الجمعة، 6 مايو 2022

كتاب 18 و 19 فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)

 

  كتاب :18. فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)
 باب الجهاد ماض مع البر و الفاجر

...
44 - باب الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"
2852- حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عامر حدثنا عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيلُ معقُودٌ في نواصيهًا الخيرُ إلى يومِ القيَامةِ: الأجرُ وَالمغنَمُ".
قوله: "باب الجهاد ماض مع البر والفاجر" هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه بنحوه أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا عن أبي هريرة، ولا بأس برواته، إلا أن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة. وفي الباب عن أنس أخرجه سعيد بن منصور وأبو داود أيضا وفي إسناده ضعف. قوله: "لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخيل معقود إلخ" سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، وفسره بالأجر والمغنم، المغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد، ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عادلا فدل على أن لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر. وفي الحديث الترغيب في الغزو على الخيل، وفيه أيضا بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة، لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون، وهو مثل الحديث الآخر "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق" الحديث. واستنبط منه الخطابي إثبات سهم للفرس يستحقه الفارس من أجله، فإن أراد السهم الزائد للفارس على الراجل فلا نزاع فيه، وإن أراد أن للفرس سهمين غير سهم راكبه فهو محل النزاع ولا دلالة من الحديث عليه، وسيأتي القول فيه قريبا إن شاء الله تعالى. "تنبيه": حكى ابن التين أنه وقع في رواية أبي الحسن القابسي في لفظ الترجمة "الجهاد ماض على البر والفاجر" قال: ومعناه أنه يجب على كل أحد. قلت: إلا أنه لم يقع في شيء من النسخ التي وقفنا عليها، وقد وجدته في نسخة قديمة من رواية القابسي كالجماعة، والذي يليق بلفظ الحديث ما وقع في سائر الأصول بلفظ: "مع" بدل "على" والله أعلم. "تكملة": روى حديث: "الخيل معقود في نواصيها الخير" جمع من الصحابة غير من تقدم ذكره، وهم ابن عمر وعروة وأنس

(6/56)


وجرير، وممن لم يتقدم سلمة بن نفيل وأبو هريرة عند النسائي وعتبة بن عبد عند أبي داود وجابر وأسماء بنت يزيد وأبو ذر عند أحمد والمغيرة وابن مسعود عند أبي يعلى وأبو كبشة عند أبي عوانة وابن حبان في صحيحيهما وحذيفة عند البزار وسوادة بن الربيع وأبو أمامة وعريب - وهو بفتح المهلة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة - المليكي والنعمان بن بشير وسهل بن الحنظلية عند الطبراني وعن علي عند ابن أبي عاصم في الجهاد. وفي حديث جابر من الزيادة "في نواصيها الخير والنيل" وهو بفتح النون وسكون التحتانية بعدها لام وزاد أيضا: "وأهلها معانون عليها، فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة" ، وقوله: "وأهلها معانون عليها" في رواية سلمة بن نفيل أيضا.

(6/57)


باب مناحتبس فرسا في سبيل الله
...
45 - باب مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى [60 الأنفال]: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}
2853- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قوله: "باب من احتبس فرسا في سبيل الله لقوله عز وجل: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} أي بيان فضله، وروى ابن مردويه في التفسير من حديث ابن عباس في هذه الآية قال: "إن الشيطان لا يستطيع ناصية فرس". قوله: "حدثنا علي بن حفص" هو المروزي، قال البخاري في التاريخ: لقيته بعسقلان سنة سبع عشرة. قلت: وما أخرج عنه غير هذا الحديث وآخر في مناقب الزبير موقوفا وآخر في آخر كتاب القدر قرنه وفيه ببشر بن محمد، وقد تعقب ابن أبي حاتم تسميته على البخاري في الجزء الذي جمع فيه أوهامه وقال: الصواب أنه ابن الحسين بن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة بوزن عظيم قال: وقد لقيه أبي بعسقلان سنة سبع عشرة. قلت: فيحتمل أن يكون حفص اسم جده، وقد وقع للبخاري نسبة بعض مشايخه إلى أجدادهم. قوله: "أخبرنا طلحة بن أبي سعيد" هو المصري نزيل الإسكندرية وكان أصله من المدينة، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، بل قال أبو سعيد بن يونس: ما روى حديثا مسندا غيره. قوله: "وتصديقا بوعده" أي الذي وعد به من الثواب على ذلك، وفيه إشارة إلى المعاد كما أن في لفظ الإيمان إشارة إلى المبدأ. وقوله: "شبعه" بكسر أوله أي ما يشبع به، وكذا قوله: "ريه" بكسر الراء وتشديد التحتانية ووقع في حديث أسماء بنت يزيد الذي أشرت إليه في الباب الماضي "ومن ربطها رياء وسمعة" الحديث وقال فيه: "فإن شبعها وجوعها إلخ خسران في موازينه" قال المهلب وغيره: في هذا الحديث جواز وقف الخيل للمدافعة عن المسلمين، ويستنبط منه جواز وقف غير الخيل من المنقولات ومن غير المنقولات من باب الأولى. وقوله: "وروثه" يريد ثواب ذلك لا أن الأرواث بعينها توزن، وفيه أن المرء يؤجر بنيته كما يؤجر العامل، وأنه لا بأس بذكر الشيء المستقذر بلفظه للحاجة لذلك. وقال ابن أبي جمرة: يستفاد من هذا الحديث أن هذه الحسنات تقبل من صاحبها لتنصيص الشارع على أنها في ميزانية، بخلاف غيرها فقد لا تقبل فلا تدخل الميزان، وروى ابن ماجه من حديث تميم الداري مرفوعا: "من ارتبط فرسا في سبيل الله ثم عالج علفه بيده كان له بكل حبة حسنة".

(6/57)


باب اسم الفرس و الحمار
...
46 - باب اسْمِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ
2854- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَخَلَّفَ أَبُو قَتَادَةَ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَوْا حِمَارًا وَحْشِيًّا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ أَبُو قَتَادَةَ فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَرَادَةُ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَتَنَاوَلَهُ فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ ثُمَّ أَكَلَ فَأَكَلُوا فَنَدِمُوا فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ قَالَ هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا".
2855- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ اللُّحَيْفُ ". قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمُ: "اللُّخَيْفُ".
2856- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ آدَمَ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا".
[الحديث 2856 – أطرافه في: 5967، 6267، 6500، 7373]
2857- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لَنَا يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ فَقَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا".
قوله: "باب اسم الفرس والحمار" أي مشروعية تسميتهما، وكذا غيرهما من الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها. وقد اعتنى من ألف في السيرة النبوية بسرد أسماء ما ورد في الأخبار من خيله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من دوابه، وفي الأحاديث الواردة في هذا الباب ما يقوي قول من ذكر أنساب بعض الخيول العربية الأصيلة لأن الأسماء توضع للتمييز بين أفراد الجنس. وذكر البخاري في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث أبي قتادة في قصة صيد الحمار الوحشي، وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج، والغرض منه قوله فيه: "فركب فرسا يقال له الجرادة " وهو بفتح الجيم وتخفيف الراء، والجراد اسم جنس. ووقع في السيرة لابن هشام أن اسم فرس أبي قتادة الحزوة

(6/58)


أي بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها واو، فإما أن يكون لها اسمان، وإما أن أحدهما تصحف والذي في الصحيح هو المعتمد. ومحمد بن أبي بكر شيخ البخاري فيه هو المقدمي، وحكى أبو علي الجياني أنه وقع في نسخة أبي زيد المروزي "محمد بن بكر" وهو غلط. حديث سهل وهو ابن سعبد الساعدي. قوله: "يقال له اللحيف" يعني بالمهملة والتصغير، قال ابن قرقول: وضبطوه عن ابن سراج بوزن رغيف. قلت: ورجحه الدمياطي، وبه جزم الهروي وقال: سمي بذلك لطول ذنبه، فعيل بمعنى فاعل، وكأنه يلحف الأرض بذنبه. قوله: "وقال بعضهم اللخيف" بالخاء المعجمة، وحكوا فيه الوجهين، وهذه رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل وهو أخو أبي بن عباس، ولفظه عند ابن منده "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن سعد والد سهل ثلاثة أفراس، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن لزاز - بكسر اللام وبزايين الأولى خفيفة - والظرب بفتح المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة، واللخيف" وحكى سبط ابن الجوزي أن البخاري قيده بالتصغير والمعجمة قال: وكذا حكاه ابن سعد عن الواقدي وقال: أهداه له ربيعة بن أبي البراء مالك بن عامر العامري وأبوه الذي يعرف بملاعب الأسنة انتهى. ووقع عند ابن أبي خيثمة: أهداه له فروة بن عمرو. وحكى ابن الأثير في النهاية أنه روى بالجيم بدل الخاء المعجمة، وسبقه إلى ذلك صاحب المغيث ثم قال: فإن صح فهو سهم عريض النصل كأنه سمي بذلك لسرعته. وحكى ابن الجوزي أنه روى بالنون بدل اللام من النحافة. الثالث: حديث معاذ بن جبل قوله: "عن عمرو بن ميمون" هو الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو من كبار التابعين، وسيأتي أنه أدرك الجاهلية في أخبار الجاهلية. وأبو إسحاق الراوي عنه هو السبيعي. والإسناد كله كوفيون إلا الصحابي، وأبو الأحوص شيخ يحيى بن آدم فيه كنت أظن أنه سلام بالتشديد وهو ابن سليم وعلى ذلك يدل كلام المزي، لكن أخرج هذا الحديث النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي عن يحيى بن آدم شيخ شيخ البخاري فيه فقال: "عن عمار بن زريق عن أبي إسحاق" والبخاري أخرجه ليحيى بن آدم عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، وكنية عمار بن زريق أبو الأحوص فهو هو، ولم أر من نبه على ذلك. وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة وأبو داود عن هناد بن السري كلاهما عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، وأبو الأحوص هذا هو سلام بن سليم فإن أبا بكر وهنادا أدركاه ولم يدركا عمارا والله أعلم. قوله: "كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير" بالمهملة والفاء مصغر مأخوذ من العفر وهو لون التراب كأنه سمي بذلك للونه والعفرة حمرة يخالطها بياض، وهو تصغير أعفر أخرجوه عن بناء أصله كما قالوا سويد في تصغير أسود، ووهم من ضبطه بالغين المعجمة وهو غير الحمار الآخر الذي يقال له يعفور، وزعم ابن عبدوس أنهما واحد وقواه صاحب الهدي، ورده الدمياطي فقال: عفير أهداه المقوقس ويعفور أهداه فروة بن عمرو وقيل بالعكس. ويعفور بسكون المهملة وضم الفاء هو اسم ولد الظبي كأنه سمي بذلك لسرعته. قال الواقدي: نفق يعفور منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، وبه جزم النووي عن ابن الصلاح، وقيل طرح نفسه في بئر يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقع ذلك في حديث طويل ذكره ابن حبان في ترجمة محمد بن مرثد في الضعفاء، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غنمه من خيبر، وأنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له أنه كان ليهودي وأنه خرج من جده ستون حمارا لركوب الأنبياء فقال: ولم يبق منهم غيري، وأنت خاتم الأنبياء، فسماه يعفورا. وكان يركبه في حاجته ويرسله إلى الرجل فيقرع بابه برأسه فيعرف أنه أرسل إليه، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر أبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره، قال ابن حبان: لا أصل له، وليس سنده

(6/59)


بشيء. قوله: "أن تعبدوه ولا تشركوا" في رواية الكشميهني: "أن تعبدوا" بحذف المفعول. قوله: "فيتكلوا" بتشديد المثناة. وفي رواية الكشميهني بسكون النون، وقد تقدم شرح ذلك في أواخر كتاب العلم، وسيأتي هذا الحديث في الرقاق من طريق أنس بن مالك عن معاذ ولم يسم فيه الحمار، ونستكمل بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. وتقدم في العلم من حديث أنس بن مالك أيضا لكن فيما يتعلق بشهادة أن لا إله إلا الله، وهذا فيما يتعلق بحق الله على العباد فهما حديثان، ووهم الحميدي ومن تبعه حيث جعلوهما حديثا واحدا. نعم وقع في كل منهما منعه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بذلك الناس لئلا يتكلموا، ولا يلزم من ذلك أن يكونا حديثا واحدا. وزاد في الحديث الذي في العلم "فأخبر بها معاذ عند موته تأثما" ولم يقع ذلك هنا والله أعلم. الحديث الرابع: حديث أنس في فرس أبي طلحة، وقد تقدم في أواخر الهبة مع شرحه، وهو ظاهر فيما ترجم به هنا.

(6/60)


47 - باب مَا يُذْكَرُ مِنْ شُؤْمِ الْفَرَسِ
2858- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ".
2859- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ".
[الحديث 2859 – طرفه في: 5095]
قوله: "باب ما يذكر من شؤم الفرس" أي هل هو على عمومه، أو مخصوص ببعض الخيل؟ وهل هو على ظاهره، أو مؤول؟ وسيأتي تفصيل ذلك. وقد أشار بإيراد حديث سهل بعد حديث ابن عمر إلى أن الحصر الذي في حديث ابن عمر ليس على ظاهره، وبترجمة الباب الذي بعده وهي "الخيل لثلاثة" إلى أن الشؤم مخصوص ببعض الخيل دون بعض وكل ذلك من لطيف نظره ودقيق فكره. قوله: "أخبرني سالم" كذا صرح شعيب عن الزهري بإخبار سالم له، وشذ ابن أبي ذئب فأدخل بين الزهري وسالم محمد بن زبيد بن قنفذ، واقتصر شعيب على سالم وتابعه ابن جريج عن ابن شهاب عند أبي عوانة وكذا عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري كما سيأتي في الطب، وكذا قال أكثر أصحاب سفيان عنه عن الزهري، ونقل الترمذي عن ابن المديني والحميدي أن سفيان كان يقول: لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم انتهى. وكذا قال أحمد عن سفيان: إنما نحفظه عن سالم. لكن هذا الحصر مردود فقد حدث به مالك عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما، ومالك من كبار الحفاظ ولا سيما في حديث الزهري، وكذا رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه أخرجه مسلم والترمذي عنه، وهو يقتضي رجوع سفيان عما سبق من الحضر. وأما الترمذي فجعل رواية ابن أبي عمر هذه مرجوحة، وقد تابع مالكا أيضا يونس من رواية ابن وهب عنه كما سيأتي في الطب، وصالح بن كيسان عند مسلم وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي كلهم عن الزهري عنهما، ورواه إسحاق ابن راشد عن الزهري فاقتصر على حمزة أخرجه النسائي، وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة من طريق عقيل وأبو عوانة من طريق شبيب بن

(6/60)


سعيد كلاهما عن الزهري، ورواه القاسم بن مبرور عن يونس فاقتصر على حمزة أخرجه النسائي أيضا. وكذا أخرجه أحمد من طريق رباح بن زيد عن معمر مقتصرا على حمزة، وأخرجه النسائي من طريق عبد الواحد عن معمر فاقتصر على سالم، فالظاهر أن الزهري يجمعهما تارة ويفرد أحدهما أخرى، وقد رواه إسحاق في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال: عن سالم أو حمزة أو كلاهما، وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري أخرجه مسلم من طريق عتبة بن مسلم عنه والله أعلم. قوله: "إنما الشؤم" بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوا. قوله: "في ثلاث" يتعلق بمحذوف تقديره كائن قاله ابن العربي، قال: والحصر فيها بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة انتهى. وقال غيره: إنما خصت بالذكر لطول ملازمتها، وقد رواه مالك وسفيان وسائر الرواة بحذف "إنما" لكن في رواية عثمان بن عمر "لا عدوى ولا طيرة، وإنما الشؤم في الثلاثة" قال مسلم لم يذكر أحد في حديث ابن عمر "لا عدوى " إلا عثمان بن عمر. قلت: ومثله في حديث سعد بن أبي وقاص الذي أخرجه أبو داود، لكن قال فيه، "إن تكن الطيرة في شيء" الحديث، والطيرة والشؤم بمعنى واحد كما سأبينه في أواخر شرح الطب إن شاء الله تعالى، وظاهر الحديث أن الشؤم والطيرة في هذه الثلاثة، قال ابن قتيبة: ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن لا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة. قلت: فمشى ابن قتيبة على ظاهره، ويلزم على قوله أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره، قال القرطبي: ولا يظن به أنه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر وينفع بذاته فإن ذلك خطأ وإنما عني أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره، قلت: وقد وقع في رواية عمر العسقلاني - وهو ابن محمد ابن زيد بن عبد الله بن عمر - عن أبيه عن ابن عمر كما سيأتي في النكاح بلفظ: "ذكروا الشؤم فقال: إن كان في شيء ففي" ولمسلم: "إن يك من الشؤم شيء حق" وفي رواية عتبة بن مسلم: "إن كان الشؤم في شيء" وكذا في حديث جابر عند مسلم وهو موافق لحديث سهل بن سعد ثاني حديثي الباب، وهو يقتضي عدم الجزم بذلك بخلاف رواية الزهري، قال ابن العربي: معناه إن كان خلق الله الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة فإنما يخلقه في هذه الأشياء، قال المازري: بحمل هذه الرواية إن يكن الشؤم حقا فهذه الثلاث أحق به، بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها. وجاء عن عائشة أنها أنكرت هذا الحديث، فروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن محمد بن راشد عن مكحول قال: قيل لعائشة إن أبا هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في ثلاثة" فقالت: لم يحفظ، إنه دخل وهو يقول: "قاتل الله اليهود، يقولون الشؤم في ثلاثة" فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله. قلت: ومكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع، لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان "أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة في الفرس والمرأة والدار" فغضبت غضبا شديدا وقالت: ما قاله، وإنما قال: "إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك" انتهى. ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك، وقد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك، وسياق الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها يبعد هذا التأويل. قال ابن العربي: هذا جواب ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة، وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه انتهى.

(6/61)


وأما ما أخرجه الترمذي من حديث حكيم بن معاوية قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا شؤم، وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس" ففي إسناده ضعف ثم مخالفته للأحاديث الصحيحة. وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر سمعت من يفسر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه، وشؤم الدار جار السوء. وروى أبو داود في الطب عن ابن القاسم عن مالك أنه سئل عنه فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا. قال المازري: فيحمله مالك على ظاهره، والمعنى أن قدر الله ربما اتفق ما يكره عند سكنى الدار فتصير في ذلك كالسبب فتسامح في إضافة الشيء إليه اتساعا. وقال ابن العربي: لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار، وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل. وقيل: معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبية ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب. قلت: وما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك أولى، وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عن اعتقاده، فأشير إلى اجتناب مثل ذلك. والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلا أن يبادر إلى التحول منها، لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم. وأما ما رواه أبو داود وصححه الحاكم من طريق إسحاق بن طلحة عن أنس "قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا وأموالنا، فتحولنا إلى أخرى فقل فيها ذلك، فقال: ذروها ذميمة". وأخرج من حديث فروة بن مسيك بالمهلة مصغرا ما يدل على أنه هو السائل، وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين، وله رواية بإسناد صحيح إليه عند عبد الرزاق، قال ابن الحربي ورواه مالك عن يحيى بن سعيد منقطعا قال: والدار المذكورة في حديثه كانت دار مكمل بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم بعدها لام - وهو ابن عوف أخو عبد الرحمن ابن عوف - قال: وإنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها، وليس كما ظنوا، لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقا لظهور قضائه، وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم. قال ابن العربي: وأفاد وصفها بكونها ذميمة جواز ذلك، وأن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير أن يعتقد أن ذلك كان منها، ولا يمتنع ذم محل المكروه وإن كان ليس منه شرعا كما يذم العاصي على معصيته وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى. وقال الخطابي: هو استثناء من غير الجنس، ومعناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير، فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره فليفارقه. قال: وقيل: إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم المرأة أن لا تلد، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليه. وقيل المعنى ما جاء بإسناد ضعيف رواه الدمياطي في الخيل "إذا كان الفرس ضروبا فهو مشئوم، وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشئومة، وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشئومة". وقيل: كان قوله ذلك في أول الأمر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} الآية، حكاه ابن عبد البر، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، لا سيما مع إمكان الجمع ولا سيما وقد ورد في نفس هذا الخبر نفي التطير ثم إثباته في الأشياء المذكورة. وقيل: يحمل الشؤم على قلة الموافقة وسوء الطباع، وهو كحديث سعد بن أبي وقاص رفعه "من سعادة المرء المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الهنيء. ومن شقاوة

(6/62)


المرء المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء" أخرجه أحمد. وهذا يختص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض، وبه صرح ابن عبد البر فقال: يكون لقوم دون قوم، وذلك كله بقدر الله. وقال المهلب ما حاصله: أن المخاطب بقوله: "الشؤم في ثلاثة" من التزم التطير ولم يستطع صرفه عن نفسه، فقال لهم: إنما يقع ذلك في هذه الأشياء التي تلازم في غالب الأحوال، فإذا كان كذلك فاتركوها عنكم ولا تعذبوا أنفسكم بها، ويدل على ذلك تصديره الحديث بنفي الطيرة. واستدل لذلك بما أخرجه ابن حبان عن أنس رفعه: "لا طيرة، والطيرة على من تطير، وإن تكن في شيء ففي المرأة" الحديث، وفي صحته نظر لأنه من رواية عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس، وعتبة مختلف فيه، وسيكون لنا عودة إلى بقية ما يتعلق بالتطير والفأل في آخر كتاب الطب حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى. "تكميل": اتفقت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة، ووقع عند ابن إسحاق في رواية عبد الرزاق المذكورة: قال معمر قالت أم سلمة "والسيف" قال أبو عمر: رواه جويرية عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عن أم سلمة، قلت: أخرجه الدار قطني في "غرائب مالك" وإسناده صحيح إلى الزهري، ولم ينفرد به جويرية بل تابعه سعيد بن داود عن مالك أخرجه الدار قطني أيضا قال: والمبهم المذكور هو أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، سماه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري في روايته. قلت: أخرجه ابن ماجه من هذا الوجه موصولا فقال: "عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أنها حدثت بهذه الثلاثة وزادت فيهن والسيف" وأبو عبيدة المذكور هو ابن بنت أم سلمة أمه زينب بنت أم سلمة، وقد روى النسائي حديث الباب من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري فأدرج فيه السيف وخالف فيه في الإسناد أيضا. قوله: "عن أبي حازم" هو سلمة بن دينار. قوله: "إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن" كذا في جميع النسخ، وكذا هو في الموطأ، لكن زاد في آخره: "يعني الشؤم" وكذا رواه مسلم، ورواه إسماعيل بن عمر عن مالك ومحمد بن سليمان الحراني عن مالك بلفظ: "إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة إلخ" أخرجهما الدار قطني، لكن لم يقل إسماعيل في شيء، وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني من رواية هشام بن سعد عن أبي حازم قال: "ذكروا الشؤم عند سهل بن سعد فقال" فذكره، وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه.

(6/63)


48 - باب الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ، وَقَوْلُ الله عزَّ وجلَّ [8 النحل] {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
2860- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا وَآثَارُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ. فأمَّا الرَّجلُ الَّذي هي عليه وزر، فهوَ رَجُلٌ

(6/63)


رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِئَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ فَهِيَ وِزْرٌ عَلَى ذَلِكَ. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
قوله: "باب الخيل لثلاثة" هكذا اقتصر على صدر الحديث، وأحال بتفسيره على ما ورد فيه، وقد فهم بعض الشراح منه الحصر فقال: اتخاذ الخيل لا يخرج عن أن يكون مطلوبا أو مباحا أو ممنوعا، فيدخل في المطلوب الواجب والمندوب، ويدخل في الممنوع المكروه والحرام بحسب اختلاف المقاصد. واعترض بعضهم بأن المباح لم يذكر في الحديث لأن القسم الثاني الذي يتخيل فيه ذلك جاء مقيدا بقوله: "ولم ينس حق الله فيها" فيلتحق بالمندوب قال: والسر فيه أنه صلى الله عليه وسلم غالبا إنما يعتني بذكر ما فيه حض أو منع، وأما المباح الصرف فيسكت عنه لما عرف أن سكوته عنه عفو. ويمكن أن يقال: القسم الثاني هو في الأصل المباح إلا أنه ربما ارتقى إلى الندب بالقصد، بخلاف القسم الأول فإنه من ابتدائه مطلوب. والله أعلم. قوله: "وقول الله عز وجل {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} الآية" أي أن الله خلقها للركوب والزينة، فمن استعملها في ذلك فعل ما أبيح له، فإن اقترن بفعله قصد طاعة ارتقى إلى الندب، أو قصد معصية حصل له الإثم، وقد دل حديث الباب على هذا التقسيم. قوله: "عن زيد بن أسلم" الإسناد كله مدنيون. قوله: "الخيل لثلاثة" في رواية الكشميهني: " الخيل ثلاثة " ووجه الحصر في الثلاثة أن الذي يقتنى الخيل إما أن يقتنيها للركوب أو للتجارة، وكل منهما إما أن يقترن به فعل طاعة الله وهو الأول، ومعصيته وهو الأخير، أو يتجرد عن ذلك وهو الثاني. قوله: "في مرج أو روضة" شك من الراوي، والمرج موضع الكلأ، وأكثر ما يطلق على الموضع المطمئن، والروضة أكثر ما يطلق في الموضع المرتفع، وقد مضى الكلام على قوله: " أرواثها وآثارها" قبل بابين. قوله: "فما أصابت في طيلها" بكسر الطاء المهملة وفتح التحتانية بعدها لام هو الحبل الذي تربط به ويطول لها لترعى، ويقاد له طول بالواو المفتوحة أيضا كما تقدم في أول الجهاد، وتقدم تفسير الاستنان هناك. وقوله: "ولم يرد أن يسقيها" فيه أن الإنسان يؤجر على التفاصيل التي تقع في فعل الطاعة إذا قصد أصلها وإن لم يقصد تلك التفاصيل، وقد تأوله بعض الشراح فقال ابن المنير: قيل إنما أجر لأن ذلك وقت لا ينتفع بشربها فيه فيغتم صاحبها بذلك فيؤجر، وقيل: إن المراد حيث تشرب من ماء الغير بغير إذنه فيغتم صاحبها لذلك فيؤجر، وكل ذلك عدول عن القصد. قوله: "رجل ربطها فخرا" هكذا وقع بحذف أحد الثلاثة وهو من ربطها تغنيا، وسيأتي بتمامه بهذا الإسناد بعينه في علامات النبوة، وتقدم تاما من وجه آخر عن ماك في أواخر كتاب الشرب، وقوله: "تغنيا" بفتح المثناة والمعجمة ثم نون ثقيلة مكسورة وتحتانية أي استغناء عن الناس تقول تغنيت بما رزقني الله تغنيا وتغانيت تغانيا واستغنيت استغناء كلها بمعنى، وسيأتي بسط ذلك في فضائل القرآن في الكلام على قوله: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". وقوله: "تعففا" أي عن السؤال، والمعنى أنه يطلب بنتاجها أو بما يحصل من أجرتها ممن يركبها أو نحو ذلك الغني عن الناس والتعفف عن مسألتهم، ووقع في رواية سهيل عن أبيه عند مسلم: "وأما الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تعففا وتكرما وتجملا، وقوله: "ولم ينس حق الله في رقابها" قيل المراد حسن ملكها وتعهد شبعها وريها والشفقة عليها في الركوب، وإنما خص رقابها بالذكر

(6/64)


لأنها تستعار كثيرا في الحقوق اللازمة ومنه قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وهذا جواب من لم يوجب الزكاة في الخيل وهو قول الجمهور. وقيل: المراد بالحلق إطراق فحلها والحمل عليها في سبيل الله هو قول الحسن والشعبي ومجاهد، وقيل المراد بالحق الزكاة وهو قول حماد وأبي حنيفة، وخالفه صاحباه وفقهاء الأمصار. قال أبو عمر: لا أعلم أحدا سبقه إلى ذلك. قوله: "فخرا" أي تعاظما، وقوله: "ورياء" أي إظهارا لطاعة والباطن بخلاف ذلك. ووقع في رواية سهيل المذكورة "وأما الذي هي عليه وزر فالذي يتخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء للناس". قوله: "ونواء لأهل الإسلام" بكسر النون والمد هو مصدر تقول ناوأت العدو مناوأة ونواء، وأصله من ناء إذا نهض ويستعمل في المعاداة، قال الخليل: ناوأت الرجل ناهضته بالعداوة، وحكى عياض عن الداودي الشارح أنه وقع عنده "ونوى" بفتح النون والقصر قال: ولا يصح ذلك، قلت حكاه الإسماعيلي عن رواية إسماعيل بن أبي أويس، فإن ثبت فمعناه: وبعدا لأهل الإسلام، أي منهم. والظاهر أن الواو في قوله ورياء ونواء بمعنى. "أو" لأن هذه الأشياء قد تفترق في الأشخاص وكل واحد منها مذموم على حدته، وفي هذا الحديث بيان أن الخيل إنما تكون في نواصيها الخير والبركة إذا كان اتخاذها في الطاعة أو في الأمور المباحة، وإلا فهي مذمومة. قوله: "وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم" لم أقف على تسمية السائل صريحا، وسيأتي ما قيل فيه في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى. قوله: "عن الحمر فقال: ما أنزل على فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة" بالفاء وتشديد المعجمة سماها جامعة لشمولها لجميع الأنواع من طاعة ومعصية، وسماها فاذة لانفرادها في معناها، قال ابن التين: والمراد أن الآية دلت على أن من عمل في اقتناء الحمير طاعة رأى ثواب ذلك، وإن عمل معصية رأى عقاب ذلك، قال ابن بطال: فيه تعليم الاستنباط والقياس، لأنه شبه ما لم يذكر الله حكمه في كتابه وهو الحمر بما ذكره من عمل مثقال ذرة من خير أو شر إذ كان معناهما واحدا، قال: وهذا نفس القياس الذي ينكره من لا فهم عنده. وتعقبه ابن المنير بأن هذا ليس من القياس في شيء، وإنما هو استدلال بالعموم وإثبات لصيغته، خلافا لمن أنكر أو وقف. وفيه تحقيق لإثبات العمل بظواهر العموم وأنها ملزمة حتى يدل دليل التخصيص، وفيه إشارة إلى الفرق بين الحكم الخاص المنصوص والعام الظاهر، وأن الظاهر دون المنصوص في الدلالة.

(6/65)


49 - باب مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْغَزْوِ
2861- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ قَالَ أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ فَقُلْتُ لَهُ حَدِّثْنِي بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ أَبُو عَقِيلٍ لاَ أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلْنَا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيُعَجِّلْ قَالَ جَابِرٌ فَأَقْبَلْنَا وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ لِي أَرْمَكَ لَيْسَ فِيهِ شِيَةٌ وَالنَّاسُ خَلْفِي فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ قَامَ عَلَيَّ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا جَابِرُ اسْتَمْسِكْ فَضَرَبَهُ بِسَوْطِهِ ضَرْبَةً فَوَثَبَ الْبَعِيرُ مَكَانَهُ فَقَالَ أَتَبِيعُ الْجَمَلَ قُلْتُ نَعَمْ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فِي طَوَائِفِ أَصْحَابِهِ فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي نَاحِيَةِ الْبَلاَطِ فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا

(6/65)


جَمَلُكَ فَخَرَجَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ وَيَقُولُ الْجَمَلُ جَمَلُنَا فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَعْطُوهَا جَابِرًا ثُمَّ قَالَ اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ".
قوله: "باب من ضرب دابة غيره في الغزو" أي إعانة له ورفقا به. قوله: "حدثنا مسلم" هو ابن إبراهيم، وتقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في المظالم مختصرا وساقه هنا تاما، وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في الشروط. قوله: "أم عمرة" في رواية الكشميهني: "أو" بدل "أم". قوله: "فليعجل" في رواية الكشميهني: "فليتعجل". قوله: "أرمك" براء وكاف وزن أحمر، والمراد به ما خالط حمرته سواد. قوله: "ليس فيها شية" بكسر المعجمة وفتح التحتانية الخفيفة أي علامة، والمراد أنه ليس فيه لمعة من غير لونه. ويحتمل أن يريد ليس فيه عيب، ويؤيده قوله: "والناس خلق، فبينا أنا كذلك إذ قام عليَّ" لأنه يشعر بأنه أراد أنه كان قويا في سيره لا عيب فيه من جهة ذلك حتى كأنه صار قدام الناس. فطرأ عليه حينئذ الوقوف. قوله: "إذ قام علي" أي وقف فلم يسر من التعب.

(6/66)


باب الركوب على الدابة الصعبة و الفحولة من الخيل
...
50 - باب الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ الصَّعْبَةِ وَالْفُحُولَةِ مِنْ الْخَيْلِ
وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ الْفُحُولَةَ لِأَنَّهَا أَجْرَى وَأَجْسَرُ
2862- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ فَرَكِبَهُ وَقَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا".
قوله: "باب الركوب على الدابة الصعبة" بسكون العين أي الشديدة. قوله: "والفحولة" بالفاء والمهملة جمع فحل والتاء فيه لتأكيد الجمع كما جوزه الكرماني، وأخذ المصنف ركوب الصعبة من ركوب الفحل لأنه في الغالب أصعب ممارسة من الأنثى، وأخذ كونه فحلا من ذكره بضمير المذكر. وقال ابن المنير: هو استدلال ضعيف، لأن العود يصح على اللفظ ولفظ الفرس مذكر وإن كان يقع على المؤنث وعكسه الجماعة، فيجوز إعادة الضمير على اللفظ وعلى المعنى، قال: وليس في حديث الباب ما يدل على تفضيل الفحولة إلا أن نقول أثنى عليه الرسول وسكت عن الأنثى فثبت التفضيل بذلك. وقال ابن بطال: معلوم أن المدينة لم تخل عن إناث الخيل، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا جملة من أصحابه أنهم ركبوا غير الفحول، إلا ما ذكر عن سعد بن أبي وقاص، كذا قال وهو محل توقف وقد روى الدار قطني أن فرس المقداد كان أنثى. قوله: "وقال راشد بن سعد" هو المقرأ بفتح الميم وتضم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة، تابعي وسط شامي، مات سنة ثلاث عشرة ومائة، وما له في البخاري سوى هذا الأثر الواحد. قوله: "كان السلف" أي من الصحابة فمن بعدهم. وقوله: "أجرأ وأجسر" بهمز "أجرأ" من الجراءة وبغير همز من الجري، و"أجسر" بالجيم والمهملة من الجسارة، وحذف المفضل عليه اكتفاء بالسياق أي من الإناث أو المخصية. وروى أبو عبيدة في "كتاب الخيل" له عن عبد الله بن محيريز نحو هذا الأثر وزاد: "وكانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات" وروى الوليد بن مسلم في الجهاد له من طريق عبادة بن نسى

(6/66)


بنون ومهملة مصغرا وابن محيريز "أنهم كانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات ولما خفي من أمور الحرب ويستحبون الفحول في الصفوف والحصون ولما ظهر من أمور الحرب". وروى عن خالد ابن الوليد أنه كان لا يقاتل إلا على أنثى لأنها تدفع البول وهي أقل صهلا، والفحل يحبسه في جريه حتى ينفتق ويؤذي بصهيله. ثم ذكر المصنف حديث أنس في فرس أبي طلحة وقد تقدم قريبا وأن شرحه سبق في كتاب الهبة، وأحمد بن محمد شيخه فيه هو المروزي ولقبه مردويه واسم جده موسى. وقال الدار قطني هو الذي لقبه شبويه واسم جده ثابت، والأول أكثر.

(6/67)


51 - باب سِهَامِ الْفَرَسِ
2863- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا وَقَالَ مَالِكٌ يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ وَالْبَرَاذِينِ مِنْهَا لِقَوْلِهِ [8 النحل]: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} وَلاَ يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ.
[الحديث 2863 – طرفه في: 4228]
قوله: "باب سهام الفرس" أي ما يستحقه الفارس من الغنيمة بسبب فرسه. قوله: "وقال مالك: يسهم للخيل والبراذين" جمع برذون بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة والمراد الجفاة الخلقة من الخيل، وأكثر ما تجلب من بلاد الروم ولها جلد على السير في الشعاب والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية. قوله: "لقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}" قال ابن بطال: وجه الاحتجاج بالآية أن الله تعالى امتن بركوب الخيل، وقد أسهم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم الخيل يقع على البرذون والهجين بخلاف البغال والحمير، وكأن الآية استوعبت ما يركب من هذا الجنس لما يقتضيه الامتنان، فلما لم ينص على البرذون والهجين فيها دل على دخولها في الخيل. قلت: وإنما ذكر الهجين لأن مالكا ذكر هذا الكلام في الموطأ وفيه: "والهجين"، والمراد بالهجين ما يكون أحد أبويه عربيا والآخر غير عربي، وقيل الهجين الذي أبوه فقط عربي، وأما الذي أمه فقط عربية فيسمى المقرف. وعن أحمد: الهجين البرذون. ويحتمل أن يكون أراد في الحكم. وقد وقع لسعيد بن منصور وفي المراسيل لأبي داود عن مكحول "أن النبي صلى الله عليه وسلم هجن الهجين يوم خيبر وعرب العراب، فجعل للعربي سهمين وللهجين سهما" ، وهذا منقطع، ويؤيده ما روى الشافعي في "الأم" وسعيد بن منصور من طريق علي بن الأقمر قال: "أغارت الخيل فأدركت العراب وتأخرت البراذن، فقام ابن المنذر الوادعي فقال: لا أجعل ما أدرك كمن لم يدرك، فبلغ ذلك عمر فقال: هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به، أمضوها على ما قال. فكان أول من أسهم للبراذين دون سهام العراب" وفي ذلك يقول شاعرهم:
ومنا الذي قد سن في الخيل سنة ... وكانت سواء قبل ذاك سهامها
وهذا منقطع أيضا، وقد أخذ أحمد بمقتضى حديث مكحول في المشهور عنه كالجماعة، وعنه إن بلغت البراذين مبالغ العربية سوى بينهما وإلا فضلت العربية، واختارها الجوزجاني وغيره. وعن الليث: يسهم للبرذون والهجين

(6/67)


دون سهم الفرس. قوله: "ولا يسهم لأكثر من فرس " هو بقية كلام مالك وهو قول الجمهور. وقال الليث وأبو يوسف وأحمد وإسحاق: يسهم لفرسين لا لأكثر، وفي ذلك حديث أخرجه الدار قطني بإسناد ضعيف عن أبي عمرة قال: "أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرسي أربعة أسهم ولي سهما، فأخذت خمسة أسهم" قال القرطبي: ولم يقل أحد إنه يسهم لأكثر من فرسين إلا ما روي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت، ولصاحبه سهما أي غير سهمي الفرس. قوله: "عن عبيد الله" هو ابن عمر العمري. قوله: "جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما" أي غير سهمي الفرس فيصير للفارس ثلاثة أسهم، وسيأتي في غزوة خيبر أن نافعا فسره كذلك ولفظه: "إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن معه فرس فله سهم" ولأبي داود عن أحمد عن أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر بلفظ "أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه" وبهذا التفسير يتبين أن لا وهم فيما رواه أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر فيما أخرجه الدار قطني بلفظ: "أسهم للفارس سهمين" قال الدار قطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري: وهم فيه الرمادي وشيخه. قلت: لا، لأن المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به، وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال: "للفرس" وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن ابن أبي شيبة، وكأن الرمادي رواه بالمعنى. وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معا بلفظ: "أسهم للفرس" وعلى هذا التأويل أيضا يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي أخرجه الدار قطني وقد رواه علي ابن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ: "أسهم للفرس" وتمسك بظاهر هذه الرواية بعض من احتج لأبي حنيفة في قوله: إن للفرس سهما واحدا ولراكبه سهم آخر، فيكون للفارس سهمان فقط، ولا حجة فيه لما ذكرنا. واحتج له أيضا بما أخرجه أبو داود من حديث مجمع بن جارية بالجيم والتحتانية في حديث طويل في قصة خيبر قال: "فأعطى للفارس سهمين وللراجل سهما، وفي إسناده ضعف؛ ولو ثبت يحمل على ما تقدم لأنه يحتمل الأمرين، والجمع بين الروايتين أولى، ولا سيما والأسانيد الأولى أثبت ومع رواتها زيادة علم، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود من حديث أبي عمرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين ولكل إنسان سهما فكان للفارس ثلاثة أسهم" وللنسائي من حديث الزبير "أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له أربعة أسهم سهمين لفرسه وسهما له وسهما لقرابته" ، قال محمد بن سحنون: انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار، ونقل عنه أنه قال: أكره أن أفضل بهيمة على مسلم، وهي شبهة ضعيفة لأن السهام في الحقيقة كلها للرجل. قلت: لو لم يثبت الخبر لكانت الشبهة قوية لأن المراد المفاضلة بين الراجل والفارس فلولا الفرس ما ازداد الفارس سهمين عن الراجل، فمن جعل للفارس سهمين فقد سوى بين الفرس وبين الرجل، وقد تعقب هذا أيضا لأن الأصل عدم المساواة بين البهيمة والإنسان، فلما خرج هذا عن الأصل بالمساواة فلتكن المفاضلة كذلك، وقد فضل الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الأحكام فقالوا: لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها، فإن قتل عبدا مسلما لم يؤد فيه إلا دون عشرة آلاف درهم. والحق أن الاعتماد في ذلك على الخبر، ولم ينفرد أبو حنيفة بما قال فقد جاء عن عمر وعلي وأبي موسى، لكن الثابت عن عمر وعلي كالجمهور من حيث المعنى بأن الفرس يحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها، وبأنه يحصل بها من الغني في الحرب مالا يخفى، واستدل به على أن المشرك إذا حضر الوقعة

(6/68)


وقاتل مع المسلمين يسهم له، وبه قال بعض التابعين كالشعبي، ولا حجة فيه إذ لم يرد هنا صيغة عموم، واستدل للجمهور بحديث: "لم تحل الغنائم لأحد قبلنا" وسيأتي في مكانه. وفي الحديث حض على اكتساب الخيل واتخاذها للغزو لما فيها من البركة وإعلاء الكلمة وإعظام الشوكة كما قال تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} واختلف فيمن خرج إلى الغزو ومعه فرس فمات قبل حضور القتال، فقال مالك: يستحق سهم الفرس. وقال الشافعي والباقون: لا يسهم له إلا إذا حضر القتال، فلو مات الفرس في الحرب استحق صاحبه وإن مات صاحبه استمر استحقاقه وهو للورثة. وعن الأوزاعي فيمن وصل إلى موضع القتال فباع فرسه: يسهم له، لكن يستحق البائع مما غنموا قبل العقد والمشترى مما بعده، وما اشتبه قسم. وقال غيره: يوقف حتى يصطلحا. وعن أبي حنيفة: من دخل أرض العدو راجلا لا يقسم له إلا سهم راجل ولو اشترى فرسا وقاتل عليه. واختلف في غزاة البحر إذا كان معهم خيل، فقال الأوزاعي والشافعي: يسهم له. "تكميل": هذا الحديث يذكره الأصوليون في مسائل القياس في مسألة الإيماء، أي إذا اقترن الحكم بوصف لولا أن ذلك الوصف للتعليل لم يقع الاقتران، فلما جاء سياق واحد أنه صلى الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين وللراجل سهما دل على افتراق الحكم.

(6/69)


52 - باب مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْحَرْبِ
2864- حدثنا قتيبة حدثنا سهل بن يوسف عن شعبة عن أبي إسحاق "قال رجلٌ للبراء بن عازب رضي الله عنه: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ قال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرَّ، إن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفر، فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".
[الحديث 2864 – أطرافه في: 2874، 2930، 3042، 4315، 4316، 4317]
قوله: "باب من قاد دابة غيره في الحرب" ذكر فيه حديث البراء بن عازب "أن هوازن كانوا قوما رماة" الحديث، والغرض منه قوله فيه: "وأبو سفيان - وهو ابن الحارث بن عبد المطلب - أخذ بلجامها" وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة حنين من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى.

(6/69)


باب الركاب و الغرز للدابة
...
53 - باب الرِّكَابِ وَالْغَرْزِ للدَّابَّةِ
2865- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ".
قوله: "باب الركاب والغرز للدابة" قيل الركاب يكون من الحديد والخشب، والغرز لا يكون إلا من الجلد، وقيل هما مترادفان، أو الغرز للجمل والركاب للفرس. وذكر فيه حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل رجله في الغرز أهلَّ" الحديث، وهو ظاهر فيما ترجم له من الغرز، وأما الركاب فألحقه به لأنه في معناه. وقال ابن

(6/69)


54- باب رُكُوبِ الْفَرَسِ الْعُرْيِ
2866- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "اسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ".
قوله: "باب ركوب الفرس العري" بضم المهملة وسكون الراء، أي ليس عليه سرج ولا أداة، ولا يقال في الآدميين إنما يقال عريان قاله ابن فارس، قال: وهي من النوادر انتهى. وحكى ابن التين أنه ضبط في الحديث بكسر الراء وتشديد التحتانية، وليس في كتب اللغة ما يساعده. ذكر فيه حديث أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبلهم على فرس عري ما عليه سرج في عنقه سيف" وهو طرف من الحديث الذي تقدم في أنه استعار فرسا لأبي طلحة، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أخرى عن حماد بن زيد وفي أوله "فزع أهل المدينة ليلة، فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس بغير سرج" وفي رواية له "وهو على فرس لأبي طلحة" وقد سبق في "باب الشجاعة في الحرب" في حديث أوله "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس" بعض هذا الحديث، وقد سبق شرحه في الهبة، وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والفروسية البالغة فإن الركوب المذكور لا يفعله إلا من أحكم الركوب وأدمن على الفروسية، وفيه تعليق السيف في العنق إذا احتاج إلى ذلك حيث يكون أعون له، وفي الحديث ما يشير إلى أنه ينبغي للفارس أن يتعاهد الفروسية ويروض طباعه عليها لئلا يفجأه شدة فيكون قد استعد لها.

(6/70)


55 - باب الْفَرَسِ الْقَطُوفِ
2867- حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مَرَّةً فَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ كَانَ يَقْطِفُ أَوْ كَانَ فِيهِ قِطَافٌ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ وَجَدْنَا فَرَسَكُمْ هَذَا بَحْرًا فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يُجَارَى".
قوله: "باب الفرس القطوف" أي البطيء المشي، قال أبو زيد وغيره: قطفت الدابة تقطف قطافا وقطوفا، والقطوف من الدواب المقارب الخطو وقيل الضيق المشي. وقال الثعالبي: إن مشي وثبا فهو قطوف، وإن كان يرفع يديه ويقوم على رجليه فهو سبوت، وإن التوى براكبه فهو قموص، وإن منع ظهره فهو شموس. ذكر فيه حديث أنس "أن أهل المدينة فزعوا مرة فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة كان يقطف" الحديث، وقوله: "يقطف" بكسر الطاء وبضمها وقد سبق شرحه في الهبة، وقوله: "أو كان فيه قطاف" شك من الراوي، وسيأتي في "باب السرعة والركض" من طريق محمد بن سيرين عن أنس بلفظ: "فركب فرسا لأبي طلحة بطيئا". وقوله: "لا يجارى" بضم أوله زاد في نسخة الصغاني "قال أبو عبد الله أي لا يسابق" لأنه لا يسبق في الجري، وفيه بركة النبي صلى الله عليه وسلم لكونه ركب ما كان بطيئا فصار سابقا، وسيأتي في رواية محمد بن سيرين المذكورة "فما سبق بعد ذلك اليوم".

(6/70)


56 - باب السَّبْقِ بَيْنَ الْخَيْلِ
2868- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "أَجْرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضُمِّرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ سُفْيَانُ بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ وَبَيْنَ ثَنِيَّةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ
قوله: "باب السبق بين الخيل" أي مشروعية ذلك والسبق بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر وهو المراد هنا، وبالتحريك الرهن الذي يوضع لذلك.

(6/71)


57 - باب إِضْمَارِ الْخَيْلِ لِلسَّبْقِ
2869- حدثنا أحمد بن يونس حدثنا الليث عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي لم تضمر، وكان أمدها من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان سابق بها" . قال أبو عبد الله: أمدا: غاية. {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} [19 الحديد].
ثم قال: "باب إضمار الخيل للسبق" إشارة إلى أن السنة في المسابقة أن يتقدم إضمار الخيل وإن كانت التي لا تضمر لا تمتنع المسابقة عليها.

(6/71)


58 - باب غَايَةِ السَّبْقِ لِلْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ
2870- حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا معاوية حدثنا أبو إسحاق عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد ضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع. فقلت لموسى: فكم كان بين ذلك؟ قال: ستة أميال أو سبعة. وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها مسجد بني زريق. قلت: فكم بين ذلك؟ قال: ميل أو نحوه. وكان ابن عمر ممن سابق فيها".
ثم قال: "باب غاية السباق للخيل المضمرة" أي بيان ذلك وبيان غاية التي لم تضمر، وذكر في الأبواب الثلاثة حديث ابن عمر في ذلك. وقوله في الطريق الأولى "من الحفياء" بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ومد: مكان خارج المدينة من جهة(1) ويجوز القصر، وحكى الحازمي تقديم الياء التحتانية على الفاء وحكى عياض ضم أوله وخطأه، وقوله فيها " أجرى " قال في التي تليها "سابق" وهو بمعناه. وقال فيها "قال ابن عمر وكنت فيمن
ـــــــ
(1) بياض في الأصل. ولعله: "من جهة سافلتها" كما في مادة "النقيع" من معجم ما استعجم، للبكري.

(6/71)


باب ناقة النبي صلى الله عليه و سلم
...
59 - باب نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا خَلاَتْ الْقَصْوَاءُ.
2871- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "كَانَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهَا الْعَضْبَاءُ".
[الحديث 2871 – طرفه في: 2872]
2872- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ لاَ تُسْبَقُ قَالَ حُمَيْدٌ أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ. فَقَالَ: "حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ".
طَوَّلَهُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: "باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم" كذا أفرد للناقة في الترجمة إشارة إلى أن العضباء والقصواء واحدة. قوله: "وقال ابن عمر: أردف النبي صلى الله عليه وسلم أسامة على القصواء" هو طرف من حديث وصله المصنف في الحج، وقد تقدم شرحه في حجة الوداع. قوله: "وقال المسور: ما خلأت القصواء" هو طرف من الحديث الطويل الماضي مع شرحه في كتاب الشروط وفيه ضبط القصواء. قوله: "حدثنا معاوية" هو ابن عمرو الأزدي وأبو إسحاق هو الفزاري. قوله: "طوله موسى عن حماد عن ثابت عن أنس" أي رواه مطولا، وهذا التعليق وقع في رواية المستملي وحده هنا، وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي وحماد هو ابن سلمة، ووقع في رواية من عدا الهروي بعد سياق رواية زهير، وقد وصله أبو داود عن موسى بن إسماعيل المذكور وليس سياقه بأطول من سياق زهير بن معاوية عن حميد، نعم هو أطول من سياق أبي إسحاق الفزاري فتترجح رواية المستملي، وكأنه اعتمد رواية أبي إسحاق لما

(6/73)


وقع فيها من التصريح بسماع حميد من أنس، وأشار إلى أنه روى مطولا من طريق ثابت ثم وجده من رواية حميد أيضا مطولا فأخرجه والله أعلم. قوله: "لا تسبق، قال حميد أو لا تكاد تسبق" شك منه، وهو موصول بالإسناد المذكور، وفي بقية الروايات بغير شك، وقوله: "أن لا يرتفع شيء من الدنيا" وفي رواية موسى بن إسماعيل "أن لا يرفع شيئا" وكذا للمصنف في الرقاق، وكذا قال النفيلي عن زهير عند أبي داود. وفي رواية شعبة عند النسائي: "أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا" وقوله: "فجاء أعرابي فسبقها" في رواية ابن المبارك وغيره عن حميد عند أبي نعيم "فسابقها فسبقها". وفي رواية شعبة "سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي"، ولم أقف على اسم هذا الأعرابي بعد التتبع الشديد. قوله: "على قعود" بفتح القاف ما استحق الركوب من الإبل، قال الجوهري هو البكر حتى يركب وأقل ذلك أن يكون ابن سنتين إلى أن يدخل السادسة فيسمى جملا. وقال الأزهري: لا يقال إلا للذكر، ولا يقال للأنثى قعودة وإنما يقال لها قلوص، قال: وقد حكى الكسائي في "النوادر" قعودة للقلوص وكلام الأكثر على خلافه. وقال الخليل: القعودة من الإبل ما يقعده الراعي لحمل متاعه، والهاء فيه للمبالغة. قوله: "حتى عرفه" أي عرف أثر المشقة. وفي رواية المصنف في الرقاق "فلما رأى ما في وجوههم وقالوا سبقت العضباء"، الحديث. والعضباء بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة ومد هي المقطوعة الأذن أو المشقوقة. وقال ابن فارس: كان ذلك لقبا لها لقوله تسمى العضباء. ولقوله: "يقال لها العضباء" ولو كانت تلك صفتها لم يحتج لذلك. وقال الزمخشري: العضباء منقول من قولهم ناقة عضباء أي قصيرة اليد، واختلف هل العضباء هي القصواء أو غيرها، فجزم الحربي بالأول وقال: تسمى العضباء والقصواء والجدعاء، وروى ذلك ابن سعد عن الواقدي. وقال غيره بالثاني وقال: الجدعاء كانت شهباء وكان لا يحمله عند نزول الوحي غيرها، وذكر له عدة نوق غير هذه تتبعها من اعتنى بجمع السيرة. وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها، وفيه التزهيد في الدنيا للإشارة إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع. وفيه الحث على التواضع. وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وعظمته في صدور أصحابه.

(6/74)


60- بابُ الغَزو عَلى الحمير
قوله: "باب الغزو على الحمير" كذا في رواية المستملى وحده بغير النسفي هذه الترجمة للتي بعدها فقال: "باب الغزو على الحمير، وبغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء" ولم يتعرض لذلك أحد من الشراح وهو مشكل على الحالين، لكن في رواية المستملى أسهل لأنه يحمل على أنه وضع الترجمة وأخلى بياضا للحديث اللائق بها فاستمر ذلك، وكأنه أراد أن يكتب طريقا لحديث معاذ: "كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير". وقد تقدم قريبا في باب "اسم الفرس والحمار". وكونه كان راكبه يحتمل أن يكون في الحضر وفي السفر فيحصل مقصود الترجمة على طريقة من لا يفرق بين المطلق والعام والله أعلم. وأما رواية النسفي فليس في حديثي الباب إلا ذكر البغلة خاصة. ويمكن أن يكون أخلى آخر الباب بياضا كما قلنا في رواية المستملى، أو يؤخذ حكم الحمار من البغلة. وقد أخرج عبد بن حميد من حديث أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم خيبر على حمار مخطوم بحبل من ليف" . وفي سنده مقال.

(6/74)


باب بغلة النبي صلى الله عليه و سلم البيضاء ، قاله أنس
...
61 - باب بَغْلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ، قَالَهُ أَنَسٌ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ

(6/74)


62 - باب جِهَادِ النِّسَاءِ
2875- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا
2876- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ

(6/75)


طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ نِسَاؤُهُ عَنْ الْجِهَادِ فَقَالَ: "نِعْمَ الْجِهَادُ الْحَجُّ".
قوله: "باب جهاد النساء" ذكر فيه حديث عائشة "جهادكن الحج"، وقد تقدم في أول الجهاد، ومضى شرحه في كتاب الحج وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه النسائي بلفظ: "جهاد الكبير - أي العاجز الضعيف - والمرأة الجج والعمرة". قوله فيه "وقال عبد الله بن الوليد" هو العدني، وروايته موصولة في "جامع سفيان" وقوله في الطريق الأخرى "وعن حبيب بن أبي عمرة" هو موصول من رواية قبيصة المذكورة والحاصل أن عنده فيه عن سفيان إسنادين، وقد وصله الإسماعيلي من طريق هناد بن السري عن قبيصة كذلك وقال ابن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء، ولكن ليس في قوله: "جهادكن الحج" أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد. قلت: وقد لمح البخاري بذلك في إيراده الترجمة مجملة وتعقيبها بالتراجم المصرحة بخروج النساء إلى الجهاد.

(6/76)


63 - باب غَزْوِ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ
2877، 2878- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا ثُمَّ ضَحِكَ فَقَالَتْ لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الأَخْضَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ أَوْ مِمَّ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَتْ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أَنْتِ مِنْ الأَوَّلِينَ وَلَسْتِ مِنْ الْآخِرِينَ قَالَ قَالَ أَنَسٌ فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ فَلَمَّا قَفَلَتْ رَكِبَتْ دَابَّتَهَا فَوَقَصَتْ بِهَا فَسَقَطَتْ عَنْهَا فَمَاتَتْ".
قوله: "باب غزو المرأة في البحر" ذكر فيه حديث أنس في قصة أم حرام، وقد تقدم قريبا في "باب فضل من يصرع في سبيل الله" ويأتي شرحه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وقوله في آخره: "قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت" ظاهره أنها تزوجته بعد هذه المقالة، ووقع في رواية إسحاق عن أنس في أول الجهاد بلفظ: "وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم". وظاهره أنها كانت حينئذ زوجته، فإما أن يحمل على أنها كانت زوجته ثم طلقها ثم راجعها بعد ذلك وهذا جواب ابن التين، وإما أن يجعل قوله في رواية إسحاق "وكانت تحت عبادة" جملة معترضة أراد الراوي وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال، وظهر من رواية غيره أنه إنما تزوجها بعد ذلك وهذا الثاني أولى لموافقة محمد بن يحيى بن حبان عن أنس على أن عبادة تزوجها بعد ذلك كما سيأتي بعد اثني عشر بابا وقوله في آخره: "فركبت البحر مع بنت قرظة" هي زوج معاوية واسمها فاختة وقيل كنود، وكانت تحت عتبة ابن سهل قبل معاوية ويحتمل أن يكون معاوية تزوج الأختين واحدة بعد أخرى، وهذه

(6/76)


رواية ابن وهب في موطآته عن ابن لهيعة عمن سمع، قال: ومعاوية أول من ركب البحر للغزاة، وذلك في خلافة عثمان وأبوها قرظة بفتح القاف والراء والظاء المعجمة هو ابن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف، وهي قرشية نوفلية، وظن بعض الشراح أنها بنت قرظة بن كعب الأنصاري فوهم، والذي قلته صرح به خليفة بن خياط في تاريخه وزاد أن ذلك كان سنة ثمان وعشرين، والبلاذري في تاريخه أيضا وذكر أن قرظة بن عبد عمرو مات كافرا فيكون لها هي رؤية، وكذا لأخيها مسلم بن قرظة الذي قتل يوم الجمل مع عائشة. "تنبيهان" يتعلقان بهذا الإسناد: أحدهما: وقع في هذا الإسناد "حدثنا أبو إسحاق هو الفزاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري" هكذا هو في جميع الروايات ليس بينهما أحد وزعم أبو مسعود في "الأطراف" أنه سقط بينهما "زائدة بن قدامة" وأقره المزي على ذلك وقواه بأن المسيب بن واضح رواه عن أبي إسحاق الفزاري عن زائدة عن أبي طوالة، وقد قال أبو علي الجياني: تأملته في "السير لأبي إسحاق الفزاري" فلم أجد فيها زائدة، ثم ساقه من طريق عبد الملك بن حبيب عنه عن أبي طوالة ليس بينهما زائدة، ورواية المسيب بن واضح خطأ، وهو ضعيف لا يقتضي بزيادته على خطأ ما وقع في الصحيح، ولا سيما وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن معاوية بن عمرو شيخ شيخ البخاري فيه كما أخرجه البخاري سواء ليس فيه زائدة، وسبب الوهم من أبي مسعود أن معاوية بن عمرو رواه أيضا عن زائدة عن أبي طوالة، فظن أبو مسعود أنه عند معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن زائدة، وليس كذلك بل هو عنده عن أبي إسحاق وزائدة معا، جمعهما تارة وفرقهما أخرى، أخرجه أحمد عنه عاطفا لروايته عن أبي إسحاق على روايته عن زائدة، وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن معاوية بن عمرو عن زائدة وحده به، وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن جعفر الصائغ عن معاوية فوضحت صحة ما وقع في الصحيح ولله الحمد. ثانيهما: هذا الحديث، رواه عن أنس إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن يحيى بن حبان وأبو طوالة، فقال إسحاق في روايته عن أنس "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام" وقال أبو طوالة في روايته: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنت ملحان" وكلاهما ظاهر في أنه من مسند أنس، وأما محمد بن يحيى فقال: "عن أنس عن خالته أم حرام"، وهو ظاهر في أنه من مسند أم حرام وهو المعتد، وكأن أنسا لم يحضر ذلك فحمله عن خالته، وقد حدث به عن أم حرام عمير بن الأسود أيضا كما سيأتي بعد أبواب، وقد أحال المزي برواية أبي طوالة في مسند أنس على مسند أم حرام ولم يفعل ذلك في رواية إسحاق بن أبي طلحة فأوهم خلاف الواقع الذي حررته، والله الهادي.

(6/77)


64 - باب حَمْلِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي الْغَزْوِ دُونَ بَعْضِ نِسَائِهِ
2879- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ الْحَدِيثِ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ يَخْرُجُ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلَ أنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ".

(6/77)


قوله: "باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه" ذكر فيه طرفا من حديث عائشة في قصة الإفك وهو ظاهر فيما ترجم له. وسيأتي شرح حديث الإفك تاما في التفسير، وفيه التصريح بأن حمل عائشة معه كان بعد القرعة بين نسائه.

(6/78)


باب غزو النساء و قتالهن مع الرجال
...
65 - باب غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ
2880- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ وَقَالَ غَيْرُهُ تَنْقُلاَنِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلاَنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ".
[الحديث 2880 – أطرافه في: 2902، 3811، 4064]
قوله: "باب عزو النساء وقتالهن مع الرجال" وقع في هذه الترجمة حديث الربيع بنت معوذ، وسيأتي بعد باب وفي حديث أم عطية الذي مضى في الحيض وفي حديث ابن عباس عند مسلم: "كان يغزو بهن فيداوين الجرحى" الحديث. ووقع في حديث آخر مرسل أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: "كان النساء يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد ويسقين المقاتلة ويداوين الجرحى" ولأبى داود من طريق حشرج بن زياد عن جدته أنهن خرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين وفيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهن عن ذلك فقلن: خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ونداوي الجرحى ونناول السهام ونسقى السويق" ، ولم أر في شيء من ذلك التصريح بأنهن قاتلن، ولأجل ذلك قال ابن المنير: بوب على قتالهن وليس هو في الحديث، فإما أن يريد أن إعانتهن للغزاة غزو وإما أن يريد أنهن ما ثبتن لسقى الجرحى ونحو ذلك ألا وهن بصدد أن يدافعن عن أنفسهن، وهو الغالب انتهى وقد وقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس "أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين فقالت: اتخذته إن دنا منى أحد من المشركين بقرت به بطنه" ويحتمل أن يكون غرض البخاري بالترجمة أن يبين أنهن لا يقاتلن وإن خرجن في الغزو، فالتقدير بقوله: "وقتالهن مع الرجال" أي هل هو سائغ، أو إذا خرجن مع الرجال في الغزر ويقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك؟ ثم ذكر المصنف حديث أنس "لما كان يوم أحد انهزم الناس" الحديث، والغرض منه قوله فيه: "ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان" وقد أخرجه في المغازي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وقوله: "خدم سوقهما" بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وهي الخلاخيل، وهذه كانت قبل الحجاب، ويحتمل أنها كانت عن غير قصد للنظر، وقوله: "تنقزان" بضم القاف بعدها زاي، و"القرب" بكسر القاف وبالموحدة جمع قربة، وقوله: "وقال غيره تنقلان القرب" يعني باللام دون الزاي وهي رواية جعفر بن مهران عن عبد الوارث أخرجها الإسماعيلي، وقوله: "تنقزان" قال الداودي: معناه تسرعان المشي كالهرولة. وقال عياض: قيل معنى تنقزان تثبان، والنقز: الوثب والقفز، كناية عن سرعة السير، وضبطوا القرب بالنصب وهو مشكل على هذا التأويل بخلاف رواية تنقلان، قال: وكان بعض الشيوخ يقرؤه برفع القرب على أن الجملة حال، وقد خرج رواية النصب على نزع الخافض كأنه قال تثبان بالقرب، قال: وضبطه بعضهم تنقزان بضم أوله

(6/78)


أي تحركان القرب لشدة عدوهما، وتصح على هذا رواية النصب وقال الخطابي: أحسب الرواية، "تزفران" بدل تنقزان، والزفر حمل القرب الثقال كما في الحديث الذي بعده.

(6/79)


66 - باب حَمْلِ النِّسَاءِ الْقِرَبَ إِلَى النَّاسِ فِي الْغَزْوِ
2881- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ "إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ فَقَالَ عُمَرُ أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "عُمَرُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ". قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ تَزْفِرُ تَخِيطُ.
[الحديث 2881 – طرفه في: 4071]
قوله: "باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو" أي جواز ذلك. قوله: "قال ثعلبة بن أبي مالك" في رواية بن وهب عن يونس عند أبي نعيم في "المستخرج" عن ثعلبة القرظي بضم القاف وفتح الراء بعدها معجمة مختلف في صحبته. قال ابن معين: له رواية. وقال ابن سعد قدم أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من بني قريظة فعرف بهم وحالف الأنصار. قلت: وكانت اليهودية قد فشت في اليمين فلذلك صاهرهم أبو مالك، وكأنه قتل في بني قريظة فقد ذكر مصعب الزبيري أن ثعلبة ممن لم يكن أثبت قوله فترك، وكان ثعلبة إمام قومه، وله حديث مرفوع عند ابن ماجة، لكن جزم أبو حاتم بأنه مرسل، وقد صرح الزهري عنه بالإخبار في حديث آخر سيأتي في "باب لواء النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: "فقال له بعض من عنده" لم أقف على اسمه. قوله: "يريدون أم كلثوم" كان عمر قد تزوج أم كلثوم بنت علي وأمها فاطمة ولهذا قالوا لها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد ولدت في حياته وهي أصغر بنات فاطمة عليها السلام. قوله: "أم سليط" كذا فيه بفتح المهملة وكسر اللام وزن رغيف، ولم أر لها في كتب من صنف في الصحابة ذكرا إلا في الاستيعاب فذكرها مختصرة بالذي هنا، وقد ذكرها ابن سعد في طبقات النساء وقال: هي أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة من بني مازن، تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة عمرو بن قيس من بني عدى بن النجار فولدت له سليطا وفاطمة، يعني فلذلك يقال لها أم سليط، وذكر أنها شهدت خيبر وحنينا، وغفل عن ذكر شهودها أحدا وهو ثابت بهذا الحديث، وذكر في ترجمة أم عمارة الأنصارية شبيها بهذه القصة من وجه آخر عن عمر لكن فيه: "فقال بعضهم أعطه صفية بنت أبي عبيد زوت عبد الله بن عمر" وقال فيه أيضا: "لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني" فهذا يشعر بأن القصة تعددت. قوله: "تزفر" بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء أي تحمل وزنا ومعنى. قوله: "قال أبو عبد الله: تزفر تخيط" كذا في رواية المستملي وحده، وتعقب بأن ذلك لا يعرف في اللغة وإنما الزفر الحمل وهو بوزنه ومعناه، قال الخليل: "زفر بالحمل زفرا نهض به" والزفر أيضا القربة نفسها وقيل إذا كانت مملوءة ماء، ويقال للإماء إذا حملن الترب زوافر، والزفر أيضا البحر الفياض، وقيل: الزافر: الذي يعين في حمل القربة. قلت: وقع

(6/79)


عند أبي نعيم في "المستخرج" بعد أن أخرجه من طريق عبد الله بن وهب عن يونس قال عبد الله تزفر تحمل. وقال أبو صالح كاتب الليث: تزفر تخرز. قلت: فلعل هذا مستند البخاري في تفسيره، وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في غزوة أحد إن شاء الله تعالى.

(6/80)


67 - باب مُدَاوَاةِ النِّسَاءِ الْجَرْحَى فِي الْغَزْوِ
2882- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْقِي وَنُدَاوِي الْجَرْحَى وَنَرُدُّ الْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ "
[الحديث 2882 – طرفاه في: 2883، 5679]

(6/80)


باب رد النساء الجرحى و القتلى
...
68 - باب رَدِّ النِّسَاءِ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى
2883- حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت: "كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة".
قوله: "باب مداواة النساء الجرحى" أى من الرجال وغيرهم "في الغزو".
ثم قال بعده: "باب رد النساء الجرحى والقتلى" كذا للأكثر، وزاد الكشميهيني: "إلى المدينة". قوله: "عن الربيع" بالتشديد، وأبوها معوذ بالتشديد أيضا والذال المعجمة لها ولأبيها صحبة. قوله: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي" كذا أورده في الأول مختصرا، وأورده في الذي بعده وسياقه أتم وأوفى بالمقصود، وزاد الإسماعيلي من طريق أخرى خالد بن ذكوان "ولا نقاتل" وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة. قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس، ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم. وقال الأوزاعي: تدفن كما هي. قال ابن المنير: الفرق بين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.

(6/80)


69 - باب نَزْعِ السَّهْمِ مِنْ الْبَدَنِ
2884- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ انْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ".
[الحديث 2884 – طرفاه في: 4323، 6382]

(6/80)


70 - باب الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
2885- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهِرَ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَيْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلاَحٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ جِئْتُ لِأَحْرُسَكَ وَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 2885- طرفه في: 7231]
2886- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ.
[الحديث 2886 – طرفاه في: 2887، 6435]
2887- وَزَادَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ".
قال أبو عبد الله: لم يرفعْه إسرائيل ومحمَّد بن جُحادة عن أبي حصَين. وَقَالَ: "تَعْسًا" فكَأَنَّهُ يَقُولُ: فَأَتْعَسَهُمْ اللَّهُ. "طُوبَى" فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ، وَهِيَ يَاءٌ حُوِّلَتْ إِلَى الْوَاوِ، وَهِيَ مِنْ يَطِيبُ.
قوله: "باب الحراسة في الغزو في سبيل الله" أى بيان ما فيها من الفضل. وذكر فيه حديثين: أحدهما: عن عائشة. قوله: "أخبرنا يحيى بن سعيد" هو الأنصاري، وعبد الله بن عامر بن ربيعة هو العنزي له رؤية ولأبيه صحبة.

(6/81)


قوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم سهر، فلما قدم المدينة قال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة" هكذا في هذه الرواية ولم يبين زمان السهر، وظاهره أن السهر كان قبل القدوم والقول بعده، وقد أخرجه مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد وقال فيه: "سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال" فذكره، وظاهره أن السهر والقول مها كانا بعد القدوم، وقد أخرجه النسائي من طريق أبي إسحاق الفزاري عن يحيى بن سعيد بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يسهر من الليل" وليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا كان سعد أيضا ممن سبق، وقد أخرجه أحد عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد بلفظ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه، قالت فقلت: ما شأنك يا رسول الله" الحديث وقد روى الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}" وإسناده حسن واختلف في وصله وإرساله. قوله: "جئت لأحرسك" في رواية الليث المذكورة " فقال وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: "فنام النبي صلى الله عليه وسلم" زاد المصنف في التمني من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد "حتى سمعنا غطيطه" وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو، وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا، وإنما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك، وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا اشتد البأس كان أمام الكل وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن وقد قال إبراهيم عليه السلام "ولكن ليطمئن قلبي" وقال عليه الصلاة والسلام "اعقلها وتوكل" قال ابن بطال: نسخ ذلك كما دل عليه حديث عائشة؛ وقال القرطبي: ليس في الآية ما ينافي الحراسة كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره ما يمنع الأمر بالقتال وإعداد العدد، وعلى هذا فالمراد العصمة من الفتنة والإضلال أو إزهاق الروح والله أعلم. قوله: "وزاد لنا عمرو" ابن مرزوق هكذا، وعمرو هو من شيوخ البخاري وقد صرح بسماعه منه في مواضع أخرى، وجميع الإسناد سواء مدنيون، وفيه تابعيان عبد الله بن دينار وأبو صالح، والمراد بالزيادة قوله في آخره: "تعس وانتكس إلخ " وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي مسلم الكجي وغيره عن عمرو بن مرزوق وسيأتي مزيدا لهذا في التمني إن شاء الله تعالى. قوله: "تعس عبد الدينار" الحديث سيأتي بهذا الإسناد والمتن في كتاب الرقاق ونذكر شرحه هناك إن شاء الله تعالى، والغرض منه هنا قوله في الطريق الثانية "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه" الحديث لقوله: "إن كان في الحراسة كان في الحراسة". قوله: "تعس" بفتح أوله وكسر المهملة ويجوز فتحها وهو ضد سعد، تقول تعس فلان أي شقي. وقيل: معنى التعس الكب على الوجه، قال الخليل: التعس أن يعثر فلا يفيق من عثرته. وقيل: التعس الشر. وقيل: البعد. وقيل: الهلاك. وقيل: التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه. وقيل: تعس أخطأ حجته وبغيته. وقوله: "وانتكس" بالمهملة أي عاوده المرض، وقيل إذا سقط اشتغل بسقطته حتى يسقط أخرى وحكى عياض أن بعضهم رواه "انتكش" بالمعجمة وفسره بالرجوع، وجعله دعاء له لا عليه، والأول أولى. قوله: "وإذا شيك فلا انتقش" شيك: بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها كاف، وانتقش: بالقاف والمعجمة، والمعنى إذا أصابته الشوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش، تقول نقشت الشوك إذا استخرجته وذكر ابن قتيبة أن بعضهم رواه بالعين المهملة بدل القاف، ومعناه صحيح لكن مع ذكر الشوكة

(6/82)


تقوى رواية القاف ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي "وإذا شيت" بمثناة فوقانية بدل الكاف وهو تغيير فاحش، وفي الدعاء بذلك إشارة إلى عكس مقصوده لأن من عثر فدخلت في رجله الشوكة فلم يجد من يخرجها يصير عاجزا عن الحركة والسعي في تحصيل الدنيا وفي قوله: "طوبى لعبد إلخ " إشارة إلى الحض على العمل بما يحصل به خير الدنيا والآخرة. قوله: "أشعث" صفة لعبد وهو مجرور بالفتحة لعدم الصرف و "رأسه " بالرفع الفاعل، قال الطيبي "أشعث رأسه مغبرة قدماه" حالان من قوله: "لعبد" لأنه موصوف وقال الكرماني: يجوز الرفع ولم يوجهه وقال غيره: ويجوز في أشعث الرفع على أنه صفة رأس، أي رأسه أشعث، وكذا قوله: "مغبرة قدماه". قوله: "إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة" هذا من المواضع التي اتحد فيها الشرط والجزاء لفظا لكن المعنى مختلف، والتقدير إن كان المهم في الحراسة كان فيها، وقيل معنى "فهو في الحراسة" أي فهو في ثواب الحراسة، وقيل هو للتعظيم أي إن كان في الحراسة فهو في أمر عظيم، والمراد منه لازمه أي فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلا بخويصة عمله وقال ابن الجوزي: المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو، فإن أنفق له السير سار؛ فكأنه قال: إن كان في الحراسة استمر فيها، وإن كان في الساقة استمر فيها. قوله: "إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع" فيه ترك حب الرياسة والشهرة وفضل الخمول والتواضع، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. قوله: "فتعسا كأنه يقول فأتعسهم الله" وقع هذا في رواية المستملي، وهي على عادة البخاري في شرح اللفظة التي توافق ما في القرآن بتفسيرها، وهكذا قال أهل التفسير في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ} . قوله: "طوبى" فعلى من كل شيء طيب وهي ياء حولت إلى الواو وهو من يطيب" كذا في رواية المستملي أيضا والقول فيه كالقول في الذي قبله. وقال غيره: المراد الدعاء له بالجنة، لأن طوبى أشهر شجرها وأطيبه، فدعا له أن ينالها، ودخول الجنة ملزوم نيلها. "تكميل": ورد في فضل الحراسة عدة أحاديث ليست على شرط البخاري، منها حديث عثمان مرفوعا: "حرس ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها" أخرجه ابن ماجة والحاكم، وحديث سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا: "من حرس وراء المسلمين متطوعا لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم" أخرجه أحمد، وحديث أبي ريحانه مرفوع "حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله" أخرجه النسائي، ونحوه للترمذي عن ابن عباس، وللطبراني من حديث معاوية بن حيدة، ولأبي يعلى من حديث أنس وإسنادها حسن وللحاكم عن أبي هريرة نحوه.

(6/83)


71 - باب فَضْلِ الْخِدْمَةِ فِي الْغَزْوِ
2888- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "صَحِبْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَكَانَ يَخْدُمُنِي وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ جَرِيرٌ إِنِّي رَأَيْتُ الأَنْصَارَ يَصْنَعُونَ شَيْئًا لاَ أَجِدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ أَكْرَمْتُهُ".
2889- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ

(6/83)


أَخْدُمُهُ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ" قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا".
2831- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُنَا ظِلًّا الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ".
قوله: "باب الخدمة في الغزو" أي فضلها، سواء كانت من صغير لكبير أو عكسه أو مع المساواة، وأحاديث الباب الثلاثة يؤخذ منها حكم هذه الأقسام، وثلاثتها عن أنس. قوله: "حدثنا محمد بن عرعرة" بمهملتين، وقد ذكر الطبراني في "الأوسط" أنه تفرد به عن شعبة، وهو من كبار شيوخ البخاري ممن روى عنه الباقون بواسطة. قوله: "صحبت جرير بن عبد الله" في رواية مسلم عن نصر بن على عن محمد بن عرعرة "خرج مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر". قوله: "فكان يخدمني وهو أكبر من أنس" فيه التفات أو تجريد، لأنه قال: "من أنس" ولم يقل مني. وفي رواية مسلم عن محمد بن المثنى عن ابن عرعرة "وكان جرير أكبر من أنس" ولعل هذه الجملة من قول ثابت، وزاد مسلم عن نصر بن علي "فقلت لا تفعل". قوله: "يصنعون شيئا" في رواية نصر "يصنعون برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا" أي من التعظيم وأبهم ذلك مبالغة في تكثير ذلك. قوله: "لا أجد أحدا منهم إلا أكرمته" في رواية نصر "آليت - أي حلفت - أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته" وفي رواية للإسماعيلي من وجه آخر عن ابن عرعرة "لا أزال أحب الأنصار" وفي هذا الحديث فضل الأنصار وفضل جرير وتواضعه ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها المصنف في غير مظنتها، وأليق المواضع بها المناقب. حديث أنس أيضا: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه" وسيأتي بأتم من هذا السياق بعد بابين. حديث أنس أيضا: وعاصم هو ابن سليمان، ومورق بتشديد الراء المكسورة، وهما تابعيان في نسق والإسناد كله بصريون. قوله: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم" زاد مسلم من وجه آخر عن عاصم "في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال فنزلنا منزلا في يوم حار". قوله: "أكثرنا ظلا من يستظل بكسائه" في رواية مسلم: "وأكثرنا ظلا صاحب الكساء" وزاد: "ومنا من يتقي الشمس بيده". قوله: "فأما الذين صاموا فلم يصنعوا شيئا" في رواية مسلم "فسقط الصوام" أي عجزوا عن العمل. قوله: "وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب" أي أثاروا الإبل لخدمتها وسقيها وعلفها. وفي رواية مسلم: "فضربوا الأخبية وسقوا الركاب". قوله: "بالأجر" أي الوافر، وليس المراد نقص أجر الصوام بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام، فلذلك قال: "بالأجر كله" لوجود الصفات المقتضية لتحصيل الأجر منهم، قال ابن أبي صفرة: فيه أن أجر الخدمة في الغزو أعظم من أجر الصيام. قلت: وليس ذلك على العموم وفيه الحض على المعاونة في الجهاد، وعلى أن الفطر في السفر أولى من الصيام وأن الصيام في السفر جائز خلافا لمن قال لا ينعقد وليس في الحديث بيان كونه

(6/84)


إذ ذاك كان صوم فرض أو تطوع وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها المصنف أيضا في غير مظنها لكونه لم يذكره في الصيام واقتصر على إيراده هنا والله أعلم.

(6/85)


72 - باب فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتَاعَ صَاحِبِهِ فِي السَّفَرِ
2891- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ".
قوله: "باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر" ذكر فيه حديث أبي هريرة، وهو ظاهر فيما ترجم له، لأنه يتناول حالة السفر من هذا الإطلاق بطريق الأولى، والسلامي تقدم تفسيره في الصلح في بعض الكلام عليه، ويأتي بقيته بعد خمسين بابا في "باب من أخذ بالركاب". وقوله: "حدثنا إسحاق بن نصر" هو ابن إبراهيم بن نصر نسب لجده السعدي وهو بالمهملة الساكنة وفتح أوله وقيل بالضم والمعجمة، وقوله: "كل يوم" منصوب على الظرفية. وقوله: "يعين" يأتي توجيه وقوله: "يحامله" أي يساعده في الركوب، وفي الحمل على الدابة قال ابن بطال: وبين في الرواية الآتية في "باب من أخذ بالركاب" أن المراد من أعان صاحب الدابة عليها حيث قال: "ويعين الرجل على دابته" قال: وإذا أجر من فعل ذلك بدابة غيره فإذا حمل غيره على دابة نفسه احتسابا كان أعظم أجرا. وقوله: "دل الطريق" بفتح الدال أي بيانه لمن احتاج إليه، وهو بمعنى الدلالة.

(6/85)


73 - باب فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجلَّ [20 أل عمران]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
2892- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا".
قوله: "باب فضل رباط يوم في سبيل الله، وقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} الآية" الرباط بكسر الراء وبالموحدة الخفيفة ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم، قال ابن التين: بشرط أن يكون غير الوطن، قاله ابن حبيب عن مالك. قلت: وفيه نظر في إطلاقه فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو، ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور، فبين المرابطة والحراسة عموم وخصوص وجهي، واستدلال المصنف بالآية اختيار لأشهر التفاسير، فعن الحسن البصري وقتادة " اصبروا" على طاعة الله {وَصَابِرُوا} أعداء الله في الجهاد {وَرَابِطُوا} في سبيل الله. وعن محمد بن

(6/85)


74 - باب مَنْ غَزَا بِصَبِيٍّ لِلْخِدْمَةِ
2893- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ الْتَمِسْ غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي وَأَنَا غُلاَمٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ثُمَّ قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ

(6/86)


رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ نَظَرَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا بِمِثْلِ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ".
قوله: "باب من غزا بصبي للخدمة" يشير إلى أن الصبي لا يخاطب بالجهاد ولكن يجوز الخروج به بطريق التبعية ويعقوب المذكور في الإسناد هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني وعمرو هو ابن أبي عمرو مولى المطلب، وسأذكر معظم شرحه في غزوة خيبر من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وقد اشتمل على عدة من أحاديث الاستعاذة ويأتي شرحها في الدعوات، وقصة صفية بنت حيي والبناء بها ويأتي شرح ذلك في النكاح، وقوله صلى الله عليه وسلم لأحد "هذا جبل يحبنا ونحبه" وقوله عن المدينة "اللهم إني أحرم ما بين لابتيها" وقد تقدم شرحه في أواخر الحج، وقد تقدم من أصل الحديث شيء يتعلق بستر العورة في كتاب الصلاة لكن ذلك القدر ليس في هذه الرواية، والغرض من الحديث هنا صدره، وقد استشكل من حيث أن ظاهره أن ابتداء خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم من أول ما قدم المدينة لأنه صح عنه أنه قال: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين" وفي رواية: "عشر سنين" وخيبر كانت سنة سبع فيلزم أن يكون إنما خدمه أربع سنين قاله الداودي وغيره، وأجيب بأن معنى قوله لأبي طلحة "التمس لي غلاما من غلمانكم " تعيين من يخرج معه في تلك السفرة فعين له أبو طلحة أنسا، فينحط الالتماس على الاستئذان في المسافرة به لا في أصل الخدمة فإنها كانت متقدمة فيجمع بين الحديثين بذلك وفي الحديث جواز استخدام اليتيم بغير أجرة لأن ذلك لم يقع ذكره في هذا الحديث، وحل الصبيان في الغزو كذا قاله بعض الشراح وتبعوه، وفيه نظر لان أنسا حينئذ كان قد زاد على خمسة عشر لأن خيبر كانت سنة سبع من الهجرة وكان عمره عند الهجرة ثمان سنين، ولا يلزم من عدم ذكر الأجرة عدم وقوعها. قوله: "هذا جبل يحبنا ونحبه" قيل هو على الحقيقة ولا مانع من وقوع مثل ذلك بأن يخلق الله المحبة في بعض الجمادات، وقيل هو على المجاز والمراد أهل أحد، على حد قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وقال الشاعر:
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا

(6/87)


75 - باب رُكُوبِ الْبَحْرِ
2894، 2895- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرَامٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا فِي بَيْتِهَا فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ قَالَ عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتِ مِنْهُمْ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَيَقُولُ أَنْتِ مِنْ الأَوَّلِينَ فَتَزَوَّجَ بِهَا عُبَادَةُ

(6/87)


بْنُ الصَّامِتِ فَخَرَجَ بِهَا إِلَى الْغَزْوِ فَلَمَّا رَجَعَتْ قُرِّبَتْ دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا".
قوله: "باب ركوب البحر" كذا أطلق الترجمة، وخصوص إيراده في أبواب الجهاد يشير إلى تخصيصه بالغزو، وقد اختلف السلف في جواز ركوبه، وتقدم في أوائل البيوع قول مطر الوراق: ما ذكره الله إلا بحق، واحتج بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وفي حديث زهير بن عبد الله يرفعه: "من ركب البحر إذا ارتج فقد برئت منه الذمة" وفي رواية: "فلا يلومن إلا نفسه" أخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" وزهير مختلف في صحبته، وقد أخرج البخاري حديثه في تاريخه فقال في روايته: "عن زهير عن رجل من الصحابة" وإسناده حسن وفيه تقييد المنع بالارتجاج، ومفهومه الجواز عند عدمه، وهو المشهور من أقوال العلماء، فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء ومنهم من فرق بين الرجل والمرأة وهو عن مالك، فمنعه للمرأة مطلقا، وهذا الحديث حجة للجمهور، وقد تقدم قريبا أن أول من ركبه للغزو معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان، وذكر مالك أن عمر كان يمنع الناس من ركوب البحر حتى كان عثمان فما زال معاوية يستأذنه حتى أذن له. قوله: "عن يحيى" هو ابن سعيد الأنصاري وقد سبق الحديث قريبا وأن شرحه سيأتي في كتاب الاستئذان.

(6/88)


باب من استعان بالضعفاء و الصالحين في الحرب
...
76 - باب مَنْ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْبِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ "قَالَ لِي قَيْصَرُ سَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ ضُعَفَاءَهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ".
2896- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ".
2897- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَأْتِي زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنْ النَّاسِ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ صَاحِبَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ".
[الحديث 2897 – طرفاه في: 3594، 3649]
قوله: "باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب" أي ببركتهم ودعائهم. قوله: "وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان" أي ابن حرب فذكر طرفا من الحديث الطويل وقد تقدم موصولا في بدء الوحي، والغرض منه قوله في الضعفاء "وهم أتباع الرسل" وطريق الاحتجاج به حكاية ابن عباس ذلك وتقريره له ثم ذكر في الباب حديثين. قوله: "حدثنا محمد بن طلحة" أي أبو مصرف. وقوله: "عن طلحة" أي ابن مصرف وهو والد محمد بن طلحة الراوي عنه، و"مصعب بن سعد" أي ابن أبي وقاص، و قوله: "رأى سعد" أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه ثم أن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعبا يدرك زمان هذا القول، لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه، وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي فأخرجه من طريق معاذ بن هانئ

(6/88)


حدثنا محمد بن طلحة فقال فيه: "عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر المرفوع دون ما في أوله، وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه: "أنه ظن أن له فضلا على من دونه" الحديث، ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ولفظه: "ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين" أخرجه أبو نعيم في ترجمته في "الحلية" من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن عمرو بن مرة وقال: غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام. قوله: "رأى" أي ظن وهي رواية النسائي. قوله: "على من دونه" زاد النسائي: "من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي بسبب شجاعته ونحو ذلك. قوله: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" في رواية النسائي: "إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم، بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم" وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد والنسائي بلفظ: "إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم" قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا. وقال المهلب: أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفى الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة، وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال: "قال سعد يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره؟" فذكر الحديث، وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن سهام القاتلة سواء فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه، وبهذا يظهر السر في تعقب المصنف له بحديث أبي سعيد الثاني. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار، وجابر هو ابن عبد الله، وروايته عن أبي سعيد من رواية الأقران. قوله: "يغزو فئام" بكسر الفاء ويجوز فتحها وبهمزة على التحتانية ويجوز تسهيلها أي جماعة، وسيأتي شرحه في علامات النبوة وفضائل الصحابة، قال ابن بطال: هو كقوله في الحديث الأخر "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" لأنه يفتح للصحابة لفضلهم ثم للتابعين لفضلهم لتابعهم لفضلهم، قال ولذلك كان الصلاح والفضل والنصر للطبقة الرابعة أقل فكيف بمن بعدهم والله المستعان.

(6/89)


77 - باب لاَ يَقُولُ فُلاَنٌ شَهِيدٌ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ".
2898- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقَالَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى

(6/89)


سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
[الحديث 2898 – أطرافه في: 4202، 4207، 6493، 6607]
قوله: "باب لا يقال فلان شهيد" أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: "تقولون في مغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدا، ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد" وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء بفتح المهملة وسكون الجيم ثم فاء عن عمر، وله شاهد في حديث مرفوع أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن الصلت عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعدون الشهيد؟ قالوا: من أصابه السلاح، قال: كم من أصابه السلاح وليس بشهيد ولا حميد، وكم من مات على فراشه حتف أنفه عند الله صديق وشهيد" وفي إسناده نظر، فإنه من رواية عبد الله بن خبيق بالمعجمة والموحدة والقاف مصغر عن يوسف بن أسباط الزاهد المشهور، وعلى هذا فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد، بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال. قوله: "قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم بمن يكلم في سبيله" أى يجرح، وهذا طرف من حديث تقدم في أوائل الجهاد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة باللفظ الأول، ومن طريق الأعرج عنه باللفظ الثاني، ووجه أخذ الترجمة منه يظهر من حديث أبي موسى الماضي "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" ولا يطلع على ذلك إلا بالوحي، فمن ثبت أنه في سبيل الله أعطى حكم الشهادة، فقوله: "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" أي فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله، فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله. حديث سهل بن سعد في قصة الذي بالغ في القتال حتى قال المسلمون: ما أجزأ أحد ما أجزأ، ثم كان آخر أمره أن قتل نفسه، وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي حيث ذكره المصنف، ووجه أخذ الترجمة منه أنهم شهدوا رجحانه في أمر الجهاد، فلو كان قتل لم يمتنع أن يشهدوا له بالشهادة، وقد ظهر منه أنه لم يقاتل لله وإنما قاتل غضبا لقومه، فلا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد لاحتمال أن يكون مثل هذا، وإن كان مع ذلك يعطى حكم الشهداء في الأحكام الظاهرة، ولذلك أطبق السلف على تسمية المقتولين في بدر وأحد وغيرهما شهداء، والمراد بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب والله أعلم. وروي سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك قال: لا يخرج معنا إلا مقوى فخرج رجل على بكر ضعيف فوقص فمات، فقال الناس: الشهيد الشهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال ناد إن الجنة لا يدخلها عاص" وفيه إشارة إلى أن الشهيد لا يدخل النار لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنه من أهل النار" ولم يتبين منه إلا

(6/90)


قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر، لكن يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على كفره في الباطن أو أنه استحل قتل نفسه وقد يتعجب من المهلب حيث قال: إن حديث الباب ضد ما ترجم به البخاري لأنه قال: "لا يقال فلان شهيد" والحديث فيه ضد الشهادة، وكأنه لم يتأمل مراد البخاري، وهو ظاهر كما قررته بحمد الله تعالى.

(6/91)


78 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [60 الأنفال]: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}
2899- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ قَالُوا كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ".
[الحديث 2899 – طرفاه في: 3373، 3507]
2900- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ صَفَفَنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ".
[الحديث 2900 – طرفاه في: 3984، 3985]
قوله: "باب التحريض على الرمي وقول الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الآية" لمح بما جاء في تفسير القوه في هذه الآية أنها الرمي، وهو عند مسلم من حديث عقبة بن عامر ولفظه: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ألا إن القوة الرمي ثلاثا" ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر رفعه: "أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله فارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا" الحديث، وفيه: "ومن ترك الرمي بعد علمه رغبة عنه فإنه نعمة كفرها" ولمسلم من وجه آخر عن عقبة رفعه: "من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصى" ورواه ابن ماجه بلفظ: "فقد عصاني" قال القرطبي: إنما فسر القوة بالرمي وإن كانت القوة تظهر بأعداد غيره من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة، لأنه قد يرمي رأس الكتيبة فيصاب فيهزم من خلفه وذكر المصنف في الباب حديثين. أحدهما: حديث سلمة بن الأكوع قوله: "مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم" أي من بني أسلم القبيلة المشهورة، وهي بلفظ أفعل التفضيل من السلامة. قوله: "ينتضلون" بالضاد المعجمة أى يترامون، والتناضل الترامي للسبق، وفضل فلان فلانا إذا غلبه. قوله: "وأنا مع بني فلان" في حديث أبي هريرة في نحو هذه القصة عند ابن حبان والبزار "وأنا مع ابن الأذرع" انتهى، واسم ابن الأذرع محجن، وقع ذلك من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي في هذا الحديث عند الطبراني قال فيه: "وأنا مع محجن بن الأذرع" ومثله في مرسل عروة أخرجه السراج عن قتيبة عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه، وهو صحابي معروف له حديث آخر في الأدب المفرد للبخاري وفي أبي داود والنسائي وابن خزيمة، وقيل اسم ابن الأذرع سلمة حكاه ابن منده قال: والأدرع

(6/91)


لقب واسمه ذكوان والله أعلم. قوله: "قالوا كيف نرمي وأنت معهم" اسم قائل ذلك منهم نضلة الأسلمي ذكره ابن إسحاق في المغازي عن سفيان بن فروة الأسلمي عن أشياخ من قومه من الصحابة قالوا "بينا محجن بن الأذرع يناضل رجلا من أسلم يقال له نضلة"، فذكر الحديث وفيه: "فقال نضلة وألقى قوسه من يده: والله لا أرمي معه وأنت معه". قوله: "وأنا معكم كلكم" بكسر اللام، ووقع في رواية عروة "وأنا مع جماعتكم" والمراد بالمعية معية القصد إلى الخير، ويحتمل أن يكون قام مقام المحلل فيخرج السبق من عنده ولا يخرج كما تقدم، ولا سيما وقد خصه بعضهم بالإمام قال المهلب يستفاد منه أن من صار السلطان عليه في جملة المناضلين له أن لا يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم حيث أمسكوا لكون النبي صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر خشية أن يغلبوهم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب فأمسكوا عن ذلك تأدبا معه انتهى وتعقب بأن المعنى الذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا بل الظاهر أنهم أمسكوا لما استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم معهم وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر وقد وقع في رواية حمزة ابن عمرو عند الطبراني "فقالوا من كنت معه فقد غلب" وكذا في رواية ابن إسحاق "فقال نضلة: لا نغلب من كنت معه" واستدل بهذا الحديث على أن اليمن من بني إسماعيل، وفيه نظر لما سيأتي في مناقب قريش من أنه استدلال بالأخص على الأعم وفيه أن الجد الأعلى يسمى أبا، وفيه التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وتطييب قلوب من هم دونه وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة، والعمل بمثلها وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم. حديث أبي أسيد بضم الهمزة، ووقع في رواية السرخسي وحده بفتحها، وهو خطأ وقوله: "إذا أكثبوكم" ، كذا في نسخ البخاري بمثلثة ثم موحدة، والكثب بفتحتين القرب، فالمعنى إذا دنوا منكم وقد استشكل بأن الذي يليق بالدنو المطاعنة بالرمح والمضاربة بالسيف، وأما الذي يليق برمي النبل فالبعد، وزعم الداودي أن معنى أكثبوكم كاثروكم، قال: وذلك أن النبل إذا رمى في الجمع لم يخطئ غالبا ففيه ردع لهم، وقد تعقب هذا التفسير بأنه لا يعرف، وتفسير الكثب بالكثرة غريب، والأول هو المعتمد وقد بينته رواية أبي داود حيث زاد في آخره: "واستبقوا نبلكم" وفي رواية له " ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم" فظهر أن معنى الحديث الأمر بترك الرمي والقتال حتى يقربوا لأنهم إذا رموهم على بعد قد لا تصل إليهم وتذهب في غير منفعة، وإلى ذلك الإشارة بقوله: "واستبقوا نبلكم" وعرف بقوله: "ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم" أن المراد بالقرب المطلوب في الرمي قرب نسبى بما بحيث تنالهم السهام لأقرب قريب بحيث يلتحمون معهم، والنبل بفتح النون وسكون الموحدة جمع نبلة ويجمع أيضا على نبال وهي السهام العربية اللطاف. "تنبيه": وقع في إسناد هذا الحديث اختلاف سأبينه إن شاء الله تعالى في غزوة بدر.

(6/92)


79 - باب اللَّهْوِ بِالْحِرَابِ وَنَحْوِهَا
2901- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ دَخَلَ عُمَرُ فَأَهْوَى إِلَى الْحَصَى فَحَصَبَهُمْ

(6/92)


بِهَا فَقَالَ: "دَعْهُمْ يَا عُمَرُ " وَزَادَ عَلِيٌّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ " فِي الْمَسْجِدِ".
قوله: "باب اللهو بالحراب ونحوها" أي من آلات الحرب، وكأنه يشير بقوله ونحوها إلى ما روى أبو داود والنسائي وصححه ابن جبان من حديث عقبة بن عامر مرفوعا: "ليس من اللهو - أي مشروع أو مطلوب - إلا تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله" . حديث أبي هريرة "بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث، ولم يقع في هذه الرواية ذكر الحراب وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما تقدم بيانه في "باب أصحاب الحراب في المسجد" من كتاب الصلاة وذكرنا فوائده هناك، وفي كتاب العيدين. قال ابن التين يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم أنه رآهم، أو ظن أنه رآهم واستحيا أن يمنعهم، وهذا أولى لقوله في الحديث: "وهم يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم". قلت: وهذا لا يمنع الاحتمال المذكور أولا، ويحتمل أن يكون إنكاره لهذا شبيه إنكاره على المغنيتين، وكان من شدته في الدين ينكر خلاف الأولى، والجد في الجملة أولى من اللعب المباح. وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان بصدد بيان الجواز. وقوله: "زاد علي حدثنا عبد الرزاق، وقع في رواية الكشميهني: "زادنا على".

(6/93)


80 - باب الْمِجَنِّ وَمَنْ يَتَّرِسُ بِتُرْسِ صَاحِبِهِ
2902- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتُرْسٍ وَاحِدٍ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ فَكَانَ إِذَا رَمَى تَشَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ".
2903- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: "لَمَّا كُسِرَتْ بَيْضَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِهِ وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَكَانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي الْمِجَنِّ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُهُ فَلَمَّا رَأَتْ الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِهِ فَرَقَأَ الدَّمُ".
2904- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
[الحديث 2904 – أطرافه في: 3094، 4033، 4885، 5357، 5358، 6728، 7305]
2905- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ ح حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا

(6/93)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي".
[الحديث 2905 – أطرافه في: 4058، 4059، 6184]
قوله: "باب المجن" في رواية ابن شبوية "الترسة" جمع ترس، والمجن بكسر الميم وفتح الجيم وتثقيل النون أي الدرقة، قال ابن المنير: وجه هذه التراجم دفع من يتخيل أن اتخاذه هذه الآلات ينافي التوكل، والحق أن الحذر لا يرد القدر، ولكن يضيق مسالك الوسوسة لما طبع عليه البشر. قوله: "ومن يترس بترس صاحبه" أي فلا بأس به، ثم ذكر فيه أربعة أحاديث. حديث أنس "كان أبو طلحة يترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد" الحديث، أورده مختصرا من هذا الوجه، وسيأتي بأتم من هذا السياق في المناقب في غزوة أحد، قيل إن الرامي يحتاج إلى من يستره لشغله يديه جميعا بالرمي، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يترسه بترسه. حديث سهل وهو ابن سعده "لما كسرت بيضة النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه" الحديث، والغرض منه قوله: "وكان على يختلف بالماء في المجن" وقد تقدمت له طريق أخرى قريبا، ويأتي الكلام عليه في غزوة أحد إن شاء الله تعالى. حديث عمر "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله" الحديث، ذكر منه طرفا، وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب فرض الخمس وفي الفرائض، والغرض منه قوله هنا "ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة، لأن المجن من جملة آلات السلاح" كما روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن ابن عمر "أنه كانت عنده درقة فقال: لولا أن عمر قال لي: احبس سلاحك لأعطيت هذه الدرقة لبعض أولادي". حديث عليّ في قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص "ارم فداك أبي وأمي" وسيأتي شرحه مستوفي في المناقب وفي غزوة أحد. وقوله فيه: "حدثنا قبيصة" هو ابن عقبة، وسفيان هو الثوري. وزعم أبو نعيم في "المستخرج" أن لفظ قبيصة هنا تصحيف ممن دون البخاري وأن الصواب حدثنا قتيبة، وعلى هذا فسفيان هو ابن عيينة لأن قتيبة لم يسمع من الثوري، لكن لا أعرف لإنكاره معنى إذ لا مانع أن يكون عند السفيانين، وقد أخرجه المصنف في الأدب من طريق يحيى القطان عن سفيان الثوري، ووقع في رواية النسفي هنا عن مسدد عن يحيى أيضا، ودخول هذا الحديث هنا غير ظاهر لأنه لا يوافق واحدا من ركني الترجمة، وقد أثبت ابن شبويه في روايته قبله لفظ: "باب" بغير ترجمة. وله مناسبة بالترجمة التي قبله من جهة أن الرامي لا يستغنى عن شيء يقي به عن نفسه سهام من يراميه، وفي حديث على جواز التفدية، وسيأتي بسط ذلك بأدلته وبيان ما يعارضه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى.

(6/94)


81 - باب الدَّرَقِ
2906- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا".
2907- قَالَتْ وَكَانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا

(6/94)


قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَيَقُولُ دُونَكُمْ بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: حَسْبُكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَاذْهَبِي. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ أَحْمَدُ: عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فَلَمَّا غَفَلَ".
قوله: "باب الدرق" جمع درقة أي جواز اتخاذ ذلك أو مشروعيته. قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس كما جزم به المزي في "الأطراف" وأغفل ذلك في "التهذيب" وهذا الحديث قد تقدم في أول العيدين عن أحمد عن ابن وهب، وبينت هناك الاختلاف في أبيه، وهو المراد بقوله في هذا الباب: "قال أحمد" يعني عن ابن وهب بهذا السند، وقوله فيه: "فقال دعهما، فلما غفل غمزتها فخرجتا" في رواية أبي ذر "عمد" بدل "غفل" وكذا في رواية أبي زيد المروزي، قال عياض: ورواية الأكثر هي الوجه.

(6/95)


82 - باب الْحَمَائِلِ وَتَعْلِيقِ السَّيْفِ بِالْعُنُقِ
2908- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا ثُمَّ قَالَ وَجَدْنَاهُ بَحْرًا أَوْ قَالَ إِنَّهُ لَبَحْرٌ".
قوله: "باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق" الحمائل بالمهملة جمع حميلة وهي ما يقلد به السيف. حديث أنس وقد تقدم في "باب الفرس العرى" و"باب الشجاعة في الحرب" وسياقه هنا أتم، وسبق شرحه في الهبة، والغرض منه هنا قوله: "وفي عنقه السيف" فدل على جواز ذلك. وقوله: "لم تراعوا" وقع في رواية الحموي والكشميهني مرتين. قال ابن المنير: مقصود المصنف من هذه التراجم أن يبين زي السلف في آلة الحرب وما سبق استعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أطيب للنفس وأنفى للبدعة.

(6/95)


83 - باب مَا جَاءَ فِي حِلْيَةِ السُّيُوفِ
2909- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: "لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمْ الذَّهَبَ وَلاَ الْفِضَّةَ إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيَتُهُمْ الْعَلاَبِيَّ وَالْآنُكَ وَالْحَدِيدَ".
قوله: "باب ما جاء في حلية السيوف" أي من الجواز وعدمه. قوله: "سمعت سليمان بن حبيب" هو المحاربي قاضي دمشق في زمن عمر بن عبد العزيز وغيره ومات سنة عشرين أو بعدها، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث. قوله: "لقد فتح الفتوح قوم" وقع عند ابن ماجه لتحديث أبي أمامة بذلك سبب وهو " دخلنا على أبي أمامة فرأى في سيوفنا شيئا من حلية فضة، فغضب وقال: "فذكره، وزاد الإسماعيلي في روايته أنه دخل عليه بحمص وزاد فيه: "لأنتم أبخل من أهل الجاهلية، إن الله يرزق الرجل منكم الدرهم ينفقه في سبيل الله بسبعمائة ثم أنتم

(6/95)


باب من علق سيفه بالشجر فب السفر عند القائلة
...
84 - باب مَنْ عَلَّقَ سَيْفَهُ بِالشَّجَرِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ
2910- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي فَقُلْتُ اللَّهُ ثَلاَثًا وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ".
[الحديث 2910 – أطرافه في: 2913، 4134، 4135، 4136]
قوله: "باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة" ذكر فيه حديث جابر في قصة الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم. والغرض منه قوله: "فنزل تحت شجرة فعلق بها سيفه" وسيأتي شرحه في كتاب المغازي.

(6/96)


85 - باب لُبْسِ الْبَيْضَةِ
2911- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ

(6/96)


باب من لم يكسر السلاح عند الموت
...
86 - باب مَنْ لَمْ يَرَ كَسْرَ السِّلاَحِ عِنْدَ الْمَوْتِ
2912- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَةً بَيْضَاءَ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً".
قوله: "باب من لم ير كسر السلاح وعقر الدواب عند الموت" كأنه يشير إلى رد ما كان عليه أهل الجاهلية من كسر السلاح وعقر الدواب إذا مات الرئيس فيهم، وربما كان يعهد بذلك لهم قال ابن المنير: وفي ذلك إشارة إلى انقطاع عمل الجاهلي الذي كان يعمله لغير الله وبطلان آثاره وخمول ذكره، بخلاف سنة المسلمين في جميع ذلك انتهى ولعل المصنف لمح بذلك إلى من نقل عنه أنه كسر رمحه عند الاصطدام حتى لا يغنمه العدو أن لو قتل وكسر جفن سيفه وضرب بسيفه حتى قتل كما جاء نحو ذلك عن جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة، فأشار إلى أن هذا شيء فعله جعفر وغيره عن اجتهاد، والأصل عدم جواز إتلاف المال، لأنه يفعل شيئا محققا في أمر غير محقق. وذكر فيه حديث عمرو بن الحارث الخزاعي "ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم - أي عند موته - إلا سلاحه" الحديث وقد تقدم في الوصايا، وسيأتي شرحه في المغازي. وزعم الكرماني أن مناسبته للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم مات وعليه دين ولم يبع فيه شيئا من سلاحه ولو كان رهن درعه. وعلى هذا فالمراد بكسر السلاح بيعه. ولا يخفى بعده.

(6/97)


باب تفرق الناس عن الإمام عند القائبة و الاستظلا ل بالشجر
...
87 - باب تَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْ الإِمَامِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ وَالِاسْتِظْلاَلِ بِالشَّجَرِ
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ وَأَبُو سَلَمَةَ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ ح وحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ بِهِ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي فَقَالَ: فمَنْ يَمْنَعُكَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ. فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ".
قوله: "باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر" ذكر فيه حديث جابر الماضي قبل بابين

(6/97)


88 - باب مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ. وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي"
2914- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى بَعْضٌ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: "إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ".
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ".
قوله: "باب ما قيل في الرماح" أي في اتخاذها واستعمالها أي من الفضل. قوله: "ويذكر عن ابن عمر إلخ" هو طرف من حديث أخرجه أحمد من طريق أبي منيب - بضم الميم وكسر النون ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة - الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة عن ابن عمر بلفظ: "بعثت بين يدي الساعة مع السيف، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم" وأخرج أبو داود منه قوله: "من تشبه بقوم فهو منهم" حسب من هذا الوجه، وأبو منيب لا يعرف اسمه وفي الإسناد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف في توثيقه، وله شاهد مرسل بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتمامه، وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح، وإلى حل الغنائم لهذه الأمة وإلى أن رزق النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها لا في غيرها من المكاسب، ولهذا قال بعض العلماء أنها أفضل المكاسب، والمراد بالصغار وهو بفتح المهملة وبالمعجمة بذل الجزية. وفي قوله: "تحت ظل رمحي" إشارة إلى أن ظله ممدود إلى أبد الآباد، والحكمة في الاقتصار على ذكر الرمح دون غيره من آلات الحرب كالسيف أن عادتهم جرت بجعل الرايات في أطراف الرمح، فلما كان ظل الرمح أسبغ كان نسبة الرزق إليه أليق وقد تعرض في الحديث الآخر لظل السيف كما سيأتي قريبا من قوله صلى الله عليه وسلم:

(6/98)


"الجنة تحت ظلال السيوف" فنسب الرزق إلى ظل الرمح لما ذكرته أن المقصود بذكر الرمح الراية، ونسبت الجنة إلى ظل السيف لأن الشهادة تقع به غالبا ولأن ظل السيف يكثر ظهوره بكثرة حركة السيف في يد المقاتل؛ ولأن ظل السيف لا يظهر إلا بعد الضرب به لأنه قبل ذلك يكون مغمودا معلقا. حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي بإسنادين لمالك، وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج، والغرض منه قوله: "فسألهم رمحه فأبوا".

(6/99)


باب ما قيل في درع النبي صبى الله عليه و سلم و القميص في الحرب
...
89 - باب مَا قِيلَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمِيصِ فِي الْحَرْبِ
وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
2915- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم – وَهُوَ فِي قُبَّةٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}.
وَقَالَ وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ "يَوْمَ بَدْرٍ".
[الحديث 2915 – أطرافه في: 3953، 4875، 4877]
2916- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ" . وَقَالَ يَعْلَى: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ "دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ". وَقَالَ مُعَلًّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ وَقَالَ: "رَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ".
2917- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ اضْطَرَّتْ أَيْدِيَهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا فَكُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ فَسَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلاَ تَتَّسِعُ".
قوله: "باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم" أي من أي شيء كانت؟ وقوله: "والقميص في الحرب" أي حكمه وحكم لبسه. قوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما خالد احتبس أدراعه في سبيل الله" هو طرف من حديث لأبي هريرة تقدم شرحه في كتاب الزكاة، والأدراع جمع درع وهو القميص المتخذ من الزرد، وأشار المصنف بذكر هذا الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كما لبس الدرع فيما ذكره في الباب ذكر الدرع ونسبه إلى بعض الشجعان من الصحابة فدل على مشروعيته وأن لبسها لا ينافي التوكل. ثم ذكر فيه أحاديث: الأول: حديث ابن عباس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، والغرض منه قوله، وهو في الدرع، وقوله فيه: "حدثنا عبد الوهاب" هو ابن عبد المجيد الثقفي، وقوله: "وقال وهيب" يعني ابن

(6/99)


خالد "حدثنا خالد: يوم بدر" يعني أن وهيب بن خالد رواه عن خالد وهو الحذاء شيخ عبد الوهاب فيه عن عكرمة عن ابن عباس فزاد بعد قوله وهو في قبة "يوم بدر" وقد رواه محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الوهاب كذلك كما سيأتي في المغازي، وكذلك قال إسحاق بن راهويه عن عبد الوهاب الثقفي، فلعل محمد ابن المثنى شيخ البخاري لم يحفظها، ورواية وهيب وصلها المؤلف في تفسير سورة القمر، ويأتي بيان ما استشكل من هذا الحديث في غزوة بدر، وهو من مراسيل الصحابة لأن ابن عباس لم يحضر ذلك، وسيأتي ما فيه هناك. حديث عائشة "توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة". قوله: "وقال يعلى حدثنا الأعمش: درع من حديد" يعني أن يعلى وهو ابن عبيد رواه عن الأعمش بالإسناد المذكور فزاد أن الدرع كانت من حديد، وقد وصله المؤلف في السلم كذلك. قوله: "وقال معلى عن عبد الواحد" يعني أن معلى بن أسد رواه عن عبد الواحد بن زياد فقال فيه أيضا: "رهنه درع من حديد" وقد وصله المصنف في الاستقراض، وتقدم الكلام على شرحه مستوفى في كتاب الرهن. ثالثها: حديث أبي هريرة في البخيل المتصدق وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الزكاة، والغرض منه هنا ذكر الجبتين، فإنه روى بالموحدة وهو المناسب لذكر القميص في الترجمة، وروى بالنون وهو المناسب للدرع، وقد تقدم بيان اختلاف الرواة في ذلك هناك والجبة بالموحدة ما قطع من الثياب مشمرا قاله في المطالع، ومحل استشهاده للترجمة - وإن كان الممثل به في المثل لا يشترط وجوده فضلا عن مشروعيته - من جهة أنه مثل بدرع الكريم فتشبيه الكريم المحمود بالدرع يشعر بأن الدرع محمود، وموضع الشاهد منه درع الكريم لا درع البخيل، وكأنه أقام الكريم مقام الشجاع لتلازمهما غالبا وكذلك ضدهما.

(6/100)


90 - باب الْجُبَّةِ فِي السَّفَرِ وَالْحَرْبِ
2918- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمٍ هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ: "انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَقِيتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتُ فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ".
قوله: "باب الجبة في السفر والحرب" ذكر فيه حديث المغيرة في قصة المسح على الخفين. حديث المغيرة في قصة المسح على الخفين وفيه: "وعليه جبة شامية" وفيه: "فذهب يخرج يديه من كميه وكانا ضيقين" وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم الكلام على الحديث مستوفى في "باب المسح على الخفين" من كتاب الطهارة.

(6/100)


91 - باب الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ
2919- حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا خالد حدثنا سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير من حكة كانت بهما".
[الحديث 2919 – أطرافه في: 2920، 2921، 2922، 5839]

(6/100)


92 - باب مَا يُذْكَرُ فِي السِّكِّينِ
2923- حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل من كتف يحتز منها ثم دعي إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ". حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري وزاد "فألقى السكين".
قوله: "باب ما يذكر في السكين" ذكر فيه حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة" الحديث، وفي الطريق الأخرى "فألقى السكين" وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة.

(6/102)


93 - باب مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّومِ
2924- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَهُوَ نَازِلٌ فِي سَاحَةِ حِمْصَ وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ قَالَ عُمَيْرٌ فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا". قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ، ثُمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ. فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لاَ".
قوله: "باب ما قيل في قتال الروم" أي من الفضل واختلفت في الروم فالأكثر أنهم من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم، واسم جدهم قيل روماني وقيل هو ابن ليطا بن يونان بن يافث بن نوح. قوله: "عن خالد بن معدان" بفتح الميم وسكون المهملة، والإسناد كله شاميون، وإسحاق بن يزيد شيخ البخاري فيه هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي نسب لجده. قوله: "عمير بن الأسود العنسي" بالنون والمهملة، وهو شامي قديم يقال اسمه عمرو، وعمير بالتصغير لقبه، وكان عابدا مخضرما، وكان عمر يثنى عليه، ومات في خلافة معاوية، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث عند من يفرق بينه وبين أبي عياض عمرو بن الأسود، والراجح التفرقة وأم حرام بمهملتين تقدم ذكرها في أوائل الجهاد في حديث أنس، وقد حدث عنها أنس هذا الحديث أتم من هذا السياق وأخرج الحسن بن سفيان هذا الحديث في مسنده عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة بسند البخاري وزاد في آخره: "قال هشام رأيت قبرها بالساحل". قوله: "يغزون مدينة قيصر" يعني القسطنطينية، قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر وتعقبه ابن التين وابن المنير بما حاصله: أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا يختلف أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم مغفور لهم مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقا فدل على أن المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم وأما قول ابن التين يحتمل أن

(6/102)


94 - باب قِتَالِ الْيَهُودِ
2925- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِيَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".
[الحديث 2925 – طرفه في: 3593]
2926- حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله".
قوله: "باب قتال اليهود" ذكر فيه حديثي ابن عمر وأبي هريرة في ذلك، وهو إخبار بما يقع في مستقبل الزمان. قوله: "الفروي" بفتح الفاء والراء منسوب إلى جده أبي فروة، وإسحاق هذا غير إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة الضعيف، وهو - أعني إسحاق بن عبد الله - عم والد هذا وإسحاق هذا ربما روى عنه البخاري بواسطة وهذا الحديث مما حدث به مالك خارج الموطأ، ولم ينفرد به إسحاق المذكور بل تابعه ابن وهب ومعن ابن عيسى وسعيد بن داود والوليد بن مسلم أخرجها الدار قطني في "غرائب مالك" وأخرج الإسماعيلي طريق ابن وهب فقط. قوله: "تقاتلون" فيه جواز مخاطبة الشخص والمراد غيره ممن يقول ويعتقد اعتقاده، لأنه من المعلوم أن الوقت الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم لم يأت بعد، وإنما أراد بقوله: "تقاتلون" مخاطبة المسلمين ويستفاد منه أن الخطاب الشفاهي يعم المخاطبين ومن بعدهم، وهو متفق عليه من جهة الحكم وإنما وقع الاختلاف فيه في حكم الغائبين: هل وقع بتلك المخاطبة نفسها، أو بطريق الإلحاق؟ وهذا الحديث يؤيد من ذهب إلى الأول وفيه إشارة إلى بقاء دين الإسلام إلى أن ينزل عيسى عليه السلام، فإنه الذي يقاتل الدجال، ويستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال على ما ورد من طريق أخرى، وسيأتي بيانها مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى.

(6/103)


95 - باب قِتَالِ التُّرْكِ
2927- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ

(6/103)


96 - باب قِتَالِ الَّذِينَ يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ
2929- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ قَالَ سُفْيَانُ وَزَادَ فِيهِ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً صِغَارَ الأَعْيُنِ ذُلْفَ الأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ".
قوله: "باب قتال الذين ينتعلون الشعر" ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور من وجه آخر. قوله: "قال سفيان

(6/104)


وزاد فيه أبو الزناد" هو موصول بالإسناد المذكور، وأخطأ من زعم أنه معلق، وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن عبادة عن سفيان بالإسنادين معا. قوله: "رواية" هو عوض عن قوله: "عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن عباد عن سفيان بلفظ: "عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ووقع في الباب الذي قبله من وجه آخر عن الأعرج بلفظ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وزاد فيه: "حمر الوجوه " ولم يذكر " صغار الأعين " وقوله: "ذلف الأنوف " أي صغارها، والعرب تقول أملح النساء الذلف، وقيل الذلف الاستواء في طرف الأنف، وقيل قصر الأنف وانبطاحه، وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في علامات النبوة إن شاء الله تعالى.

(6/105)


97 - باب مَنْ صَفَّ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ وَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَاسْتَنْصَرَ
2930- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ بِسِلاَحٍ فَأَتَوْا قَوْمًا رُمَاةً جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ".
قوله: "باب من صف أصحابه عند الهزيمة" أي صف من ثبت معه بعد هزيمة من انهزم. وذكر فيه حديث البراء في قصة حنين، وهو ظاهر فيما ترجم له، ووقع في آخره: "ثم صف أصحابه وذلك بعد أن نزل واستنصر" والمراد بقوله: واستنصر أي استنصر الله بعد أن رمى الكفار بالتراب، وسيأتي شرح ذلك مستوفى في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى.

(6/105)


98 - باب الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْهَزِيمَةِ وَالزَّلْزَلَةِ
2931- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَلاَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ".
[الحديث 2931 – أطرافه في: 4111، 4533، 6396]
2932- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِي الْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ".

(6/105)


99 - باب هَلْ يُرْشِدُ الْمُسْلِمُ أَهْلَ الْكِتَابِ أَوْ يُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ؟
2936- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَقَالَ: "فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ".
[الحديث 2936 – طرفه في: 2940]
قوله: "باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب" المراد بالكتاب الأول التوراة والإنجيل، وبالكتاب الثاني ما هو أعم منهما ومن القرآن وغير ذلك. وأورد فيه طرفا من حديث ابن عباس في شأن هرقل، وقد ذكره بعد بابين من وجه آخر عن ابن شهاب بطوله؛ وإسحاق شيخه فيه هو ابن منصور، وهذه الطريق أهملها المزي في الأطراف وإرشادهم منه ظاهر، وأما تعليمهم الكتاب فكأنه استنبطه من كونه كتب إليهم بعض القرآن بالعربية وكأنه سلطهم على تعليمه إذ لا يقرءونه حتى يترجم لهم ولا يترجم لهم حتى يعرف المترجم كيفية استخراجه، وهذه المسألة مما اختلف فيه السلف فمنع مالك من تعليم الكافر القرآن، ورخص أبو حنيفة، واختلف قول الشافعي والذي يظهر أن الراجح التفصيل بين من يرجى منه الرغبة في الدين والدخول فيه مع الأمن منه أن يتسلط بذلك إلى الطعن فيه، وبين من يتحقق أن ذلك لا ينجح فيه أو يظن أنه يتوصل بذلك إلى الطعن في الدين والله أعلم. ويفرق أيضا بين القليل منه والكثير كما تقدم في أوائل كتاب الحيض.

(6/107)


100 - باب الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ
2937- حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: "قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إن دوسا عصت وأبت،

(6/107)


101 - باب دَعْوَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعَلَى مَا يُقَاتَلُونَ عَلَيْهِ
وَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ
2938- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ".
2939- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى حَرَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ".
قوله: "باب دعوة اليهود والنصارى" أي إلى الإسلام، و قوله: "وعلى ما يقاتلون" إشارة إلى أن ما ذكر في الباب الذي بعده عن على حيث قال: "تقاتلوهم يكونوا مثلنا " وفيه أمره صلى الله عليه وسلم له بالنزول بساحتهم ثم دعائهم إلى الإسلام ثم القتال، ووجه أخذه من حديثي الباب أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يتوجه إلى مقاتلهم. قوله: "وما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر" قد ذكر ذلك في الباب مسندا، وقوله والدعوة قبل القتال كأنه يشير إلى حديث ابن عون في إغارة النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق على غرة، وهو متخرج عنده في كتاب الفتن وهو محمول عند من يقول باشتراط الدعاء قبل القتال على أنه بلغتهم الدعوة، وهي مسألة خلافية: فذهب طائفة منهم عمر بن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى الإسلام قبل القتال، وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر قبل انتشار دعوة الإسلام، فإن وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعى، نص عليه الشافعي وقال مالك: من قربت داره قوتل بغير دعوة لاشتهار الإسلام، ومن بعدت داره فالدعوة أقطع للشك وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي أحد كبار التابعين قال: كنا ندعو وندع. قلت: وهو منزل على الحالين

(6/108)


المتقدمين. ثم ذكر في الباب حديثين: أحدهما: حديث أنس في اتخاذ الخاتم، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب اللباس. ثانيهما: حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث كتابه إلى كسرى" وسيأتي شرحه في أواخر المغازي وفيه أن المبعوث به كان عبد الله بن حذافة السهمي، ونذكر هناك ما يتعلق بكسرى وما المراد بعظيم البحرين وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة وأن الكتابة تقوم مقام النطق وفيه إرشاد المسلم إلى الكافر وأن العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل ولهذا مزق كسرى الكتاب ولم يتعرض للرسول.

(6/109)


102 - باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَالنُّبُوَّةِ، وَأَنْ لاَ يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى [79 آل عمران]: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
2940- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلاَمِ وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلاَهُ اللَّهُ فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لِأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
2941- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّأْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تِجَارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّأْمِ فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا قَالَ مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَقُلْتُ هُوَ ابْنُ عَمِّي وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي فَقَالَ قَيْصَرُ أَدْنُوهُ وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لِأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنْ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ قُلْتُ لاَ فَقَالَ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لاَ قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَأَشْرَافُ

(6/109)


النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لاَ قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لاَ وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَلَمْ يُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ لاَ أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي غَيْرُهَا قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ قُلْتُ كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى قَالَ فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ قَالَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ. فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ فَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لاَ يَسْخَطُهُ أَحَدٌ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ يَغْدِرُونَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلًا وَيُدَالُ عَلَيْكُمْ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ قَالَ وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلاَمٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ

(6/110)


الأَرِيسِيِّينَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [64 آل عمران] قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلاَ أَدْرِي مَاذَا قَالُوا وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ يَخَافُهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الإِسْلاَمَ وَأَنَا كَارِهٌ".
2942- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لاَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّه لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ فَقَالَ نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لاَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
[الحديث 2942 – أطرافه في: 3009، 3701، 4210]
2943- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا".
2944- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا ...".
2945- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن حميد عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى خيبر فجاءها ليلا وكان إذا جاء قوما بليل لا يغير عليهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت زفر بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين".
2946- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ

(6/111)


اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قوله: "باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ} الآية" أورد فيه أحاديث. وأما قوله تعالى :{مَا كَانَ لِبَشَرٍ} فالمراد من الآية الإنكار على من قال: {كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} ومثلها قوله تعالى :{يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} الآية، وقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية. حديث ابن عباس في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، وفيه حديث عن أبي سفيان بن حرب وقد تقدم بطوله في بدء الوحي والكلام عليه مستوفى، وهو ظاهر فيما ترجم به، ويأتي شيء من الكلام عليه في تفسير سورة آل عمران إن شاء الله تعالى. حديث سهل بن سعد في إعطاء على الراية يوم خيبر، وسيأتي شرحه في المغازي، والغرض منه قوله: "ثم ادعهم إلى الإسلام". حديث أنس في ترك الإغارة على من سمع منهم الأذان، ذكره من وجهين، وسيأتي وشرحه في غزوة خيبر أيضا، وهو دال على جواز قتال من بلغته الدعوة بغير دعوة، فيجمع بينه وبين حديث سهل الذي قبله بأن الدعوة مستحبة لا شرط، وفيه دلالة على الحكم بالدليل لكونه كف عن القتال بمجرد سماع الأذان، وفيه الأخذ بالأحوط في أمر الدعاء لأنه كف عنهم في تلك الحالة مع احتمال أن لا يكون ذاك على الحقيقة، ووقع هنا "فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيهم" ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم: "فأتيناهم حين بزغت الشمس" ويجمع بأنهم وصلوا أول البلد عند الصبح فنزلوا فصلوا فتوجهوا، وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرسه حينئذ في زقاق خيبر كما في الرواية الأخرى فوصل في آخر الزقاق إلى أول الحصون حين بزغت الشمس. حديث أبي هريرة "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" ، الحديث، وهو ظاهر فيها ترجم له أولا حيث قال: "وعلام تقاتلون" وقد مضى شرحه في كتاب الإيمان في الكلام على حديث ابن عمر، لكن في حديث ابن عمر زيادة إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقد وردت الأحاديث بذلك زائدا بعضها على بعض، ففي حديث أبي هريرة الاقتصار على قول لا إله إلا الله، وفي حديثه من وجه آخر عند مسلم: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا سول الله" وفي حديث ابن عمر ما ذكرت، وفي حديث أنس الماضي في أبواب القبلة "فإذا صلوا واستقبلوا وأكلوا ذبيحتنا" قال الطبري وغيره: أما الأول فقاله في حالة قتاله لأهل الأوثان الذين لا يقرون بالتوحيد، وأما الثاني فقاله في حالة قتال أهل الكتاب الذين يعترفون بالتوحيد ويجحدون نبوته عموما أو خصوصا وأما الثالث ففيه الإشارة إلى أن من دخل في الإسلام وشهد بالتوحيد وبالنبوة ولم يعمل بالطاعات أن حكمهم أن يقاتلوا حتى يذعنوا إلى ذلك، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في أبواب القبلة. قوله: "رواه عمر وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم" أي مثل حديث أبي هريرة، أما رواية عمر فوصلها المؤلف في الزكاة، وأما رواية ابن عمر فوصلها المؤلف في الإيمان

(6/112)


103 - باب مَنْ أَرَادَ غَزْوَةً فَوَرَّى بِغَيْرِهَا وَمَنْ أَحَبَّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ
2947- حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن

(6/112)


عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب رضي الله عنه وكان قائد كعب من بنيه قال: "سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها".
2948- حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدو كثير فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبه عدوهم وأخبرهم بوجهه الذي يريد".
2949- وعن يونس عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك رضي الله عنه كان يقول: "لقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس".
2950- حدثني عبد الله بن محمد حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس".
قوله: "باب من أراد غزوة فورى بغيرها ومن أحب الخروج إلى السفر يوم الخميس" أما الجملة الأولى فمعنى "ورى" ستر وتستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره، وأصله من الوري بفتح ثم سكون وهو ما يجعل وراء الإنسان لأن من ورى بشيء كأنه جعله وراءه، وقيل هو في الحرب أخذ العدو على غرة وقيده السيرافي في شرح سيبويه بالهمزة قال: وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة وكأنهم سهلوها. وأما الخروج يوم الخميس فلعل سببه ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس" وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغر ابن شريط بفتح المعجمة أوله. وكونه صلى الله عليه وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه، وسيأتي بعد باب أنه خرج في بعض أسفاره يوم السبت. ثم أورد المصنف أطرافا من حديث كعب بن مالك الطويل في قصة غزوة تبوك ظاهرة فيما ترجم له، وروى سعيد بن منصور عن مهدي بن ميمون عن واصل مولى أبي عتيبة قال: "بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر أحب أن يخرج يوم الخميس". وقوله في الطريق الثانية "وعن يونس عن الزهري" هو موصول بالإسناد الأول عن عبد الله وهو ابن المبارك عن يونس، ووهم من زعم أن الطريق الثانية معلقة، وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن المبارك عن يونس بالحديثين جميعا بالوجهين، نعم توقف الدار قطني في هذه الرواية التي وقع فيها التصريح بسماع عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك من جده وقد أوضحت ذلك في المقدمة. والحاصل أن رواية الزهري للجملة الأولى هي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وروايته للجملة الثانية المتعلقة بيوم الخميس هي عن عمه عبد الرحمن بن كعب بن مالك،

(6/113)


وقد سمع الزهري منهما جميعا، وحدث يونس عنه بالحديثين مفصلا، وأراد البخاري بذلك دفع الوهم واللبس عمن يظن فيه اختلافا، وسيأتي مزيد بسبط لذلك في المغازي إن شاء الله تعالى.

(6/114)


104 - باب الْخُرُوجِ بَعْدَ الظُّهْرِ
2951- حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرخون بهما جميعا".
قوله: "باب الخروج بعد الظهر" ذكر فيه حديث أنس وقد تقدم في الحج، وكأنه أورده إشارة إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكورها، لا يمنع جواز التصرف في غير وقت البكور، وإنما خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط، وحديث: "بورك لأمتي في بكورها" أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان من حديث صخر الغامدي بالغين المعجمة، وقد اعتنى بعض الحفاظ بجمع طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسا.

(6/114)


105 - باب الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ
وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
2952- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلاَ نُرَى إِلاَّ الْحَجَّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ عَائِشَةُ فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ".
قوله: "باب الخروج آخر الشهر" أي ردا على من كره ذلك من طريق الطيرة، وقد نقل ابن بطال أن أهل الجاهلية كانوا يتحرون أوائل الشهور للأعمال، ويكرهون التصرف في محاق القمر. قوله: "وقال كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس بقين" هو طرف من حديث وصله المصنف في الحج. حديث عمرة عن عائشة في ذلك، وقد مضى الكلام عليهما في كتاب الحج، وفيه استعمال الفصيح في التاريخ وهو ما دام في النصف الأول من الشهر يؤرخ بما خلا، وإذا دخل النصف الثاني يؤرخ بما بقي، وقد استشكل قول ابن عباس وعائشة "أنه خرج لخمس بقين" لأن ذا الحجة كان أوله الخميس للاتفاق على أن الوقفة كانت الجمعة فيلزم من ذلك أن يكون خرج يوم الجمعة، ولا يصح ذلك لقول أنس في الحديث الذي قبله "أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم خرج" وأجيب بأن الخروج كان يوم السبت، وإنما قال الصحابة "لخمس بقين" بناء على العدد، لأن ذا القعدة كان أوله الأربعاء فاتفق أن جاء ناقصا، فجاء أول ذي الحجة الخميس، فظهر أن الذي كان بقي من الشهر

(6/114)


106 - باب الْخُرُوجِ فِي رَمَضَانَ
2953- حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال حدثني الزهري عن عبيد الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر".
قال سفيان: قال الزهري: أخبرني عبيد الله عن ابن عباس ... وساق الحديث
قوله: "باب الخروج في رمضان" ذكر فيه حديث ابن عباس في ذلك، وقد مضى شرحه في كتاب الصيام، وأراد به رفع وهم من يتوهم كراهة ذلك.

(6/115)


107 - باب التَّوْدِيعِ
2954- وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ وَقَالَ لَنَا: "إِنْ لَقِيتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ قَالَ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحَرِّقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا بِالنَّارِ وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ فَإِنْ أَخَذْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا".
[الحديث 2954 – طرفه في: 3016]
قوله: "باب التوديع" عند السفر أي أعم من أن يكون من المسافر للمقيم أو عكسه، وحديث الباب ظاهر للأول، ويؤخذ الثاني منه بطريق الأولى، وهو الأكثر في الوقوع. قوله: "وقال ابن وهب إلخ" وصله النسائي والإسماعيلي من طريقه، وسيأتي موصولا للمصنف من وجه آخر ويأتي شرحه هناك بعد اثنين وأربعين بابا، وفيه تسمية من أبهم في هذا.

(6/115)


108 - باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ
2955- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ".
[الحديث 2955 – طرفه في: 7144]
قوله: "باب السمع والطاعة للإمام" زاد في رواية الكشميهني ما لم يأمر بمعصية، والإطلاق محمول عليه كما مر

(6/115)


109 - باب يُقَاتَلُ مِنْ وَرَاءِ الإِمَامِ وَيُتَّقَى بِهِ
2956- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ".
2957- وَبِهَذَا الإِسْنَادِ "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ".
[الحديث 2957 – طرفه في: 7137]
قوله: "باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به" يقاتل بفتح المثناة، ولم يزد البخاري على لفظ الحديث. والمراد به المقاتلة للدفع عن الإمام، سواء كان ذلك من خلفه حقيقة أو قدامه، ووراء يطلق على المعنيين. قوله: "نحن الآخرون السابقون" الحديث طرف من حديث سبق بيانه في كتاب الجمعة، وسبق في الطهارة أن عادته في إيراد هذه النسخة - وهي شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - أن يصدر بأول حديث فيها ويعطف الباقي عليه لكونه سمعها هكذا، وأن مسلما في نسخة معمر عن همام عن أبي هريرة سلك طريقا نحو هذه، فإنه يقول في أول كل حديث منها: فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيت وكيت" . وتكلَّف ابن المنير فقال: وجه مطابقة الترجمة لقوله: "نحن الآخرون السابقون" الإشارة إلى أنه الإمام وأنه يجب على كل أحد أن يقاتل عنه وينصره، لأنه وإن تأخر في الزمان لكنه متقدم في أخذ العهد على كل من تقدمه أنه إن أدرك زمانه أن يؤمن به وينصره، فهم في الصورة أمامه وفي الحقيقة خلفه فناسب ذلك قوله: "يقاتل من ورائه لأنه أعم من أن يراد بها الخلف أو الأمام. وبالإسناد السابق "من أطاعني فقد أطاع الله " وقوله فيه: "وإن قال بغيره فإن عليه منه" كذا هنا، قيل استعمل القول بمعنى الفعل حيث قال: "فإن قال بغيره" كذا قال بعض الشراح، وليس بظاهر فإنه قسيم قوله: "فإن أمر" فيحمل على أن المراد وأن أمر، والتعبير عن الأمر بالقول لا إشكال فيه. وقيل معنى "قال" هنا حكم، ثم قيل إنه مشتق من القيل بفتح القاف وسكون التحتانية وهو الملك الذي ينفذ حكمه بلغة حمير، وقوله: "فإن عليه منه" أي وزرا وحذف في هذه الرواية على طريق الاكتفاء لدلالة مقابلة عليه، وقد ثبت في غير هذه الرواية كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ويحتمل أن يكون "من" في قوله: "فإن عليه منه" تبعيضية، أي فإن عليه بعض ما يقول. وفي رواية أبي زيد المروزي "منة" بضم الميم وتشديد النون بعدها هاء تأنيث، وهو تصحيف بلا ريب؛ وبالأول جزم أبو ذر. وقوله: "إنما الإمام جنة" بضم الجيم أي سترة، لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويكف أذى بعضهم عن بعض، والمراد بالإمام كل قائم بأمور الناس والله أعلم. وسيأتي بقية شرحه في كتاب الأحكام.

(6/116)


110 - باب الْبَيْعَةِ فِي الْحَرْبِ أَنْ لاَ يَفِرُّوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى الْمَوْتِ
لِقَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ [18 الفتح] {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}
2958- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "رَجَعْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا كَانَتْ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ فَسَأَلْتُ نَافِعًا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ لاَ بَلْ بَايَعَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ".
2959- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا كَانَ زَمَنُ الْحَرَّةِ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْمَوْتِ فَقَالَ لاَ أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
[الحديث 2959 – طرفه في: 4167]
2960- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ يَا ابْنَ الأَكْوَعِ أَلاَ تُبَايِعُ قَالَ قُلْتُ قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيْضًا فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ".
[الحديث 2960 – أطرافه في: 4169، 7206، 7208]
2961- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "كَانَتْ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا.
فَأَجَابَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الْآخِرَهْ، فَأَكْرِمْ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ".
2962، 2963- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَخِي فَقُلْتُ بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ مَضَتْ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا فَقُلْتُ عَلاَمَ تُبَايِعُنَا قَالَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالْجِهَادِ".
[الحديث 2962 – أطرافه في: 3078، 4305، 4307]
[الحديث 2963 – أطرافه في: 3079، 4306، 4308]
قوله: "باب البيعة في الحرب على أن لا يفروا. وقال بعضهم: على الموت" كأنه أشار إلى أن لا تنافي بين

(6/117)


الروايتين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين، أو أحدهما يستلزم الآخر. قوله: "لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ} الآية" قال ابن المنبر: أشار البخاري بالاستدلال بالآية إلى أنهم بايعوا على الصبر، ووجه أخذه منها قوله تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} والسكينة الطمأنينة في موقف الحرب، فدل ذلك على أنهم أضمروا في قلوبهم أن لا يفروا فأعانهم على ذلك، وتعقب بأن البخاري إنما ذكر الآية عقب القول الصائر إلى أن المبايعة وقعت على الموت، ووجه انتزاع ذلك منها أن المبايعة فيها مطلقة، وقد أخبر سلمة بن الأكوع - وهو ممن بايع تحت الشجرة - أنه بايع على الموت، فدل ذلك على أنه لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار، لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: "بل بايعهم على الصبر" أي على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا، والله أعلم. وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن - والد سعيد - لابن عمر على خفاء الشجرة، وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: "كانت رحمة من الله" أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى. ويحتمل أن يكون معنى قوله رحمة من الله أي كانت الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها. حديث ابن عمر "رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا - أي النبي صلى الله عليه وسلم - تحتها" أي في عمرة الحديبية. قوله: "فسألنا نافعا" قائل ذلك هو جويرية بن أسماء الراوي عنه، وقد تعقبه الإسماعيلي بأن هذا من قول نافع وليس بمسند، وأجيب بأن الظاهر أن نافعا إنما جزم بما أجاب به لما فهمه عن مولاه ابن عمر فيكون مسندا بهذه الطريقة. حديث عبد الله بن زيد أي ابن عاصم الأنصاري المازني. قوله: "لما كان زمن الحرة" أي الوقعة التي كانت بالمدينة في زمن يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين كما سيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: "إن ابن حنظلة" أي عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الذي يعرف أبوه بغسيلي الملائكة، والسبب في تلقيبه بذلك أنه قتل بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة، وعلقت امرأته تلك الليلة بابنه عبد الله بن حنظلة، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين وقد حفظ عنه. وأتى الكرماني بأعجوبة فقال: ابن حنظلة هو الذي كان يأخذ البيعة ليزيد بن معاوية، والمراد به نفس يزيد لأن جده أبا سفيان كان يكنى أيضا أبا حنظلة فيكون التقدير أن ابن أبي حنظلة، ثم حذف لفظ أي تخفيفا أو يكون نسب إلى عمه حنظلة بن أبي سفيان استخفافا واستهجانا واستبشاعا بهذه الكلمة المرة انتهى. ولقد أطال رحمه الله في غير طائل، وأتى بغير الصواب. ولو راجع موضعا آخر من البخاري لهذا الحديث بعينه لرأي فيه ما نصه "لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة، فقال عبد الله بن زيد: علام يبايع حنظلة الناس؟" الحديث. وهذا الموضع في أثناء غزوة الحديبية من كتاب المغازي، فهذا يرد احتماله الثاني، وأما احتماله الأول فيرده اتفاق أهل النقل على أن الأمير الذي كان من قبل يزيد بن معارية اسمه مسلم بن عقبة لا عبد الله بن حنظلة، وأن ابن حنظلة كان الأمير على الأنصار، وأن عبد الله بن مطيع كان الأمير على من سواهم وأنهما قتلا جميعا في تلك الوقعة. والله المستعان. قوله: "لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيه إيماء إلى أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وليس بصريح، ولذلك عقبه المصنف بحديث سلمة بن الأكوع لتصريحه فيه بذلك. قال ابن المنير:

(6/118)


والحكمة في قول الصحابي إنه لا يفعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان مستحقا للنبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم أن يقيه بنفسه، وكان فرضا عليهم أن لا يفروا عنه حتى يموتوا دونه، وذلك بخلاف غيره. ثالثها: حديث سلمة فقوله: "فقلت له يا أبا مسلم"، هي كنية سلمة بن الأكوع، والقائل "فقلت" الراوي عنه وهو يزيد بن أبي عبيد مولاه، وهذا الحديث أحد ثلاثيات البخاري، وقد أخرجه في الأحكام أيضا ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. قال ابن المنير: الحكمة في تكراره البيعة لسلمة أنه كان مقداما في الحرب فأكد عليه العقد احتياطا. قلت: أو لأنه كان يقاتل قتال الفارس والراجل فتعددت البيعة بتعدد الصفة. رابعها: حديث أنس "كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا" وهو ظاهر فيما ترجم به، وقد تقدم موصولا في أوائل الجهاد، ويأتي الكلام عليه في المغازي إن شاء الله تعالى. خامسها: حديث مجاشع وهو ابن مسعود، وأخوه اسمه مجالد بجيم، وسيأتي الكلام عليه في المغازي في غزوة الفتح إن شاء الله تعالى.

(6/119)


111 - باب عَزْمِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ
2964- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا مُؤْدِيًا نَشِيطًا يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لاَ نُحْصِيهَا فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ إِلاَّ أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَسَى أَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلاَّ مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللَّهَ وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلًا فَشَفَاهُ مِنْهُ وَأَوْشَكَ أَنْ لاَ تَجِدُوهُ وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا أَذْكُرُ مَا غَبَرَ مِنْ الدُّنْيَا إِلاَّ كَالثَّغْبِ شُرِبَ صَفْوُهُ وَبَقِيَ كَدَرُهُ".
قوله: "باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون" المراد بالعزم الأمر الجازم الذي لا تردد فيه، والذي يتعلق به الجار والمجرور محذوف تقديره مثلا محله، والمعنى وجوب طاعة الإمام محله فيما لهم به طاقة. قوله: "قال عبد الله" أي ابن مسعود، وهذا الإسناد كله كوفيون. قوله: "أتاني اليوم رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "مؤديا" بهمزة ساكنة وتحتانية خفيفة أي كامل الأداء أي أداة الحرب، ولا يجوز حذف الهمزة منه لئلا يصير من أودى إذا هلك. وقال الكرماني: معناه قويا، وكأنه فسره باللازم. وقوله: "نشيطا" بنون وبمعجمة من النشاط. قوله: "نخرج مع أمرائنا" كذا في الرواية بالنون من قوله نخرج، وعلى هذا فالمراد بقوله رجلا أحدنا، أو هو محذوف الصفة أي رجلا منا، وعلى هذا عول الكرماني لأن السياق يقتضي أن يقول مع امرأته، وفيه حينئذ التفات. ويحتمل أن يكون بالتحتانية بدل النون وفيه أيضا التفات. قوله: "لا نحصيها" أي لا نطيقها لقوله تعالى :{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} وقيل لا ندري أهي طاعة أم معصية، والأول مطابق لما فهم البخاري فترجم به، والثاني موافق لقول ابن مسعود "وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه" ، أي من تقوى الله أن لا يقدم المرء على ما يشك فيه حتى يسأل من عنده علم فيدله على ما فيه شفاؤه. وقوله: " شك نفسه في شيء" من المقلوب، إذ التقدير: وإذا شك نفسه في شيء، أو ضمن شك معنى لصق، والمراد بالشيء ما يتردد في جوازه وعدمه. وقوله: "حتى يفعله" غاية لقوله: "لا يعزم" أو للعزم الذي

(6/119)


يتعلق به المستثنى وهو مرة. والحاصل أن الرجل سأل ابن مسعود عن حكم طاعة الأمير فأجابه ابن مسعود بالوجوب بشرط أن يكون المأمور به موافقا لتقوى الله تعالى. قوله: "ما غبر" بمعجمة وموحدة مفتوحتين أي مضى، وهو من الأضداد يطلق على ما مضى وعلى ما بقي، وهو هنا محتمل للأمرين. قال ابن الجوزي: هو بالماضي هنا أشبه كقوله: "ما أذكر". والثغب بمثلثة مفتوحة ومعجمة ساكنة ويجوز فتحها. قال الفزاز: وهو أكثر، وهو الغدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق، وقيل هو ما يحتفره السيل في الأرض المنخفضة فيصير مثل الأخدود فيبقى الماء فيه فتصفقه الريح فيصير صافيا باردا، وقيل هو نفرم في صخرة يبقى فيها الماء كذلك؛ فشبه ما مضى من الدنيا بما شرب من صفوه، وما بقي منها بما تأخر من كدره. وإذا كان هذا في زمان ابن مسعود وقد مات هو قبل مقتل عثمان ووجود تلك الفتن العظيمة فماذا يكون اعتقاده فيما جاء بعد ذلك وهلم جرا؟ وفي الحديث أنهم كانوا يعتقدون وجوب طاعة الإمام، وأما توقف ابن مسعود عن خصوص جوابه وعدوله إلى الجواب العام فللإشكال الذي وقع له من ذلك، وقد أشار إليه في بقية حديثه، ويستفاد منه التوقف في الإفتاء فيما أشكل من الأمر كما لو أن بعض الأجناد استفتى أن السلطان عينه في أمر مخوف بمجرد التشهي وكلفه من ذلك ما لا يطيق، فمن أجابه بوجوب طاعة الإمام أشكل الأمر لما وقع من الفساد، وأن أجابه بجواز الامتناع أشكل الأمر لما قد يفضي به ذلك إلى الفتنة، فالصواب التوقف عن الجواب في ذلك وأمثاله. والله الهادي إلى الصواب.

(6/120)


112 - باب كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ
2965- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَرَأْتُهُ "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ".
2966- "ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".
قوله: "باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس" أي لأن الرياح تهب غالبا بعد الزوال فيحصل بها تبريد حدة السلاح والحرب وزيادة في النشاط. أورد فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى بمعنى ما ترجم به؛ لكن ليس فيه: "إذا لم يقاتل أول النهار" وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه، فعند أحمد من وجه آخر عن موسى بن عقبة بهذا الإسناد "أنه كان صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس" ولسعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن أبي أوفى "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل إذا زالت الشمس ثم ينهض إلى عدوه" وللمصنف في الجزية من حديث النعمان بن مقرن "كان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات" وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من وجه آخر وصححاه، وفي روايتهم "حتى

(6/120)


تزول الشمس وتهب الأرواح وينزل النصر" فيظهر أن فائدة التأخير لكون أوقات الصلاة مظنة إجابة الدعاء، وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك والله أعلم. وقد أخرج الترمذي حديث النعمان بن مقرن من وجه آخر عنه لكن فيه انقطاع، ولفظه يوافق ما قلته قال: "غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل، فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت الشمس قاتل، فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل، وكان يقال: عند ذلك تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم". "تنبيه": وقع في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه زيادة في الدعاء، وسيأتي التنبيه عليها في "باب لا تتمنوا لقاء العدو" مع بقية الكلام على شرحه إن شاء الله تعالى.

(6/121)


113 - باب اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإِمَامَ لِقَوْلِهِ [62 النور] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
2967- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَتَلاَحَقَ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ فَقَالَ لِي مَا لِبَعِيرِكَ قَالَ قُلْتُ عَيِيَ قَالَ فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيْ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ فَقَالَ لِي كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ قَالَ قُلْتُ بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ قَالَ أَفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ فَاسْتَحْيَيْتُ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَبِعْنِيهِ فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنْ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلاَمَنِي قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا فَقَالَ هَلاَ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوْ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَيَّ". قَالَ الْمُغِيرَةُ هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْسًا.
قوله: "باب استئذان الرجل" أي من الرعية "الإمام" أي في الرجوع أو التخلف عن الخروج أو نحو ذلك.
قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} قال ابن التين: هذه الآية احتج بها الحسن على أنه ليس لأحد أن يذهب من العسكر حتى يستأذن الأمير، وهذا عند سائر الفقهاء كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال، والذي يظهر أن الخصوصية في عموم وجوب الاستئذان، وإلا فلو كان ممن عينه الإمام فطرأ له ما يقتضي التخلف أو الرجوع فأنه يحتاج إلى الاستئذان. ثم أورد فيه حديث جابر في قصة

(6/121)


جمله وقد تقدم شرحه في كتاب الشروط، والغرض منه هنا قوله: "إني عروس فاستأذنته فأذن لي" وسيأتي الكلام على ما يتعلق بتزويجه في النكاح. "تنبيه": قوله في آخر هذا الحديث: "قال المغيرة: هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا" هذا موصول بالإسناد المذكور إلى المغيرة، وهو ابن مقسم الضبي أحد فقهاء الكوفة، ومراده بذلك ما وقع من جابر من اشتراط ركوب جملة إلى المدينة. وأعرب الداودي فقال: مراده جواز زيادة الغريم على حقه، وأن ذلك ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد تعقبه ابن التين بأن هذه الزيادة لم ترد في هذه الطريق هنا، وهو كما قال.

(6/122)


باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه. فيه جابرعن النبي صلى الله عليه و سلم
...
114 - باب مَنْ غَزَا وَهُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسِهِ. فِيهِ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه" بكسر العين أي بزوجته، وبضمها أي بزمان عرسه. وفي رواية الكشميهني: "بعرس" وهو يؤيد الاحتمال الثاني. قوله: "فيه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير إلى حديثه المذكور في الباب قبله وأن ذلك في بعض طرقه، وسيأتي في أوائل النكاح من طريق سيار عن الشعبي بلفظ: "فقال ما يعجلك؟ قلت: كنت حديث عهد بعرس" الحديث.

(6/122)


باب من اختار الغزو بعد البناء. فيه أبُو هريرة عن الَنبي صلى الله عليه و سلم
...
115 - باب مَنْ اخْتَارَ الْغَزْوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: "باب من اختار الغزو بعد البناء فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير إلى حديثه الآتي في الخمس من طريق همام عنه فقال: "غزا نبي من الأنبياء. فقال: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة ولما يبن بها" الحديث وسيأتي شرحه هناك، وترجم عليه في النكاح "من أحب البناء بعد الغزو" وساق الحديث. والغرض هنا من ذلك أن يتفرغ قلبه للجهاد ويقبل عليه بنشاط، لأن الذي يعقد عقده على امرأة يبقى متعلق الخاطر بها، بخلاف ما إذا دخل بها فإنه يصير الأمر في حقه أخف غالبا، ونظيره الاشتغال بالأكل قبل الصلاة. "تنبيهان" أحدهما: أورد الداودي هذه الترجمة محرفة ثم اعترضها، وذلك أنه وقع عنده "باب من اختار الغزو قبل البناء"، فاعترضه بأن الحديث فيه أنه اختار البناء قبل الغزو. قلت: وعلى تقدير صحة ما وقع عند الداودي فلا يلزمه الاعتراض، لأنه أورد الترجمة مورد الاستفهام فكأنه قال: ما حكم من اختار الغزو قبل البناء هل يمنع كما دل عليه الحديث، أو يسوغ؟ ويحمل الحديث على الأولوية. ثانيهما: قال الكرماني كأنه اكتفى بالإشارة إلى هذا الحديث لأنه لم يكن على شرطه. قلت: ولم يستحضر أنه أورده موصولا في مكان آخر كما سيأتي قريبا. والجواب الصحيح أنه جرى على عادته الغالبة في أنه لا يعيد الحديث الواحد إذا اتحد مخرجه في مكانين بصورته غالبا، بل يتصرف فيه بالاختصار ونحوه في أحد الموضعين.

(6/122)


116 - باب مُبَادَرَةِ الإِمَامِ عِنْدَ الْفَزَعِ
2968- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا".
قوله: "باب مبادرة الإمام عند الفزع" ذكر فيه حديث أنس في ركوب النبي صلى الله عليه وسلم فرس أبي طلحة. وقد تقدم

(6/122)


باب السرعة و الركض في الفزع
...
117 - باب السُّرْعَةِ وَالرَّكْضِ فِي الْفَزَعِ
2969- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "فَزِعَ النَّاسُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَهُ فَقَالَ لَمْ تُرَاعُوا إِنَّهُ لَبَحْرٌ فَمَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ".
قوله: "باب السرعة والركض في الفزع" ذكر فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر، وقد تقدم، ومحمد المذكور في إسناده هو ابن سيرين.

(6/123)


باب الخروج في الفزع و حده
...
118 - باب الْخُرُوجِ فِي الْفَزَعِ وَحْدَهُ
قوله: "باب الخروج في الفزع وحده" كذا ثبتت هذه الترجمة بغير حديث، وكأنه أراد أن يكتب فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر فاخترم قبل ذلك. قال الكرماني: ويحتمل أن يكون اكتفى بالإشارة إلى الحديث الذي قبله، كذا قال وفيه بعد، وقد ضم أبو علي بن شبويه هذه الترجمة إلى التي بعدها فقال: "باب الخروج في الفزع وحده والجعائل إلخ " وليس في أحاديث باب الجعائل مناسبة لذلك أيضا، إلا أنه يمكن حمله على ما قلت أولا. قال ابن بطال: جملة ما في هذه التراجم أن الإمام ينبغي له أن يشح بنفسه لما في ذلك من النظر للمسلمين، إلا أن يكون من أهل الغناء الشديد والثبات البالغ فيحتمل أن يسوغ له ذلك، وكان في النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما ليس في غيره، ولا سيما مع ما علم أن الله يعصمه وينصره.

(6/123)


119 - باب الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلاَنِ فِي السَّبِيلِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ الْغَزْوَ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَكَ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي قُلْتُ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيَّ قَالَ إِنَّ غِنَاكَ لَكَ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ عُمَرُ إِنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِيُجَاهِدُوا ثُمَّ لاَ يُجَاهِدُونَ فَمَنْ فَعَلَهُ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِمَالِهِ حَتَّى نَأْخُذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ وَضَعْهُ عِنْدَ أَهْلِكَ.
2970- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَقَالَ زَيْدٌ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آشْتَرِيهِ فَقَالَ لاَ تَشْتَرِهِ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ".
2971- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لاَ تَبْتَعْهُ وَلاَ

(6/123)


120 - باب الأَجِيرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يُقْسَمُ لِلْأَجِيرِ مِنْ الْمَغْنَمِ
وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ فَبَلَغَ سَهْمُ الْفَرَسِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ فَأَخَذَ مِائَتَيْنِ وَأَعْطَى صَاحِبَهُ مِائَتَيْنِ.
2973- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَحَمَلْتُ عَلَى بَكْرٍ فَهُوَ أَوْثَقُ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي فَاسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا فَقَاتَلَ رَجُلًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ وَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَهَا فَقَالَ أَيَدْفَعُ يَدَهُ إِلَيْكَ فَتَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ".
قوله: "باب الأجير" للأجير في الغزو حالان: إما أن يكون استؤجر للخدمة أو استؤجر ليقاتل، فالأول قال الأوزاعي وأحمد إسحاق: لا يسهم له. وقال الأكثر: يسهم له لحديث سلمة "كنت أجيرا لطلحة أسوس فرسه" أخرجه مسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم له. وقال الثوري: لا يسهم للأجير إلا أن قاتل، وأما الأجير إذا استؤجر ليقاتل فقال المالكية والحنفية: لا يسهم له. وقال الأكثر: له سهمه. وقال أحمد: واستأجر الإمام قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة. وقال الشافعي: هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد، أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة. قوله: "وقال الحسن وابن سيرين يقسم للأجير من المغنم" وصله عبد الرزاق عنهما بلفظ: "يسهم للأجير" ووصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ: "العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطوا من الغنيمة". قوله: "وأخذ عطية بن قيس فرسا على النصف إلخ" وهذا الصنيع جائز عند من يجيز المخابرة. وقال بصحته هنا الأوزاعي وأحمد خلافا للثلاثة، وقد تقدمت مباحث المخابرة في كتاب المزارعة. حديث صفوان بن يعلى عن أبيه، وهو يعلى بن أمية قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك" الحديث، وسيأتي شرحه في القصاص؛ والغرض منه قوله: "فاستأجرت أجيرا" قال المهلب: استنبط البخاري من هذا الحديث جواز استئجار الحر في الجهاد، وقد خاطب الله المؤمنين بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية فدخل الأجير في هذا الخطاب، قلت: وقد أخرج الحديث أبو داود من وجه آخر عن يعلى بن أمية أوضح من الذي هنا ولفظه: "أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو وأنا شيخ ليس لي خادم، فالتمست أجيرا يكفيني وأجرى له سهمي، فوجدت رجلا، فلما دنا الرحيل أتاني فقال: ما أدرى ما سهمك وما يبلغ، فسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن، فسميت له ثلاثة دنانير" الحديث. وقوله في هذه الرواية: "فهو أوثق أعمالي"؛ في رواية السرخسي أحمالي بالمهملة، وللمستملي بالجيم، والذي قاتل الأجير هو يعلى بن أمية نفسه كما رواه مسلم من حديث عمران بن حصين. "تنبيهان": الأول وقع في رواية المستملي بين أثر عطية بن قيس وحديث يعلى بن أمية "باب

(6/125)


استعارة الفرس في الغزو"، وهو خطأ لأنه يستلزم أن يخلو باب الأجير من حديث مرفوع، ولا مناسبة بينه وبين حديث يعلى بن أمية، وكأنه وجد هذه الترجمة في الطرة خالية عن حديث فظن أن هذا موضعها. وإن كان كذلك فحكمها حكم الترجمة الماضية قريبا وهي "باب الخروج في الفزع وحده" وكأنه أراد أن يورد فيه حديث أنس في قصة فرس أبي طلحة أيضا فلم يتفق ذلك، ويقوى هذا أن ابن شبويه جعل هذه الترجمة مستقلة قبل "باب الأجير" بغير حديث، وأوردها الإسماعيلي عقب باب الأجير وقال: لم يذكر فيها حديثا. ثانيهما: وقع في رواية أبي ذر تقديم "باب الجعائل" وما بعده إلى هنا وأخر ذلك الباقون وقدموا عليه "باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم". والخطب فيه قريب.

(6/126)


121 - باب مَا قِيلَ فِي لِوَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
2974- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيُّ "أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ".
2975- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا فِي صَبَاحِهَا. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أَوْ قَالَ لَيَأْخُذَنَّ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ فَقَالُوا هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
[الحديث 2975 – طرفاه في: 3702، 4209]
2976- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلْزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "هَا هُنَا أَمَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ".
قوله: "باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم" اللواء بكسر اللام والمد هي الراية، ويسمى أيضا العلم، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه. وقال أبو بكر بن العربي: اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح. وقيل اللواء دون الراية، وقيل اللواء العلم الضخم. والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب. وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم بالألوية وأورد حديث جابر "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض" ثم ترجم للرايات وأورد حديث البراء "أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء مربعة من نمرة" وحديث ابن عباس "كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض" أخرجه الترمذي وابن ماجه. وأخرج الحديث أبو داود والنسائي أيضا، ومثله لابن عدي من

(6/126)


حديث أبي هريرة، ولأبي يعلى من حديث بريدة، وروى أبو داود من طريق سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم "رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء" ويجمع بينها باختلاف الأوقات، وروى أبو يعلى عن أنس رفعه: "أن الله أكرم أمتي بالألوية" ، إسناده ضعيف، وروى الشيخ من حديث ابن عباس "كان مكتوبا على رايته: لا إله إلا الله محمد رسول الله" وسنده واه. وقيل: كانت له راية تسمى العقاب سوداء مربعة، وراية تسمى الراية البيضاء، وربما جعل فيها شيء أسود. قوله: "عن ثعلبة بن أبي مالك" تقدم ذكره في "باب حمل النساء القرب في الغزو". قوله: "أن قيس بن سعد" أي ابن عبادة الصحابي ابن الصحابي وهو سيد الخزرج ابن سيدهم، وسيأتي للمصنف من حديث أنس في الأحكام أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة. قوله: "وكان صاحب لواء النبي صلى الله عليه وسلم" أي الذي يختص بالخزرج من الأنصار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه يدفع إلى رأس كل قبيلة لواء يقاتلون تحته. وأخرج أحمد بإسناد قوي من حديث ابن عباس "أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت تكون مع علي، وراية الأنصار مع سعد ابن عبادة" الحديث. قوله: "أراد الحج فرجل" هو بتشديد الجيم وأخطأ من قالها بالمهملة، واقتصر البخاري على هذا القدر من الحديث لأنه موقوف وليس من غرضه في هذا الباب وإنما أراد منه أن قيس بن سعد كان صاحب اللواء النبوي ولا يتقرر في ذلك إلا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا القدر هو المرفوع من الحديث تاما وهو الذي يحتاج إليه هنا، وقد أخرج الإسماعيلي الحديث تاما من طريق الليث التي أخرجها المصنف منها فقال بعد قوله فرجل أحد شقي رأسه "فقام غلام له فقلد هديه، فنظر قيس هديه وقد قلد فأهل بالحج ولم يرجل شق رأسه الآخر" وأخرجه من طريق أخرى عن الزهري بتمامه نحوه، وفي ذلك مصير من قيس بن سعد إلى أن الذي يريد الإحرام إذا قلد هديه يدخل في حكم المحرم. وقرأت في كلام بعض المتأخرين أن بعض الشارحين تحير في شرح القدر الذي وقع في البخاري، وتكلف له وجوها عجيبة، فلينظر المراد بالشارح المذكور فإني لم أقف عليه. ثم رأيت ما نقله المتأخر المذكور في كلام صاحب "المطالع" وأبهم الشارح الذي تحير وقال: أنه حمل الكلام ما لا يحتمله. وذكر الدمياطي في الحاشية أن البخاري ذكر بقية الحديث في آخر الكتاب وليس في الكتاب شيء من ذلك. حديث سلمة بن الأكوع في قصه علي يوم خيبر، وسيأتي شرحه في كتاب المغازي، والغرض منه قوله: "لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله" فإنه مشعر بأن الراية لم تكن خاصة بشخص معين بل كان يعطيها في كل غزوة لمن يريد، وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ: "إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله" الحديث، وهذا مشعر بأن الراية واللواء سواء. حديث نافع بن جبير "سمعت العباس - أي ابن عبد المطلب - يقول للزبير أي ابن العوام: هاهنا أمرك النبي صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية" وهو طرف من حديث أورده المصنف في غزوة الفتح، وسيأتي شرحه مستوفى هناك، وأبين هناك إن شاء الله تعالى ما في سياقه من صورة الإرسال والجواب عن ذلك، وأبين تعيين المكان المشار إليه وأنه الحجون، وهو بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة، قال الطبري: في حديث على أن الإمام يؤمر على الجيش من يوثق بقوته وبصيرته ومعرفته، وسيأتي بقية شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى. وقال المهلب: وفي حديث الزبير أن الراية لا تركز إلا بإذن الإمام، لأنها علامة على مكانه فلا يتصرف فيها إلا بأمره. وفي هذه الأحاديث استحباب اتخاذ الألوية في الحروب. وأن اللواء يكون مع الأمير

(6/127)


أو من يقيمه لذلك عند الحرب، وقد تقدم حديث أنس "أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب" الحديث، ويأتي تمام شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى أيضا.

(6/128)


122 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ". وَقَوْلِهِ عَزَّ وجلَّ [151 آل عمران]: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} قَالَهُ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
2977- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا".
[الحديث 2977 – أطرافه في: 6998، 7013، 7273]
2978- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ فَارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ".
قوله: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "نصرت بالرعب مسيرة شهر" وقول الله عز وجل: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} قاله جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير إلى حديثه الذي أوله "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي" فإن فيه: "ونصرت بالرعب مسيرة شهر" وقد تقدم شرحه في التيمم، ووقع في الطبراني من حديث أبي أمامة "شهرا أو شهرين" وله من حديث السائب بن يزيد "شهرا أمامي وشهرا خلفي" وظهر لي أن الحكمة في الاقتصار على الشهر أنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار التي حوله أكثر من ذلك، كالشام والعراق واليمن ومصر، ليس بين المدينة النبوية للواحدة منها إلا شهر فما دونه، ودل حديث السائب على أن التردد في الشهر والشهرين إما أن يكون الراوي سمعه كما في حديث السائب، وإما أنه لا أثر لتردده، وحديث السائب لا ينافي حديث جابر، وليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو. حديث أبي هريرة الذي أوله "بعثت بجوامع الكلم" وفيه: "ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض" وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى. وجوامع الكلم القرآن فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك. ومفاتيح خزائن الأرض المراد منها ما يفتح لأمته من بعده من الفتوح، وقيل المعادن، وقول أبي هريرة "وأنتم تنتثلونها" بوزن تفتعلونها - من النثل بالنون والمثلثة - أي تستخرجونها، تقول نثلت البئر إذا استخرجت ترابها. حديث أبي سفيان في قصة هرقل ذكر طرفا منها، وقد تقدم بهذا الإسناد بطوله في بدء الوحي، والغرض منه هنا قوله: "أنه يخافه ملك بني الأصفر" لأنه كان بين المدينة وبين المكان الذي كان قيصر ينزل فيه مدة شهر أو نحوه.

(6/128)


123 - باب حَمْلِ الزَّادِ فِي الْغَزْوِ
وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل [197 البقرة]: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}
2979- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي وَحَدَّثَتْنِي أَيْضًا فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "صَنَعْتُ سُفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَتْ فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا نَرْبِطُهُمَا بِهِ فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ وَاللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إِلاَّ نِطَاقِي قَالَ فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِيهِ بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ وَبِالْآخَرِ السُّفْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ".
[الحديث 2979 – طرفاه في: 3907، 5388]
2980- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ".
2981- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ فَصَلَّوْا الْعَصْرَ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ بِسَوِيقٍ فَلُكْنَا فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا وَصَلَّيْنَا".
2982- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَفَّتْ أَزْوَادُ النَّاسِ وَأَمْلَقُوا فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَادِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ".
قوله: "باب حمل الزاد في الغزو وقول الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}" أشار بهذه الترجمة إلى أن حمل الزاد في السفر ليس منافيا للتوكل، وقد تقدم في الحج في تفسير الآية من حديث ابن عباس ما يؤيد ذلك. ثم ذكر فيه أربعة أحاديث: أحدها: حديث أسماء بنت أبي بكر في تسميتها ذات النطاقين، والغرض منه قولها "فلم تجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به" فإنه ظاهر في حمل آلة الزاد في السفر، وسيأتي الكلام على شرحه في أبواب الهجرة. والنطاق بكسر النون ما تشد به المرأة وسطها ليرتفع به ثوبها من الأرض عند المهنة. ثانيها: حديث جابر "كنا نتزود لحوم الأضاحي " الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى. ثالثها: حديث

(6/129)


سويدم بن النعمان وفيه: "فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالأطعمة" وفي رواية مالك "بالأزواد" وقد تقدم في الطهارة مع الكلام عليه، وقوله في هذه الرواية: "فلكنا" بضم اللام أي أدرنا اللقمة في الفم، وقوله: "وشربنا" قال الداودي: لا أراه محفوظا إلا إن كان أراد المضمضمة، كذا قال، ويحتمل أن يكون بعضهم استف السويق وبعضهم جعله في الماء وشربه فلا إشكال. حديث سلمة وهو ابن الأكوع "خفت أزواد الناس وأملقوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحو إبلهم" الحديث. وهو ظاهر فيما ترجم به، وقوله: "أملقوا" أي فنى زادهم، ومعنى أملق افتقر، وقد يأتي متعديا بمعنى أفنى. قوله: "فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم" أي بسبب نحر إبلهم، أو فيه حذف تقديره فاستأذنوه في نحر إبلهم. قوله: "ناد في الناس يأتون" أي فهم يأتون، ولذلك رفعه، وزاد في الشركة "فبسط لذلك نطع" وقد تقدم أن فيه أربع لغات فتح النون وكسرها وفتح الطاء وسكونها. قوله: "وبرك" بالتشديد أي دعا بالبركة وقوله: "عليهم" في رواية الكشميهني: "عليه" أي على الطعام، ومثله في الشركة. قوله: " فاحتثى الناس" بمهملة ساكنة ثم مثناة ثم مثلثة أي أخذوا حثية حثية، وقوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد" إلى آخر الشهادتين" أشار إلى أن ظهور المعجزة مما يؤيد الرسالة. وفي الحديث حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجابته إلى ما يلتمس منه أصحابه، وإجراؤهم على العادة البشرية في الاحتياج إلى الزاد في السفر، ومنقبة ظاهرة لعمر دالة على قوة يقينه بإجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى حسن نظره للمسلمين. على أنه ليس في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لهم على نحر إبلهم ما يتحتم أنهم يبقون بلا ظهر، لاحتمال أن يبعث الله لهم ما يحملهم من غنيمة ونحوها، لكن أجاب عمر إلى ما أشار به لتعجيل المعجزة بالبركة التي حصلت في الطعام. وقد وقع لعمر شبيه بهذه القصة في الماء، وذلك فيما أخرجه ابن خزيمة وغيره، وستأتي الإشارة إليه في علامات النبوة، وقول عمر "ما بقاؤكم بعد إبلكم" أي لأن توالي المشي ربما أفضى إلى الهلاك، وكأن عمر أخذ ذلك من النهي عن الحمر الأهلية يوم خيبر استبقاء لظهورها، قال ابن بطال: استنبط منه بعض الفقهاء أنه يجوز للإمام في الغلاء إلزام من عنده ما يفضل عن قوته أن يخرجه للبيع لما في ذلك من صلاح الناس، وفي حديث سلمة جواز المشورة على الإمام بالمصلحة وإن لم يتقدم منه الاستشارة.

(6/130)


124 - باب حَمْلِ الزَّادِ عَلَى الرِّقَابِ
2983- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا فَفَنِيَ زَادُنَا حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً قَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْنَ كَانَتْ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنْ الرَّجُلِ قَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا".
قوله: "باب حمل الزاد على الرقاب" أي عند تعذر حمله على الدواب. ذكر فيه حديث جابر في قصة العنبر مقتصرا على بعضه، والغرض منه قوله: "ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا" وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر المغازي.

(6/130)


125 - باب إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ أَخِيهَا
2984- حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا عثمان بن الأسود حدثنا بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها "أنها قالت: يا رسول الله يرجع أصحابك بأجر حج وعمرة ولم أزد على الحج فقال لها اذهبي وليردفك عبد الرحمن فأمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم فانتظرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة حتى جاءت".
2985- حدثني عبد الله حدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أردف عائشة وأعمرها من التنعيم".
قوله: "باب إرداف المرأة خلف أخيها" ذكر فيه حديث عائشة في ارتدافها في العمرة خلف أخيها عبد الرحمن وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر في ذلك، وقد تقدم الكلام عليهما مستوفى في كتاب الحج، ويشبه أن يكون وجه دخوله هنا حديث عائشة المتقدم "جهادكن الحج".

(6/131)


126 - باب الِارْتِدَافِ فِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ
2986- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال: "كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بها جميعا الحج والعمرة".
قوله: "باب الارتداف في الغزو والحج" ذكر فيه حديث أنس "كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما" وقد تقدم شرحه في الحج.

(6/131)


127 - باب الرِّدْفِ عَلَى الْحِمَارِ
2987- حدثنا قتيبة حدثنا أبو صفوان عن يونس بن يزيد عن بن شهاب عن عروة عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف عليه قطيفة وأردف أسامة وراءه".
[الحديث 2987 – أطرافه في: 4566، 5663، 5964، 6207]
2988- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ

(6/131)


128 - باب مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ
2989- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلاَمَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ
قوله: "باب من أخذ بالركاب ونحوه" أي من الإعانة على الركوب وغيره. قوله: "حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الرزاق" كذا هو غير منسوب، وقد تقدم في "باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر" عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق لكن سياقه مغاير لسياقه هنا، وتقدم في الصلح عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق مقتصرا على بعضه، وهو أشبه بسياقه هنا فليفسر به هذا المهمل هنا. قوله: "كل سلامى" بضم المهملة وتخفيف اللام أي أنملة، وقيل كل عظم مجوف صغير، وقيل هو في الأصل عظم يكون في فرسن البعير واحده وجمعه سواء، وقيل جمعه سلاميات: وقوله: "كل يوم عليه صدقة" بنصب كل على الظرفية وقوله: "عليه" مشكل، قال ابن مالك: المعهود في "كل" إذا أضيفت إلى نكرة من خبر وتمييز وغيرهما أن تجيء على وفق المضاف كقولة تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وهنا جاء على وفق "كل" في قوله: "كل سلامى عليه صدقة" وكان القياس أن يقول عليها صدقة، لأن السلامى مؤنثة، لكن دل مجيئها في هدا الحديث على الجواز، ويحتمل أن يكون ضمن السلامى معنى العظم أو المفصل فأعاد الضمير عليه كذلك، والمعنى على كل مسلم مكلف بعدد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى على سبيل الشكر له بأن جعل عظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط. وخصت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنائع التي اختص بها الآدمي. قوله: "يعدل" فاعله الشخص المسلم المكلف وهو مبتدأ على تقدير العدل نحو "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" وقد قال سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ}. قوله : "ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها" هو موضع الترجمة، فإن قوله: "فيحمل عليها" أعم من أن يريد يحمل عليها المتاع أو الراكب.

(6/132)


وقوله: "أو يرفع عليها متاعه" إما شك من الراوي أو تنويع، وحمل الراكب أعم من أن يحمله كما هو أو بعينه في الركوب فتصح الترجمة. قال ابن المنير: لا تؤخذ الترجمة من مجرد صيغة الفعل فإنه مطلق، بل من جهة عموم المعنى، وقد روى مسلم من حديث العباس في غزوة حنين قال: "وأنا آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث. قوله: "ويميط الأذى عن الطريق" تقدم في "باب إماطة الأذى عن الطريق" من هذا الوجه معلقا، وحكى ابن بطال عن بعض من تقدمه أن هذا من قول أبي هريرة موقوف، وتعقبه بأن الفضائل لا تدرك بالقياس، وإنما تؤخذ توقيفا من النبي صلى الله عليه وسلم.

(6/133)


129 - باب السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ
2990- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ".
قوله: "باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو" سقط لفظ: "كراهية" إلا للمستملي فأثبتها، وبثبوتها يندفع الإشكال الآتي. قوله: "وكذلك يروى عن محمد بن بشر عن عبيد الله" هو ابن عمر(1) "عن نافع عن ابن عمر" وتابعه ابن إسحاق عن نافع. أما رواية محمد بن بشر فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ولفظه: "كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو". وقال الدار قطني. والبرقاني: لم يروه بلفظ الكراهة إلا محمد بن بشر. وأما متابعة ابن إسحاق فهي بالمعنى لأن أحمد أخرجه من طريقه بلفظ: "نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو" والنهي يقتضي الكراهة لأنه لا ينفك عن كراهة التنزيه أو التحريم. قوله: "وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن" أشار البخاري بذلك إلى أن المراد بالنهي عن السفر بالقرآن السفر بالمصحف خشية أن يناله العدو لا السفر بالقرآن نفسه، وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه لم يقل أحد إن من يحسن القرآن لا يغزو العدو في دارهم، وهو اعتراض من لم يفهم مراد البخاري. وادعى المهلب أن مراد البخاري بذلك تقوية القول بالتفرقة بين العسكر الكثير والطائفة القليلة، فيجوز في تلك دون هذه، والله أعلم. حديث مالك في ذلك وهو بلفظ: "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو" وأورده ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك وزاد: "مخافة أن يناله العدو" رواه ابن وهب عن مالك فقال: "خشية أن يناله العدو" وأخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك فقال: قال مالك أراه "مخافة" فذكره،
ـــــــ
(1) في هامش طبعة بولاق: هو ابن عمر بواسطة، لا أنه ابن عمر نفسه، كما في القسطلاني.

(6/133)


قال أبو عمر: كذا قال يحيى بن يحيى الأندلسي ويحيى بن بكير، وأكثر الرواة عن مالك جعلوا التعليل من كلامه ولم يرفعوه؛ وأشار إلى أن ابن وهب تفرد برفعها، وليس كذلك لما قدمته من رواية ابن ماجه، وهذه الزيادة رفعها ابن إسحاق أيضا كما تقدم، وكذلك أخرجها مسلم والنسائي وابن ماجه من طريق الليث عن نافع، ومسلم من طريق أيوب بلفظ: "فإني لا آمن أن يناله العدو" فصح أنه مرفوع وليس بمدرج، ولعل مالكا كان يجزم به، ثم صار يشك في رفعه فجعله من تفسير نفسه. قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في الكبير المأمون عليه: فمنع مالك أيضا مطلقا، وفصل أبو حنيفة، وأدار الشافعية الكراهة مع الخوف وجودا وعدما. وقال بعضهم كالمالكية، واستدل به على منع بيع المصحف من الكافر لوجود المعنى المذكور فيه وهو التمكن من الاستهانة به، ولا خلاف في تحريم ذلك وإنما وقع الاختلاف هل يصح لو وقع ويؤمر بإزالة ملكه عنه أم لا؟ واستدل به على منع تعلم الكافر القرآن: فمنع مالك مطلقا، وأجاز الحنفية مطلقا، وعن الشافعي قولان، وفصل بعض المالكية بين القليل لأجل مصلحة قيام الحجة عليهم فأجازه، وبين الكثير فمنعه. ويؤيده قصة هرقل حيث كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات، وقد سبق في "باب هل يرشد بشيء من هذا" وقد نقل النووي الاتفاق على جواز الكتابة إليهم بمثل ذلك. "تنبيه": ادعى ابن بطال أن ترتيب هذا الباب وقع فيه غلط من الناسخ، وأن الصواب أن يقدم حديث مالك قبل قوله: "وكذلك يروى عن محمد بن بشر إلخ" قال: وإنما احتاج إلى المتابعة لأن بعض الناس زاد في الحديث: "مخافة أن يناله العدو" ولم تصح هذه الزيادة عند مالك ولا عند البخاري انتهى. وما ادعاه من الغلط مردود، فإنه استند إلى أنه لم يتقدم شيء يشار إليه بقوله كذلك، وليس كما قال لأنه أشار بقوله: "كذلك" إلى لفظ الترجمة كما بينه من رواية المستملي، وأما ما ادعاه من سبب المتابعة فليس كما قال، فإن لفظ الكراهية تفرد به محمد بن بشر، ومتابعة ابن إسحاق له إنما هي في أصل الحديث لكنه أفاد أن المراد بالقرآن المصحف لا حامل القرآن.

(6/134)


130 - باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ
2991- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "صَبَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا هَذَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَلَجَئُوا إِلَى الْحِصْنِ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ وَأَصَبْنَا حُمُرًا فَطَبَخْنَاهَا فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ".
قوله: "باب التكبير عند الحرب" أي جوازه أو مشروعيته. وذكر فيه حديث أنس في قصة خيبر وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر خربت خيبر " وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب المغازي، والذي نادى بالنهي عن لحوم الحمر الأهلية هو أبو طلحة كما وقع عند مسلم، وقوله: "تابعه علي عن سفيان " يعني علي بن المديني شيخه، وسيأتي في علامات النبوة.

(6/134)


131 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّكْبِيرِ
2992- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ".
[الحديث 2992 – أطرافه في: 4205، 6384، 6409، 6610، 7386]
قوله: "باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير" أورد فيه حديث أبي موسى "كنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا" الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى. قوله: "اربعوا" بفتح الموحدة أي ارفقوا، قال الطبري: فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين. انتهى. وتصرف البخاري يقتضي أن ذلك خاص بالتكبير عند القتال، وأما رفع الصوت في غيره فقد تقدم في كتاب الصلاة حديث ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على العهد النبوي إذا انصرفوا من المكتوبة، وتقدم البحث فيه هناك.

(6/135)


132 - باب التَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا
2993- حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا".
[الحديث 2993 – طرفه في: 2994]
قوله: "باب التسبيح إذا هبط واديا" وأورد فيه حديث جابر "كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا".

(6/135)


133 - باب التَّكْبِيرِ إِذَا عَلاَ شَرَفًا
2994- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا تَصَوَّبْنَا سَبَّحْنَا".
2995- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَفَلَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ الْغَزْوِ يَقُولُ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ قَالَ صَالِحٌ فَقُلْتُ لَهُ أَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ لاَ".

(6/135)


134 - باب يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الإِقَامَةِ
2996- حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا".
قوله: "باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة" أي إذا كان سفره في غير معصية. قوله: "أخبرنا العوام" هو ابن حوشب بمهملة ثم معجمة وزن جعفر. قوله: "سمعت أبا بردة" هو ابن أبي موسى الأشعري. قوله: "واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر" أي مع يزيد، ويزيد بن أبي كبشة هذا شامي، واسم أبيه حيويل بفتح المهملة وسكون التحتانية وكسر الواو بعدها تحتانية أخرى ساكنة ثم لام، وهو ثقة ولي خراج السند لسليمان بن عبد الملك ومات في خلافته، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع. قوله: "فكان يزيد يصوم في السفر"، في رواية هشيم عن العوام بن حوشب "وكان يزيد بن أبي كبشة يصوم الدهر" أخرجه الإسماعيلي. قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية هشيم عن العوام عند أبي داود "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول غير مرة ولا مرتين". قوله: "إذا مرض العبد أو سافر" في رواية هشيم "إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عن ذلك مرض" . قوله: "كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا" هو من اللف والنشر المقلوب، فالإقامة في مقابل السفر والصحة في مقابل المرض، وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها كما ورد ذلك صريحا عند أبي داود من طريق

(6/136)


العوام بن حوشب بهذا الإسناد في رواية هشيم، وعنده في آخره : "كأصلح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم" ووقع أيضا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: "إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إلى" أخرجه عبد الرزاق وأحمد وصححه الحاكم، ولأحمد من حديث أنس رفعه: "إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله، فإن شفاه غسله وطهره، وإن قبضه غفر له ورحمه" ولرواية إبراهيم السكسكي عن أبي بردة متابع أخرجه الطبراني من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده بلفظ: "إن الله يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه" الحديث، وفي حديث عائشة عند النسائي: " ما من امرئ تكون له صلاة من الليل يغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة" قال ابن بطال: وهذا كله في النوافل، وأما صلاة الفرائض فلا تسقط بالسفر والمرض والله أعلم. وتعقبه ابن المنير بأنه تحجر واسعا، ولا مانع من دخول الفرائض في ذلك، بمعنى أنه إذا عجز عن الإتيان بها على الهيئة الكاملة أن يكتب له أجر ما عجز عنه، كصلاة المريض جالسا يكتب له أجر القائم انتهى. وليس اعتراضه بجيد لأنهما لم يتواردا على محل واحد، واستدل به على أن المريض والمسافر إذا تكلف العمل كان أفضل من عمله وهو صحيح مقيم. وفي هذه الأحاديث تعقب على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والإثم خاصة من غير أن تكون محصلة للفضيلة، وبذلك جزم النووي في "شرح المهذب" وبالأول جزم الروياني في "التلخيص"، ويشهد لما قال حديث أبي هريرة رفعه: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر، لا ينقص ذلك من أجره شيئا" أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وإسناده قوي. وقال السبكي الكبير في "الحلبيات": من كانت عادته أن يصلي جماعة فتعذر فانفرد كتب له ثواب الجماعة؛ ومن لم تكن له عادة لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد يكتب له ثواب قصده لا ثواب الجماعة، لأنه وإن كان قصده الجماعة لكنه قصد مجرد، ولو كان يتنزل منزلة من صلى جماعة كان دون من جمع والأولى سبقها فعل، ويدل للأول حديث الباب، وللثاني أن أجر الفعل يضاعف وأجر القصد لا يضاعف بدليل "من هم بحسنة كتبت له حسنة واحدة" كما سيأتي في كتاب الرقاق، قال ويمكن أن يقال: إن الذي صلى منفردا ولو كتب له أجر صلاة الجماعة لكونه اعتادها فيكتب له ثواب صلاة منفرد بالأصالة وثواب مجمع بالفضل. انتهى ملخصا.

(6/137)


135 - باب السَّيْرِ وَحْدَهُ
2997- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ" قَالَ سُفْيَانُ: الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ
2998- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ

(6/137)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ".
قوله: "باب السير وحده" ذكر فيه حديثين: أحدهما: حديث جابر في انتداب الزبير وحده، وقد تقدم في "باب هل يبعث الطليعة وحده" وتعقبه الإسماعيلي فقال: لا أعلم هذا الحديث كيف يدخل في هذا الباب، وقرره ابن المنير بأنه لا يلزم من كون الزبير انتدب أن لا يكون سار معه غير متابعا له. قلت: لكن قد ورد من وجه آخر ما يدل على أن الزبير توجه وحده، وسيأتي في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن الزبير ما يدل على ذلك، وفيه: "قلت يا أبت رأيتك تختلف، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأتيني بخبر بني قريظة فانطلقت" الحديث. قوله: "قال سفيان الحواري الناصر" هو موصول عن الحميدي عنه. ثانيهما: حديث ابن عمر. قوله: "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده" ساقه على لفظ أبي نعيم، وقوله: "ما أعلم" أي الذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك.
والوحدة بفتح الواو ويجوز كسرها ومنعه بعضهم. "تنبيهان": أحدهما قال المزي في "الأطراف": قال البخاري حدثنا أبو الوليد عن عاصم بن محمد به. وقال بعده "وأبو نعيم عن عاصم" ولم يقل حدثنا أبو نعيم، ولا في كتاب حماد بن شاكر حدثنا أبو نعيم انتهى. والذي وقع لنا في جميع الروايات عن الفربري عن البخاري "حدثنا أبو نعيم" وكذلك وقع في رواية النسفي عن البخاري فقال: "حدثنا أبو الوليد" فساق الإسناد ثم قال: "وحدثنا أبو الوليد وأبو نعيم قالا حدثنا عاصم" فذكره، وبذلك جزم أبو نعيم الأصبهاني في "المستخرج" فقال بعد أن أخرجه من طريق عمرو بن مرزوق عن عاصم بن محمد "أخرجه البخاري عن أبي نعيم وأبي الوليد" فلعل لفظ حدثنا في رواية أبي نعيم سقط من رواية حماد بن شاكر وحده. ثانيهما ذكر الترمذي أن عاصم بن محمد تفرد برواية هذا الحديث، وفيه نظر لأن عمر بن محمد أخاه قد رواه معه عن أبيه أخرجه النسائي. قال ابن المنير: السير لمصلحة الحرب أخص من السفر، والخبر ورد في السفر فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد كإرسال الجاسوس والطليعة، والكراهة لما عدا ذلك. ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة، وقد وقع في كتب المغازي بعث كل من حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير وبسبسة(1) في عدة مواطن وبعضها في الصحيح، وتقدم في الشروط شيء من ذلك؛ ويأتي في باب الجاسوس بعد قليل.
ـــــــ
(1) هو بسبسة بن عمرو الجهني. ورد في صحيح مسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم بعثه عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان

(6/138)


136 - باب السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ
وقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيتعَجَّلْ".
2999- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَحْيَى يَقُولُ وَأَنَا أَسْمَعُ فَسَقَطَ عَنِّي عَنْ مَسِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ فَكَانَ يَسِيرُ

(6/138)


الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ".
3000- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا".
3001- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ".
قوله: "باب السرعة في السير" أي في الرجوع إلى الوطن. قوله: "وقال أبو حميد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني متعجل إلخ " هو طرف من حديث سبق في الزكاة بطوله، وتقدم الكلام عليه هناك. ذكر فيه ثلاثة أحاديث. أحدها: حديث أسامة بن زيد في سير العنق، وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج، وقوله: "قال سئل أسامة بن زيد كان يحيى يقول وأنا أسمع فسقط عني" القائل ذلك هو محمد بن المثنى شيخ البخاري، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار والدورقي وغيرهما عن يحيى بن سعيد وقال فيه: "سئل أسامة وأنا شاهده". ثانيها: حديث ابن عمر في جمعه بين الصلاتين لما بلغه وجع صفية بنت أبي عبيد وهي زوجته، وقد تقدم في أواخر أبواب العمرة بهذا الإسناد مع الكلام عليه. ثالثها: حديث أبي هريرة "السفر قطعة من العذاب" وقد تقدم شرحه في أواخر أبواب العمرة، وقوله: "نهمته" بفتح النون على المشهور أي رغبته، قال المهلب: تعجله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليريح نفسه ويفرح أهله، وتعجله إلى المزدلفة ليعجل الوقوف بالمشعر الحرام، وتعجل ابن عمر إلى زوجته ليدرك من حياتها ما يمكنه أن تعهد إليه بما لا تعهد إلى غيره.

(6/139)


137 - باب إِذَا حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فَرَآهَا تُبَاعُ
3002- حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يبتاعه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تبتعه ولا تعد في صدقتك".
3003- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَابْتَاعَهُ أَوْ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لاَ تَشْتَرِهِ وَإِنْ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ

(6/139)


يَعُودُ فِي قَيْئِهِ".
قوله: "باب إذا حمل على فرس فرآها تباع" ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك، وحديث عمر نفسه، وقد تقدما قريبا وبيان مكان شرحهما. وقوله: "ابتاعه أو أضاعه" شك من الراوي، ولا معنى لقوله: "ابتاعه" لأنه لم يشتره وإنما عرضه للبيع، فيحتمل أن يكون في الأصل باعه فهو بمعنى عرضه للبيع. والله أعلم.

(6/140)


138 - باب الْجِهَادِ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ
3004- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
[الحديث 3004 – طرفه في: 5972]
قوله: "باب الجهاد بإذن الأبوين" كذا أطلق، وهو قول الثوري، وقيده بالإسلام الجمهور، ولم يقع في حديث الباب أنهما منعاه، لكن لعله أشار إلى حديث أبي سعيد الآتي. قوله: "سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم في حديثه" تقدم القول في ذلك في "باب صوم داود" من كتاب الصيام، وقد خالف الأعمش شعبة فرواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب ابن أبي ثابت عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو، فلعل لحبيب فيه إسنادين، ويؤيده أن بكر بن بكار رواه عن شعبة عن حبيب عن عبد الله بن باباه كذلك. قوله: "جاء رجل" يحتمل أن يكون هو جاهمة بن العباس بن مرداس، فقد روى النسائي وأحمد من طريق معاوية بن جاهمة "أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئت لأستشيرك، فقال هل لك من أم؟ قال نعم. قال: الزمها" الحديث، ورواه البيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة بن ركانة عن معاوية بن جاهمة السلمي عن أبيه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنه في الجهاد" فذكره. وقد اختلف في إسناده على محمد بن طلحة اختلافا كثيرا بينته في ترجمة جاهمة من كتابي في الصحابة. قوله: "فيهما فجاهد" أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما، ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى، لأن صيغة الأمر في قوله: "فجاهد" ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما، وليس ذلك مرادا قطعا، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو تعب البدن والمآل، ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا، وفيه أن بر الوالد قد يكون أفضل من الجهاد، وأن المستشار يشير بالنصيحة المحضة، وأن المكلف يستفضل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه فدل على ما هو أفضل منه في حقه، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك. ولمسلم وسعيد بن منصور من طريق ناعم مولى أم سلمة عن عبد الله بن عمرو في نحو هذه القصة قال: "ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو "ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما" وأصرح من ذلك حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ: "ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما" وصححه ابن حبان. قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين،

(6/140)


لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن. ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال، قال: الصلاة. قال ثم مه؟ قال الجهاد. قال: فإن لي والدين، فقال آمرك بوالديك خيرا. فقال والذي بعثك بالحق نبيا لأجاهدن ولأتركنهما، قال: فأنت أعلم" وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين، وهل يلحق الجد والجدة بالأبوين في ذلك؟ الأصح عند الشافعية نعم والأصح أيضا أن لا يفرق بين الحر والرقيق في ذلك لشمول طلب البر، فلو كان الولد رقيقا فأذن له سيده لم يعتبر إذن أبويه، ولهما الرجوع في الإذن إلا إن حضر الصف، وكذا لو شرطا أن لا يقاتل فحضر الصف فلا أثر للشرط، واستدل به على تحريم السفر بغير إذن لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث تعيين السفر طريقا إليه فلا منع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف. وفي الحديث فضل بر الوالدين وتعظيم حقهما وكثرة الثواب على برهما، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى.

(6/141)


139 - باب مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الإِبِلِ
3005- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا "أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ".
قوله: "باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل" أي من الكراهة، وقيده بالإبل لورود الخير فيها بخصوصها. قوله: "عن عبد الله بن أبي بكر" أي ابن محمد بن عمرو بن حزم، وعباد بن تميم هو المازني، وهو وشيخه والراوي عنه أنصاريون مدنيون، وعبد الله وعباد تابعيان. قوله: "أن أبا بشير الأنصاري أخبره" ليس لأبي بشير وهو بفتح الموحدة ثم معجمة في البخاري غير هذا الحديث الواحد، وقد ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه، وقيل اسمه قيس بن عبد الحرير بمهملات مصغر ابن عمرو، ذكر ذلك ابن سعد وساق نسبه إلى مازن الأنصاري، وفيه نظر لأنه وقع في رواية عثمان بن عمر عن مالك عند الدار قطني نسبة أبي بشير ساعديا، فإن كان قيس يكنى أبا بشير أيضا فهو غير صاحب هذا الحديث، وأبو بشير المازني هذا عاش إلى بعد الستين وشهد الحرة وجرح بها ومات من ذلك. قوله: "في بعض أسفاره" لم أقف على تعيينها. قوله: "قال عبد الله حسبت أنه قال" عبد الله هو ابن أبي بكر الراوي، وكأنه شك في هذه الجملة، ولم أرها من طريقه إلا هكذا. قوله: "فأرسل" قال ابن عبد البر: في رواية روح بن عبادة عن مالك "أرسل مولاه زيدا" قال ابن عبد البر: وهو زيد بن حارثة فيما يظهر لي. قوله: "في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة" كذا هنا بلفظ: "أو" وهي للشك أو للتنويع، ووقع في رواية أبي داود عن القعنبي بلفظ: "ولا قلادة" وهو من عطف العام على الخاص، وبهذا جزم المهلب، ويؤيد الأول ما روى عن مالك أنه سئل عن القلادة فقال: ما سمعت بكراهتها إلا في الوتر، وقوله وتر بالمثناة في جميع الروايات، قال ابن الجوزي: ربما صحف من لا علم له بالحديث فقال وبر بالموحدة. قلت: حكى ابن التين أن

(6/141)


الداودي جزم بذلك وقال: هو ما ينتزع عن الجمال يشبه الصوف، قال ابن التين: فصحف. قال ابن الجوزي: وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال: أحدها أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي لئلا تصيبها العين بزعمهم، فأمروا بقطعها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من أمر الله شيئا، وهذا قول مالك. قلت: وقع ذلك متصلا بالحديث من كلامه في الموطأ وعند مسلم وأبي داود وغيرهما، قال مالك: أرى أن ذلك من أجل العين، ويؤيده حديث عقبة بن عامر رفعه: "من علق تميمة فلا أتم الله له" أخرجه أبو داود أيضا، والتميمة ما علق من القلائد خشية العين ونحو ذلك، قال ابن عبد البر: إذا اعتقد الذي قلدها أنها ترد العين فقد ظن أنها ترد القدر وذلك لا يجوز اعتقاده. ثانيها: النهي عن ذلك لئلا تختنق الدابة بها عند شدة الركض، ويحكى ذلك عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وكلام أبي عبيد يرجحه فإنه قال: نهى عن ذلك لأن الدواب تتأذى بذلك ويضيق عليها نفسها ورعيها، وربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير. ثالثها: أنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس حكاه الخطابي وعليه يدل تبويب البخاري، وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أم حبيبة أم المؤمنين مرفوعا: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس" وأخرجه النسائي من حديث أم سلمة أيضا، والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فقد أخرجه الدار قطني من طريق عثمان بن عمر المذكور بلفظ: "لا تبقين قلادة من وتر ولا جرس في عنق بعير إلا قطع". قلت: ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك، إلا على القول الثالث فلم تجر العادة بتعليق الأجراس في رقاب الخيل، وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي وهب الحساني رفعه: "اربطوا الخيل وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار" فدل على أن لا اختصاص للإبل، فلعل التقييد بها في الترجمة للغالب. وقد حمل النضر بن شميل الأوتار في هذا الحديث على معنى الثأر فقال: معناه لا تطلبوا بها ذحول الجاهلية، قال القرطبي: وهو تأويل بعيد. وقال الثوري: ضعيف. وإلى نحو قول النضر جنح وكيع فقال: المعنى لا تركبوا الخيل في الفتن، فإن من ركبها لم يسلم أن يتعلق به وتر يطلب به. والدليل على أن المراد بالأوتار جمع الوتر بالتحريك لا الوتر بالإسكان ما رواه أبو داود أيضا من حديث رويفع بن ثابت رفعه: "من عقد لحيته أو تقلد وترا فإن محمدا بريء منه" فإنه عند الرواة أجمع بفتح المثناة، والجرس بفتح الجيم والراء ثم مهملة معروف، وحكى عياض إسكان الراء، والتحقيق أن الذي بالفتح اسم الآلة وبالإسكان اسم الصوت. وروى مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه: "الجرس مزمار الشيطان" وهو دال على أن الكراهية فيه لصوته لأن فيها شبها بصوت الناقوس وشكله، قال النووي وغيره: الجمهور على أن النهي للكراهة وأنها كراهة تنزيه، وقيل للتحريم، وقيل يمنع منه قبل الحاجة، ويجوز إذا وقعت الحاجة. وعن مالك تختص الكراهة من القلائد بالوتر، ويجوز بغيرها إذا لم يقصد دفع العين. هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، فأما ما فيه ذكر الله فلا نهي فيه فإنه إنما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسمائه وذكره، وكذلك لا نهي عما يعلق لأجل الزينة ما لم يبلغ الخيلاء أو السرف. واختلفوا في تعليق الجرس أيضا. ثالثها يجوز بقدر الحاجة، ومنهم من أجاز الصغير منها دون الكبير. وأغرب ابن حبان فزعم أن الملائكة لا تصحب الرفقة التي يكون فيها الجرس إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها.

(6/142)


140 - باب مَنْ اكْتُتِبَ فِي جَيْشٍ فَخَرَجَتْ امْرَأَتُهُ حَاجَّةً أَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ هَلْ يُؤْذَنُ لَهُ؟
3006- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

(6/142)


أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ".
قوله: "باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر هل يؤذن له" ؟ ذكر فيه حديث ابن عباس في ذلك. حديث ابن عباس، وفيه قوله: "اذهب فاحجج مع امرأتك" وقد سبق الكلام عليه في أواخر أبواب المحصر من الحج، ويستفاد منه أن الحج في حق مثله أفضل من الجهاد لأنه اجتمع له مع حج التطوع في حقه تحصيل حج الفرض لامرأته وكان اجتماع ذلك له أفضل من مجرد الجهاد الذي يحصل المقصود منه بغيره، وفيه مشروعية كتابة الجيش ونظر الإمام لرعيته بالمصلحة.

(6/143)


141 - باب الْجَاسُوسِ
وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل [1 الممتحنة]: {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}. التَّجَسُّسُ: التَّبَحُّثُ.
3007- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا حَاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ صَدَقَكُمْ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". قَالَ سُفْيَانُ: وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا.
[الحديث 3007 – أطرافه في: 3081، 3983، 4274، 4890، 6259، 6939]
قوله: "باب الجاسوس" بجيم ومهملتين أي حكمه إذا كان من جهة الكفار، ومشرعيته إذا كان من جهة المسلمين. قوله: "والتجسس: التبحث" هو تفسير أبي عبيدة. قوله: "وقول الله عز وجل :{لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الآية" مناسبة الآية إما لما سيأتي في التفسير أن القصة المذكورة في حديث الباب كانت سبب نزولها، وإما لأن ينتزع

(6/143)


منها حكم جاسوس الكفار، فإذا طلع عليه بعض المسلمين لا يكتم أمره بل يرفعه إلى الإمام ليرى فيه رأيه. وقد اختلف العلماء في جواز قتل جاسوس الكفار، وسيأتي البحث فيه بعد أحد وثلاثين بابا. حديث علي في قصة حاطب ابن أبي بلتعة، وسيأتي الكلام على شرحه في تفسير سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى، ونذكر فيه المرأة وتسمية من عرف ممن كاتبه حاطب من أهل مكة: وقوله فيه: "روضة خاخ" بمنقوطتين من فوق، والظعينة بالظاء المعجمة المرأة، وقوله في آخره: "قال سفيان وأي إسناد هذا" أي عجبا لجلالة رجاله وصريح اتصاله.

(6/144)


142 - باب الْكِسْوَةِ لِلْأُسَارَى
3008- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصًا فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ".
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ.
قوله: "باب الكسوة للأسارى" أي بما يواري عوراتهم، إذ لا يجوز النظر إليها. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار. قوله: "لما كان يوم بدر أتي بأسارى" من المشركين. قوله: "وأتي بالعباس" أي ابن عبد المطلب. قوله: "يقدر عليه" بضم الدال، وإنما كان ذلك لأن العباس كان بين الطول، وكذلك كان عبد الله ابن أبي. قوله: "فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه" أي لعبد الله بن أبي عند دفنه، وقد تقدم شرح ذلك في أواخر الجنائز وما يحتمل في ذلك من الإدراج، وقوله في آخر هذا الحديث: "قال ابن عيينة كانت له" أي لعبد الله بن أبي. وقوله: "يد" أي نعمة، وهو محصل ما سبق من قوله في الجنائز "كانوا يرون إلخ"

(6/144)


143 - باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ
3009- حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبي حازم قال أخبرني سهل رضي الله عنه يعني بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فبات الناس ليلتهم أيهم يعطي فغدوا كلهم يرجونه فقال أين علي فقيل يشتكي عينيه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه فقال أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم".
قوله: "باب فضل من أسلم على يديه رجل" ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة على يوم خيبر، والمراد منه

(6/144)


144- باب الأُسَارَى فِي السَّلاَسِلِ
3010- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ".
[الحديث 3010 – طرفه في: 4557]
قوله: "باب الأسارى في السلاسل" ذكر فيه حديث أبي هريرة "عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل". وقد أخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد بلفظ: "يقادون إلى الجنة بالسلاسل" وقد تقدم توجيه العجب في حق الله في أوائل الجهاد وأن معناه الرضا ونحو ذلك، قال ابن المنير: إن كان المراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق فالترجمة مطابقة، وإن كان المراد المجاز عن الإكراه فليست مطابقة. قلت: المراد بكون السلاسل في أعناقهم مقيد بحالة الدنيا، فلا مانع من حمله على حقيقته، والتقدير يدخلون الجنة، وكانوا قبل أن يسلموا في السلاسل، وسيأتي في تفسير آل عمران من وجه آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: "خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام" ، قال ابن الجوزي: معناه أنهم أسروا وقيدوا، فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعا فدخلوا الجنة، فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول، وكأنه أطلق على الإكراه التسلسل، ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام السبب. وقال الطيبي: ويحتمل أن يكون المراد بالسلسلة الجذب الذي يجذبه الحق من خلص عباده من الضلالة إلى الهدى ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة إلى العروج للدرجات، لكن الحديث في تفسير آل عمران يدل على أنه على الحقيقة. ونحوه ما أخرجه من طريق أبي الطفيل رفعه: "رأيت ناسا من أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل كرها. قلت: يا رسول الله من هم؟ قال قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام مكرهين" وأما إبراهيم الحربي فمنع حمله على حقيقة التقييد وقال: المعنى يقادون إلى الإسلام مكرهين فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة، وليس المراد أن ثم سلسلة. وقال غيره: يحتمل أن يكون المراد المسلمين المأسورين عند أهل الكفر يموتون على ذلك أو يقتلون فيحشرون كذلك، وعبر عن الحشر بدخول الجنة لثبوت دخولهم عقبه. والله أعلم.

(6/145)


145 - باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
3011- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيٍّ أَبُو حَسَنٍ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ. وَمُؤْمِنُ

(6/145)


باب أهل الدار يبيتون ، فيصاب و الولدان و الذراري
...
146 - باب أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ الْوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ
{بَيَاتًا} [الأعراف 4 و97 ويونس 50]: لَيْلًا. {لَنُبَيِّتَنَّهُ} [49 النمل]: لَيْلًا.
{بَيَّت} [81 النساء]: لَيْلًا.
3012- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: "مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ هُمْ مِنْهُمْ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
3013- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا الصَّعْبُ فِي الذَّرَارِيِّ كَانَ عَمْرٌو يُحَدِّثُنَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ قَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ عَمْرٌو هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ".
قوله: "باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري" أي هل يجوز ذلك أم لا؟ ويبيتون مبني للمفعول وفهم من تقييده بإصابة من ذكر قصر الخلاف عليه، وجواز البيات إذا عرى عن ذلك. قال أحمد: لا بأس بالبيات ولا أعلم أحدا كرهه. قوله: "بياتا ليلا" كذا في جميع النسخ بالموحدة ثم التحتانية الخفيفة وبعد الألف مثناة، وهذه عادة المصنف إذا وقع في الخبر لفظة توافق ما وقع في القرآن أورد تفسير اللفظ الواقع في القرآن جمعا بين المصلحتين وتبركا بالأمرين. ووقع عند غير أبي ذر من الزيادة هنا "لنبيتنه ليلا، بيت ليلا" وهذا جميع ما وقع في القرآن من هذه المادة، وهذه الأخيرة "بيت" يريد قوله: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} وهي في السبعة. قال أبو عبيدة: كل شيء قدر بليل يبيت، قال الشاعر:

(6/146)


هبت لتعذلني بليل أسمع ... سفها تبيتك الملامة فاهجعي
وأغرب ابن المنير فصحف "بيانا" فجعلها نياما بنون وميم من النوم فصارت هكذا "فيصاب الوالدان والذراري نياما ليلا" ثم تعقبه فقال: العجب من زيادته في الترجمة نياما وما هو في الحديث إلا ضمنا، إلا أن الغالب أنهم إذا وقع بهم ليلا كان أكثرهم نياما، لكن ما الحاجة إلى التقييد بالنوم والحكم سواء نياما كانوا أو أيقاظا؟ إلا أن يقال: أن قتلهم نياما أدخل في الاغتيال من كونهم أيقاظا، فنبه على جواز مثل ذلك انتهى. وقد صحف ثم تكلف. ومعنى البيات المراد في الحديث أن يغار على الكفار بالليل بحيث لا يميز بين أفرادهم. قوله: "عن عبيد الله" هو ابن عبد الله بن عتبة، ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان عن الزهري "أخبرني عبيد الله". قوله: "فسئل" لم أقف على اسم السائل، ثم وجدت في صحيح ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب قال : "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال نعم" فظهر أن الراوي هو السائل. قوله: "عن أهل الدار" أي المنزل، هكذا في البخاري وغيره، ووقع في بعض النسخ من مسلم: "سئل عن الذراري " قال عياض: الأول هو الصواب. ووجه النووي الثاني وهو واضح. قوله: "هم منهم " أي في الحكم تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم. قوله: "وسمعته يقول" كذا للأكثر ولأبي ذر "فسمعته" بالفاء والأول أوضح، وقوله: "لا حمى إلا لله ولرسوله" تقدم الكلام عليه في الشرب، وقوله: "وعن الزهري " هو موصول بالإسناد الأول، وكان ابن عيينة يحدث بهذا الحديث مرتين مرة مجردا هكذا ومرة يذكر فيه سماعه إياه أولا من عمرو بن دينار عن الزهري. عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذكر سماعه إياه من الزهري. وننبه على نكتة في المتن، وهي أن في رواية عمرو بن دينار قال: "هم من آبائهم" وفي رواية الزهري قال: "هم منهم" وقد أوضح ذلك الإسماعيلي في روايته عن جعفر الفريابي عن علي بن المديني وهو شيخ البخاري فيه فذكر الحديث وقال: "قال علي: ردده سفيان في هذا المجلس مرتين". وقوله في سياق هذا الباب: "عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم" يوهم أن رواية عمرو بن دينار عن الزهري هكذا بطريق الإرسال وبذلك جزم بعض الشراح، وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق العباس بن يزيد حدثنا سفيان قال: "كان عمرو يحدثنا قبل أن يقدم المدينة الزهري عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب، قال سفيان فقدم علينا الزهري فسمعته يعيده ويبديه" فذكر الحديث، وزاد الإسماعيلي في طريق جعفر الفريابي عن علي عن سفيان "وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال: وأخبرني ابن كعب بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان" انتهى، وهذا الحديث أخرجه أبو داود بمعناه من وجه آخر عن الزهري، وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب. وقال مالك والأوزاعي: لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم. وقد أخرج ابن حبان في حديث الصعب زيادة في آخره: "ثم نهى عنهم يوم حنين" وهي مدرجة في حديث الصعب، وذلك بين في سنن أبي داود فإنه قال في آخره: "قال سفيان قال الزهري: ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان" ويؤيد كون النهي في غزوة حنين ما سيأتي في حديث رياح بن الربيع الآتي "فقال لأحدهم: الحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا" والعسيف

(6/147)


بمهملتين وفاء: الأجير وزنا ومعنى، وخالد أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح، وفي ذلك العام كانت غزوة حنين. وأخرج الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عمر قال: "لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة أتى بامرأة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل ونهى" فذكر الحديث. وأخرج أبو داود في "المراسيل" عن عكرمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: ألم أنه عن قتل النساء، من صاحبها؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني فقتلتها، فأمر بها أن تواري" ويحتمل في هذه التعدد، والذي جنح إليه غيرهم الجمع بين الحديثين كما تقدمت الإشارة إليه، وهو قول الشافعي والكوفيين. وقالوا: إذا قاتلت المرأة جاز قتلها. وقال ابن حبيب من المالكية: لا يجوز القصد إلى قتلها إلا إن باشرت القتل وقصدت إليه. قال: وكذلك الصبي المراهق. ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث رياح بن الربيع وهو بكسر الراء والتحتانية التميمي قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين، فرأى امرأة مقتولة فقال: ما كانت هذه لتقاتل" فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت، واتفق الجميع كما نقل ابن بطال وغيره على منع القصد إلى قتل النساء والوالدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع بهم إما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به، وحكى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي، وهو غريب، وسيأتي الكلام على قتل المرأة المرتدة في كتاب القصاص. وفي الحديث دليل على جواز العمل بالعام حتى يرد الخاص، لأن الصحابة تمسكوا بالعمومات الدالة على قتل أهل الشرك، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان فخص ذلك العموم، ويحتمل أن يستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة. ويستنبط منه الرد على من يتخلى عن النساء وغيرهن من أصناف الأموال زهدا لأنهم وإن كان قد يحصل منهم الضرر في الدين لكن يتوقف تجنبهم على حصول ذلك الضرر، فمتى حصل اجتنبت وإلا فليتناول من ذلك بقدر الحاجة.

(6/148)


147 - باب قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ
3014- حدثنا أحمد بن يونس أخبرنا الليث عن نافع أن عبد الله رضي الله عنه أخبره "أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان".
[الحديث 3014 – طرفه في: 3015]
قوله: "باب قتل الصبيان في الحرب" أورد فيه حديث ابن عمر من طريق ليث وهو ابن سعد بلفظ: "فأنكر"

(6/148)


148 - باب قَتْلِ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ
3015- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ".

(6/148)


149 - باب لاَ يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ
3016- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ فَقَالَ: "إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا".
3017- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرَّقَ قَوْمًا فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".
[الحديث 3017 – طرفه في: 6922]
قوله: "باب لا يعذب بعذاب الله" هكذا بت الحكم في هذه المسألة لوضوح دليلها عنده، ومحله إذا لم يتعين التحريق طريقا إلى الغلبة على الكفار حال الحرب. قوله: "عن بكير" بموحدة وكاف مصغر، ولأحمد عن هشام بن القاسم عن الليث "حدثني بكير ابن عبد الله بن الأشج" فأفاد نسبته وتصريحه بالتحديث. قوله: "عن أبي هريرة" كذا في جميع الطرق عن الليث ليس بين سليمان بن يسار وأبي هريرة فيه أحد، وكذلك أخرجه النسائي من طريق عمرو بن الحارث وغيره عن بكير، ومضى قبل أبواب معلقا، وخالفهم محمد بن إسحاق فرواه في السيرة عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير فأدخل بين سليمان وأبي هريرة رجلا وهو أبو إسحاق الدوسي، وأخرجه الدارمي وابن السكن وابن حبان في صحيحه من طريق ابن إسحاق، وأشار الترمذي إلى هذه الرواية، ونقل عن البخاري أن رواية الليث أصح، وسليمان قد صح سماعه من أبي هريرة، يعني وهو غير مدلس فتكون رواية ابن إسحاق من المزيد في متصل الأسانيد. قوله: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا" زاد الترمذي عن قتيبة بهذا الإسناد "رجلين من قريش" وفي رواية ابن إسحاق "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أنا فيها". قلت: وكان أمير السرية المذكورة حمزة بن عمرو الأسلمي أخرجه أبو داود من طريقه بإسناد صحيح لكن قال في روايته: "إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار" هكذا بالإفراد، وكذلك رويناه في "فوائد علي بن حرب" عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح مرسلا وسماه هبار بن الأسود، ووقع في رواية ابن إسحاق "إن وجدتم هبار ابن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى

(6/149)


زينب ما سبق فحرقوهما بالنار" يعني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها أبو العاص بن الربيع لما أسره الصحابة ثم أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة شرط عليه أن يجهز له لبنته زينب فجهزها، فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك، والقصة مشهورة عند ابن إسحاق وغيره. وقال في روايته: "وكانا نخسا بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجت من مكة" وقد أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح "أن هبار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وهي في خدرها فأسقطت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقال: إن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار" ثم قال: "إني لأستحي من الله، لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله" الحديث، فكأن إفراد هبار بالذكر لكونه كان الأصل في ذلك والآخر كان تبعا له، وسمي ابن السكن في روايته من طريق ابن إسحاق الرجل الآخر نافع بن عبد قيس، وبه جزم ابن هشام في "زوائد السيرة" عليه، وحكى السهيلي عن مسند البزار أنه خالد بن عبد قيس فلعله تصحف عليه، وإنما هو نافع، كذلك هو في النسخ المعتمدة من مسند البزار، وكذلك أورده ابن بشكوال من مسند البزار، وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من طريق ابن لهيعة كذلك. قلت: وقد أسلم هبار هذا، ففي رواية ابن أبي نجيح المذكورة "فلم تصبه السرية وأصابه الإسلام فهاجر" فذكر قصة إسلامه، وله حديث عند الطبراني وآخر عند ابن منده، وذكر البخاري في تاريخه لسليمان بن يسار عنه رواية في قصة جرت له مع عمر في الحج، وعاش هبار هذا إلى خلافة معاوية، وهو بفتح الهاء وتشديد الموحدة. ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة فلعله مات قبل أن يسلم. قوله: "ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حين أردنا الخروج" في رواية ابن إسحاق "حتى إذا كان من الغد" وفي رواية عمرو بن الحارث "فأتيناه نودعه حين أردنا الخروج" وفي رواية ابن لهيعة "فلما ودعنا" وفي رواية حمزة الأسلمي "فوليت فناداني فرجعت". قوله: "وإن النار لا يعذب بها إلا الله" هو خبر بمعنى النهي، ووقع في رواية ابن لهيعة "وأنه لا ينبغي" وفي رواية ابن إسحاق "ثم رأيت أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا الله" وروى أبو داود من حديث ابن مسعود رفعه: "أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار" وفي الحديث قصة. واختلف السلف في التحريق: فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصا، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما، وسيأتي ما يتعلق بالقصاص قريبا. وقال المهلب: ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمي، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها قاله النووي والأوزاعي. وقال ابن المنير وغيره: لا حجة فيما ذكر للجواز، لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم. وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو، ومنهم من قيده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم، وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان بوحي إليه أو باجتهاد منه، وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه. وقد اختلف في مذهب مالك في أصل المسألة وفي التدخين وفي القصاص بالنار، وفي الحديث جواز الحكم بالشيء اجتهادا ثم الرجوع عنه، واستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الإلباس والاستنابة في الحدود ونحوها، وأن طول الزمان لا يرفع العقوبة عمن يستحقها. وفيه كراهة قتل

(6/150)


مثل البرغوث بالنار. وفيه نسخ السنة بالسنة وهو إتفاق. وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده، وتوديع أصحابه له أيضا. وفيه جواز نسخ الحكم قبل العمل به أو قبل التمكن من العمل به، وهو اتفاق إلا عن بعض المعتزلة فيما حكاه أبو بكر بن العربي. وهذه المسألة غير المسألة المشهورة في الأصول في وجوب العمل بالناسخ قبل العلم به، وقد تقدم شيء من ذلك في أوائل الصلاة في الكلام على حديث الإسراء. وقد اتفقوا على أنهم إن تمكنوا من العلم به ثبت حكمه في حقهم اتفاقا، فإن لم يتمكنوا فالجمهور أنه لا يثبت، وقيل يثبت في الذمة كما لو كان نائما ولكنه معذور. قوله: "عن أيوب" صرح الحميدي عن سفيان بتحديث أيوب له به. قوله: "أن عليا حرق قوما" في رواية الحميدي المذكورة "أن عليا أحرق المرتدين" يعني الزنادقة. وفي رواية ابن أبي عمر ومحمد بن عباد عند الإسماعيلي جميعا عن سفيان قال: "رأيت عمرو بن دينار وأيوب وعمارا الدهني اجتمعوا فتذكروا الذين حرقهم علي، فقال أيوب" فذكر الحديث: "فقال عمار لم يحرقهم، ولكن حفر لهم حفائر وخرق بعضها إلى بعض ثم دخن عليهم"، فقال عمرو بن دينار: قال الشاعر:
لترم بي المنايا حيث شاءت ... إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما أججوا حطبا ونارا ... هناك الموت نقدا غير دين
انتهى. وكأن عمرو بن دينار أراد بذلك الرد على عمار الدهني في إنكاره أصل التحريق. ثم وجدت في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص "حدثنا لوين حدثنا سفيان بن عيينة" فذكره عن أيوب وحده، ثم أورده عن عمار وحده، قال ابن عيينة: فذكرته لعمرو بن دينار فأنكره وقال: "فأين قوله: "أوقدت ناري ودعوت قنبرا" فظهر بهذا صحة ما كنت ظننته، وسيأتي للمصنف في استتابة المرتدين في آخر الحدود من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: "أتى علي بزنادقة فأحرقهم" ولأحمد من هذا الوجه "أن عليا أتى بقوم من هؤلاء الزنادقة ومعهم كتب، فأمر بنار فأججت ثم أحرقهم وكتبهم" وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال: "كان ناس يعبدون الأصنام في السر ويأخذون العطاء، فأتى بهم علي فوضعهم في السجن واستشار الناس، فقالوا: اقتلهم، فقال: لا بل أصنع بهم كما صنع بأبينا إبراهيم، فحرقهم بالنار". قوله: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله" هذا أصرح في النهي من الذي قبله، وزاد أحمد وأبو داود والنسائي من وجه آخر عن أيوب في آخره: "فبلغ ذلك عليا فقال: ويح ابن عباس" وسيأتي الكلام على قوله: "من بدل دينه فاقتلوه" في استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى.

(6/151)


150- باب {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [4 سورة محمد]. فِيهِ حَدِيثُ ثُمَامَةَ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ [67 الأنفال]: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} يَعْنِي يَغْلِبَ فِي الأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} الْآيَةَ
قوله: "باب {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}. فيه حديث ثمامة" كأنه يشير إلى حديث أبي هريرة في قصة إسلام ثمامة بن أثال، وستأتي موصولة مطولة في أواخر كتاب المغازي، والمقصود منها هنا قوله فيه: "إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت" فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك ولم ينكر عليه التقسيم ثم من عليه بعد ذلك، فكان في ذلك تقوية لقول الجمهور: أن الأمر في أسرى الكفرة من الرجال إلى الإمام يفعل

(6/151)


ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين. وقال الزهري ومجاهد وطائفة: لا يجوز أخذ الفداء من أسارى الكفار أصلا وعن الحسن وعطاء: لا تقتل الأسارى، بل يتخير بين المن والفداء. وعن مالك: لا يجوز المن بغير فداء. وعن الحنفية: لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره، فيرد الأسير حربيا. قال الطحاوي: وظاهر الآية حجة للجمهور وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة، لكن في قصة ثمامة ذكر القتل. وقال أبو بكر الرازي: احتج أصحابنا لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} الآية، ولا حجة لهم لأن ذلك كان قبل حل الغنيمة، فإن فعله بعد إباحة الغنيمة فلا كراهة انتهى. وهذا هو الصواب، فقد حكى ابن القيم في الهدى اختلافا: أي الأمرين أرجح؟ ما أشار به أبو بكر من أخذ الفداء، أو ما أشار به عمر من القتل؟ فرجحت طائفة رأي عمر لظاهر الآية ولما في القصة من حديث عمر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبكي لما عرض على أصحابك من العذاب لأخذهم الفداء" ورجحت طائفة رأي أبي بكر لأنه الذي استقر عليه الحال حينئذ، ولموافقة رأيه الكتاب الذي سبق، ولموافقة حديث: "سبقت رحمتي غضبي" ولحصول الخير العظيم بعد من دخول كثير منهم في الإسلام والصحبة ومن ولد لهم من كان ومن تجدد، إلى غير ذلك مما يعرف بالتأمل. وحملوا التهديد بالعذاب على من اختار الفداء، فيحصل عرض الدنيا مجردا وعفا الله عنهم ذلك. وحديث عمر المشار إليه في هذه القصة أخرجه أحمد مطولا وأصله في صحيح مسلم بالسند المذكور. قوله: "وقوله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} يَعْنِي يَغْلِبَ فِي الأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} الْآيَةَ". كذا وقع في رواية أبي ذر وكريمة، وسقط للباقين، وتفسير يثخن بمعنى يغلب قاله أبو عبيدة وزاد: ويبالغ.
وعن مجاهد: الإثخان القتل، وقيل المبالغة فيه، وقيل معناه حتى يتمكن في الأرض. وأصل الإثخان في اللغة الشدة والقوة. وأشار المصنف بهذه الآية إلى قول مجاهد وغيره ممن منع أخذ الفداء من أسارى الكفار، وحجتهم منها أنه تعالى أنكر إطلاق أسرى كفار بدر على مال فدل على عدم جواز ذلك بعد، واحتجوا بقوله تعالى :{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} قال فلا يستثنى من ذلك إلا من يجوز أخذ الجزية منه. وقال الضحاك: بل قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ناسخ لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وقال أبو عبيد: لا نسخ في شيء من هذه الآيات بل هي محكمة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم عمل بما دلت عليه كلها في جميع أحكامه: فقتل بعض الكفار يوم بدر، وفدى بعضا، ومن على بعض. وكذا قتل بني قريظة، ومن على بني المصطلق، وقتل ابن خطل وغيره بمكة ومن على سائرهم. وسبى هوازن ومن عليهم. ومن على ثمامة بن أثال. فدل كل ذلك على ترجيح قول الجمهور إن ذلك راجع إلى رأي الإمام. ومحصل أحوالهم تخيير الإمام بعد الأسر بين ضرب الجزية لمن شرع أخذها منه أو القتل أو الاسترقاق أو المن بلا عوض أو بعوض، هذا في الرجال، وأما النساء والصبيان فيرقون بنفس الأسر، ويجوز المفاداة بالأسيرة الكافرة بأسير مسلم أو مسلمة عند الكفار، ولو أسلم الأسير زال القتل اتفاقا، وهل يصير رقيقا أو تبقى بقية الخصال؟ قولان للعلماء.

(6/152)


151 - باب هَلْ لِلْأَسِيرِ أَنْ يَقْتُلَ وَيَخْدَعَ الَّذِينَ أَسَرُوهُ حَتَّى يَنْجُوَ مِنْ الْكَفَرَةِ؟
فِيهِ الْمِسْوَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(6/152)


قوله: "باب هل للأسير أن يقتل أو يخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟ فيه المسور عن النبي صلى الله عليه وسلم" يشير بذلك إلى قصة أبي بصير، وقد تقدم بسطها في أواخر الشروط، وهي ظاهرة فيما ترجم له، وهي من مسائل الخلاف أيضا، ولهذا لم يبت الحكم فيها، قال الجمهور: إن ائتمنوه يف لهم بالعهد، حتى قال مالك: لا يجوز أن يهرب منهم. وخالفه أشهب فقال: لو خرج به الكافر ليفادي به فله أن يقتله. وقال أبو حنيفة والطبري: إعطاؤه العهد على ذلك باطل، ويجوز له أن لا يفي لهم به. وقال الشافعية: يجوز أن يهرب من أيديهم، ولا يجوز أن يأخذ من أموالهم. قالوا: وإن لم يكن بينهم عهد جاز له أن يتخلص منهم بكل طريق ولو بالقتل وأخذ المال وتحريق الدار وغير ذلك، وليس في قصة أبي بصير تصريح بأنه كان بينه وبين من تسلمه ليرده إلى المشركين عهد، ولهذا تعرض للقتل، فقتل أحد الرجلين وانفلت الآخر، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم مستوفى.

(6/153)


152 - باب إِذَا حَرَّقَ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ
3018- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْغِنَا رِسْلًا قَالَ مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ فَانْطَلَقُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا".
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَادًا.
قوله: "باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق" ؟ أي جزاء بفعله. هذه الترجمة تليق أن تذكر قبل بابين، فلعل تأخيرها من تصرف النقلة ويؤيد ذلك أنهما سقطا جميعا للنسفي، وثبت عنده ترجمة "إذا حرق المشرك" تلو ترجمة "ولا يعذب بعذاب الله" وكأنه أشار بذلك إلى تخصيص النهي في قوله: "لا يعذب بعذاب الله" بما إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. وقد أورد المصنف في الباب حديث أنس في قصة العرنيين، وليس فيه التصريح بأنهم فعلوا ذلك بالرعاء لكنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، وذلك فيما أخرجه مسلم من وجه آخر عن أنس قال: "إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء" قال ابن بطال: ولو لم يرد ذلك لكان أخذ ذلك من قصة العرنيين بطريق الأولى، لأنه جاز سمل أعينهم وهو تعذيب بالنار ولو لم يفعلوا ذلك بالمسلمين فجوازه إن فعلوه أولى. وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الطهارة في "باب أبوال الإبل" وهو في أواخر أبواب الوضوء قبيل كتاب الغسل. وقوله: "حدثنا معلى" بضم الميم وهو ابن أسد، وثبت كذلك في رواية الأصيلي وآخرين. وقوله فيه: "أبغنا رسلا" أي أعنا على طلبه، والرسل بكسر الراء الدر من اللبن. والذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة: الثلاث من الإبل إلى العشرة، والصريخ: صوت المستغيث: وترجل بالجيم: أي ارتفع.

(6/153)


153- باب
3019- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنْ الأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنْ الأُمَمِ تُسَبِّحُ".
قوله: "باب" كذا لهم بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب قبله، والمناسبة بينهما أن لا يتجاوز بالتحريق حيث يجوز إلى من لم يستوجب ذلك، فإنه أورد فيه حديث أبي هريرة في تحريق قرية النمل، حديث أبي هريرة في تحريق قرية النمل، وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه "أن الله أوحى إليه فهلا نملة واحدة" فإن فيه إشارة إلى أنه لو حرق التي قرصته وحدها لما عوتب، ولا يخفى أن صحة الاستدلال بذلك متوقفة على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في بدء الخلق إن شاء الله تعالى.

(6/154)


154 - باب حَرْقِ الدُّورِ وَالنَّخِيلِ
3020- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ قَالَ لِي جَرِيرٌ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ قَالَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ قَالَ وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ أَوْ أَجْرَبُ قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ".
[الحديث 3020 – أطرافه في: 3036، 3076، 3823، 4355، 4356، 4357، 6089، 6333]
3021- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "حَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ".
قوله: "باب حرق الدور والنخيل" أي التي للمشركين. كذا وقع في جميع النسخ "حرق" وضبطوه بفتح أوله وإسكان الراء، وفيه نظر لأنه لا يقال في المصدر حرق؛ وإنما يقال تحريق وإحراق لأنه رباعي، فلعله كان حرق بتشديد الراء بلفظ الفعل الماضي وهو المطابق للفظ الحديث والفاعل محذوف تقديره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله أو بإذنه. وقد ترجم في التي قبلها "باب إذا حرق" وعلى هذا فقوله الدور منصوب بالمفعولية والنخيل كذلك نسقا عليه. ثم ذكر فيه حديثين ظاهرين فيما ترجم له. أحدهما: حديث جرير في قصة ذي الخلصة بفتح المعجمة واللام والمهملة وحكي تسكين اللام، وسيأتي شرحه في أواخر المغازي. وقوله فيه: "كعبة اليمانية" أي كعبة الجهة اليمانية على رأي البصريين. ثانيهما: حديث ابن عمر "حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير" أورده مختصرا هكذا، وسيأتي بتمامه

(6/154)


في المغازي مع شرحه إن شاء الله تعالى. وقد ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو، وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور، واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك، وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف، وهو نحو ما أجاب به في النهي عن قتل النساء والصبيان، وبهذا قال أكثر أهل العلم، ونحو ذلك القتل بالتغريق. وقال غيره: إنما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد ستفتح فأراد إبقاءها على المسلمين. والله أعلم.

(6/155)


155 - باب قَتْلِ النَّائِمِ الْمُشْرِكِ
3022- حدثنا علي بن مسلم حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال حدثني أبي عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع ليقتلوه فانطلق رجل منهم فدخل حصنهم قال فدخلت في مربط دواب لهم قال وأغلقوا باب الحصن ثم إنهم فقدوا حمارا لهم فخرجوا يطلبونه فخرجت فيمن خرج أريهم أنني أطلبه معهم فوجدوا الحمار فدخلوا ودخلت وأغلقوا باب الحصن ليلا فوضعوا المفاتيح في كوة حيث أراها فلما ناموا أخذت المفاتيح ففتحت باب الحصن ثم دخلت عليه فقلت يا أبا رافع فأجابني فتعمدت الصوت فضربته فصاح فخرجت ثم جئت ثم رجعت كأني مغيث فقلت يا أبا رافع وغيرت صوتي فقال ما لك لأمك الويل قلت ما شأنك قال لا أدري من دخل علي فضربني قال فوضعت سيفي في بطنه ثم تحاملت عليه حتى قرع العظم ثم خرجت وأنا دهش فأتيت سلما لهم لأنزل منه فوقعت فوثئت رجلي فخرجت إلى أصحابي فقلت ما أنا ببارح حتى أسمع الناعية فما برحت حتى سمعت نعايا أبي رافع تاجر أهل الحجاز قال فقمت وما بي قلبة حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه".
[الحديث 3022 – أطرافه في: 3023، 4038، 4039، 4040]
3023- حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم".
قوله: "باب قتل المشرك النائم" ذكر فيه قصة قتل أبي رافع اليهودي من حديث البراء بن عازب، أورده من وجهين مطولا ومختصرا، وسيأتي شرحها في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وهي ظاهرة فيما ترجم له، لأن الصحابي طلب قتل أبي رافع وهو نائم، وإنما ناداه ليتحقق أنه هو لئلا يقتل غيره ممن لا غرض له إذ ذاك في قتله

(6/155)


وبعد أن أجابه كان في حكم النائم لأنه حينئذ استمر على خيال نومه، بدليل أنه بعد أن ضربه لم يفر من مكانه ولا تحول من مضجعه حتى عاد إليه فقتله، وفية جواز التجسس على المشركين وطلب غربهم، وجواز اغتيال ذوي الأذية البالغة منهم، وكأن أبو رافع يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤلب عليه الناس. ويؤخذ منه جواز قتل المشرك بغير دعوة إن كان قد بلغته الدعوة قبل ذلك، وأما قتله إذا كان نائما فمحله أن يعلم أنه مستمر على كفره وأنه قد يئس من فلاحه، وطريق العلم بذلك إما بالوحي وإما بالقرائن الدالة على ذلك.

(6/156)


156 - باب لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ
3024- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كُنْتُ كَاتِبًا لَهُ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ".
3025- ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: "حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ كُنْتُ كَاتِبًا لِعُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُ كِتَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ".
3026- وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا".
قوله: "باب لا تمنوا لقاء العدو" ذكر فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى في ذلك، وقد تقدم مقطعا في أبواب منها "الجنة تحت البارقة" اقتصر على قوله: "واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ومنها "الصبر عند القتال" واقتصر على قوله: "وإذا لقيتموهم فاصبروا" ومنها "الدعاء على المشركين بالهزيمة" واقتصر على الفصل المتعلق بالحديث منه، وقد تقدم الكلام فيه على شيء في إسناده في أول ترجمة، وأورده بتمامه في "القتال بعد الزوال" وتقدم الكلام فيما يتعلق بذلك فيه. قوله: "لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا" قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصديق "لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر" وقال غيره: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإنكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم. وقيل: يحمل النهي على ما إذا وقع الشك في المصلحة أو حصول الضرر، وإلا فالقتال فضيلة وطاعة. ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله: "وسلوا الله العافية" وأخرج سعيد بن منصور من طريق يحيى بن أبي كثير مرسلا "لا تمنوا

(6/156)


لقاء العدو فإنكم لا تدرون عسى أن تبتلوا بهم" وقال ابن دقيق العيد: لما كان لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور المحققة لم يؤمن أن يكون عند الوقوع كما ينبغي فيكره التمني لذلك ولما فيه لو وقع من احتمال أن يخالف الإنسان ما وعد من نفسه، ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة انتهى. واستدل بهذا الحديث على منع طلب المبارزة، وهو رأي الحسن البصري، وكان علي يقول: لا تدع إلى المبارزة، فإذا دعيت فأجب تنصر، لأن الداعي باغ. وقد تقدم قول علي في ذلك. قوله: "ثم قال اللهم منزل الكتاب إلخ" أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم، فبالكتاب إلى قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} وبمجرى السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله تعالى، وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح، وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر، فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال، وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم، وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم، وبعدمه إلى هزيمتهم حيث لا يحصل الظفر بشيء منهم، وكلها أحوال صالحة للمسلمين. وأشار بهازم الأحزاب إلى التوسل بالنعمة السابقة، وإلى تجريد التوكل، واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعلي. وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث، فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية وهي الإسلام، وبإجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق، وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين، وكأن قال: اللهم كما أنعمت بعظيم النعمتين الأخروية والدنيوية وحفظتهما فأبقهما. وروى الإسماعيلي في هذا الحديث من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم دعا أيضا فقال: "اللهم أنت ربنا وربهم، ونحن عبيدك وهم عبيدك نواصينا ونواصيهم بيدك، فاهزمهم وانصرنا عليهم" ولسعيد بن منصور من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا نحوه لكن بصيغة الأمر عطفا على قوله: "وسلوا الله العافية: فإن بليتم بهم فقولوا اللهم" فذكره وزاد "وغضوا أبصاركم واحملوا عليهم على بركة الله". قوله: "وقال موسى بن عقبة إلخ" هو معطوف على الإسناد الماضي، وكأنه يشير إلى أنه عنده بالإسناد الواحد على وجهين مطولا ومختصرا، وهذا ما في رواية أبي ذر، واقتصر غيره لهذا المتن المختصر على الإسناد المذكور ولم يسوقوه مطولا والله أعلم. قوله: "وقال أبو عامر" هو العقدي. وقال الكرماني: لعله عبد الله بن براد الأشعري، كذا قال ولم يصب، فإنه ما لابن براده رواية عن المغيرة. وقد وصله مسلم والنسائي والإسماعيلي وغيرهم من طرق عن أبي عامر العقدي عن مغيرة به، وفي الحديث استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار، ووصية المقاتلين بما فيه صلاح أمرهم، وتعليمهم بما يحتاجون إليه، وسؤال الله تعالى بصفاته الحسنى وبنعمه السالفة، ومراعاة نشاط النفوس لفعل الطاعة، والحث على سلوك الأدب وغير ذلك.

(6/157)


157 - باب الْحَرْبُ خَدْعَةٌ
3027- حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ولتقسمن كنوزهما في سبيل الله".
[الحديث 3027 – أطرافه في: 3120، 3618، 6630]
3028- "وسمى الحرب خدعة".

(6/157)


[الحديث 3028 – طرفه في: 3029]
3029- حدثنا أبو بكر بن أصرم أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمى النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة".
3030- حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا بن عيينة عن عمرو سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الحرب خدعة".
قوله: "باب الحرب خدعة" أورد من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مطولا ومختصرا ومن حديث جابر مختصرا وفي أول المطول ذكر كسرى وقيصر، وسيأتي الكلام على هذا في علامات النبوة. وقوله: "خدعة" بفتح المعجمة وبضمها مع سكون المهملة فيهما وبضم أوله وفتح ثانيه. قال النووي: اتفقوا على أن الأولى الأفصح، حتى قال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز. والثانية ضبطت كذلك في رواية الأصيلي. قال أبو بكر بن طلحة: أراد ثعلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل هذه البنية كثيرا لوجازة لفظها ولكونها تعطي معنى البنيتين الأخيرتين، قال: ويعطي معناها أيضا الأمر باستعمال الحيلة مهما أمكن ولو مرة وإلا فقاتل؛ قال فكانت مع اختصارها كثيرة المعنى. ومعنى خدعة بالإسكان أنها تخدع أهلها، من وصف الفاعل باسم المصدر، أو أنها وصف المفعول كما يقال هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه. وقال الخطابي: معناه أنها مرة واحدة، أي إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرته. وقيل: الحكمة في الإتيان بالتاء للدلالة على الوحدة فإن الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة، وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة، فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنهم من المفسدة ولو قل، وفي اللغة الثالثة صيغة المبالغة كهمزة ولمزة، وحكى المنذري لغة رابعة بالفتح فيهما، قال: وهو جمع خادع أي أن أهلها بهذه الصفة، وكأنه قال أهل الحرب خدعة. قلت: وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة خامسة كسر أوله مع الإسكان، قرأت ذلك بخط مغلطاي. وأصل الخدع إظهار أمر وإضمار خلافه. وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب، والندب إلى خداع الكفار، وإن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه، قال النووي: واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز، قال ابن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالسكين ونحو ذلك. وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب: بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة، وكذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث، وهو كقوله: "الحج عرفة"، قال ابن المنير: معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر. "تكميل": ذكر الواقدي أن أول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة" في غزوة الخندق.

(6/158)


158 - باب الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ
3031- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ

(6/158)


عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ هَذَا يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَنَّانَا وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ قَالَ وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ فَإِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ".
قوله: "باب الكذب في الحرب" ذكر فيه حديث جابر في قصة قتل كعب بن الأشرف. حديث جابر في قصة قتل كعب بن الأشرف وسيأتي مطولا مع شرحه في كتاب المغازي. قال ابن المنير: الترجمة غير مطابقة، لأن الذي وقع منهم في قتل كعب ابن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا، لأن قولهم "عنانا" أي كلفنا بالأوامر والنواهي، وقولهم "سألنا الصدقة" أي طلبها منا ليضعها مواضعها، وقولهم "فنكره أن ندعه إلخ" معناه نكره فراقه، ولا شك أنهم كانوا يحبون الكون معه أبدا انتهى. والذي يظهر أنه لم يقع منهم فيما قالوه بشيء من الكذب أصلا، وجميع ما صدر منهم تلويح كما سبق، لكن ترجم بذلك لقول محمد بن مسلمة للنبي صلى الله عليه وسلم أولا "ائذن لي أن أقول، قال قل" فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحا وتلويحا وهذه الزيادة وإن لم تذكر في سياق حديث الباب فهي ثابتة فيه كما في الباب الذي بعده، على أنه لو لم يرد ذلك لما كانت الترجمة منافرة للحديث، لأن معناها حينئذ باب الكذب في الحرب هل يسوغ مطلقا أو يجوز منه الإيماء دون التصريح، وقد جاء من ذلك صريحا ما أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: تحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس" وقد تقدم في كتاب الصلح ما في حديث أم كلثوم بنت عقبة لهذا المعنى من ذلك، ونقل الخلاف في جواز الكذب مطلقا أو تقييده بالتلويح، قال النووي: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة، لكن التعريض أولى. وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص وفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى. ويقويه ما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث أنس في قصة الحجاج ابن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم في استئذانه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، وإخباره لأهل مكة أن أهل خبير هزموا المسلمين وغير ذلك مما هو مشهور فيه، ولا يعارض ذلك ما أخرجه النسائي من طريق مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح، وقول الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم لما كف عن بيعته "هلا أومأت إلينا بعينك، قال: ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين" لأن طريق الجمع بينهما أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصة، وأما حال المبايعة فليست بحال حرب، كذا قال، وفيه نظر لأن قصة الحجاج بن علاط أيضا لم تكن في حال حرب. والجواب المستقيم أن تقول: المنع مطلقا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وإن كان مباحا لغيره، ولا يعارض ذلك ما تقدم من أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها، فإن المراد أنه كان يريد أمرا فلا يظهره كأن يريد أن يغزو وجهة الشرق فيسأل عن أمر في جهة الغرب، ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أنه يريد جهة الغرب، وأما أن يصرح بإرادته الغرب وإنما مراده الشرق فلا، والله أعلم. وقال ابن بطال: سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث فقال:

(6/159)


الكذب المباح في الحرب ما يكون من المعاريض لا التصريح بالتأمين مثلا، قال وقال المهلب: موضع الشاهد للترجمة من حديث الباب قول محمد بن مسلمة "قد عنانا، فإنه سألنا الصدقة" لأن هذا الكلام يحتمل أن يفهم أن اتباعهم له إنما هو للدنيا فيكون كذبا محضا، ويحتمل أن يريد أنه أتعبنا بما يقع لنا من محاربة العرب. فهو من معاريض الكلام، وليس فيه شيء من الكذب الحقيقي الذي هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه. ثم قال: ولا يجوز الكذب الحقيقي في شيء من الدين أصلا. قال: ومحال أن يأمر بالكذب من يقول: "من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" انتهى، وقد تقدم جواب ذلك بما يغني عن إعادته.

(6/160)


159 - باب الْفَتْكِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ
3032- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْذَنْ لِي فَأَقُولَ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ".
قوله: "باب الفتك بأهل الحرب" أي جواز قتل الحربي سرا، وبين هذه الترجمة وبين الترجمة الماضية وهي قتل المشرك النائم عموم وخصوص وجهي. الحديث طرف من حديث جابر في قصة قتل كعب ابن الأشرف، وقد تقدم التنبيه عليه في الباب الذي قبله، وإنما فتكوا به لأنه نقض العهد، وأعان على حرب النبي صلى الله عليه وسلم، وهجاه، ولم يقع لأحد ممن توجه إليه تأمين له بالتصريح، وإنما أوهموه ذلك وآنسوه حتى تمكنوا من قتله.

(6/160)


160 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ الِاحْتِيَالِ وَالْحَذَرِ مَعَ مَنْ يَخْشَى مَعَرَّتَهُ
3033- قَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ فَحُدِّثَ بِهِ فِي نَخْلٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ طَفِقَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَابْنُ صَيَّادٍ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا صَافِ هَذَا مُحَمَّدٌ فَوَثَبَ ابْنُ صَيَّادٍ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ".
قوله: "باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من يخشى معرته" بفتح الميم والمهملة وتشديد الراء أي شره وفساده. قوله: "وقال الليث إلى آخره" وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح كلاهما عن الليث وقد علق المصنف طرفا منه في أواخر الجنائز كما مضى، وسيأتي شرحه قريبا بعد ستة عشر بابا.

(6/160)


161 - باب الرَّجَزِ فِي الْحَرْبِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ
فِيهِ سَهْلٌ وَأَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ يَزِيدُ عَنْ سَلَمَةَ
3034- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ ـ وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الشَّعَرِ ـ

(6/160)


162 - باب مَنْ لاَ يَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ
3035- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي".
[الحديث 3035 – طرفاه في: 3822، 6090]
3036- "وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ إِنِّي لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا".
قوله: "باب من لا يثبت على الخيل" أي ينبغي لأهل الخير أن يدعوا له بالثبات، وفيه إشارة إلى فضيلة ركوب الخيل والثبات عليها. حديث جرير "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت" وسيأتي الكلام عليه في المناقب، وقوله: "إلا تبسم في وجهه" فيه التفات من التكلم إلى الغيبة، ووقع في رواية السرخسي والكشميهني على الأصل بلفظ: "في وجهي" وقوله: "ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل" هو موضع الترجمة وقد تقدم في "باب حرق الدور والنخيل" ويأتي شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى. وقوله: "هاديا مهديا" زعم ابن بطال

(6/161)


أن فيه تقديما وتأخيرا قال: لأنه لا يكون هاديا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا انتهى، وليست هنا صيغة ترتيب.

(6/162)


163 - باب دَوَاءِ الْجُرْحِ بِإِحْرَاقِ الْحَصِيرِ
وَغَسْلِ الْمَرْأَةِ عَنْ أَبِيهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَحَمْلِ الْمَاءِ فِي التُّرْسِ
3037- حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا أبو حازم قال: "سألوا سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه بأي شيء دووي جرح النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما بقي من الناس أحد أعلم به مني، كان علي يجيء بالماء في ترسه وكانت يعني فاطمة تغسل الدم عن وجهه، وأخذ حصير فأحرق ثم حشي به جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قوله: "باب دواء الجرح بإحراق الحصير، وغسل المرأة عن أبيها الدم عن وجهه، وحمل الماء في الترس" اشتمل هذا الباب على ثلاثة أحكام، وحديث الباب ظاهر فيها، وقد أفرد الثاني منها في كتاب الطهارة وأورد فيه هذا الحديث بعينه، وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي إن شاء الله تعالى.

(6/162)


164 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلاَفِ فِي الْحَرْبِ وَعُقُوبَةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ
وَقَول اللَّه عزَّ وجلَّ [46 الأنفال]: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}
يعني الحرب. قَالَ قَتَادَةُ: الرِّيحُ الْحَرْبُ
3038- حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ قَالَ يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا".
3039- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ فَهَزَمُوهُمْ قَالَ فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(6/162)


165 - باب إِذَا فَزِعُوا بِاللَّيْلِ
3040- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ قَالَ وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا قَالَ فَتَلَقَّاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ فَقَالَ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَجَدْتُهُ بَحْرًا يَعْنِي الْفَرَسَ".
قوله: "باب إذا فزعوا بالليل" أي ينبغي لأمير العسكر أن يكشف الخبر بنفسه أو بمن يندبه لذلك. ذكر فيه حديث أنس في فرس أبي طلحة، وقد تقدم شرحه في أواخر الهبة، وتقدم في كتاب الجهاد مرارا.

(6/163)


166 - باب مَنْ رَأَى الْعَدُوَّ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا صَبَاحَاهْ حَتَّى يُسْمِعَ النَّاسَ
3041- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ خَرَجْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ لَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قُلْتُ وَيْحَكَ مَا بِكَ قَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا يَا صَبَاحَاهْ يَا صَبَاحَاهْ ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُم