وقال ابن عباس النحاس" أما القول الأول والثاني فحكاهما أبو عبيدة قال في قوله: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} أي أصب عليه حديدا ذائبا، وجعله قوم الرصاص انتهى. والرصاص بفتح الراء وبكسرها أيضا، وأما الثالث فرواه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} قال صفرا وأما قول ابن عباس فوصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى عكرمة عن ابن عباس قال: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} قال: النحاس. ومن طريق السدي قال: القطر النحاس المذاب، وبناه لهم بالحديد والنحاس. ومن طريق وهب بن منبه قال: شرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل له عرقا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد. قوله: "فما اسطاعوا أن يظهروه يعلوه" هو قول أبي عبيدة قال: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} أي أن يعلوه، تقول ظهرت فوق الجبل أي علوته. قوله: "اسطاع استفعل من طعت له فلذلك فتح أسطاع يستطيع وقال بعضهم استطاع يستطيع" يعني بفتح الهمزة

(6/385)


من أسطاع وضم الياء من يسطيع. قوله: "جعله دكاء: ألزقه بالأرض ويقال ناقة دكاء لا سنام لها والدكداك من الأرض مثله حتى صلب وتلبد" قال أبو عبيدة {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} أي تركه مدكوكا أي ألزقه بالأرض، ويقال ناقة دكاء أي لا سنام لها مستوية الظهر، والعرب تصف الفاعل والمفعول بمصدرهما فمن ذلك جعله دكا أي مدكوكا. قوله: "وقال قتادة حدب: أكمة" قال عبد الرزاق في التفسير عن معمر عن قتادة في قوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} قال من كل أكمة. ويأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوح، روى ابن مردويه والحاكم من حديث حذيفة مرفوعا: "يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربعمائة ألف رجل لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه كلهم قد حمل السلاح، لا يمرون على شيء إذا خرجوا إلا أكلوه، ويأكلون من مات منهم" وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى. وقد أشار النووي وغيره إلى حكاية من زعم أن آدم نام فاحتلم فاختلط منيه بتراب فتولد منه ولد يأجوج ومأجوج من نسله، وهو قول منكر جدا لا أصل له إلا عن بعض أهل الكتاب. وذكر ابن هشام في "التيجان" أن أمة منهم آمنوا بالله فتركهم ذو القرنين لما بنى السد بأرمينية فسموا الترك لذلك. قوله: "وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم رأيت السد مثل البرد المحبر قال رأيته " وصله ابن أبي عمر من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن رجل من أهل المدينة أنه "قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال: كيف رأيته؟ قال مثل البرد المحبر طريقة حمراء وطريقة سوداء. قال: قد رأيته" ورواية الطبراني من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن رجلين عن أبي بكرة "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال" فذكر نحوه وزاد فيه زيادة منكرة وهي: "والذي نفسي بيده لقد رأيته ليلة أسري بي لبنة من ذهب ولبنة من فضة" وأخرجه البزار من طريق يوسف بن أبي مريم الحنفي عن أبي بكرة ورجل رأى السد فساقه مطولا. ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث موصولة: أحدها: حديث زينب بنت جحش في ذكر ردم يأجوج ومأجوج، وسيأتي شرحه مستوفى في آخر كتاب الفتن. ثانيها: حديث أبي هريرة نحوه باختصار ويأتي هناك أيضا. ثالثها: حديث أبي سعيد في بعث النار، وسيأتي شرحه في أواخر الرقاق. والغرض منه هنا ذكر يأجوج ومأجوج والإشارة إلى كثرتهم وأن هذه الأمة بالنسبة إليهم نحو عشر عشر العشر وأنهم من ذرية آدم ردا على من قال خلاف ذلك.

(6/386)


باب قول الله تعالى { و اتخذ الله إبراهيم خليلا }
...
8 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [165 النساء]: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}
وَقَوْلِهِ [120 النحل]: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}
وَقَوْلِهِ [114 التوبة]: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لاَوَّاهٌ حَلِيمٌ}. وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ
3349- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ

(6/386)


فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} إِلَى قَوْلِهِ {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
[الحديث 3349 – أطرافه في: 3447، 4625، 4626، 4740، 6525، 6526]
3350- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي فَيَقُولُ أَبُوهُ فَالْيَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ ثُمَّ يُقَالُ يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ".
[الحديث 2350 – طرفاه في: 4768، 4769]
3351- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَصُورَةَ مَرْيَمَ فَقَالَ: أَمَا لَهُمْ فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ هَذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ".
3352- حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال: قاتلهم الله والله إن استقسما بالأزلام قط".
3353- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ . فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ . قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا".
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَمُعْتَمِرٌ "عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 3353 – أطرافه في: 3374، 3383، 3490، 4689]
3354- حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

(6/387)


3355- حَدَّثَنا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "وَذَكَرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ أَوْ ك ف ر قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ وَأَمَّا مُوسَى فَجَعْدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي".
3356- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَم وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ". تابعه عبد الرحمن عن أبي سلمة.
[الحديث 3356 – طرفه في: 6298]
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ وَقَالَ بِالْقَدُومِ مُخَفَّفَةً تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ تَابَعَهُ عَجْلاَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
3357- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَث كذبات".
3358- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَم إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}. وَقَالَ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُخْتِي فَأَتَى سَارَةَ قَالَ يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلاَ تُكَذِّبِينِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكِ فَدَعَتْ اللَّهَ فَأُطْلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكِ فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا قَالَتْ رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ".

(6/388)


3359- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَوْ ابْنُ سَلاَمٍ عَنْهُ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَقَالَ كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم
3360- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ: بِشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}".
قوله: "باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا وقوله إن إبراهيم كان أمة قانتا لله وقوله إن إبراهيم لأواه حليم" وكأنه أشار بهذه الآيات إلى ثناء الله تعالى على إبراهيم عليه السلام، وإبراهيم بالسريانية معناه أب راحم، والخليل فعيل بمعنى فاعل وهو من الخلة بالضم وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله، وهذا صحيح بالنسبة إلى ما في قلب إبراهيم من حب الله تعالى. وأما إطلاقه في حق الله تعالى فعلى سبيل المقابلة، وقيل: الخلة أصلها الاستصفاء وسمي بذلك لأنه يوالي ويعادي في الله تعالى، وخلة الله له نصره وجعله إماما، وقيل: مشتق من الخلة بفتح المعجمة وهي الحاجة، سمي بذلك لانقطاعه إلى ربه وقصره حاجته عليه، وسيأتي تفسير الآية في تفسير النحل إن شاء الله تعالى. وإبراهيم هو ابن آزر واسمه تارح بمثناة وراء مفتوحة وآخره حاء مهملة ابن ناحور بنون ومهملة مضمومة ابن شاروخ بمعجمة وراء مضمومة وآخره معجمة ابن راغوء بغين معجمة ابن فالخ بفاء ولام مفتوحة بعدها معجمة ابن عبير ويقال عابر وهو بمهملة وموحدة ابن شالخ بمعجمتين ابن أرفخشذ بن سام بن نوح. لا يختلف جمهور أهل النسب ولا أهل الكتاب في ذلك، إلا في النطق ببعض هذه الأسماء. نعم ساق ابن حبان في أول تاريخه خلاف ذلك وهو شاذ. قوله: "وقال أبو ميسرة الرحيم بلسان الحبشة" يعني الأواه، وهذا الأثر وصله وكيع في تفسيره من طريق أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: الأواه الرحيم بلسان الحبشة. وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن مسعود بإسناد حسن قال: الأواه الرحيم، ولم يقل بلسان الحبشة. ومن طريق عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين قال: "قال رجل: يا رسول الله الأواه؟ قال: الخاشع المتضرع في الدعاء " ومن طريق ابن عباس قال: الأواه الموقن. ومن طريق مجاهد قال: الأواه الحفيظ، الرجل يذنب الذنب سرا ثم يتوب منه سرا. ومن وجه آخر عن مجاهد قال: الأواه المنيب الفقيه الموفق. ومن طريق الشعبي قال: الأواه المسبح. ومن طريق كعب الأحبار في قوله أواه قال: كان إذا ذكر النار قال أواه من عذاب الله. ومن طريق أبي ذر قال: "كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه أوه أوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لأواه" رجاله ثقات إلا أن فيه رجلا مبهما، وذكر أبو عبيدة أنه فعال من التأوه ومعناه متضرع شفقا ولزوما لطاعة ربه. ثم ذكر المصنف في الباب عشرين حديثا: أحدها: حديث ابن عباس في صفة الحشر، والمقصود منه قوله: "وأول من يكسى

(6/389)


يوم القيامة إبراهيم عليه السلام" وروى البيهقي في "الأسماء" من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا: "أول من يكسي إبراهيم حلة من الجنة، ويؤتي بكرسي فيطرح عن يمين العرش، ويؤتى بي فأكسى حلة لا يقوم لها البشر" ويقال إن الحكمة في خصوصية إبراهيم بذلك لكونه ألقي في النار عريانا، وقيل: لأنه أول من لبس السراويل. ولا يلزم من خصوصيته عليه السلام بذلك تفضيله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن المفضول قد يمتاز بشيء يخص به ولا يلزم منه الفضيلة المطلقة. ويمكن أن يقال لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على القول بأن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه. وسيأتي مزيد لهذا في أواخر الرقاق. وقد ثبت لإبراهيم عليه السلام أوليات أخرى كثيرة: منها أول من ضاف الضيف، وقص الشارب واختتن ورأى الشيب وغير ذلك، وقد أتيت على ذلك بأدلة في كتابي "إقامة الدلائل على معرفة الأوائل" وسيأتي شرح حديث الباب مستوفى في أواخر الرقاق إن شاء الله تعالى. حديث أبي هريرة "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة" وسيأتي شرحه في تفسير الشعراء إن شاء الله تعالى. حديث ابن عباس في رؤية الصور في البيت أخرجه من وجهين، وقد مضى أيضا في الحج، ويأتي شرحه فيما يتعلق بالأزلام في تفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى. حديث أبي هريرة "قيل يا رسول الله من أكرم الناس" وسيأتي شرحه في قصة يعقوب. قوله: "وقال أبو أسامة ومعتمر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة" يعني أنهما خالفا يحيى القطان في الإسناد فلم يقولا فيه: "عن سعيد عن أبيه" ورواية أبي أسامة وصلها المصنف في قصة يوسف، ورواية معتمر وصلها المؤلف في قصة يعقوب. حديث سمرة في المنام الطويل الذي تقدم مع بعض شرحه في آخر الجنائز، ذكر منه هنا طرفا وهو قوله: "فأتينا على رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا وإنه إبراهيم عليه السلام " وسيأتي شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى في كتاب التعبير. حديث ابن عباس وقد سبق في الحج ويأتي شرحه في ذكر الدجال وغيره، والغرض منه قوله: "أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم" وأشار بذلك إلى نفسه فإنه كان أشبه الناس بإبراهيم عليه السلام. حديث أبي هريرة "اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم" رويناه بالتشديد عن الأصيلي والقابسي، ووقع في رواية غيرهما بالتخفيف، قال النووي: لم يختلف الرواة عند مسلم في التخفيف، وأنكر يعقوب بن شيبة التشديد أصلا، واختلف في المراد به فقيل: هو اسم مكان، وقيل اسم آلة النجار، فعلى الثاني هو بالتخفيف لا غير، وعلى الأول ففيه اللغتان، هذا قول الأكثر وعكسه الداودي، وقد أنكر ابن السكيت التشديد في الآلة، ثم اختلف فقيل هي قرية بالشام، وقيل ثنية بالسراة، والراجح أن المراد في الحديث الآلة، فقد روى أبو يعلى من طريق علي بن رباح قال: "أمر إبراهيم بالختان، فاختتن بقدوم فاشتد عليه، فأوحى الله إليه أن عجلت قبل أن نأمرك بآلته، فقال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك". قوله: "حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد وقال بالقدوم مخففة" يعني أنه روى الحديث المذكور بالإسناد المذكور أولا وصرح بتخفيف الدال، وهذا يؤيد رواية الأصيلي والقابسي. "تنبيه": وقع في بعض النسخ تقديم رواية أبي اليمان بعد رواية قتيبة، والذي هنا هو المعتمد. قوله: "تابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد وتابعه عجلان عن أبيه عن أبي هريرة ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة" أما متابعة عبد الرحمن بن إسحاق فوصلها مسدد في مسنده عن بشر بن المفضل عنه ولفظه: "اختتن إبراهيم بعدما مرت به ثمانون واختتن بالقدوم" وأما متابعة عجلان فوصلها أحمد عن يحيى القطان عن ابن عجلان مثل رواية قتيبة،

(6/390)


وأما رواية محمد بن عمرو فوصلها أبو يعلى في مسنده من هذا الوجه ولفظه: "اختتن إبراهيم على رأس ثمانين سنة واختتن بالقدوم" فاتفقت هذه الروايات على أنه كان ابن ثمانين سنة عند اختتانه. ووقع في الموطأ موقوفا عن أبي هريرة. وعند ابن حبان مرفوعا: "أن إبراهيم اختتن وهو ابن مائة وعشرين سنة" والظاهر أنه سقط من المتن شيء فإن هذا القدر هو مقدار عمره، ووقع في آخر "كتاب العقيقة، لأبي الشيخ" من طريق الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب موصولا مرفوعا مثله وزاد: "وعاش بعد ذلك ثمانين سنة" فعلى هذا يكون عاش مائتي سنة والله أعلم. وجمع بعضهم بأن الأول حسب من مبدأ نبوته والثاني من مبدأ مولده. قوله: "حدثنا سعيد بن تليد" بفتح المثناة وكسر اللام وبعد التحتانية الساكنة مهملة الرعيني بمهملتين ونون مصغر مصري مشهور، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين. وقد أورده المصنف من وجهين عن أيوب وساقه على لفظ حماد بن زيد عن أيوب، ولم يقع التصريح برفعه في روايته، وقد رواه في النكاح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد فصرح برفعه لكن لم يسق لفظه، ولم يقع رفعه هنا في رواية النسفي ولا كريمة، وهو المعتمد في رواية حماد بن زيد، وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر غير مرفوع، والحديث في الأصل مرفوع كما في رواية جرير بن حازم وكما في رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين عند النسائي والبزار وابن حبان وكذا تقدم في البيوع من رواية الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا، ولكن ابن سيرين كان غالبا لا يصرح برفع كثير من حديثه. قوله: "لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا ثلاث كذبات" قال أبو البقاء: الجيد أن يقال بفتح الذال في الجمع لأنه جمع كذبة بسكون الذال وهو اسم لا صفة لأنك تقول كذب كذبة كما تقول ركع ركعة ولو كان صفة لكن في الجمع، وقد أورد على هذا الحصر ما رواه مسلم من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة في حديث الشفاعة الطويل فقال في قصة إبراهيم: وذكر كذباته، ثم ساقه من طريق أخرى من هذا الوجه وقال في آخره، وزاد في قصة إبراهيم وذكر قوله في الكوكب: {هَذَا رَبِّي} وقوله لآلهتهم: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} انتهى. قال القرطبي: ذكر الكوكب يقتضي أنها أربع، وقد جاء في رواية ابن سيرين بصيغة الحصر فيحتاج في ذكر الكوكب إلى تأويل. قلت: الذي يظهر أنها وهم من بعض الرواة فإنه ذكر قوله في الكوكب بدل قوله في سارة، والذي اتفقت عليه الطرق ذكر سارة دون الكوكب، وكأنه لم يعد مع أنه أدخل من ذكر سارة لما نقل أنه قاله في حال الطفولية فلم يعدها لأن حال الطفولية ليست بحال تكليف وهذه طريقة ابن إسحاق، وقيل: إنما قال ذلك بعد البلوغ لكنه قاله على طريق الاستفهام الذي يقصد به التوبيخ، وقيل قاله على طريق الاحتجاج على قومه تنبيه على أن الذي يتغير لا يصلح للربوبية وهذا قول الأكثر أنه قال توبيخا لقومه أو تهكما بهم وهو المعتمد، ولهذا لم يعد ذلك في الكذبات وأما إطلاقه الكذب على الأمور الثلاثة فلكونه قال قولا يعتقده السامع كذبا لكنه إذا حقق لم يكن كذبا لأنه من باب المعاريض المحتملة للأمرين فليس بكذب محض، فقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} يحتمل أن يكون أراد أني سقيم أي سأسقم واسم الفاعل يستعمل بمعنى المستقبل كثيرا، ويحتمل أنه أراد أني سقيم بما قدر علي من الموت أو سقيم الحجة على الخروج معكم، وحكى النووي عن بعضهم أنه كان تأخذه الحمى في ذلك الوقت، وهو بعيد لأنه لو كان كذلك لم يكن كذبا لا تصريحا ولا تعريضا، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} قال القرطبي هذا قاله تمهيدا للاستدلال على أن الأصنام ليست بآلهة وقطعا لقومه في قولهم إنها تضر وتنفع، وهذا الاستدلال يتجوز فيه في الشرط

(6/391)


المتصل، ولهذا أردف قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} بقوله: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} قال ابن قتيبة معناه إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم هذا، فالحاصل أنه مشترط بقوله: {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} أو أنه أسند إليه ذلك لكونه السبب. وعن الكسائي أنه كان يقف عند قوله بل فعله أي فعله من فعله كائنا من كان ثم يبتدئ كبيرهم هذا وهذا خبر مستقل ثم يقول فاسألوهم إلى آخره، ولا يخفى تكلفه. وقوله: "هذه أختي" يعتذر عته بأن مراده أنها أخته في الإسلام كما سيأتي واضحا، قال ابن عقيل: دلالة العقل تصرف ظاهر إطلاق الكذب على إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقا به ليعلم صدق ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويز الكلاب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، إنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع، وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام - يعني إطلاق الكذب على ذلك - إلا في حال شدة الخوف لعلو مقامه، وإلا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعا لأعظمهما، وأما تسميته إياها كذبات فلا يريد أنها تذم، فإن الكذب وإن كان قبيحا مخلا لكنه قد يحسن في مواضع وهذا منها. قوله: "ثنتين منهن في ذات الله" خصهما بذلك لأن قصة سارة وإن كانت أيضا في ذات الله لكن تضمنت حظا لنفسه ونفعا له بخلاف الثنتين الأخيرتين فإنهما في ذات الله محضا، وقد وقع في رواية هشام بن حسان المذكورة "إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله" وفي حديث ابن عباس عن أحمد "والله إن جادل بهن إلا عن دين الله". قوله: "بينا هو ذات يوم وسارة" في رواية مسلم: "وواحدة في شأن سارة" فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس واسم الجبار المذكور عمرو بن امرئ القيس بن سبأ وإنه كان على مصر، ذكره السهيلي وهو قول ابن هشام في "التيجان" وقيل: اسمه صادوق وحكاه ابن قتيبة وكان على الأردن، وقيل: سنان بن علوان بن عبيد بن عريج(1) بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح حكاه الطبري ويقال إنه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم. قوله: "فقيل له إن هذا رجل" في رواية المستملي: "إن هاهنا رجلا" وفي كتاب التيجان أن قائل ذلك رجل كان إبراهيم يشتري منه القمح فنم عليه عند الملك، وذكر أن من جملة ما قاله للملك إني رأيتها تطحن، وهذا هو السبب في إعطاء الملك لها هاجر في آخر الأمر وقال إن هذه لا تصلح أن تخدم نفسها. قوله: "من أحسن الناس" في صحيح مسلم في حديث الإسراء الطويل من رواية ثابت عن أنس في ذكر يوسف أعطي شطر الحسن، زاد أبو يعلى من هذا الوجه أعطي يوسف وأمه شطر الحسن يعني سارة. وفي رواية الأعرج الماضية في أواخر البيوع "هاجر إبراهيم بسارة فدخل بها قرية فيها ملك أو جبار، فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء" واختلف في والد سارة مع القول بأن اسمه هاران فقيل: هو ملك حران وإن إبراهيم تزوجها لما هاجر من بلاد قومه إلى حران وقيل: هي ابنة أخيه وكان ذلك جائزا في تلك الشريعة حكاه ابن قتيبة والنقاش واستبعد، وقيل: بل هي بنت عمه، وتوافق الاسمان، وقد قيل في اسم أبيها توبل. قوله: "فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه قال أختي فأتى سارة فقال يا سارة ليس على وجه الأرض إلخ" هذا ظاهر في أنه سأله عنها أولا ثم أعلمها بذلك لئلا تكذبه عنده. وفي رواية هشام بن حسان أنه قال لها: "إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختي، وأنك أختي في الإسلام، فلما دخل
ـــــــ
(1) في نسخة "عويج" بالواو

(6/392)


أرضه رآها بعض أهل الجبار فأتاه فقال: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي أن تكون إلا لك، فأرسل إليها" الحديث فيمكن أن يجمع بينهما بأن إبراهيم أحس بأن الملك سيطلبها منه فأوصاها بما أوصاها، فلما وقع ما حسبه أعاد عليها الوصية. واختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه الوصية مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها أختا كانت أو زوجة، فقيل: كان من دين ذلك الملك أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج، كذا قيل، ويحتاج إلى تتمة وهو أن إبراهيم أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، وذلك أن اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة، لكن إن علم أن لها زوجا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه أو حبسه وإضراره، بخلاف ما إذا علم أن لها أخا فإن الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الملك فلا يبالي به. وقيل: أراد إن علم أنك امرأتي ألزمني بالطلاق، والتقرير الذي قررته جاء صريحا عن وهب بن منبه فيما أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من طريقه. وقيل: من دين الملك أن الأخ أحق بأن تكون أخته زوجته من غيره فلذلك قال هي أختي اعتمادا على ما يعتقده الجبار فلا ينازعه فيها، وتعقب بأنه لو كان كذلك لقال هي أختي وأنا زوجها فلم اقتصر على قوله هي أختي؟ وأيضا فالجواب إنما يفيد لو كان الجبار يريد أن يتزوجها لا أن يغتصبها نفسها. وذكر المنذري في "حاشية السنن" عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأي الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها فلذلك قال إبراهيم هي أختي، لأنه إن كان عادلا خطبها منه ثم يرجو مدافعته عنها، وإن كان ظالما خلص من القتل، وليس هذا ببعيد مما قررته أولا، وهذا أخذ من كلام ابن الجوزي في "مشكل الصحيحين" فإنه نقله عن بعض علماء أهل الكتاب أنه سأله عن ذلك فأجاب به. قوله: "ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك" يشكل عليه كون لوط كان معه كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}، ويمكن أن يجاب بأن مراده بالأرض الأرض التي وقع له فيها ما وقع ولم يكن معه لوط إذ ذاك. قوله: "فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ" كذا في أكثر الروايات، وفي بعضها "ذهب يناولها يده" وفي رواية مسلم: "فقام إبراهيم إلى الصلاة، فلما دخل عليه أي على الملك لم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة" وفي رواية أبي الزناد عن الأعرج من الزيادة "فقام إليها فقامت توضأ وتصلي" وقوله في هذه الرواية: "فغط" هو بضم المعجمة في أوله، وقوله: حتى ركض برجله يعني أنه اختنق حتى صار كأنه مصروع، قيل: الغط صوت النائم من شدة النفخ، وحكى ابن التين أنه ضبط في بعض الأصول "فغط" بفتح الغين والصواب ضمها، ويمكن الجمع بأنه عوقب تارة بقبض يده وتارة بانصراعه. وقوله: "فدعت" من الدعاء في رواية الأعرج المذكورة ولفظه: "فقالت اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر" ويجاب عن قولها "إن كنت" مع كونها قاطعة بأنه سبحانه وتعالى يعلم ذلك بأنها ذكرته على سبيل الفرض هضما لنفسها. قوله: "فقال ادعي الله لي ولا أضرك" في رواية مسلم: "فقال لها ادعى الله أن يطلق يدي ففعلت" في رواية أبي الزناد المذكورة "قال أبو سلمة قال أبو هريرة: قالت اللهم إن يمت يقولوا هي التي قتلته قال فأرسل". قوله: "ثم تناولها الثانية" في رواية الأعرج "ثم قام إليها فقامت توضأ وتصلي". قوله: "فأخذ مثلها أو أشد" في رواية مسلم: "فقبضت أشد من القبضة الأولى". قوله: "فدعا بعض حجبته" بفتح المهملة والجيم والموحدة جمع حاجب، في رواية مسلم: "ودعا الذي جاء بها" ولم أقف على اسمه. قوله: "إنك لم تأتني بإنسان، إنما أتيتني بشيطان" في رواية الأعرج "ما أرسلتم إلي إلا شيطانا، أرجعوها إلى إبراهيم" وهذا يناسب ما وقع له من

(6/393)


الصرع، والمراد بالشيطان المتمرد من الجن، وكانوا قبل الإسلام يعظمون أمر الجن جدا ويرون كل ما وقع من الخوارق من فعلهم وتصرفهم. قوله: "فأخدمها هاجر" أي وهبها لها لتخدمها لأنه أعظمها أن تخدم نفسها. وفي رواية مسلم: "فأخرجها من أرضي وأعطها آجر" ذكرها بهمزة بدل الهاء، وهي كذلك في رواية الأعرج والجيم مفتوحة على كل حال وهي اسم سرياني، ويقال إن أباها كان من ملوك القبط وإنها من حفن بفتح المهملة وسكون الفاء قرية بمصر، قال اليعقوبي: كانت مدينة انتهى، وهي الآن كفر من عمل أنصنا بالبر الشرقي من الصعيد في مقابلة الأشمونين، وفيها آثار عظيمة باقية. قوله: "فأتته" في رواية: "فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم". قوله: "مهيم" في رواية المستملي: "مهيا" وفي رواية ابن السكن "مهين" بنون وهي بدل الميم، وكأن المستملي لما سمعها بنون ظنها نون تنوين، ويقال إن الخليل أول من قال هذه الكلمة ومعناها ما الخبر. قوله: "رد الله كيد الكافر - أو الفاجر - في نحره" هذا مثل تقوله العرب لمن أراد أمرا باطلا فلم يصل إليه، ووقع في رواية الأعرج: "أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة" أي جارية للخدمة، وكبت بفتح الكاف والموحدة ثم مثناة أي رده خاسئا، ويقال أصله "كبد" أي بلغ الهم كبده ثم أبدلت الدال مثناة، ويحتمل أن يكون "وأخدم" معطوفا على "كبت" ويحتمل أن يكون فاعل أخدم هو الكافر فيكون استئنافا. قوله: "قال أبو هريرة: تلك أمكم يا بني ماء السماء" كأنه خاطب بذلك العرب لكثرة ملازمتهم للفلوات التي بها مواقع القطر لأجل رعي دوابهم، ففيه تمسك لمن زعم أن العرب كلهم من ولد إسماعيل، وقيل: أراد بماء السماء زمزم لأن الله أنبعها لهاجر فعاش ولدها بها فصاروا كأنهم أولادها قال ابن حبان في صحيحه: كل من كان من ولد إسماعيل يقال له ماء السماء، لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربي بماء زمزم وهي من ماء السماء. وقيل سموا بذلك لخلوص نسبهم وصفائه فأشبه ماء السماء وعلى هذا فلا متمسك فيه، وقيل: المراد بماء السماء عامر ولد عمرو بن عامر بن بقيا بن حارثة بن الغطريف وهو جد الأوس والخزرج، قالوا: إنما سمي بذلك لأنه كان إذا قحط الناس أقام لهم ماله مقام المطر، وهذا أيضا على القول بأن العرب كلها من ولد إسماعيل، وسيأتي زيادة في هذه المسألة في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى. وفي الحديث مشروعية أخوة الإسلام وإباحة المعاريض، والرخصة في الانقياد للظالم والغاصب، وقبول صلة الملك الظالم، وقبول هدية المشرك، وإجابة الدعاء بإخلاص النية، وكفاية الرب لمن أخلص في الدعاء بعمله الصالح، وسيأتي نظيره في قصة أصحاب الغار. وفيه ابتلاء الصالحين لرفع درجاتهم، ويقال إن الله كشف لإبراهيم حتى رأى حال الملك مع سارة معاينة وإنه لم يصل منها إلى شيء، ذكر ذلك في "التيجان" ولفظه: "فأمر بإدخال إبراهيم وسارة عليه ثم نحى إبراهيم إلى خارج القصر وقام إلى سارة، فجعل الله القصر لإبراهيم كالقارورة الصافية فصار يراهما ويسمع كلامهما" وفيه أن من نابه أمر مهم من الكرب ينبغي له أن يفزع إلى الصلاة. وفيه أن الوضوء كان مشروعا للأمم قبلنا وليس مختصا بهذه الأمة ولا بالأنبياء، لثبوت ذلك عن سارة، والجمهور على أنها ليست بنبية. قوله: "حدثنا عبيد الله بن موسى أو ابن سلام عنه" كأن البخاري شك في سماعه له من عبيد الله بن موسى - وهو من أكبر مشايخه - وتحقق أنه سمعه من محمد بن سلام عنه فأورده هكذا، وقد وقع له نظير هذا في أماكن عديدة. قوله: "عن عبد الحميد بن جبير" هو ابن شيبة بن عثمان الحجبي، والإسناد كله حجازيون من ابن جريج فصاعدا. وفي رواية الإسماعيلي من طريق يحيى القطان وأبي عاصم عن ابن جريج " أخبرني عبد الحميد". قوله: "أم شريك" في رواية

(6/394)


أبي عاصم "إحدى نساء بني عامر بن لؤي" ولفظ المتن أنها استأمرت النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الوزغات فأمر بقتلهن ولم يذكر الزيادة، والوزغات بالفتح جمع وزغة وهي بالفتح أيضا، وذكر بعض الحكماء أن الوزغ أصم، وأنه لا يدخل في مكان فيه زعفران، وأنه يلقح بفيه، وأنه يبيض، ويقال لكبارها سام أبرص وهو بتشديد الميم. قوله: "أمر بقتل الوزغ وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام" ووقع في حديث عائشة عند ابن ماجه وأحمد "أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه، إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها". حديث ابن مسعود "لما نزل: الذي آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" الحديث، مضى شرحه في كتاب الإيمان، قال الإسماعيلي: كذا أورد هذا الحديث في ترجمة إبراهيم، ولا أعلم فيه شيئا من قصة إبراهيم، كذا قال، وخفي عليه أنه حكاية عن قول إبراهيم عليه السلام لأنه سبحانه لما فرغ من حكاية قول إبراهيم في الكوكب والقمر والشمس ذكر محاجة قومه له، ثم حكى أنه قال لهم: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} فهذا كله عن إبراهيم، وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} خطاب لقومه، ثم قال: {الَّذِينَ آمَنُوا} إلخ يعني أن الذين هم أحق بالأمن هم الذين آمنوا. وقال بعد ذلك: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} فظهر تعلق ذلك بترجمة إبراهيم، وروى الحاكم في "المستدرك" من حديث علي رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال: نزلت هذه الآية في إبراهيم وأصحابه، واقتصر الكرماني على قوله: مناسبة هذا الحديث لقصة إبراهيم اتصال هذه الآية بقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}. الحديث الحادي عشر: حديث أبي هريرة في الشفاعة. ذكر طرفا منه، والغرض منه قول أهل الموقف لإبراهيم: أنت نبي الله وخليله من الأرض. ووقع عند إسحاق بن راهويه ومن طريقه الحاكم في "المستدرك" من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة في هذا الحديث "فيقولون يا إبراهيم أنت خليل الرحمن قد سمع بخلتك أهل السماوات والأرض" . وقد تقدم القول في معنى الخلة، ويأتي شرح حديث الشفاعة في الرقاق. قوله: "أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام" ووقع في حديث عائشة عند ابن ماجة وأحمد "أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة الا أطفأت عنه إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها". قوله: "تابعه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم" وصله المؤلف في التوحيد وفي غيره وسيأتي.

(6/395)


9 – باب يزفون: النسلان في المشي
3361- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِلَحْمٍ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ فَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى". تَابَعَهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3362- حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْلاَ

(6/395)


أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا".
3363- قَالَ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ فَحَدَّثَنِي قَالَ إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ عَلَيْهِمْ السَّلاَم وَهِيَ تُرْضِعُهُ مَعَهَا شَنَّةٌ لَمْ يَرْفَعْهُ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ".
3364- حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ

(6/396)


يَبْنِي هَذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلاَمُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتْ اللَّحْمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتْ الْمَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ قَالَ فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ:

(6/397)


فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قَالَ فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
3365- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ وَمَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا قَالَ إِلَى اللَّهِ قَالَتْ رَضِيتُ بِاللَّهِ قَالَ فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا قَالَ فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتْ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا فَلَمَّا بَلَغَتْ الْوَادِيَ سَعَتْ وَأَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا ثُمَّ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ تَعْنِي الصَّبِيَّ فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا فَقَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتْ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا ثُمَّ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ فَقَالَتْ أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فَإِذَا جِبْرِيلُ قَالَ فَقَالَ بِعَقِبِهِ هَكَذَا وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأَرْضِ قَالَ فَانْبَثَقَ الْمَاءُ فَدَهَشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ قَالَ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا قَالَ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا قَالَ فَمَرَّ نَاسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ وَقَالُوا مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلاَّ عَلَى مَاءٍ فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ فَنَظَرَ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَتَوْا إِلَيْهَا فَقَالُوا يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ أَوْ نَسْكُنَ مَعَكِ فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمْ امْرَأَةً قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ قَالَ قُولِي لَهُ إِذَا جَاءَ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ أَنْتِ ذَاكِ فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ فَجَاءَ فَقَالَ أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ فَقَالَتْ أَلاَ تَنْزِلُ

(6/398)


فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ وَشَرَابُنَا الْمَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلًا لَهُ فَقَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا قَالَ أَطِعْ رَبَّكَ قَالَ إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ قَالَ إِذَنْ أَفْعَلَ أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قَالَ: حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَنْ نَقْلِ الْحِجَارَةِ فَقَامَ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
"تنبيه": وقع في رواية الحموي والكشميهني قبل حديث أبي هريرة هذا(1) ما صورته "يزفون النسلان في المشي" وفي رواية المستملي والباقين "باب" بغير ترجمة، وسقط ذلك من رواية النسفي، ووهم من وقع عنده "باب يزفون النسلان" فإنه كلام لا معنى له، والذي يظهر ترجيح ما وقع عند المستملي، وقوله: "باب" بغير ترجمة يقع عندهم كالفصل من الباب، وتعلقه بما قبله واضح فإن الكل من ترجمة إبراهيم، وأما تفسير هذه الكلمة من القرآن فإنها من جملة قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه حين كسر أصنامهم قال الله تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} قال مجاهد: الوزيف النسلان أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق السدي قال: "رجع إبراهيم عليه السلام إلى آلهتهم فإذا هي في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض، فإذا هم قد جعلوا طعاما بين يدي الأصنام وقالوا: إذا رجعنا وحدنا الآلهة بركت في طعامنا فأكلنا، فلما نظر إليهم إبراهيم قال: {أَلا تَأْكُلُونَ؟ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ} فأخذ حديدة فبقر كل صنم في حافتيه ثم علق الفأس في الصنم الأكبر ثم خرج، فلما رجعوا جمعوا لإبراهيم الحطب حتى أن المرأة لتمرض فتقول لئن عافاني الله لأجمعن لإبراهيم حطبا. فلما جمعوا له وأكثروا من الحطب وأرادوا إحراقه قالت السماء والأرض والجبال والملائكة: ربنا خليلك إبراهيم يحرق؟ قال: أنا أعلم به، وإن دعاكم فأغيثوه. فقال إبراهيم: اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس أحد في الأرض يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل" انتهى. وأظن البخاري إن كانت الترجمة محفوظة أشار إلى هذا القدر فإنه يناسب قولهم في حديث الشفاعة "أنت خليل الله من الأرض". قوله: "عن عبد الله بن سعيد بن جبير" وقع في رواية ابن السكن والإسماعيلي من طريق حجاج بن الشاعر عن وهب بن جرير زيادة "أبي بن كعب"، ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد شيخ البخاري بإسقاط عبد الله بن سعيد بن جبير وزيادة أبي بن كعب، قال النسائي: قال أحمد بن سعيد قال وهب وحدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه ولم يذكر أبي بن كعب، فوضح أن وهب بن جرير كان إذا رواه عن أبيه لم يذكر عبد الله بن سعيد وذكر أبي بن كعب، وإذا رواه عن حماد بن زيد ذكر عبد الله بن سعيد ولم يذكر أبي بن كعب. وفي رواية النسائي أيضا: "قال وهب بن جرير أتيت سلام بن كعب" وفي رواية النسائي أيضا: "قال وهب بن جرير أتيت سلام بن أبي مطيع فحدثته بهذا عن حماد بن زيد فأنكره إنكارا شديدا ثم قال لي: فأبوك ما يقول؟ قلت: يقول عن أيوب عن سعيد بن حبير، فقال: قد غلط، إنما هو أيوب عن عكرمة بن خالد" انتهى. وليس ببعيد أن يكون لأيوب فيه عدة طرق، فإن إسماعيل بن علية من كبار الحفاظ وقد قال فيه: "عن أيوب نبئت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس" ولم
ـــــــ
(1) أي الذي برقم 3361 في أول هذا الباب

(6/399)


يذكر أبيا، وهو مما يؤيد رواية البخاري، أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن إسماعيل أحدهما هكذا والآخر قال فيه: "عن أيوب عن عبد الله ابن سعيد بن جبير" وقد رواه معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير بلا واسطة كما أخرجه البخاري كما ترى، وقد عاب الإسماعيلي على البخاري إخراجه رواية أيوب لاضطرابها، والذي يظهر أن اعتماد البخاري في سياق الحديث إنما هو على رواية معمر عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير، وإن كان أخرجه مقرونا بأيوب فرواية أيوب إما عن سعيد بن جبير بلا واسطة أو بواسطة ولده عبد الله. ولا يستلزم ذلك قدحا لثقة الجميع، فظهر أنه اختلاف لا يضر لأنه يدور على ثقات حفاظ: إن كان بإثبات عبد الله بن سعيد بن جبير وأبي بن كعب فلا كلام، وإن كان بإسقاطهما فأيوب قد سمع من سعيد بن جبير، وأما ابن عباس فإن كان لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من مرسل الصحابة ولم يعتمد البخاري على هذا الإسناد الخالص كما ترى. وقد سبق إلى الاعتذار عن البخاري ورد كلام الإسماعيلي بنحو هذا الحافظ أبو علي الجياني في "تقييد المهمل". وقوله: "وقال الأنصاري حدثنا ابن جريج قال أما كثير بن كثير فحدثني قال إني وعثمان بن أبي سليمان جلوس مع سعيد بن جبير فقال: ما هكذا حدثني ابن عباس، ولكنه قال: أقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه عليهم السلام وهي ترضعه معها شنة، لم يرفعه" انتهى. هكذا ساقه مختصرا معلقا، وقد وصله أبو نعيم في "المستخرج" عن فاروق الخطابي عن عبد العزيز بن معاوية عن الأنصاري وهو محمد بن عبد الله، لكنه أورده مختصرا أيضا، وكذلك أخرجه عمر بن شبة في "كتاب مكة" عن محمد بن عبد الله الأنصاري وزاد في روايته: "إني وعثمان وعمر بن أبي سليمان وعثمان بن حبشي جلوس مع سعيد بن جبير" فكأنه كان عند الأنصاري كذلك. وقد رواه الأزرقي من طريق مسلم بن خالد الزنجي والفاكهي من طريق محمد بن جعشم كلاهما عن ابن جريج فبين فيه سبب قول سعيد بن جبير "ما هكذا حدثني ابن عباس" ولفظه: "عن ابن جريج عن كثير بن كثير قال: كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في أناس مع سعيد بن جبير بأعلى المسجد ليلا فقال سعيد بن جبير: سلوني قبل أن لا تروني، فسأله القوم فأكثروا، فكان مما سئل عنه أن قال رجل: أحق ما سمعنا في المقام مقام إبراهيم أن إبراهيم حين جاء من الشام حلف لامرأته أن لا ينزل بمكة حتى يرجع فقربت(1) إليه امرأة إسماعيل المقام فوضع رجله عليه لا ينزل، فقال سعيد بن جبير: ليس هكذا حدثنا ابن عباس ولكن" فساق الحديث بطوله. وأخرجه الفاكهي عن ابن أبي عمر عن عبد الرزاق بلفظ: "فقال: يا معشر الشباب سلوني، فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم. فأكثر الناس مسألته، فقال له رجل: أصلحك الله أرأيت هذا المقام هو كما كنا نتحدث؟ قال: وما كنت تتحدث؟ قال: كنا نقول إن إبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة إسماعيل النزول فأبى أن ينزل فجاءته بذا الحجر فوضعته له، فقال: ليس ذلك" وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن معمر. قوله: "أول ما اتخذ النساء المنطق" بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء هو ما يشد به الوسط، ووقع في رواية ابن جريج النطق بضم النون والطاء وهو جمع منطق، وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل، فلما ولدته غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة، ويقال إن إبراهيم شفع
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: في نسخة "فقدمت".

(6/400)


فيها وقال لسارة: حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك. ووقع في رواية ابن علية عند الإسماعيلي: "أول ما أحدت العرب جر الذيول عن أم إسماعيل" وذكر الحديث. ويقال إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك. وروى ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وغيره: "إن الله لما بوأ لإبراهيم مكان البيت خرج بإسماعيل وهو طفل صغير وأمه، قال وحملوا فيما حدثت على البراق". قوله: "حتى وضعهما" في رواية الكشميهني: "فوضعهما". قوله: "عند دوحة" بفتح المهملة وسكون الواو ثم مهملة: الشجرة الكبيرة. قوله: "فوق الزمزم" في رواية الكشميهني: "فوق زمزم" وهو المعروف، وسيأتي شرح أمرها في أوائل السيرة النبوية. قوله: "في أعلى المسجد" أي مكان المسجد، لأنه لم يكن حينئذ بني. قوله: "وسقاء فيه ماء" السقاء بكسر أوله قربة صغيرة. وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير التي بعد هذه الرواية: "ومعها شنة" بفتح المعجمة وتشديد النون وهي القربة العتيقة. قوله: "ثم قفى إبراهيم" أي ولي راجعا إلى الشام. وفي رواية ابن إسحاق "فانصرف إبراهيم إلى أهله بالشام وترك إسماعيل وأمه عند البيت". قوله: "فتبعته أم إسماعيل" في رواية ابن جريج "فأدركته بكداء" وفي رواية عمر بن شبة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنها "نادته ثلاثا فأجابها في الثالثة، فقالت له: من أمرك بهذا؟ قال: الله". قوله: "إذن لا يضيعنا" في رواية عطاء بن السائب "فقالت لن يضيعنا" وفي رواية ابن جريج "فقالت حسبي" وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير المذكورة بعد هذا الحديث في الباب: "فقالت رضيت بالله". قوله: "حتى إذا كان عند الثنية" بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتانية، وقوله: "من طريق كداء" بفتح الكاف ممدود هو الموضع الذي دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منه وهو معروف وقد مضى الكلام عليه في الحج، ووقع في رواية الأصيلي: "البنية" بالموحدة بدل المثلثة وهو تصحيف، وضبط ابن الجوزي كدى بالضم والقصر وقال: هي التي بأسفل مكة عند قعيقعان، قال: لأنه وقع في الحديث أنهم نزلوا بأسفل مكة. قلت: وذلك ليس بمانع أن يرجع من أعلى مكة، فالصواب ما وقع في الأصول بفتح الكاف والمد. قوله: "ربنا إني أسكنت من ذريتي" في رواية الكشميهني: "رب إني أسكنت" والأول هو الموافق للتلاوة. قوله: "حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت" زاد الفاكهي من حديث أبي جهم "فانقطع لبنها" وفي رواية: "وكان إسماعيل حينئذ ابن سنتين". قوله: "فجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط" في رواية الكشميهني: "يتلمظ" وهي رواية معمر أيضا، ومعنى يتلبط وهو بموحدة ومهملة يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض، ويقرب منها رواية عطاء بن السائب "فلما ظمئ إسماعيل جعل يضرب الأرض بعقبيه" وفي رواية إبراهيم بن نافع "كأنه ينشغ للموت" وهو بفتح الياء وسكون النون وفتح المعجمة بعدها غين معجمة أي يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذي ينازع. قوله: "ثم استقبلت الوادي" في رواية عطاء بن السائب "والوادي يومئذ عميق" وفي حديث أبي جهم "تستغيث ربها وتدعوه". قوله: "ثم سعت سعي الإنسان المجهود" أي الذي أصابه الجهد وهو الأمر المشق. قوله: "سبع مرات" في حديث أبي جهم "وكان ذلك أول ما سعي بين الصفا والمروة" وفي رواية إبراهيم بن نافع "أنها كانت في كل مرة تتفقد إسماعيل وتنظر ما حدث له بعدها" وقال في روايته: "فلم تقرها نفسها" وهو بضم أوله وكسر القاف، ونفسها بالرفع الفاعل أي لم تتركها نفسها مستقرة فتشاهده في حال الموت فرجعت، وهذا في المرة الأخيرة. قوله: "فقالت

(6/401)


صه" بفتح المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة، كأنها خاطبت نفسها فقالت لها اسكتي. وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج "فقالت أغثني إن كان عندك خير". قوله: "إن كان عندك غواث" بفتح أوله للأكثر وتخفيف الواو وآخره مثلثة، قيل: وليس في الأصوات فعال بفتح أوله غيره، وحكى ابن الأثير ضم أوله والمراد به على هذا المستغيث، وحكى ابن قرقول كسره أيضا والضم رواية أبي ذر وجزاء الشرط محذوف تقديره فأغثني. قوله: "فإذا هي بالملك" في رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج فإذا جبريل، وفي حديث علي عند الطبري بإسناد حسن "فناداها جبريل فقال: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله. قال: وكلكما إلى كاف". قوله: "فبحث بعقبه، أو قال بجناحه" شك من الراوي. وفي رواية إبراهيم بن نافع "فقال بعقبه هكذا، وغمز عقبه على الأرض" وهي تعين أن ذلك كان بعقبه. وفي رواية ابن جريج "فركض جبريل برجله" وفي حديث علي "ففحص الأرض بإصبعه فنبعت زمزم" وقال ابن إسحاق في روايته: "فزعم العلماء أنهم لم يزالوا يسمعون أنها همزة جبريل". قوله: "حتى ظهر الماء" في رواية ابن جريج "ففاض الماء" وفي رواية ابن نافع "فانبثق الماء" وهي بنون وموحدة ومثلثة وقال أي تفجر. قوله: "فجعلت تحوضه" بحاء مهملة وضاد معجمة وتشديد أي تجعله مثل الحوض. وفي رواية ابن نافع "فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر" وفي رواية الكشميهني من رواية ابن نافع "تحفن" بنون بدل الراء والأول أصوب، ففي رواية عطاء بن السائب "فجعلت تفحص الأرض بيديها". قوله: "وتقول بيدها هكذا" هو حكاية فعلها، وهذا من إطلاق القول على الفعل، وفي حديث علي "فجعلت تحبس الماء فقال دعيه فإنها رواء". قوله: "لو تركت زمزم، أو قال لو لم تغرف من زمزم" شك من الراوي. وفي رواية ابن نافع "لو تركته" وهذا القدر صرح ابن عباس برفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه إشعار بأن جميع الحديث مرفوع. قوله: "عينا معينا" أي ظاهرا جاريا على وجه الأرض. وفي رواية ابن نافع "كان الماء ظاهرا" فعلى هذا فقوله معينا صفة الماء فلذلك ذكره، ومعين بفتح أوله إن كان من عانه فهو بوزن مفعل وأصله معيون فحذفت الواو، وإن كان من المعين وهو المبالغة في الطلب فهو بوزن فعيل، قال ابن الجوزي: كان ظهور زمزم نعمة من الله محضة بغير عمل عامل، فلما خالطها تحويط هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك فأغنى ذلك عن توجيه تذكير معين، مع أن الموصوف وهو المعين مؤنث. قوله: "لا تخافوا الضيعة" بفتح المعجمة وسكون التحتانية أي الهلاك، وفي حديث أبي جهم "لا تخافي أن ينفد الماء" وفي رواية علي بن الوازع عن أيوب عند الفاكهي "لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ فإنها عين يشرب بها ضيفان الله" زاد في حديث أبي جهم "فقالت بشرك الله بخير". قوله: "فإن هذا بيت الله" في رواية الكشميهني: "فإن هاهنا بيت الله". قوله: "يبني هذا الغلام" كذا فيه بحذف المفعول. وفي رواية الإسماعيلي: "يبنيه" زاد ابن إسحاق في روايته: "وأشار لها إلى البيت وهو يومئذ مدرة حمراء فقال: هذا بيت الله العتيق، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه". قوله: "وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية" بالموحدة ثم المثناة، وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "لما كان زمن الطوفان رفع البيت، وكان الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله لإبراهيم وأعلمه مكانه" وروى البيهقي في "الدلائل" من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: "بعث الله جبريل إلى آدم فأمره ببناء البيت فبناه آدم، ثم أمره بالطواف به وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس" وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء "أن آدم أول من بنى البيت،

(6/402)


وقيل: بنته الملائكة قبله" وعن وهب بن منبه "أول من بناه شيث بن آدم" والأول أثبت، وسيأتي مزيد لذلك آخر شرح هذا الحديث. قوله: "فكانت" أي هاجر "كذلك" أي على الحال الموصوفة، وفيه إشعار بأنها كانت تغتذي بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب. قوله: "حتى مرت بهم رفقة" بضم الراء وسكون الفاء ثم قاف وهم الجماعة المختلطون سواء كانوا في سفر أم لا. قوله: "من جرهم" هو ابن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وقيل ابن يقطن، قال ابن إسحاق "وكان جرهم وأخوه قطورا أول من تكلم بالعربية عند تبلبل الألسن، وكان رئيس جرهم مضاض بن عمرو ورئيس قطورا السميدع ويطلق على الجميع جرهم" وفي رواية عطاء بن السائب "وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة، وقيل: إن أصلهم من العمالقة". قوله: "مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة" وقع في جميع الروايات بفتح الكاف والمد، واستشكله بعضهم بأن كداء بالفتح والمد في أعلى مكة، وأما الذي في أسفل مكة فبالضم والقصر، يعني فيكون الصواب هنا بالضم والقصر، وفيه نظر لأنه لا مانع أن يدخلوها من الجهة العليا وينزلوا من الجهة السفلى. قوله: "فرأوا طائرا عائفا" بالمهملة والفاء هو الذي يحوم على الماء ويتردد ولا يمضي عنه. قوله: "فأرسلوا جريا" بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد التحتانية أي رسولا، وقد يطلق على الوكيل وعلى الأجير، قيل: سمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله، أو لأنه يجري مسرعا في حوائجه، وقوله: "جريا أو جريين" شك من الراوي "هل أرسلوا واحدا أو اثنين. وفي رواية إبراهيم بن نافع "فأرسلوا رسولا" ويحتمل الزيادة على الواحد ويكون الأفراد باعتبار الجنس لقوله: "فإذا هم بالماء" بصيغة الجمع، ويحتمل أن يكون الإفراد باعتبار المقصود بالإرسال والجمع باعتبار من يتبعه من خادم ونحوه. قوله: "فألفى ذلك" بالفاء أي وجد "أم إسماعيل" بالنصب على المفعولية "وهي تحب الأنس" بضم الهمزة ضد الوحشة، ويجوز الكسر أي تحب جنسها. قوله: "وشب الغلام" أي إسماعيل. وفي حديث أبي جهم "ونشأ إسماعيل بين ولدانهم". قوله: "وتعلم العربية منهم" فيه إشعار بأن لسان أمه وأبيه لم يكن عربيا، وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية، وقد وقع ذلك من حديث ابن عباس عند الحاكم في "المستدرك" بلفظ: "أول من نطق بالعربية إسماعيل" وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن قال: "أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل" وبهذا القيد يجمع بين الخبرين فتكون أوليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأولية المطلقة فيكون بعد تعلمه أصل العربية من جرهم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها، ويشهد لهذا ما حكاه ابن هشام عن الشرقي بن قطامي "إن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم" ويحتمل أن تكون الأولية في الحديث مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى بقية إخوته من ولد إبراهيم فإسماعيل أول من نطق بالعربية من ولد إبراهيم. وقال ابن دريد في "كتاب الوشاح" أول من نطق بالعربية يعرب بن قحطان ثم إسماعيل. قلت: وهذا لا يوافق من قال إن العرب كلها من ولد إسماعيل وسيأتي الكلام فيه في أوائل السيرة النبوية. قوله: "وأنفسهم" بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي كثرت رغبتهم فيه، ووقع عند الإسماعيلي: "وأنسهم" بغير فاء من الأنس. وقال الكرماني: أنفسهم أي رغبتهم في مصاهرته لنفاسته عندهم. وقال ابن الأثير: أنفسهم، عطفا على قوله: تعلم العربية أي رغبهم فيه إذ صار نفيسا عندهم. قوله: "زوجوه امرأة منهم" حكى الأزرقي عن ابن إسحاق أن اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة، وفي حديث جهم

(6/403)


أنها بنت صدى ولم يسمها، وحكى السهيلي أن اسمها جدي بنت سعد، وعند عمر بن شبة أن اسمها حبي بنت أسعد بن عملق، وعند الفاكهي عن ابن إسحاق أنه خطبها إلى أبيها فزوجها منه. قوله: "وماتت" هاجر أي في خلال ذلك. قوله: "فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل" في رواية عطاء بن السائب "فقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر". قوله: "يطالع تركته" بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك، وضبطها بعضهم بالسكون وقال: التركة بالكسر بيض النعام ويقال لها التريكة، قيل لها ذلك لأنها حين تبيض تترك بيضها وتذهب ثم تعود تطلبه فتحضن ما وجدت سواء كان هو أم غيره، وفيها ضرب الشاعر المثل بقوله:
كتاركة بيضها بالعراء ... وحاضنة بيض أخرى صباحا
قال ابن التين: هذا يشعر بأن الذبيح إسحاق لأن المأمور بذبحه كان عندما بلغ السعي، وقد قال في هذا الحديث: "إن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعا وعاد إليه وهو متزوج" فلو كان هو المأمور بذبحه لذكر في الحديث أنه عاد إليه في خلال ذلك بين زمان الرضاع والتزويج، وتعقب بأنه ليس في الحديث نفي هذا المجيء، فيحتمل أن يكون جاء وأمر بالذبح ولم يذكر في الحديث. قلت: وقد جاء ذكر مجيئه بين الزمانين في خبر آخر، ففي حديث أبي جهم "كان إبراهيم يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام" وروى الفاكهي من حديث علي بإسناد حسن نحوه وأن إبراهيم كان يزور إسماعيل وأمه على البراق، فعلى هذا فقوله: "فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل" أي بعد مجيئه قبل ذلك مرارا والله أعلم. قوله: "فقالت خرج يبتغي لنا" أي يطلب لنا الرزق. وفي رواية ابن جريج "وكان عيش إسماعيل الصيد يخرج فيتصيد" وفي حديث أبي جهم "وكان إسماعيل يرعى ماشيته ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد" وفي حديث ابن إسحاق "وكانت مسارحه التي يرعى فيها السدرة إلى السر من نواحي مكة". قوله: "ثم سألها عن عيشهم" زاد في رواية عطاء بن السائب "وقال هل عندك ضيافة". قوله: "فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه" في حديث أبي جهم "فقال لها: هل من منزل؟ قالت: لا ها الله إذن، قال: فكيف عيشكم؟ قال: فذكرت جهدا فقالت: أما الطعام فلا طعام، وأما الشاء فلا تحلب إلا المصر - أي الشخب - وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ" انتهى. والشخب بفتح المعجمة وسكون الخاء المعجمة ثم موحدة السيلان. قوله: "جاءنا شيخ كذا وكذا" في رواية عطاء بن السائب كالمستخفة بشأنه. قوله: "عتبة بابك" بفتح المهملة والمثناة والموحدة كناية عن المرأة، وسماها بذلك لما فيها من الصفات الموافقة لها وهو حفظ الباب وصون ما هو داخله وكونها محل الوطء. ويستفاد منه أن تغيير عتبة الباب يصح أن يكون من كنايات الطلاق كأن يقول مثلا غيرت عتبة بابي أو عتبة بابي مغيرة وينوي بذلك الطلاق فيقع، أخبرت بذلك عن شيخنا الإمام البلقيني، وتمامه التفريع على شرع من قبلنا إذا حكاه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره. قوله: "وتزوج منهم امرأة أخرى" ذكر الواقدي وتبعه المسعودي ثم السهيلي أن اسمها سامة بنت مهلهل بن سعد، وقيل: اسمها عاتكة، ورأيت في نسخة قديمة من "كتاب مكة، لعمر بن شبة" أنها بشامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف وهي مضبوطة بشامة بموحدة ثم معجمة خفيفة قال: وقيل اسمها جدة بنت الحارث بن مضاض، وحكى ابن سعد عن ابن إسحاق أن اسمها رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمية، وعن ابن الكلبي أنها رعلة بنت يشجب بن يعرب بن لوذان بن جرهم، وذكر الدار قطني في "المختلف" أن اسمها السيدة بنت مضاض وحكاه السهيلي أيضا. وفي حديث أبي جهم "ونظر إسماعيل

(6/404)


إلى بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فخطبها إلى أبيها فتزوجها" وحكى محمد بن سعد الجواني أن اسمها هالة بنت الحارث وقيل: الحنفاء وقيل سلمى، فحصلنا من اسمها على ثمانية أقوال ومن أبيها على أربعة. قوله: "نحن بخير وسعة" في حديث أبي جهم "نحن في خير عيش بحمد الله، ونحن في لبن كثير ولحم كثير وماء طيب". قوله: "ما طعامكم؟ قالت اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت الماء" في حديث أبي جهم ذكر اللبن مع اللحم والماء. قوله: "اللهم بارك لهم في اللحم والماء" في رواية إبراهيم بن نافع "اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم، قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بركة بدعوة إبراهيم " وفيه حذف تقديره في طعام أهل مكة وشرابهم بركة. قوله: "فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه" في رواية الكشميهني: "لا يخلوان" بالتثنية. قال ابن القوطية: خلوت بالشيء واختليت إذا لم أخلط به غيره، ويقال أخلى الرجل اللبن إذا لم يشرب غيره. وفي حديث أبي جهم "ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه" وزاد في حديثه وكذا في حديث عطاء بن السائب نحوه "فقالت أنزل رحمك الله فاطعم وأشرب. قال: إني لا أستطيع النزول. قالت: فإني أراك أشعث أفلا أغسل رأسك وأدهنه؟ قال: بلى إن شئت. فجاءته بالمقام، وهو يومئذ أبيض مثل المهاة، وكان في بيت إسماعيل ملقى فوضع قدمه اليمنى وقدم إليها شق رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الأيمن، فلما فرغ حولت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى وقدم إليها برأسه فغسلت شق رأسه الأيسر، فالأثر الذي في المقام من ذلك ظاهر فيه موضع العقب والأصبع" وعند الفاكهي من وجه آخر عن ابن جريج عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "إن سارة داخلتها غيرة، قال لها إبراهيم: لا أنزل حتى أرجع إليك" ونحوه في رواية عطاء بن السائب عند عمر بن شبة. قوله: "هل أتاكم من أحد" في رواية عطاء أن السائب "فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ قالت نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا". قوله: "يثبت عتبة بابه" زاد في حديث أبي جهم "فإنها صلاح المنزل". قوله: "أن أمسكك" زاد في حديث أبي جهم "ولقد كنت علي كريمة وقد ازددت علي كرامة، فولدت لإسماعيل عشرة ذكور" زاد معمر في روايته: "فسمعت رجلا يقول: كان إبراهيم يأتي على البراق" يعنى في كل مرة. وفي رواية عمر بن شبة "وأعجب إبراهيم بجدة بنت الحارث فدعا لها بالبركة". قوله: "يبري" بفتح أوله وسكون الموحدة، والنبل بفتح النون وسكون الموحدة السهم قبل أن يركب فيه نصله وريشه، وهو السهم العربي. ووقع عند الحاكم من رواية إبراهيم بن نافع في هذا الحديث: "يصلح بيتا له" وكأنه تصحيف، والذي في البخاري هو الموافق لغيرها من الروايات. قوله: "دوحة" هي التي نزل إسماعيل وأمه تحتها أول قدومهما كما تقدم. ووقع في رواية إبراهيم بن نافع من وراء زمزم. قوله: "فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد" يعني من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد ونحو ذلك. وفي رواية معمر قال سمعت رجلا يقول: بكيا حتى أجابهما الطير، وهذا إن ثبت يدل على أنه تباعد لقاؤهما. قوله: "إن الله أمرني بأمر" في رواية إبراهيم بن نافع "إن ربك أمرني أن أبني له بيتا" ووقع في حديث أبي جهم عند الفاكهي "أن عمر إبراهيم كان يومئذ مائة سنة وعمر إسماعيل ثلاثين سنة". قوله: "وتعينني؟ قال وأعينك" في رواية الكشميهني: "فأعينك" بالفاء. وفي رواية إبراهيم بن نافع "إن الله قد أمرني أن تعينني عليه قال إن أفعل" بنصب اللام قال ابن التين: يحتمل أن يقال أمره الله أن يبني أولا وحده ثم أمره أن يعينه إسماعيل، قال فيكون الحديث الثاني متأخرا بعد الأول. قلت: ولا يخفى تكلفه، بل الجمع بينهما ممكن بأن يكون

(6/405)


أمره أن يبني وأن إسماعيل يعينه، فقال إبراهيم لإسماعيل: إن الله أمرني أن أبني البيت وتعينني. وتخلل بين قوله أبني البيت وبين قوله وتعينني قول إسماعيل فاصنع ما أمرك ربك. قوله: "وأشار إلى أكمة" بفتح الهمزة والكاف وقد تقدم بيان ذلك في أوائل الكلام على هذا الحديث، وللفاكهي من حديث عثمان "فبناه إبراهيم وإسماعيل وليس معهما يومئذ غيرهما" يعني في مشاركتهما في البناء، وإلا فقد تقدم أنه كان قد نزل الجرهميون مع إسماعيل. قوله: "رفعا القواعد من البيت" في رواية أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد عن ابن عباس "القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك" وفي رواية مجاهد عند ابن أبي حاتم "أن القواعد كانت في الأرض السابعة" ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس "رفع القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك" ومن طريق عطاء قال: "قال آدم يا رب إني لا أسمع أصوات الملائكة، قال ابن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بيتي الذي في السماء" وفي حديث عثمان وأبي جهم "فبلغ إبراهيم من الأساس أساس آدم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض - يعني دوره - ثلاثين ذراعا" وكان ذلك بذراعهم، وزاد أبو جهم "وأدخل الحجر في البيت، وكان قبل ذلك زربا لغنم إسماعيل، وإنما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا وجعل له بابا وحفر له بئرا عند بابه خزانة للبيت يلقى فيها ما يهدى للبيت" وفي حديثه أيضا: "أن الله أوحي إلى إبراهيم أن اتبع السكينة، فحلقت على موضع البيت كأنها سحابة، فحفرا يريدان أساس آدم الأول" وفي حديث علي عند الطبري والحاكم "رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس فكلمه فقال: يا إبراهيم ابن على ظلي - أو عل قدري - ولا تزد ولا تنقص، وذلك حين يقول الله {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} الآية". قوله: "جاء بهذا الحجر" يعني المقام. وفي رواية إبراهيم بن نافع "حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة فقام على حجر المقام" زاد في حديث عثمان "ونزل عليه الركن والمقام فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني عليه ويرفعه له إسماعيل، فلما بلغ الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه وأخذ المقام فجعله لاصقا بالبيت، فلما فرغ إبراهيم من بناء الكعبة جاء جبريل فأراه المناسك كلها، ثم قام إبراهيم على المقام فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم، فوق إبراهيم وإسماعيل تلك المواقف، وحجه إسحاق وسارة من بيت المقدس، ثم رجع إبراهيم إلى الشام فمات بالشام" وروى الفاكهي بإسناد صحيح من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: "قام إبراهيم على الحجر فقال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من آمن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك" وفي حديث أبي جهم "ذهب إسماعيل إلى الوادي يطلب حجرا، فنزل جبريل بالحجر الأسود، وقد كان رفع إلى السماء حين غرقت الأرض، فلما جاء إسماعيل فرأى الحجر الأسود قال من أين هذا، من جاءك به؟ قال إبراهيم: من لم يكلني إليك ولا إلى حجرك" ورواه ابن أبي حاتم من طريق السدي نحوه، وأنه كان بالهند وكان ياقوتة بيضاء مثل الثغامة. وهي بالمثلثة والمعجمة طير أبيض كبير، وروى الفاكهي من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "والله ما بنياه بقصة ولا مدر، ولا كان لهما من السعة والأعوان ما يسقفانه" ومن حديث علي "كان إبراهيم يبني كل يوم سافا" ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند وعند ابن أبي حاتم "أنه كان بناه من خمسة أجبل: من حراء وثبير ولبنان وجبل الطور وجبل الخمر" قال ابن أبي حاتم: جبل الخمر - يعني بفتح الخاء المعجمة - هو جبل بيت المقدس. وقال عبد الرزاق عن

(6/406)


ابن جريج عن عطاء "إن آدم بناه من خمسة أجبل: حراء وطور زيتا وطور سيناء والجودي ولبنان، وكان ربضه من حراء" من طريق محمد بن طلحة التيمي قال: "سمعت أنه أسس البيت من ستة أجبل: من أبي قيس ومن الطور ومن قدس ومن ورقان ومن رضوى ومن أحد". قوله: "حدثنا أبو عامر" هو العقدي وإبراهيم بن نافع هو المخزومي المكي. قوله: "لما كان بين إبراهيم وبين أهله" يعني سارة "ما كان" يعني من غيرة سارة لما ولدت هاجر إسماعيل، وقد مضت بقية شرح الحديث ضمن الذي قبله.

(6/407)


10 – باب
3366- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ".
[الحديث 3366 – طرفه في: 3425]
3367- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا" وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3368- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ". وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ".
3369- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
[الحديث 3369 – طرفه في: 6360]

(6/407)


3370- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ بَلَى فَأَهْدِهَا لِي فَقَالَ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
[الحديث 3370 – طرفاه في: 4797، 6357]
3371- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ".
قوله: "عبد الواحد" هو ابن زياد، وإبراهيم التيمي هو ابن يزيد بن شريك وفي رواية لمسلم وابن خزيمة من طريق أخرى عن الأعمش عن إبراهيم التيمي "كنت أنا وأبي نجلس في الطريق فيعرض علي القرآن وأعرض عليه، فقرأ القرآن فسجد، فقلت تسجد في الطريق؟ قال: نعم سمعت أبا ذر" فذكره. قوله: "أي مسجد وضع في الأرض أول" بضم اللام قال أبو البقاء: وهي ضمة بناء لقطعه عن الإضافة مثل قبل وبعد، والتقدير أول كل شيء، ويجوز الفتح مصروفا وغير مصروف. قوله: "ثم أي" بالتنوين وتركه كما تقدم في حديث ابن مسعود "أي الأعمال أفضل" وهذا الحديث يفسر المراد بقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} ويدل على أن المراد بالبيت بيت العبادة لا مطلق البيوت، وقد ورد ذلك صريحا عن علي أخرجه إسحاق بن راهويه وابن أبي حاتم وغيرهما بإسناد صحيح عنه قال: "كانت البيوت قبله، ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله". قوله: "المسجد الأقصى" يعني مسجد بيت المقدس، وقيل له الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة، وقيل لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة، وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث، والمقدس المطهر عن ذلك. قوله: "أربعون سنة" قال ابن الجوزي: فيه إشكال، لأن إبراهيم بنى الكعبة وسليمان بنى بيت المقدس وبينهما أكثر من ألف سنة انتهى، ومستنده في أن سليمان عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بإسناد صحيح "أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثا" الحديث، وفي الطبراني من حديث رافع بن عميرة "أن داود عليه السلام ابتدأ ببناء بيت المقدس، ثم أوحي الله إليه: إني لأقضي بناءه على يد سليمان" وفي الحديث قصة، قال: وجوابه أن الإشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم ثم انتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن، وكذا قال القرطبي: إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم

(6/408)


وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدا وضعهما لهما، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما. قلت: وقد مشى ابن حبان في صحيحه على ظاهر هذا الحديث فقال: في هذا الخبر رد على من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة، ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة وهذا عين المحال لطول الزمان - بالاتفاق - بين بناء إبراهيم عليه السلام البيت وبين موسى عليه السلام. ثم إن في نص القرآن أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة. وقد تعقب الحافظ الضياء بنحو ما أجاب به ابن الجوزي. وقال الخطابي: يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان ثم داود وسليمان فزادا فيه ووسعاه فأضيف إليهما بناؤه، قال: وقد ينسب هذا المسجد إلى أيلياء فيحتمل أن يكون هو بانيه أو غيره، ولست أحقق لم أضيف إليه. قلت: الاحتمال الذي ذكره أولا موجه، وقد رأيت لغيره أن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام وقيل الملائكة وقيل سام بن نوح عليه السلام وقيل يعقوب عليه السلام، فعلى الأولين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديدا كما وقع في الكعبة، وعلى الأخيرين يكون الواقع من إبراهيم أو يعقوب أصلا وتأسيسا ومن داود تجديدا لذلك وابتداء بناء فلم يكمل على يده حتى أكمله سليمان عليه السلام، لكن الاحتمال الذي ذكره ابن الجوزي أوجه. وقد وجدت ما يشهد له ويؤيد قول من قال: إن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين، فذكر ابن هشام في "كتاب التيجان" أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه، وبناء آدم للبيت مشهور، وقد تقدم قريبا حديث عبد الله بن عمرو أن البيت رفع زمن الطوفان حتى بوأه الله لإبراهيم. وروى ابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة قال: "وضع الله البيت مع آدم لما هبط، ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فقال الله له: يا آدم إني قد أهبطت بيتا يطاف به كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه، فخرج آدم إلى مكة؛ وكان قد هبط بالهند ومد له في خطوه فأتى البيت فطاف به" وقيل: إنه لما صلى إلى الكعبة أمر بالتوجه إلى بيت المقدس فاتخذ فيه مسجدا وصلى فيه ليكون قبلة لبعض ذريته. وأما ظن الخطابي أن إيليا اسم رجل ففيه نظر، بل هو اسم البلد فأضيف إليه المسجد كما يقال مسجد المدينة ومسجد مكة. وقال أبو عبيد البكري في "معجم البلدان": إيليا مدينة بيت المقدس فيه ثلاث لغات: مد آخره وقصره وحذف الياء الأولى، قال الفرزدق:
لوى ابن أبي الرقراق عينيه بعدما ... دنا من أعالي إيلياء وغورا
وعلى ما قاله الخطابي يمكن الجمع بأن يقال: إنها سميت باسم بانيها كغيرها. والله أعلم. قوله: "فصله" بهاء ساكنة وهي هاء السكت، وللكشميهني بحذفها. قوله: "فإن الفضل فيه" أي في فعل الصلاة إذا حضر وقتها، زاد من وجه آخر عن الأعمش في آخره: "والأرض لك مسجد" أي للصلاة فيه، وفي "جامع سفيان بن عيينة" عن الأعمش "فإن الأرض كلها مسجد" أي صالحة للصلاة فيها. ويخص هذا العموم بما ورد فيه النهي والله أعلم. حديث أنس موصولا وعبد الله بن زيد معلقا في حرم المدينة وذكر أحد، والغرض منهما ذكر إبراهيم وأنه حرم مكة، وقد تقدم الكلام عليهما في أواخر الحج، وتقدم حديث عبد الله بن زيد موصولا هناك. حديث عائشة في قصة بناء الكعبة، تقدم شرحه في أثناء الحج أيضا. قوله: "وقال إسماعيل: عبد الله بن أبي بكر" يعني أن إسماعيل بن أبي أويس روى الحديث المذكور عن مالك كما

(6/409)


رواه عبد الله بن يوسف فقال بدل قول عبد الله بن يوسف أن أبي بكر أخبر "أن عبد الله بن أبي بكر أخبر" وأبو بكر جد عبد الله المذكور هو الصديق، وقد ساق المصنف حديث إسماعيل في التفسير ولفظه: "عبد الله بن محمد بن أبي بكر" وهو الواقع، وكأنه عند التعليق نسبه لجده، وأغفل المزي ذكر هذا التعليق في أحاديث الأنبياء. حديث أبي حميد الساعدي في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي شرحه في الدعوات. والغرض منه قوله فيه: "كما صليت على إبراهيم". حديث كعب بن عجرة في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي شرحه في الدعوات أيضا، وقد أورده في أواخر تفسير الأحزاب، وتأتي الإشارة إليه هناك إن شاء الله تعالى. ووهم المزي في الأطراف فعزا رواية كعب بن عجرة هذه إلى الصلاة فقال: روى البخاري في الصلاة عن قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل كلاهما عن عبد الواحد بن زياد إلى آخر كلامه، واغتر بذلك شيخنا ابن الملقن فإنه لما وصل إلى شرح هذا الحديث هنا أحال بشرحه على الصلاة وقال: تقدم في الصلاة، وكأنه تبع شيخه مغلطاي في ذلك فإنه كذلك صنع، ولم يتقدم هذا الحديث عند البخاري في كتاب الصلاة أصلا، والله الهادي إلى الصواب. حديث ابن عباس في التعويذ بكلمات الله التامة. قوله: "حدثنا جرير" لعثمان بن أبي شيبة فيه شيخ آخر أخرجه الإسماعيلي عن عمران بن موسى وإبراهيم بن موسى قالا حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير، وأبو حفص الأبار فرقهما عن منصور. قوله: "عن منصور" هو ابن المعتمر "عن المنهال" هو ابن عمرو، والإسناد إلى سعيد بن جبير كوفيون، وقد رواه النسائي من طريق جرير عن الأعمش عن المنهال فقال: "عن عبد الله بن الحارث" بدل سعيد، ولم يذكر فيه عن ابن عباس، ورواه الإسماعيلي من طريق أبي حفص الأبار عن الأعمش ومنصور فحمل رواية الأعمش على رواية منصور، والصواب التفصيل، ولذلك لم يخرج رواية الأبار. قوله: "إن أباكما" يريد إبراهيم عليه السلام وسماه أبا لكونه جدا على. قوله: "بكلمات الله" قيل المراد بها كلامه على الإطلاق، وقيل أقضيته، وقيل ما وعد به كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} والمراد بها قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} المراد بالتامة الكاملة وقيل النافعة وقيل الشافية وقيل المباركة وقيل القاضية التي تمضي وتستمر ولا يردها شيء ولا يدخلها نقص ولا عيب، قال الخطابي: كان أحمد يستدل بهذا الحديث على أن كلام الله غير مخلوق، ويحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق. قوله: "من كل شيطان" يدخل تحته شياطين الإنس والجن. قوله: "وهامة" بالتشديد واحدة الهوام ذوات السموم، وقيل كل ما له سم يقتل فأما ما لا يقتل سمه فيقال له السوام، وقيل المراد كل نسمة تهم بسوء. قوله: "ومن كل عين لامة" قال الخطابي: المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل. وقال أبو عبيد: أصله من ألممت إلماما، وإنما قال: "لامة" لأنه أراد أنها ذات لمم. وقال ابن الأنباري: يعني أنها تأتي في وقت بعد وقت. وقال لامة ليؤاخي لفظ هامة لكونه أخف على اللسان.

(6/410)


باب قول الله عز وجل { و نبئهم عن ضيف ابراهيم إذ دخلوا عليه } الآية
...
11 - باب قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ [51 الحجر]: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} الْآيَةَ.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} الْآيَةَ [260 البقرة]
3372- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ

(6/410)


عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوْ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لاَجَبْتُ الدَّاعِيَ".
[الحديث 3372 – أطرافه في: 3375، 3387، 4537، 4694، 6992]
قوله: "باب قوله: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} الآية. لا توجل : لا تخف" كذا اقتصر في هذا الباب على تفسير هذه الكلمة، وبذلك جزم الإسماعيلي وقال: ساق الآيتين بلا حديث. انتهى. والتفسير المذكور مروي عن عكرمة عند ابن أبي حاتم، ولعله كان عقب هذا في الأصل بياض فحذف. وقصة أضياف إبراهيم أوردها ابن أبي حاتم من طريق السدي مبينة، وفيها أنه لما قرب إليهم العجل قالوا: إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن، قال إبراهيم: إن له ثمنا. قالوا: وما ثمنه؟ قال: تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره، قال فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال: حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا. فلما رأى أنهم لا يأكلون فزع منهم. ومن طريق عثمان بن محصن قال: "كانوا أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفاييل" ومن طريق نوح بن أبي شداد "أن جبريل مسح بجناحيه العجل فقام يدرج حتى لحق بأمه في الدار". قوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}. كذا وقع هذا الكلام لأبي ذر متصلا بالباب، ووقع في رواية كريمة بدل قوله: "ولكن ليطمئن قلبي" وحكى الإسماعيلي أنه وقع عنده "باب قوله وإذ قال إبراهيم إلخ" وسقط كل ذلك للنسفي فصار حديث أبي هريرة تكملة الباب الذي قبله، فكملت به الأحاديث عشرين حديثا، وهو متجه. قوله: "عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب" في رواية الطبري من طريق عمرو بن الحارث عن يونس عن الزهري "أخبرني أبو سلمة وسعيد" كذا قال يونس بن يزيد عن الزهري، ورواه مالك عن الزهري فقال: "إن سعيد بن المسيب وأبا عبيدة أخبراه عن أبي هريرة" وسيأتي ذلك للمصنف قريبا، وتابع مالكا أبو أويس عن الزهري أخرجه أبو عوانة من طريقه، ورجح ذلك عند النسائي فاقتصر عليه، وكأن البخاري جنح إلى تصحيح الطريقين فأخرجهما معا، وهو نظر صحيح، لأن الزهري صاحب حديث، وهو معروف بالرواية عن هؤلاء فلعله سمعه منهم جميعا، ثم هو من الأحاديث التي حدث بها مالك خارج الموطأ واشتهر أن جويرية تفرد به عنه، ولكن تابعه سعيد بن داود عن مالك أخرجه الدار قطني في غرائب من طريقه. قوله: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" سقط لفظ الشك من بعض الروايات. واختلف السلف في المراد بالشك هنا، فحمله بعضهم على ظاهره وقال: كان ذلك قبل النبوة، وحمله أيضا الطبري على ظاهره وجعل سببه حصول وسوسة الشيطان، لكنها لم تستقر ولا زلزلت الإيمان الثابت، واستند في ذلك إلى ما أخرجه هو وعبد ابن حميد وابن أبي حاتم والحاكم من طريق عبد العزيز الماجشون عن محمد بن المنكدر عن ابن عباس قال: أرجى آية في القرآن {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} الآية، قال ابن عباس: هذا لما يعرض في الصدور ويسوس به الشيطان، فرضي الله من إبراهيم عليه السلام بأن قال: بلى. ومن طريق معمر عن قتادة عن ابن عباس نحوه، ومن طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس نحوه، وهذه طرق يشد بعضها بعضا وإلى ذلك جنح عطاء فروى ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج "سألت عطاء عن هذه الآية قال: دخل قلب إبراهيم

(6/411)


بعض ما يدخل قلوب الناس فقال ذلك" وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال: "ذكر لنا أن إبراهيم أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع" ومن طريق حجاج عن ابن جريج قال: "بلغني أن إبراهيم أتى على جيفة حمار عليه السباع والطير فعجب وقال: رب لقد علمت لتجمعنها، ولكن رب أرني كيف تحيي الموتى" وذهب آخرون إلى تأويل ذلك، فروى الطبري وابن أبي حاتم من طريق السدي قال: "لما اتخذ الله إبراهيم خليلا استأذنه ملك الموت أن يبشره فأذن له" فذكر قصة معه كيفية قبض روح الكافر والمؤمن، قال: "فقام إبراهيم يدعو ربه: رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أن خليلك" وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العوام عن أبي سعيد قال: "ليطمئن قلبي بالخلة" ومن طريق قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال: "ليطمئن قلبي أن خليلك" ومن طريق الضحاك عن ابن عباس "لأعلم أنك أجبت دعائي". ومن طريق علي بن ابن طلحة عنه "لأعلم أن تجيبني إذا دعوتك". وإلى هذا الأخير جنح القاضي أبو بكر الباقلاني، وحكى ابن التين عن الداودي الشارح أنه قال: طلب إبراهيم ذلك لتذهب عنه شدة الخوف، قال ابن التين: وليس ذلك بالبين؛ وقيل كان سبب ذلك أن نمرود لما قال له ما ربك؟ قال ربي الذي يحيي ويميت، فذكر ما قص الله مما جرى بينهما، فسأل إبراهيم بعد ذلك ربه أن يريه كيفية إحياء الموتى من غير شك منه في القدرة، ولكن أحب ذلك وأشتاق إليه فأراد أن يطمئن قلبه بحصول ما أراده، أخرجه الطبري عن ابن إسحاق. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال: المراد ليطمئن قلبي أنهم يعلمون أنك تحيي الموتى. وقيل معناه أقدرني على إحياء الموتى فتأدب في السؤال. وقال ابن الحصار: إنما سأل أن يحيي الله الموتى على يديه فلهذا قيل له في الجواب {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ}. وحكى ابن التين عن بعض من لا تحصيل عنده أنه أراد بقوله: "قلبي" رجلا صالحا كان يصحبه سأله عن ذلك، وأبعد منه ما حكاه القرطبي المفسر عن بعض الصوفية أنه سأل من ربه أن يريه كيف يحيي القلوب، وقيل أراد طمأنينة النفس بكثرة الأدلة، وقيل محبة المراجعة في السؤال. ثم اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك" فقال بعضهم: معناه نحن أشد اشتياقا إلى رؤية ذلك من إبراهيم، وقيل معناه إذا لم نشك نحن فإبراهيم أولى أن لا يشك، أي لو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أنه لم يشك. وإنما قال ذلك تواضعا منه، أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم، وهو كقوله في حديث أنس عند مسلم: "أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية، قال ذاك إبراهيم" وقيل إن سبب هذا الحديث أن الآية لما نزلت قال بعض الناس: شك إبراهيم ولم يشك نبينا فبلغه ذلك فقال: نحن أحق بالشك من إبراهيم، وأراد ما جرت به العادة في المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئا قال: مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي، ومقصوده لا تقل ذلك وقيل: أراد بقوله نحن أمته الذين يجوز عليهم الشك وأخرجه هو منه بدلالة العصمة. وقيل: معناه هذا الذي ترون أنه شك أنا أولى به لأنه ليس بشك إنما هو طلب لمزيد البيان. وحكى بعض علماء العربية أن أفعل ربما جاءت لنفي المعنى عن الشيئين نحو قوله تعالى : {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} أي لا خير في الفريقين، ونحو قول القائل: الشيطان خير من فلان أي لا خير فيهما، فعلى هذا فمعنى قوله: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" لا شك عندنا جميعا. وقال ابن عطية: ترجم الطبري في تفسيره فقال: وقال آخرون شك إبراهيم في القدرة. وذكر أثر ابن عباس وعطاء، قال ابن عطية: ومحمل قول ابن عباس عندي "أنها أرجى آية" لما فيها من الإدلال على الله وسؤال الأحياء في الدنيا، أو لأن الإيمان يكفي فيه الإجمال

(6/412)


ولا يحتاج إلى تنقير وبحث. قال: ومحمل قول عطاء "دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس" أي من طلب المعاينة. قال وأما الحديث فمبني على نفي الشك، والمراد بالشك فيه الخواطر التي لا تثبت، وأما الشك المصطلح وهو التوقف بين الأمرين من غير مزية لأحدهما على الأخر فهو منفي عن الخليل قطعا لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه فكيف بمن بلغ رتبة النبوة. قال: وأيضا فإن السؤال لما وقع بكيف دل على حال شيء من موجود مقرر عند السائل والمسئول، كما تقول كيف علم فلان؟ فكيف في الآية سؤال عن هيئة الإحياء لا عن نفس الإحياء فإنه ثابت مقرر. وقال ابن الجوزي: إنما صار أحق من إبراهيم لما عانى من تكذيب قومه وردهم عليه وتعجبهم من أمر البعث فقال: أنا أحق أن أسأل ما سأل إبراهيم، لعظيم ما جرى لي مع قومي المنكرين لإحياء الموتى ولمعرفتي بتفضيل الله لي، ولكن لا أسأل في ذلك. قوله: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} الاستفهام للتقرير، ووجهه أنه طلب الكيفية وهو مشعر بالتصديق بالإحياء. قوله: {قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي ليزيد سكونا بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب، لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب، وكأنه قال أنا مصدق، ولكن للعيان لطيف معنى. وقال عياض: لم يشك إبراهيم بأن الله يحيي الموتى، ولكن أراد طمأنينة القلب وترك المنازعة لمشاهدة الإحياء فحصل له العلم الأول بوقوعه، وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته، ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين وإن لم يكن في الأول شك لأن العلوم قد تتفاوت في قوتها فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين والله أعلم. قوله: "ويرحم الله لوطا إلخ" يأتي الكلام عليه قريبا في ترجمة لوط. قوله: "ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي" أي أسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما قدمت طلب البراءة، فوصفه بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج وإنما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعا، والتواضع لا يحط مرتبة الكبير بل يزيده رفعة وجلالا، وقيل هو من جنس قوله: "لا تفضلوني على يونس" وقد قيل إنه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع، وسيأتي تكملة لهذا الحديث في قصة يوسف.

(6/413)


باب قول الله تعالى : { و اذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد }
...
12 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [54 مريم]: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}
3373- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ . قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ".
قوله: "باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}" تقدم في أواخر الشهادات سبب تسميته صادق الوعد. ثم ذكر المصنف حديث سلمة بن الأكوع "ارموا بني إسماعيل" وقد تقدم شرحه في "باب التحريض على الرمي" من كتاب الجهاد. واحتج به المصنف على أن اليمن من بني إسماعيل كما سيأتي في أوائل المناقب مع الكلام عليه. قوله: "وأنا مع ابن فلان" وقع في رواية الكشميهني: "وأنا مع بني فلان" وكذا هو في الجهاد، وقيل والصواب الأول لقوله في حديث أبي هريرة "وأنا مع ابن الأدرع" وقد تقدم تسمية

(6/413)


ابن الأدرع في الجهاد، وقد تقدم كثير من أخبار إسماعيل فيما مضى قريبا.

(6/414)


13 - باب قِصَّةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلاَم. فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "قصة إسحاق بن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم" ذكر ابن إسحاق أن هاجر لما حملت بإسماعيل غارت سارة فحملت بإسحاق فوضعتا معا فشب الغلامان. ونقل عن بعض أهل الكتاب خلاف ذلك وأن بين مولدهما ثلاث عشرة سنة والأول أولى. قوله: "فيه ابن عمر وأبو هريرة" كأنه يشير بحديث ابن عمر إلى ما سيأتي في قصة يوسف، وبحديث أبي هريرة إلى الحديث المذكور في الباب الذي يليه، وأغرب ابن التين فقال: لم يقف البخاري على سنده فأرسله، وهو كلام من لم يفهم مقاصد البخاري، لأنه يستلزم أن يكون البخاري أثبت في كتابه حديثا لا يعرف له سندا ومع ذلك ذكره مرسلا، ولم تجر للبخاري بذلك عادة حتى يحمل هذا الموضع عليها، ونحوه قول الكرماني: قوله فيه - أي الباب - حديث من رواية ابن عمر في قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام فأشار البخاري إليه إجمالا ولم يذكره بعينه لأنه لم يكن بشرطه ا هـ، وليس الأمر كذلك لما بينته، والله المستعان. =

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب بر الوالدين للبخاري

     كتاب بر الوالدين للبخاري ............     .............