الجمعة، 6 مايو 2022

كتاب 24 و :25 من فتح الباري أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)

 

   كتاب :24 فتح الباري  أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ)
رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وذكر أطرافها : محمد فؤاد عبد الباقي  --
وعقب كل حديث أطرافه كما ذكرها محمد فؤاد عبد الباقي]

أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ"
الحديث الخامس والعشرون حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه. قوله: "حفظت بعضه وثبتني فيه معمر" بين أبو نعيم في مستخرجه القدر الذي حفظه سفيان عن الزهري والقدر الذي ثبته فيه معمر، فساقه من طريق حامد بن يحيى عن سفيان إلى قوله: "فأحرم منها بعمرة" ومن قوله: "وبعث عينا له من خزاعة إلخ" مما ثبته فيه معمر، وقد تقدم في هذا الباب من رواية علي بن المديني عن سفيان وفيه قول سفيان "لا أحفظ الإشعار والتقليد فيه: "وأن عليا قال: "ما أدري ما أراد سفيان بذلك، هل أراد أنه لا يحفظ الإشعار والتقليد فيه خاصة، أو أراد أنه لا يحفظ بقية الحديث: "وقد أزالت هذه الرواية الإشكال والتردد الذي وقع لعلي بن المديني، وقد تقدم الكلام على شرح الحديث مستوفى في الشروط، وأنه أورد هنا صدر الحديث واختصره هناك، وساق هناك الحديث بطوله واقتصر منه هنا على البعض، وتقدم بيان ما وقع هنا مما لم يذكره هناك من تسمية عينه الذي بعثه وأنه بشر بن سفيان الخزاعي، وضبط غدير الأشطاط، وذكر الواقدي أنه وراء عسفان. ثم أورد المصنف بعضا من الحديث غير ما ذكره من هذه الطريق من طريق أخرى. قوله: "حدثني إسحاق" هو ابن راهويه، ويعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد، وابن أخي ابن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب. قوله: "وامعضوا" بتشديد الميم بعدها عين مهملة ثم ضاد معجمة. وفي رواية الكشميهني: "وامتعضوا" بإظهار المثناة والمعنى شق عليهم، وقد سبق بسطه في الشروط. قوله: "ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده" أي إلى المشركين في تلك المدة وإن كان مسلما. قوله: "وجاءت المؤمنات مهاجرات" أي في تلك لمدة أيضا، وقد ذكرت أسماء من سمي منهن في كتاب الشروط. قوله: "فكانت أم كلثوم بنت عقبه بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي من مكة إلى المدينة مهاجرة مسلمة. فقوله: "وهي عاتق" أي بلغت واستحقت التزويج ولم تدخل في السن، وقيل: هي الشابة، وقيل: فوق المعصر، وقيل: استحقت التخدير، وقيل: بين البالغ والعانس، وتقدم بسط ذلك في كتاب العيدين. قوله: "فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم" في حديث عبد الله بن أبي أحمد بن جحش" هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فخرج أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط حتى قدما المدينة فكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها إليهم، فنقض العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة، فنزلت الآية" أخرجه ابن مردويه في تفسيره، وبهذا يظهر المراد بقوله في حديث الباب: "حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل". قوله: "حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل" أي من استثنائهن من مقتضى الصلح على رد من جاء منهم مسلما، وسيأتي بيان ذلك مشروحا في أواخر كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.
4182- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [12 الممتحنة] وَعَنْ عَمِّهِ قَالَ "بَلَغَنَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ.... فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ".

(7/454)


الحديث السادس والعشرون قوله: "قال ابن شهاب وأخبرني عروة إلخ" هو موصول بالإسناد المذكور، وقد وصله الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن يعقوب بن إبراهيم به وفيه بيان لأن الذي وقع في الشرط من عطف هذه القصة في رواية الزهري عن عروة عن مروان والمسور مدرج وإنما هو عن عروة عن عائشة، ويأتي شرح الامتحان في النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: "وعن عمه" هو موصل بالإسناد المذكور أيضا. قوله: "بلغنا حين أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم" هذا القدر ذكره هكذا مرسلا، وهو موصول من رواية معمر كما أشرنا إليه في الشروط، وسأشبع الكلام على ذلك في النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: "وبلغنا أن أبا بصير فذكره بطوله" كذا في الأصل وأشار إلى ما تقدم في قصة أبي بصير في كتاب الشروط؛ وقد ذكرت شرحها مبسوطا هناك حيث ساقها مطولة.
4183- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ فَقَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ"
4185- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ وَقَالَ إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَتَلَا[21 الأحزاب] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
4185- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ......." و حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَقَمْتَ الْعَامَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا تَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَايَاهُ وَحَلَقَ وَقَصَّرَ أَصْحَابُهُ وَقَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ مَا أُرَى شَأْنَهُمَا إِلَّا وَاحِدًا أُشْ هِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا"
4186- حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا صَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ يَأْتِي بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَعُمَرُ لاَ يَدْرِي بِذَلِكَ فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْفَرَسِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

(7/455)


قَالَ فَانْطَلَقَ فَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ
4187- وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ تَفَرَّقُوا فِي ظِلاَلِ الشَّجَرِ فَإِذَا النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَدْ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَخَرَجَ فَبَايَعَ"
الحديث السابع والعشرون حديث ابن عمر حيث خرج معتمرا في الفتنة. الحديث ذكره من طريق، وقد تقدم شرحه في "باب الإحصار" من كتاب الحج. قوله: "حدثني شجاع بن الوليد" أي البخاري المؤدب أبو الليث، ثقة من أقران البخاري، وسمع قبله قليلا، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع. وأما شجاع بن الوليد الكوفي فذاك يكنى أم بدر ولم يدركه البخاري. قوله: "سمع النضر بن محمد" هو الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة، ثقة متفق عليه، وما له في البخاري لا هذا الحديث. قوله: "حدثنا صخر" هو ابن جويرية. قوله: "عن نافع قال: إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلخ" ظاهر هذا السياق الإرسال، ولكن الطريق التي بعدها أوضحت أن نافعا حمله عن ابن عمر. قوله: "عند رجل من الأنصار" لم أقف على اسمه، ويحتمل أنه الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينه، وقد تقدمت الإشارة إليه في أول كتاب العلم. قوله: "وعمر يستلئم للقتال" أي يلبس اللأمة بالهمز وهي السلاح. قوله: "وقال هشام بن عمار" كذا وقع بصيغة التعليق، وفي بعض النسخ "وقال لي" وقد وصله الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن دحيم وهو عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم بالإسناد المذكور. قوله: "فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم" أي محيطون به ناظرون إليه بأحد بأحداقهم. قوله: "فقال: يا عبد الله" القائل يا عبد الله هو عمر. قوله: "قد أحدقوا" كذا للكشميهني وغيره وهو الصواب. ووقع للمستملي: "قال أحدقوا" جعل بدل قد قال وهو تحريف، وهذا السبب الذي هنا في أن ابن عمر بايع قبل أبيه غير السبب الذي قبله، ويمكن الجمع بينهما بأنه بعثه يحضر له الفرس، ورأى الناس مجتمعين فقال له انظر ما شأنهم، فبدأ بكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع، وتوجه إلى الفرس فأحضرها وأعاد حينئذ الجواب على أبيه، وأما ابن التين فلم يظهر له وجه الجمع بينهما فقال: هذا اختلاف، ولم يسند نافع إلى ابن عمر ذلك في شيء من الروايتين، كذا قال، والثانية ظاهرة في الرد عليه فإن فيها عن ابن عمر كما بيناه. ثم زعم أن المبايعة المذكورة إنما كانت حين قدموا إلى المدينة مهاجرين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الناس فمر به ابن عمر وهو يبايع، الحديث. قلت: وبمثل ذلك لا ترد الروايات الصحيحة. فقد صرح في الرواية الأولى بأن ذلك كان يوم الحديبية، والقصة التي أشار إليها تقدمت من وجه آخر في الهجرة، وليس فيما نقل فيها ما يمنع التعدد، بل يتعين ذلك لصحة الطريقين. والله المستعان. قوله: "فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع" هكذا أورده مختصرا، وتوضحه الرواية التي قبله وهو أن ابن عمر لما رأى الناس يبايعون بيع ثم رجع إلى عمر فأخبره بذلك فخرج وخرج معه فبايع عمر

(7/456)


وبايع ابن عمر مرة أخرى.
4188- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اعْتَمَرَ فَطَافَ فَطُفْنَا مَعَهُ وَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لاَ يُصِيبُهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ"
4189- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ قَالَ أَبُو وَائِلٍ "لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ فَقَالَ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الأَمْرِ مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلاَّ انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ"
4190- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً قَالَ أَيُّوبُ لاَ أَدْرِي بِأَيِّ هَذَا بَدَأَ"
4191- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ قَالَ وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ فَجَعَلَتْ الْهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [196 البقرة]: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
الحديث التاسع والعشرون قوله: "حدثتا ابن نمير" هو محمد بن عبد الله بن نمير. قوله: "حدثنا يعلى" هو ابن عبيد، وإسماعيل هو ابن أبي خالد. قوله: "لا يصيبه أحد بشيء" أي لئلا يصيبه، وهذا كان في عمرة القضاء وقد تقدم أن عبد الله بن أبي أوفى كان ممن بايع تحت الشجرة وهو في عمرة الحديبية، وكل من شهد الحديبية وعاش إلى السنة المقبلة خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في عمرة القضاء. قوله: "حدثنا الحسن" بفتح المهملتين أي ابن إسحاق بن زياد الليثي مولاهم المروزي المعروف بحسنويه يكنى أبا علي، وثقه النسائي، ولم يعرفه أبو حاتم وعرفه غيره، قال ابن حبان في الثقات: كان من أصحاب

(7/457)


ابن المبارك ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين، وما له في البخاري سوى هذا الحديث. ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري، وقد يروي عنه بواسطة كما هنا. قوله: "ما يسد منه خصم1" بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة أي جانب، وقد تقدم هذا الحديث في آخر الجهاد. وزعم المزي في "الأطراف" أن المصنف أخرج هذه الطريق في فرض الخمس، وليس كذلك. حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية أورده المصنف من وجهين، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية أورده المصنف من وجهين، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
ـــــــ
1 رواية المتن "ما نسد منها خصما"

(7/458)


36 - باب قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ
4192- حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ "أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ"
قَالَ قَتَادَةُ "بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ" وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ "مِنْ عُرَيْنَةَ" وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ "قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ"
4193- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَالْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ وَكَانَ مَعَهُ بِالشَّأْمِ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتَشَارَ النَّاسَ يَوْمًا قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقَسَامَةِ فَقَالُوا حَقٌّ قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَبْلَكَ قَالَ وَأَبُو قِلاَبَةَ خَلْفَ سَرِيرِهِ فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ فَأَيْنَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْعُرَنِيِّينَ قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ "إِيَّايَ حَدَّثَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ" قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ "مِنْ عُرَيْنَةَ" وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ "مِنْ عُكْلٍ ....ذَكَرَ الْقِصَّةَ"
قوله: "باب قصة عكل" بضم المهملة وسكون الكاف بعدها لام "وعرينة" بمهملة وراء ثم نون مصغر، قبيلتان تقدم ذكرهما وبيان نسبهما في "باب أبواب الإبل" من كتاب الطهارة مع شرح حديث الباب مستوفى، وتقدم قريبا بيان الاختلاف في وقتها وأن ابن إسحاق ذكر أنها كانت بعد غزوة ذي قرد.قوله: "قال قتادة" هو موصول بالإسناد المذكور إليه. قوله: "وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة" بضم الميم

(7/458)


وسكون المثلثة، وهذا البلاغ لم أقف على من فسر المراد به، وقد يسر الله الكريم به الآن، وكنت قد أغفلت التنبيه عليه في المقدمة، وحقه أن يذكر في الفصل الأخير منها عند ذكر عدد أحاديث الصحيح وتفصيلها بذكر كل صحابي وكم ورد له عنده من حديث، وأن يذكر في المبهمات من الفصل المذكور، فإنه حديث أخرجه البخاري في الجملة وإن كان إسناده معضلا، فإن هذا المتن جاء من حديث قتادة عن الحسن البصري عن هياج بن عمران عن عمران بن حصين وعن سمرة بن جندب قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثا على الصدقة وينهانا عن المثلة" أخرجه أبو داود من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بهذا الإسناد واللفظ وفيه قصة، وأخرجه أحمد من طريق سعيد عن قتادة بهذا الإسناد إلى عمران بن حصين وفيه القصة ولفظه: "كان يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة" وعن سمرة مثل ذلك، وإسناد هذا الحديث قوي، فإن هياجا بتحتانية ثقيلة وآخره جيم هو ابن عمران البصري وثقه ابن سعد وابن حبان وبقية رجاله من رجال الصحيح، وسيأتي في الذبائح، ومضى في المظالم من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة والنهبى" ولكنه من غير طريق قتادة، وسيأتي شرح المثلة في الذبائح إن شاء الله تعالى والذي يظهر أن الذي أوردناه هو مراد قتادة بالبلاغ الذي وقع عند البخاري، وقد تبين بهذا أن في الحديث الذي أخرجه النسائي من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن هشام عن قتادة عن أنس قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة" إدراجا وأن هذا القدر من الحديث لم يسنده قتادة عن أنس وإنما ذكره بلاغا، ولما نشط لذكر إسناده ساقه بوسائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. قوله: "وقال شعبة وأبان وحماد عن قتادة من عرينة" يريد أن هؤلاء رووا هذا الحديث عن قتادة عن أنس فاقتصروا على ذكر عرينة دون عكل، فأما رواية شعبة فوصلها المصنف في الزكاة. وأما رواية أبان وهو ابن يزيد العطار فوصلها ابن أبي شيبة، وأما رواية حماد هو ابن سلمة فوصلها أبو داود والنسائي. قوله: "قال يحيى بن أبي كثير وأيوب عن أبي قلابة عن أنس: قدم نفر من عكل" يريد أن هذين روياه بعكس أولئك فاقتصرا على ذكر عكل دون عرينة، فأما رواية يحيى فوصلها المصنف في المحاربين، وأما رواية أيوب فوصلها المصنف في الطهارة. قوله: "وحدثني محمد بن عبد الرحيم" هو الحافظ لمعروف بصاعقة البزار يكنى أبا يحيى، وحفص بن عمر شيخه من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كالذي هنا. قوله: "حدثنا أيوب والحجاج الصواف قالا حدثني أبو قلابة" كذا وقع في النسخ المعتمدة "قال حدثني" بالأفراد والمراد حجاج، فأما أيوب فلا يظهر من هذه الرواية كيفية سياقه، وقد اختلف عليه فيه هل هو عنده عن أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة، وأوضح ذلك الدار قطني فقال: أن أيوب حيث يرويه عن أبي قلابة نفسه فإنه يقتصر على قصة العرنيين، وحيث يرويه عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة فإنه يذكر مع ذلك قصة أبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز ولما دار بينه وبين عنبسة بن سعيد، وأما حجاج الصواف فإنه يرويه بتمامه عن أبي رجاء عن أبي قلابة انتهى. وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من هذا في كتاب الطهارة. قوله: "وأبو قلابة خلف سريره فقال عنبسة بن سعيد" كذا وقع مختصرا، وسيأتي في الديات من طريق إسماعيل بن علية عن حجاج الصواف مطولا، وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أيوب عن أبي رجاء عن أبي قلابة مطولا، وسيأتي شرحه في الديات إن شاء الله تعالى. قوله: "وقال أبو قلابة عن أنس من عكل، وذكر القصة" أي قصتهم، وقد تقدم الكلام على حديث أبي قلابة في الطهارة. "تنبيه": وقع من قوله: "وقال شعبة "إلى آخر الباب عند أبي ذر بين غزوة

(7/459)


ذي قرد وبين غزوة خيبر وعليه جرى الإسماعيلي، ووقع عند الباقين تاليا لحديث العرنيين الذي قبله وهو الراجح، ولعل الفصل وقع مع تغيير بعض الرواة، ويحتمل أن يكون البخاري تعمد ذلك إشارة منه إلى أن قصة العرنيين متحدة مع غزوة ذي قرد كما يشير إليه كلام بعض أهل المغازي، وإن كان الراجح خلافه، والله أعلم.

(7/460)


باب غزوة ذات الفرد
...
37 - باب غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ
وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلاَثٍ
4194- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ "خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدَ قَالَ فَلَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ قَالَ فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ يَا صَبَاحَاهْ قَالَ فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْ الْمَدِينَةِ ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنْ الْمَاءِ فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وَكُنْتُ رَامِيًا وَأَقُولُ أَنَا ابْنُ الأَكْوَعْ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً قَالَ وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ السَّاعَةَ فَقَالَ يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ قَالَ ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ"
قوله: "وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث" كذا جزم به، ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فإنه قال في آخر الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم من طريقه" قال فرجعنا - أي من الغزوة - إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر" وأما ابن سعد فقال: "كانت غزوة ذي قرد في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية، وقيل: في جمادى الأولى" وعن ابن إسحاق في شعبان منها فإنه قال: "كانت بنو لحيان في شعبان سنة ست، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فلم يقم بها إلا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه" قال القرطبي شارح مسلم في الكلام على حديث سلمة من الأكوع: لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، فيكون ما وقع في حديث سلمه من وهم بعض الرواة، قال: ويحتمل أن يجمع بأن يقال: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان أغزى سرية فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه وعمن خرج معه يعني حيث قال: "خرجنا إلى خيبر" قال: ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين انتهى. وسياق الحديث يأبى هدا الجمع، فإن فيه بعد قوله: "حين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل عمر يرتجز بالقول" وفيه

(7/460)


قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من السائق" وفيه مبارزة علي لمرحب وقتل عامر وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حين خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير، ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت مرتين الأولى التي ذكرها ابن إسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر، وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم، ويؤيده أن الحاكم ذكر في "الإكليل" أن الخروج إلى ذي، قرد تكرر، ففي الأول خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر سنة خمس، والثالثة هذه المختلف فيها انتهى. فإذا ثبت هذا قوي هذا الجمع الذي ذكرته والله أعلم.قوله: "حدثنا حاتم" هو ابن إسماعيل ويزيد بن أبي عبيدة هو مولى سلمة بن الأكوع، وقد أخرج البخاري هذا الحديث عاليا في الجهاد عن مكي بن إبراهيم عن يزيد وهو أحد ثلاثياته. قوله: "خرجت قبل أن يؤذن بالأولى" يعني صلاة الصبح، ويدل عليه في رواية مسلم أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس. وفي رواية مكي "خرجت من المدينة ذاهبا نحو الغابة". قوله: "وكانت لقاح رسول الله ترعى بذي قرد" اللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة. ذوات الدر من الإبل واحدها لقحة بالكسر وبالفتح أيضا، واللقوح الحلوب. وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة، قال. وكان فيهم ابن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة. قوله: "فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف" لم أقف على أسمه، ويحتمل أن يكون هو رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم، وكأنه كان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا. قوله: "غطفان" بفتح المعجمة والطاء المشالة المهملة والفاء، تقدم بيان نسبهم في غزوة ذات الرقاع. وفي رواية مكي "غطفان وفزارة" وهو من الخاص بعد العام لأن فزارة من غطفان، وعند مسلم: "قدمنا الحديبية ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلامه وأنا معه، وخرجت بفرس لطلحة أندبه، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري" ولأحمد وابن سعد من هذا الوجه" عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري وقد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه، قال فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس وأبلغه طلحة وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر" وللطبراني من وجه آخر عن سلمة" خرجت بقوسي ونبلي وكنت أرمي الصيد، فإذا عيينة بن حصن قد أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقها" ولا مناف، فإن كلا من عيينة وعبد الرحمن بن عيينة كان في القوم. وذكر موسى بن عقبة وابن إسحاق أن مسعدة الفزاري كان أيضا رئيسا في فزارة في هذه الغزاة. قوله: "فصرخت ثلاثة صرخات" في رواية المستملي: "بثلاث" بزيادة الموحدة وهي للاستغاثة. قوله: "فأسمعت ما بين لابتي المدينة" فيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدا، ويحتمل أن يكون ذلك من خوارق العادات. ولمسلم: "فعلوت أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا" وللطبراني "فصعدت في سلع ثم صحت: يا صباحاه، فانتهى صياحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنودي في الناس الفزع الفزع" وهو عند إسحاق بمعناه. قوله: "يا صباحاه" هي كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه. قوله: "ثم اندفعت على وجهي" أي لم ألتفت يمينا ولا شمالا بل أسرعت الجري، وكان شديد العدو كما سيأتي بيانه في آخر الحديث. قوله: "حتى أدركتهم" في رواية مكي "حتى ألقاهم وقد أخذوها" يعني اللقاح ذكره بهذه الصيغة مبالغة في استحضار الحال. قوله: "فأقبلت أرميهم"1 أي أقبلت عليهم أرميهم أي بالسهام.
ـــــــ
1 نسخة المتن "فجعلت أرميهم"

(7/461)


قوله: "وأقول: أنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع" بضم الراء وتشديد المعجمة جمع راضع وهو اللئيم، فمعناه اليوم يوم اللئام أي اليوم يوم هلاك اللئام، والأصل فيه أن شخصا كان شديد البخل، فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبها فيسمع جيرانه أو من يمر به صوت الحلب فيطلبون منه اللبن، وقيل: بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شيء إذا حلب في الإناء أو يبقى في الإناء شيء إذا شربه منه، فقالوا في المثل "الأم من راضع" وقيل: بل معنى المثل ارتضع اللؤم من بطن أمه، وقيل: كل من كان يوصف وباللؤم يوصف بالمص والرضاع، وقيل: المراد من يمص طرف الخلال إذا خل أسنانه، وهو دال على شدة الحرص. وقيل: هو الراعي الذي لا يستصحب محلبا، فإذا جاءه الضيف اعتذر بأن لا محلب منه، وإذا أراد أن يشرب ارتضع ثديها. وقال أبو عمرو الشيباني: هو الذي يرتضع الشاة أو الناقة عند إرادة الحلب من شدة الشره. وقيل: أصله الشاة ترضع لبن شاتين من شدة الجوع. وقيل: معناه اليوم يعرف من ارتضع كريمة فأنجبته ولئيمة فهجنته. وقيل: معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها من غيره. وقال الداودي: معناه هذا يوم شديد عليكم تفارق فيه المرضعة من أرضعته فلا تجد من ترضعه. قال السهيلي: قوله اليوم يوم الرضع يجوز الرفع فيهما ويصب الأول ورفع الثاني على جعل الأول ظرفا قال: وهو جائز إذا كان الظرف واسعا ولا يضيق على الثاني. قال: وقال أهل اللغة: يقال في اللؤم رضع بالفتح يرضع بالضم رضاعة لا غير، ورضع الصبي بالكسر ثدي أمه يرضع بالفتح رضاعا مثل سمع يسمع سماعا. وعند مسلم في هذا الموضع "فأقبلت أرميهم بالنبل وأرتجز" وفيه: "فألحق رجلا منهم فأصكه بسهم في رجله فخلص السهم إلى كعبه، فما زلت أرميهم وأعقرهم، فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به، فإذا تضايق الخيل فدخلوا في مضايقة علوت الجبل فرميتهم بالحجارة" وعند ابن إسحاق "وكان سلمة مثل الأسد، فإذا حملت عليه الخيل فر ثم عارضهم فنضحها عنه بالنبل". قوله: "استنقذت اللقاح منهم واستلبت منهم ثلاثين بردة" في رواية مسلم: "فما زلت كذلك حتى ما خلق الله من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير إلا خلفته وراء ظهري، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يتخففون بها، قال فأتوا مضيقا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون فجلست على رأس قرن، فقال لهم: من هذا؟ فقالوا لقينا من هذا البرج، قال فليقم إليه منكم أربعة، فتوجهوا إليه فتهددهم فرجعوا، قال: فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم الأخرم الأسدي، فقلت له احذوهم، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فقتله عبد الرحمن وتحول على فرسه، فلحقه أبو قتادة فقتل عبد الرحمن وتحول على الفرس، قال واتبعتهم على رجلي حتى ما أرى أحدا، فعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذي قرد فشربوا منه وهم عطاش، قال فجلاهم عنه حتى طردهم، وتركوا فرسين على ثنية فحثت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن إسحاق نحو هذه القصة وقال: "إن الأخرم لقب، واسمه محرز بن نضلة" لكن وقع عنده "حبيب بن عيينة بن حصن" بدل عبد الرحمن، فيحتمل أن يكون كان له اسمان. قوله: "وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس" في رواية مسلم: "وأتاني عمي عامر بن الأكوع بسطيحة فيها ماء وسطيحة فيها لبن، فتوضأت وشربت" ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه، فإذا هو قد أخذ كل شيء استنقذته منهم، ونحر له بلال ناقته. قوله: "قد حميت القوم الماء" أي منعتهم من الشرب. قوله: "فابعث إليهم الساعة" في رواية مسلم: "فقلت يا رسول الله خلني أنتخب من القوم مائة رجل فأتبعهم فلا يبقى منهم مخبر، قال فضحك" وعند ابن إسحاق" فقلت يا رسول الله لو

(7/462)


سرحتني في مائة رجل لأخذت بأعناق القوم". قوله: "فقال يا ابن الأكوع ملكت فأسجح" بهمزة قطع وسين مهملة ساكنة وجيم مكسورة بعدها مهملة، أي سهل. والمعنى قدرت فاعف. والسجاحة السهولة. زاد مكي في روايته: "أن القوم ليقرون في قومهم" وعند الكشميهني: "من قومهم" ولمسلم: "أنهم ليقرون في أرض غطفان" ويقرون بضم أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الواو من القرى وهي الضيافة، ولابن إسحاق "فقال إنهم الآن وليغبقون في غطفان" وهو بالغين المعجمة الساكنة والموحدة المفتوحة والقاف، من الغبوق وهو شرب أول الليل، والمراد أنهم فاتوا وأنهم وصلوا إلى بلاد قومهم ونزلوا عليهم فهم الآن يذبحون لهم ويطعمونهم. ووقع عند مسلم: "قال: فجاء رجل فقال: نحر لهم فلان جزورا، فلما كشطوا جلدها إذا هم بغبرة، فقالوا: أتاكم القوم فخرجوا هاربين". قوله: "ثم رجعنا إلى المدينة ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة" في رواية مسلم: "ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء" وذكر قصة الأنصاري الذي سابقه فسبقه سلمة، قال: "فسبقت إلى المدينة، فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر - وفيه - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خ ير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا اليوم سلمة . قال سلمة ثم أعطاني سهم الراجل والفارس جميعا" وروى الحاكم في "الإكليل" والبيهقي من طريق عكرمة بن قتادة بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة حدثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة، أن أبا قتادة اشترى فرسه، فلقيه مسعدة الفزاري فتقاولا فقال أبو قتادة: أسأل الله أن يلقينك وأنا عليها، قال: آمين. قال: فبينما هو يعلفها إذ قيل: أخذت اللقاح، فركبها حتى هجم على العسكر، قال فطلع على فارس فقال: لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة، فذكر مصارعته له وظفره به وقتله وهزم المشركين، ثم لم ينشب المسلمون أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبو قتادة سيد الفرسان ". وفي الحديث جواز العدو الشديد في الغزو، والإنذار بالصياح العالي، وتعريف الإنسان نفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه، واستحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل ليستزيد من ذلك ومحله حيث يؤمن الافتتان، وفيه المسابقة على الإقدام ولا خلاف في جوازه بغير عوض، وأما بالعوض فالصحيح لا يصح. والله أعلم.

(7/463)


38 - باب غَزْوَةِ خَيْبَرَ
4195- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ"
4196- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ يَا عَامِرُ أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:

(7/463)


اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا ... وَثَبِّتْ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّا ... إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَا هَذِهِ النِّيرَانُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُون َ قَالُوا عَلَى لَحْمٍ قَالَ عَلَى أَيِّ لَحْمٍ قَالُوا لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي قَالَ مَا لَكَ قُلْتُ لَهُ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ لَهُ لاَجْرَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ نَشَأَ بِهَا "
قوله: "باب غزوة خيبر" بمعجمة وتحتانية وموحدة بوزن جعفر، وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام، وذكر أبو عبيدة البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها، قال ابن إسحاق: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم سنه سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر، وروى يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق في حديث المسور ومروان قالا: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة فأعطاه الله فيها خيبر بقوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} يعني خيبر، فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم. وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها، ثم خرج إلى خيبر. وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس "أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال" وفي مغازي سليمان التيمي "أقام خمسة عشر يوما" وحكى ابن التين عن ابن الحصار أنها كانت في آخر سنة ست، وهذا منقول عن مالك، وبه جزم ابن حزم، وهذه الأقوال متقاربة، والراجح منها ما ذكره ابن إسحاق، ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على أن ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول، وأما ما ذكره الحاكم عن الواقدي وكذا ذكره ابن سعد أنها كانت في جمادى الأولى، فالذي رأيته في مغازي الواقدي أنها كانت في صفر، وقيل: في ربيع الأول، وأغرب من ذلك ما أخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد الخدري قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان"

(7/464)


الحديث وإسناده حسن، إلا أنه خطأ، ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت، وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح، وغزوة الفتح خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها في رمضان جزما، والله أعلم. وذكر الشيخ أبو حامد في التعليقة أنها كانت سنة خمس، وهو وهم، ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر. وذكر ابن هشام أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة نميلة بنون مصغر ابن عبد الله الليثي، وعند أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة أنه سباع بن عرفطة وهو أصح. حديث سويد بن النعمان وهو الأنصاري الحارثي أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، الحديث. وقد تقدم شرحه في الطهارة. والغرض منه هنا الإشارة إلى أن الطريق التي خرجوا منها إلى خيبر كانت على طريق الصهباء، وقد تقدم ضبطها. قوله: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسرنا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر ألا تسمعنا" لم أقف على اسمه صريحا، وعند ابن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان: "انزل يا ابن الأكوع فاحد لنا من هنياتك" ففي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بذلك. قوله: "من هنيهاتك" في رواية الكشميهني بحذف الهاء الثانية وتشديد التحتانية التي قبلها، والهنيهات جمع هنيهة وهي تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة. ووقع في الدعوات من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد" لو أسمعتنا من هناتك" بغير تصغير. قوله: "وكان عامر رجلا شاعرا" قيل: هذا يدل على أن الرجز من أقسام الشعر، لأن الذي قاله عامر حينئذ من الرجز. وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى. قوله: "اللهم لولا أنت ما اهتدينا" في هذا القسم زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله، وأكثرها أربعة أحرف، وقد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه، بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر، أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة. قوله: "فاغفر فداء لك ما اتقينا" أما قوله فداء فهو بكسر الفاء وبالمد، وحكى ابن التين فتح أوله مع القصر وزعم أنه هنا بالكسر القصر لضرورة الوزن، ولم يصب في ذلك فإنه لا يتزن إلا بالمد. وقد استشكل هذا الكلام لأنه لا يقال في حق الله، إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وحذف متعلق الفداء للشهرة، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء. وأجيب عن ذلك بأنها كلمه لا يراد بها ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ. وقيل: المخاطب بهذا الشعر النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك، وعلى هذا فقوله: "اللهم" لم يقصد بها الدعاء، وإنما افتتح بها الكلام، والمخاطب بقول الشاعر "لولا أنت" النبي صلى الله عليه وسلم إلخ، ويعكر عليه قوله بعد ذلك:
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
فإنه دعا الله تعالى ويحتمل أن يكون المنعى فاسأل ربك أن ينزل ويثبت والله أعلم. وأما قوله: "ما اتقينا" فبتشديد المثناة بعدها قاف للأكثر، ومعناه ما تركنا من الأوامر، و "ما" ظرفية، وللأصيلي والنسفي بهمزة قطع ثم موحدة ساكنة أي ما خلفنا وراءنا مما اكتسبنا من الآثام، أو ما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب منه. وللقابسي "ما لقينا" باللام وكسر القاف والمعنى ما وجدنا من المناهي، ووقع في رواية قتيبة عن حاتم بن إسماعيل

(7/465)


كما سيأتي في الأدب "ما اقتفينا" بقاف ساكنة ومثناة مفتوحة ثم تحتانية ساكنة أي تبعنا من الخطايا من قفوت الأثر إذا اتبعته، وكذا لمسلم عن قتيبة وهي أشهر الروايات في هذا الرجز. قوله: "وألقين سكينة علينا" في رواية النسفي "وألق السكينة علينا" بحذف النون وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين، وليس بموزون. قوله: "إنا إذا صيح بنا أتينا" بمثناة، أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق، وروي بالموحدة كذا رأيت في رواية النسفي، فإن كانت ثابتة فالمعنى إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا. قوله: "وبالصياح عولوا علينا" أي قصدونا بالدعاء بالصوت العالي واستغاثوا علينا، تقول: عولت على فلان وعولت بفلان بمعنى استغثت به. وقال الخطابي: المعني أجلبوا علينا بالصوت، وهو من العويل. وتعقبه ابن التين بأن عولوا بالتثقيل من التعويل ولو كان من العويل لكان أعولوا. ووقع في رواية إياس بن سلمة عن أبيه عند أحمد في هذا الرجز من الزيادة:
"وإن الذين قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا"
وهذا القسم الأخير عند مسلم أيضا. قوله: "من هذا السائق" في رواية أحمد فجعل عامر يرتجز ويسوق الركاب وهذه كانت عادتهم إذا أرادوا تنشيط الإبل في السير ينزل بعضهم فيسوقها ويحدو في تلك الحال. قوله: "قال يرحمه الله" في رواية إياس بن سلمة "قال غفر لك ربك" قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد، وبهذه الزيادة يظهر السر في قول الرجل "لولا أمتعتنا به". قوله: "قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به" اسم هذا الرجل عمر سماه مسلم في رواية إياس بن سلمة ولفظه: "فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله لولا أمتعتنا بعامر" وفي حديث نصر بن دهر عند ابن إسحاق "فقال عمر: وجبت يا رسول الله" ومعنى قوله لولا أي هلا، وأمتعتنا أي متعتنا أي أبقيته لنا لنتمتع به أي بشجاعته، والتمتع الترفه إلى مدة، ومنه أمتعني الله ببقائك. قوله: "فأتينا خيبرا" أي أهل خيبر. قوله: "فحاصرناهم" ذكر ابن إسحاق أن أول شيء حاصروه ففتح حصن ناعم، ثم انتقلوا إلى غيره. قوله: "حتى أصابتنا مخمصة" بمعجمة ثم مهملة أي مجاعة شديدة، وسيأتي شرح قصة الحمر الأهلية في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. قوله: "وكان سيف عامر قصيرا فتناول به ساق يهودي ليضربه" في رواية إياس بن سلمة "فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
قال فبرز إليه عامر فقال:
قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فصار عامر يسفل له أي يضربه من أسفل، فرجع سيفه - أي عامر - على نفسه. قوله: "ويرجع ذباب سيفه" أي طرفه الأعلى وقيل: حده. قوله: "فأصاب عين ركبة عامر" أي طرف ركبته الأعلى فمات منه. وفي رواية يحيى القطان "فأصيب عامر بسيف نفسه فمات" وفي رواية إياس بن سلمة عند مسلم: "فقطع أكحله فكانت فيها نفسه "وفي رواية ابن إسحاق" فكلمه كلما شديدا فمات منه". قوله: "فلما قفلوا من خيبر" أي رجعوا. قوله: "وهو آخذ يدي" في رواية الكشميهني: "بيدي" وفي رواية قتيبة

(7/466)


"رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحبا" بمعجمة ثم مهملة وموحدة أي متغير اللون. وفي رواية إياس "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي". قوله: "زعموا أن عامرا حبط عمله" في رواية إياس "بطل عمل عامر قتل نفسه" وسمي من القائلين أسيد بن حضير، في رواية قتيبة الآتية في الأدب وعند ابن إسحاق "فكان المسلمون شكوا فيه وقالوا فما قتله سلاحه" ونحو عند مسلم من وجه آخر عن سلمة. قوله: "كذب من قاله" أي أخطأ. قوله: "إن له أجرين" في رواية الكشميهني: "لأجرين" وكذا في رواية قتيبة، وكذا في رواية ابن إسحاق "إنه لشهيد، وصلى عليه". قوله: "إنه لجاهد مجاهد" كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما وكسر الهاء والتنوين، والأول مرفوع على الخبر. والثاني إتباع للتأكيد، كما قالوا جاد مجد. ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملي بفتح الهاء والدال، وكذا ضبطه الباجي، قال عياض: والأول هو الوجه. قلت: يؤيده رواية أبي داود من وجه آخر عن سلمة "مات جاهدا مجاهدا" قال ابن دريد: رجل جاهد أي جاد في أموره. وقال ابن التين: الجاهد من يرتكب المشقة، ومجاهد أي لأعداء الله تعالى. قوله: "قل عربي مشى بها مثله" كذا في هذه الرواية بالميم والقصر من المشي، والضمير للأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة. قوله: "قال قتيبة نشأ" أي بنون وبهمزة، والمراد أن قتيبة رواه عن حاتم بن إسماعيل بهذا الإسناد فخالف في هذه اللفظة. وروايته موصولة في الأدب عنده، وغفل الكشميهني فرواها هنالك بالميم والقصر، وحكى السهيلي أنه وقع في رواية: "مشابها" بضم الميم اسم فاعل من الشبهة أي ليس له مشابه في صفات الكمال في القتال، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره رأيته مشابها، أو على الحال من قوله: "عربي" قال السهيلي: والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى، قال السهيلي أيضا: وروى "قل عربيا نشأ بها مثله" والفاعل مثله، وعربيا منصوب على التمييز لأن في الكلام معنى المدح، على حد قولهم عظم زيد رجلا، وقل زيد أدبا.
4197- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى خَيْبَرَ لَيْلًا وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ الْيَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" .
4198- أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً فَخَرَجَ أَهْلُهَا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ"
4199- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ أُكِلَتْ الْحُمُرُ فَسَكَتَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ أُكِلَتْ الْحُمُرُ

(7/467)


فَسَكَتَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ أُفْنِيَتْ الْحُمُرُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ"
الحديث الثالث حديث أنس ذكره من ثلاثة طرق قوله: "عن أنس" في رواية أبي إسحاق الفزاري عن حميد "سمعت أنسا" كما تقدم في الجهاد. قوله: "أتى خيبر ليلا" أي قرب منها، وذكر ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم، قال: فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر، فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم، فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر. قوله: "لم يغر بهم حتى يصبح" كذا للأكثر من الإغارة، ولأبي ذر عن المستملي: "لم يقربهم" بفتح أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة، وتقدم في الجهاد بلفظ: "لا يغير عليهم" وهو يؤيد رواية الجمهور، وتقدم في الأذان من وجه آخر عن حميد بلفظ: "كان إذا غزا لم يغز بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار، قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب" وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده لهم، فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين، فلا يرون أحدا. حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك، وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين. قوله: "خرجت يهود" زاد أحمد من طريق قتادة عن أنس "إلى زروعهم". قولهم: "بمساحيهم" بمهملتين جمع مسحاة وهي من آلات الحرث "ومكاتلهم" جمع مكتل وهو القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره. وعند أحمد من حديث أبي طلحة في نحو هذه القصة" حتى إذا كان عند السحر وذهب ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغار عليهم". قوله: "محمد والخميس" تقدم في أوائل الصلاة من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ: "خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا: محمد" قال عبد العزيز. قال بعض أصحابنا عن أنس "والخميس" يعني الجيش وعرف المراد ببعض أصحابه من هذا الطريق، وتقدم في صلاة الخوف من طريق حماد بن زيد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس نحوه وفيه: "يقولون محمد والخميس" قال: والخميس الجيش. وعرف من سياق هذا الباب أن اللفظ هناك لثابت، وقد بينت ما في هذا الموضع من الإدراج في أوائل كتات الصلاة، وزاد في الجهاد من وجه آخر عن أيوب "فلجئوا إلى الحصن" أي تحصنوا به. قوله: "خربت خيبر" زاد في الجهاد فرفع يديه وقال: "الله أكبر، خربت خيبر" وزيادة التكبير في معظم الطرق عن أنس وعن حميد، قال السهيلي: يؤخذ من هذا الحديث التفاؤل، لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى آلات الهدم - مع أن لفظ المسحاة من سحوت إذا قشرت - أخذ منه أن مدينتهم ستخرب، انتهى. ويحتمل أن يكون قال. "خربت خيبر" بطريق الوحي. ويؤيده قوله بعد ذلك: "إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" . قوله في رواية محمد بن سيرين عن أنس "صبحنا خيبر بكرة" لا يغاير قوله في رواية حميد عن أنس أنهم قدموها ليلا، فإنه يحمل على أنهم لما قدموها وناموا دونها ركبوا إليها يكره فصبحوها بالقتال والإغارة، وقد وقع ذلك في رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد واضحا، زاد في رواية محمد بن سيرين قصة الحمر الأهلية وسيأتي شرحها مستوفى في كتاب الذبائح إن شاء تعالى. قوله: "حدثنا عبد الوهاب" هو ابن عبد المجيد الثقفي، وليس هو والد الراوي عند عبد الله بن عبد الوهاب، فإن الراوي عنه عبدري حجيي إلا ثقفي. قوله: "ينهيانكم" في رواية سفيان الآتية "ينهاكم" بالإفراد وفي رواية عبد الوهاب بالتثنية،

(7/468)


وهو دال على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد، فيرد به على من زعم أن قوله للخطيب: "بئس خطيب القوم أنت" لكونه قال: "ومن يعصمها فقد غوى" وقد تقدمت الإشارة إلى مباحث ذلك في كتاب الصلاة. قوله: "فأكفئت القدور" قال ابن التين: صوابه فكفئت، قال الأصمعي: كفأت الإناء قلبته ولا يقال أكفأته، ويحتمل أن يكون المراد أميلت حتى أزيل ما فيها، قال الكسائي: أكفأت الإناء أملته.
4200- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ آنْتَ قُلْتَ لِأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ"
4201- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا قَالَ أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا"
قوله: "حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس "تقدم في صلاة الخوف مع ثابت عبد العزيز بن صهيب. قوله: "فخرجوا يسعون في السكك، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية" فيه اختصار كبير، لأنه يوهم أن ذلك وقع عقب الإغارة عليهم، وليس كذلك فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة، وقيل: أكثر من ذلك. ويؤيده قوله في الحديث الذي قبله: "إنهم أصابتهم مخمصة شديدة" فإنه دال على طول مدة الحصار، إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك. وفي حديث سلمة بن الأكوع وسهل بن سعد الآتيين قريبا في قصة على ما يؤكد ذلك، وكذا في حديث سهل وأبي هريرة في قصة الذي قتل نفسه، وكذا في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنهم حاصروهم. حديث أنس أيضا في ذكر صفية، ذكره من طريقين، وسيأتي في الباب من وجه ثالث بأتم من هذا سياقا. وصفية هي بنت حيي بن أخطب بن سعية - بفتح المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتانية ساكنة - ابن عامر بن عبيد بن كعب، من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، وأمها برة بنت شموال من بني قريظة، وكانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فرقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضيري فقتل عنها يوم خيبر، ذكر ذلك ابن سعد وأسند بعضه من وجه مرسل. قوله: "وكان في السبي صفية بنت حيي فصارت إلى دحية، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية عبد العزيز عن أنس" فجاء دحية فقال: أعطني يا رسول الله جارية من السبي، قال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء رجل فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، قال ادعوه بها، فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها ، وعند ابن إسحاق أن صفية سبيت من حصن القموص وهو حصن بني أبي الحقيق، وكانت تحت كناية بن

(7/469)


الربيع بن أبي الحقيق وسبي معها بنت عمها - وعند غيره بنت عم زوجها - فلما استرجع النبي صلى الله عليه وسلم صفية من دحية أعطاه بنت عمها. قال السهيلي: لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسم، والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع بل على سبيل النفل. قلت: وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم أن صفية وقعت في سهم دحية، وعنده أيضا فيه: "فاشتراها من دحية بسبعة أرؤس" فالأولى في طريق الجمع أن المراد بسهمه هنا نصيبه الذي اختاره لنفسه، وذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية فأذن له أن يأخذ جارية، فأخذ صفية. فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها، فإن في ذلك رضا الجميع، وليس ذلك من الرجوع في الهبة من شيء. وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز، ولعله عوضه عنها بنت عمها أو بنت عم زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك. وعند ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم: "صارت صفية لدحية، فجعلوا يمدحونها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى بها دحية ما رضي" وقد تقدم شيء من هذا في أوائل الصلاة، ويأتي تمام قصتها في الحديث الثاني عشر، ويأتي الكلام على قوله في الحديث: "وجعل عتقها صداقها" في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.
4205- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَوْ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَ لِي يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ "
الحديث الخامس حديث أبي موسى الأشعري قوله: "حدثنا عبد الواحد" هو ابن زياد، وعاصم هو الأحول، وأبو عثمان هو النهدي، والإسناد كله إلى أبي موسى بصريون. قوله: "لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه" هو شك من الراوي. قوله: "أشرف الناس على واد - فذكر الحديث إلى قول أبي موسى - فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله" هذا السياق يوهم أن ذلك وقع وهم ذاهبون إلى خيبر، وليس كذلك بل إنما وقع ذلك حال رجوعهم، لأن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر مع جعفر كما سيأتي في الباب من حديثه واضحا، وعلى هذا ففي السياق حذف تقديره: لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فحاصرها ففتحها ففزع فرجع أشرف الناس إلخ، وسيأتي شرح المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى.

(7/470)


4202- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَ مَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "
4203- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "شَهِدْنَا خَيْبَرَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّار ِ فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحَةِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ انْتَحَرَ فُلاَنٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ قُمْ يَا فُلاَنُ فَأَذِّنْ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ ". تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
4204- وَقَالَ شَبِيبٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ شَهِدْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَابَعَهُ صَالِحٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الحديث السادس حديث سهل بن سعد في قصة الذي قتل نفسه قوله: "حدثنا يعقوب" هو ابن عبد الرحمن

(7/471)


الإسكندراني، وأبو حازم هو سلمة بن دينار. قوله: "التقى هو والمشركون" في رواية ابن أبي حازم الآتية بعد قليل "في بعض مغازيه" ولم أقف على تعيين كونها خيبر، لكنه مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة، وقد صرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر، فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه اتكأ على حد سيفه حتى خرج من ظهره، وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها نفسه. وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما أخبروه بقصته" إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة" الحديث، وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته" قم يا بلال فأذن: إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن" ولهذا جنح ابن التين إلى التعدد، ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الأخيرة، وأما الأول فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وإن كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت، لكن جزم ابن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد، قال: واسم الرجل قزمان الظفري، وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء، فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، فمر به قتادة بن النعمان فقال له: هنيئا لك بالشهادة، قال: والله إني ما قاتلت على دين، وإنما قاتلت على حسب قومي. ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه. قلت: وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما رأينا مثل ما أبلى فلان، لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث بطوله على نحو ما في الصحيح، وليس فيه تسميته، وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على البخاري، وأظنه لم يلتفت إليها لأن في بعض طرقه عن أبي حازم" غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وظاهره يقتضي أنها غير أحد، لأن سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره، لأن الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد ابن عشرة أو إحدى عشرة، على أنه حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من ذلك أن يقول: "غزونا" إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لأبي هريرة، لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبا. قوله: "فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره" أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم. قوله: "وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل" وقع في كلام جماعة ممن تكلم على هذا الكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الأنصار وكن يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف، ويعكر عليه ما تقدم. قوله: "شاذة ولا فاذة" الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة، وبالفاء مثله ما لم يختلط بهم، ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة، والهاء فيهما للمبالغة، والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله، وقيل: المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر، وقيل: الشاذ الخارج والفاذ المنفرد، وقيل: هما بمعني، وقيل الثاني إتباع. قوله: "فقال" أي قائل، وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من طريق أخرى بلفظ: "فقيل" ووقع هنا للكشميهني: "فقلت" فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك. قوله: "ما أجزأ" بالهمزة أي ما أغنى. قوله: "فقال إنه من أهل النار" في رواية ابن أبي حازم المذكورة" فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار" وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعي عند الطبراني" قال قلنا يا رسول الله فلان

(7/472)


يجزئ في القتال، قال: هو في النار. قلنا يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: ذلك أخباث النفاق قال فكنا نتحفظ عليه في القتال". قوله: "فقال رجل من القوم: أنا صاحبه" في رواية ابن أبي حازم "لأتبعنه" وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه. قوله: "فجرح جرحا شديدا" المصنف زاد في حديث أكثم "فقلنا يا رسول الله قد استشهد فلان، قال: هو في النار". قوله: "فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه" في رواية ابن أبي حازم "فوضع نصاب سيفه في الأرض" وفي حديث أكثم "أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أشهد أنك رسول الله". قوله: "وهو من أهل الجنة" زاد في حديث أكثم "تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها" وسيأتي شرح الكلام الأخير في كتاب القدر إن شاء تعالى. قوله: "شهدنا خيبر" أراد جيشها من المسلمين، لأن الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر، ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها، لكن مضى في الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعدما افتتحها فقلت: يا رسول الله أسهم لي" وسيأتي البحث في ذلك في حديث آخر لأبي هريرة آخر هذا الباب. قوله: "فلما حضر القتال" بالرفع والنصب. قوله: "فقال لرجل ممن معه" أي عن رجل، واللام قد تأتي بمعنى عن مثل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} ويحتمل أن يكون بمعنى في أي في شأنه أي سببه، ومنه قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} . قوله: "فكاد بعض الناس يرتاب" في رواية معمر في الجهاد "فكاد بعض الناس أن يرتاب" ففيه دخول أن على خبر كاد، وهو جائز مع قلته. قوله: "قم يا فلان" هو بلال كما وقع مفسرا في كتاب القدر. قوله: "إن الله يؤيد" في رواية الكشميهني: "ليؤيد" قال النووي يجوز في أن فتح الهمزة وكسرها. قوله: "بالرجل الفاجر" يحتمل أن تكون اللام للعهد، والمراد به قزمان المذكور، ويحتمل أن تكون للجنس. قوله: "تابعه معمر" أي تابع شعيبا عن الزهري أي بهذا الإسناد، وهو موصول عند المصنف في آخر الجهاد مقرونا برواية شعيب عن الزهري. قوله: "وقال شبيب" أي ابن سعيد "عن يونس" أي ابن يزيد "عن ابن شهاب" أي الزهري بهذا الإسناد. قوله: "شهدنا حنينا" يريد أن يونس خالف معمرا وشعيبا فذكر بدل خيبر لفظة "حنين" ورواية شبيب هذه وصلها النسائي مقتصرا على طرف من الحديث، وأوردها الذهلي في "الزهريات" ويعقوب بن سفيان في تاريخه كلاهما عن أحمد بن شبيب عن أبيه بتمامه، وأحمد من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه غير هذا، وقد وافق يونس معمرا وشعيبا في الإسناد، لكن زاد فيه مع سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن عبد الله من كعب بن مالك، وساق الحديث عنهما عن أبي هريرة. قوله: "وقال ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم "يعني وافق شبيبا في لفظ: "حنين" وخالفه في الإسناد فأرسل الحديث، وطريق ابن المبارك هذه وصلها في الجهاد ولم أر فيها تعيين الغزوة. قوله: "وتابعه صالح" يعني ابن كيسان "عن الزهري" وهذه المتابعة ذكرها البخاري في تاريخه. قال: "قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن بعض من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه: هذا من أهل النار " الحديث فظهر أن المراد بالمتابعة أن صالحا تابع رواية ابن المبارك عن يونس في ترك ذكر اسم الغزوة، لا في بقية المتن ولا في الإسناد. وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد

(7/473)


عن أبيه عن صالح عن لزهري فقال: "عن عبد الرحمن بن المسيب" مرسلا ووهم فيه، وكأنه أراد أن يقول: "عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وسعيد بن المسيب" فذهل. قوله: "وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمن بن كعب أخبره أن عبيد الله بن كعب قال: أخبرني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر" قال الزهري: "وأخبرني عبيد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي رواية النسفي "عبد الله بن عبد الله" هكذا أورد البخاري طريق الزبيدي هذه معلقة مختصرة، وأجحف فيها في الاختصار فإنه لم يفصل بين رواية الزهري الموصولة عن عبد الرحمن وبين روايته المرسلة عن سعيد وعبيد الله بن عبد الله، وقد أوضح ذلك في التاريخ، وكذلك أبو نعيم في "المستخرج" والذهلي في "الزهريات" فأخرجوه من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عن الزبيدي فساق الحديث الموصول بالقصة ثم ساق بعده" قال الزبيدي قال الزهري وأخبرني عبد الله بن عبد الله وسعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل إلا رجل مؤمن، والله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" هذا سياق البخاري، وفي سياق الذهلي" قال الزهري وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله" وهذا أصوب من عبيد الله بن عبد الله، نبه عليه أبو علي الجياني، وقد اقتضى صنيع البخاري ترجيح رواية شعيب ومعمر وأشار إلى أن بقية الروايات محتملة وهذه عادته في الروايات المختلفة إذا رجح بعضها عنده اعتمده وأشار إلى البقية، وأن ذلك لا يستلزم القدح في الرواية الراجحة لأن شرط الاضطراب أن تتساوى وجوه الاختلاف فلا يرجح شيء منها، وذكر مسلم في كتاب التمييز فيه اختلافا آخر على الزهري فقال: "حدثنا الحسن بن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بلال قم فأذن إنه إلا يدخل الجنة إلا مؤمن . قال الحلواني: قلت ليعقوب بن إبراهيم من عبد الرحمن بن المسيب هذا؟ قال كان لسعيد بن المسيب أخ اسمه عبد الرحمن، وكان رجل من بني كنانة يقال له عبد الرحمن بن المسيب، فأظن أن هذا هو الكناني. قال مسلم وليس ما قال يعقوب بشيء، وإنما سقط من هذا الإسناد واو واحدة ففحش خطؤه، وإنما هو عن الزهري عن عبد الرحمن وابن المسيب، فعبد الرحمن هو ابن عبد الله بن كعب وابن المسيب هو سعيد، وقد حدث به عن الزهري كذلك ابن أخيه وموسى بن عقبة ويونس بن يزيد، والله أعلم. وكذا رجح الذهلي رواية شعيب ومعمر قال: ولا تدفع رواية الأخيرين لأن الزهري كان يقع له الحديث من عدة طرق فيحمله عنه أصحابه بحسب ذلك، نعم ساق من طريق موسى بن عقبة وابن أخي الزهري عن الزهري موافقة الزبيدي على إرسال آخر الحديث، قال المهلب: هذا الرجل ممن أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفذ عليه الوعيد من الفساق، ولا يلزم منه أن كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون قوله: "هو من أهل النار" أي إن لم يغفر الله له. ويحتمل أن يكون حين أصابته الجراحة ارتاب وشك في الإيمان أو استحل قتل نفسه فمات كافرا. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث: "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة" وبذلك حزم ابن المنير. والذي يظهر أن المراد بالفاجر أعم من أن يكون كافرا أو فاسقا، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نستعين بمشرك" لأنه محمول على من كان يظهر الكفر أو هو منسوخ، وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، وذلك من معجزاته الظاهرة، وفيه جواز إعلام الرجل الصالح بفضيلة تكون فيه والجهر بها. "تنبيه": المنادى بذلك بلال، ووقع عند مسلم في رواية: "قم يا ابن الخطاب" وعند البيهقي أن

(7/474)


المنادى بذلك عبد الرحمن بن عوف، ويجمع بأنهم نادوا جميعا في جهات مختلفة.
4206- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ "رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ فَقَالَ هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ فَقَالَ النَّاسُ أُصِيبَ سَلَمَةُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلاَثَ نَفَثَاتٍ فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ"
4207- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ "الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لاَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "
4208- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ "نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى طَيَالِسَةً فَقَالَ كَأَنَّهُمْ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ"
الحديث الثامن حديث سلمة بن الأكوع وهو من ثلاثياته قوله: "فقلت يا أبا مسلم" هي كنية سلمة بن الأكوع. قوله: "أصابتها يوم خيبر" أي أصابت ركبته، ويوم بالنصب على الظرفية. قوله: "فنفث فيه" أي في موضع الضربة، وقد تقدم أنه فوق النفخ ودون النفل، وقد يكون بغير ريق بخلاف التفل، وقد يكون بريق خفيف بخلاف النفخ. حديث سهل بن سعد تقدم شرحه. قوله: "حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي" هو بصري واسم جده الوليد وهو ثقة من أقران أحمد وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في الجهاد. قوله: "حدثنا زياد بن الربيع" هو اليحمدي بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة بصري أيضا، وثقه أحمد وغيره، ونقل ابن عدي عن البخاري أنه قال: فيه نظر، قال ابن عدي: وما أرى بروايته بأسا. قلت: وليس له في البخاري سوى هذا الحديث. قوله: "عن أبي عمران" هو عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو ثم نون نسبة إلى بني الجون بن عوف بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، وهم بطن من الأزد، وكذا جزم به الرشاطي عن أبي عبيد أن أبا عمران من هذا البطن، وجزم الحازمي أنه من بني الجون بطن من كندة ولم يسق نسبه، وقد ساقه الرشاطي فقال: الجون واسمه معاوية بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور. قوله: "فرأى طيالسة" أي عليهم. وفي رواية محمد بن

(7/475)


بزيع عن زياد بن الربيع عند ابن خزيمة وأبي نعيم أن أنسا قال: "ما شبهت الناس اليوم في المسجد وكثرة الطيالسة إلا بيهود خيبر" والذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون من لبس الطيالسة، وكان غيرهم من الناس الذين شاهدهم أنس لا يكثرون منها، فلما قدم البصرة رآهم يكثرون من لبس الطيالسة فشبههم بيهود خيبر، ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة. وقيل: المراد بالطيالسة الأكسية، وإنما أنكر ألوانها لأنها كانت صفراء.
4209- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَكَانَ رَمِدًا فَقَالَ أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِهِ فَلَمَّا بِتْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي فُتِحَتْ قَالَ لاَعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يُفْتَحُ عَلَيْ هِ فَنَحْنُ نَرْجُوهَا فَقِيلَ هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ فَفُتِحَ عَلَيْهِ"
4210- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يَوْمَ خَيْبَرَ لاَ عْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقِيلَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لاَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ "
الحديث العاشر والحادي عشر حديث سلمة بن الأكوع وحديث سهل بن سعد فيقصة فتح علي خيبر. قوله: "وكان رمدا" في حديث علي عند ابن أبي شيبة: "أرمد" وفي حديث جابر عند الطبراني في الصغير "أرمد شديد الرمد" وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في الدلائل "أرمد لا يبصر".قوله: "فقال أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلحق به" وكأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي صلى الله عليه وسلم: فقال ذلك، وقوله: "فلحق به" يحتمل أن يكون لحق به قبل أن يصل إلى خيبر، ويحتمل أن يكون لحق به بعد أن وصل إليها. قوله: "فلما بتنا الليلة التي فتحت" خيبر في صبيحتها "قال لأعطين الراية غدا" وقع في هذه الرواية اختصار، وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الخصيب قال: "لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له، وقتل محمود بن مسلمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأدفعن لوائي غدا إلى رجل" الحديث، وعند ابن إسحاق نحوه من وجه آخر، وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة سردهم الحاكم في "الإكليل" وأبو نعيم والبيهقي في "الدلائل". قوله: "لأعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية غدا" هو شك من الراوي، وفي حديث سهل الذي بعده

(7/476)


"لأعطين هذه الراية غدا رجلا" بغير شك، وفي حديث بريدة "إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله" والراية بمعني اللواء وهو العلم الذي في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر، وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما، لكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس "كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض" ومثله عند الطبراني عن بريدة، وعند ابن عدي عن أبي هريرة وزاد: "مكتوبا فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله "وهو ظاهر في التغاير، فلعل التفرقة بينهما عرفية، وقد ذكر ابن إسحاق وكذا أبو الأسود عن عروة أن أول ما وجدت الرايات يوم خيبر، وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية". قوله: "يحبه الله ورسوله" زاد في حديث سهل بن سعد "ويحب الله ورسوله" وفي رواية ابن إسحاق "ليس بفرار" وفي حديث بريدة "لا يرجع حتى يفتح الله له". قوله: "فنحن نرجوها" في حديث سهل "فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها" وقوله: "يدوكون" بمهملة مضمومة أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدوكة بالكاف الاختلاط، وعند مسلم من حديث أبي هريرة" إن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ" وفي حديث بريدة "فما منا رجل له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولت أنا لها، فدعا عليا وهو يشتكي عينه فمسحها، ثم دفع إليه اللواء" ولمسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال: "فأرسلني إلى علي قال: فجئت به أقوده أرمد فبزق في عينه فبرأ". قوله: "فقيل هذا علي" كذا وقع مختصرا، وبيانه في رواية إياس بن سلمة عند مسلم، وفي حديث سهل بن سعد الذي بعده" فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتوا به" وقد ظهر من حديث سلمة بن الأكوع أنه هو الذي أحضره، ولعل عليا حضر إليهم بخيبر ولم يقدر على مباشرة القتال لرمده، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فحضر من المكان الذي نزل به، أو بعث إليه إلى المدينة فصادف حضوره. قوله "فبرأ" بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب, ويجوز كسر الراء بوزن علم, وعند الحاكم من حديث علي نفسه قال"فوضع رأسي في حجره ثم بزق في الية راحته فدلك بها عيني" وعند بريدة في "الدلائل" للبيهقي "فما وجعها علي حتى مضى لسبيله" أي مات. وعند الطبراني من حديث علي "فما رمدت ولا صدعت منذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلي الراية يوم خيبر" وله من وجه أخر "فما اشتكيتها حتى الساعة, قال: ودعا لي فقال: "اللهم أذهب عنه الحر والقر" قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا". قوله: "فأعطاه ففتح عليه" في حديث سهل "فأعطاه الراية" وفي حديث أبي سعيد عند أحمد" فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما" وقد اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحا، وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس التصريح بأنه كان عنوة وبه جزم ابن عبد البر، ورد على من قال فتحت صلحا قال. وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال انتهى. والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر "إن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل وألجأهم إلى القصر فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا" الحديث وفي آخره: "فسبى نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها" الحديث أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما، وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي عن عروة، فعلى هذا كان قد وقع الصلح، ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح، ثم من عليهم بترك القتل وإبقائهم

(7/477)


عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك، ولذلك أجلاهم عمر كما تقدم في المزارعة، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها والله أعلم. وقد تقدم في فرض الخمس احتجاج الطحاوي على أن بعضها فتح صلحا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بشير بن يسار" أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزله نصفها لنوائبه وقسم نصفها بين المسلمين" وهو حديث اختلف في وصله وإرساله، وهو ظاهر في أن بعضها فتح صلحا، والله أعلم. قوله: "فبرأ" بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب، ويجوز كسر الراء بوزن علم، وعند الحاكم من حديث علي نفسه قال: "فوضع رأسي في حجره ثم بزق في ألية راحته فدلك بها عيني" وعند بريدة في "الدلائل" للبيهقي "فما وجعها علي حتى مضى لسبيله" أي مات. وعند الطبراني من حديث علي "فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلي الراية يوم خيبر" وله من وجه آخر "فما اشتكيتها حتى الساعة. قال: ودعا لي فقال: اللهم أذهب عنه الحر والقر، قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا". قوله: في حديث سهل "فقال علي يا رسول الله أقاتلهم" هو بحذف همزة الاستفهام. قوله: "حتى يكونوا مثلنا" أي حتى يسلموا. قوله: "فقال انفذ" بصم الفاء بعدها معجمة. قوله: "على رسلك" بكسر الراء أي على هينتك. قوله: "ثم ادعهم إلى الإسلام" ووقع في حديث أبي هريرة عند مسلم: "فقال علي" يا رسول الله علام أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله " واستدل بقوله: "ادعهم" أن الدعوة شرط في جواز القتال. والخلاف في ذلك مشهور فقيل: يشترط مطلقا، وهو عن مالك سواء من بلغتهم الدعوة أو لما تبلغهم، قال: إلا أن يعجلوا المسلمين، وقيل: لا مطلقا وعن الشافعي مثله. وعنه لا يقاتل من لم تبلغه حتى يدعوهم، وأما من بلغته فتجوز الإغارة عليهم بغير دعاء، وهو مقتضى الأحاديث. ويحمل ما في حديث سهل على الاستحباب، بدليل أن في حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أغار على أهل خيبر لما لم يسمع النداء. وكان ذلك أول ما طرقهم، وكانت قصة علي يعد ذلك. وعن الحنفية تجوز الإغارة عليهم مطلقا وتستحب الدعوة. قوله: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا إلخ" يؤخذ منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله. قوله: "حمر النعم" بسكون الميم من حمر وبفتح النون والعين المهملة وهو من ألوان الإبل المحمودة، قيل: المراد خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها، وقيل: تقتنيها وتملكها، وكانت مما تتفاخر العرب بها. وذكر ابن إسحاق من حديث أبي رافع قال: "خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فضربه رجل من يهود فطرح ترسه، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه حتى فتح الله عليه، فلقد رأيتني أنا في سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه". وللحاكم من حديث جابر "أن عليا حمل الباب يوم خيبر، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا" والجمع بينهما أن السبعة عالجوا قلبه، والأربعين عالجوا حمله، والفرق بين الأمرين ظاهر، ولو لم يكن إلا باختلاف حال الأبطال. وزاد مسلم في حديث إياس بن سلمة عن أبيه "وخرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب، الأبيات. فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدرة، الأبيات. فضرب رأس مرحب فقتله، فكان الفتح على يديه" وكذا في حديث بريدة الذي أشرت إليه قبل وخالف ذلك أهل السير فجزم ابن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي بأن الذي قتل مرحبا هو محمد بن مسلمة، وكذا روى أحمد بإسناد حسن عن جابر، وقيل إن محمد بن مسلمة كان بارزه فقطع رجليه فأجهز عليه علي، وقيل: أن الذي قتله هو الحارث أخو مرحب فاشتبه على بعض الرواة، فإن لم يكن كذلك وإلا فما في الصحيح مقدم على ما سواه، ولاسيما وقد جاء من حديث بريدة أيضا، وكان اسم الحصن الذي فتحه على القموص وهو من أعظم حصونهم، ومنه سبيت صفية بنت حيي، والله أعلم.
4211- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ح و حَدَّثَنِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ

(7/478)


عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قَالَ لِي آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ"
4212- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ "سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بِطَرِيقِ خَيْبَرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَعْرَسَ بِهَا وَكَانَتْ فِيمَنْ ضُرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابُ"
4213- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ "أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ وَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ أَمَرَ بِلاَلًا بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ قَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ"
الحديث الثاني عشر حديث أنس في قصة صفية أخرجه من طرق: الطريق الأول قوله: "حدثنا عبد الغفار بن داود" هو أبو صالح الحراني، أخرج عنه هنا وفي البيوع خاصة هذا الحديث الواحد، وشيخه يعقوب هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني. قوله: "وحدثني أحمد" في رواية كريمة أحمد بن عيسى. وفي رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح وبه جزم أبو نعيم في "المستخرج" والذي يظهر أن البخاري ساقه على لفظ رواية ابن وهب، وأما على رواية ابن عبد الغفار فساقها في البيوع قبيل السلم على لفظه. قوله: "عن عمرو" في رواية عبد الغفار عن عمرو بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة. قوله: "مولى المطلب" هو ابن عبد الله بن حنطب المخزومي. قوله: "فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل عنها زوجها وكانت عروسا" اسم الحصن القموص كما تقدم قريبا، واسم زوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق كما تقدم في النفقات، وكان سبب قتله ما أخرجه البيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك من ترك من أهل خيبر على أن لا يكتموه شيئا من أموالهم فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، قال فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله منه إلى خيبر، فسألهم عنه فقالوا. أذهبته النفقات، فقال. العهد قريب، والمال أكثر من ذلك . قال: فوجد بعد ذلك في خربة، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية "وقد تقدمت الإشارة إلى بعض هذا الحديث في الحديث الذي قبله. قوله: "فاصطفاها لنفسه" روى أبو داود وأحمد وصححه وابن حبان والحاكم

(7/479)


من طريق أبي أحمد الزبيدي عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال: "كانت صفية من الصفي" والصفي بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية، فسره محمد بن سيرين فيما أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عنه قال: "كان يضرب للنبي صلى الله عليه وسلم بسهم مع المسلمين، والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء" ومن طريق الشعبي قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا يختاره من الخمس" ومن طريق قتادة "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاء، وكانت صفية من ذلك السهم" وقيل: إن صفية كان اسمها قبل أن تسبي زينب، فلما صارت من الصفي سميت صفية. قوله: "فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء" أما سد فبفتح المهملة وبضمها، وأما الصهباء فتقدم بيانها في كتاب الطهارة، ووقع في رواية عبد الغفار هنا "سد الروحاء" والأول أصوب، وهي رواية قتيبة كما تقدم في الجهاد، ورواية سعيد بن منصور عن يعقوب في هذا الحديث أخرجها أبو داود وغيره. والروحاء بالمهملة مكان قريب من المدينة بينهما نيف وثلاثون ميلا من جهة مكة، وقد تقدم ذلك في حديث ابن عمر في أواخر المساجد، وقيل: بقرب المدينة مكان آخر يقال له الروحاء، وعلى التقديرين فليست قرب خيبر، فالصواب ما اتفق عليه الجماعة أنها الصهباء، وهي على بريد من خيبر قاله ابن سعد وغيره. قوله: "حلت" أي طهرت من الحيض، وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب البيوع قبيل كتاب السلم وعند ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وصله عند مسلم في قصة صفية "قال أنس ودفعها إلى أمي أم سليم حتى تهيئها وتصبنها وتعتد عندها" وإطلاق العدة عليها مجاز عن الاستبراء، والله أعلم. قوله: "فبنى بها" يأتي بيان ذلك وشرح بقية الحديث فيما يتعلق بتزويج صفية في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: "يحوي لها" بالمهملة المفتوحة وضم أوله وتشديد الواو، أي يجعل لها حوية، وهي كساء محشوة تدار حول الراكب. قوله: "ويضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب" وزاد عن قتيبة عن يعقوب في الجهاد في آخر هذا الحديث ذكر أحد وذكر الدعاء للمدينة، وفي أوله أيضا التعوذ، وقد بينت هناك أماكن شرح هذه الأحاديث. ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة "فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فخذه لتركب، فأجلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضع رجلها على فخذه، فوضعت ركبتها على فخذه وركبت". قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أونس، وأخوه أبو بكر عبد الحميد، وسليمان هو بن بلال، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وروايته عن حميد من رواية الأقران. قوله: "أقام على صفية بنت حتى بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها" المراد أنه أقام في المنزلة التي أعرس بها فيها ثلاثة أيام، لا أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس لأن في حديث سويد بن النعمان المذكور في أول غزوة خيبر أن الصهباء قريبة من خيبر، وبين ابن سعد في حديث ذكره في ترجمتها أن الموضع الذي بنى بها فيه بينه وبين خيبر ستة أميال، وقد ذكر في الطريق التي قبل هذه أنه صلى الله عليه وسلم أعرس بصفية بسد الصهباء، وهو يبين المراد من قوله: "بطريق خيبر" وكذا قوله في الطريق الثالثة "أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال" ولا مغايرة بينه وبين قوله في التي قبلها ثلاثة أيام لأنه يبين أنها ثلاثة أيام بلياليها. قوله: "قام النبي صلى الله عليه وسلم" كذا لأبي ذر عن السرخسي، وللباقين "أقام" وهو أوجه. قوله: "قالوا إن حجبها إلخ" سيأتي شرحه واضحا في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.

(7/480)


4214- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ"
4215- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ الثُّومِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ"
"نَهَى عَنْ أَكْلِ الثُّوم"ِ هُوَ عَنْ نَافِعٍ وَحْدَهُ" وَلُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ" عَنْ سَالِمٍ
4216- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ"
[الحديث 4216- أطرافه في: 6961,5573,5115]
4217- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ"
4218- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ"
4219- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ وَرَخَّصَ فِي الْخَيْلِ"
[الحدبث 4219- طرفاه في: 5524,5520]
4220- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ "قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي قَالَ وَبَعْضُهَا نَضِجَتْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَا قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَهَى عَنْهَا الْبَتَّةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ"
4222,4221- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ "أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوهَا فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ

(7/481)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ"
[الحدبث 4221- أطرافه في: 5525,4226,4225,4223]
4224,4223- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُحَدِّثَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدْ نَصَبُوا الْقُدُورَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ "
4225- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ"
4226- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَنْ نُلْقِيَ الْحُمُرَ الأَهْلِيَّةَ نِيئَةً وَنَضِيجَةً ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْنَا بِأَكْلِهِ بَعْدُ"
4227- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الحُسَيْنِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "لاَ أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ"
حديث عبد الله بن مغفل بالغين المعجمة والفاء الثقيلة المزني. قوله: "حدثنا وهب" هو ابن جرير بن حازم، وساق الحديث هناك، وتقدم في الخمس لفظ أبي الوليد المبدوء بذكره هنا. قوله: "فرمى إنسان بجراب" لم أقف على اسمه. وقد تقدم أن الجراب بكسر الجيم ويجوز فتحها في لغة نادرة، وتقدمت بقية مباحثه في "باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب" من كتاب الخمس. حديث ابن عمر، ذكر من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه، فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله أن فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده، وذكر الحمر عن سالم، واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر، فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع، وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم، فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما، هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح، ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي. فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه هو الكراهة. الحديث الخامس عشر حديث علي قوله: "ابني محمد" أي ابن علي بن أبي طالب. قوله: "عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأنسية" في رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي: "حمر الأنسية" بغير ألف ولام في الحمر، قيل إن في الحديث تقديما وتأخيرا والصواب: نهى يوم خيبر على لحوم الحمر الأنسية وعن متعة

(7/482)


النساء، وليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء، وسيأتي بسط ذلك في مكانه من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. حديث ابن عمر، ذكر من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه، فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله أن فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده، وذكر الحمر عن سالم، واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر، فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع، وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم، فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما، هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح، ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي. فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه هو الكراهة. حديث ابن عمر، ذكر من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه، فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله أن فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده، وذكر الحمر عن سالم، واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر، فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع، وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم، فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما، هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح، ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي. فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه هو الكراهة. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار ومحمد بن علي هو أبو جعفر الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي. قوله: "عن لحوم الحمر" زاد الكشميهني: "الأهلية" وسيأتي شرحه في الذبائح إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثنا عباد" هو ابن العوام والشيباني سليمان بن فيروز. قوله: "أصابتنا مجاعة يوم خيبر، فإن القدور لتغلي" كذا وقع مختصرا وتمامه قد تقدم في فرض الخمس من وجه آخر عن الشيباني بلفظ: "فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت القدور" الحديث، وقد ذكر الواقدي أن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين. كذا رواه بالشك. قوله: "وقال بعضهم: نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة" تقدم في فرض الخمس أن بعض الصحابة قال: "نهى عنها البتة" وإن الشيباني قال: "لقيت سعيد بن جبير فقال: نهى عنها البتة" وزاد الإسماعيلي من رواية جرير عن الشيباني قال: "فلقيت سعيد بن جبير فسألته عن ذلك، وذكرت له ذلك فقال: نهى عنها البتة، لأنها كانت تأكل العذرة" وسيأتي شرح ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. "تنبيه": قوله: "البتة" معناه القطع، وألفها ألف وصل، وجزم الكرماني بأنها ألف قطع على غير القياس، ولم أر ما قاله في كلام أحد من أهل اللغة، قال الجوهري الانبتات الانقطاع، ورجل منبت أي منقطع به، ويقال لا أفعله بتة ولا أفعله البتة لكل أمر لا رجعة فيه، ونصبه على المصدر انتهى. ورأيته في النسخ المعتمدة بألف وصل والله أعلم. حديث البراء وهو ابن عازب مقرونا بابن أبي أوفى، أخرجه من ثلاثة طرق: عن شعبة عاليتين ونازلة، والنكتة في إيراد النازلة بعد العالية أن في النازلة التصريح بسماع التابعي له من الصحابيين دون العالية فإنها بالعنعنة. قوله: "في الأولى واطبخوها" بتشديد الطاء المهملة أي عالجوا طبخها. قوله فيها "فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم" هو أبو طلحة كما تقدم. قوله: "حدثني إسحاق" هو ابن منصور، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث، وقد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق: إسحاق بن راهويه فقال: "عن النضر - وهو ابن شميل - عن شعبة" فدل على أنه ليس شيخ البخاري فيه، وقد حققت في المقدمة أن إسحاق حيث أتى عن عبد الصمد فهو ابن منصور لا ابن راهويه. قوله فيها "أنه قال يوم خيبر وقد نصبوا القدور: أكفئوا القدور" أي أميلوها ليراق ما فيها. قوله في الثالثة "حدثنا مسلم" هو ابن إبراهيم، واقتصر في روايته على البراء، وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه على شعبة وأن أكثر الرواة عنه جمعوا بينهما، ومنهم من أفرد أحدهما بالذكر، وإن الجري رواه عن شعبة فقال عن عدي عن ابن أوفى أو البراء بالشك. قوله: "نحوه" قد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن مسلم بن إبراهيم بلفظ: "غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فأصبنا حمرا فطبخناها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكفئوا القدور " ثم ساقه المصنف من وجه آخر عن البراء. قوله: "ابن أبي زائدة" هو يحيى بن زكريا، وعاصم هو الأحول، وعامر هو الشعبي. قوله: "نيئة ونضيجة" بالتنوين فيهما، ووقع في رواية بهاء الضمير فيها والنيء بكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة ضد النضيج. قوله: "ثم لم يأمرنا بأكله بعد" فيه إشارة إلى استمرار تحريمه، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثني محمد بن أبي الحسين" كذا للجميع، وهو أبو جعفر محمد بن أبي الحسين جعفر السمناني بكسر المهملة وسكون الميم ونونين بيتهما ألف، كان

(7/483)


حافظا، وهو من أقران البخاري، وعاش بعده خمس سنين، وقد ذكر الكلاباذي ومن تبعه أن البخاري ما روى عنه غير هذا الحديث، لكن مقدم في العيدين حديث آخر قال البخاري فيه: "حدثتا محمد حدثنا عمر بن حفص بن غياث" فالذي يظهر أنه هذا، وقد روى البخاري الكثير عن عمر بن حفص بن غياث وأخرج عنه هنا بواسطة.
4228- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا قَالَ فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ"
الحديث العشرون حديث ابن عمر في سهام الراجل والفارس، تقدم شرحه في الجهاد. والقائل "قال فسره نافع" هو عبيد الله بن عمر العمري الراوي عنه، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه. وزائدة هو ابن قدامة، ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كما هنا، وشيخ البخاري الحسن بن إسحاق يقدم قريبا في عمرة الحديبية.
4229- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ قَالَ "مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ فَقَالَ إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ قَالَ جُبَيْرٌ وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا"
الحديث الحادي والعشرون حديث جبير بن مطعم، تقدم شرحه في فرض الخمس، وقوله: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد" كذا للأكثر بفتح الشين المعجمة وبالهمزة، وللمستملي هنا وحده بكسر المهملة وتشديد التحتانية. وقوله: "قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا" هو موصول بالإسناد المذكور.
4230- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ بِضْعٌ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ وَكَانَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ قَالَ عُمَرُ الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ قَالَ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلاَ وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ

(7/484)


وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ وَكُنَّا فِي دَارِ -أَوْ فِي أَرْضِ- الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَايْمُ اللَّهِ لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُهُ وَاللَّهِ لاَ أَكْذِبُ وَلاَ أَزِيغُ وَلاَ أَزِيدُ عَلَيْهِ "
4231- "فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَمَا قُلْتِ لَهُ قَالَتْ قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ قَالَتْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ "قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي"
4232- قَالَ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لاَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ أَوْ قَالَ الْعَدُوَّ قَالَ لَهُمْ إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ"
الحديث الثاني والعشرون حديث أبي موسى قوله: "بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه" ظاهره أنهم لم يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة، وهذا إن كان أراد بالمخرج البعثة، وإن أراد الهجرة فيحتمل أن تكون بلغتهم الدعوة فأسلموا وأقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها، وإنما تأخروا هذه المدة إما لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك، وإما لعلمهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار، فلما بلغتهم المهادنة آمنوا وطلبوا الوصول إليه. وقد روى ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه "خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من عك، ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة" وصححه ابن حبان من هذا الوجه، ويجمع بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة، ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لأن ذلك كان في الهدنة. قوله: "أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم" أما أبو بردة فاسمه عامر، وله حديث عند أحمد والحاكم من طريق كريب بن الحارث بن أبي موسى وهو ابن أخيه عنه، وأما أبو رهم فهو بضم الراء وسكون الهاء واسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية قاله ابن عبد البر، وجزم ابن حبان في "الصحابة" بأن اسمه محمد، ويعكر عليه ما تقدم قبل من المغايرة بين أبي رهم ومحمد بن قيس وذكر ابن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا له وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء. قوله: "إما قال بضع وإما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي" في رواية المستملي: "من قومه" وقد بين في الرواية التي قبل أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه، فلعل الزائد على ذلك هو وإخوته، فمن

(7/485)


قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم، ومن قال ثلاثة أو أكثر فعلى الخلاف في عدد من كان معه من إخوته. وأخرج البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين رجلا، والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والاتباع، وأما ابن إسحاق فقال: كانوا ستة عشر رجلا وقيل أقل. قوله: "فوافقنا جعفر بن أبي طالب" أي بأرض الحبشة. قوله: "فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا" اختصر المصنف هنا شيئا ذكره في الخمس بهذا الإسناد وهو "فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا. فأقمنا معه". قوله: "حتى قدمنا جميعا" ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية إلى النجاشي أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب ومن معه فجهزهم وأكرمهم وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر، وسمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا، فمنهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة. قوله: "فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم" زاد في فرض الخمس "فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهدها معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه قسم لهم معهم" وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب شيخ البخاري فيه في هذا الموضع من هذا الحديث. ووقع عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقسم لهم كلم المسلمين فأشركوهم. قوله: "وكان أناس" سمى منهم عمر كما سيأتي. قوله: "دخلت أسماء بنت عميس" هي زوج جعفر، وقوله: "وهي ممن قدم معنا" هو كلام أبي موسى. قوله: "على حفصة" زاد أبو يعلى "زوج النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: "قال عمر آلحبشية هذه؟ البحيرية هذه؟" كذا لأبي ذر بالتصغير، ولغيره: "البحرية" بغير تصغير. وكذا في رواية أبي يعلى. ووقع في الموضعين بهمزة الاستفهام، ونسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم، وإلى البحر لركوبها إياه. قوله: "وكنا في دار أو في أرض البعداء" هو شك من الراوي. قوله: "البعداء البغضاء" كذا للأكثر جمع بغيض وبعيد. وفي رواية أبي يعلى بالشك البعداء أو البغضاء، وللنسفي البعد بضمتين، وللقابسي البعد البعداء البغضاء جمع بينهما فلعله فسر الأولى بالثانية، وعند ابن سعيد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي" فقالت: أي لعمري لقد صدقت، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء والطرداء". قوله: "وذلك في الله وفي رسوله" أي لأجلهما. قوله: "وايم الله" بهمزة وصل، وفيها لغات تقدم ذكرها. قوله: "ولكم أنتم أهل السفينة" بنصب أهل على الاختصاص أو على النداء بحذف أداته، ويجوز الجر على البدل من الضمير. قوله: "هجرتان" زاد أبو يعلى "هاجرتم مرتين، هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلي" ولابن سعد بإسناد صحيح عن الشعبي قال: "قالت أسماء بنت عميس: يا رسول الله إن رجالا يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأولين، فقال: بل لكم هجرتان، هاجرتم إلى أرض الحبشة، ثم هاجرتم بعد ذلك " ومن وجه آخر عن الشعبي نحوه وقال فيه: "كذب من يقول ذلك" ومن وجه آخر عنه قال يقول: "للناس هجرة واحدة" وظاهره تفضيلهم على غيرهم من المهاجرين، لكن لا يلزم منه تفضيلهم على الإطلاق، بل من الحيثية المذكورة. وهذا القدر المرفوع من الحديث ظاهر هذا السياق أنه من رواية أسماء بنت عميس، وقد تقدم في الهجرة بهذا الإسناد من رواية أبي موسى لا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، وكذلك أخرجه ابن حبان، ومن وجه آخر عن أبي بردة عن أبي موسى. قوله: "قالت" يعني أسماء بنت عميس، وهذا يحتمل أن يكون من رواية أبي موسى عنها فيكون من رواية صحابي عن مثله، ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها ويؤيده قوله بعد هذا "قال أبو بردة قالت أسماء".

(7/486)


قوله: "يأتونني" في رواية الكشميهني: "يأتون" وقوله: "أرسالا" بفتح الهمزة أي أفواجا، أي يجيئون إليها ناسا بعد ناس. وفي رواية أبي يعلى "ولقد رأيت أبا موسى إنه ليستعيد مني هذا الحديث. قوله: "قال أبو بردة" هو موصول بالإسناد المذكور، وقد أفرده مسلم عن أبي كريب وساق الحديث الذي قبله إلى قوله: "وإنه ليستعيد هذا الحديث مني". قوله: "إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين" الرفقة الجماعة المترافقون، والراء مثلثة والأشهر ضمها. قوله: "حين يدخلون بالليل" بالدال والحاء المعجمة لجميع رواة البخاري ومسلم، وحكى عياض عن بعض رواة مسلم بالراء والحاء المهملة، وصوبها الدمياطي في البخاري، وهو عجيب منه فإن الرواية بالدال والمعجمة، والمعنى صحيح فلا معنى للتغيير، وقد نقل عياض عن بعض الناس اختيار الرواية التي بالراء والمهملة، قال النووي: والرواية الأولى صحيحة أو أصح، والمراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلى المسجد أو إلى شغل ما ثم رجعوا. قوله: "بالقرآن" يتعلق بأصوات، وفيه أن رفع الصوت بالقرآن بالليل مستحسن لكن محله إذا لم يؤذ أحدا وأمن من الرياء. قوله: "ومنهم حكيم" قال عياض قال أبو علي الصدفي: هو صفة لرجل منهم. وقال أبو علي الجياني: هو اسم علم على رجل من الأشعريين، واستدركه على صاحب "الاستيعاب". قوله: "إذا لقي الخيل أو قال العدو" هو شك من الراوي. قوله: "قال لهما إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم" أي تنتظروهم من الانتظار ومعناه أنه لفرط شجاعته كان لا يفر من العدو بل يواجههم ويقول لهم إذا أرادوا الانصراف مثلا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم، ليثبتهم على القتال وهذا بالنسبة إلى الشق الثاني وهو قوله: "أو قال العدو" وأما على الشق الأول وهو قوله: "إذا لقي الخيل" فيحتمل أن يريد بها خيل المسلمين، ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدو جميعا، وهذا أشبه بالصواب. قال ابن التين: معنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون بما يصيبهم.
4223- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ"قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَقَسَمَ لَنَا وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدْ الْفَتْحَ غَيْرَنَا"
الحديث الرابع والعشرون قوله: "حدثنا إسحاق بن إبراهيم" هو ابن راهويه، وقوله: "سمع" أي أنه سمع. ويريد هو ابن عبد الله بن أبي بردة الأشعري. قوله: "قدمنا" أي هو وأصحابه مع جعفر ومن معه. قوله: "ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا" يعني الأشعريين ومن معهم، وجعفر ومن معه. وقد سبق في فرض الخمس من وجه آخر عن بريد بلفظ: "وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه لهم معهم" وقد تقدم شرحه هناك. ويعكر على هذا الحصر ما سيأتي في حديث أبي هريرة والذي بعده وسيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى.
4234- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى

(7/487)


وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ"
[الحديث 4234- طرفه في: 6707]
الحديث الخامس والعشرون قوله: "حدثني عبد الله بن محمد" هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الأزدي وهو من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا. قوله: "قال أبو إسحاق" هو إبراهيم بن مجمد بن الحارث الفزاري ووقع في مسند حديث مالك للنسائي من وجه آخر عن معاوية بن عمرو قال: "حدثنا أبو إسحاق" وأخرجه الدار قطني في "الموطآت" طريق المسيب بن واضح قال: "حدثنا أبو إسحاق الفزاري". قوله: "عن مالك" نزل البخاري في هذا الحديث درجتين لأنه أخرجه في الأيمان والنذور عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وبينه وبين مالك في هذا الموضع ثلاثة رجال، قال ابن طاهر: والسر في ذلك أن في رواية أبي إسحاق الفزاري وحده عن مالك "حدثني ثور بن زيد" وفي رواية الباقين "عن ثور" وللبخاري حرص شديد على الإتيان بالطرق المصرحة بالتحديث انتهى. وثور بن زيد هو الديلي، مدني مشهور. وقد صرح في رواية أبي إسحاق هذه أيضا بقوله: "حدثني سالم أنه سمع أبا هريرة" وعنعن باقي الرواة عن مالك جميع الإسناد، وسالم مولى ابن مطيع يكني أبا الغيث وهو بها أشهر، وقد سمي هنا. فلا التفات لقول من قال إنه لا يوقف على اسمه صحيحا. وهو مدني لا يعرف اسم أبيه، وابن مطيع اسمه عبد الله وليس لسالم في الصحيح رواية عن غير أبي هريرة، له عنه تسعة أحاديث تقدم منها في الاستقراض وفي الوصايا وفي المناقب. قوله: "افتتحنا خيبر" في رواية عبيد الله بن يحيى بن يحيى الليثي عن أبيه في الموطأ "حنين" بدل خيبر، وخالفه محمد بن وضاح عن يحيى بن يحيى فقال: "خيبر" مثل الجماعة، نبه عليه ابن عبد البر. ووقع في رواية إسماعيل المذكورة "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر" وهي رواية الموطأ أعني قوله: "خرجنا"، وأخرجها مسلم من طريق ابن وهب عن مالك، ومن طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ثور، فحكى الدار قطني عن موسى بن هارون أنه قال: وهم ثور في هذا الحديث، لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وإنما قدم بعد خروجهم، وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت. قال أبو مسعود: ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحوها" قال ولكن لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم، فالغرض من الحديث قصة مدعم في غلول الشملة. قلت: وكأن محمد بن إسحاق صاحب المغازي استشعر بوهم ثور بن زيد في هذه اللفظة فروى الحديث عنه بدونها، أخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ: "انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى" ورواية أبي إسحاق الفزاري التي في هذا الباب من هذا الاعتراض بأن يحمل قوله: "افتتحنا" أي المسلمون، وقد تقدم نظير ذلك قريبا. وروى البيهقي في "الدلائل" من وجه آخر عن أبي هريرة قال: "خرجنا مع

(7/488)


النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى" فلعل هذا أصل الحديث، وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال: "قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة" فذكر الحديث وفيه: "فزودونا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي، فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم" ويجمع بين هذا وبين الحصر الذي في حديث أبي موسى الذي قبله أن أبا موسى أراد أنه لم يسهم لأحد لم يشهد الوقعة من غير استرضاء أحد من الغانمين إلا لأصحاب السفينة، وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين، والله أعلم. وسأذكر رواية عنبسة بن سعيد التي أشار إليها أبو مسعود وبيان ما فيها بعد هذا الحديث إن شاء الله تعالى. قوله: "إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط" في رواية مسلم: "غنمنا المتاع والطعام والثياب" وعند رواة الموطأ "إلا الأموال والثياب والمتاع" وعند يحيى بن يحيى الليثي وحده "إلا الأموال والثياب" والأول هو المحفوظ، ومقتضاه أن الثياب والمتاع لا تسمى مالا، وقد نقل ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال: المال عند العرب الصامت والناطق، فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقرة والشاة، فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت، وإذا قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى. وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالا فقال في قصة السلب الذي تنازع فيه هو والقرشي في غزوة حنين" فابتعت به مخرفا، فإنه لأول مال تأثلته" فالذي يظهر أن المال ما له قيمة، لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في رواية الباب ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولا. قوله: "إلى وادي القرى" تقدم ضبطه في البيوع. قوله: "عبد له" في رواية الموطأ "عبد أسود". قوله: "مدعم" بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة. قوله: "أهداه له أحد بني الضباب" كذا في رواية أبي إسحاق بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب وفي رواية مسلم أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب بضم أوله بصيغة التصغير. وفي رواية أبي إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون، وقيل: بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام، قال الواقدي: كان رفاعة قد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه. قوله: "فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد البيهقي في الرواية المذكورة "وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية". قوله: "سهم عائر" بعين مهملة بوزن فاعل أي لا يدري من رمى به، وقيل هو الحائد عن قصده. قوله: "بل والذي نفسي بيده" في رواية الكشميهني: "بلى" وهو تصحيف وفي رواية مسلم: "كلا" وهو رواية الموطأ: قوله: "لتشتغل عليه نارا" يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارا فيعذب بها، ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار، وكذا القول في الشراك الآتي ذكره. قوله: "فجاء رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "بشراك أو بشراكين" الشراك بسكر المعجمة وتخفيف الراء: سير النعل على ظهر القدم، وفي الحديث تعظيم أمر الغلول، وقد مر شرح ذلك واضحا في أواخر كتاب الجهاد في "باب القليل من الغلول" في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو قال: "كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو في النار في عباءة غلها" وكلام عياض يشعر بأن قصته مع قصة مدعم متحدة، والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما. نعم عند مسلم من حديث عمر" لما كان يوم خيبر قالوا فلان شهيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا إني

(7/489)


رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة" فهذا يمكن تفسيره بكركرة، بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى، ومات بسهم عائر، وغل شملة. والذي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم كركرة هوذة بن علي، بخلاف مدعم فأهداه رفاعة فافترقا، والله أعلم. وذكر البيهقي في روايته أنه صلى الله عليه وسلم: "حاصر أهل وادي القرى حتى فتحها، وبلغ ذلك أهل تيماء فصالحوه" وفي الحديث قبول الإمام الهدية، فإن كان لأمر يختص به في نفسه أن لو كان غير وال فله التصرف فيها بما أراد، وإلا فلا يتصرف فيها إلا للمسلمين، وعلى هذا التفصيل يحمل حديث: "هدايا الأمراء غلول" فيخص بمن أخذها فاستبد بها، وخالف في ذلك بعض الحنفية فقال: له الاستبداد مطلقا بدليل أنه لو ردها على مهديها لجاز، فلو كانت فيئا للمسلمين لما ردها، وفي هذا الاحتجاج نطر لا يخفي، وقد تقدم شيء من هذا في أواخر الهبة.
4235- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ "أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا"
4236- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ"
الحديث السادس والعشرون حديث عمر ذكره من طريقين قوله: "أخبرنا محمد بن جعفر" أي ابن أبي كثير. قوله: "أخبرني زيد" هو ابن أسلم مولى عمر. قوله: "لولا أن أترك آخر الناس ببانا" كذا للأكثر بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الألف نون، قال أبو عبيدة بعد أن أخرجه عن ابن مهدي قال ابن مهدي يعني شيئا واحدا، قال الخطابي ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث. وقال الأزهري: بل هي لغة صحيحة، لكنها غير فاشية في لغة معد، وقد صححها صاحب العين وقال: ضوعفت حروفه. وقال: الببان المعدم الذي لا شيء له، ويقال هم على ببان واحد أي على طريقة واحدة. وقال ابن فارس: يقال هم ببان واحد أي شيء واحد. قال الطبري: الببان في المعدم الذي لا شيء له، فالمعنى لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر. وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد: صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الموحدة الثانية، أي شيئا واحدا، فإنهم قالوا لمن لا يعرف: هو هيان بن بيان. قلت: وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال: "لئن عشت لأجعلن الناس ببابا واحدا". ذكره الجوهري. وهو مما يؤيد تفسيرها بالتسوية. وروى الدار قطني في" غرائب مالك" من طريق معن بن عيسى عن مالك بسند حديث الباب عن عمر قال: "لئن بقيت إلى الحول لألحقن أسفل الناس بأعلاهم" وقد قدمت ذلك في "باب الغنيمة لمن شهد الوقعة" من كتاب الجهاد. "تنبيه": نقل صاحب "المطالع" عن أهل العربية أنه لم يلتق حرفان من جنس واحد في اللسان العربي، وتعقب بأن ذلك لا يعرف عن أحد من النحويين ولا اللغة، وقد ذكر سيبويه الببر بموحدة مفتوحة ثم ساكنة وهي دابة تعادي الأسد. وفي الأعلام "ببة" بموحدتين الثانية ثقيلة لقب عبد الله بن الحارث الهاشمي أمير الكوفة. قوله: "ولكني أتركها لهم خزانة يقسمونها" أي يقتسمون خراجها. قوله: "حدثنا

(7/490)


ابن مهدي عن مالك عن زيد بن أسلم" ووقع في "غرائب أبي عبيد" عن ابن مهدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، فهو محمول على أن لعبد الرحمن بن مهدي فيه شيخين، لأنه ليس في رواية مالك قوله: "ببانا" وهو في رواية هشام بن سعد المذكورة كما وقع في رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير.
4237- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ قَالَ لَهُ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ لاَ تُعْطِهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ فَقَالَ وَا عَجَبَاهْ لِوَبْرٍ تَدَلَّى مِنْ قَدُومِ الضَّأْنِ" 4238- وَيُذْكَرُ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ قَالَ "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحَهَا وَإِنَّ حُزْمَ خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَقْسِمْ لَهُمْ قَالَ أَبَانُ وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبْرُ تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَأْنٍ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَانُ اجْلِسْ فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ"
4239- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَدِّي "أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ وَقَالَ أَبَانُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَاعَجَبًا لَكَ وَبْرٌ تَدَأْدَأَ مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَيَّ امْرَأً أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِيَدِي وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ"
الحديث السابع والعشرون حديث أبي هريرة قوله: "سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية" أي ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، والجملة حالية. قوله: "قال أخبرني" قائل ذلك هو الزهري، وعنبسة بن سعيد أي ابن العاص وهو عم والد إسماعيل بن أمية. قوله: "أن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله" هذا السياق صورته مرسل، وقد تقدم من وجه آخر مصرحا فيه بالاتصال في أوائل الجهاد، وفيه بيان اسم المبهم هنا في قوله: "قال بعض بني سعيد" وبيان المراد بقوله ابن قوقل وشرح ما فيه. قوله: "فسأله" أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من غنائم خيبر. وفي رواية الحميدي عن سفيان في الجهاد" فقلت يا رسول الله أسهم لي". قوله: "قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه" القائل هو أبان بن سعيد كما في الرواية التي بعده. قوله: "واعجباه" في رواية السعيدي التي بعد هذه واعجبا لك" وهو بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجب و" وا" مثل واها، واعجبا للتوكيد وبغير التنوين بمعنى وأعجبي فأبدلت الكسرة فتحة كقوله يا أسفي، وفيه شاهد على استعمال "وا" في منادي غير مندوب كما هو رأي المبرد واختيار ابن مالك. قوله: "لوبر تدلي من قدوم الضأن" كذا اختصره، وقد مضى في الجهاد من رواية الحميدي عن سفيان أتم منه، وسيأتي شرحه في الذي بعده. قوله: "ويذكر عن الزبيدي" أي محمد بن الوليد، وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه، ووصلها أيضا أبو نعيم في "المستخرج" من طريق إسماعيل أيضا ومن طريق عبد الله بن سالم كلاهما عن الحميدي. قوله: "يخبر سعيد بن العاص" أي ابن أمية، وكان سعيد بن العاص تأمر على المدينة من قبل معاوية في ذلك الزمان. قوله: "قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من المدينة قبل نجد" لم أعرف حال هذه

(7/491)


السرية، وأما أبان فهو ابن سعيد بن العاص بن أمية، وهو عم سعيد بن العاص الذي حدثه أبو هريرة، وكان إسلام أبان بعد غزوة الحديبية، وقد ذكرنا أولا في قصة الحديبية في الشروط وغيرها أن أبان هذا أجار عثمان بن عفان في الحديبية حتى دخل مكة وبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم في هذه الغزوة أن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية، فيشعر ذلك بأن أبان أسلم عقب الحديبية حتى أمكن أن يبعثه النبي في سرية، وقد ذكر الهيثم بن علي في الأخبار سبب إسلام أبان، فروى من طريق سعيد بن العاص قال: "قتل أبي يوم بدر،. فرباني عمي أبان، وكان شديدا على النبي صلى الله عليه وسلم يسبه إذا ذكر، فخرج إلى الشام فرجع فلم يسبه، فسئل عن ذلك، فذكر أنه لقي راهبا فأخبره بصفته ونعته، فوقع في قلبه تصديقه، فلم يلبث أن خرج إلى المدينة فأسلم" فإن كان هذا ثابتا احتمل أن يكون خروج أبان إلى الشام كان قبل الحديبية. قوله: "وإن حزم" بمهملة وزاي مضمومتين. قوله: "لليف" بلام التأكيد، والليف معروف. وفي رواية الكشميهني الليف على أنه خبر إن بغير تأكيد. قوله: "وأنت بهذا" أي وأنت تقول بهذا، أو وأنت بهذا المكان والمنزلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده. قوله: "يا وبر" بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية، ونقل أبو علي القالي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا، قال الخطابي: أراد أبان تحقير أبي هريرة، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع، وأنه قليل القدرة على القتال انتهى. ونقل ابن التين عن أبي الحسن القابسي أنه قال: معناه أنه ملصق في قريش لأنه شبهه بالذي يعلق بوبر الشاة من الشوك وغيره. وتعقبه ابن التين بأنه يلزم من ذلك أن تكون الرواية: "وبر" بالتحريك. قال: ولم يضبط إلا بالسكون. قوله: "تحدر" في الرواية الأولى "تدلي" وهي بمعناها، وفي الرواية التي بعدها، "تدأدأ" بمهملتين بينهما همزة ساكنة، قيل: أصله تدهدأ فأبدلت الهاء همزة، وقيل: الدأدأة صوت الحجارة في المسيل، ووقع في رواية المستملي: "تدأرأ" براء بدل الدال الثانية. وفي رواية أبي زيد المروزي "تردى" وهي بمعنى تحدر وتدلي، كأنه يقول: تهجم علينا بغتة. قوله: "من رأس ضال" كذا في هذه الرواية باللام، وفي التي قبلها بالنون، وقد فسر البخاري في رواية المستملي الضال باللام فقال هو السدر البري، وكذا قال أهل اللغة إنه السدر البري، ووقع في نسخة الصغاني "الضال سدرة البر" وتقدم كلام ابن دقيق العيد في ذلك في أوائل الجهاد وأنه السدر البري، وأما قدوم فبفتح القاف للأكثر أي طرف، ووقع في رواية الأصيلي بضم القاف، وأما الضان فقيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعي الغنم، وقيل: هو بغير همز، وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة. قوله: "ينعى" بفتح أوله وسكون النون بعدها عين مهملة مفتوحة أي يعيب على، يقال نعى فلان على فلان أمرا إذا عابه ووبخه عليه. وفي رواية أبي داود عن حامد بن يحيى عن سفيان "يعيرني". قوله: "ومنعه أن يهني" بالتشديد أصله يهينني فأدغمت إحدى النونين في الأخرى، ووقع في الرواية الأخيرة "ومنعه أن يهينني بيده" وقد تقدم بقية شرحه في الجهاد، قيل: وقع في إحدى الطريقين ما يدخل فيه قسم المقلوب، فإن في رواية أبي عيينة أن أبا هريرة هو السائل أن يقسم له، وأن أبان هو الذي أشار بمنعه. وفي رواية الزبيدي أن أبان هو الذي سأل، وأن أبا هريرة هو الذي أشار بمنعه، وقد رجح الذهلي رواية الزبيدي. ويؤيد ذلك وقوع التصريح في روايته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبان أجلس" ولم يقسم لهم، ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا يقسم للآخر، ويدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه

(7/492)


قاتل ابن قوقل، وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد يستحق بها النفل فلا يكون فيه قلب، وقد سلمت رواية السعيدي من هذا الاختلاف، فإنه لم يتعرض في حديثه لسؤال القسمة أصلا.
والله أعلم.
4241,4240- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ ائْتِنَا وَلاَ يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ لاَ وَاللَّهِ لاَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيبًا حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْخَيْرِ وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلاَّ صَنَعْتُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلاَ إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصَبْتَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ"
الحديث الثامن والعشرون حديث عائشة "إن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها" تقدم شرحه في فرض الخمس، وفي هذه الطريق زيادة لم تذكر هناك فتشرح. قوله: "وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر" هذا هو الصحيح في بقائها بعده، وروى ابن سعد من وجهين أنها عاشت بعده ثلاثة أشهر ونقل عن الواقدي، وأن ستة أشهر هو

(7/493)


الثبت، وقيل: عاشت بعده سبعين يوما، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: شهرين جاء ذلك عن عائشة أيضا. وأشار البيهقي إلى أن في قوله: "وعاشت إلخ" إدراجا، وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري فذكر الحديث وقال في آخره: "قلت للزهري: كم عاشت فاطمة بعده: قال: ستة أشهر" وعزا هذه الرواية لمسلم، ولم يقع عند مسلم هكذا بل فيه كما عند البخاري موصولا. والله أعلم. قوله: "دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر" روى ابن سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن العباس صلى عليها، ومن عدة طرق أنها دفنت ليلا، وكان ذلك بوصية منها لإرادة الزيادة في التستر، ولعله لم يعلم أبا بكر بموتها لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عنه، وليس في الخبر ما يدل على أن أبا بكر لم يعلم بموتها ولا صلى عليها، وأما الحديث الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من حديث جابر في النهي عن الدفن ليلا فهو محمول على حال الاختيار لأنه في بعضه "إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك". قوله: "وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة" أي كان الناس يحترمونه إكراما لفاطمة، فلما ماتت واستمر على عدم الحضور عند أبي بكر قصر الناس عن ذلك الاحترام لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس، ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث: "لما جاء وبايع كان الناس قريبا إليه حين راجع الأمر بالمعروف" وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم لأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث رأى علي أن يوافقها في الانقطاع عنه. قوله: "فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر" أي في حياة فاطمة. قال المازري: العذر لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب، ولا يلزم كل أحد أن يحضر عنده ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه، وهذا كان حال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر، وقد ذكرت سبب ذلك. قوله: "كراهيه ليحضر عمر" في رواية الأكثر "لمحضر عمر" والسبب في ذلك ما ألفوه من قوة عمر وصلابته في القول والفعل، وكان أبو بكر رقيقا لينا، فكأنهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة. قوله: "لا تدخل عليهم" أي لئلا يتركوا من تعظيمك ما يجب لك. قوله: "وما عسيتهم أن يفعلوا بي" قال ابن مالك: في هذا شاهد على صحة تضمين بعض الأفعال معنى فعل آخر وإجرائه مجراه في التعدية، فإن عسيت في هذا الكلام بمعنى حسبت وأجريت مجراها فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول ثان، وكان حقه أن يكون عاريا من "أن" لكن جيء بها لئلا تخرج" عسى" عن مقتضاها بالكلية. وأيضا فإن "أن" قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسبت، فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأولى بدلا منه. قال: ويجوز حمل "ما عسيتهم" حرف خطاب والهاء والميم اسم عسى، والتقدير ما عساهم أن يفعلوا بي، وهو وجه حسن. قوله: "ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك" بفتح الفاء من ننفس أي لم نحسدك على الخلافة، يقال نفست بكسر الفاء أنفس بالفتح نفاسة، وقوله: "استبددت" في رواية غير أبي ذر "واستبدت" بدال واحدة وهو بمعناه وأسقطت الثانية تخفيفا كقوله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} أصله ظللتم، أي لم تشاورنا، والمراد بالأمر الخلافة. قوله: "وكنا نرى" بضم أوله ويجوز الفتح. قوله: "لقرابتنا" أي لأجل قرابتنا "من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا" أي لنا في هذا الأمر. قوله: "حتى فاضت" أي لم يزل علي يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عينا أبي بكر من الرقة. قال المازري: ولعل عليا أشار إلى أن أبا بكر استبد عليه

(7/494)


بأمور عظام كان مثله عليه أن يحضره فيها ويشاوره، أو أنه أشار إلى أنه لم يستشره في عقد الخلافة له أولا، والعذر لأبي بكر أنه خشي من التأخر عن البيعة الاختلاف لما كان وقع من الأنصار كما تقدم في حديث السقيفة فلم ينتظروه. قوله: "شجر بيني وبينكم" أي وقع من الاختلاف والتنازع. قوله: "من هذه الأموال" أي التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وغيرها. قوله: "فلم آل" أي لم أقصر. قوله: "موعدك العشية" بالفتح ويجوز الضم أي بعد الزوال. قوله: "رقي المنبر" بكسر القاف بعدها تحتانية أي علا، وحكى ابن التين أنه رآه في نسخة بفتح القاف بعدها ألف وهو تحريف. قوله: "وعذره" بفتح العين والذال على أنه فعل ماض، ولغير أبي ذر بضم العين وإسكان الذال عطفا على مفعول وذكر. قوله: "وتشهد علي فعظم حق أبي بكر" زاد مسلم في روايته من طريق معمر عن الزهري" وذكر فضيلته وسابقيته، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه". قوله: "وكان المسلمون إلى علي قريبا" أي كان ودهم له قريبا "حين راجع الأمر بالمعروف "أي من الدخول فيما دخل فيه الناس. قال القرطبي: من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار وما تضمن ذلك من الإنصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الأخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانا لكن الديانة ترد ذلك والله الموفق. وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور. وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم، وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر، وأما ما وقع في مسلم: "عن الزهري أن رجلا قال له لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة، قال: لا ولا أحد من بني هاشم" فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح، وجمع غيره بأنه بياعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك، فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا مخلافته فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة هذه الشبهة.
4243- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ "لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الْآنَ نَشْبَعُ مِنْ التَّمْرِ"
4243- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ"
الحديث التاسع والعشرون قوله: "حدثني حرمي" بفتح المهملة والراء وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة اسم بلفظ النسب، وهو ابن عمارة شيخ شيخه وعمارة هو ابن أبي حفصة وعكرمة هو مولى ابن عباس، وليس لعكرمة عن عائشة في البخاري غير هذا الحديث، وآخر سبق في الطهارة، وثالث يأتي في اللباس. قوله: "قلنا الآن نشبع من التمر" أي لكثرة ما فيها من النخيل، وفيه إشارة إلى أنهم كانوا قبل فتحها في قلة من العيش. قوله: "حدثنا الحسن" هو ابن محمد بن الصباح الزعفراني، وقع منسوبا في رواية أبي علي بن السكن. وقال الكلاباذي: يقال إنه الزعفراني، وأما الحاكم فقال: هو الحسن بن شجاع، يعني البلخي أحد الحفاظ، وهو من أقران البخاري، ومات

(7/495)


قبله باثنتي عشرة سنة وهو شاب، وسيأتي في تفسير سورة الزمر حديث آخر عن الحسن غير منسوب فقيل أيضا إنه هو، وقرة بن حبيب أي أبي يزيد القنوي بفتح القاف والنون الخفيفة نسبة إلى بيع القنا وهي الرماح، وكذا يقال له أيضا الرماح، وهو قشيري النسب بصري، أصله من نيسابور، وقد لقيه البخاري وحدث عنه في الأدب المفرد، وليس له في الصحيح سوى هذا الموضع ومات سنة أربع وعشرين ومائتين. قوله: "ما شبعنا حتى فتحنا خيبر" يؤيد حديث عائشة الذي قبله.

(7/496)


39 - باب اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ
4245,4244- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ فَقَالَ لاَ تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا "
4247,4246- وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنْ الأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا"
وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ...... مِثْلَهُ
قوله: "باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر" أي بعد فتحها لتنمية الثمار. قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن أبي أويس، وسبق الحديث وشرحه في أواخر البيوع. قوله: "وقال عبد العزيز بن محمد" هو الدراوردي، وقد وصله أبو عوانة والدار قطني من طريقه. قوله: "عن عبد المجيد" هو ابن سهل شيخ مالك فيه. قوله: "عن سعيد" هو ابن المسيب. قوله: "بعث أخا بني عدي من الأنصار" في رواية أبي عوانة والدار قطني "سواد بن غزية" وهو من بني عدي بن النجار، وسواد بتخفيف الواو، وشذ السهيلي فشددها، ولعله اعتمد على بعض ما في نسخ الدار قطني سوار آخره راء، لكن ذكر أبو عمر أنها تصحيف. وروى الخطيب من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل على خيبر فلان ابن صعصعة فلعلها قصة أخرى. قوله: "وعن عبد المجيد" هو معطوف على الذي قبله، وهو عن عبد العزيز الدراوردي عن عبد المجيد، فلعبد المجيد فيه شيخان والله أعلم.

(7/496)


40 - باب مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ
4248- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال "أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر لليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها"
قوله: "باب معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر" ذكر فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم في المزارعة مع شرحه واضحا.

(7/496)


41 - باب الشَّاةِ الَّتِي سُمَّتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ
رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4249- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ"
قوله: "باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر" أي جعل فيها السم، والسم مثلث السين. قوله: "رواه عروة عن عائشة" لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من هذا الوجه معلقا أيضا، وسيأتي ذكره هناك. قوله: "حدثني سعيد" هو ابن سعيد المقبري. قوله: "لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم" هكذا أورده مختصرا، وقد سبق مطولا في أواخر الجزية فذكر هذا الطرف وراد" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا لي من كان ها هنا من يهود" فذكر الحديث. وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك في كتاب الطب. قال أبي إسحاق: لما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية، وكانت سألت: أي عضو من الشاة أحب إليه؟ قيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السم، فلما تناول الذراع لاك منها مضغه ولم يسغها، وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته، فذكر القصة، وأنه صفح عنها، وأن بشر بن البراء مات منها. وروى البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة "أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل، فقال لأصحابه: أمسكوا فإنها مسمومة . وقال لها: ما حملك على ذلك؟ قالت. أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله، وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك، قال فما عرض لها" ومن طريق أبي نضرة عن جابر نحوه فقال: "فلما يعاقبها" وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن أبي بن كعب مثله وزاد: "فاحتجم على الكاهل" قال قال الزهري. "فأسلمت فتركها" قال معمر: والناس يقولون قتلها. وأخرج ابن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه القصة مطولة وفي آخره: "قال فدفعها إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها" قال الواقدي: وهو الثبت. وأخرج أبو داود من طريق يونس عن الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه، وهذا منقطع لأن الزهري لم يسمع من جابر، ومن طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة نحوه مرسلا. قال البيهقي: وصله حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال البيهقي. يحتمل أن يكون تركها أولا ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها، وبذلك أجاب السهيلي وزاد: أنه كان تركها لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ثم قتلها يبشر قصاصا. قلت: ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت، وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لأن بموته تحقق وجوب القصاص بشرطه. ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث. وأخرج الواقدي بسند له عن الزهري "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ما حملك على ما فعلت؟ قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي". قال فسألت إبراهيم بن جعفر فقال: عمها يسار وكان من أجبن1 الناس، وهو الذي أنزل من الرف. وأخوها زبير، وزوجها سلام بن مشكم. ووقع في سنن أبي داود "أخت مرحب" وبه جزم السهيلي. وعند البيهقي في الدلائل "بنت أخي مرحب" ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت، فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك، وقد استبان لي الآن أنك صادق، وأنا أشهدك ومن حضر أني على دينك، وأن
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق: في نسخة "أخبث"

(7/497)


لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال فانصرف عنها حين أسلمت. وقد اشتملت قصة خيبر على أحكام كثيرة: منها جواز قتال الكفار في أشهر الحرم، والإغارة على من بلغته الدعوة بغير إنذار، وقسمة الغنيمة على السهام، وأكل الطعام الذي يصاب من المشركين قبل القسمة لمن يحتاج إليه بشرط أن لا يدخره ولا يحوله، وأن مدد الجيش إذا حضر بعد انقضاء الحرب يسهم له إن رضي الجماعة كما وقع لجعفر والأشعريين، ولا يسهم لهم إذا لم يرضوا كما وقع لأبان بن سعيد وأصحابه، وبذلك يجمع بين الأخبار. ومنها تحريم لحوم الحمر الأهلية، وأن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة، وتحريم متعة النساء، وجواز المساقاة والمزارعة، ويثبت عقد الصلح والتوثق من أرباب التهم، وأن من خالف من أهل الذمة ما شرط عليه انتقض عهده وهدر دمه، وأن من أخذ شيئا من الغنيمة قبل القسمة لم يملكه ولو كان دون حقه، وأن الإمام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها، وجواز إجلاء أهل الذمة إذا استغنى عنهم، وجواز البناء بالأهل بالسفر، والأكل من طعام أهل الكتاب وقبول هديتهم، وقد ذكرت غالب هذه الأحكام في أبوابها، والله الهادي للصواب.

(7/498)


42 - باب غَزْوَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
4250- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ "
قوله: "غزوة زيد بن حارثة" بالمهملة والمثلثة: مولى النبي صلى الله عليه وسلم ووالد أسامة بن زيد. حديث ابن عمر في بعث أسامة، سيأتي شرحه في أواخر المغازي، والغرض منه قوله: "فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله" وسيأتي قريبا بعد غزو مؤتة حديث أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: "غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وغزوت مع ابن حارثة، استعمله علينا" هكذا ذكره مبهما، ورواه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم بلفظ: "وغزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا" وكذلك أخرجه الطبراني عن أبي مسلم بهذا اللفظ وأخرجه أبو نعيم في" المستخرج" عن أبي شعيب الحراني عن أبي عاصم كذلك، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن أبي عاصم. وقد تتبعت ما ذكره أهل المغازي من سرايا زيد بن حارثة فبلغت سبعا كما قاله سلمة، وإن كان بعضهم ذكر ما لم يذكره بعض، فأولها: في جمادى الأخيرة سنة خمس قبل نجد في مائة راكب، والثانية: في ربيع الآخر سنة ست إلى بني سليم، والثالثة: في جمادى الأولى منها في مائة وسبعين فتلقى عيرا لقريش وأسروا أبا العاص بن الربيع، والرابعة: في جمادى الآخرة منها إلى بني ثعلبة، والخامسة: إلى حسمي بضم المهملة وسكون المهملة مقصور في خمسمائة إلى أناس من بني جذام بطريق الشام كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع من عند هرقل، والسادسة: إلى وادي القرى، والسابعة: إلى ناس من بني فزارة، وكان خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأوقع بهم وقتل أم قرفة بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم، فيقال

(7/498)


ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت، وأسر بنتها وكانت جميلة، ولعل هذه الأخيرة مراد المصنف، وقد ذكر مسلم طرفا منها من حديث سلمة بن الأكوع

(7/499)


43- باب عُمْرَةِ الْقَضَاءِذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4251- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا لاَ نُقِرُّ لَكَ بِهَذَا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْحُ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلِيٌّ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلاَحَ إِلاَّ السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ قَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا وَقَالَ الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُم ِّ وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ وَقَالَ لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي وَقَالَ لِزَيْدٍ أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا وَقَالَ عَلِيٌّ أَلاَ تَتَزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَةَ قَالَ إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ "
4252- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ وَلاَ يَحْمِلَ سِلاَحًا عَلَيْهِمْ إِلاَّ سُيُوفًا وَلاَ يُقِيمَ بِهَا إِلاَّ مَا أَحَبُّوا فَاعْتَمَرَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاَثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ"
قوله: "باب عمرة القضاء" كذا للأكثر، وللمستملي وحده "غزوة القضاء" والأول أولى. ووجهوا كونها غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع

(7/499)


من قريش غدر فبلغهم ذلك ففزعوا، فلقيه مكرز فأخبره أنه باق على شرطه وأن لا يدخل مكة بسلاح إلا السيوف في أغمادها، وإنما خرج في تلك الهيئة احتياطا فوثق بذلك، وأخر النبي صلى الله عليه وسلم السلاح مع طائفة من أصحابه خارج الحرم حتى رجع، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة. وقال ابن الأثير: أدخل البخاري عمرة القضاء في المغازي لكونها كانت مسببة عن غزوة الحديبية، انتهى. واختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء، فقيل: المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية، فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصلح، ولذلك يقال لها عمرة القضية. قال أهل اللغة: قاضى فلانا عاهده، وقاضاه عاوضه، فيحتمل تسميتها بذلك لأمرين قاله عياض. ويرجح الثاني تسميتها قصاصا قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} قال السهيلي: تسميتها عمرة القصاص أولى لأن هذه الآية نزلت فيها. قلت: كذا رواه ابن جرير وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن مجاهد، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه. وقال ابن إسحاق: بلغنا عن ابن عباس فذكره، ووصله الحاكم في "الإكليل" عن ابن عباس لكن في إسناده الواقدي. وقال السهيلي: سميت عمرة القضاء لأنه قاضي فيها قريشا، لا لأنها قضاء عن العمرة التي صد عنها، لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة، ولهذا عدوا عمر النبي صلى الله عليه وسلم أربعا كما تقدم تقريره في كتاب الحج. وقال آخرون: بل كانت قضاء عن العمرة الأولى، وعدت عمرة الحديبية في العمر لثبوت الأجر لا لأنها كملت، وهذا الخلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت، فقال الجمهور: يجب عليه الهدي ولا قضاء عليه، وعن أبي حنيفة عكسه، وعن أحمد رواية أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء، وأخرى يلزمه الهدي والقضاء، فحجة الجمهور قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وحجة أبي حنيفة تلزم بالشروع، فإذا أحصر جاز له تأخيرها، فإذا زال الحصر أتى بها، ولا يلزم من التحلل بين الإحرامين سقوط القضاء. وحجة من أوجبها ما وقع للصحابة فإنهم نحروا الهدي حيث صدوا واعتمروا من قابل وساقوا الهدي، وقد روى أبو داود من طريق أبي حاضر قال: "اعتمرت فأحصرت فنحرت الهدي وتحللت، ثم رجعت العام المقبل فقال لي ابن عباس: ابذل الهدي فإن الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك". وحجة من لم يوجبها أن تحللهم بالحصر لم يتوقف على نحر الهدي بل أمر من معه هدي أن ينحره، ومن ليس معه هدي أن يحلق. واستدل الكل بظاهر أحاديث من أوجبهما، قال ابن إسحاق: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة مثل الشهر الذي صد فيه المشركون معتمرا عمر القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها، وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وأبو الأسود عن عروة وسليمان التيمي جميعا في مغازيهم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى عمرة القضاء في ذي القعدة. وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن ابن عمر قال: "كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع" وفي مغازي سليمان التيمي "لما رجع من خيبر بث سراياه وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة" وقال ابن إسحاق: خرج معه من كان صد في تلك العمرة إلا من مات أو استشهد. وقال الحاكم في "الإكليل" تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان، قال وتسمى أيضا عمرة الصلح. قلت: فتحصل من أسمائها أربعة: القضاء، والقضية، والقصاص، والصلح. قوله: "ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم" كنت ذكرت

(7/500)


في "تعليق التعليق" أن مراده حديث أنس في عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم موصولا في الحج، ثم ظهر لي الآن أن مراده بحديث أنس ما أخرجه عبد الرزاق عنه من وجهين: أحدهما: روايته عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة ينشد بين يديه:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله
بأن خير القتل في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله
كما قتلناكم على تنزيله
أخرجه أبو يعلى من طريقه، وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن عبد الرزاق وما وجدته في مسند أحمد، وقد أخرجه الطبراني أيضا عاليا عن إبراهيم بن أبي سويد عن عبد الرزاق، ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في "الدلائل"، وأخرجه من طريق أبي الأزهر عن عبد الرزاق فذكر القسم الأول من الرجز وقال بعده:
اليوم نضربكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله ... يا رب إني مؤمن بقيله
قال الدار قطني في" الأفراد ": تفرد به معمر عن الزهري، وتفرد به عبد الرزاق عن معمر.
قلت: وقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أيضا لكن لم يذكر أنسا، وعنده بعد قوله:
قد أنزل الرحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله
وذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: بلغني...فذكره وزاد بعد قوله:
يا رب إني مؤمن بقيله ... إني رأيت الحق في قبوله
وزعم ابن هشام في مختصر السيرة أن قوله: "نحن ضربناكم على تأويله" إلى آخر الشعر من قول عمار بن ياسر قاله يوم صفين، قال: ويؤيده أن المشركين لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل، انتهى. وإذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فإن التقدير على رأي ابن هشام: نحن ضربناكم على تأويله. أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل. ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه. وإذا كان كذلك محتملا وثبتت الرواية سقط الاعتراض.
نعم الرواية التي جاء فيما فاليوم نضربكم على تأويله يظهر أنها قول عمار، ويبعد أن تكون قول ابن رواحة لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرواية:
نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله
يشير بكل منهما إلى ما مضى، ولا مانع أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول هذه اللفظة، ومعنى قوله: "نحن ضربناكم على تنزيله" أي في عهد الرسول فيما مضى، وقوله: "واليوم نضربكم على تأويله" أي الآن. وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور والله أعلم. والرواية الثانية رواية عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أخرجها البزار وقال: لم يروه عن ثابت إلا جعفر بن سليمان، وأخرجها

(7/501)


الترمذي والنسائي من طريقه بلفظ: "إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة بن يديه يمشي وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... يذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر: يا ابن رواحة، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل . قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس نحوه قال: وفي غير هذا الحديث أن هذه القصة لكعب بن مالك، وهو أصح لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة وكانت عمرة القضاء قبل ذلك. قلت: وهو ذهول شديد وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة كما سيأتي في هذا الباب، وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد كما سيأتي قريبا، وكيف يخفى عليه - أعني الترمذي - مثل هذا؟ ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة، فإن كان كذلك اتجه اعتراضه، لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي ما تقدم، والله أعلم. وقد صححه ابن حبان من الوجهين، وعجيب من الحاكم كيف لم يستدركه مع أن الوجه الأول على شرطهما، ومن الوجه الثاني على شرط مسلم لأجل جعفر. قوله: "عن البراء" في رواية شعبة عن أبي إسحاق "سمعت البراء" أخرجها في الصلح. قوله: "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة" أي سنة ست. قوله: "أن يدعوه" بفتح الدال أي يتركوه. قوله: "حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام" أي من العام المقبل، وصرح به في حديث ابن عمر بعده، وتقدم سبب هذه المقاضاة في الكلام على حديث المسور في الشروط مستوفى. قوله: "فلما كتب الكتاب" كذا هو بضم الكاف من كتب على البناء للمجهول، وللأكثر كتبوا بصيغة الجمع، وتقدم في الجزية من طريق يوسف بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق بلفظ: "فأخذ يكتب بينهم الشرط علي بن أبي طالب" وفي رواية شعبة "كتب علي بينهم كتابا" وفي حديث المسور "قال فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل. أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسمك اللهم" ونحوه في حديث أنس باختصار ولفظه: "أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعلي: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل: ما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن اكتب ما نعرف: باسمك اللهم" وللحاكم من حديث عبد الله بن مغفل "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فأمسك سهيل بيده فقال: اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: اكتب باسمك اللهم، فكتب". قوله: "هذا" إشارة إلى ما في الذهن. قوله: "ما قاضى" خبر مفسر له. وفي رواية الكشميهني: "هذا ما قاضانا" وهو غلط، وكأنه لما رأى قوله: "اكتبوا" ظن بأن المراد قريش، وليس كذلك بل المراد المسلمون، ونسبة ذلك إليهم وإن كان الكاتب واحدا مجازية، وفي حديث عبد الله بن مغفل المذكور" فكتب هذا ما صالح محمد رسول الله أهل مكة". قوله: "قالوا لا نقر لك بهذا" تقدم في الصلح بهذا الإسناد بعينه بلفظ: "فقالوا لا نقر بها" أي بالنبوة. قوله: "لو نعلم أنك رسول

(7/502)


الله ما منعناك شيئا" زاد في رواية يوسف "ولبايعناك" وعند النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه: "ما منعناك بيته" وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق "لو كنت رسول الله لم نقاتلك" وفي حديث أنس "لاتبعناك" وفي حديث المسور "فقال سهيل بن عمرو: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك" وفي رواية أبي الأسود عن عروة في المغازي "فقال سهيل: ظلمناك إن أقررنا لك بها ومنعناك" وفي حديث عبد الله بن مغفل "لقد ظلمناك إن كنت رسولا". قوله: "ولكن أنت محمد بن عبد الله" وفي رواية يوسف وكذا حديث المسور "ولكن اكتب" وكذا هو في رواية زكريا عن أبي إسحاق عند مسلم، وفي حديث أنس وكذا في مرسل عروة" ولكن اكتب اسمك واسم وأبيك" زاد في حديث عبد الله بن مغفل "فقال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب". قوله: "ثم قال لعلي: امح رسول الله" أي امح هذه الكلمة المكتوبة من الكتاب، فقال: لا والله لا أمحوك أبدا" وللنسائي من طريق علقمة بن قيس عن علي قال: "كنت كاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فكتبت: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه، امحها. فقلت: هو والله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغم أنفك، لا والله لا أمحوها" وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما، فلذلك امتنع من امتثاله. ووقع في رواية يوسف بعد "فقال لعلي: امح رسول الله، فقال: لا والله لا أمحاه أبدا. قال: فأرنيه، فأراه إياه فمحا النبي صلى الله عليه وسلم بيده" ونحوه في رواية زكريا عند مسلم وفي حديث علي عند النسائي وزاد: "وقال: أما إن لك مثلها، وستأتيها وأنت مضطر" يشير صلى الله عليه وسلم إلى ما وقع لعلي يوم الحكمين فكان كذلك. قوله: "فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله" تقدم هذا الحديث في الصلح عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد وليست فيه هذه اللفظة "ليس يحسن يكتب" ولهذا أنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري وقال: ليس في البخاري هذه اللفظة ولا في مسلم، وهو كما قال عن مسلم فإنه أخرجه من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ: "فأراه مكانها فمحاها وكتب: "ابن عبد الله" انتهى وقد عرفت ثبوتها في البخاري في مظنة الحديث، وكذلك أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هنا سواء، وكذا أخرجها أحمد عن حجين بن المثني عن إسرائيل ولفظه: "فأخذ الكتاب - وليس يحسن أن يكتب - فكتب مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله" وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم: كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة، وأن الذي قاله يخالف القرآن حتى قال قائلهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا
فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قيل ورود القرآن فقال. {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى. وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي

(7/503)


شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال: "ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ: قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق قد سمعت من يذكر ذلك. ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال: قد كتب لك بما أمر لك " قال يونس فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعدما أنزل عليه. قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه: "ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك" وقوله لمعاوية: "ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم" وقوله: "لا تمد بسم الله" قال: وهذا وإن لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضيع الكتابة، فإنه أوتي علم كل شيء. وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث. وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب، فيحمل على أن النكتة في قوله: "فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب" لبيان أن قوله: "أرني إياها" أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك "فكتب" فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب. وبهذا جزم ابن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة، وهو كثير كقوله: كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى، وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا، فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها وخصوصا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك. ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا. وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه ابن الجوزي، وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب، وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة. فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة. وقال المعاند: كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك، قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا، والحق أن معني قوله: "فكتب" أي أمر عليا أن يكتب انتهى. وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير، والله أعلم. قوله: "لا يدخل" هذا تفسير للخبر المتقدم. قوله: "إلا السيف في القراب" في رواية شعبة "فكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثا ولا يدخلها بسلاح" ونحوه لزكريا عن أبي إسحاق عند مسلم. قوله: "وأن لا يخرج من أهلها بأحد إلخ" في حديث أنس "قال علي: قلت يا رسول الله أكتب هذا؟ قال: نعم". قوله: "فلما دخلها" أي في العام المقبل. قوله: "ومضى الأجل" أي الأيام الثلاثة. وقال الكرماني: لما مضى أي قرب مضيه، ويتعين الحمل عليه لئلا يلزم الخلف. قوله: "أتوا عليا فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل" في رواية يوسف "فقالوا: مر صاحبك فليرتحل". قوله: "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية يوسف" فذكر ذلك علي فقال: نعم فارتحل" وفي مغازي أبي الأسود عن عروة" فلما كان اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا: ننشدك الله والعهد إلا ما خرجت من أرضنا، فرد عليه سعد بن عبادة، فأسكته النبي صلى الله عليه وسلم وآذن بالرحيل" وأخرج

(7/504)


الحاكم في "المستدرك" من حديث ميمونة في هذه القصة" فأتاه حويطب بن عبد العزي" وكأنه في أوائل النهار فلم يكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق، وكان مجيئهم في أول النهار قرب مجيء ذلك الوقت. قوله: "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة" هكذا رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى معطوفا على إسناد القصة التي قبله، وكذا أخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى، وكذا رواه الحاكم في "الإكليل" والبيهقي من طريق سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى بتمامه، وادعى البيهقي أن فيه إدراجا لأن زكريا بن أبي زائدة رواه عن أبي إسحاق متصلا. وأخرج مسلم والإسماعيلي القصة الأولى من طريقه عن أبي إسحاق من حديث علي، وهكذا رواه أسود بن عامر عن إسرائيل أخرجه أحمد من طريقه لكن باختصار في الموضعين قال البيهقي: وكذا روى عبيد الله بن موسى أيضا قصة بنت حمزة من حديث علي. قلت: هو كذلك عند ابن حبان عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى لكن باختصار، وكذا رواه الهيثم بن كليب في مسنده عن الحسن بن علي بن عفان عن عبيد الله بن موسى بأتم من سياق ابن حبان. وأخرج أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل قصة بنت حمزة خاصة من حديث علي بلفظ: "لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة" الحديث. وكذا أخرجها أحمد عن حجاج بن محمد ويحيى بن آدم جميعا عن إسرائيل. قلت: والذي يظهر لي أن لا إدراج فيه، وأن الحديث كان عند إسرائيل وكذا عند عبيد الله بن موسى عنه بالإسنادين جميعا، لكنه في القصة الأولى من حديث البراء أتم، وبالقصة الثانية من حديث علي أتم، وبيان ذلك أن عند البيهقي في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال. "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة أيام في عمرة القضاء، فلما كان اليوم الثالث قالوا لعلي: إن هذا آخر يوم من شرط صاحبك، فمره فليخرج. فحدثه بذلك فقال: نعم، فخرج". قال أبو إسحاق. فحدثني هانئ بن هانئ وهبيرة فذكر حديث علي في قصة بنت حمزة أتم مما وقع في حديث هذا الباب عن البراء، وسيأتي إيضاح ذلك عند شرحه إن شاء الله تعالى. وكذا أخرج الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن أبي بكرة بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى قصة بنت حمزة من حديث البراء، فوضح أنه عند عبيد الله بن موسى ثم عند أبي بكر بن أبي شيبة عنه بالإسنادين جميعا، وكذا أخرج ابن سعد عن عبيد الله بن موسى بالإسنادين معا عنه. قوله: "لجعفر أشبهت خلقي وخلقي". قوله: "ابنة حمزة" اسمها عمارة وقيل فاطمة وقيل أمامة وقيل أمة الله وقيل سلمى، والأول هو المشهور. وذكر الحاكم في "الإكليل" وأبو سعيد في "شرف المصطفى" من حديث ابن عباس بسند ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخي بين حمزة وزيد بن حارثة، وأن عمارة بنت حمزة كانت مع أمها بمكة. قوله: "تنادي يا عم" كأنها خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إجلالا له، وإلا فهو ابن عمها، أو بالنسبة إلى كون حمزة وإن كان عمه من النسب فهو أخوه من الرضاعة، وقد أقرها على ذلك بقوله لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دونك ابنة عمك" وفي ديوان حسان بن ثابت لأبي سعيد السكري أن عليا هو الذي قال لفاطمة ولفظه: "فأخذ علي أمامه فدفعها إلى فاطمة" وذكر أن مخاصمة علي وجعفر وزيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد أن وصلوا إلى مر الظهران. قوله: "دونك" هي كلمة من أسماء الأفعال تدل على الأمر بأخذ الشيء المشار إليه. قوله: "حملتها" كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي وكأن الفاء سقطت. قلت: وقد ثبتت في رواية النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري، وكذا لأبي داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل، وكذا لأحمد في حديث علي. ووقع في

(7/505)


رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني: "حمليها" بتشديد الميم المكسورة وبالتحتانية بصيغة الأمر، وللكشميهني في الصلح في هذا الموضع "احمليها" بألف بدل التشديد، وعند الحاكم من مرسل الحسن" فقال علي لفاطمة وهي في هودجها: أمسكيها عندك" وعند ابن سعد من مرسل محمد بن علي بن الحسين الباقر بإسناد صحيح إليه" بينما بنت حمزة تطوف في الرجال إذا أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها". قوله: "فاختصم فيها علي بن أبي طالب وجعفر "أي أخوه "وزيد بن حارثة" أي في أيهم تكون عنده، وكانت خصومتهم في ذلك بعد أن قدموا المدينة، ثبت ذلك في حديث علي عند أحمد والحاكم. وفي المغازي لأبي الأسود عن عروة في هذه القصة "فلما دنوا من المدينة كلمه فيها زيد بن حارثة وكان وصي حمزة وأخاه" وهذا لا ينفي أن المخاصمة إنما وقعت بالمدينة، فلعل زيدا سأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ووقعت المنازعة بعد، ووقع في مغازي سليمان التيمي "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى رحله وجد بنت حمزة فقال لها: ما أخرجك؟ قالت: رجل من أهلك، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها". وفي حديث علي عند أبي داود "أن زيد بن حارثة أخرجها من مكة" وفي حديث ابن عباس المذكور "فقال له علي: كيف تترك ابنة عمك مقيمة بين ظهراني المشركين "؟ وهذا يشعر بأن أمها إما لم تكن أسلمت فإن في حديث ابن عباس المذكور أنها سلمى بنت عميس وهي معدودة في الصحابة، وإما أن تكون ماتت إن لم يثبت حديث ابن عباس، وإنما أقرهم على أخذها مع اشتراط المشركين أن لا يخرج بأحد من أهلها أراد الخروج، لأنهم لم يطلبوها، وأيضا فقد تقدم في الشروط ويأتي في التفسير أن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك، لكن إنما نزل القرآن في ذلك بعد رجوعهم إلى المدينة. ووقع في رواية أبي سعيد السكري أن فاطمة قالت لعلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى أن لا يصيب منهم أحدا إلا رده عليهم، فقال لها علي: إنها ليست منهم إنما هي منا. قوله: "فاختصم فيها علي إلخ" زاد في رواية ابن سعد "حتى ارتفعت أصواتهم فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه". قوله: "فقال علي أنا أخرجتها وهي بنت عمي" زاد في حديث علي عند أبي داود "وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحق بها". قوله: "وخالتها تحتي" أي زوجتي. وفي رواية الحاكم عندي واسم خالتها أسماء بنت عميس التي تقدم ذكرها في غزوة خيبر وصرح باسمها في حديث علي عند أحمد، وكان لكل من هؤلاء الثلاثة فيها شبهة: أما زيد فللأخوة التي ذكرتها ولكونه بدأ بإخراجها من مكة، وأما علي فلأنه ابن عمها وحملها مع زوجته وأما جعفر فلكونه ابن عمها وخالتها عنده فيترجح جانب جعفر باجتماع قرابة الرجل والمرأة منها دون الآخرين. قوله: "وقال زيد بنت أخي" زاد في حديث علي إنما خرجت إليها. قوله: "فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها" في حديث ابن عباس المذكور فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "جعفر أولى بها. وفي حديث علي عند أبي داود وأحمد أما الجارية فلا قضى بها لجعفر. وفي رواية أبي سعيد السكري: ادفعاها إلى جعفر فإنه أوسع منكم. وهذا سبب ثالث. قوله: "وقال: الخالة بمنزلة الأم" أي في هذا الحكم الخاص لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد لما دل عليه السياق، فلا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث لأن الأم ترث، وفي حديث علي وفي مرسل الباقر "الخالة والدة، وإنما الخالة أم" وهي بمعنى قوله بمنزلة الأم لا أنها أم حقيقية. ويؤخذ منه أن الخالة في الحضانة مقدمة على العمة لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ، وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة على غيرها، ويؤخذ منه تقديم أقارب الأم على أقارب الأب. وعن أحمد رواية أن العمة مقدمة في الحضانة على الخالة، وأجيب عن هذه القصة بأن العمة لما تطلب، فإن قيل: والخالة لم تطلب، قيل:

(7/506)


قد طلب لها زوجها، فكما أن للقريب المحضون أن يمنع الحاضنة إذا تزوجت فللزوج أيضا أن يمنعها من أخذه، فإذا وقع الرضا سقط الحرج. وفيه من الفوائد أيضا تعظيم صلة الرحم بحيث تقع المخاصمة بين الكبار في التوصل إليها، وأن الحاكم يبين دليل الحكم للخصم، وأن الخصم يدلي بحجته، وأن الحاضنة إذا تزوجت بقريب المحضونة لا تسقط حضانتها إذا كانت المحضونة أنثى أخذا بظاهر هذا الحديث قاله أحمد، وعنه لا فرق بين الأنثى والذكر، ولا يشترط كونه محرما لكن يشترط أن يكون فيه مأمونا، وأن الصغيرة لا تشتهي، ولا تسقط إلا إذا تزوجت بأجنبي، والمعروف عن الشافعية والمالكية اشتراط كون الزوج جدا للمحضون. وأجابوا عن هذه القصة بأن العمة لم يطلب وأن الزوج رضي بإقامتها عنده، وكل من طلبت حضانتها لها كانت متزوجة فرجح جانب جعفر بكونه تزوج الخالة. قوله: "وقال لعلي: أنت مني وأنا منك " أي في النسب والصهر والمسابقة والمحبة وغير ذلك من المزايا، ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها. قوله: "وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي " بفتح الخاء الأولى وضم الثانية، في مرسل ابن سيرين عند ابن سعد "أشبه خلقك خلقي، وخلقك خلقي" وهي منقبة عظيمة لجعفر، أما الخلق فالمراد به الصورة فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت أسماءهم في مناقب الحسن وأنهم عشرة أنفس غير فاطمة عليها السلام، وقد كنت نظمت إذ ذاك بيتين في ذلك ووقفت بعد ذلك في حديث أنس على أن إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشبهه، وكذا في قصة جعفر بن أبي طالب أن ولديه عبد الله وعونا كانا يشبهانه فغيرت البيتين الأولين بالزيادة فأصلحتهما هناك، ورأيت إعادتهما هنا ليكتبهما من لم يكن كتبهما إذ ذاك:
شبه النبي ليج سائب وأبي ... سفيان والحسنين الخال أمهما
وجعفر ولداه وابن عامرهم ... ومسلم كابس يتلوه مع قثما
ووقع في تراجم الرجال وأهل البيت ممن كان يشبهه صلى الله عليه وسلم من غير هؤلاء عدة: منهم إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي وكان يقال له الشبيه، والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وعلي بن علي بن عباد بن رفاعة الرفاعي شيخ بصري من أتباع التابعين، ذكر ابن سعد عن عفان قال: كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما لم أدخل هؤلاء في النظم لبعد عهدهم عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم فاقتصرت على من أدركه والله أعلم. وأما شبهه في الخلق بالضم فخصوصية جعفر إلا أن يقال إن مثل ذلك حصل لفاطمة عليها السلام، فإن في حديث عائشة ما يقتضي ذلك ولكن ليس بصريح كما في قصة جعفر هذه. وهي منقبة عظيمة لجعفر، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} . قوله: "وقال لزيد: أنت أخونا " أي في الإيمان "ومولانا" أي من جهة أنه أعتقه، وقد تقدم أن مولى القوم منهم، فوقع منه صلى الله عليه وسلم تطييب خواطر الجميع وإن كان قضى لجعفر فقد بين وجه ذلك. وحاصله أن المقضي له في الحقيقة الخالة وجعفر تبع لها لأنه كان القائم في الطلب لها، وفي حديث علي عند أحمد وكذا في مرسل الباقر "فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم" وفي حديث ابن عباس "أن النجاشي كان إذا رضى أحدا من أصحابه قام فحجل حوله" وحجل بفتح المهملة وكسر الجيم أي وقف على رجل واحدة وهو الرقص بهيئة مخصوصة. وفي حديث علي المذكور أن الثلاثة فعلوا ذلك. قوله: "قال علي" أي للنبي صلى الله عليه وسلم "ألا نتزوج بنت حمزة؟ قال: إنها

(7/507)


بنت أخي" أي من الرضاعة. هو موصول بالإسناد المذكور أولا، ووقع في رواية النسائي: "فقال علي إلخ" ووقع في رواية أبي سعيد السكري" فدفعناها إلى جعفر فلم تزل عنده حتى قتل، فأوصى بها جعفر إلى علي فمكثت عنده حتى بلغت، فعرضها علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فقال: هي ابنة أخي من الرضاعة " وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالرضاعة في أوائل النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: "حدثني محمد هو ابن رافع" هذا البعض رواه الفربري، ووقع في رواية النسفي عن البخاري "حدثني محمد بن رافع" وكذا تقدم في الصلح مجزوما به في هذا الحديث لجميعهم، وساقه هناك على لفظه وهنا على لفظ رفيقه. وسريح هو ابن النعمان وهو من شيوخ البخاري، وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا. قوله: "وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم" يعني المعروف بابن إشكاب يكنى أبا جعفر وأبوه الحسين بن إبراهيم بن الحسن العامري يكنى أبا علي، خراساني سكن بغداد وطلب الحديث ولزم أبا يوسف، وقد أدركه البخاري فإنه مات سنة ست عشرة ومائتين، وليس له ولا لأبيه في البخاري سوى هذا الموضع. قوله: "بالحديبية" تقدم بيان ذلك في حديث المسور في الشروط. قوله: "إلا سيوفا" يعني في غمدها كما تقدم في الذي قبله. قوله: "ولا يقيم بها إلا ما أحبوا" بين في حديث البراء أنهم اتفقوا على ثلاث أيام. وقال ابن التين قوله: "ثلاثة أيام" يخالف قوله: "إلا ما أحبوا" فيجمع بأن محبتهم لما كانت ثلاثة أيام أفصح بها الراوي معبرا عما آل إليه الحال وهو ثلاثة أيام. قلت: بل قوله: "ما أحبوا" مجمل بينته رواية ثلاثة أيام بدليل ما سأذكره من حديث البراء. قوله: "فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج" تقدم بيان ذلك في حديث البراء، ووقع في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء عند مسلم: "فقالوا لعلي: هذا آخر يوم من شرط صاحبك، فمره أن يخرج، فذكر ذلك له فخرج".
4253- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعًا إحداهن في رجب"
4254- ثُمَّ سَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ قَالَ عُرْوَةُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فَقَالَتْ مَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةً إِلاَّ وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ"
4255- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
4256- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ

(7/508)


فأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ قَالَ ارْمُلُوا لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُمْ وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ "
4257- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "إِنَّمَا سَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ"
4259- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلاَلٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ "
وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ"
الحديث الثالث حديث ابن عمر في العمرة، وفيه قصته مع عائشة وإنكارها عليه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب، وقد تقدم شرحه في أبواب العمرة، وقوله فيه: "ألا تسمعين" في رواية الكشميهني، ونقل الكرماني رواية: "ألا تسمعي" بغير نون وهي لغية. قوله: "عن إسماعيل بن أبي خالد" في رواية الحميدي "عن سفيان حدثنا إسماعيل بن أبي خالد". قوله: "سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي خشية أن يؤذوه، كذا قاله علي بن عبد الله عن سفيان بهذا اللفظ. وقاله ابن أبي عمر عن سفيان بلفظ: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت في عمرة القضية، فكنا نستره من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوه" أخرجه الإسماعيلي، وأخرجه ن رواية إسحاق بن أبي إسرائيل عن سفيان بلفظ: "وكنا نستره من صبيان أهل مكة لا يؤذونه" أخرجه الحميدي كذلك، وتقدم في أبواب العمرة من وجه آخر عن عبد الله بن أبي أوفى بأتم من هذا السياق قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف فطفنا معه، وأتى الصفا والمروة وأتيناهما معه" أي سعوا، قال: "وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد". حديث ابن عباس، تقدم بهذا السند والمتن في أبواب الطواف من كتاب الحج في "باب بدء الرمل" وشرحت بعض ألفاظه وحكم الرمل هناك. قوله: "وفد" أي قوم وزنا ومعنى، ووقع في رواية ابن السكن "وقد" بفتح القاف وسكون الدال وهو خطأ. قوله: "وهنتهم" بتخفيف الهاء وتشديدها أي أضعفتهم، ويثرب اسم المدينة النبوية في الجاهلية، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك، وإنما ذكر ابن عباس ذلك حكاية: لكلام المشركين وفي رواية الإسماعيلي: "فأطلعه الله على ما قالوا". قوله: "إلا الإبقاء عليهم" بكسر الهمزة وسكون الموحدة بعدها القاف والمد أي الرفق بهم والإشفاق عليهم، والمعنى لم يمنعه من أمرهم بالرمل في جميع الطوفات إلا الرفق بهم، قال القرطبي: روينا قوله: "إلا الإبقاء عليهم" بالرفع على أنه فاعل يمنعه، وبالنصب على أن يكون مفعولا من أجله ويكون في يمنعه ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فاعله. قوله: "وأن يمشوا بين الركنين" أي اليمانيين، وعند أبي داود من

(7/509)


وجه آخر "وكانوا إذا تواروا عن قريش بين الركنين مشوا، وإذا طلعوا عليهم رملوا" وسيأتي في الذي بعده أن المشركين كانوا من قبل قيقعان وهو يشرف على الركنين الشاميين، ومن كان به لا يرى من بين الركنين اليمانيين. ولمسلم من هذا الوجه في آخره: "فقال المشركون. هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم، لهؤلاء أجلد من كذا". قوله: "وزاد ابن سلمة" كذا وقع هنا، ووقع عند النسفي عقب الذي قبله وهو به أليق، وابن سلمة هو حماد، وقد شارك حماد بن زيد في روايته له عن أيوب وزاد عليه تعيين مكان المشركين وهو قيقعان، وطريق حماد بن سلمة هذه وصلها الإسماعيلي نحوه وزاد في آخره: "فلما رملوا قال المشركون: ما وهنتهم "ووقع في بعض النسخ وزاد ابن مسلمة" بزيادة ميم في أوله وهو غلط. قوله: "حدثنا محمد" هو ابن سلام، وعمرو هو ابن دينار. قوله: "إنما سعى بالبيت" أي رمل. قوله: "ليرى المشركون قوته" تقدم سببه في الذي قبله. قوله: "تزوج ميمونة وهو محرم" سيأتي البحث فيه في كتاب النكاح. قوله: "وزاد ابن إسحاق إلخ" هو موصول في السيرة، وزاد في آخره: "وكان الذي زوجها منه العباس بن عبد المطلب" ولابن حبان والطبراني من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بلفظ: "تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك - يعني عمرة القضاء - وهو حرام وكان الذي زوجه إياها العباس" ونحوه للنسائي من وجه آخر عن ابن عباس، وفي مغازي أبي الأسود عن عروة "بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة ليخطبها له فجعلت أمرها إلى العباس، وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجه إياها، فبني بها بسرف، وقدر الله أنها ماتت بعد ذلك بسرف، وكانت قبله صلى الله عليه وسلم تحت أبي رهم بن عبد العزى، وقيل: تحت أخيه حويطب، وقيل: سخبرة بن أبي رهم، وأمها هند بنت عوف الهلالية.

(7/510)


44 - باب غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ
4260- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ أَبِي هِلاَلٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ "وَقَفَ عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ قَتِيلٌ فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي دُبُرِهِ يَعْنِي فِي ظَهْرِهِ"
[الحديث 4260- طرفه في: 4261]
4261- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ"
قوله: "باب غزوة مؤتة" بضم الميم وسكون الواو بغير همز لأكثر الرواة وبه جزم المبرد، ومنهم من همزها وبه جزم ثعلب والجوهري وابن فارس، وحكى صاحب "الواعي" الوجهين. وأما الموتة التي ورد الاستعاذة منها

(7/510)


وفسرت بالجنون فهي بغير همز. قوله: "من أرض الشام" قال ابن إسحاق هي بالقرب من البلقاء. وقال غيره هي على مرحلتين من بيت المقدس. ويقال: إن السبب فيها أن شرحبيل بن عمرو الغساني - وهو من أمراء قيصر على الشام - قتل رسولا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب بصري، واسم الرسول الحارث بن عمير، فجهز إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا في ثلاثة آلاف. وفي "مغازي أبي الأسود" عن عروة "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى موتة في جمادى من سنة ثمان" وكذا قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك، إلا ما ذكر خليفة في تاريخه أنها كانت سنة سبع. قوله: "حدثنا أحمد" هو ابن صالح، بينه أبو علي بن شبويه عن الفربري، وبه جزم أبو نعيم. قوله: "عن عمرو" هو ابن الحارث، وابن أبي هلال هو سعيد. قوله: "قال وأخبرني نافع" هو معطوف على شيء محذوف، ويؤيد ذلك قوله: "أنه وقف على جعفر يومئذ" ولم يتقدم لغزوة موتة إشارة ولم أر من نبه على ذلك من الشراح، وقد تتبعت ذلك حتى فتح الله بمعرفة المراد فوجدت في أول "باب جامع الشهادتين" من السنن لسعيد بن منصور قال: "حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمر بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن ابن رواحة - فذكر شعرا له - قال. فلما التقوا أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل، ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخذها ابن رواحة فحاد حيدة فقال:
أقسمت يا نفس لتنزلنه ... كارهة أو لتطاوعنه
ما لي أراك تكرهين الجنة
ثم نزل فقاتل حتى قتل، فأخذ خالد بن الوليد الراية ورجع بالمسلمين على حمية، ورمى واقد بن عبد الله التيمي المشركين حتى ردهم الله، قال ابن أبي هلال" وأخبرني نافع - فذكر ما أخرجه البخاري وزاد في آخره - قال سعيد بن أبي هلال: وبلغني أنهم دفنوا يومئذ زيدا وجعفرا وابن رواحة في حفرة واحدة".. قوله: "ليس منها" كذا للأكثر. وفي رواية الكشميهني: "ليس فيها". قوله: "أخبرنا أحمد بن أبي بكر" هو أبو مصعب الزهري، ومغيرة بن عبد الرحمن هو المخزومي بينه أبو علي عن مصعب الزبيري، وفي طبقته مغيرة بن عبد الرحمن الخزامي وهو أوثق من المخزومي، وليس للمخزومي في البخاري سوى هذا الحديث، وهو بطريق المتابعة عنده. وكان المخزومي فقيه أهل المدينة بعد مالك، وهو صدوق. قوله: "عن عبد الله بن سعيد" في رواية مصعب "عبد الله بن سعيد بن أبي هند" وهو مدني ثقة. قوله: "إن قتل زيد فجعفر" زاد موسى بن إسحاق في المغازي عن ابن شهاب "فجعفر بن أبي طالب أميرهم" وفي حديث عبد الله بن جعفر عند أحمد والنسائي بإسناد صحيح "إن قتل زيد فأميركم جعفر" وروى أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من حديث أبي قتادة قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء وقال: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر " فذكر الحديث وفيه: "فوثب جعفر فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيدا، قال امض فإنك لا تدري أي ذلك خير". قوله: "قال عبد الله" أي ابن عمر، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب "أي بعد أن قتل، كذا اختصره. وفي حديث عبد الله بن جعفر المذكور "فلقوا العدو، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل، ثم أخذها جعفر" ونحوه في مرسل عروة عند ابن إسحاق وذكر ابن إسحاق بإسناد حسن وهو عند أبي داود من طريقه "عن رجل من بني مرة قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقر لها، ثم تقدم

(7/511)


فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن جعفر عن عروة قال: ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحه فالتوى بها بعض الالتواء ثم تقدم على فرسه ثم نزل فقاتل حتى قتل. ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم الأنصاري فقال: اصطلحوا على رجل، فقالوا: أنت لها، قال: لا، فاصطلحوا على خالد بن الوليد" وروى الطبراني من حديث أبي اليسر الأنصاري قال: "أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة، فدفعها إلى خالد بن الوليد وقال له: أنت أعلم بالقتال مني". قوله: "فعددت به خمسين بين طعنة وضربة" روى سعيد بن منصور عن أبي معشر عن نافع مثله. وقال ابن سعد عن أبي نعيم عن أبي معشر "تسعين" وفي الرواية الثانية "ووجدنا في جسده بضعه وتسعين من طعنه ورمية" وكذا أخرجه ابن سعد من طريق العمري عن نافع بلفظ: "بضع وتسعون" وظاهرهما التخالف، ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم، أو بأن الريادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى، أو الخمسين مقيدة بكونها ليس فيها شيء في دبره أي في ظهره. فقد يكون الباقي في بقية جسده ولا يستلزم ذلك أنه ولى دبره، وهو محمول على أن الرمي إنما جاء من جهة قفاه أو جانبيه، ولكن يؤيد الأول أن في رواية العمري عن نافع" فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده" بعد أن ذكر العدد بضع وتسعون، ووقع في رواية البيهقي في الدلائل عن البخاري بلفظ: "بضعا وتسعين أو بضعا وسبعين" بالشك، لم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري. وفي قوله: "ليس شيء منها في دبره" بيان فرط شجاعته وإقدامه.
4262- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ - حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ "
4263- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ "لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ تَعْنِي مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ قَالَ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ قَالَ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُطِعْنَهُ قَالَ فَأَمَرَ أَيْضًا فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنْ التُّرَابِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ"
الحديث الثاني حديث أنس قوله: "حدثنا أحمد بن واقد" هو أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني. قوله: "نعى

(7/512)


زيدا" أي أخبرهم بقتله، وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلى بن أمية قدم بخبر أهل موتة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك . قال فأخبرني. فأخبره خبرهم. فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره" وعند الطبراني من حديث أبى اليسر الأنصاري "أن أبا عامر الأشعري هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمصابهم". قوله: "ثم أخذ جعفر فأصيب" كذا هنا بحذفه المفعول، والمراد الراية. ووقع في "علامات النبوة" عند أبي ذر بهذا الإسناد بلفظ: "ثم أخذها". قوله: "وعيناه تذرفان" بذال معجمة وراء مكسورة أي تدفعان الدموع. قوله: "حتى أخذها سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم" في حديث أبي قتادة "ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء، وهو أمير نفسه" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره" فمن يومئذ سمي سيف الله. وفي حديث عبد الله بن جعفر "ثم أخذها سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليهم" وتقدم حديث الباب في الجهاد من وجه آخر عن أيوب "فأخذها خالد بن الوليد من غير إمرة" والمراد نفي كونه كان منصوصا عليه، وإلا فقد ثبت أنهم اتفقوا عليه، وزاد قيه "وما يسرهم أنهم عندنا" أي لما رأوا من فضل الشهادة. وزاد في حديث عبد الله بن جعفر "ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ائتوني ببني أخي. فجيء بنا كأننا أفراخ، فدعا الحلاق فحلق رءوسنا ثم قال: أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي. ثم دعا لهم" وفي الحديث جواز الإعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه. وقد تقدم تقرير ذلك في الجنائز. وفيه جواز تعليق الإمارة بشرط، وتولية عدة أمراء بالترتيب. وقد اختلف هل تنعقد الولاية الثانية في الحال أو لا؟ والذي يظهر أنها في الحال تنعقد، ولكن بشرط الترتيب. وقيل. تنعقد لواحد لا بعينه، وتتعين لمن عينها الإمام على الترتيب. وقيل: تنعقد للأول فقط، وأما الثاني فبطريق الاختيار. واختيار الإمام مقدم على غيره لأنه أعرف بالمصلحة العامة. وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير، قال الطحاوي: هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر. وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد ولمن ذكر من الصحابة. واختلف أهل النقل في المراد بقوله: "حتى فتح الله عليه" هل كان هناك قتال فيه هزيمة للمشركين، أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتى رجعوا سالمين؟ ففي رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة "فحاش خالد الناس ودافع وانحاز وانحيز عنه، ثم انصرف بالناس" وهذا يدل على الأول، ويؤيده ما تقدم من بلاغ سعيد بن أبي هلال في الحديث الأول. وذكر ابن سعد عن أبي عامر "أن المسلمين انهزموا لما قتل عبد الله بن رواحة حتى لم أر اثنين جميعا، ثم اجتمعوا على خالد" وعند الواقدي من طريق عبد الله بن الحارث بن فضيل عن أبيه قال: "لما أصبح خالد بن الوليد جعل مقدمته ساقة، وميمنته ميسرة، فأنكر العدو حالهم وقالوا: جاءهم مدد، فرعبوا وانكشفوا منهزمين". وعنده من حديث جابر قال: "أصيب بمؤتة ناس من المشركين وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين" وفي مغازي أبي الأسود عن عروة "فحمل خالد على الروم فهزموهم" وهذا يدل على الثاني. أو يمكن الجمع بأن يكونوا هزموا جانبا من المشركين وخشي خالد أن يتكاثر الكفار عليهم، فقد قيل إنهم كانوا أكثر من مائة ألف، فانحاز بهم حتى رجع بهم إلى المدينة. وهذا السند وإن كان ضعيفا من جهة الانقطاع، والآخر من جهة ابن لهيعة الراوي عن أبي الأسود، وكذلك الواقدي، فقد وقع في المغازي لموسى بن عقبة - وهي

(7/513)


أصح المغازي كما تقدم - ما نصه "ثم أخذه - يعني اللواء - عبد الله بن رواحة فقتل، ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد فهزم الله العدو وأظهر المسلمين" قال العماد بن كثير: يمكن الجمع بأن خالدا لما جاز المسلمين وبات، ثم أصبح وقد غير هيئة العسكر كما تقدم، وتوهم العدو أنهم قد جاء لهم مدد، حمل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم، ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى. ثم وجدت في "مغازي ابن عائذ" بسند منقطع أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا حتى انحاز الفريقان عن غير هزيمة، وقفل المسلمون فمروا على طريقهم بقرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا من المسلمين رجلا، فحاصروهم، حتى فتح الله عليهم عنوة، وقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم، فسمي ذلك المكان نقيع الدم إلى اليوم. قوله: "حدثنا عبد الوهاب" هو ابن عبد المجيد الثقفي، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري. قوله: "لما جاء قتل ابن رواحة" يحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان القاصد الذي حضر من عند الجيش، ويحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان جبريل كما يدل عليه حديث أنس الذي قبله. قوله: "جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد البيهقي من طريق المقدمي عن عبد الوهاب في المسجد. قوله: "يعرف فيه الحزن" أي لما جعل الله فيه من الرحمة، ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء، ويؤخذ منه أن ظهور الحزن على الإنسان إذا أصيب بمصيبة لا يخرجه عن كونه صابرا راضيا إذا كان قلبه مطمئنا، بل قد يقال إن من كان ينزعج بالمصيبة ويعالج نفسه على الرضا والصبر أرفع رتبة ممن لا يبالي بوقوع المصيبة أصلا، أشار إلى ذلك الطبري وأطال في تقريره. قوله: "وأنا أطلع من صائر الباب، تعني من شق الباب" ووقع في رواية القابسي "من صائر الباب بشق الباب: "وللنسفي" شق" بغير موحدة والأول أصوب هنا، وشق بالكسر وبالفتح أيضا، يقال بالفتح هو الموضع الذي ينظر منه كالكوة، وبالكسر الناحية. وهذه الرواية تدل على أن في الرواية التي تقدمت في الجنائز بلفظ: "من صائر الباب شق الباب: "إدراجا، وأنه تفسير من بعض رواته. وذكر ابن التين وغيره أن الذي وقع في الحديث بلفظ: "صائر" تغيير والصواب "صير" بكسر المهملة وتحتانية ساكنة ثم راء، قال الجوهري: الصير شق الباب، وفي الحديث: "من نظر من صير باب ففقئت عينه فهي هدر" قال أبو عبيد: لم أسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث. قوله: "فأتاه رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "إن نساء جعفر" يحتمل أن يريد زوجاته، ويحتمل أن يريد من ينسب إليه من النساء في الجملة، وهذا الثاني هو المعتمد لأنا لا نعرف لجعفر زوجة غير أسماء بنت عميس. قوله: "فذكر بكاءهن" في رواية الكشميهني: "وذكر" بواو. قوله: "فأمره أن يأتيهن" كذا رأيت في أصل أبي ذر، فإن كان مضبوطا ففيه حذف تقديره فنهاهن، وأظنه محرفا فإن الذي في سائر الروايات "فأمره أن ينهاهن" وهو الوجه، وكذا وقع في الجنائز: قوله: "وذكر أنه لم يطعنه" في رواية الكشميهني: "وذكر أنهن" وهو أوجه. قوله: "لقد غلبننا" أي في عدم الامتثال لقوله، وذلك إما لأنه لم يصرح لهن بنهي الشارع عن ذلك فحملن أمره على أنه يحتسب عليهن من قبل نفسه، أو حملن الأمر على التنزيه فتمادين على ما هن فيه، أو لأنهن لشدة المصيبة لم يقدرن على ترك البكاء. والذي يظهر أن النهي إنما وقع عن قدر زائد على محض البكاء كالنوح ونحو ذلك، فلذلك أمر الرجل بتكرار النهي. واستبعده بعضهم من جهة أن الصحابيات لا يتمادين بعد تكرار النهي على أمر محرم، ولعلهن تركن النوح ولم يتركن البكاء، وكان غرض الرجل حسم المادة ولم يطعنه، لكن قوله: "فاحث في أفواههن من التراب" يدل على أنهن تمادين على الأمر الممنوع، ويجوز في الثاء المثلثة من

(7/514)


قوله: "فاحث" الضم والكسر لأنه يقال حثى يحثو ويحثى. قوله: "من العناء" يفتح العين المهملة وبالنون والمد هو التعب، ووقع في رواية العذري عند مسلم: "من الغي" بغين معجمة وتحتانية ثقيلة، وللطبراني مثله لكن بعين مهملة ومراد عائشة أن الرجل لا يقدر على ذلك، فإذا كان لا يقدر فقد أتعب نفسه ومن يخاطبه في شيء لا يقدر على إزالته ولعل الرجل لم يفهم من الأمر المحتم. وقال القرطبي لم يكن الأمر للرجل بذلك على حقيقته، لكن تقديره إن أمكنك فإن ذلك يسكنهن إن فعلته وأمكنك، وإلا فالملاطفة أولى. وفي الحديث جواز معاقبة من نهي عن منكر فتمادى عليه بما يليق به. وقال النووي: معنى كلام عائشة إنك قاصر عن القيام بما أمرت به من الإنكار فينبغي أن تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك ليرسل غيرك وتستريح أنت من العناء. ووقع عند ابن إسحاق من وجه آخر صحيح عن عائشة في آخره: "قالت عائشة: وعرفت أنه لا يقدر أن يحثي في أفواههن التراب. قالت: وربما ضر التكلف أهله" وفي حديث عائشة من الفوائد بيان ما هو الأولى بالمصاب من الهيئات، ومشروعية الانتصاب للعزاء على هيئته، وملازمة الوقار والتثبت. وفيه جواز نظر من شأنه الاحتجاب من شق الباب، وأما عكسه فممنوع. وفيه إطلاق الدعاء بلفظ لا يقصد الداعي إيقاعه بالمدعو به، لأن قول عائشة "أرغم الله أنفك" أي ألصقه بالتراب. ولم ترد حقيقة هذا، وإنما جرت عادة العرب بإطلاق هذه اللفظة في موضع الشماتة بمن يقال له، ووجه المناسبة في قوله: "احث في أفواههن" دون أعينهن مع أن الأعين محل البكاء الإشارة إلى أن النهي لم يقع عن مجرد البكاء، بل عن قدر زائد عليه من صياح أو نياحة. والله أعلم.
4264- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ "كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ"
4265- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ لَقَدْ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلاَّ صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ
[الحديث 4265- طرفه في: 4266]
4266- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ "سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ وَصَبَرَتْ فِي يَدِي صَفِيحَةٌ لِي يَمَانِيَةٌ"
الحديث الرابع قوله: "حدثني محمد بن أبي بكر" هو المقدمي، وعمر بن علي هو عمه، وعامر هو الشعبي. قوله: "يا ابن ذي الجناحين" تقدم شرحه في مناقب جعفر، وأنه عوض بذلك عن قطع يديه في تلك الوقعة حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت، ثم أخذه بشماله فقطعت، ثم احتضنه فقتل. وإن النسفي روى عن البخاري أنه يقال لكل ذي ناحيتين جناحان، وأنه أشار إلى أن الجناحين في هذه القصة ليسا على ظاهرهما. وقال السهيلي: قوله: جناحان ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي الطير وريشه، لأن الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها، فالمراد بالجناحية صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر. وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وقال العلماء في أجنحة الملائكة: إنها صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعاينة، فقد ثبت أن لجبريل ستمائة جناح، ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك، وإذا لم يثبت خبر في بيان

(7/515)


كيفيتها فنؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها، انتهى. وهذا الذي جزم به في مقام المنع والذي نقله عن العلماء ليس صريحا في الدلالة لما ادعاه، ولا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة ما ذكره من المعهود، وهو من قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف، وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره، لأن الصورة باقية. وقد روى البيهقي في "الدلائل" من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من ياقوت. وجاء في جناحي جبريل أنهما لؤلؤ أخرجه ابن منده في ترجمة ورقة. قوله: "حدثنا سفيان" هو الثوري، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، والإسناد كله كوفيون إلا الصحابي. قوله: "يمانية" بتخفيف التحتانية وحكي تشديدها، وهذا الحديث يقتضي أن المسلمين قتلوا من المشركين كثيرا، وقد روى أحمد وأبو داود من حديث عوف بن مالك "أن رجلا من أهل اليمن رافقه في هذه الغزوة، فقتل روميا وأخذ سلبه، فاستكثره خالد بن الوليد، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فدل على أن ذلك بعد أن قام خالد بن الوليد بالأمر، وهو يرجح أن خالدا لم يقتصر على حوز المسلمين والنجاة بهم بل باشر القتال، فيمكن الجمع كما تقدم. قوله: "دق في يدي" بضم الدال فسره في الرواية الأولى بقوله: "انقطعت". قوله: "يمانية" بتخفيف التحتانية وحكي تشديدها، وهذا الحديث يقتضي أن المسلمين قتلوا من المشركين كثيرا، وقد روى أحمد وأبو داود من حديث عوف بن مالك "أن رجلا من أهل اليمن رافقه في هذه الغزوة، فقتل روميا وأخذ سلبه، فاستكثره خالد بن الوليد، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فدل على أن ذلك بعد أن قام خالد بن الوليد بالأمر، وهو يرجح أن خالدا لم يقتصر على حوز المسلمين والنجاة بهم بل باشر القتال، فيمكن الجمع كما تقدم.
4267- حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي وَا جَبَلاَهْ وَا كَذَا وَا كَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلاَّ قِيلَ لِي آنْتَ كَذَلِكَ"
[الحديث 4267 –طرفه في:4268]
4268- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْثَرُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ "أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِهَذَا فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ"
قوله: "عن حصين" هو ابن عبد الرحمن، وعامر هو الشعبي كما في الرواية الثانية. قوله: "أغمي على عبد الله بن رواحة" أي ابن ثعلب بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار وأحد النقباء بالعقبة وأحد البدريين. قوله: "فجعلت أخته عمرة" هي والدة النعمان بن بشير راوي الحديث، ووقع في رواية هشيم عند أبي نعيم وفي مرسل أبي عمران الجوني عند ابن سعد أنها أمه، وهو خطأ، فلو كانت أمه تسمى عمرة لجوزت وقوع ذلك لهما، ولكن اسم أمه كبشة بنت واقد، وهذا الحديث ذكره خلف في مسند النعمان، وذكره المزي في مسند عبد الله بن رواحة، وهو واضح لأن المتن منقول عنه، وينبغي أن يذكر أيضا في مسند عمرة لقوله في الطريق الثانية "لم تبك عليه" أي عمرة فهو نقل من النعمان ما صنعت أمه، ولما قال خاله، لكن يصغر النعمان عن إدراك ذلك من خاله، فالذي يظهر أنه إنما نقل جميع ذلك عن أمه فيكون الحديث من رواية النعمان عن أمه عن أخيها، فيكون ذلك من رواية ثلاثة من الصحابة في نسق. قوله: "واجبلاه وكذا وكذا تعدد عليه" في رواية هشيم عن حصين عند أبي نعيم في المستخرج "واعضداه" وفي مرسل الحسن عند ابن سعد" واجبلاه، واعزاه" وفي مرسل أبي عمران الجوني عنده "واظهراه" وزاد فيه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عاده فأغمي عليه فقال: اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه، وإلا فاشفه ، قال: فوجد خفة، فقال

(7/516)


كان ملك قد رفع مرزبة من حديد يقول: آنت كذا؟ فلو قلت نعم لقمعني بها". قوله: "قيل لي آنت كذلك" هو استفهام إنكار، وفي مرسل الحسن "آنت جبلها، آنت عزها" وزاد أبو نعيم في "المستخرج" من طريق هشيم في آخرها "فنهاها عن البكاء عليه" وبها تظهر النكتة في قوله في الرواية الثانية "فلما مات لم تبك عليه" أي أصلا امتثالا لأمره، وبهذه الزيادة وهي قوله: "فلما مات لم تبك عليه" تظهر النكتة في إدخال هذا الحديث في هذا الباب، ويظهر أو يتجه الرد على من قال: لا مناسبة لدخوله فيه لأن موت عبد الله بن رواحة لم يكن في ذلك المرض، والله أعلم.

(7/517)


45 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ
4269- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ أَخْبَرَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ"
[الحديث 4270- أطرافه في: 4273,4272,4271]
4270- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنْ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ"
4271- وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنْ الْبَعْثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ عَلَيْنَا مَرَّةً أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً أُسَامَةُ"
4272- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَغَزَوْتُ مَعَ ابْنِ حَارِثَةَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا"
4273- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ فَذَكَرَ خَيْبَرَ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ الْقَرَدِ -قَالَ يَزِيدُ وَنَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ"
قوله: "باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات" بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف، نسبة إلى الحرقة، واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة، تسمى الحرقة لأنه حرق قوما بالقتل فبالغ في ذلك ذكره

(7/517)


ابن الكلبي. قوله: "أخبرنا حصين" هو ابن عبد الرحمن، وأبو ظبيان بالمعجمة ثم الموحدة اسمه حصين بن جندب، قال النووي أهل اللغة يفتحون الطاء يعني المشالة من الظبيان، وأهل الحديث يكسرونها. قوله: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة" ليس في هذا ما يدل على أنه كان أمير الجيش كما هو ظاهر الترجمة، وقد ذكر أهل المغازي سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة بتحتانية ساكنة وفاء مفتوحة، وهي وراء بطن نخل، وذلك في رمضان سنة سبع. وقالوا: إن أسامة قتل الرجل في هذه السرية، فإن ثبت أن أسامة كان أمير الجيش فالذي صنعه البخاري هو الصواب لأنه ما أمر إلا بعد قتل أبيه بغزوة موتة وذلك في رجب سنة ثمان، وإن لم يثبت أنه كان أميرها رجح ما قال أهل المغازي، وسيأتي شرح حديث الباب في كتاب الديات وفيه تسمية الرجل المقتول إن شاء الله تعالى. ذكر المصنف حديث سلمة بن الأكوع قال: "غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات. وخرجت فيما يبعث من البعوث بتسع غزوات، مرة علينا أبو بكر، ومرة علينا أسامة بن زيد بن حارثة "أما غزوات سلمة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم بيانها في غزوة الحديبية، وقد ذكر منها في الطريق الأخيرة من حديث الباب خيبر والحديبية ويوم الحنين ويوم القرد وفي آخره: "قال يزيد - يعني ابن أبي عبيد الراوي عنه - ونسيت بقيتهم" كذا فيه بالميم في ضمير جمع الغزوات والمعروف فيه التأنيث، وكذا وقع في رواية النسفي بالميم وضبب عليه، ووقع في رواية حكاها الكرماني ولم أقف لعله "بقيتها" هي أوجه، وأما بقية الغزوات التي نسيهن يزيد فهن غزوة الفتح وغزوة الطائف فإنهما وإن كانا في سنة غزوة حنين فهما غيرهما وغزوة تبوك وهي آخر الغزوات النبوية، فهذه سبع غزوات كما ثبت في أكثر الروايات، وإن كانت الرواية الأولى وهي رواية حاتم بن إسماعيل بلفظ: "التسع" محفوظة فلعله عد غزوة وادي القرى التي وقعت عقب خيبر، وعد أيضا عمرة القضاء غزوة كما تقدم من صنيع البخاري فكمل بها التسعة، وأما ما وقع عند أبي نعيم في "المستخرج" من طريق نصر بن علي عن حماد بن مسعدة فذكر هذا الحديث فقال في أوله "أحد وخيبر" ففيه نظر لأنهم لم يذكروا سلمة فيمن شهد أحدا. وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن مسعدة ولم يذكر فيه أحدا والله أعلم. وأما البعوث فسرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة كما ثبت من حديثه عند مسلم، وسريته إلى بني كلاب ذكرها ابن سعد، وبعثه إلى الحج سنة تسع. وأما أسامة فأول ما أرسل في السرية التي وقع ذكرها في الباب ثم في سرية إلى ابني بضم الهمزة وسكون الموحدة ثم نون مقصور وهي من نواحي البلقاء وذلك في صفر، فوقفنا مما ذكره على خمس سرايا وبقيت أربع. فليستدركها على أهل المغازي فإنهم لم يذكروا غير الذي ذكرته بعد التتبع البالغ، ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره: ومرة علينا غيرهما، وأيضا فإنه لم يذكر في بعض الروايات للبعوث عددا. قوله: "وقال عمر بن حفص" أي ابن غياث وهو من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة، وهذا الحديث قد وصله أبو نعيم في "المستخرج" من طريق أبي بشر إسماعيل بن عبد الله عن عمر بن حفص به. قوله: "وغزوت مع ابن حارثة استعمله علينا" كذا أبهمه البخاري عن شيخه أبي عاصم، وقد ذكرت ما فيه في "باب غزوة زيد بن حارثة" ولعل البخاري أبهمه عمدا لمخالفة بقية روايات الباب في تعيين أسامة. قوله: "حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة" يقال إن محمد بن عبد الله هذا هو الذهلي نسبة إلى جده وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس، وكان أبو داود إذا حدث عنه نسب أباه يحيى إلى جده فارس ولا يذكر خالدا ويقال إن محمد بن عبد الله المذكور هو المخزومي، وجزم الكلاباذي والبرقاني بأنه الذهلي، والله أعلم.

(7/518)


باب غزوة الفتح وما بعث به حاطب لأهل مكة
...
46 - باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا بَعَثَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ
يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4274- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ "أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوا مِنْهَا قَالَ فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ قَالَتْ مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ قَالَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَا حَاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ يَقُولُ كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ [الممتحنة 1]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ} إِلَى قَوْلِهِ {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}
قوله: "باب غزوة الفتح" أي فتح مكة شرفها الله تعالى، وسقط لفظ: "باب" من نسخة الصغاني، وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغزاهم. قال ابن إسحاق "حدثني الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة أنه كان في الشرط: من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل، فدخلت بنو بكر - أي ابن عبد مناة بن كنانة - في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال ابن إسحاق: وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية، فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام، فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية الديلي من بني بكر في بني الديل حتى بيت خزاعة على ماء لهم يقال له الوتير، فأصاب منهم رجلا يقال له منبه، واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال، وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية، فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال:
يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا

(7/519)


إن قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيوتنا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذل وأقل عددا
قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت يا عمرو بن سالم" فكان ذلك ما هاج فتح مكة. وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة، وهو إسناد حسن موصول. ولكن رواه ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا. وأخرجه أيضا من رواية أيوب عن عكرمة مرسلا مطولا قال فيه: "لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة، وكانت خزاعة في صلحه وبنو بكر في صلح قريش، فكان بينهم قتال، فأمدتهم قريش بسلاح وطعام، فظهروا على خزاعة وقتلوا منهم. قال: وجاء وفد خزاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى النصر، وذكر الشعر" وأخرجه عبد الرزاق من طريق مقسم عن ابن عباس مطولا وليس في الشعر. وأخرجه الطبراني من حديث ميمونة بنت الحارث مطولا وفيه أيضا أنها "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلا وهو في متوضئه: نصرت نصرت، فسألته فقال: هذا راجز بني كعب يستصرخني، وزعم أن قريشا أعانت عليهم بني بكر. قالت: فأقمنا ثلاثا، ثم صلى الصبح بالناس، ثم سمعت الراجز ينشده" وعند موسى بن عقبة في هذه القصة قال: ويذكرون أن ممن أعانهم من قريش صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهل بن عمرو. قوله: "وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم "سقط لفظ: "به" من بعض النسخ أي لعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزوهم. وعند ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبيدي عن عروة قال: فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك، ثم أعطاه امرأة من مزينة، وفي مرسل أبي سلمة المذكور عند ابن أبي شيبة: "ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعائشة جه زيني ولا تعلمي بذلك أحدا ، فدخل عليها أبو بكر فأنكر بعض شأنها فقال: ما هذا؟ فقالت له، فقال: والله ما انقضت الهدنة بيننا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له أنهم أول من غدر. ثم أمر بالطرق فحبست فعمي على أهل مكة لا يأتيهم خبر". قوله: "حدثنا سفيان" هو ابن عيينة. قوله: "عن عمرو" تقدم في الجهاد" عن علي عن سفيان سمعت عمرو بن دينار". قوله: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد" كذا في رواية عبيد الله بن أبي رافع. وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كما تقدم في فضل من شهد بدرا "بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام" فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه، فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكره الآخر ولم يذكر ابن إسحاق مع علي والزبير أحدا، وساق الخبر بالتثنية. قال: "فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها إلخ" فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعا له. قوله: "فإن بها ظعينة معها كتاب" في أواخر الجهاد من وجه آخر عن علي: "وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا" وذكر ابن إسحاق أن اسمها سارة، والواقدي أن اسمها كنود. وفي رواية سارة، وفي أخرى أم سارة. وذكر الواقدي أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك، وقيل: دينارا واحدا، وقيل: إنها كانت مولاة العباس. قوله: "فأخرجته من عقاصها" قد تقدم في الجهاد، وبيان الاختلاف في ذلك، ووجه الجمع بين كونه في عقاصها أو في حجزتها. قوله: "يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي مرسل عروة تخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا. قوله: "إني كنت امرأ ملصقا في قريش" أي حليفا،

(7/520)


وقد فسره بقوله: "كنت حليفا ولم أكن من أنفسها" وعند ابن إسحاق "ليس في القوم من أصل ولا عشيرة" وعند أحمد "وكنت غريبا" قال السهيلي: كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى، واسم أبي بلتعة عمرو، وقيل: كان حليفا لقريش. قوله: "يحمون بها قرابتي" في رواية ابن إسحاق "وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه" وسيأتي تكملة شرح هذا الحديث في سورة الممتحنة، وذكر بعض أهل المغازي وهو في "تفسير يحيى بن سلام" أن لفظ الكتاب" أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده. فانظروا لأنفسكم والسلام" كذا حكاه السهيلي. وروى الواقدي بسند له مرسل أن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد"

(7/521)


المجلد الثامن
"بقية" كتاب المغازي
باب غزوة الفتح في رمضان
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
47- باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ
4275- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ" قَالَ وَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ أَفْطَرَ فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ"
4276- حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفٍ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا" قَالَ الزُّهْرِيُّ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآخِرُ فَالآخِرُ
4277حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ أَفْطِرُوا"
4278- وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ" وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4279- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا لِيُرِيَهُ النَّاسَ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ" قَالَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ"

(8/3)


قوله: "باب غزوة الفتح في رمضان" أي كانت في رمضان سنة ثمان من الهجرة، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصيام في الكلام على حديث ابن عباس المذكور في هذا الباب، وقد تقدم هناك أنهم خرجوا من المدينة لعشر مضين من رمضان، وزاد ابن إسحاق عن الزهري بهذا الإسناد أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة أبا رهم الغفار. قوله: "قال: وسمعت ابن المسيب يقول مثل ذلك" قائل ذلك هو الزهري، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: "وعن عبيد الله بن عبد الله" هو موصول بالإسناد المذكور، وقد تقدم بيان ذلك أيضا في الصيام. وبين البيهقي من طريق عاصم بن علي عن الليث ما حذفه البخاري منه فإنه ساقه إلى قوله: "وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك" وزاد: "لا أدري أخرج في شعبان فاستقبله رمضان، أو خرج في رمضان بعدما دخل، غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرني" فذكر ما ذكره البخاري، فحذف البخاري منه التردد المذكور. ثم أخرج البيهقي من طريق ابن أبي حفصة عن الزهري بهذا الإسناد قال: "صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان" ثم ساقه من طريق معمر عن الزهري وبين أن هذا القدر من قول الزهري وأن ابن أبي حفصة أدرجه، وكذا أخرجه يونس عن الزهري، وروى أحمد بإسناد صحيح من طريق قزعة بن يحيى عن أبي سعيد قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان" وهذا يدفع التردد الماضي ويعين يوم الخروج، وقول الزهري يعين يوم الدخول ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يوما. وأما ما قال الواقدي إنه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقوي لمخالفته ما هو أصح منه، وفي تعيين هذا التاريخ أقوال أخرى: منها عند مسلم: "لست عشرة" ولأحمد "لثماني عشرة" وفي أخرى "لثنتي عشرة" والجمع بين هاتين بحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي، والذي في المغازي: دخل لتسع عشرة مضت، وهو محمول على الاختلاف في أول الشهر. ووقع في أخرى بالشك في تسع عشرة أو سبع عشرة. وروى يعقوب بن سفيان من رواية ابن إسحاق عن جماعة من مشايخه أن الفتح كان في عشر بقين من رمضان، فإن ثبت حمل على أن مراده أنه وقع في العشر الأوسط، قبل أن يدخل العشر الأخير. قوله: "ومعه عشرة آلاف" أي من سائر القبائل. وفي مرسل عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ "ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وأسلم وغفار ومزينة وجهينة وسليم" وكذا وقع في "الإكليل" و "شرف المصطفى" ويجمع بينهما بأن العشرة آلاف خرج بها من المدينة ثم تلاحق بها الألفان. وسيأتي تفصيل ذلك في مرسل عروة الذي بعد هذا. قوله: "وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة" هكذا وقع في رواية معمر، وهو وهم، والصواب على رأس سبع سنين ونصف، وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان، ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء، فالتحرير أنها سبع سنين ونصف ويمكن توجيه رواية معمر بأنه بناء على التاريخ بأول السنة من المحرم، فإذا دخل من السنة الثانية شهران أو ثلاثة أطلق عليها سنة مجازا من تسمية البعض باسم الكل، ويقع ذلك في آخر ربيع الأول، ومن ثم إلى رمضان نصف سنة. أو يقال كان آخر شعبان تلك السنة آخر سبع سنين ونصف من أول ربيع الأول، فلما دخل رمضان دخل سنة أخرى. وأول السنة يصدق عليه أنه رأسها فيصح أنه رأس ثمان سنين ونصف، أو أن رأس الثمان كان أول ربيع الأول وما بعده نصف سنة. قوله: "يصوم ويصومون" تقدم شرحه في كتاب الصيام. قوله: "خالد" هو الحذاء

(8/4)


"عن عكرمة عن ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين" استشكله الإسماعيلي بأن حنينا كانت بعد الفتح فيحتاج إلى تأمل، فإنه ذكر قبل ذلك أنه خرج من المدينة إلى مكة، وكذا حكى ابن التين عن الداودي أنه قال: الصواب أنه خرج إلى مكة، أو كانت "خيبر" فتصحفت. قلت: وحمله على خيبر مردود، فإن الخروج إليها لم يكن في رمضان، وتأويله ظاهر فإن المراد بقوله: "إلى حنين" أي التي وقعت عقب الفتح لأنها لما وقعت أثرها أطلق الخروج إليها. وقد وقع نظير ذلك في حديث أبي هريرة الآتي قريبا. وبهذا جمع المحب الطبري. وقال غيره: يجوز أن يكون خرج إلى حنين في بقية رمضان قاله ابن التين. ويعكر عليه أنه خرج من المدينة في عاشر رمضان فقدم مكة وسطه وأقام بها تسعة عشر كما سيأتي. قلت: وهذا الذي جزم به معترض، فإن ابتداء خروجه مختلف فيه كما مضى في آخر الغزوة من حديث ابن عباس، فيكون الخروج إلى حنين في شوال. قوله: "دعا بإناء من لبن أو ماء" في رواية طاوس عن ابن عباس آخر الباب: "دعا بإناء من ماء فشرب نهارا" الحديث. قال الداودي: يحتمل أن يكون دعا بهذا مرة وبهذا مرة. قلت: لا دليل على التعدد، فإن الحديث واحد والقصة واحدة، وإنما وقع الشك من الراوي فقدم عليه رواية من جزم، وأبعد ابن التين فقال: كانت قصتان إحداهما في الفتح والأخرى في حنين. قوله: "فقال المفطرون للصوم أفطروا" كذا لأبي ذر ولغيره: "للصوام" بألف وكلاهما جمع صائم. وفي رواية الطبري في تهذيبه "فقال المفطرون للصوام أفطروا يا عصاة" . قوله: "وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر" وصله أحمد بن حنبل عنه وبقيته "خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق" الحديث. قوله: "وقال حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس" كذا وقع في بعض نسخ أبي ذر، وللأكثر ليس فيه ابن عباس، وبه جزم الدار قطني وأبو نعيم في المستخرج، وكذلك وصله البيهقي من طريق سليمان بن حرب وهو أحد مشايخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة، فذكر الحديث بطوله في فتح مكة. قال البيهقي في آخر الكلام عليه: لم يجاوز به أيوب عكرمة. قلت: وقد أشرت إليه قبله، وأن ابن أبي شيبة أخرجه هكذا مرسلا عن سليمان بن حرب به بطوله، وسأذكر ما فيه من فائدة في أثناء الكلام على شرح هذه الغزوة. طريق طاوس عن ابن عباس قد تقدم الكلام عليها في كتاب الصيام أيضا.

(8/5)


48- باب أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ
4280- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ مَا هَذِهِ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: "احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ" فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ فَجَعَلَتْ

(8/5)


الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ قَالَ يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ قَالَ هَذِهِ غِفَارُ قَالَ مَا لِي وَلِغِفَارَ ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَمَرَّتْ سُلَيْمُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ هَؤُلاَءِ الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَرَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ مَا قَالَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ قَالَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ " قَالَ عُرْوَةُ وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ "سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ قَالَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدَا فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ حُبَيْشُ بْنُ الأَشْعَرِ وَكُرْزُ بْنُ جابِرٍ الْفِهْرِيُّ"
قوله: "باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح" أي بيان المكان الذي ركزت فيه راية النبي صلى الله عليه وسلم بأمره. قوله: "عن هشام" هو ابن عروة "عن أبيه قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح" هكذا أورده مرسلا، ولم أره في شيء من الطرق عن عروة موصولا، ومقصود البخاري منه ما ترجم به وهو آخر الحديث، فإنه موصول عن عروة عن نافع بن جبير بن مطعم عن العباس بن عبد المطلب والزبير بن العوام. قوله: "فبلغ ذلك قريشا" ظاهره أنهم بلغهم مسيره قبل خروج أبي سفيان وحكيم بن حزام، والذي عند ابن إسحاق وعند ابن عائذ من مغازي عروة: ثم خرجوا وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران ولم تعلم بهم قريش. وكذا في رواية أبي سلمة عند ابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالطرق فحبست، ثم خرج، فغم على أهل مكة الأمر، فقال أبو سفيان لحكيم بن حزام: هل لك أن تركب إلى أمر لعلنا أن نلقى خبرا؟ فقال له بديل بن ورقاء: وأنا معكم، قالا: وأنت إن شئت فركبوا. وفي رواية ابن عائذ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا حتى بعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى ثلاث: أن يودوا قتيل خزاعة، وبين أن يبرءوا من حلف بكر، أو ينبذ إليهم على سواء. فأتاهم ضمرة فخيرهم، فقال قرظة بن عمرو: لا نودي ولا نبرأ، ولكنا ننبذ إليه على سواء. فانصرف ضمرة بذلك. فأرسلت قريش أبا سفيان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجديد العهد"وكذلك أخرجه مسدد من مرسل محمد بن عباد بن جعفر، فأنكره الواقدي وزعم أن أبا سفيان إنما توجه مبادرا قبل أن يبلغ المسلمين الخبر، والله أعلم. وفي مرسل عكرمة عند ابن أبي شيبة ونحوه في مغازي عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ" فخافت قريش، فانطلق أبو

(8/6)


سفيان إلى المدينة فقال لأبي بكر: جدد لنا الحلف، قال: ليس الأمر إلي. ثم أتى عمر فأغلظ له عمر.
ثم أتى فاطمة فقالت له: ليس الأمر إلي. فأتى عليا فقال: ليس الأمر إلي. فقال: ما رأيت كاليوم رجل أضل - أي من أبي سفيان - أنت كبير الناس، فجدد الحلف. قال: فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال: قد أجرت بين الناس. ورجع إلى مكة فقالوا له: ما جئتنا بحرب فنحذر، ولا بصلح فنأمن "لفظ عكرمة وفي رواية عروة "فقالوا له: لعب بك علي وإن إخفار جوارك لهين عليهم" فيحتمل أن يكون قوله: "بلغ قريشا" أي غلب على ظنهم ذلك لا أن مبلغا بلغهم ذلك حقيقة. قوله: "خرجوا يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية ابن عائذ "فبعثوا أبا سفيان وحكيم بن حزام فلقيا بديل بن ورقاء فاستصحباه فخرج معهما" . قوله: "حتى أتوا مر الظهران" بفتح الميم وتشديد الراء مكان معروف، والعامة تقوله بسكون الراء وزيادة واو، والظهران بفتح المعجمة وسكون الهاء بلفظ تثنية ظهر، وفي مرسل أبي سلمة "حتى إذا دنوا من ثنية مر الظهران أظلموا - أي دخلوا في الليل - فأشرفوا على الثنية، فإذا النيران قد أخذت الوادي كله" وعند ابن إسحاق "أن المسلمين أوقدوا تلك الليلة عشرة آلاف نار" . قوله: "فقال أبو سفيان ما هذه" أي النيران "لكأنها" جواب قسم محذوف. وقوله: "نيران عرفة" إشارة إلى ما جرت به عادتهم من إيقاد النيران الكثيرة ليلة عرفة، وعند ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في تلك الليلة فأوقدوا عشرة آلاف نار. قوله: "فقال بديل بن ورقاء: هذه نيران بني عمرو" يعني خزاعة، وعمرو يعني ابن لحي الذي تقدم ذكره مع نسب خزاعة في أول المناقب" فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك" ومثل هذا في مرسل أبي سلمة، وفي مغازي عروة عند ابن عائذ عكس ذلك وأنهم لما رأوا الفساطيط وسمعوا صهيل الخيل فراعهم ذلك فقالوا: هؤلاء بنو كعب - يعني خزاعة، وكعب أكبر بطون خزاعة - جاشت بهم الحرب. فقال بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب ما بلغ تأليبها هذا. قالوا: فانتجعت هوازن أرضنا، والله ما نعرف هذا أنه هذا المثل صاح الناس. قوله: "فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم" في رواية ابن عائذ "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بين يديه خيلا تقبض العيون، وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي، فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل" وفي مرسل أبي سلمة "وكان حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب عليهم تلك الليلة فجاءوا بهم إليه فقالوا: جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة، فقال عمر: والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم، قالوا قد أتيناك بأبي سفيان" وعند ابن إسحاق "أن العباس خرج ليلا فلقي أبا سفيان وبديلا، فحمل أبا سفيان معه على البغلة ورجع صاحباه" ويمكن الجمع بأن الحرس لما أخذوهم استنقذ العباس أبا سفيان. وفي رواية ابن إسحاق "فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس: والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش، قال: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئت الأراك فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي فقال: أبا الفضل؟ قلت: نعم. قال: ما الحيلة؟ قلت: فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه" وهذا مخالف للرواية السابقة أنهم أخذوهم، ولكن عند ابن عائذ "فدخل بديل وحكيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما" فيحمل قوله: "ورجع صاحباه" أي بعد أن أسلما، واستمر أبو سفيان عند العباس لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يحبسه

(8/7)


حتى يرى العساكر. ويحتمل أن يكونا رجعا لما التقى العباس بأبي سفيان فأخذهما العسكر أيضا. وفي مغازي موسى بن عقبة ما يؤيد ذلك، وفيه: "فلقيهم العباس فأجارهم وأدخلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم بديل وحكيم، وتأخر أبو سفيان بإسلامه حتى أصبح" ويجمع بين ما عند ابن إسحاق ومرسل أبي سلمة بأن الحرس أخذوهم، فلما رأوا أبا سفيان مع العباس تركوه معه. وفي رواية عكرمة "فذهب به العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له، فقال: يا أبا سفيان أسلم تسلم، قال كيف أصنع باللات والعزى؟ قال: فسمعه عمر فقال: لو كنت خارجا من القبة ما قلتها أبدا، فأسلم أبو سفيان، فذهب به العباس إلى منزله، فلما أصبح ورأى مبادرة الناس إلى الصلاة أسلم" . قوله: "احبس أبا سفيان" في رواية موسى بن عقبة أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر، فاحبسه حتى تريه جنود الله، ففعل، فقال أبو سفيان: أغدرا يا بني هاشم؟ قال العباس: لا ولكن لي إليك حاجة فتصبح فتنظر جنود الله للمشركين وما أعد الله للمشركين، فحبسه بالمضيق دون الأراك حتى أصبحوا. قوله: "عند خطم الجبل" في رواية النسفي والقابسي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة وبالجيم والموحدة أي أنف الجبل، وهي رواية ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي. وفي رواية الأكثر بفتح المهملة من اللفظة الأولى وبالخاء المعجمة وسكون التحتانية أي ازدحامها، وإنما حبسه هناك لكونه مضيقا ليرى الجميع ولا يفوته رؤية أحد منهم. قوله: "فجعلت القبائل تمر" في رواية موسى بن عقبة "وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي: لتظهر كل قبيلة ما معها من الأداة والعدة، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم الكتائب فمرت كتيبة فقال أبو سفيان: يا عباس أفي هذه محمد؟ قال: لا، قال: فمن هؤلاء؟ قال: قضاعة. ثم مرت القبائل فرأى أمرا عظيما أرعبه" . قوله: "كتيبة كتيبة" بمثناة وزن عظيمة، وهي القطعة من الجيش، فعيلة من الكتب بفتح ثم سكون وهو الجمع. قوله: "ما لي ولغفار. ثم مرت جهينة قال مثل ذلك" وفي مرسل أبي سلمة "مرت جهينة فقال: أي عباس من هؤلاء؟ قال: هذه جهينة. قال: مالي ولجهينة، والله ما كان بيني وبينهم حرب قط" والمذكور في مرسل عروة هذا من القبائل غفار وجهينة وسعد بن هذيم وسليم، وفي مرسل أبي سلمة من الزيادة أسلم ومزينة، ولم يذكر سعد بن هذيم وهم من قضاعة، وقد ذكر قضاعة عند موسى بن عقبة وسعد بن هذيم المعروف فيها سعد هذيم بالإضافة، ويصح الآخر على المجاز وهو سعد بن زيد بن ليث بن سود بضم المهملة ابن أسلم بضم اللام ابن الحاف بمهملة وفاء ابن قضاعة. وفي سعد هذيم طوائف من العرب، منهم بنو ضنة بكسر المعجمة ثم نون وبنو عذرة وهي قبيلة كبيرة مشهورة، وهذيم الذي نسب إليه سعد عبد كان رباه فنسب إليه. وذكر الواقدي في القبائل أيضا أشجع وأسلم وتميما وفزارة. قوله: "معه الراية" أي راية الأنصار، وكانت راية المهاجرين مع الزبير كما سيأتي. قوله: "فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة" بالحاء المهملة أي يوم حرب لا يوجد منه مخلص، أي يوم قتل، يقال لحم فلان فلانا إذا قتله. قوله: "اليوم تستحل الكعبة. فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار" وكذا وقع في هذا الموضع مختصرا، ومراد سعد بقوله يوم الملحمة يوم المقتلة العظمى، ومراد أبي سفيان بقوله يوم الذمار وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم أي الهلاك، قال الخطابي: تمنى أبو سفيان أن يكون له يد فيحمي قومه ويدفع عنهم. وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل والانتصار لهم لمن قدر عليه، وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه. قال ابن إسحاق: زعم بعض أهل العلم أن سعدا قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، فسمعها رجل من المهاجرين فقال: يا رسول الله ما

(8/8)


آمن أن يكون لسعد في قريش صولة. فقال لعلي: أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها" . قال ابن هشام: الرجل المذكور هو عمر. قلت: وفيه بعد، لأن عمر كان معروفا بشدة البأس عليهم. وقد روى الأموي في المغازي أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما حاذاه: أمرت بقتل قومك؟ قال: لا.
فذكر له ما قاله سعد بن عبادة، ثم ناشده الله والرحم، فقال: يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله قريشا" . وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس. وعند ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر قال: لما قال سعد بن عبادة ذلك عارضت امرأة من قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا نبي الهدى إليك لجا حي ... قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأر ... ض وعاداهم إله السماء
إن سعدا يريد قاصمة الظهر ... بأهل الحجون والبطحاء
فلما سمع هذا الشعر دخلته رأفة لهم ورحمة، فأمر بالراية فأخذت من سعد ودفعت إلى ابنه قيس. وعند أبي يعلى من حديث الزبير "أن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها إليه، فدخل مكة بلواءين" وإسناده ضعيف جدا، لكن جزم موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أنه دفعها إلى الزبير بن العوام فهذه ثلاثة أقوال فيمن دفعت إليه الراية التي نزعت من سعد. والذي يظهر في الجمع أن عليا أرسل بنزعها، وأن يدخل بها، ثم خشي تغير خاطر سعد فأمر بدفعها لابنه قيس، ثم إن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه فحينئذ أخذها الزبير. وهذه القصة الأخيرة قد ذكرها البزار من حديث أنس بإسناد على شرط البخاري ولفظه: "كان قيس في مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، فكلم سعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرفه عن الموضع الذي فيه مخافة أن يقدم على شيء، فصرفه عن ذلك" والشعر الذي أنشدته المرأة ذكر الواقدي أنه لضرار بن الخطاب الفهري، وكأنه أرسل به المرأة ليكون أبلغ في المعاطفة عليهم، وسيأتي في حديث الباب أن أبا سفيان شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما قال سعد فقال: "كذب سعد"أي أخطأ. وذكر الأموي في المغازي أن سعد بن عبادة لما قال: "اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا، فحاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان لما مر به فناداه: يا رسول الله أمرت بقتل قومك - وذكر له قول سعد بن عبادة - ثم قال له: أنشدك الله في قومك، فأنت أبر الناس وأوصلهم، فقال: يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله فيه قريشا . فأرسل إلى سعد فأخذ اللواء من يده فجعله في يد ابنه قيس" قوله: "ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب" أي أقلها عددا، قال عياض: وقع للجميع بالقاف، ووقع في الجمع للحميدي "أجل" بالجيم وهي أظهر، ولا يبعد صحة الأولى لأن عدد المهاجرين كان أقل من عدد غيرهم من القبائل. قوله: "وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة" لم يكتف أبو سفيان بما دار بينه وبين العباس حتى شكا للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "فقال: كذب سعد "فيه إطلاق الكذب على الإخبار بغير ما سيقع ولو كان قائله بناه على غلبة ظنه وقوة القرينة. قوله: "يوم يعظم فيه الكعبة" يشير إلى ما وقع من إظهار الإسلام وأذان بلال على ظهرها وغير ذلك مما أزيل عنها مما كان فيها من الأصنام ومحو ما فيها من الصور وغير ذلك. قوله: "ويوم تكسى فيه الكعبة " قيل إن قريشا كانوا يكسون الكعبة في رمضان فصادف ذلك اليوم، أو المراد باليوم الزمان كما قال

(8/9)


يوم الفتح، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام، ووقع ذلك. قوله: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون" بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة هو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة" قال عروة: فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله، هاهنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية" وهذا السياق يوهم أن نافعا حضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة، وليس كذلك فإنه لا صحبة له، ولكنه محمول عندي على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها إما في خلافة عمر أو في خلافة عثمان، ويحتمل أن يكون التقدير: سمعت العباس يقول قلت للزبير إلخ فحذفت" قلت" . قوله:"قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم" القائل ذلك هو عروة وهو من بقية الخبر، وهو ظاهر الإرسال في الجميع إلا في القدر الذي صرح عروة بسماعه له من نافع بن جبير، وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه، أو عن العباس فإنه أدركه وهو صغير، أو جمعه من نقل جماعة له بأسانيد مختلفة وهو الراجح. قوله: "وأمر النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء" أي بالمد؛ ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدا أي بالقصر، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالدا دخل من أسفل مكة والنبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها، وكذا جزم ابن إسحاق أن خالدا دخل من أسفل ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها وضربت له هناك قبة، وقد ساق ذلك موسى بن عقبة سياقا واضحا فقال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأمره أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه، وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمره أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وعند البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن عمر قال: "لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر كيف قال حسان؟ فأنشده قوله:
عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الأسنة مسرجات ... يلطمهن بالخمر النساء
فقال: "أدخلوها من حيث قال حسان" . قوله: "فقتل من خيل خالد بن الوليد رضي الله عنه يومئذ رجلان: حبيش" بمهملة ثم موحدة ثم معجمة، وعند ابن إسحاق بمعجمة ونون ثم مهملة مصغر "ابن الأشعر" وهو لقب، واسمه خالد بن سعد بن منقذ بن ربيعة بن أخزم الخزاعي، وهو أخو أم معبد التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا. وروى البغوي والطبراني وآخرون قصتها من طريق حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه عن جده، وعن أحمد "حدثنا موسى بن داود حدثنا حزام بن هشام بن حبيش قال: شهد جدي الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" قوله: "وكرز: بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي هو ابن جابر بن حسل بمهملتين بكسر ثم سكون ابن الأحب بمهملة مفتوحة وموحدة مشددة ابن حبيب الفهري، وكان من رؤساء المشركين، وهو الذي أغار على سرح النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الأولى، ثم أسلم قديما، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العرنيين. وذكر ابن إسحاق أن هذين الرجلين سلكا طريقا فشذا عن عسكر خالد فقتلهما المشركون يومئذ. وذكر ابن إسحاق أن أصحاب خالد لقوا ناسا من قريش، منهم سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية كانوا تجمعوا بالخندمة بالخاء المعجمة والنون مكان أسفل مكة ليقاتلوا المسلمين، فناوشوهم

(8/10)


شيئا من القتال، فقتل من خيل خالد مسلمة بن الميلاء الجهني، وقتل من المشركين اثنا عشر رجلا أو ثلاثة عشر وانهزموا، وفي ذلك يقول حماس بن قيس بن خالد البكري - قال ابن هشام: ويقال هي للرعاش الهذلي - يخاطب امرأته حين لامته على الفرار من المسلمين:
إنك لو شهدت يوم الخندمة ... إذ فر صفوان وفر عكرمة
واستقبلتنا بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا يسمع إلا غمغمة ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
وعند موسى بن عقبة: "واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة وقد تجمع بها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناة وناس من هذيل ومن الأحابيش الذين استنصرت بهم قريش، فقاتلوا خالدا، فقاتلهم، فانهزموا وقتل من بني بكر نحو عشرين رجلا ومن هذيل ثلاثة أو أربعة، حتى انتهى بهم القتل إلى الحزورة إلى باب المسجد حتى دخلوا في الدور، وارتفعت طائفة منهم على الجبال، وصاح أبو سفيان: من أغلق بابه وكف يده فهو آمن، قال: ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البارقة فقال: ما هذا وقد نهيت عن القتال؟ فقالوا: نظن أن خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن له بد من أن يقاتل. ثم قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعد أن اطمأن لخالد بن الوليد: لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال؟ فقال: هم بدؤونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت يدي ما استطعت. فقال: قضاء الله خير" وذكر ابن سعد أن عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلا، ومن هذيل خاصة أربعة، وقيل مجموع من قتل منهم ثلاثة عشر رجلا. وروى الطبراني من حديث ابن عباس قال: "خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله حرم مكة" الحديث، فقيل له: "هذا خالد بن الوليد يقتل، فقال: " قم يا فلان فقل له فليرفع القتل" ، فأتاه الرجل فقال له: إن نبي الله يقول لك اقتل من قدرت عليه، فقتل سبعين ثم اعتذر الرجل إليه، فسكت" قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أمراءه أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم، غير أنه أهدر دم نفر سماهم. وقد جمعت أسماءهم من مفرقات الأخبار وهم: عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغر، ومقيس بن صبابة بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى خفيفة، وهبار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن خطل كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وسارة مولاة بني المطلب وهي التي وجد معها كتاب حاطب. فأما ابن أبي سرح فكان أسلم ثم ارتد ثم شفع فيه عثمان يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وقبل إسلامه. وأما عكرمة ففر إلى اليمن فتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فرجع معها بأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الحويرث فكان شديد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقتله علي يوم الفتح. وأما مقيس بن صبابة فكان أسلم ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطأ، فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل الأنصاري ثم ارتد، فقتله نميلة بن عبد الله يوم الفتح. وأما هبار فكان شديد الأذى للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجرت فنخس بعيرها فأسقطت، ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت، فلما كان يوم الفتح بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه أعلن بالإسلام فقبل منه فعفا عنه. وأما القينتان فاسمهما فرتني وقرينة، فاستؤمن لإحداهما فأسلمت وقتلت الأخرى. وأما سارة فأسلمت وعاشت إلى خلافة عمر. وقال الحميدي: بل قتلت. وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي قتله علي. وذكر غير ابن إسحاق أن فرتني هي التي أسلمت وأن قرينة قتلت.

(8/11)


وذكر الحاكم أيضا ممن أهدر دمه كعب بن زهير وقصته مشهورة، وقد جاء بعد ذلك وأسلم ومدح. ووحشي بن حرب وقد تقدم شأنه في غزوة أحد. وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وقد أسلمت. وأرنب مولاة ابن خطل أيضا قتلت. وأم سعد قتلت فيما ذكر ابن إسحاق فكملت العدة ثمانية رجال وست نسوة. ويحتمل أن تكون أرنب وأم سعد هما القينتان اختلف في اسمهما أو باعتبار الكنية واللقب. قلت: وسيأتي في حديث أنس في هذا الباب ذكر ابن خطل. وروى أحمد ومسلم والنسائي من طريق عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال: "أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بعث على إحدى الجنبتين خالد بن الوليد وبعث الزبير على الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر - بضم المهملة وتشديد السين المهملة أي الذين بغير سلاح - فقال لي: يا أبا هريرة اهتف لي بالأنصار، فهتف بهم فجاءوا فأطافوا به، فقال لهم: أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟ ثم قال بإحدى يديه على الأخرى: احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا. قال أبو هريرة: فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا منهم إلا قتلناه، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أغلق بابه فهو آمن" وقد تمسك بهذه القصة من قال إن مكة فتحت عنوة وهو قول الأكثر، وعن الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحا لما وقع هذا التأمين، ولإضافة الدور إلى أهلها، ولأنها لم تقسم، ولأن الغانمين لم يملكوا دورها وإلا لجاز إخراج أهل الدور منها. وحجة الأولين ما وقع من التصريح من الأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد، وبتصريحه صلى الله عليه وسلم بأنها أحلت ساعة من نهار، ونهيه عن التأسي به في ذلك. وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها ويترك لهم دورهم وغنائمهم، لأن قسمة الأرض المغنومة ليست متفقا عليها، بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم، وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة، وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن أن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد، وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق، وقد جعلها الله تعالى حرما سواء العاكف فيه والباد. وأما قول النووي احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر، لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع له من قوله صلى الله عليه وسلم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" كما تقدم وكذا " من دخل المسجد" كما عند ابن إسحاق فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال، والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحرب كما ثبت في حديث أبي هريرة عند مسلم: "أن قريشا وبشت أوباشا لها وأتباعا فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطيناه الذين سألنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أترون أوباش قريش؟ ثم قال بإحدى يديه على الأخرى أي احصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا. قال: فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا إلا قتلناه" وإن كان مراده بالصلح وقوع عقد به فهذا لم ينقل ولا أظنه عنى إلا الاحتمال الأول وفيه ما ذكرته. وتمسك أيضا من قال إنه مبهم بما وقع عند ابن إسحاق في سياق قصة الفتح: فقال العباس لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة. ثم قال في القصة بعد قصة أبي سفيان "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن" ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد". وعند موسى بن عقبة في المغازي - وهي أصح ما صنف في ذلك عند الجماعة - ما نصه "أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قالا:

(8/12)


يا رسول الله كنت حقيقا أن تجعل عدتك وكيدك بهوازن، فإنهم أبعد رحما وأشد عداوة، فقال: إني لأرجو أن يجمعهما الله لي: فتح مكة وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن وغنيمة أموالهم. فقال أبو سفيان وحكيم: فادع الناس بالأمان، أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها أآمنون هم؟ قال: من كف يده وأغلق داره فهو آمن. قالوا: فابعثنا نؤذن بذلك فيهم. قال: انطلقوا، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم فهو آمن" ، ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها. فلما توجها قال العباس: يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد؛ فرده حتى تريه جنود الله. قال: أفعل" فذكر القصة، وفي ذلك تصريح بعموم التأمين، فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة، فمن ثم قال الشافعي: كانت مكة مأمونة ولم يكن فتحها عنوة، والأمان كالصلح. وأما الذين تعرضوا للقتال أو الذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة. ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وسلم بالقتال وبين حديث الباب في تأمينه صلى الله عليه وسلم لهم بأن يكون التأمين علق بشرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال، فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه فقاتلهم حتى قتلهم وهزمهم أن تكون البلد فتحت عنوة، لأن العبرة بالأصول لا بالأتباع وبالأكثر لا بالأقل، ولا خلاف مع ذلك أنه لم يجر فيها قسم غنيمة ولا سبي من أهلها ممن باشر القتال أحد، وهو مما يؤيد قول من قال لم يكن فتحها عنوة. وعند أبي داود بإسناد حسن "عن جابر أنه سئل: هل غنمتم يوم الفتح شيئا؟ قال: لا" وجنحت طائفة - منهم الماوردي - إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد المذكورة، وقرر ذلك الحاكم في "الإكليل" . والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بأمان، ومنع جمع منهم السهيلي ترتب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحا، أما أولا فلأن الإمام مخير في قسمة الأرض بين الغانمين إذا انتزعت من الكفار وبين إبقائها وقفا على المسلمين، ولا يلزم من ذلك منع بيع الدور وإجارتها. وأما ثانيا فقال بعضهم: لا تدخل الأرض في حكم الأموال، لأن من مضى كانوا إذا غلبوا على الكفار لم يغنموا الأموال، فتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض عموما لهم كما قال الله تعالى: {دْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} الآية. وقال: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} الآية. والمسألة مشهورة فلا نطيل بها هنا، وقد تقدم كثير من مباحث دور مكة في "باب توريث دور مكة" من كتاب الحج.
4281- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: "سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ يُرَجِّعُ وَقَالَ لَوْلاَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ "
[الحديث4281- أطرافه في: 4835، 5034، 5047، 7540]
4282- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ "عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الْفَتْحِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ"

(8/13)


4283- "ثُمَّ قَالَ: "لاَ يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ" قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ وَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ قَالَ وَرِثَهُ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ حَجَّتِهِ وَلاَ زَمَنَ الْفَتْح"
4284- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفُ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ "
4285- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: " مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْر" .
ثم ذكر المصنف في الباب بعد هذا ستة أحاديث: قوله: "حدثنا أبو الوليد" كذا في الأصول، وزعم أنه وقع بدله سليمان بن حرب. قوله: "عن معاوية بن قرة" في رواية حجاج بن منهال عن شعبة "أخبرنا أبو إياس" أخرجه في فضائل القرآن، وأبو إياس هو معاوية بن قرة. قوله: "وهو يقرأ سورة الفتح" زاد في رواية آدم عن شعبة في فضائل القرآن "قراءة لينة" . قوله: "يرجع" بتشديد الجيم، والترجيع ترديد القارئ الحرف في الحلق. قوله: "وقال: لولا أن تجتمع الناس" القائل هو معاوية بن قرة راوي الحديث، بين ذلك مسلم بن إبراهيم في روايته لهذا الحديث عن شعبة، وهو في تفسير سورة الفتح وفي أواخر التوحيد من رواية شبابة عن شعبة في هذا الحديث نحوه وأتم منه، ولفظه: "ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفل وقال: لولا أن تجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل يحكي النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت لمعاوية: كيف ترجيعه؟ قال: أأأ ثلاث مرات" وللحاكم في "الإكليل" من رواية وهب بن جرير عن شعبة "لقرأت بذلك اللحن الذي قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم" . قوله: "حدثنا سليمان بن عبد الرحمن" هو المعروف بابن بنت شرحبيل وسعدان بن يحيى هو سعيد بن يحيى بن صالح اللخمي أبو يحيى الكوفي نزيل دمشق، وسعدان لقبه، وهو صدوق. وأشار الدار قطني إلى لينه. وما له في البخاري سوى هذا الموضع. وشيخه محمد بن أبي حفصة، واسم أبي حفصة ميسرة، بصري يكنى أبا سلمة، صدوق. ضعفه النسائي. وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الحج قرنه فيه بغيره. قوله: "أنه قال زمن الفتح: يا رسول الله أين ننزل غدا؟"تقدم شرحه مستوفى في "باب توريث دور مكة" من كتاب الحج. قوله: "قيل للزهري: من ورث أبا طالب" السائل عن ذلك لم أقف على اسمه. قوله: "ورثه عقيل وطالب" ، تقدم في الحج من رواية يونس عن الزهري بلفظ: "وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لأنهما كانا مسلمين. وكان عقيل وطالب كافرين" انتهى. وهذا يدل على تقدم هذا الحكم في أوائل الإسلام، لأن أبا طالب مات قبل الهجرة. ويحتمل أن تكون الهجرة لما وقعت استولى عقيل وطالب على ما خلفه أبو طالب، وكان أبو طالب قد وضع يده على ما خلفه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه

(8/14)


كان شقيقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب بعد موت جده عبد المطلب، فلما مات أبو طالب ثم وقعت الهجرة ولم يسلم طالب وتأخر إسلام عقيل استوليا على ما خلف أبو طالب، ومات طالب قبل بدر وتأخر عقيل، فلما تقرر حكم الإسلام بترك توريث المسلم من الكافر استمر ذلك بيد عقيل فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، وكان عقيل قد باع تلك الدور كلها. واختلف في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عقيلا على ما يخصه هو. فقيل: ترك له ذلك تفضلا عليه، وقيل استمالة له وتأليفا، وقيل تصحيحا لتصرفات الجاهلية كما تصحح أنكحتهم. وفي قوله: "وهل ترك لنا عقيل من دار" إشارة إلى أنه لو تركها بغير بيع لنزل فيها، وفيه تعقب على الخطابي حيث قال: إنما لم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها لأنها دور هجروها في الله تعالى بالهجرة، فلم ير أن يرجع في شيء تركه لله تعالى. وفي كلامه نظر لا يخفى، والأظهر ما قدمته، وأن الذي يختص بالترك إنما هو إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها كما تقدم تقريره في أبواب الهجرة، لا مجرد نزوله في دار يملكها إذا أقام المدة المأذون له فيها وهي أيام النسك وثلاثة أيام بعده. والله أعلم. قوله: "وقال معمر عن الزهري" أي بالإسناد المذكور "أين ننزل غدا في حجته" طريق معمر تقدمت موصولة في الجهاد. قوله: "ولم يقل يونس" أي ابن يزيد "حجته ولا زمن الفتح" أي سكت عن ذلك، بقي الاختلاف بين ابن أبي حفصة ومعمر، ومعمر أوثق وأتقن من محمد بن أبي حفصة. قوله: "عن عبد الرحمن" هو الأعرج. قوله: "منزلنا إن شاء الله" هو للتبرك. قوله: "إذا افتتح الله الخيف" هو بالرفع وهو مبتدأ خبره منزلنا، وليس هو مفعول افتتح. والخيف ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء. قوله: "حيث تقاسموا" يعني قريشا "على الكفر" أي لما تحالف قريش أن لا يبايعوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يؤووهم وحصروهم في الشعب وتقدم بيان ذلك في المبعث، وتقدم أيضا شرحه في "باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم بمكة" من كتاب الحج. قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حين أراد حنينا" أي في غزوة الفتح لأن غزوة حنين عقب غزوة الفتح، وقد تقدم في الباب المذكور في الحج من رواية شعيب عن الزهري بلفظ: "حين أراد قدوم مكة" ولا مغايرة بين الروايتين بطريق الجمع المذكور، لكن ذكره هناك أيضا من رواية الأوزاعي عن الزهري بلفظ: "قال وهو بمنى: نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة" وهذا يدل على أنه قال ذلك في حجته لا في غزوة الفتح، فهو شبيه بالحديث الذي قبله في الاختلاف في ذلك، ويحتمل التعدد والله أعلم. قيل إنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا على رغم أنف من سعى في إخراجه منها ومبالغة في الصفح عن الذين أساءوا ومقابلتهم بالمن والإحسان، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
4286- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: "اقْتُلْهُ" قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا"
4287- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ

(8/15)


يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ"
4288- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أ"َنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الأَزْلاَمِ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قَاتَلَهُمْ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ" ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم"
الحديث الرابع، قوله: "يحيى بن قزعة" بفتح القاف والزاي بعدها مهملة. قوله: "عن ابن شهاب" في رواية يحيى بن عبد الحميد عن مالك "حدثني ابن شهاب" أخرجه الدار قطني. وفي رواية أحمد عن أبي أحمد الزبيري عن مالك عن ابن شهاب "أن أنس بن مالك أخبره" . قوله: "المغفر" في رواية أبي عبيد القاسم بن سلام عن يحيى بن بكير عن مالك "مغفر من حديد" قال الدار قطني: تفرد به أبو عبيد وهو في "الموطا" ليحيى بن بكير مثل الجماعة، ورواه عن مالك جماعة من أصحابه خارج الموطأ بلفظ: "مغفر من حديد" ثم ساقه من رواية عشرة عن مالك كذلك، وكذلك هو عند ابن عدي من رواية أبي أويس عن ابن شهاب، وعند الدار قطني من رواية شبابة بن سوار عن مالك، وفي هذا الحديث: "من رأى منكم ابن خطل فليقتله" ومن رواية زيد بن الحباب عن مالك بهذا الإسناد "وكان ابن خطل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر" . قوله: "فقال اقتله" زاد الوليد بن مسلم عن مالك في آخره: "فقتل" أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان، واختلف في قاتله، وقد جزم ابن إسحاق بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله، وحكى الواقدي فيه أقوالا: منها أن قاتله شريك بن عبدة العجلاني، ورجح أنه أبو برزة، وقد بينت ما فيه من الاختلاف في كتاب الحج مع بقية شرح هذا الحديث في "باب دخول مكة بغير إحرام" من أبواب العمرة بما يغني عن إعادته. واستدل بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة على أن الكعبة لا تعيذ من وجب عليه القتل، وأنه يجوز قتل من وجب عليه القتل في الحرم. وفي الاستدلال بذلك نظر لأن المخالفين تمسكوا بأن ذلك إنما وقع في الساعة التي أحل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها القتال بمكة، وقد صرح بأن حرمتها عادت كما كانت، والساعة المذكورة وقع عند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنها استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر. وأخرج عمر بن شبة في "كتاب مكة" من حديث السائب بن يزيد قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن خطل فضربت عنقه صبرا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال: "لا يقتلن قرشي بعد هذا صبرا" ورجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالا، والله أعلم. قوله: "عن ابن أبي نجيح" في رواية الحميدي في التفسير عن ابن عيينة حدثنا ابن أبي نجيح وهو عبد الله واسم أبي نجيح يسار، وتقدم في الملازمة عن علي بن عبد الله عن سفيان "حدثنا ابن أبي نجيح" ولابن عيينة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق عبد الغفار بن داود عن ابن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن ابن مسعود. قوله: "عن أبي معمر" هو عبد الله بن سخبرة. قوله: "عن عبد الله" هو ابن مسعود. قوله: "ستون وثلاثمائة نصب"

(8/16)


بضم النون والمهملة وقد تسكن، بعدها موحدة، هي واحدة الأنصاب، وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى. ووقع في رواية ابن أبي شيبة عن ابن عيينة "صنما" بدل "نصبا" . ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام وليست مرادة هنا، وتطلق الأنصاب على أعلام الطريق وليست مرادة هنا ولا في الآية. قوله: "فجعل يطعنها" بضم العين وبفتحها والأول أشهر. قوله: "بعود في يده ويقول: جاء الحق" في حديث أبي هريرة عند مسلم: "يطعن في عينيه بسية القوس" وفي حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان: "فيسقط الصنم ولا يمسه" ، وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس "فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه، مع أنها كانت ثابتة بالأرض، وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص" وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لإذلال الأصنام وعابديها، ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تدفع عن نفسها شيئا. قوله: "حدثني إسحاق" هو ابن منصور، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد. قوله: "حدثني أبي" سقط من رواية الأصيلي ولا بد منه. قوله: "أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت" وقع في حديث جابر عند ابن سعد وأبي داود "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها حتى محيت الصور، وكان عمر هو الذي أخرجها" والذي يظهر أنه محا ما كان من الصور مدهونا مثلا. وأخرج ما كان مخروطا. وأما حديث أسامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى صورة إبراهيم فدعا بماء فجعل يمحوها" وقد تقدم في الحج فهو محمول على أنه بقيت بقية خفي على من محاها أولا. وقد حكى ابن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن صورة عيسى وأمه بقيتا حتى رآهما بعض من أسلم من نصارى غسان فقال: إنكما لببلاد غربة، فلما هدم ابن الزبير البيت ذهبا فلم يبق لهما أثر. وقد أطنب عمر بن شبة في "كتاب مكة" في تخريج طريق هذا الحديث فذكر ما تقدم وقال: "حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج سأل سليمان بن موسى عطاء: أدركت في الكعبة تماثيل؟ قال: نعم، أدركت تماثيل مريم في حجرها ابنها عيسى مزوقا، وكان ذلك في العمود الأوسط الذي يلي الباب. قال: فمتى ذهب ذلك؟ قال: في الحريق" وفيه عن ابن جريج "أخبرني عمرو بن دينار أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطمس الصور التي كانت في البيت" وهذا سند صحيح، ومن طريق عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فأمرني فأتيته بماء في دلو فجعل يبل الثوب ويضرب به على الصور ويقول: قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون" قوله: "وخرج ولم يصل" تقدم شرحه في "باب من كبر في نواحي الكعبة" من كتاب الحج، وفيه الكلام على من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ومن نفاها. قوله: "الأزلام" هي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر، وعند ابن أبي شيبة من حديث جابر نحو حديث ابن مسعود وفيه: "فأمر بها فكبت لوجوهها" وفيه نحو حديث ابن عباس وزاد: "قاتلهم الله، ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام. ثم دعا بزعفران فلطخ تلك التماثيل" . وفي الحديث كراهية الصلاة في المكان الذي فيه صور لكونها مظنة الشرك، وكان غالب كفر الأمم من جهة الصور. قوله: "تابعه معمر عن أيوب" وصله أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب. قوله: "وقال وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم" يعني أنه أرسله. ووقع في نسخة الصغاني بإثبات ابن عباس في التعليق عن وهيب وهو خطأ، ورجحت الرواية الموصولة عند البخاري لاتفاق عبد الوارث ومعمر على ذلك عن أيوب.

(8/17)


49- باب دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ
4289- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنْ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَمَكَثَ فِيهِ نَهَارًا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلاَلاً وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا فَسَأَلَهُ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَة" .
4290- حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ فِي كَدَاء" .
4291- حدثنا عبيد الله بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة عم هشام عن أبيه "دخل النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة من كداء" .
قوله: "باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة" أي حين فتحها. وقد روى الحاكم في "الإكليل" من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعا" . قوله: "وقال الليث حدثني يونس" هو ابن يزيد، وهذه الطريق وصلها المؤلف في الجهاد، وتقدم شرح الحديث في الصلاة وفي الحج في "باب إغلاق البيت" مع فوائد كثيرة. قوله: "فأمره أن يأتي بمفتاح البيت" روى عبد الرزاق والطبراني من جهته من مرسل الزهري "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان يوم الفتح: ائتني بمفتاح الكعبة، فأبطأ عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق ويقول: ما يحبسه؟ فسعى إليه رجل، وجعلت المرأة التي عندها المفتاح وهي أم عثمان واسمها سلافة بنت سعيد تقول: إن أخذه منكم لا يعطيكموه أبدا، فلم يزل بها حتى أعطت المفتاح؛ فجاء به ففتح، ثم دخل البيت، ثم خرج فجلس عند السقاية فقال علي: إنا أعطينا النبوة والسقاية والحجابة، ما قوم بأعظم نصيبا منا. فكره النبي صلى الله عليه وسلم مقالته. ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع المفتاح إليه" . وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب مرسلا نحوه، وعند ابن إسحاق بإسناد حسن عن صفية بنت شيبة قالت: "لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتح له فدخلها، ثم وقف على باب الكعبة فخطب" قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة، فذكر الحديث، وفيه: ثم قال: "يا معشر قريش، ما ترون إني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء" . ثم جلس فقام علي فقال:

(8/18)


اجمع لنا الحجابة والسقاية، فذكره. وروى ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال: خذها خالدة مخلدة، إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم. ومن طريق ابن جريج أن عليا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اجمع لنا الحجابة والسقاية، فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فدعا عثمان فقال: خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم" . ومن طريق علي بن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بني شيبة، كلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف. وروى الفاكهي من طريق محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناول عثمان المفتاح قال له: غيبه. قال الزهري: فلذلك يغيب المفتاح. ومن حديث ابن عمر أن بني أبي طلحة كانوا يقولون: لا يفتح الكعبة إلا هم، فتناول النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده. قوله: "حدثنا الهيثم بن خارجة" بخاء معجمة وجيم خراساني نزل بغداد، كان من الإثبات. قال عبد الله بن أحمد: كان أبي إذا رضي عن إنسان وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي، فحدثنا عن الهيثم بن خارجة وهو حي، وليس له عند البخاري موصول سوى هذا الموضع. "تابعه أبو أسامة ووهيب في كداء" أي روياه عن هشام بن عروة بهذا الإسناد وقالا في روايتهما: "دخل من كداء" أي بالفتح والمد، وطريق أبي أسامة وصلها المصنف في الحج عن محمود بن غيلان عنه موصولا، وأوردها هنا عن عبيد بن إسماعيل عنه فلم يذكر فيه عائشة. وأما طريق وهيب وهو ابن خالد فوصلها المصنف أيضا في الحج، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى هناك.

(8/19)


50- باب مَنْزِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ
4292- حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن عمرو عن ابن أبي ليلى قال: "ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها ذكرت أنه يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، ثم صلى ثماني ركعات، قالت: لم أره صلى صلاة أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود"
قوله: "باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح" أي المكان الذي نزل فيه، وقد تقدم قريبا في الكلام على الحديث الثالث أنه نزل بالمحصب، وهنا أنه في بيت أم هانئ. وكذا في "الإكليل" من طريق معمر عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث عن أم هانئ وكان النبي صلى الله عليه وسلم نازلا عليها يوم الفتح، ولا مغايرة بينهما لأنه لم يقم في بيت أم هانئ وإنما نزل به حتى اغتسل وصلى ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته عند شعب أبي طالب، وهو المكان الذي حصرت فيه قريش المسلمين، وقد تقدم شرح حديث الباب في كتاب الصلاة، وروى الواقدي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "منزلنا إذا فتح الله علينا مكة في الخيف حيث تقاسموا على الكفر وجاه شعب أبي طالب حيث حصرونا" ومن حديث أبي رافع نحو حديث أسامة السابق وقال فيه: "ولم يزل مضطربا بالأبطح لم يدخل بيوت مكة"

(8/19)


باب "إذا جاء نصر الله والفتح"
...
51- باب 4293- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي" .

(8/19)


52-باب مَقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ
4297- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ح حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلاَةَ"
4298- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْن" .
4299- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلاَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَنَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ فَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا" .
قوله: "باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح" ذكر فيه حديث أنس "أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرا نقصر الصلاة" وحديث ابن عباس "أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين" وفي الرواية الثانية عنه "أقمنا في سفر" ولم يذكر المكان، فظاهر هذين الحديثين التعارض، والذي أعتقده أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع، فإنها هي السفرة التي أقام فيها بمكة عشرا، لأنه دخل يوم الرابع وخرج يوم الرابع عشر، وأما حديث ابن عباس فهو في الفتح وقد قدمت ذلك بأدلته في "باب قصر الصلاة" وأوردت هناك التصريح بأن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع، ولعل البخاري أدخله في هذا الباب إشارة إلى ما ذكرت ولم يفصح بذلك تشحيذا للأذهان. ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق وكيع عن سفيان "فأقام بها عشرا يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة" ، وكذا هو في "باب قصر الصلاة" من وجه آخر عن يحيى بن أبي إسحاق عند المصنف، وهو يؤيد ما ذكرته، فإن مدة إقامتهم في سفرة الفتح حتى رجعوا إلى المدينة أكثر من ثمانين يوما. "تنبيه" : سفيان في حديث أنس هو الثوري في الروايتين، وعبد الله في حديث ابن عباس هو ابن المبارك، وعاصم هو ابن سليمان الأحول. وقوله: "وقال ابن

(8/21)


عباس" هو موصول بالإسناد المذكور كما تقدم بيانه في "باب قصر الصلاة" أيضا.

(8/22)


باب "أحاديث أخرى عن الفتح"
...
53-باب- 4300- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ "أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عَامَ الْفَتْح"
[الحديث 4300- طرفه في: 6356]
4301- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ "قَالَ وَزَعَمَ أَبُو جَمِيلَةَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْح"
قوله: "باب" كذا في الأصول بغير ترجمة، وسقط من رواية النسفي فصارت أحاديثه من جملة الباب الذي قبله، ومناسبتها له غير ظاهرة، ولعله كان قد بيض له ليكتب له ترجمة فلم يتفق، والمناسب لترجمته" من شهد الفتح" ثم ذكر فيه أحد عشر حديثا. قوله: "وقال الليث إلخ" وصله المصنف في "التاريخ الصغير" قال: "حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث" فذكره وقال في آخره: "عام الفتح بمكة" وقد وصله من وجه آخر عن الزهري فقال: "عن عبد الله بن ثعلبة أنه رأى سعد بن أبي وقاص أوتر بركعة" أخرجه في كتاب الأدب كما سيأتي. قوله: "أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير" بمهملة مصغرا، وهو عذري بضم المهملة وسكون المعجمة، ويقال له أيضا ابن أبي صعير، وهو ابن عمرو بن زيد بن سنان حليف بني زهرة، ولأبيه ثعلبة صحبة، وقد حذف المصنف المخبر به اختصارا وقد ظهر بما ذكر في الأدب. قوله: "عن الزهري عن سنين أبي جميلة قال: أخبرنا ونحن مع ابن المسيب" والجملة الحالية أراد الزهري بها تقوية روايته عنه بأنها كانت بحضرة سعيد. قوله: "عن سنين" بمهملة ونون مصغر، وقيل بتشديد التحتانية وبالنون الأولى فقط، تقدم ذكره في الشهادات بما يغني عن إعادته. قوله: "وخرج معه عام الفتح" ذكر أبو عمر أنه حج معه حجة الوداع، تقدم ذكره في الشهادات.
4302- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ "قَالَ لِي أَبُو قِلاَبَةَ أَلاَ تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ قَالَ فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كُنَّا بِمَا مَمَرَّ النَّاسِ وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ مَا لِلنَّاسِ مَا لِلنَّاسِ مَا هَذَا الرَّجُلُ فَيَقُولُونَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَوْ أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلاَمَ وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمْ الْفَتْحَ فَيَقُولُونَ اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا فَقَالَ: " صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا" فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا

(8/22)


اسْتَ قَارِئِكُمْ فَاشْتَزَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيص" .
قوله: "عن عمرو بن سلمة" مختلف في صحبته، ففي هذا الحديث أن أباه وفد، وفيه إشعار بأنه لم يفد معه. وأخرج ابن منده من طريق حماد بن سلمة عن أيوب بهذا الإسناد ما يدل على أنه وفد أيضا، وكذلك أخرجه الطبراني، وأبو سلمة بكسر اللام هو ابن قيس ويقال نفيع الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء، صحابي ما له في البخاري سوى هذا الحديث، وكذا ابنه، لكن وقع ذكر عمرو بن سلمة في حديث مالك بن الحويرث كما تقدم في صفة الصلاة. قوله: "قال لي أبو قلابة" هو مقول أيوب. قوله: "كنا بما ممر الناس" يجوز في ممر الحركات الثلاث، وعند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن عمرو بن سلمة "كنا نحاصر، يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم" . قوله: "ما للناس، ما للناس" كذا فيه مكرر مرتين. قوله: "ما هذا الرجل" أي يسألون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حال العرب معه. قوله: "أوحى إليه، أوحى الله بكذا" يريد حكاية ما كانوا يخبرونهم به مما سمعوه من القرآن. وفي رواية يوسف القاضي عن سليمان بن حرب عند أبي نعيم في المستخرج "فيقولون نبي يزعم أن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا وكذا، فجعلت أحفظ ذلك الكلام" وفي رواية أبي داود "وكنت غلاما حافظا، فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا" . قوله: "فكأنما يقر" كذا للكشميهني بضم أوله وفتح القاف وتشديد الراء من القرار. وفي رواية عنه بزيادة ألف مقصورة من التقرية أي يجمع، وللأكثر بهمز من القراءة، وللإسماعيلي: "يغري" بغين معجمة وراء ثقيلة أي يلصق بالغراء، ورجحها عياض. قوله: "تلوم" بفتح أوله واللام وتشديد الواو أي تنتظر وإحدى التاءين محذوفة. قوله: "وبدر" أي سبق. قوله: "فلما قدم" استقبلناه، هذا يشعر بأنه ما وفد مع أبيه لكن لا يمنع أن يكون وفد بعد ذلك. قوله: "وليؤمكم أكثركم قرآنا" في رواية أبي داود من وجه آخر عن عمرو بن سلمة عن أبيه "أنهم قالوا: يا رسول الله من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعا للقرآن" . قوله: "فنظروا" في رواية الإسماعيلي: "فنظروا إلى أهل حوائنا" بكسر المهملة وتخفيف الواو والمد، والحواء مكان الحي النزول. قوله: "تقلصت" أي انجمعت وارتفعت. وفي رواية أبي داود "تكشفت عني" وله من طريق عاصم بن سليمان عن عمرو بن سلمة "فكنت أؤمهم في بردة موصولة فيها فتق، فكنت إذا سجدت خرجت استي" . قوله: "ألا تغطون" كذا في الأصول، وزعم ابن التين أنه وقع عنده بحذف النون. ولأبي داود "فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم" . قوله: "فاشتروا" أي ثوبا. وفي رواية أبي داود "فاشتروا لي قميصا عمانيا" وهو بضم المهملة وتخفيف الميم نسبة إلى عمان وهي من البحرين، وزاد أبو داود في رواية له "قال عمرو بن سلمة: فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم" وفي الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة ولم ينصف من قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم، ولم يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لأنها شهادة نفي، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز، كما استدل أبو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان منهيا عنه لنهى عنه في القرآن، وكذا من استدل به بأن ستر العورة في الصلاة ليس شرطا لصحتها بل هو سنة، ويجزي بدون ذلك لأنها واقعة حال فيحتمل أن يكون ذلك بعد علمهم بالحكم.
4303- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ

(8/23)


"كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنْ يَقْبِضَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَقَالَ عُتْبَةُ إِنَّهُ ابْنِي فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ هَذَا ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ قَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي هَذَا ابْنُ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هُوَ لَكَ هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ" قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذَلِكَ.
الحديث الرابع والخامس حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة، وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى. وفي آخره حديث أبي هريرة في معنى قوله: "الولد للفراش" والغرض منه هنا الإشارة إلى أن هذه القصة وقعت في فتح مكة. قوله: "وقال الليث حدثني يونس" وصله الذهلي في "الزهريات" وساقه المصنف هنا على لفظ يونس، وأورده مقرونا بطريق مالك وفيه مخالفة شديدة له، وسأبين ذلك عند شرحه، وقد عابه الإسماعيلي وقال: قرن بين روايتي مالك ويونس مع شدة اختلافهما، ولم يبين ذلك. قوله: "قال ابن شهاب قالت عائشة" كذا هنا، وهذا القدر موصول في رواية مالك بذكر عروة فيه. وفي قوله: "هو أخوك يا عبد بن زمعة" رد لمن زعم أن قوله: "هو لك يا عبد بن زمعة" أن اللام فيه للملك فقال: أي هو لك عبد. قوله: "وقال ابن شهاب وكان أبو هريرة يصيح بذلك" أي يعلن بهذا الحديث1 وهذا موصول إلى ابن شهاب ومنقطع بين ابن شهاب وأبي هريرة، وهو حديث مستقل أغفل المزي التنبيه عليه في "الأطراف" وقد أخرج مسلم والترمذي والنسائي من طريق سفيان بن عيينة ومسلم أيضا من طريق معمر كلاهما عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، زاد معمر "وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر" وفي رواية لمسلم عن ابن عيينة عن سعيد وأبي سلمة معا؛ وفي أخرى عن سعيد أو أبي سلمة. قال الدار قطني في "العلل" : هو محفوظ لابن شهاب عنهما. قلت: وسيأتي في الفرائض من وجه آخر عن أبي هريرة باختصار، لكن من غير طريق ابن شهاب، فلعل هذا الاختلاف هو السبب في ترك إخراج البخاري لحديث أبي هريرة من طريق ابن شهاب.
4304- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ "أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ قَالَ عُرْوَةُ فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ قَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق: في نسخة "بهذا الحكم"

(8/24)


فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا" فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
الحديث السادس قوله: "أخبرني عروة بن الزبير أن امرأة سرقت" كذا فيه بصورة الإرسال، لكن في آخره ما يقتضي أنه عن عائشة، لقوله في آخره: "قالت عائشة فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها" وعند الإسماعيلي من طريق الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: "فتابت فحسنت توبتها وكانت تأتيني فأرفع حاجتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم:"وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الحدود؛ والغرض منه هنا الإشارة إلى أن هذه القصة وقعت يوم الفتح.
4305، 4306- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا فَقُلْتُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ قَالَ أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ وَالْجِهَادِ فَلَقِيتُ مَعْبَدًا بَعْدُ وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ صَدَقَ مُجَاشِع" .
4307، 4308- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ "انْطَلَقْتُ بِأَبِي مَعْبَدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ: مَضَتْ الْهِجْرَةُ لأَهْلِهَا أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالْجِهَادِ" فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ صَدَقَ مُجَاشِعٌ وَقَالَ خَالِدٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ أَنَّهُ جَاءَ بِأَخِيهِ مُجَالِدٍ"
4309- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ "قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُهَاجِرَ إِلَى الشَّأْمِ قَالَ لاَ هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ فَانْطَلِقْ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ فَإِنْ وَجَدْتَ شَيْئًا وَإِلاَ رَجَعْت" .
4310- وَقَالَ النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا "قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ فَقَالَ لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ أَوْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ"
4311- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أبو عمرو الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد بن جبر المكي "أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: لا هجرة بعد الفتح" .
4312- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ

(8/25)


قَالَ: "زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَسَأَلَهَا عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ كَانَ الْمُؤْمِنُ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فَالْمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ"
الحديث السابع قوله: "حدثنا زهير" هو ابن معاوية، وعاصم هو ابن سليمان، وأبو عثمان هو النهدي، ومجاشع هو ابن مسعود السلمي، وقوله: "بأخي" هو مجالد بوزن أخيه، وكنيته معبد كما في الرواية الثانية، والذي هنا "فلقيت معبدا" كذا للأكثر، وللكشميهني: "فلقيت أبا معبد" وهو وهم من جهة هذه الرواية وإن كان صوابا في نفس الأمر. قوله: "وقال خالد" هو الحذاء، وصل هذه الطريق الإسماعيلي من جهة خالد بن عبد الله عنه بلفظ عن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود فقال: "هذا مجالد يا رسول الله فبايعه على الهجرة" الحديث، وقد تقدم بيان أحوال الهجرة مستوفى في أبواب الهجرة وفي أوائل الجهاد. حديث ابن عمر، تقدم سندا ومتنا في أوائل الهجرة. قوله: "وقال النضر" ابن شميل، وصله الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور عنه وزاد في آخره: "ولكن جهاد، فانطلق فاعرض نفسك فإن أصبت شيئا وإلا فارجع" حديث عائشة، تقدم في أوائل الهجرة سندا ومتنا، وإسحاق بن يزيد هو ابن إبراهيم بن يزيد الفراديسي نسبة إلى جده.
4313- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحْلِلْ لِي قَطُّ إِلاَّ سَاعَةً مِنْ الدَّهْرِ لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلاَّ الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْنِ وَالْبُيُوتِ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ حَلاَل" .
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ هَذَا أَوْ نَحْوِ هَذَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم" .
الحديث العاشر قوله: "حدثنا إسحاق" هو ابن منصور وبه جزم أبو علي الجياني. وقال الحاكم هو ابن نصر. قوله: "حدثنا أبو عاصم" هو النبيل وهو من شيوخ البخاري، وربما حدث عنه بواسطة كما هنا. قوله: "عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" : هذا مرسل، وقد وصله في الحج والجهاد وغيرهما من رواية منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، وأورده ابن أبي شيبة من طريق يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس، والذي قبله أولى. قوله: "وعن ابن جريج" هو موصول بالإسناد الذي قبله، وعبد الكريم هو ابن مالك الجزري، ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي عاصم عن ابن جريج "سمعت عبد الكريم سمعت عكرمة"

(8/26)


وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الحج. قوله: "رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" أي الخطبة المذكورة، وقد وصلها في كتاب العلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وأول الحديث عنده "أن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين" الحديث، وقد تقدم شرحه هناك ولله الحمد.

(8/27)


باب قوله تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم...}
...
54-باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [25 التوبة]:
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ـ إِلَى قَوْلِهِ ـ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
قوله: "باب قول الله تعالى: {ويَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ - إلى - غَفُورٌ رَحِيمٌ} كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ـ ثم قال إِلَى ِ ـ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ووقع في رواية النسفي: باب غزوة حنين، وقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ - إلى - غَفُورٌ رَحِيمٌ} وحنين بمهملة ونون مصغر واد إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات، قال أبو عبيد البكري: سمي باسم حنين بن قابثة بن مهلائيل. قال أهل المغازي: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين لست خلت من شوال، وقيل لليلتين بقيتا من رمضان. وجمع بعضهم بأنه بدأ بالخروج في أواخر رمضان وسار سادس شوال؛ وكان وصوله إليها في عاشره، وكان السبب في ذلك أن مالك بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن ووافقه على ذلك الثقفيون، وقصدوا محاربة المسلمين، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم. قال عمر بن شبة في" كتاب مكة ": حدثنا الحزامي يعني إبراهيم بن المنذر حدثنا ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة أنه كتب إلى الوليد: أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني عن قصة الفتح، فذكر له وقتها، فأقام عامئذ بمكة نصف شهر، ولم يزد على ذلك حتى أتاه أن هوازن وثقيفا قد نزلوا حنينا يريدون قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا قد جمعوا إليه ورئيسهم عوف بن مالك. ولأبي داود بإسناد حسن من حديث سهل ابن الحنظلية" أنهم ساروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين فأطنبوا السير، فجاء رجل فقال: إني انطلقت من بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم قد اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى" وعند ابن إسحاق من حديث جابر ما يدل على أن هذا الرجل هو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي. قوله: {يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} روى يونس بن بكير في "زيادات المغازي" عن الربيع بن أنس قال: قال رجل يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الهزيمة. وقوله: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} إلى آخر الآيات، يأتي بيان ذلك في شرح أحاديث الباب. ثم ذكر المصنف فيه خمسة أحاديث:
4314- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ "رَأَيْتُ بِيَدِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ضَرْبَةً قَالَ ضُرِبْتُهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قُلْتُ شَهِدْتَ حُنَيْنًا قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ ".
4315- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ "يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ وَلَكِنْ

(8/27)


عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ ـ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ ـ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب" .
4316- حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق "قيل للبراء وأن أسمع: أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحنين؟ فقال: أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا، كانوا رماة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" .
4317- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ "وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِرَّ كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ انْكَشَفُوا فَأَكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ فَاسْتُقْبِلْنَا بِالسِّهَامِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ آخِذٌ بِزِمَامِهَا وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِب" .
قَالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ "نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَغْلَتِه" .
الحديث الأول، قوله: "عن إسماعيل" هو ابن أبي خالد، وكذا هو منسوب في رواية أحمد عن يزيد بن هارون. قوله: "ضربة" زاد أحمد "فقلت ما هذه" وفي رواية الإسماعيلي: "ضربة على ساعده" وفي رواية له "أثر ضربة" . قوله: "شهدت حنينا قال قبل ذلك" في رواية أحمد "قال نعم وقبل ذلك" ومراده بما قبل ذلك ما قبل حنين من المشاهد، وأول مشاهده الحديبية فيما ذكره من صنف في الرجال، ووقفت في بعض حديثه على ما يدل أنه شهد الخندق، وهو صحابي ابن صحابي. حديث البراء، قوله: "عن أبي إسحاق" هو السبيعي، ومدار هذا الحديث عليه، وقد تقدم في الجهاد من وجه آخر عن سفيان وهو الثوري قال: "حدثني أبو إسحاق" . قوله: "وجاءه رجل" لم أقف على اسمه، وقد ذكر في الرواية الثالثة أنه من قيس. قوله: "يا أبا عمارة" هي كنية البراء. قوله: "أتوليت يوم حنين" الهمزة للاستفهام وتوليت أي انهزمت، وفي الرواية الثانية "أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين" وفي الثالثة "أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وكلها بمعنى. قوله: "أما أنا فأشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول" تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر الرواية الثانية، ويمكن الجمع بين الثانية والثالثة بحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه صلى الله عليه وسلم. قال النووي: هذا الجواب من بديع الأدب، لأن تقدير الكلام فررتم كلكم. فيدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال البراء: لا والله ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح أن فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام وكأنه لم يستحضر الرواية الثانية. وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا كما سيأتي بيانه، ويحتمل أن البراء فهم من السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع الذي أخرجه مسلم بلفظ: "ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما" فلذلك حلف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول، ودل ذلك على أن منهزما حال من سلمة، ولهذا وقع في

(8/28)


طريق أخرى "ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا" ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص. قوله: "ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن" فأما سرعان فبفتح المهملة والراء، ويجوز سكون الراء، وقد تقدم ضبطه في سجود السهو في الكلام على حديث ذي اليدين، والرشق بالشين المعجمة والقاف رمي السهام، وأما هوازن فهي قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بمعجمة ثم مهملة ثم فاء مفتوحات ابن قيس بن عيلان بن إلياس بن مضر، والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك، وقد بين شعبة في الرواية الثالثة السبب في الإسراع المذكور قال: كانت هوازن رماة، قال: وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا. وللمصنف في الجهاد "انهزموا" قال: "فأكببنا" وفي روايته في الجهاد في باب من قاد دابة غيره في الحرب "فأقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام" ، وللمصنف في الجهاد أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تكملة السبب المذكور قال: "خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا - بضم المهملة وتشديد السين المهملة - ليس عليهم سلاح، فاستقبلهم جمع هوازن وبني نضر ما يكادون يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون" الحديث. وفيه: "فنزل واستنصر، ثم قال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ". ثم صف أصحابه" وفي رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق "فرموهم برشق من نبل كأنها رجل جراد فانكشفوا" وذكر ابن إسحاق من حديث جابر وغيره في سبب انكشافهم أمرا آخر، وهو أن مالك بن عوف سبق بهم إلى حنين فأعدوا وتهيأوا في مضايق الوادي، وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح، فثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم، وانكفأ الناس منهزمين. وفي حديث أنس عند مسلم وغيره من رواية سليمان التيمي عن السميط عن أنس قال: "افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، قال: فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت: صف الخيل، ثم المقاتلة، ثم النساء من وراء ذلك، ثم الغنم ثم النعم. قال: ونحن بشر كثير، وعلى ميمنة خيلنا خالد بن الوليد، فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس" وسيأتي للمصنف قريبا من رواية هشام بن زيد عن أنس قال: "أقبلت هوازن وغطفان بذراريهم ونعمهم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومعه الطلقاء، قال: فأدبروا عنه حتى بقي وحده" الحديث. ويجمع بين قوله: "حتى بقي وحده" وبين الأخبار الدالة على أنه بقي معه جماعة بأن المراد بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك. ووقع في رواية أبي نعيم في "الدلائل" تفصيل المائة: بضعة وثلاثون من المهاجرين والبقية من الأنصار ومن النساء أم سليم وأم حارثة. قوله: "وأبو سفيان بن الحارث" أي ابن عبد المطلب بن هاشم وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامه قبل فتح مكة لأنه خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطريق وهو سائر إلى فتح مكة فأسلم وحسن إسلامه، وخرج إلى غزوة حنين فكان فيمن ثبت. وعند ابن أبي شيبة من مرسل الحكم بن عتيبة قال: لما فر الناس يوم حنين جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" ، فلم يبق معه إلا أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم: علي والعباس بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من الجانب الأيسر. قال: وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل. وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس

(8/29)


لمولين، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل" وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين. وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس؛ وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا، ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة" وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين، وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه ثبت معه اثنا عشر رجلا فكأنه أخذه مما ذكره ابن إسحاق في حديثه أنه ثبت معه العباس وابنه الفضل وعلي وأبو سفيان بن الحارث وأخوه ربيعة وأسامة بن زيد وأخوه من أمه أيمن ابن أم أيمن، ومن المهاجرين أبو بكر وعمر، فهؤلاء تسعة، وقد تقدم ذكر ابن مسعود في مرسل الحاكم فهؤلاء عشرة، ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط وذلك قوله:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا
وعاشرنا وافى الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع
ولعل هذا هو الثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم، وممن ذكر الزبير بن بكار وغيره أنه ثبت يوم حنين أيضا جعفر بن أبي سفيان بن الحارث وقثم بن العباس وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وشيبة بن عثمان الحجبي، فقد ثبت عنه أنه لما رأى الناس قد انهزموا استدبر النبي صلى الله عليه وسلم ليقتله، فأقبل عليه فضربه في صدره وقال له: قاتل الكفار، فقاتلهم حتى انهزموا. قال الطبري: الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة. قوله: "آخذ برأس بغلته" في رواية زهير "فأقبلوا أي المشركون هنالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر" . قال العلماء: في ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة يومئذ دلالة على النهاية في الشجاعة والثبات. وقوله: "فنزل" أي عن البغلة "فاستنصر" أي قال: اللهم أنزل نصرك" . وقع مصرحا به في رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق. وفي حديث العباس عند مسلم: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث فلم نفارقه" الحديث، وفيه: "ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال العباس: وأنا آخذ بلجام رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه" ويمكن الجمع بأن أبا سفيان كان آخذا أولا بزمامها فلما ركضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه كان عمه. قوله: "بغلته" هذه البغلة هي البيضاء، وعند مسلم من حديث العباس "وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي" وله من حديث سلمة "وكان على بغلته الشهباء" ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن صنف السيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان على بغلته دلدل، وفيه نظر لأن دلدل أهداها له المقوقس؛ وقد ذكر القطب الحلبي أنه استشكل عند الدمياطي ما ذكره ابن سعد فقال له: كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة وكنت حينئذ سيريا محضا، وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف. قال القطب الحلبي: يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلا فما في الصحيح أصح. ودل قول الدمياطي أنه كان يعتقد الرجوع عن كثير

(8/30)


مما وافق فيه أهل السير وخالف الأحاديث الصحيحة، وأن ذلك كان منه قبل أن يتضلع من الأحاديث الصحيحة ولخروج نسخ من كتابه وانتشاره لم يتمكن من تغييره. وقد أغرب النووي فقال: وقع عند مسلم: "على بغلته البيضاء" وفي أخرى "الشهباء" وهي واحدة ولا نعرف له بغلة غيرها. وتعقب بدلدل فقد ذكرها غير واحد، لكن قيل إن الاسمين لواحدة. قوله: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" قال ابن التين: كان بعض أهل العلم يقوله بفتح الباء من قوله: "لا كذب" ليخرجه عن الوزن، وقد أجيب عن مقالته صلى الله عليه وسلم هذا الرجز بأجوبة أحدها أنه نظم غيره، وأنه كان فيه: أنت النبي لا كذب أنت ابن عبد المطلب، فذكره بلفظ: "أنا" في الموضعين. ثانيها أن هذا رجز وليس من أقسام الشعر، وهذا مردود. ثالثها أنه لا يكون شعرا حتى يتم قطعة، وهذه كلمات يسيرة ولا تسمى شعرا. رابعها أنه خرج موزونا ولم يقصد به الشعر، وهذا أعدل الأجوبة، وقد تقدم هذا المعنى في غير هذا المكان، ويأتي تاما في كتاب الأدب. وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم: أيكم ابن عبد المطلب وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد النبي صلى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا بد من ظهوره وأن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم. وأما قوله: "لا كذب " ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر حق، فلا يجوز علي الفرار. وقيل: معنى قوله: "لا كذب" أي أنا النبي حقا لا كذب في ذلك.
" تنبيهان " : أحدهما ساق البخاري الحديث عاليا عن أبي الوليد عن شعبة، لكنه مختصر جدا. ثم ساقه من رواية غندر عن شعبة مطولا بنزول درجة. وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة الفضل بن الحباب عن أبي الوليد مطولا، فكأنه لما حدث به البخاري حدثه به مختصرا. " الثاني " اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" إلا رواية زهير بن معاوية فزاد في آخرها "ثم صف أصحابه" وزاد مسلم في حديث البراء من رواية زكريا عن أبي إسحاق قال البراء: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذيه" يعني النبي صلى الله عليه وسلم. ولمسلم من حديث العباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ صار يركض بغلته إلى جهة الكفار" وزاد فقال: "أي عباس ناد أصحاب الشجرة" ، وكان العباس صيتا، قال: فناديت بأعلى صوتي أين أصحاب الشجرة، قال فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك. قال فاقتتلوا والكفار، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس. ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: انهزموا ورب الكعبة، قال: فما زلت أرى حدهم كليلا، وأمرهم مدبرا" ولابن إسحاق نحوه وزاد: "فجعل الرجل يعطف بغيره فلا يقدر، فيقذف درعه ثم يأخذ بسيفه ودرقته ثم يؤم الصوت" . قوله: "قال إسرائيل وزهير: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته" أي إن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وزهير بن معاوية الجعفي رويا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء فقالا في آخره:

(8/31)


"نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته" فأما رواية إسرائيل فوصلها المصنف في "باب من قال خذها وأنا ابن فلان" من كتاب الجهاد ولفظه: "كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلما غشيه المشركون نزل" وقد تقدم شرح ذلك. وأما رواية زهير فوصلها أيضا في "باب من صف أصحابه عند الهزيمة" وقد ذكرت لفظه قريبا. ولمسلم من حديث سلمة بن الأكوع "لما غشوا النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب، ثم استقبل به وجوههم فقال: " شاهت الوجوه" ، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا منهزمين". ولأحمد وأبي داود والترمذي من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في قصة حنين قال: "فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيا عباد الله، أنا عبد الله ورسوله. ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب، قال: فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فهزمهم" قال يعلى بن عطاء راويه عن أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري "قال: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا" ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود "ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته قدما، فحادت به بغلته فمال عن السرج فقلت ارتفع رفعك الله، فقال: ناولني كفا من تراب، فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا. وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، فولى المشركون الأدبار" وللبزار من حديث ابن عباس "أن عليا ناول النبي صلى الله عليه وسلم التراب، فرمى به في وجوه المشركين يوم حنين" . ويجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم أولا قال لصاحبه: ناولني فناوله فرماهم، ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا. فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين وفي الأخرى التراب، والله أعلم. وفي الحديث من الفوائد حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب. وذم الإعجاب. وفيه جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب. ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها. وجواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله، ولا يقال كان النبي صلى الله عليه وسلم متيقنا للنصر لوعد الله تعالى له بذلك وهو حق، لأن أبا سفيان بن الحارث قد ثبت معه آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي صلى الله عليه وسلم. وقد استشهد في تلك الحالة أيمن ابن أم أيمن كما تقدمت الإشارة إليه في شعر العباس. وفيه ركوب البغلة إشارة إلى مزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لأتباعه على الثبات. وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو.
4318، 4319- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ح و حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ وَزَعَمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ" وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا:

(8/32)


فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِن" .
الحديث الثالث حديث المسور ومروان، تقدم ذكره من وجهين عن الزهري، وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرسله، فإن المسور يصغر عن إدراك القصة ومروان أصغر منه. نعم كان المسور في قصة حنين مميزا، فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة علي لابنة أبي جهل، والله أعلم. قوله: "حدثنا ابن أخي ابن شهاب قال محمد بن مسلم بن شهاب" هو الزهري، وسقط ابن مسلم من بعض النسخ. قوله: "وزعم عروة بن الزبير" هو معطوف على قصة صلح الحديبية، وقد أخرجه موسى بن عقبة عن الزهري بلفظ: "حدثني عروة بن الزبير إلخ" وسيأتي في الأحكام. قوله: "قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين" ساق الزهري هذه القصة من هذا الوجه مختصرة، وقد ساقها موسى بن عقبة في المغازي مطولة ولفظه: "ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف في شوال إلى الجعرانة وبها السبي يعني سبي هوازن، وقدمت عليه وفد هوازن مسلمين فيهم تسعة نفر من أشرافهم فأسلموا وبايعوا، ثم كلموه فقالوا: يا رسول الله إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازي الأقوام، فقال: سأطلب لكم، وقد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحب إليكم: السبي أم المال؟ قالوا: خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال، فالحسب أحب إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا بعير. فقال: أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين، فكلموهم وأظهروا إسلامكم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاجرة قاموا فتكلم خطباؤهم فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغوا فشفع لهم وحض المسلمين عليه وقال: قد رددت الذي لبني هاشم عليهم" فاستفيد من هذه القصة عدد الوفد وغير ذلك مما لا يخفى. وقد أغفل محمد بن سعد لما ذكر الوفود وفد هوازن هؤلاء مع أنه لم يجمع أحد في الوفود أكثر مما جمع. وممن سمي من وفد هوازن زهير بن صرد كما سيأتي، وأبو مروان - ويقال أبو ثروان أوله مثلثة بدل الميم ويقال بموحدة وقاف - وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ذكره ابن سعد. وفي رواية ابن إسحاق "حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" تعيين الذي خطب لهم في ذلك ولفظه: "وأدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا: يا رسول الله إنا أهل وعشيرة قد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إن اللواتي في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، وأنت خير مكفول، ثم أنشده الأبيات المشهورة أولها:

(8/33)


امنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وندخر
يقول فيها:
امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
ثم ساق القصة نحو سياق موسى بن عقبة. وأورد الطبراني شعر زهير بن صرد من حديثه فزاد على ما أورده ابن إسحاق خمسة أبيات. وقد وقع لنا عاليا جدا في "المعجم الصغير" عشاري الإسناد، ومن بين الطبراني فيه وزهير لا يعرف، لكن يقوى حديثه بالمتابعة المذكورة فهو حسن، وقد بسطت القول فيه في "الأربعين المتباينة" وفي "الأمالي" وفي "الصحابة" وفي "العشرة العشارية" وبينت وهم من زعم أن الإسناد منقطع، والله الموفق. قوله: "وقد كنت استأنيت بكم" في رواية الكشميهني: "لكم" ومعنى استأنيت استنظرت، أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم، وكان ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها كما سيأتي، ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك، فجاءه وفد هوازن بعد ذلك، فبين لهم أنه أخر القسم ليحضروا فأبطأوا. وقوله: "بضع عشرة ليلة" فيه بيان مدة التأخير. وقوله: "قفل" بفتح القاف والفاء أي رجع. وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتا فيهم أبو برقان السعدي فقال: يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامنن علينا، من الله عليك. فقال: "قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون" ، وقد قسمت السبي. قوله: "فمن أحب أن يطيب ذلك" بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية أي يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض. قوله: "على حظه" أي بأن يرد السبي بشرط أن يعطي عوضه. ووقع في رواية موسى بن عقبة "فمن أحب منكم أن يعطي غير مكره فليفعل، ومن كره أن يعطي فعلي فداؤهم" . قوله: "فقال الناس قد طيبنا ذلك" في رواية موسى بن عقبة "فأعطى الناس ما بأيديهم، إلا قليلا من الناس سألوا الفداء" وفي رواية عمرو بن شعيب المذكورة "فقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله. وقالت الأنصار كذلك. وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة: أما أنا وبنو فزارة فلا. وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه، فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم" . قوله: "فقال إنا لا ندري من أذن منكم إلخ" يأتي الكلام عليه في "باب العرفاء" من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى. قوله: "هذا الذي بلغني عن سبي هوازن" بين المصنف في الهبة أن الذي قال هذا إلخ هو الزهري، قال: وذلك بعد أن خرج هذا الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث بسنده.
4320- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ح حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ "لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اعْتِكَافٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَفَائِه" .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم" .
4321- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ

(8/34)


عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ" فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقَالَ: "مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ" فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَجُلٌ صَدَقَ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَهَا اللَّهِ إِذًا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ فَأَعْطِهِ" فَأَعْطَانِيهِ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لاَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَم" .
الحديث الرابع قوله: "عن نافع أن عمر قال: يا رسول الله" هكذا ذكره مرسلا مختصرا، ثم عقبه برواية معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما. وقد عاب عليه الإسماعيلي جمعهما لأن قوله: "لما قفلنا من حنين" لم يقع في رواية حماد بن زيد أي الرواية الأولى المرسلة، والجواب أن البخاري إنما نظر إلى أصل الحديث لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة، وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة، لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه، بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا كما أشار إليه البخاري أيضا هنا، على أن رواية حماد بن زيد وإن لم يقع فيها ذكر القفول من حنين صريحا لكنه فيها ضمنا كما سأبينه، وقد وقع في رواية بعضهم ما ليس عند معمر أيضا مما هو أدخل في مقصود الباب كما سأبينه، فأما بقية لفظ الرواية الأولى فقد ساقها هو في فرض الخمس بلفظ: "أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان علي اعتكاف ليلة في الجاهلية، فأمره أن يفي به. قال: وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة" الحديث، وكذا أورده الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب وأبي الربيع الزهراني وخلف بن هشام كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر كان عليه اعتكاف ليلة في الجاهلية، فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة سأله عنه، فأمره أن يعتكف" لفظ أبي الربيع قلت: وكان نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف بالاتفاق، وكذا سبي حنين إنما قسم بعد الرجوع منها فاتحدت رواية حماد بن زيد ومعمر معنى، وظهر رد ما اعترض به الإسماعيلي. وأما رواية من رواه عن حماد بن زيد موصولا فأشار إليه البخاري بقوله: "وقال بعضهم عن حماد إلخ" فالمراد بحماد ابن زيد، فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه، والمراد بالبعض المبهم أحمد بن عبدة الضبي، كذلك أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال: "أخبرني القاسم هو ابن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال:"كان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يفي به "وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة وذكرا فيه إنكار ابن عمر عمرة الجعرانة، ولم يسق مسلم لفظه، وقد أوضحته في" باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة" من كتاب فرض الخمس. وأما رواية من رواه عن أيوب موصولا فأشار إليه البخاري بقوله:

(8/35)


"ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر" فرواية جرير بن حازم وصلها مسلم وغيره من رواية ابن وهب عن جرير بن حازم "أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال: " يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: اذهب فاعتكف يوما" . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس، فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس قال عمر: يا عبد الله اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها" فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد، وعرف وجه دخول هذا الحديث في "باب غزوة حنين" ورواية حماد بن سلمة وصلها مسلم من طريق حجاج بن منهال "حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب" مقرونة برواية محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن ابن عمر، قال في قصة النذر يعني دون غيره من ذكر الجارية والسبي، وقد ذكرت في فرض الخمس كلام الدارقطني على هذا الحديث وأنه قال: رواه ابن عيينة عن أيوب، فاختلف الرواة عنه، فمنهم من أرسله ومنهم من وصله، وممن رواه موصولا محمد بن أبي خلف وهو من شيوخ مسلم أخرجه الإسماعيلي من طريقه وفيه ذكر النذر والسبي والجارية كما في رواية جرير بن حازم، وفي المغازي لابن إسحاق في قصة الجارية فائدة أخرى "قال: حدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من سبي هوازن علي بن أبي طالب جارية يقال لها ريطة بنت حبان بن عمير، وأعطى عثمان جارية يقال لها زينب بنت خناس، وأعطى عمر قلابة فوهبها لابنه، قال ابن إسحاق: فحدثني نافع عن ابن عمر قال. بعثت جاريتي إلى أخوالي في بني جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت، ثم أتيتهم فخرجت من المسجد فإذا الناس يشتدون، قلت ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا فقلت دونكم صاحبتكم فهي في بني جمح، فانطلقوا فأخذوها" وهذا لا ينافي قوله في رواية حماد بن زيد أنه وهب عمر جاريتين، فيجمع بينهما بأن عمر أعطى إحدى جاريتيه لولده عبد الله، والله أعلم. وذكر الواقدي أنه أعطى لعبد الرحمن بن عوف وآخرين معه من الجواري، وأن جارية سعد بن أبي وقاص اختارته فأقامت عنده وولدت له والله أعلم.
وقد تقدم ما يتعلق بالاعتكاف في بابه، ويأتي ما يتعلق بالنذر في بابه إن شاء الله تعالى.
4322- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَآخَرُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي وَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي ضَمًّا شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ وَدَفَعْتُهُ ثُمَّ قَتَلْتُهُ وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ فَقُلْتُ لَهُ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ" فَقُمْتُ لِأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلاَحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كَلاَ لاَ يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا

(8/36)


مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدَّاهُ إِلَيَّ فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَم" .
الحديث الخامس حديث أبي قتادة، قوله: "عن يحيى بن سعيد" هو الأنصاري وعمر بن كثير بن أفلح مدني مولى أبي أيوب الأنصاري، وثقه النسائي وغيره، وهو تابعي صغير، ولكن ابن حبان ذكره في أتباع التابعين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد، لكن ذكره في مواضع: فتقدم في البيوع مختصرا، وفي فرض الخمس تاما، وسيأتي في الأحكام. وقد ذكرت في البيوع أن يحيى بن يحيى الأندلسي حرفه في روايته فقال: عن عمرو بن كثير والصواب "عمر" . قوله: "عن أبي محمد" هو نافع بن عباس معروف باسمه وكنيته. قوله: "فلما التقينا كانت للمسلمين جولة" بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاف، وقد أطلق في رواية الليث الآتية بعدها أنهم انهزموا، لكن بعد القصة التي ذكرها أبو قتادة، وقد تقدم في حديث البراء أن الجميع لم ينهزموا. قوله: "فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين" لم أقف على اسمهما، وقوله: "علا" أي ظهر. وفي رواية الليث التي بعدها "نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله" بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وكسر المثناة أي يريد أن يأخذه على غرة، وتبين من هذه الرواية أن الضمير في قوله في الأولى: "فضربته من ورائه" لهذا الثاني الذي كان يريد أن يختل المسلم. قوله: "على حبل عاتقه" حبل العاتق عصبه، والعاتق موضع الرداء من المنكب، وعرف منه أن قوله في الرواية الثانية: "فأضرب يده فقطعتها" أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف، وقوله: "فقطعت الدرع" أي التي كان لابسها وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها. قوله: "وجدت منها ريح الموت" أي من شدتها، وأشعر ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا. قوله: "ثم أدركه الموت فأرسلني" أي أطلقني. قوله: "فلحقت عمر" في السياق حذف بينته الرواية الثانية حيث قال: "فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب" . قوله: "أمر الله" أي حكم الله وما قضى به. قوله: "ثم رجعوا" في الرواية الثانية "ثم تراجعوا" وقد تقدم في الحديث الأول كيفية رجوعهم وهزيمة المشركين بما يغني عن إعادته. قوله: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" تقدم شرح ذلك مستوفى في فرض الخمس. قوله: "فقلت من يشهد لي" زاد في الرواية التي تلي هذه "فلم أر أحدا يشهد لي" وذكر الواقدي أن عبد الله بن أنيس شهد له، فإن كان ضبطه احتمل أن يكون وجده في المرة الثانية فإن في الرواية الثانية "فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره" . قوله: "فقال رجل" في الرواية الثانية "من جلسائه" وذكر الواقدي أن اسمه أسود بن خزاعي، وفيه نظر لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي. قوله: "صدق، وسلبه عندي فأرضه منه" في رواية الكشميهني: "فأرضه مني" . قوله: "فقال أبو بكر الصديق: لاها الله، إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه" هكذا ضبطناه في الأصول المعتمدة من الصحيحين وغيرهما بهذه الأحرف "لاها الله إذا" فأما لاها الله فقال الجوهري: ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لاها الله ما فعلت كذا، قال ابن مالك. فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، قال: ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن، قال: وفي النطق بها أربعة أوجه، أحدها ها الله باللام بغير الهاء بغير إظهار شيء من الألفين، ثانيها مثله لكن بإظهار ألف

(8/37)


واحدة بغير همز كقولهم التقت حلقتا البطان، ثالثها ثبوت الألفين بهمزة قطع، رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع، انتهى كلامه. والمشهور في الراوية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول. وقال أبو حاتم السجستاني: العرب تقول لاهأ الله ذا بالهمز، والقياس ترك الهمز، وحكى ابن التين عن الداودي أنه روى برفع الله، قال: والمعنى يأبى الله. وقال غيره: إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون "ها" للتنبيه و "الله" مبتدأ و "لا يعمد" خبره انتهى. ولا يخفى تكلفه. وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره. وأما إذا فثبتت في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة. وقال الخطابي: هكذا يروونه، وإنما هو في كلامهم - أي العرب - لاها الله ذا، والهاء فيه بمنزلة الواو، والمعنى لا والله يكون ذا. ونقل عياض في "المشارق" عن إسماعيل القاضي أن المازني قال قول الرواة: "لاها الله إذا" خطأ، والصواب لاها الله ذا أي ذا يميني وقسمي. وقال أبو زيد: ليس في كلامهم لاها الله إذا، وإنما هو لاها الله ذا، وذا صلة في الكلام، والمعنى لا والله، هذا ما أقسم به، ومنه أخذ الجوهري قال: قولهم لاها الله ذا معناه لا والله هذا، ففرقوا بين حرف التنبيه والصلة، والتقدير لا والله ما فعلت ذا. وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث أن الذي وقع في الخبر بلفظ: "إذا" خطأ وإنما هو "ذا" تبعا لأهل العربية، ومن زعم أنه ورد في شيء من الروايات بخلاف ذلك فلم يصب، بل يكون ذلك من إصلاح بعض من قلد أهل العربية في ذلك. وقد اختلف في كتابة "إذا" هذه هل تكتب بألف أو بنون، وهذا الخلاف مبني على أنها اسم أو حرف فمن قال هي اسم قال الأصل فيمن قيل له سأجيء إليك فأجاب إذا أكرمك أي إذا جئتني أكرمك ثم حذف جئتني وعوض عنها التنوين وأضمرت أن، فعلى هذا يكتب بالنون. ومن قال هي حرف - وهم الجمهور - اختلفوا، فمنهم من قال هي بسيطة وهو الراجح، ومنهم من قال مركبة من إذا وإن فعلى الأول تكتب بألف وهو الراجح وبه وقع رسم المصاحف، وعلى الثاني تكتب بنون، واختلف في معناها قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء، وتبعه جماعة فقالوا: هي حرف جواب يقتضي التعليل. وأفاد أبو علي الفارسي أنها قد تتمحض للجواب، وأكثر ما تجيء جوابا للو وإن ظاهرا أو مقدرا، فعلى هذا لو ثبتت الرواية بلفظ: "إذا" لاختل نظم الكلام لأنه يصير هكذا: لا والله، إذا لا يعمد إلى أسد إلخ. وكان حق السياق أن يقول: إذا يعمد، أي لو أجابك إلى ما طلبت لعمد إلى أسد إلخ، وقد ثبتت الرواية بلفظ لا يعمد إلخ، فمن ثم ادعى من ادعى أنها تغيير، ولكن قال ابن مالك: وقع في الرواية: "إذا" بألف وتنوين وليس ببعيد. وقال أبو البقاء: هو بعيد، ولكن يمكن أن يوجه بأن التقدير: لا والله لا يعطي إذا، يعني ويكون لا يعمد إلخ تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه. وقال الطيبي: ثبت في الرواية: "لاها الله إذا" فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل لاها الله بدون ذا، وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء والكلام هنا على نقيضه، فإن مقتضى الجزاء أن لا يذكر "لا" في قوله: "لا يعمد" بل كان يقول: إذا يعمد إلى أسد إلخ ليصح جوابا لطلب السلب، قال: والحديث صحيح والمعنى صحيح، وهو كقولك لمن قال لك افعل كذا فقلت له: والله إذا لا أفعل، فالتقدير إذا والله لا يعمد إلى أسد إلخ، قال: ويحتمل أن يكون "إذا" زائدة كما قال أبو البقاء إنها زائدة في قول الحماسي "إذا لقام بنصري معشر خشن" في جواب قوله: "لو كنت من مازن لم تستبح أبلي" قال: والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم نقل بعض الأدباء

(8/38)


على أئمة الحديث وجهابذته وينسبون إليهم الخطأ والتصحيف، ولا أقول إن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضي المشاركة بينهم، بل أقول: لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم. قلت: وقد سبقه إلى تقرير ما وقع في الرواية ورد ما خالفها الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهم" فنقل ما تقدم عن أئمة العربية ثم قال: وقع في رواية العذري والهوزني في مسلم: "لاها الله ذا" بغير ألف ولا تنوين، وهو الذي جزم به من ذكرناه. قال: والذي يظهر لي أن الرواية المشهورة صواب وليست بخطأ، وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى، والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم، وذلك أن العرب تقول في القسم "الله لأفعلن" بمد الهمزة وبقصرها، فكأنهم عوضوا عن الهمزة ها فقالوا "ها الله" لتقارب مخرجيهما، وكذلك قالوا بالمد والقصر، وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا استثقالا لاجتماعهما كما تقول: الله والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما تقول: الله، وأما "إذا" فهي بلا شك حرف جواب وتعليل، وهي مثل التي وقعت في قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم. قال: فلا إذا" فلو قال فلا والله إذا لكان مساويا لما وقع هنا وهو قوله: "لاها الله إذا" من كل وجه؛ لكنه لم يحتج هناك إلى القسم فتركه، قال: فقد وضح تقرير الكلام ومناسبته واستقامته معني ووضعا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة، ولا سيما من ارتكب أبعد وأفسد فجعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالمقسم به، قال: وليس هذا قياسا فيطرد، ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النبوي، ولا مرويا برواية ثابتة. قال: وما وجد للعدوي وغيره فإصلاح من اغتر بما حكي عن أهل العربية، والحق أحق أن يتبع. وقال بعض من أدركناه وهو أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب في حاشية نسخته من البخاري: استرسل جماعة من القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الأثبات بالتصحيف فقالوا: والصواب "لاها الله ذا" باسم الإشارة. قال: ويا عجب من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلا. جوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم الإشارة كما قال ابن مالك، وأما جعل، "لا يعمد" جواب فأرضه فهو سبب الغلط، وليس بصحيح ممن زعمه، وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه صدق فأرضه، فكأن أبا بكر قال: إذا صدق في أنه صاحب السلب إذا لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه، فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك. قال: وهذأ واضح لا تكلف فيه انتهى. وهو توجيه حسن. والذي قبله أقعد. ويؤيد ما رجحه من الاعتماد على ما ثبتت به الرواية كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث، منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بريرة لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت: فانتهرتها فقلت: "لاها الله إذا" ومنها ما وقع في قصة جليبيب بالجيم والموحدتين مصغرا "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال: حتى أستأمر أمها، قال: فنعم إذا. قال فذهب إلى امرأته فذكر لها فقالت: لاها الله إذا، وقد منعناها فلانا" الحديث، صححه ابن حبان من حديث أنس. ومنها ما أخرجه أحمد في "الزهد" قال: "قال مالك بن دينار للحسن: يا أبا سعيد لو لبست مثل عباءتي هذه، قال: لاها الله إذا ألبس مثل عباءتك هذه" وفي "تهذيب الكمال" في ترجمة ابن أبي عتيق "أنه دخل على عائشة في مرضها فقال: كيف أصبحت جعلني الله فداك؟ قالت: أصبحت ذاهبة. قال: فلا إذا. وكان فيه دعابة" ووقع في كثير من الأحاديث في سياق الإثبات بقسم وبغير قسم، فمن ذلك في قصة جليبيب، ومنها حديث عائشة في قصة صفية لما قال صلى الله عليه وسلم: "أحابستنا هي؟ وقال إنها طافت بعد

(8/39)


ما أفاضت فقال: فلتنفر إذا" وفي رواية: "فلا إذا" ومنها حديث عمرو بن العاص وغيره في سؤاله عن أحب الناس "فقال: عائشة. فقال: لم أعن النساء؟ قال: فأبوها إذا" ومنها حديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي أصابته الحمى فقال: "بل حمى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور. قال: فنعم إذا" ومنها ما أخرجه الفاكهي من طريق سفيان قال: "لقيت ليطة بن الفرزدق فقلت: أسمعت هذا الحديث من أبيك؟ قال: أي ها الله إذا، سمعت أبي يقوله:"فذكر القصة. ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: "قلت لعطاء أرأيت لو أني فرغت من صلاتي فلم أرض كمالها، أفلا أعود لها؟ قال: بلى ها الله إذا" والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن تقرر أن "إذا" حرف جواب وجزاء أنه كأنه قال: إذا والله أقول لك نعم، وكذا في النفي كأنه أجابه بقوله: إذا والله لا نعطيك، إذا والله لا أشترط، إذا والله لا ألبس، وأخر حرف الجواب في الأمثلة كلها. وقد قال ابن جريج في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً} : فلا يؤتون الناس إذا، وجعل ذلك جوابا عن عدم النصيب بها، مع أن الفعل مستقبل وذكر أبو موسى المديني في "المغيث" له في قوله تعالى: {إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً} إذا قيل هو اسم بمعنى الحروف الناصبة وقيل أصله إذا الذي هو من ظروف الزمان وإنما نون للفرق ومعناه حينئذ أي إن أخرجوك من مكة، فحينئذ لا يلبثون خلفك إلا قليلا. وإذا تقرر ذلك أمكن حمل ما ورد من هذه الأحاديث عليه فيكون التقدير: لا والله حينئذ. ثم أراد بيان السبب في ذلك فقال: لا يعمد إلخ والله أعلم. وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني منذ طلبت الحديث ووقفت على كلام الخطابي وقعت عندي منه نفرة للإقدام على تخطئة الروايات الثابتة، خصوصا ما في الصحيحين، فما زلت أتطلب المخلص من ذلك إلى أن ظفرت بما ذكرته، فرأيت إثباته كله هنا، والله الموفق. قوله: "لا يعمد إلخ" أي لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حقه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه، هكذا ضبط للأكثر بالتحتانية فيه وفي يعطيك، وضبطه النووي بالنون فيهما. قوله: "فيعطيك سلبه" أي سلب قتيله فأضافه إليه باعتبار أنه ملكه. "تنبيه" : وقع في حديث أنس أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عمر أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق بن أبي طلحة عنه ولفظه: "إن هوازن جاءت يوم حنين" فذكر القصة قال: "فهزم الله المشركين، فلم يضرب بسيف ولم يطعن برمح. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " من قتل كافرا فله سلبه" ، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين راجلا وأخذ أسلابهم. وقال أبو قتادة: إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع فأعجلت عنه، فقام رجل فقال: أخذتها فأرضه منها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت، فسكت. فقال عمر. والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق عمر "وهذا الإسناد قد أخرج به مسلم بعض هذا الحديث وكذلك أبو داود، لكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن لما وقع فيها من غيره. ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر. والله أعلم. قوله: "صدق" أي القائل: "فأعطه" بصيغة الأمر للذي اعترف بأن السلب عنده. قوله: "فابتعت به" ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أواقي. قوله: "مخرفا" بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا، سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجتنى، وأما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها، وفي الرواية التي بعدها "خرافا" وهو بكسر أوله وهو التمر الذي يخترف أي يجتنى، وأطلقه على البستان مجازا فكأنه قال: بستان خراف. وذكر

(8/40)


الواقدي أن البستان المذكور كان يقال له الوديين. قوله: "في بني سلمة" بكسر اللام هم بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة. قوله: "تأثلته" بمثناة ثم مثلثة أي أصلته، وأثلة كل شيء أصله. وفي رواية ابن إسحاق "أول مال اعتقدته" أي جعلته عقدة، والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه. قوله: "وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد" هو الأنصاري شيخ مالك فيه، وروايته هذه وصلها المصنف في الأحكام عن قتيبة عنه لكن باختصار وقال فيه: "عن يحيى" لم يقل حدثني، وذكر في آخره كلمة قال فيها: "قال لي عبد الله حدثنا الليث" يعني بالإسناد المذكور، وعبد الله هو ابن صالح كاتب الليث، وأكثر ما يعلقه البخاري عن الليث ما أخذه عن عبد الله بن صالح المذكور، وقد أشبع القول في ذلك في المقدمة، وقد وصل الإسماعيلي هذا الحديث من طريق حجاج بن محمد عن الليث قال: "حدثني يحيى بن سعيد" وذكره بتمامه. قوله: "تخوفت" حذف المفعول والتقدير الهلاك. قوله: "ثم برك" كذا للأكثر بالموحدة. ولبعضهم بالمثناة أي تركني. وفي رواية الإسماعيلي: "ثم نزف" بضم النون وكسر الزاي بعدها فاء ويؤيده قوله بعدها "فتحلل" . قوله: "سلاح هذا القتيل الذي يذكر" في رواية الكشميهني: "الذي ذكره" وتبين بهذه الرواية أن سلبه كان سلاحا. قوله: "أصيبغ" بمهملة ثم معجمة عند القابسي، وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر. وقال ابن التين: وصفه بالضعف والمهانة، والأصيبغ نوع من الطير، أو شبهه بنبات ضعيف يقال له الصبغاء إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر ذكر ذلك الخطابي، وعلى هذا رواية القابسي، وعلى الثاني تصغير الضبع على غير قياس، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز. وقال ابن مالك: أضيبع بمعجمة وعين مهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعيف. قوله: "ويدع" أي يترك وهو بالرفع ويجوز للنصب والجر.

(8/41)


55- باب غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ
4323- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ قَالَ أَبُو مُوسَى وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَلاَ تَسْتَحْيِي أَلاَ تَثْبُتُ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ لأَبِي عَامِرٍ قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ قَالَ فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ

(8/41)


ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيمًا" قَالَ أَبُو بُرْدَةَ إِحْدَاهُمَا لأَبِي عَامِرٍ وَالأُخْرَى لأَبِي مُوسَى".
قوله: "باب غزوة أوطاس" قال عياض: هو واد في دار هوازن، وهو موضع حرب حنين انتهى. وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض أهل السير، والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين، ويوضح ذلك ما ذكر ابن إسحاق أن الوقعة كانت في وادي حنين، وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهما إلى الطائف وطائفة إلى بجيلة وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا مقدمهم أبو عامر الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس كما يدل عليه حديث الباب، ثم توجه هو وعساكره إلى الطائف. وقال أبو عبيدة البكري: أوطاس واد في ديار هوازن، وهناك عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين. قوله: "بعث أبا عامر" هو عبيد بن سليم بن حضار الأشعري، وهو عم أبي موسى. وقال ابن إسحاق: هو ابن عمه. والأول أشهر. قوله: "فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد" أما الصمة فهو بكسر المهملة وتشديد الميم أي ابن بكر بن علقمة - ويقال بن الحارث بن بكر بن علقمة - الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، فالصمة لقب لأبيه واسمه الحارث، وقوله فقتل رويناه على البناء للمجهول، واختلف في قاتله فجزم محمد بن إسحاق بأنه ربيعة بن رفيع بفاء مصغر ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي وكان يقال له ابن الذعنة بمعجمة ثم مهملة، ويقال بمهملة ثم معجمة وهي أمه. وقال ابن هشام: يقال اسمه عبد الله بن قبيع بن أهبان، وساق بقبة نسبه. ويقال له أيضا ابن الدغنة وليس هو ابن الدغنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة، وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام ولفظه: "لما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس على أكمة فرأوا كتيبة، فقال خلوهم لي، فخلوهم، فقال: هذه قضاعة ولا بأس عليكم، ثم رأوا كتيبة مثل ذلك، فقال: هذه سليم، ثم رأوا فارسا وحده فقال: خلوه لي، فقالوا معتجر بعمامة سوداء، فقال: هذا الزبير بن العوام، وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا، قال فالتفت الزبير فرآهم فقال: علام هؤلاء هاهنا؟ فمضي إليهم، وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلاثمائة، فحز رأس دريد بن الصمة فجعله بين يديه. ويحتمل أن يكون ابن الدغنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنسب إلى الزبير مجازا، وكان دريد من الشعراء الفرسان المشهورين في الجاهلية، ويقال إنه كان لما قتل ابن عشرين - ويقال ابن ستين - ومائة سنة. قوله: "قال أبو موسى وبعثني" أي النبي صلى الله عليه وسلم "مع أبي عامر" أي إلى من التجأ إلى أوطاس. وقال ابن إسحاق: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري في آثار من توجه إلى أوطاس، فأدرك بعض من انهزم فناوشوه القتال. قوله: "فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي" بضم الجيم وفتح المعجمة أي رجل من بني جشم، واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحاق: زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله، وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه. وقال ابن هشام: حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى والعلاء ابنا الحارث، وفي نسخة وافى بدل أوفي، فأصاب أحدهما ركبته، وقتلهما أبو موسى الأشعري. وعند ابن عائذ والطبراني في "الأوسط" من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري

(8/42)


بإسناد حسن "لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر، فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء" الحديث. فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق. وذكر ابن إسحاق في المغازي أيضا أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين إخوة فقتلهم واحدا بعد واحد، حتى كان العاشر فحمل عليه وهو يدعوه إلى الإسلام وهو يقول: اللهم اشهد عليه، فقال الرجل اللهم لا تشهد علي، فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم فقتله العاشر، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه شهيد أبي عامر، وهذا يخالف الحديث الصحيح في أن أبا موسى قتل قاتل أبي عامر، وما في الصحيح أولى بالقبول، ولعل الذي ذكره ابن إسحاق شارك في قتله. قوله: "فنزا منه الماء" أي انصب من موضع السهم. قوله: "قال يا ابن أخي" هذا يرد قول ابن إسحاق إنه ابن عمه، ويحتمل - إن كان ضبطه - أن يكون قال له ذلك لكونه كان أسن منه. قوله: "فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم" في رواية ابن عائذ "فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم معي اللواء قال: يا أبا موسى قتل أبو عامر" . قوله: "على سرير مرمل" براء مهملة ثم ميم ثقيلة، أي معمول بالرمال، وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسرة. قوله: "وعليه فراش" قال ابن التين: أنكره الشيخ أبو الحسن وقال: الصواب: ما عليه فراش، فسقطت "ما" انتهى. وهو إنكار عجيب، فلا يلزم من كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر أن لا يكون على سريره دائما فراش. قوله: "فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه" يستفاد منه استحباب التطهير لإرادة الدعاء، ورفع اليدين في الدعاء، خلافا لمن خص ذلك بالاستسقاء، وسيأتي بيان ما ورد من ذلك في كتاب الدعوات. قوله: "فوق كثير من خلقك" أي في المرتبة. وفي رواية ابن عائذ "في الأكثرين يوم القيامة" . قوله: "قال أبو بردة" هو موصول بالإسناد المذكور.

(8/43)


56- باب غَزْوَةِ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
4324- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الطَّائِفَ غَدًا فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلاَنَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُن" . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ الْمُخَنَّثُ هِيتٌ.
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا وَزَادَ "وَهُوَ مُحَاصِرُ الطَّائِفِ يَوْمَئِذ" .
[الحديث 4224- طرفاه في: 5235، 5887]
قوله: "باب غزوة الطائف" هو بلد كبير مشهور، كثير الأعناب والنخيل، على ثلاث مراحل أو اثنتين من مكة من جهة المشرق، قبل أصلها أن جبريل عليه السلام اقتلع الجنة التي كانت لأصحاب الصريم فسار بها إلى مكة، فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حيث الطائف فسمي الموضع بها، وكانت أولا بنواحي صنعاء، واسم الأرض وج بتشديد الجيم، سميت برجل وهو ابن عبد الجن من العمالقة وهو أولا من نزل بها. وسار النبي صلى الله عليه وسلم إليها بعد منصرفه من حنين وحبس الغنائم بالجعرانة، وكان مالك بن عوف النضري قائد هوازن لما انهزم دخل الطائف وكان

(8/43)


له حصن بلية، وهي بكسر اللام وتخفيف التحتانية على أميال من الطائف، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو سائر إلى الطائف فأمر بهدمه. قوله: "في شوال سنة ثمان قاله موسى بن عقبة" . قلت: كذا ذكره في مغازيه، وهو قول جمهور أهل المغازي. وقيل بل وصل إليها في أول ذي القعدة. ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث: حديث أم سلمة وهشام هو ابن عروة، وفي الإسناد لطيفة: رجل عن أبيه وهما تابعيان، وامرأة عن أمها وهما صحابيتان. قوله: "أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف" الحديث يأتي شرحه في كتاب النكاح، والغرض منه هنا ذكر حصار الطائف، ولذلك أورد الطريق الأخرى بعده حيث قال فيها: "وهو محاصر الطائف يومئذ" وعبد الله بن أبي أمية هو أخو أم سلمة راوية الحديث، وكان إسلامه مع أبي سفيان بن الحارث المقدم ذكره في غزوة الفتح، واستشهد عبد الله بالطائف أصابه سهم فقتله. وقوله في الأول: "قال ابن عيينة وقال ابن جريج" هو موصول بالإسناد الأول. وقوله: "المخنث هيت" أي اسمه، وهو بكسر الهاء وسكون التحتانية بعدها مثناة، وضبطه بعضهم بفتح أوله، وأما ابن درستويه فضبطه بنون ثم موحدة، وزعم أن الأول تصحيف. قال: والهنب الأحمق. وسيأتي ما قيل في اسمه من الاختلاف هل هو واحد أو جماعة في كتاب النكاح، وكذا ما قيل في اسم المرأة، والأشهر أنها بادية إن شاء الله تعالى.
4325- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأَعْمَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا نَذْهَبُ وَلاَ نَفْتَحُهُ وَقَالَ مَرَّةً نَقْفُلُ فَقَالَ اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَعْجَبَهُمْ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فَتَبَسَّمَ" قَالَ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْخَبَرَ كُلَّه" .
قوله: "سفيان" هو ابن عيينة. قوله: "عن عمرو" هو ابن دينار، وأبو العباس الشاعر الأعمى تقدم ذكره وتسميته في قيام الليل. قوله: "عن عبد الله بن عمر" في رواية الكشميهني: "عبد الله بن عمرو" بفتح العين وسكون الميم، وكذا وقع في رواية النسفي والأصيلي، وقرئ على ابن زيد المروزي كذلك فرده بضم العين، وقد ذكر الدار قطني الاختلاف فيه وقال: الصواب عبد الله بن عمر بن الخطاب، والأول هو الصواب في رواية علي بن المديني وكذلك الحميدي وغيرهما من حفاظ أصحاب ابن عيينة، وكذا أخرجه الطبراني من رواية إبراهيم بن يسار وهو ممن لازم ابن عيينة جدا، والذي قال عن ابن عيينة في هذا الحديث: "عبد الله بن عمر" وهم الذين سمعوا منه متأخرا كما نبه عليه الحاكم، وقد بالغ الحميدي في إيضاح ذلك فقال في مسنده في روايته لهذا الحديث عن سفيان "عبد الله بن عمر بن الخطاب" وأخرجه البيهقي في "الدلائل" من طريق عثمان الدارمي عن علي بن المديني قال: "حدثنا به سفيان غير مرة يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب، لم يقل عبد الله بن عمرو بن العاص" وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة فقال: "عبد الله بن عمر" وكذا رواه عنه مسلم، وأخرجه الإسماعيلي

(8/44)


من وجه آخر عنه فزاد: "قال أبو بكر سمعت ابن عيينة مرة أخرى يحدث به عن ابن عمر" وقال المفضل العلائي عن يحيى بن معين "أبو العباس عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر في الطائف الصحيح ابن عمر" . قوله: "لما حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا" في مرسل ابن الزبير عند ابن أبي شيبة قال: "لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم الطائف قال أصحابه: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم، فقال: اللهم اهد ثقيفا" وذكر أهل المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استعصى عليه الحصن وكانوا قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة ورموا على المسلمين سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل فأصابوا قوما، فاستشار نوفل بن معاوية الديلي فقال: هم ثعلب قي حجر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك، فرحل عنهم "وذكر أنس في حديثه عند مسلم أن مدة حصارهم كانت أربعين يوما، وعند أهل السير اختلاف قيل عشرين يوما وقيل بضعة عشر وقيل ثمانية عشر وقيل خمسة عشر. قوله:. "إنا قافلون" أي راجعون إلى المدينة. قوله: "فثقل عليهم" بين سبب ذلك بقولهم: "نذهب ولا نفتحه" وحاصل الخبر أنهم لما أخبرهم بالرجوع بغير فتح لم يعجبهم، فلما رأى ذلك أمرهم بالقتال فلم يفتح لهم فأصيبوا بالجراح لأنهم رموا عليهم من أعلى السور فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل السهام إلى من على السور، فلما رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع، فلما أعاد عليهم القول بالرجوع أعجبهم حينئذ، ولهذا قال: "فضحك" وقوله: "وقال سفيان مرة فتبسم" هو ترديد من الراوي. قوله: "قال الحميدي حدثنا سفيان الخبر كله" بالنصب أي أن الحميدي رواه بغير عنعنة بل ذكر الخبر في جميع الإسناد، ووقع في رواية الكشميهني بالخبر كله، وقد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" وفي "الدلائل" من طريق بشر بن موسى عن الحميدي "حدثنا سفيان حدثنا عمرو سمعت أبا العباس الأعمى يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول:"فذكره.
4326، 4327- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ قَالَ: "سَمِعْتُ سَعْدًا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَبَا بَكْرَةَ وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالاَ سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ" وَقَالَ هِشَامٌ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: عَاصِمٌ قُلْتُ لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلاَنِ حَسْبُكَ بِهِمَا قَالَ أَجَلْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الآخَرُ فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَالِثَ ثَلاَثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الطَّائِف" .
[الحديث 4326- طرفه في: 6766]
[الحديث 4327- طرفه في: 6767]
الحديث الثالث قوله: "عن عاصم" هو ابن سليمان، وأبو عثمان هو النهدي، وشرح المتن يأتي في الفرائض، والغرض منه ذكر أبي بكرة واسمه نفيع بن الحارث وكان مولى الحارث بن كلدة الثقفي، فتدلى من حصن الطائف ببكرة فكني أبا بكرة لذلك أخرج ذلك الطبراني بسند لا بأس به من حديث أبي بكرة، وكان ممن نزل من حصن الطائف من عبيدهم فأسلم فيما ذكر أهل المغازي منهم مع أبي بكرة: المنبعث وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب،

(8/45)


وكذا مرزوق والأزرق زوج سمية والدة زياد بن عبيد الذي صار يقال له زياد ابن أبيه، والأزرق أبو عقبة وكان لكلدة الثقفي، ثم حالف بني أمية لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفعه لخالد بن سعيد بن العاص ليعلمه الإسلام، ووردان وكان لعبد الله بن ربيعة، ويحنس النبال وكان لابن مالك الثقفي وإبراهيم بن جابر وكان لخرشة الثقفي، وبشار وكان لعثمان بن عبد الله، ونافع مولي الحارث بن كلدة، ونافع مولي غيلان بن سلمة الثقفي، ويقال كان معهم زياد ابن سمية والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره، ولم أعرف أسماء الباقين. قوله: "تسور" أي صعد إلى أعلاه وهذا لا يخالف قوله: "تدلى" لأنه تسور من أسفله إلى أعلاه ثم تدلى منه. وقوله: "وقال هشام" هو ابن يوسف الصنعاني، ولم يقع لي موصولا إليه، وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر لكن عن أبي عثمان وحده عن أبي بكرة وحده بغير شك، وغرض المصنف منه ما فيه من بيان عدد من أبهم في الرواية الأولى فإن فيها "تسور من حصن الطائف في أناس" وفي هذا "فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف" وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره وهو شيء قاله موسى بن عقبة في مغازيه وتبعه الحاكم، وجمع بعضهم بين القولين بأن أبا بكرة نزل وحده أولا ثم نزل الباقون بعده، وهو جمع حسن، وروى ابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس قال: "أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف كل من خرج إليه من رقيق المشركين" وأخرجه ابن سعد مرسلا من وجه آخر. قال: "اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحور كما وأبشرا" فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما فأفضلا لها منه طائفة.
4328- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي. فَقَالَ: لَهُ أَبْشِرْ فَقَالَ قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلاَلٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا قَالاَ قَبِلْنَا ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ اشْرَبَا مِنْهُ وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا" فَأَخَذَا الْقَدَحَ فَفَعَلاَ فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلاَ لأُمِّكُمَا فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَة" .
قوله: "وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة" أما الجعرانة فهي لكسر الجيم والعين المهملة وتشديد الراء وقد تسكن العين، وهي بين الطائف ومكة وإلى مكة أقرب قاله عياض. وقال الفاكهي: بينها وبين مكة بريد. وقال الباجي: ثمانية عشر ميلا. وقد أنكر الداودي الشارح قوله إن الجعرانة بين مكة والمدينة وقال: إنما هي بين مكة والطائف وكذا حزم النووي بأن الجعرانة بين الطائف ومكة وهو مقتضى ما تقدم نقله عن الفاكهي وغيره. قوله: "أعرابي" لم أقف على اسمه. قوله: "ألا تنجز لي ما وعدتني" يحتمل أن الوعد كان خاصا به، ويحتمل أن يكون عاما، وكان طلبه أن يعجل له نصيبه من الغنيمة فإنه صلى الله عليه وسلم كان أمر أن تجمع غنائم حنين بالجعرانة وتوجه هو بالعساكر إلى الطائف، فلما رجع منها قسم الغنائم حينئذ بالجعرانة. فلهذا وقع في كثير ممن كان حديث عهد بالإسلام استبطاء الغنيمة واستنجاز قسمتها. قوله: "أبشر" بهمزة قطع أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر. قوله: "فنادت أم سلمة"

(8/46)


هي زوج النبي وهي أم المؤمنين، ولهذا قالت: لأمكما. قوله: "فأفضلا لها منه طائفة" أي بقية. وفي الحديث مقبة لأبي عامر ولأبي موسى ولبلال ولأم سلمة رضي الله عنهم.
4329- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَ فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ مَعَهُ فِيهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَ فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك " .
الحديث الخامس قوله: "حدثنا إسماعيل" هو ابن إبراهيم المعروف بابن علية، ويعلى هو ابن أمية التميمي، وقد تقدم شرح حديثه مستوفى في أبواب العمرة.
4330- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: "لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَلًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْض" .
[الحديث 4330- طرفه في: 7245]
الحديث السادس قوله: "حدثنا وهيب" هو ابن خالد. قوله: "عن عمرو بن يحيى" في رواية أحمد عن عفان عن وهيب "حدثنا عمرو بن يحيى" وهو المازني الأنصاري المدني. وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند مسلم عن عمرو بن يحيى بن عمارة. قوله: "لما أفاء الله على رسوله يوم حنين" أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم يوم حنين، وأصل الفيء الرد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ عليه، فإذا غلب

(8/47)


الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم، وقد قدمنا قريبا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحبس الغنائم بالجعرانة، فلما رجع من الطائف وصل إلى الجعرانة في خامس ذي القعدة، وكان السبب في تأخير القسمة ما تقدم في حديث المسور رجاء أن يسلموا، وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والأطفال وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفا والغنم أربعين ألف شاة. قوله: "قسم في الناس" حذف المفعول والمراد به الغنائم، ووقع في رواية الزهري عن أنس في الباب: "يعطي رجالا المائة من الإبل" . وقوله: "في المؤلفة قلوبهم" بدل بعض من كل، والمراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا، وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية. وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهما الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل: كفار يعطون ترغيبا في الإسلام، وقيل مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم، وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم. وأما المراد بالمؤلفة هنا فهذا الأخير لقوله في رواية الزهري في الباب: "فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم" . ووقع في حديث أنس الآتي في "باب قسم الغنائم في قريش" والمراد بهم من فتحت مكة وهم فيها. وفي رواية له "فأعطى الطلقاء والمهاجرين" والمراد بالطلقاء جمع طليق: من حصل من النبي صلى الله عليه وسلم المن عليه يوم فتح مكة من قريش وأتباعهم، والمراد بالمهاجرين من أسلم قبل فتح مكة وهاجر إلى المدينة. وقد سرد أبو الفضل بن طاهر في "المبهمات" له أسماء المؤلفة وهم "س" أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، "س" وحكيم بن حزام، وأبو السنابل بن بعكك، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش، وعيينة بن حصين الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وعمرو بن الأيهم التميمي، "س" والعباس بن مرداس السلمي، "س" ومالك بن عوف النضري، والعلاء بن حارثة الثقفي وفي ذكر الأخيرين نظر: فقبل إنهما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة، وذكر الواقدي في المؤلفة "س" معاوية ويزيد ابني أبي سفيان، وأسيد بن حارثة، ومخرمة بن نوفل، "س" وسعيد بن يربوع، "س" وقيس بن عدي "س" وعمرو بن وهب، "س" وهشام بن عمرو. وذكر ابن إسحاق من ذكرت عليه علامة سين وزاد: النضر بن الحارث، والحارث بن هشام، وجبير بن مطعم. وممن ذكره فمهم أبو عمر سفيان بن عبد الأسد، والسائب بن أبي السائب، ومطيع بن الأسود وأبو جهم بن حذيفة. وذكر ابن الجوزي فيهم زيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وحكيم بن طلق بن سفيان بن أمية وخالد بن قيس السهمي، وعمير بن مرداس. وذكر غيرهم فيهم قيس بن مخرمة، وأحيحة بن أمية بن خلف، وابن أبي شريق، وحرملة بن هوذة، وخالد بن هوذة، وعكرمة بن عامر العبدري، وشيبة بن عمارة، وعمرو بن ورقة، ولبيد بن ربيعة، والمغيرة بن الحارث، وهشام بن الوليد المخزومي. فهؤلاء زيادة على أربعين نفسا. قوله: "ولم يعط الأنصار شيئا" طاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة. وقال القرطبي في "المفهم" : الإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس، ومنه كان أكثر عطاياه، وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم" أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو، وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة. وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال: " إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجيرهم وأتألفهم" . قلت: الأول هو المعتمد، وسيأتي ما يؤكده. والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي، ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف،

(8/48)


وقيل إنما كان تصرف في الغنيمة لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه. وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة، واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس. وقال ابن القيم: اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سببا لدخول كثير من قبائل العرب في الإسلام وكانوا يقولون: دعوه وقومه، فإن غلبهم دخلنا في دينه، وإن غلبوه كفونا أمره. فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه، وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله، ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسلمين مع كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن النصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم، ولو قدر أن لا يغلبوا الكفار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظما، فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعا متخشعا، واقتضت حكمته أيضا أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها. ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم، بخلاف قسمته على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول، فكان في ذلك عظيم المصلحة. ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلا ولا كثيرا مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ما هم فيه، فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم، فرأى كثيرهم أن يخرجوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم فكانوا غنيمة للمسلمين، ولو لم يقذف الله في قلب رئيسهم أن سوقه معه هو الصواب لكان الرأي ما أشار إليه دريد فخالفه فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين، ثم اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويوكل من قلبه ممتلئ بالإيمان إلى إيمانه. ثم كان من تمام التأليف رد من سبي منهم إليهم، فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين، وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع بهم من الكسرة وبما قيض لهم من الدخول في الإسلام، ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها. وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم فقد اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم، ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله إلى بلادهم، فسلوا عن الشاة والبعير، والسبايا من الأنث